لست أنا من أعد هذا المحتوي، أنا أنشره فقط، جزي الله كل خير لمن أعتده
المصادر:
التفسير السعدي
أسباب النزول للنيسابوري
لمسات بيانية لفاضل السمارائي
متشابهات للكسائي
كتاب نظم الدررلتناسب الايات و السور
تفسير مبسط للوجه 1 من سورة النساء
الآية 1: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ وهي نفس آدم عليه السلام، ﴿ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾: يعني وخلق حواء عليها السلام من ضلع آدم ﴿ وَبَثَّ مِنْهُمَا ﴾ يعني: وخلق من آدم وحواء بالتناسل: ﴿ رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ في أنحاء الأرض، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ ﴾: أي: الذي يَسْأل به بعضكم بعضًا، فيقول العبد لأخيه: (باللهِ عليكَ افعَل كذا)، (﴿ وَالْأَرْحَامَ ﴾): يعني واحذروا أن تقطعوا الأرحام ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.
الآية 2: ﴿ وَآَتُوا الْيَتَامَى ﴾ (وهم الذين مات آباؤهم وهم قبل سن البلوغ)، فإذا كنتم أوصياء عليهم فآتوهم ﴿ أَمْوَالَهُمْ ﴾ التي لهم عندكم (هذا إذا وصلوا سن البلوغ، ورأيتم منهم قدرة على حفظ أموالهم)، ﴿ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ﴾: يعني ولا تأخذوا الجيِّد من أموالهم، وتجعلوا مكانه الرديء من أموالكم، كأن تعطوهم شاة نحيفة وتأخذوا مكانها شاة سمينة، وغير ذلك ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ﴾: يعني ولا تخلطوا أموالهم بأموالكم بقصد أن تحتالوا بذلك على أكل أموالهم ﴿ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴾: يعني إنَّ مَن فعَلَ ذلك فقد ارتكب إثمًا عظيمًا.
الآية 3: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ﴾: يعني وإن أردتم الزواج من البنات اليتامَى (اللاتي كنتم أوصياء عليهم)، وخِفتم ألا تَعدِلوا فيهنّ، وذلك بألا تعطوهنّ مُهورهنّ كغيرهنّ: ﴿ فَانْكِحُوا ﴾: يعني فاتركوهنّ وانكحوا غيرهنّ مِن ﴿ مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾ بينهنّ: ﴿ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾: يعني فاكتفوا بواحدة، أو بما عندكم من الجَوَاري المملوكة لكم شرعاً (إن وُجِدْنَ)، ﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي شَرَعتُهُ لكم في اليَتيمات والزواج من واحدة إلى أربع، أو الاقتصار على واحدة أو الجَوَاري هو ﴿ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾: يعني أقرب إلى عدم ظلم الزوجات (بترك العدل بينهنّ في العطاء).
الآية 4: ﴿ وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ ﴾: يعني وأعطوا النساء مُهورهنّ، (واعلم أن صَدُقات: جمع صَدُقة (بضَمّ الدال) وهو الصَداق الذي يُعرَفُ بالمَهر)، ﴿ نِحْلَةً ﴾: يعني عَطِيَّة واجبة وفريضة لازمة، عن طِيب نفسٍ منكم، ﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا ﴾: يعني فإن طابَتْ أنفسهنّ لكم عن شيءٍ من المهر فوهَبْنَهُ لكم، ﴿ فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾: أي فخذوه، وتصرَّفوا فيه، فهو حلالٌ طيب.
الآية 5: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ ﴾ وهم اليتامى الذين لا يُحسِنون التصرف في المال ﴿ أَمْوَالَكُمُ ﴾: يعني ولا تعطوهم أموالهم التي تحت أيديكم، حتى لا يضعوها في غير وجهها، لأن هذه الأموال هي ﴿ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾: يعني: التي عليها قيام حياة الناس، ﴿ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ ﴾: أي وأنفقوا عليهم منها، وَاكْسُوهُمْ، واعلم أنه تعالى قال: (وارزقوهم فيها)، ولم يقل: (وارزقوهم منها) إشارةً إلى أن المال ينبغي أن يُستثمَر لهم في تجارة أو صناعة أو زراعة، بحيث يَبقى رأس المال محفوظاً، وتكون النفقة والكِسوة عليهم من الربح فقط، ﴿ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾: يعني قولاً تَطِيبُ به نفس اليتيم، فلا يغضب ولا يحزن إذا لم يُعطَ من المال، كأن تقولوا له: (هذا مالكم نحفظه لكم لتأخذوه يوم ترشدون).
