لقد قتلت صديقي كي لا أفقده


عزيزي بريد الجمعة،

تحية طيبة و بعد،

أرجو أن تعذرني إن طال خطابي، في يوم دخل علي زوجي و هو شريد الذهن و مشتت التفكير، فاتح فاهه كأنه رأي الموت بعينيه و دخل الحجرة و ظل يصلي و يبكي، و حين سألته عن السبب و أنا في جزع شديد، فأنا لم أري زوجي يبكي قط سوي حين توفي والده، أجابني أنه دفن صديق عمره لتوه فانسحبت بهدوء لأن زوجي يفضل دائما أن يكون وحيدا في أوقات ضعفه و حزنه ، و في الصباح كان محموما فطلبت عمله و قلت لهم عما حدث فأتوا في المساء و عزوه و أنا و الأولاد إرتدينا الأسود طوال ثلاث أيام الحداد، فأنا قد تزوجت و سافرت مع زوجي و لم أر صديقه هذا سوي في الزفاف و لكنه كان دائم الحديث عنه و مراسلته، و منذ ذلك الحين و أنا أجده يختلي بنفسه كثيرا يكتب و حين أسأله يجيبني أنه يكتب رسالة لصديقه و حين تعجبت أجاب:” أعلم أنه قد مات و لن يقرأ جواباتي و لكني أشعر بالراحة حين أتحدث معه و أكتب له حتي لو لم يجيبني أو يرد علي”

فأحترم مشاعره و أقدر مدي معزة هذا الصديق في قلب زوجي و لكن زوجي مريض بسرطان في المخ و أنا طالما أقلق عليه أن يزيد حزنه هذا و يساعد في تدهور حالته. و لكن بعد مرور عدة أشهر، جائني تليفون و إذ بي أفاجأ أن ذلك هو صديقه فلم أصدق أذناي و هرعت لزوجي و قلت له في فرح أن صديقه علي قيد الحياة و أنه علي التليفون و أنه يكلمه ليبلغه أنه أصبح مديره في العمل و كان زوجي كعادته يكتب له خطابا فأجاب بمنتهي الهدوء و حتي دون أن ينظر إلي، قولي له أني مستقيل و أنه بالنسبة لي قد مات و أني أخذت عزائه، و مع إصرار زوجي و تأكيده فعلت ما أراد ، فإذا بصديقه يصرخ بالتليفون:”أيقتلني و أنا ما زلت حي أرزق، أنا قادم الآن لأري ذلك الذي فقد صوابه”

و بالفعل جاء و خرج زوجي لمقابلته،

الصديق:”أهكذا أتقتلني و أنا حي أرزق و تأخذ عزائي؟؟؟”

الزوج:”نعم لقد قتلتك كي أحتفظ بصورتك المثالية بداخلي، ربما أنت نفس جسد صديقي و لكنك بالتأكيد لست هو، أنت من قتله و ليس أنا، لقد كان صديقي حنونا رحيما طيب القلب، رقيق المشاعر، مرهف الحس، و لكن الذي أمامي ذئب مسعور يبحث عن المال و المركز، أناني لا يهتم بأحد سوي نفسه و لا يعبأ بمشاعر من حوله”

الصديق: “أنت تتحدث عني هكذا لأنك قد حققت كل ما تحلم، سافرت و عملت بالخارج و عدت غنيا و صاحب خبرات جيدة و عملت بمركز مرموق طبعاٌ، سعيد في زواجك، ناجح في تربية أولادك لو كنت مثلي و رأيت ما رأيته و عانيت مثلي لكنت أصبحت أناني أكثر مني”

الزوج:”أنا غير مسئول عن فشلك، لقد أرسلت لك لتجئ و تعمل إلي جواري في الخارج و لكنك رفضت لتراعي والديك و قد زاد ذلك إحترامك في نفسي ،و عذرتك مؤخرا لعدم الرد علي رسائلي لظروفك العائلية و عدم إستقرارك و لكن آخر ما كنت أتصوره، أنه حين أجيئ لك و أبلغك اني مريض بسرطان في المخ و فوجئت بك تقف و تنظر في ساعتك بمنتهي الإستعلاء و تعتذر و تمشي لأن عندك إجتماع و تقول في سعادة أنك ستبلغني خبر سعيد قريبا و هو أنك ستصبح مديري في العمل و حين رأيت الحسرة و الندم في عيناي سألتني بإستخفاف:”هتعمل عملية و لا لأ” و مضيت دون حتي أن تنتظر أن تسمع الجواب”

