هذه الفتاة ستجلب لنا العار!!!!

في عام 1920، في إحدي قري دلتا مصر، قام السيد كمال بخطبة فتاة جميلة إبنة اسرة ذات حسب و سمعة طيبة بقرية مجاورة لقريته، و كان السيد كمال هو الآخر إبن أحد أثرياء قريته و كان يعمل بالتدريس في المدرسة الثانوية بقريته. و قد أحب خطيبته حبا جنونيا و هي كانت تبادله نفس هذه المشاعر و لكن للزواج تقاليد يجب إتباعها و كل شئ لازم يأخذ وقته حتي يظهر بمظهر يليق بالعائلتين الكبيرتين و لكن كبراء هاتين العائلتين لم يأخذا في إعتبارهما مشاعر هذين الشابين.

فهذه المشاعر قد إتقدت و إحتدت و أصبحت الفتاة تتحجج بشراء أي شئ أو زيارة أية صديقة لتلقي حبيبها و خطيبها دون علم أهلها، و هو لم يكن يري عيبا في ذلك لأنه تقدم فعلا لخطبتها و كل المسألة هي مسألة وقت و قد أقنعها أنهما لا يقومان بأي خطأ إنهما فقط يحاولا أن يتعرفا علي بعضهما البعض بعيدا عن الأنظار ليكون لهما حرية أكثر، فهما لا يستطيعان أن ينبسا بكلمة في الزيارات العائلية الإعتيادية التي تتم في منزل العروس و يكتفيا فقط بتبادل النظرات و الإبتسمات و بالطبع يكون أعين الأمهتين و الأختين و بنات خالات و عمومة العروس كلها مركزة علي هذه النظرات و الإبتسامات!!

و لكن بطبيعة الحال أصبحت هذه الخلوات في تطور طبيعي بدأت بالتعارف ثم كل منهما حكي للآخر قصة حياته ثم تكلماعن الأحلام و الأمنيات و هنا كانت نهاية المطاف بعدما كانت كلمات إعجاب بريئة أصبحت غزل عفيف ثم غزل صريح فغرقا بالأحلام و تصوروا أنفسهم زوجين. و بالطبع هناك دائما من يراقب الحب فطارت الشائعات من هنا و هناك و كثر الحديث عن مقابلتهما حتي وصل هذا الكلام إلي الوالد و أخو و أعمام و إبناء عمومة هذه العروس الجميلة.

و بعدما حدث ما حدث، اضربت العروس عن مقابلة حبيبها قط و قلق السيد كمال عليها كثيرا فطار ورائها يحث أهله علي سرعة إتمام الزواج و كثرت زياراته وحده لبيت العروس لعله يراها و لو من بعيد و ليطمأنها أنه يحبها أكثر و عندما بدأ إصراره و عنده يزيدان، ساور الأب القلق أن تكون الشائعات صحيحة خاصة بعدما لاحظ إكتئاب العروس و بدأ وجهها يشحب و يذبل و لم يعد يري الفرحة ترفرف في عينيها كما قبل، فقرر إنهاء الزيجة حتي يقضي علي كل الشائعات و أصر علي زواجها من أحد أبناء عمومتها سريعا!!

و عندما علم السيد كمال بذلك تعجب كثيرا من مثل هذا القرار و ذهب سريعا لوالدها فوجد الأب في قمة الغضب و قال بصوت أجش عال أهتزت له الأشجار المحيطة بالمنزل:”منذ أن أنجبت هذه الفتاة و أنا أعلم أنها ستجلب لنا العار!! العار العار!! ليتني دسستها في التراب وقتها، غدا زواجها من ابن عمتها فأذهب من هنا و لا أريد أن أراك ثانية”.

فإختفي من أمام الأب و كل ما يرن في أذنيه تلك الجملة:” منذ أن أنجبت هذه الفتاة و أنا أعلم أنها ستجلب لنا العار!! العار العار!!” و ظلت كلمة العار تتردد في أذنيه إلي ما لا نهاية و كل ما أمام عينيه هو صورة حبيبته.

و بعد عدة سنوات توفي والده فأصبح ه وولي أمر و عائل أخته و أمه. و طوال هذه السنوات كان حزينا وحيدا، و قد أضرب عن الزواج.