الآية 6: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى ﴾: يعني واختبروا مَن تحت أيديكم مِن اليتامَى لمعرفة قدرتهم على حُسن التصرف في أموالهم، ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ﴾ وهو سن البلوغ ﴿ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا ﴾: يعني فإذا عَلمتم منهم صلاحًا في دينهم، وقدرة على حفظ أموالهم: ﴿ فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ ﴿ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ﴾: يعني ولا تعتدوا على أموالهم بإنفاقها في غير موضعها (إسرافًا)، ومُسارَعةً بأكلها قبل أن يكبروا فيأخذوها منكم، ﴿ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ﴾بغِناه ولا يأخذ من مال اليتيم شيئًا، ﴿ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾: يعني فليأخذ من مال اليتيم (الذي تحت يديه) بقدر حاجته عند الضرورة، ويَرُدُّهُ إليه متى تَيَسَّرَ له ذلك، ﴿ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا ﴾ أحد الناس ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾، وذلك ضمانًا لوصول حقهم كاملاً إليهم لئلا يُنكِروا ذلك، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾: يعني ويكفيكم أن الله شاهدٌ عليكم، ومُحاسِبُكم على ما فعلتم في أموالهم.
من اسباب النزول
قوله عز وجل : ( وآتوا اليتامى أموالهم )الآية [ 2 ] .
– قال مقاتل والكلبي : نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم ، طلب المال فمنعه عمه ، فترافعا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فنزلت هذه الآية . فلما سمعها العم قال : أطعنا الله وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله ، من الحوب الكبير . فدفع إليه [ ص: 75 ] ماله ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحل داره . يعني جنته . فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ثبت الأجر وبقي الوزر ، فقالوا : يا رسول الله ، قد عرفنا أنه ثبت الأجر ، فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله ؟ فقال : ثبت الأجر للغلام ، وبقي الوزر على والده .
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ) الآية [ 3 ] .
– أخبرنا أبو بكر التميمي ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أبو يحيى ، حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في قوله تعالى : ( وإن خفتم ألا تقسطوا ) الآية ، قالت : أنزلت هذه في الرجل يكون له اليتيمة وهو وليها ، ولها مال ، وليس لها أحد يخاصم دونها ، فلا ينكحها حبا لمالها ويضر بها ويسيء صحبتها ، فقال الله تعالى : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء )يقول : ما أحللت لكم ودع هذه . رواه مسلم عن أبي كريب ، عن أبي أسامة ، عن هشام .
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( وابتلوا اليتامى ) الآية [ 6 ] .
– نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتا وهو صغير ، فأتى عم ثابت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : إن ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله ، ومتى أدفع إليه ماله ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .
لمسات بيانيه
تناسب خاتمة آل عمران مع فاتحة النساء
في خاتمة آل عمران قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)) وفي بداية النساء (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ (1)) إذن صار الخطاب عاماً للمؤمنين في خاتمة آل عمران (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ) وأنتم يا أيها الناس اتقوا ربكم إذن كلهم مأمورون بالتقوى. المؤمنون هم فئة من الناس والناس أعمّ، المؤمنون أمرهم بأكثر من التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ) ثم التفت إلى الناس لأن ليس كلهم بهذه الإستطاعة فقال اتقوا ربكم الناس فيهم وفيهم (اتقوا ربكم) هذه مطالبين فيها أما المرابطة فليس كلهم مطالبون فيها فمنهم الضعيف والمريض. هنا علاقة الخاص بالعام المؤمنين والناس وبين التقوى وغير التقوى إذن صار ارتباط الأمر للمؤمنين ولعموم الناس.
لمسات بيانيه
آية (1):
*ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة (الله) و(الربّ) في الآيتين: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) سورة البقرة وقوله تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم) سورة النساء؟(د.فاضل السامرائى)
لفظ الجلالة الله هو اللفظ العامّ لله تعالى ويُذكر هذا اللفظ دائماً في مقام التخويف الشديد وفي مقام التكليف والتهديد. أما كلمة الربّ فتأتي بصفة المالك والسيّد والمربي والهادي والمشد والمعلم وتأتي عند ذكر فضل الله على الناس جميعاً مؤمنين وغير مؤمنين فهو سبحانه المتفضّل عليهم والذي أنشأهم وأوجدهم من عدم وأنعم عليهم. والخطاب في الآية الثانية للناس جميعاً وهو سبحانه يذكر النعمة عليهم بأن خلقهم والذين من قبلهم، ولذا جاءت كلمة (ربكم) بمعنى الربوبية . وعادة عندما تذكر الهداية في القرآن الكريم تأتي معها لفظ الربوبية (ربّ).
