كيف جعلونا كلنا خالد سعيد

قصة مستوحاة من حديث شخص ليس له في السياسة و لكنه نزل المظاهرات و ساعد في تنظيف الميدان

قمت من النوم و أنا في غاية التعب كأني لم أنم و كأن لم تغمض لي عين، كانت أحلام أو كوابيس لا أستطيع التحديد بعد، فكل شيء معبأ بالغمام في عيني، “عيني”؟! لا لأكن أدق لأساعد نفسي علي الفهم، كل شيء كان معبأ بالغمام في رأسي، و هكذا كانت كل الأجواء و أنا نائم،لا أشعر سوي أني منهك تماما و أنهج و لا أستطيع التنفس من كثرة و سرعة الجري، نعم لقد كنت أجري و أنا نائم، ها قد بدأت ملامح الحلم تظهر

نظرت الي الموبايل: انها الساعة 8:30 صباحا يوم 31 يناير 2011 فذهبت و استحممت و نظرت لنفسي بالمرآة بعد أن مسحت بخار الماء بيدي:”من أنا؟” فتذكرت وجه حماي و هو يقول: “أكثر مايعجبني بك يا إبني أنك معتدل، لست متطرفا في شئ، و لا لك في السياسة و لا ملتحي و لا سلفي و لا إخوان و لا لك في السجائر و لا في المخدرات و لا لك في المشي البطال، راجل بتاع بيتك و شغلك و بتصلي فروضك، أنا كده أبقي مطمن علي بنتي معاك”

نظرت فوجدت عيناي تلمعان، أنا لم أر عيناي تلمعان علي هذا النحو من قبل، شعرت أن شكلي وسيم بالرغم من عيني المتورمة الزرقاء و الجروح المتفرقة في الوجه و الشفاة المفتوحة و لا زال بها اثار للدماء و السنة التي تكسرت.

فأرديت أعز ملابس عندي و قلت لنفسي:”أحب أن أستشهد و أنا في هذه الملابس و صليت و حرجت و وجدت والدتي تشاهد التلفزيون فقبلتها في جبينها و حيين سألتني في فزع:”إلي أين تذهب؟” فابتسمت و أجبت:”ذاخب إلي ربي لعله يهديني”، فظنت أني ذاهب المسجد، و لكني ذهبت لميدان التحرير.

و نزلت الشارع غير عابئ و لا أخاف شئ، أشعر أني قوي، و فجأة تذكرت، لقد رأيت هذه اللمعة في عيني بالأمس، و لكنها لم تكن لمعة عيناي بل كانت لمعة السكين الذي كان بيدي في محل البقال، محل البقالة هذا يقع تحت بلكونة شقتي و سمعت البقال يصرخ و يستغيث من أحد البلطجية الذين دخلوا للاعتداء عليه و سرقته فهرعت مسرعا فهو رجل مسن و طيب و طالما أغدق علي بالحلوي و أنا صغير و كان دائما يربت علي كتفي و أنا شاب أقف مع أصحابي و يقول لي: “أنا فخور أنك قوي و لا تتأثر بأصدقاء السوء هؤلاء ليتك تتركهم؟” فأضحك و أقول له: “أنهم أصحاب طفولتي و جيراني يا حج محمد كيف لي أن أتركهم؟”

فدخلت المحل و وجدت هذا الحيوان يتهجم علي عم محمد يضربه و لمحت السكين علي مكنة تقطيع الجبن الرومي و لكني حفت لحظتها أن أمسك بها و مع سرعة الأحداث هجمت عليه من الخلف و بدأت أضربه و لكنه بطحني أرضا و ظل يركلني و يحماني ليضرب بي أي شئ بالمحل فخبطني في مرايا الحائط لأكسرها برأسي و رأيت دمي ينتشر علي المرايات الصغيرة المنكسرة ليتضاعف بشكل منهمر أما عيني فظننت أني أموت و تركني لأقع علي الأرض، و فجأة وجدت قوة في يداي و جسمي لم أعهدهما من قبل فقمت و لطمته في وجهه لطمة رجل يحارب “من أجل البقاء”، ففتحت شفاهه ونزلدمه علي وجهه و ملابسه و تحول إلي ثور أهوج أصدر أهه عالية جدا و جري تجاههي و يده تحاول أن تصل إلي، فجريت و احتميت ببنك المحل وأصرخ: “اجري يا عم محمد” و حميت رأسي بيدي و إنطويت إلي الأرض و فعلا كما توقعت رمي علي رأسي كل ما كان علي البنك و ليقفز علي ليطبق في رقبتي فجريت و لكن هذه المرة في إتجاه السكين و مسكته و لمحت لمعة السكين تنعكس في عيني في المرآة التي وراء البلطجي و أنا أنظر إليه، و حدثتني نفسي أن أقتله، و شعرت بنشوة غريبة تنتشر في أنحاء جسدي من رأسي إلي يداي و قدماي، و دار حوار مع نفسي و قلت سأضع هذا السكين في كرشه ليخرج هذا اللون الأحمر الزاهي ليقضي علي كل آلام جسدي بل علي كل مشكلاتي و كل مشكلات مجتمعي و بدأت أشعر بزهو أني الأقوي و أني البطل و أني المنتصر و لكني أفقت علي نظرة رجاء في عين البلطجي و هو يقول:”أوامر يا بيه أنا عبد المأمور” و كأنه كان يسمع حديثي مع نفسي و هممت لأضعها لتستقر في بطنه ليخرج اللون الأحمر الزاهي و تستقرأعضائه و تهدأ أنفاسه و تضيع آلامي مع إستقرار أنفاسه و نظرت للسكين و لكني تذكرت أمي و هي تقول:”لا تهزر مع أصدقائك بالسكين، إن الشيطان يقف علي رأسها ليدفعها بيدك في جسم صديقك”، فصرخت في وجه البلطجي :”إجري أحسن أموتك”، فخرج مسرعا و ما أن عدا بجانبي إلا أن أسقطت السكين من يدي علي الأرض، لم يكن حديثا مع النفس بل مع الشيطان، كم القتل صعبا، لحظة، هي لحظة أقل من الثانية و كنت سأتحول إلي قاتل، حتي لو رآني الناس أني بطل سأظل أمام نفسي قاتل، و تذكرت حديث والدي أن أكثر مشكلة في الحرب مع إسرائيل كانت إقناع الجنود البسطاء بإطلاق النار، كانوا يفضلون أن يستشهدوا علي أن يقتلوا شخصا لا يعملوه، فصعدت لبيتي و الجميع يشكرني و لكني لم أكن أسمع أحد و دخلت حجرتي و دخلت أمي ورائي و هي تحمل الثلج و تحمد الله أنه لم يحدث لي شخص و كيف أنها كانت ستستطيع أن تعيش من دوني.