ثم تقدم أحدا لخطبة أخته و قد سعدت الأسرة لذلك و لكن حدث مع أخته ما حدث مع حبيبته و جاءت إليه الشائعات الخبيثة عن أخته فإحتار في أمرها و لكنه عزم علي زواجها من إبن خالها في نهاية الأسبوع و إما أن تقبل و تطلق ال 21 طلقة المشهورة في اليوم التالي للزواج أو تكون جنازتها لتدفن في مدافن الصدقة في صمت و تكتم من كل العائلة حتي لا يلحقهم العار!!

و لم تجدي توسلات أخته أي صدي عنده حتي عندما جثت علي ركبتيها تحت قدميه تقبل يده و تطلب منه أن يقتلها عن أن يزوجها هذا الحيوان الذي يدعي إبن خالها، فهو هو الآخر كان يكره هذا إبن الخال فهو فعلا كالحيوانات غبي لا يعرف شيئا سوي الأكل، دائما متسخ المظهر، كريه الرائحة ذو شاربين طويلين أشعثين كما يقال عنهما يقف عليهم الصقر و لا يقع هما أشبه بفروع الشجرة!

و ذهب إلي حجرته و إختلي بنفسه و راودته كل هذه الأفكار، فهو قد أعلن فعلا الزواج و لا يستطيع أن يتراجع فيه و لا يمكن أيضا أن يذهب للعريس السابق و يطلب منه أن يعود ليتزوج أخته فهذا سيؤكد الشائعات لا محالة و سيظل العار يلاحق رجال العائلة قبل بناتها!!

و فاجأه مشهد جعله مصر أكثر علي قراره و هو أنه قد يأتي يوما و عند أي مشادة بينه و بين هذا العريس قد يتفوه العريس عند الغضب بما حدث و ينهي النقاش أنه يكفي أنه تستر علي أخته و علي فعلتهما و عند هذا عزم علي قراره و قال لنفسه كأنما يحادث أخته:”هذا إبن الخال هو عقاب علي فعلتك مدي الحياة أم ظننت أن نكافئك و نزوجك من هذا العريس ليدس رؤوسنا جميعا في التراب!!”

و في يوم الزفاف لم ينم و ظل طوال الليل صورتا حبيبته و أخته تتبادلان في رأسه و أمام عينيه لا يدري ما يفعل!!

و قال:”ياللمصيبة، إن كانت هذه الشائعات الصحيحة، أفأقتل أختي فعلا،لا لن أستطيع، لا لن أفعل حينها يجب أن يقتلها إبن خالها فهو الزوج، لا لن أترك هذا الحيوان يلمس منها شعرة!! و سأخذها و أهرب بها إلي بلد لا تعرفنا، نعم هذا هو الحل، الهرب!! و عاد مرة ثانية يفكر، ياويلتاه و إن كانت هذه الشائعات باطلة و أختي عفيفة، ياويلتاه أكون قد عاقبتها علي فعلة لم ترتكبها؟! يا ربي ماذا أفعل!!”