لمسات بيانيه
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1) النساء) وفي الأعراف قال (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍوَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا (189)) وفي الزمر (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا (6)) فما اللمسة البيانية في الاختلاف بين الآيات؟ وما الفرق بين الخلق والجعل؟
د.فاضل السامرائى :
الجعل في الغالب حالة بعد الخلق فالخلق أقدم وأسبق. جعل الزرع حطاماً ليست مثل خلق الزرع حطاماً. جعل بمعنى صيّر، هو خلقه ثم جعله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ (60) المائدة) لا يعني خلقهم وإنما يعني صيّرهم. إذن في الغالب الجعل بعد الخلق (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (124) البقرة) صيّره إماماً وليس خلقه إماماً. إذن هذا الأمر العام ولذلك كل (جعل زوجها) بعد الخلق، نلاحظ في سورة النساء قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1))هذا في آدم وحواء، هذا خلق. (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) الأعراف) هذه ليس آدم وحواء وإنما بعد، ذاك خلق وهذا جعل، جعل هذه زوج هذه. في سورة الزمر قال (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)) خلقكم من نفس واحدة آدم وهذا الأصل لكن جعل زوجة جعل فلان زوج فلان، (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) يقصد حواء و (جعل منها زوجها) الكلام عن الذرية فلما ذكر حواء قال (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ولما ذكر الذرية قال (جعل منها زوجها).
لمسات بيانيه
ما دلالة قوله تعالى (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)؟(د.فاضل السامرائى)
السؤال كان لماذا جاءت الخبيث بالطيب ولم تأتي الطيب بالخبيث؟ فنقول أن هناك قاعدة تقول أن الباء تكون مع المتروك كما في قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) البقرة).
لمسات بيانيه
ما العلاقة بين الخوف من عدم القسط باليتامى والنكاح في آية سورة النساء؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة النساء (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ {3}) نزل الحكم في ولّي اليتيم الذي تعجبه المرأة مالها وجمالها فيبخسها حقها طمعاً بمالها فلا يعطيها مهرها الكافي، لذا جاءت الآية إذا خفتم ألا تعولوا في إعطاء النساء اليتيمات حقهن فانكحوا غيرهن من النساء غير اليتيمات. وكان العرب يرغبون برعاية اليتيم واليتيمة فلما حذّرهم الله من عدم العدل في مال اليتيم خافوا من رعاية اليتيم فوردت الآية أن يقيموا العدل بين النساء ويخافوه كما يخافوا عدم العدل في اليتيم
لمسات بيانيه
آية (4):
*(وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً (4) النساء) ما وجه عطف إيتاء النساء مهرهنّ على الأمر بإعطاء اليتامى حقهم أي في الآية السابقة حيث يقول تعالى (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ (2)) والآية بعدها يقول (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) ما حكم العطف هنا؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هذان الضعيفان المرأة واليتيم مستضعفان من المجتمع وحقهما مغبون فكان غي تعاقبهما حراسة لحقهما أشد حراسة
لمسات بيانيه
آية (5):
*(وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (5) النساء) ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (وارزقوهم فيها) ولم يقل منها؟
د.فاضل السامرائى :
ارزقوهم فيها يعني بأن تتجروا وتربحوا تكون نفقاتهم من الأرباح لا من صلب المال. تتاجرون فيها تجعلوها مكان للرزق. ارزقوهم فيها يعني ارزقوا السفهاء (فيها) يقصد من أموالهم لكن ما قال من المال يعني استثمروها لهم ولو قال وارزقوهم منها يكون من اصل المال يعني انفعوا الفقراء واليتامى لأنهم ما زالوا صغار يتامى سفهاء لا يحسنون التصرف، إنفعه وتصرف مكانه، إنفعه تصرف بالمال بما يفيده يما ينفعه فأنفق مما يثمر هذا المال بما تعود عليه فيها إحسان إليه.
لمسات بيانيه
آية (6):
* ما الفرق بين الرشد والرشد في القرآن الكريم ؟(د.فاضل السامرائى)
هم يفرّقون بين الرُشد والرَشَد، الرُشد معناه الصلاح والاستقامة وهم قالوا الرُشد يكون في الأمور الدينية والدنيوية، في أمور الدين وفي أمور الدنيا، في الأمور الدنيوية والأخروية والرَشد في أمور الآخرة، يعني الرُشد يكون في أمور الدنيا والآخرة والرَشَد في أمور الآخرة. في القرآن ورد الرُشد (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا (6) النساء) أمر دنيوي، (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) الكهف) أمر دنيوي موسى تتبع الرجل الصالح، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (256) البقرة) و (وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً (146) الأعراف) إذن الرُشد يستعمل في أمور الدنيا والدين. أما الرَشد فالكثير أنه يستعمل في أمور الدين أكثر ما يكون في الدين (فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) الكهف) (وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) الكهف) أغلب ما تستعمل في أمور الدين، أما الرُشد فهي عامة. هذا ما قاله قسم من اللغويين وإن كان قسم قالوا أن هاتان لغتان لكن هما في القرآن هكذا، يستعمل الرُشد في أمور الدنيا والدين والرَشَد في أمور الدين. قسم قالوا هذه لغة ولكن قسم قالوا هذا من خصوصيات الاستعمال القرآني.