فصمتا و إستطرد زوجي قائلاٌ:”لم أستطع تحمل الصدمة فأعتبترك مت حتي تظل نبيلا شريفا مخلصا فأنت جزء مهم و كبير في حياتي، فكل ذكرياتي أنت بها أنا لا أستطيع أن أذكر أي شيء في حياتي إلا و ذكرت إسمك عدة مرات، انت صديق حياتي طفولتي و شبابي و خريفي، لقد أتيت لك و كنت أنوي أن أوصيك علي أولادي و زوجتي و أطلعك علي أموالي أبلغك بأسراري التي لم أطلعك عليها في حينها و لكنك لم تعطيني فرصة أقول أي شيء، عجز لساني عن النطق و ظللت اسأل نفسي كيف يمكن أن يتغير الإنسان هكذا، لقد كنا لا نأكل مع أسرنا لنأكل مع بعضنا البعض، حين كنت أخطأ كنت تذهب لوالدينا و تقول أنك أنت من فعل هذا و تضرب حتي لا يعاقبوني و كنت أعترض و أعترف بخطأي حتي أنجيك و نضرب سويا و لكنا كنا نتذكر ذلك و نضحك بعد ذلك، حتي إبنة الجيران رفضنا أن يتزوجها أي منا حتي لا تسبب فرقة بيننا لأننا كنا نحبها نحن الإثنين فأنا حقا أتعجب كيف يمكن لإنسان أن ينقلب من كل هذا الحب و الحنان إلي كل هذا الحقد و الغيرة، حين شعرت بالضعف لم أفكر إلا باللجوء إليك و البحث عن القوة و الدعم منك و لكني صدمت صدمة عمري فليغنني الله عنك فأنا لا أعبأ بالموت، فالله أرحم الراحمين، هو سيتولي أولادي و زوجتي و سيكون أرحم مني عليهم، أما أنا فأصبحت أتمني الموت سريعا و أنا صلبا وواقفا علي قدماي و أن يغنني الله عن سؤال اللئيم، فالموت الآن رحمة لي، أنا لا أريد أن أعيش في زمن يتبدل به الطيب بالشرير علي هذا النحو و أرجو أن تذهب فأنا لا أريد أن أراك”.

و بالفعل خرج صديقه و هو ملي بالحزن و الندم و الحسرة و إستطاع زوجي الإنتقال لإدارة أخري و أصبح حين يري صديقه لا يلقي عليه حتي السلام فهو قد مات بالنسبة له. و لكن ما زال زوجي كلما إشتد عليه الألم أو الحزن أو الذكريات ينسحب و يكتب رسالة لصديقه الذي لم يعد له وجود سوي بداخله ثم يخرج علينا في أفضل صحة و مرح و سعادة و أراه مليء بالحيوية و النشاط كأنه عاد شابا مرة أخري، رغم سعادتي لذلك إلا أني قلقة عليه فهو يرفض أي علاج سواء نفسي أو عضوي و أنا أصبحت أقلق عليه من الفصام أكثر من السرطان، فماذا يجب علي أن أفعل؟

إنجي فوده

28 أبريل 2010

 

1 thought on “لقد قتلت صديقي كي لا أفقده

  1. إنجي فوده
    سيدة المواقف تسرد القصة ونعيش معها بكل ما نملك فعلا العيب فينا تتغير دواخلنا بتغير احوالنا تتغير ضحكتنا بقدر اموالنا يقل حبنا للاخرين كلما زاد جاهنا فعلا زوجك يملك الشخصية الرجل الحق المحافظ الدي يعرف في الاصول انا اعرف انه سيتحلى بالقوة اتدرين لمادا لانك معه انت وتوكله وحبه لله هما اكبر مساند له

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.