و شعر حينها أن الله يعاقبه علي فعلته هو، و خرج مسرعا عازما أن يسأل أخته سؤالا مباشرا حتي يخرج من عذاب تلك الحيرة و لكنه عاد سريعا و أغلق باب غرفته عليه و قال:”ماذا أنا بفاعل، كيف أسألها مثل ذلك السؤال!! آه أيضا إذا سمعنا إحدي الخدم…..كلا !! أنا سأصمت و أترك الأيام و الأقدار تأخذ مجراها، و حين خرج سأل عن أخته و أمه فقال له الخدم أن الأم فوجئت بنقصان أشياء مهمة جدا بشوار العروس و سافرت إلي القرية المجاورة لإحضرها و سيعودا قبل الزفاف مباشرة فإستراحت أساريره و فرح كثيرا و ظن أن أمه قد أنقذت أخته و كانت أشجع منه فقامت هي و أخته بالهرب، فسعد لذلك كثيرا و لكنه فوجيء فعلا بعودة الأم و أخته قبل الزفاف و جاءت أمه إليه و إعتذرت له أنهما سافرا دون إذنه و الأمر لم يكن يحتمل أي إنتظار و ضغطت علي يده ضغطة خفيفة و طمأنته أن كل شيء سيكون علي ما يرام ، وألا يقلق، حينها تأكد بحدسه، إذن الشائعات صحيحة فطرق بعينيه ليطمئن علي أخته في حجرتها و قد إلتفت حولها كل بنات و نساء العائلة يجهزنها، تلك تكوي ذيل الفستان و هذه تسرح شعر العروس و تلك تضع الحنة و هذه تضع أحمر الشفاة و كل الأعين ترتكز علي إنعكاس العروس في المرآة إلا العروس نفسها فهي أشبه بالجثة التي يشدها الناس و يحركوها لتبدو حية و لكن الروح قد فارقت الجسد منذ زمن بعيد فعيني العروس دائما علي الأرض، و مقلتيها قلقتان في مكانهما كمن رأي عزرائيل و لا يصدق ما يري، كانت رقبتها دائما منكسرة حتي أن رأسها كان دائما ملامسا لصدرها كمن يدرب نفسه علي الوقوف علي المقصلة، و تمني حينها لو جاء عريسها السابق ليخطفها لسهل لهما الهرب فورا، و تعجب لماذا هذا العريس لم يكمل طيشه و يقدم علي هذه الفعلة و لكنه بعد ذلك علم أن العريس قد سقط مريضا منذ أن جاءه خبر زواج حبيبته من آخر و لا أحد يعلم ماذا سيكون مصير هذا العريس!!

و في اليوم التالي علي التوالي قد جافاه النوم و ظل قلقا علي أخته يفكر الاف المرات في أن يفتح حجرة أخته فجأة و يقتل هذا الوحش و لكنه كان أضعف من ذلك و لم يستطع فعل أي شيء و أصبر نفسه أن هذا سيؤكد الشائعات و يلزقها بأخته مدي حياتها و سيلحق العار بالعائلة، العار، و ظلت صورة والد حبيبته تردد كلمة العار في أذنيه حتي كادت تنفجر رأسه!!

و في الصباح وجد إبن خاله يخرج بشاربيه و رائحته كأنه طرزان الذي قد أجهز لتوه علي أسد بساعديه و النشوة و السعادة يطلان من وجهه و حين تسقط عينيه علي أخته، يقول:”ليتني قتلتها”، فقتلها كان رحمة لها عن هذا العذاب و تدمع عينيه و بعد يومين لم تحتمل نفسه كل هذا العذاب وعدم النوم فقرر هو الهرب، فطلب نقله إلي إحدي المدن الساحلية البعيدة حتي يرحم نفسه علي الأقل من رؤية أخته و ذلك الطرزان!!

و بعد فترة قصيرة تحولت حيات إلي إشراقة أكثر بسبب زميل له بالمدرسة الذي إتخذه صديقا و قد دعاه هذا الصديق إلي منزله مرات كثيرة و كان في مرة لا يكل و لا يمل من الإطراء علي زوجته و علي أكلها و حسن خلقها و طيب أصلها و حسن معاشرتها و ينهي هذه الوصلة بأنه يكفي أنها رفعت رأسه وسط أهله بإنجابها ثلاث صبية معافين أقوياء و أذكياء (فكان ما زال في ذلك الوقت الإعتقاد بأن الزوجة هي المسئولة عن الإنجاب و عن نوع الجنين ) و لكن بعد فترة قصيرة يتوفي هذا الصديق، و يوصيه أن يدير حاله علي أسرته حيث أنهم لا إرث لهم فيعقد السيد كمال العزم علي أن يتزوج هذه السيدة، فهو لم يعد يثق بأية نساء و لا يدري كيف أمه خدعت ابن خاله الذي يظن نفسه أذكي الأذكياء، فأصبح عنده دائما شك في كل النساء أنهن مثل حبيبته و أخته، لهما قصة حب مجهولة مدفونة في الأعماق لا يدري بها أبدا ذلك الزوج المخدوع و هو يأبي علي نفسه أن يكون ذلك المغفل، و هو بذلك تساوي مع جهال القوم و لم ينقذه التعليم أو نسي كل ما قرأ في الدين و ترك نفسه فريسة لمثل هذه العادات البالية و المفاهيم العقيمة، و حينما كان يري في أعين الناس السؤال و تعجبهم من تزوجه من أرملة و هو لم يسبق له الزواج، يصبّر نفسه بإجابة أنه علي الأقل ليس مخدوعا فهو يعرف من كانت هذه المرأة تحب و أنه حتي لم يشعر بالأذي أو الضيق قط حين أخطأت عدة مرات و نادته بإسم زوجها المتوفي بل ذلك كان يطمأنه أكثر أنها زوجة عفيفة و لكنه أحيانا يشعر بالغيرة من أن حظ صديقه و أنه تزوج من أحب و عاش حياة هنيئة.