وقفه وتدبر مع سورة النساء
أخواتي الحبيبات :
سورة النساء (مدنية) نزلت بعد سورة الممتحنة وعدد آياتها (176) مائة وست وسبعون آية، وهي السورة الرابعة في ترتيب المصحف بعد سورة آل عمران.
سورة النساء هي سورة العدل والرحمة خاصة مع الضعفاء فبعد أن حدّدت سورة البقرة مسؤولية المسلمين عن الأرض وعرضت منهج الاستخلاف، جاءت سورة آل عمران لتدعو إلى الثبات على المنهج القويم وعلى المسؤولية الملقاة على عاتق المؤمنين. ثم جاءت سورة النساء لتعلمنا أن المستأمن على الأرض لا بد أن يكون على قدر من العدل والرحمة تجاه الضعفاء الذين استؤمن عليهم وكأن الصفة الأولى التي تميّز المسؤولين عن الأرض هي العدل.. ولهذا فإن سورة النساء تتحدث عن حقوق الضعفاء في المجتمع. إنها تتحدث عن اليتامى والعبيد والخدم والورثة، كما تركز بشكل أساسي على النساء. وكذلك فإنها تتحدث عن الأقليات غير المسلمة التي تعيش في كنف الإسلام وعن حقوقها بالإضافة إلى التوجه إلى المستضعفين أنفسهم وكيف ينبغي عليهم التصرف في المواقف المختلفة. يضاف إلى كل هذا الحديث عن ابن السبيل وعن الوالدين وكيف يجب أن يُعاملوا.. فهي سورة الرحمة وسورة العدل.. يتكرر في كل آية من آياتها ذكر الضعفاء والعدل والرحمة بشكل رائع يدلنا على عظمة الإعجاز القرآني في التكرار دون أن يملّ القارئ.
أما سبب تسمية السورة بهذا الاسم فهو أن المرء لو عدل مع زوجته في بيته ورحمها فإنه سيعرف كيف سيعدل مع بقية الضعفاء
فهي سورة المستضعفين وقد اختار الله نوعاً من أنواع المستضعفين وهم النساء ليكونوا اسماً لهذه السورة.. وكأن الله يقول للرجل : قبل أن أستأمنك على الأرض، أرني عدلك في بيتك، فلو عدلت ورحمت في بيتك فستكون مستأمناً للعدل في المجتمع، إن العدل مع النساء في البيوت نموذج يقاس به عدل المسلمين في امتحان الاستخلاف على الأرض، فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟
إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن وخاصة مع الذي يقرأ سورة النساء، فهناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت السيدة مريم وامرأة عمران كنموذجين للثبات (كأن سورة آل عمران تمهّد لتكريم المرأة).
دعامة الاستخلاف في الأرض : العدل
تبدأ السورة بداية واضحة في توضيح هدفها: ]يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء…[ (1)فهذه الآية تخبرنا بأن الأصل الإنساني واحد ]مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ[ فلم الظلم؟؟
وتبيّن الآية أن النساء قد خلقن من الرجال، وفي هذا دعوة صريحة للرأفة بهنّ كما في حديث النبي: “النساء شقائق الرجال”. والملاحظ أن السورة بدأت بخطاب عالمي ]يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ[ بينما سورة المائدة بدأت بخطاب المؤمنين ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ[ وذلك لأن العدل قانون عام للأمم جميعاً.. فلا يمكن لأمة أن تسود في الأرض وهي ظالمة.. فالعدل أساس الملك وأساس الاستقرار وأساس الاستخلاف. وفي هذا يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(.. وأمور الناس تستقيم مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.
والآية الثانية تحذّر من ظلم نوع آخر من المستضعفين: ]وَءاتُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ أَمْوٰلَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَهُمْ إِلَىٰ أَمْوٰلِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً[ ثم بعد ذلك يأتي قوله تعالى: ]وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ[ كان العرب يربّون اليتيمة فينفقون عليها من مالها، فإذا كبرت وأراد أن يتزوجها وليها فقد يبخسها في مهرها، ولا يعطيها مهراً مثل ما يعطي غيرها من النساء، فأتت الآية لتدافع أيضاً عن تلك الفئة المستضعفة من النساء، وفي هذه الآية نرى القاعدة المشهورة في إباحة عدد الزوجات: العدل ثم العدل ثم العدل وإلا فواحدة. ]فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوٰحِدَةً…[.