و فتحت الجهاز و كل ما برأسي كانت صورة خالد سعيد و فجأة ظهرت إجابة “من أنا” ، أنا شاب معتدل كما يقول حماي، و لكني إشتركت في هذا المجموعة لأني رأيته عمل إجرامي مشين وكنت أقرأ مقالات الكتاب المعبرين عن المعارضة من باب العلم بالشئ، صحيح أني لا أدخن، و لكني أتمني لو دخنت و أصدقائي أصدقاء سوء لأني أحب مشاهدة منظر السيجارة في أيديهم، صحيح ليس لي في المشي البطال و لكني أعشق النساء و كنت أتمني أن أكون في عصر الجواري و السبايا ليكون لي حريما كثيرة تحت إمرتي، لم أشترك يوما في مقاطعة المنتجات الأمريكية لأني أحب البيتزا، ما كنت أري نفسي لا شجاعا و لا قويا و لا جبانا و لا متخاذلا، إنسان عادي يعيش مثلما يعيش الناس و سيموت وقتما يريد الرحمن، لا أفكر بالحياة و لا بالموت و لا أهتم بإجابة سؤال:”ماذا تري نفسك بعد 5 سنوات”، “ولا ما هي أهدافك في الحياة”، “و لا ماذا فعلت للإسلام”

كنت أراها أسئلة تسألها البنات ليقرروا من سيكون “العريس المستهدف” و لكن الآن حين نظرت لصور خالد سعيد وجدتني أراها بصورة مختلفة تماما و حين قرأت عنوان الجروب كأني أقرأه لأول مرة “كلنا خالد سعيد”، نعم كلنا خالد سعيد، أنا كنت دائما أقول لنفسي بالتأكيد هو كان علي علاقة بمن قتلوه سواء كان يحاول التصدي لهم كما يقول مؤيدوه أو أنه كان يتاجر معهم كما يقول المزورون في شهادات التحقيق، قسألت نفسي و أنا أنظر إلي صورته و أتخيل كيف ضربوه و حملوه ليخبطوا رأسه في سلم العمارة تماما كما فعل معي البلطجي حملني و خبط رأسي بالمرايات،إنهم مدربون علي ذلك، نفس طريقة الضرب و القضاء علي النفس.

بدأت أسمع ضحكاتهم و الدم يقفز نوافير من رأسه و أشعر بالنشوة التي سرت في أجسادهم كأنهم مخمورين و هم يسمعون صوت تحطم جمجمته و يبدو أن صوت أسنانه و في تصطك ببعضها أزعجهم و قد كان سيجعلهم يفيقون من نشوتهم و يفقدون متعتهم و لذتهم فقرروا تحطيمها حتي لا تزعجهم مرة أخري. و تخيلتهم يقفون أما بعضهم البعض يلكمونه في وجهه مثل أفلام عادل امام القديمة و دمه يسيل من فمه لتغرق ملابسه و يداهم، و أول مرة أدرك معني:”يدهم ملوثة بدمائه”.

و لم أكن أشعر و لا أدري بأي شئ من حولي، كنت مشغول بما في خيالي و رأسي من أفكار و بما في جسدي من آلام، و لم أفق إلا و أمي تغلق الجهاز و تصرخ في وجهي و توبخني علي فتح هذه الصور و هي موجودة فنظرت لها بتعجب علي أنها لا زالت لا تستطيع فهم أني كنت سأكون هكذا و ربما في وضع أسوأ الله أعلم، لماذا لا تفهم ؟؟؟لماذا لا تريد أن تتخيل أو أن تفهم؟؟

فقمت و دخلت السرير و فتحت الدرج الذي بجانبي و إبتلعت عدة مسكنات لأنام لأحلم أني أجري هيبا من تلك الوجوه التي قتلت خالد سعيد و منهم كان بلطجي أمس في أجواء كلها معبأة بالغيوم و الضباب و الحيرة و الفزع و الألم…..

إنجي فوده
22 فبراير 2011


 

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.