و بعد سنة من الزواج أنجبت الزوجة وليدا، طبعا كان يفكر دائما أنه ولد لا محالة، فهذه الزوجة لا تنجب سوي الأولاد، و هو قد أصبح يكره البنات و النساء كافة، و لكن شاءت مشيئة الله أن تكون طفلة، نعم إنها مولودة و ليست مولود، و حين وضعت الداية الإبنة في يده ملفوفة و هي تزغرد و تسمي و تقرأ كل ما تحفظ من القرآن علي هذه الطفلة و هو لا يفهم لما، إنها بنت، علام تعويذها، إنها مصيبة، آحدا يعوذ مصيبة من الحسد، و حين وقعت عيناه عليها  ووجدها كالبدر المكتمل، وجه مستدير، عينان واسعتان، بياض كاللبن، وقع علي أقرب كرسي و عاوده كل الماضي، آه إلي أين الهرب، كيف الهرب هذه المرة، و كل ما ظل يدوي في أذنيه كلمة حماه السابق:”منذ أن أنجبت هذه الفتاة و أنا أعلم أنها ستجلب لنا العار …. العار”

و نسي الآية الكريمة:” وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا”

(سورة النساء آية 9)

والحديث الشريف:” إن كلكم راع، و كل راع مسئول عن رعيته”

وأن العار لا يجلب إلا بعدم تقوي الله و عدم رعاية العوائل!! و همس له الشيطان أنه لا جدوي سوي حل واحد و هو عزل هذه الفتاة عن الناس حتي لا يراها الناس و كسر كل المرايا حتي لا تري نفسها و إقناع البنت أنها قبيحة و دميمة و ينقبض نفس كل من يقع عينه عليها، و حين كبرت البنت قليلا و بدأت تتفتح للدنيا، و بدأت تسأل عن الناس و عن سبب عدم قدرتها علي القرأة مثلا مثل والديها و أخوتها و تريد أن تعرف مدي قبحها، فأجابها والدها أنه حرمها التعليم و منعها الناس لينقذها من همس و لمز الناس عنها بالسوء و شفقة من سماعها لسخريتهم لها و رحمة بها من أن تري تقطب الناس كلما وقعت عيناهم عليها، و حين تكرر سؤالها عن مدي قبحها: أحضر لها بعض الإسطوانات التي تمدح السمر فقط مثل أسمر يا أسمراني أما هي فبيضاء كاللبن إذن هي قبيحة و كريهة و إسطوانة قارئة الفنجان:”و الشعر الغجري” أما هي فشعرها ناعم مسترسل علي كتفيها ذ1ن هي دميمة قبيحة و بالطبع بسبب جهلها لم تعلم قط أي شيء عن عمليات غسيل المخ و قد صدقت كل ما قاله أبوها لها، فهو الوحيد الذي يحبها و يخاف عليها و لا ينقبض وجهه عند رؤيتها حتي أمها دائما ما تري أمها تنظر لها بحزن و شفقة و أخوتها كذلك و حين تسألهم عن السبب لا أحد يجيب أما والدها فتتهلل أساسيره لها، و كثيرا ما كانت تسمع أخوتها يتشاجرون مع والدتهم و تسمع إسمها يتكرر و لا تعرف السبب و لا تري أن أمها أو أبيها مقصرين في أي شيء معهم بل يأخذون أكثر مما يطلبون و في أي وقت و حين تسأل الأم، تنكسر عينا الأم و يملآن بالدموع و تبكي و تجيب: “لا شيء يا بنيتي، إنهم فقط يفتقدون والدهم المتوفي، أما والدك فهو فضله علينا جميعا، و يكفي أنه رحمنا و كفانا ذل السؤال”