المهر: حق الزوجة مع طيّب النفسس :
ثم تأتي الآية الرابعة لتقرر حق الزوجة في المهر، وأهمية أن يعطيها الرجل مهرها “نحلة” أي عن طيب نفس ]وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً[.
فانظري أخيتي المسلمه إلى هذه الرحمة المتبادلة بين الزوجين يرسّخها الإسلام في آية المهر. فالمطلوب من الرجل طيب النفس في العطاء، أما المرأة فهي مخيّرة بين أن تحتفظ بحقّها أو أن تطيب نفسها ببعضه إكراماً لزوجها. آية رائعة في الجمع بين المطالبة بحق الزوجة وبين العلاقة الحميمة المتبادلة في العطاء عن طيب النفس
العدل حتى مع السفهاء :
وتمضي الآيات لتحقق العدل مع فئات المجتمع المختلفة، حتى السفهاء من الناس
]وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَاء أَمْوٰلَكُمُ ٱلَّتِى جَعَلَ ٱلله لَكُمْ قِيَـٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً[ (5) والسفهاء هم الذين لا يحسنون إدارة أموالهم بحيث لو أنه ترك معهم لتبدد بسرعة. فحتى هذه الفئة من الناس لا يجوز أن تظلم أو أن تستغلّ، كما يفعل البعض بحجة سفاهة صاحب المال.
ثم تأتي الآية السادسة أيضاً لتقرر حق اليتامى في مالهم إذا بلغوا سن الرشد ]وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ ءانَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ[.
الفرق بين الجعل والخلق، ممكن توضيح ابسط
الخلق : اي خلق الشئ من العدم
م/الحمد لله الذي خلق السماوات والارض
اي انه خلقهم من لاشى
اما جعل: اي كان شي وصار وتحول لشي اخر
م/وجعل منهم القردة والخنازير
اي انهم لم يخلقوا هكذا ولكنهم كانوا بشر فصاروا خنازير
فلما قال في النساء ايه 1خلقكم فالله عز وجل خلق حواء وادم فالكلام عليهما فهما خلق من لاشي
اما في الاعراف فهو يتكلم عن نسلهم الذى جاء من نطفه وعلقه وهكذا اي كانت سابقة التكوين
والله اعلم
ماالفرق بين اصبروا وصابروا ورابطوا ؟
فالصبر عن المعصية، والمصابرة على الطاعة،والمرابطة كثرة الخير وتتابع الخير، والتقوى تعم ذلك كله﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
فاصبروا عن محارم الله: لا تفعلوها ، تجنبوها ولا تقربوها.
ومن المعلوم أن الصبر عن المعصية لا يكون إلا حيث دعت إليه النفس، أما الإنسان الذي لم تطرأ على باله المعصية فلا يقال إنه صبر عنها، ولكن إذا دعتك نفسك إلى المعصية فاصبر، واحبس النفس
وأما المصابرة فهي على الطاعة؛ لأن الطاعة فيها أمران:
الأمر الأول: فعل يتكلف به الإنسان ويُلزمُ نفسه به.
والأمر الثاني: ثقلٌ على النفس، لأن فعل الطاعة كترك المعصية ثقيل على النفوس الأمارة بالسوء.
فلهذا كان الصبر على الطاعة أفضل من الصبر عن المعصية؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَصَابِرُوا
وأما المرابطة فهي كثرة الخير والاستمرار عليه، ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)) (102).
لأن فيه استمرار في الطاعة وكثرة لفعلها.
وأما التقوى فإنها تشمل ذلك كله، لأن التقوى اتخاذ ما يقي من عقاب الله، وهذا يكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
وعلى هذا فعطفها على ما سَبَقَ من باب عطف العام على الخاص، ثم بيَّن الله- سبحانه وتعالى- أن القيام بهذه الأوامر الأربعة سبب للفلاح فقال : ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
والفلاح كلمة جامعة تدور على شيئين: على حصول المطلوب، وعلى النجاة من المرهوب.
فمن اتقى الله- عز وجل- حصل له مطلوبه ونجا من مرهوبه.
لماذا بقي الوزر على والده؟!؟
– قال مقاتل والكلبي : نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم ، طلب المال فمنعه عمه ، فترافعا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فنزلت هذه الآية . فلما سمعها العم قال : أطعنا الله وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله ، من الحوب الكبير . فدفع إليه [ ص: 75 ] ماله ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحل داره . يعني جنته . فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ثبت الأجر وبقي الوزر ، فقالوا : يا رسول الله ، قد عرفنا أنه ثبت الأجر ، فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله ؟ فقال : ثبت الأجر للغلام ، وبقي الوزر على والده .
وايضاً ما المقصود بلغتان هل يعني كلمتان لكل منهما استعمالات قد تتفق وقد تختلف؟ اما انه يقصد لغات العرب المختلفة؟ ام يقصد الحروف السبعة؟؟
* ما الفرق بين الرشد والرشد في القرآن الكريم ؟(د.فاضل السامرائى)
الرُشد فهي عامة. هذا ما قاله قسم من اللغويين وإن كان قسم قالوا أن هاتان لغتان لكن هما في القرآن هكذا، يستعمل الرُشد في أمور الدنيا والدين والرَشَد في أمور الدين. قسم قالوا هذه لغة ولكن قسم قالوا هذا من خصوصيات الاستعمال.
الشرح واضح لكن الذين قالوا هاتان لغتان ماذا يقصدون.
ثبت الاجر وبقي الوزر قيل بارسول الله وكفي ءلك قال لان والده كان مشركا فاخذ الولد اجر الانفاق في سبيل الله بنفس مال المشرك الذي اخذ وزه
المقصود به قراءتان
اختلف القرأة في قراءة قوله ((الرشد)).
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض المكيين وبعض البصريين: ” الرشد “، بضم ((الراء)) وتسكين ((الشين)).
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة وبعض المكيين: ((الرشد))، بفتح ((الراء)) و((الشين)).
ثم اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك إذا ضمت راؤه وسكنت شينه، وفيه إذا فتحتا جميعاً.
فذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: معناه إذا ضمت راؤه وسكنت شينه: الصلاح، كما قال الله: ” فإن آنستم منهم رشدا ” [النساء: 6]، بمعنى: صلاحاً. وكذلك كان يقرأه هو. ومعناه إذا فتحت راؤه وشينه: الرشد في الدين
وكان الكسائي يقول: هما لغتان بمعنى واحد
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مستفيضة القراءة بهما في قرأة الأمصار، متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب بها
————————————————————————————————-
الآية 11: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ ﴾ ويأمركم ﴿ فِي ﴾ شأن ﴿ أَوْلَادِكُمْ ﴾ أنه إذا مات أحدٌ منكم (ذكراً كانَ أو أنثى)، وترك أولادًا (ذكورًا وإناثًا)، ولم يكن هناك وارثٌ غيرهم، فإنّ ميراثه كله يكون لهم، بحيث يكونُ ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ﴾: يعني مثل نصيب ﴿ الأُنْثَيَيْن ﴾.
- فعلى سبيل المثال: لو أنّ المَيِّت ترك ولدين وثلاث بنات، وترك لهم أربعة عشر ديناراً، فإننا سنفترض أن هذه التَرِكة عبارة عن مجموعة من الأسهُم، ثم نوزع هذه الأسهم على أولاد المَيِّت، بحيث يأخذ الولد سهمين، والبنت تأخذ سهماً واحداً، فبالتالي يكون نصيب الولدين كالآتي: (2 (وهو عدد الأولاد) × 2 (وهو عدد الأسهم لكل ولد منهم)) = 4 أسهم، ويكون نصيب البنات كالآتي: (3 (وهو عدد البنات) × 1 (وهو عدد الأسهم لكل بنت منهن)) = 3 أسهم، وبهذا يكون مجموع هذه التَرِكة المفترَضة: (4 أسهم للأولاد + 3 أسهم للبنات) = 7 أسهم.
ثم نقسم الأربعة عشر ديناراً (وهي التَرِكة الحقيقية) على السبعة أسهم (وهي التَرِكة المفترَضة)، فبالتالي يكون نصيب السهم الواحد كالآتي: (14 دينار ÷ 7 أسهم) = دينارين ، وبما أن الولد له سهمان، إذن يكون نصيب الولد الواحد: (2 × 2 دينار) = أربعة دنانير، ويكون نصيب البنت سهماً واحداً (يعني: ديناران).
- فإن ترك المَيِّت ولداً ذكراً فقط: فإن الولد يأخذ التَرِكة كلها، وأما إن ترك أولاداً ذكوراً فقط: فإن التَرِكة كلها تُقسَّم على الأولاد الذكور بالتساوي، (ويُلاحَظ في كل الحالات السابقة أن المَيِّت إذا ترك زوجته مع الأولاد، فإن الزوجة تأخذ ثُمُن التَرِكة (كما سيأتي)، ثم يُقسَّم الباقي على الأولاد).