و مرت أعوام و كبرت الفتاة و بدأ يتقدم لها الخطاب و إذا بالأب يرفضهم جميعاٌ دون إبداء أسباب و هنا غضب الأخ الأكبر غضباٌ عاصفاٌ و دخل و هو و أمه علي السيد كمال ليواجهوه بظلم ما يفعل، ما كانوا يتمنوه هو أن يأتي أحدا ينقذ هذه الفتاة المسكينة من ذلك الأب الظالم و تدور المواجهة علي ما يلي:

الأخ: “لماذا ترفض الخطاب؟ أتريدها أن تنحرف أم تهرب و تجلب لنا و لك العار ؟!”

فإذا بالأب يرد في جزع:”لا كلا إبنتي لن تجلب لنا العار، لا محالة، فلذلك أنا أبعدها عن كل الناس، و أنتم يجب أن تساعدوني، لن أقبل أن أدخل بيتي شخصاٌ يسمعها من الكلام المعسول ما يأخذ به قلبها و عقلها و كل شيء و عندئذ فقط ستجلب لنا العار، و لكني مطمئن الآن، فإن حاول أي شخص الإقتراب منها، فهي التي ستهرب منه، و لن تصدقه القول في أي شيء يقوله، و أنا قلت لها ذلك و إقتنعت أنها لا تملك أي شيء يجعل الناس يترددون إليها سوي أموالي، فكل من سيقترب منها سيكون طامعاٌ في ميراثها و أموالها”

فرد الأخ:”أنت …. كيف أنت هكذا، ألم تتعظ من سورة الكهف التي تقرأها كل جمعة، ألم تر كيف الله أرسل نبيه الخضر من أقاسي البلاد ليبني حائطا علي الكنز لأولاد تيتموا و لم يكن هناك أي فضل لذلك الرجل سوي أنه إتقي الله فحفظ الله أبناءه، إحفظ الله يحفظك، إتق أنت الله و لا تقلق عليها سيحفظها الله من كل سوء و كل شر و يرسل لها من ينجدها و يساعدها و يغنيها الله من حيث لا أحد يدري و لا يحتسب، فيجب أولاٌ أن تتق الله فيها، أنت ظالم ظالم ظالم، إنك تعاقب إبنتك علي ذنب هي لم تقترفه، نعم هذا ذنب أناسي في ماضيك أنت، هي لا تعرفهن، لم تدفع هي ذنب هؤلاء النساء، دعها تعيش عمرها و تتمتع بحياتها، إرحمها”

فيسقط الأب إثر هذه الكلمات و يشعر بمدي ظلمه لإبنته فيستدعيها علي الفور:”إبنتي، إعلمي إنك كنت الفرحة الوحيدة بحياتي، فأنت الوحيدة التي كنت تستطعين وضع الإبتسامة علي شفتي، بل إنك كنت الوحيدة التي كانت تجعلني أقهقه و أضحك ضحكات صافية من قلبي، و و كم أنا سعيد أنك خالفتي ظني و لم تجلبي لي العار، أرجوك سامحيني”

يتوفي الأب و تسافر العائلة إلي مسقط رأسه لدفنه و التشاور مع العائلة علي مصير الإبنة!!

فتقابلهم العمة ببرود و لم تبك أو تترحم علي أخيها فهي أصبحت جامدة كالصخرة، قاسية القلب، لا تحزن و لا تفرح، كل ما تفعله أنها تأكل و تشتري ذهبا، فهي أصبحت سمينة جداٌ كالبقرة، كان لزاماٌ عليها أن تتكيف مع حياتها مهما كان الثمن، و أكيد كان هذا هو الحل الوحيد لتستطيع تحمل ذلك الثور الذي يعيش ببيتها و هو أن تتحول هي الأخري إلي بقرة!!

دائماٌ تلبس ملابس سوداء قاتمة منذ زواجها و يداها و رقبتها يحملون من الذهب ما يكفي لفتح محل ذهب، إن زوجها قد إستولي علي كل أملاكها و أرضها و ثروتها و لا تجد طريقة لنزع المال منه و الحفاظ عليه غير علي هذه الشاكلة….