- وأما إن ترك المَيِّت بناتٍ فقط فقد قال تعالى: ﴿ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ﴾: يعني: فإن مات وترك بناتٍ فقط، وكانت هذه البنات (اثنتين فأكثر): ﴿ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ﴾: يعني: فيكون لهن ثُلُثَي التَرِكة، ثم تأخذ زوجة المَيِّت ثُمُن التَرِكة (إن كانت موجودة)، والباقي يأخذه العَصَبَة، والعَصَبَة: هم أقرباء الرجُل من أَبيه، وهم – في أحَقيَّتِهِم للميراث – على الترتيب التالي: (بُنُوَّة – أُبُوَّة – أُخُوَّة – عُمومة).
- والمقصود بالبُنُوَّة: (أبناء المَيِّت، ويليهم في الترتيب: أولاد (أبناءه الذكور)، وهم أحفاد الميت (وهؤلاء لا يأخذون إلا إذا كان أبوهم مَيِّتاً، فيأخذون نصيبه).
- والمقصود بالأُبُوَّة: (أبو المَيِّت، ويليه في الترتيب جدّه (وهو أبو والد الميت)).
- والمقصود بالأُخُوَّة: (إخوة المَيِّت وأخواته الأشِقَّاء، ويليهم في الترتيب: إخوة المَيِّت وأخواته (الذين من جهة أبيه)، ويليهم: الأبناء الذكور (لإخوته الذكور الأشِقّاء)، ويليهم: الأبناء الذكور (لإخوته الذكور الذين من جهة أبيه) (واعلم أن أولاد الإخوة (سواء الأشِقّاء أو الذين من جهة أبيه) لا يأخذون إلا إذا كان أبوهم مَيِّتاً فيأخذون نصيبه)).
- والمقصود بالعُمومة: (أعمام المَيِّت الذكور، ويليهم في الترتيب: الأبناء الذكور لأعمام المَيِّت (وهؤلاء لا يأخذون إلا إذا كان أبوهم مَيِّتاً فيأخذون نصيبه)).
- ومعنى (ترتيبهم في أحَقيَّتِهِم للميراث) أنه إذا وُجِدَ أحد هؤلاء (على الترتيب السابق) فإنه يَحجُب مَن بَعدَهُ في الترتيب، بمعنى أنَّ مَن بَعدَهُ في الترتيب لا يكون له حق في الميراث طالما أنَّ مَن قبله موجود، (باستثناء والد المَيِّت، فإنّ له نصيباً مفروضاً وهو السدس، سواء كان أبناء المَيِّت موجودين أو لا، كما سيأتي).
- واعلم أيضاً أنه ليس لهؤلاء العَصَبة قدْرٌ مُحَدَّد في الميراث، وإِنَّما يأْخذون ما تبَقى من الورثة الذين لهم قدر مُحَدَّد في الشرع، بحيث يُقسَّم عليهم هذا المتبقي على أساس: (للذكر مثل نصيب الأُنْثَيَيْن).
﴿ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً ﴾: يعني وإن ترك المَيِّت بنتاً واحدة: ﴿ فَلَهَا النِّصْفُ ﴾: أي فلها نصف التَرِكة، والباقي يأخذه العَصَبة، وكذلك الحال إذا مات وترك (بنت ابنِهِ) وعَصَبة: فإنّ بنت الابن هنا تأخذ النصف (مثلما تأخذ بنت الميت إذا كانت موجودة)، والباقي يأخذه العَصَبة، وأما إنْ ترك (بنات ابنِهِ) وعَصَبة: فإنّ بنات الابن هنا يأخذنَ الثلثين (مثلما تأخذ بنات الميت إذا كُنّ موجودات)، والباقي يأخذه العَصَبة.
واعلم أن المَيِّت إذا ترك (أمه وأباه، وترك أيضاً أولاداً (ذكوراً وإناثاً، أو ذكوراً فقط)): فإنَّ لكل واحد مِن أبويه سدس التَرِكة، والباقي للأولاد، كما قال تعالى: ﴿ وَلِأَبَوَيْهِ ﴾: يعني ولوالِدَي المَيِّت: ﴿ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ﴾: يعني هذا إذا كان عند المَيِّت أولاد (ذكوراً وإناثاً، أو ذكوراً فقط).