و كانت الإبنة دائماٌ تغطي بثوب من رأسها لقدميها حتي لا يراها أحد…

ولكن بعد الأربعين، أصرت العمة علي أن تتزوج الإبنة، فهي قد كبرت و وليها قد مات، فأحضرت الخاطبة و جلست الأم و الإبنة ينظرون ألي صور الخطاب، فإذا بالإبنة تختارأقبحهم و أغناهم، و تتحجج أمام الأهل بأنها بذلك لن تقلق من أن يكون طامعاٌ بثروتها و بالرغم من محاولات الأم و الأخوة و العمة و الخاطبة بإقناعها بأنها جميلة إلا أن باءت هذه المحاولات كلها بالفشل فمن ربي علي شيء مات عليه.

و في اليوم التالي من الزواج إستيقظت الإبنة و نظرت إلي زوجها النائم، فإذا بنفسها تنقبض لدمامة وجهه و لكنها حمدت الله أنه بذلك لن يسخر منها أبداٌ لقبحها، فهي بالتأكيد أجمل منه و لو لبعض الشيء و هو أغني منها و كريم إذن لن يطمع بإرثها و بذلك تكون مخاوف والدها جميعاُ قد تبددت

و لكن ذلك الزوج الشاب كان يعمل مهندساٌ بالقاهرة و كثيرا ما كان يسخر منه الأهل و الأصحاب و يؤكدون له أنه سيعيش وحيداٌ أبد الدهر و لن يجد من تقبل به زوجاٌ،و بعد أن نصره الله و تزوج هذه المرأة الجميلة أراد أن يكيد كل من عيره طوال حياته فحاول مرارا و تكرارا أن يأخذها لتخرج معه كاشفة وجهها فقط، و كانت دائماٌ ترفض بحجج مختلفة حتي يوما صارحته بحقيقة شعورها و أنها لا تجلس أمام المرآة حتي لا تري وجهها، فتعجب الزوج و ضحك كثيرا لما تقوله، و أخذها في ذلك اليوم لرؤية فيلم بالسنيما و جعلها تري و تسمع ما يقوله الناس عن النجمة الأمريكية بطلة ذلك الفيلم و مدي إستحسانهم و إعجابهم بفرط جمالها و بعد الفيلم إشتري صورة لتلك البطلة، و عند عودتهم للمنزل، أجبرها علي الجلوس أمام المرآة و جعلها تقارن نفسها بتلك النجمة الأمريكية و قال أنها حتي أجمل من تلك البطلة، و ظل هكذا حتي بدأت تلين و تفرح بما يقوله زوجها و بدأ يشتري لها مجلات الموضة و الفن و المسرح و يقرأها لها و بعد عدة مرات وافقت الزوجة علي الخروج معه دون وشاح يغطي وجهها و الخروج للعشاء مع أصدقائه و أسرهم، و لكن كان الغالبية من الحاضرين لم يتزوجوا أصلا و يقضي حياته لهوا و لهثا وراء النساء، و بالطبع كان الزوج في منتهي الفخر و الخيلاء بزوجته و إختلق قصصا عن مدي حبها له و كم سعت ورائه و ترجته حتي يتزوجها، و بدأ الأصدقاء يسعون ورائها بالغزل و الإبتسامات و الهدايا ثم المكالمات التليفونية أثناء غياب الزوج بالعمل و كانت الزوجة تسعد كثيرا لهذا الكلام و كلما سعدت كلما دعت علي والدها الذي حرمها متع الحياة و كم رفضت أن تترحم عليه بعد أن أفقدها الثقة في كل ما قاله لها عن الزواج و الحب و الشرف!! “الحب ضعف و ضياع، لا تحبي و الزواج إستعباد و سخرة لا تتزوجي، حافظي علي شرفك فهو كل ثروتك!!”

و بعد فترة بدأت الزوجة تضجر من زوجها و تعايره بقبحه مقارنة بأصدقائه و طلبت منه الطلاق لأنها تحب أحدهم و ستتزوجه، و لكن هيهات أن يتزوج رجل من إمرأة طلقت من أجله، فتسلي بها ثم هجرها، و توالي الرجال و إنحرفت الإبنة فكانت هي التي جلبت العار لوالدها و كل عائلتها!!!!!!!!!!

18 أغسطس 2009

إنجي فوده

 

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.