- أما إن مات وترك (أمه وأباه وزوجته، وترك معهم بناتٍ فقط (أو بنتاً واحدة)): فإنَّ البنات يَأخذنَ نصيبهنّ (كما سبق)، ويأخذ أبوه السدس، وأمه السدس، وزوجته الثُمُن، والباقي يَرِثُهُ أبوه (بالتعصيب)، لأنه يَحجُبُ مَن بَعدَهُ في ترتيب العَصَبة، ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ﴾: يعني وإن لم يكن له أولاد نهائياً، وورثه أبواه فقط: فلأمه ثلث التركة، ولأبيه الباقي، ﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾: يعني فإن كان للمَيِّت إخوة (اثنان فأكثر) (ذكورًا كانوا أو إناثًا): فلأمه السدس فقط، وللأب الباقي ولا شيء لإخوته، لأن الأب يَحجُبُ مَن بَعدَهُ في ترتيب العَصَبة، (ولَعَلَّ الحِكمة من ذلك – واللهُ أعلم – أنّ والدهم هو الذي توَلَّى نِكاحَهُم، وكذلك يَتولى نكاح مَن لم يتزوج منهم، وهو الذي يُنفِقُ عليهم دونَ أمّهم)، وأما إذا كانَ للميت أخ واحد فقط، أو أخت واحدة فقط: فإنَّ لأمه الثلث (كما هو الحال لو لم يكن له إخوة أصلاً)، ولأبيه الباقي.
- واعلم أنه إذا كانت أم المَيِّت مَيِّتة، وكان للمَيِّت جدَّة، فإنَّ جدَّة المَيِّت ترث السدس فقط (سواء كان له إخوة أو لا)، أما لو كانت أم المَيِّت موجودة: فلا شيء لِجدَّة المَيِّت، وكذلك الحال إذا كان والد المَيِّت مَيِّتاً، وكان للمَيِّت جدّ، فإن جدّ المَيِّت يَرث ما يَرثه والد المَيِّت، أما إذا كان والد المَيِّت موجوداً: فلا شيء لجدّ المَيِّت.
(﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾): يعني وهذا التقسيم للتَرِكة إنما يكون بعد إخراج وَصِيّة المَيِّت (كأن يُوصي قبل مَوتِه ببناء مسجد أو غير ذلك، بشرط أن تكون هذه الوصية لا تزيد على ثلث التَرِكة، فإن زادت على الثلث، فإن الورثة لا يُخرجون من الميراث إلا الثلث)، وكذلك بعد إخراج ما على المَيِّت مِن دَيْن، واعلم أن الراجح من أقوال العلماء: أنَّ مَن مات وعليه (زكاة أو حَجّ أو كان لم يَعتمِر أو كان عليه كفارة أو نذر)، فإن ذلك يُؤخَذ مِن تَرِكَتِه قبل تقسيم المِيراث (سواء أوصَى المَيِّت بذلك أو لم يُوصِ)، لأنَّ دَيْن الله أحق بالوفاء، وعندئذٍ يختار أهلُهُ مَن يَحُجّ عنه من هذا المال بالإنابة.
- فنَفِّذوا هذه الوصية المفروضة كما عَلَّمَكُم الله، ولا تُفَضِّلوا أحداً على أحد، فإنّ هؤلاء الوارثين هم ﴿ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ﴾ و (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) في دُنياكم وأخراكم، وقد كانت هذه الوصية ﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ﴾ عليكم ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا ﴾ بخلقه وبما ينفعهم ﴿ حَكِيمًا ﴾ في شرعه، وفي تدبيره لشؤونهم، فارضوا بقسمته، فإنها قسمة عليم حكيم.
- واعلم أن الولد الكافر قد خرج مِن قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أَوْلَادِكُمْ ﴾، لأنه لا حَقّ له في الميراث، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين – : (لا يَرث المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ)، وهذا يدل على أهمية السُنَّة، فهي – ليست فقط تُفَصِّل القرآن – وإنما هي أيضاً تُقَيِّد مُطْلَق القرآن، بمعنى أن القرآن هنا قد أطلقَ لفظ (أولادكم)، بحيث يَشمل (المسلم منهم والكافر)، ولكنْ جاءت السُنَّة فقيَّدت الولد بأنه المسلم فقط وليس
إضاءات
- وفي هذا رَدٌّ واضح على مَن يأخذون القرآن ويتركون السُنَّة، ومع ذلك فنحن نتلطف بهم، ونقول لهم: (هل تأكلون السمك مذبوحاً (قبل أن يموت)؟، أم تأكلونه (مَيْتَةً) بدون ذبْح؟)، فإذا كانوا يأكلونه بدون ذبح، فليأتونا بآيةٍ من القرآن تبيح أكْل السمك مَيتاً بدون ذبح!، ومع ذلك فهم يأكلونه مَيتاً على الرغم مِن أنّ القرآن لم يَحِلّ مَيْتَتُه، فقد قال تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾، ولم يَستثنَ منها شيئاً، وإنما جاءت السُنَّة فأحَلَّتْ مَيْتَة السمك.
- فالسُنَّة توضح القرآن وتُكَمِّله، فهي مُنَزَّلة مثل القرآن سواءٌ بسواء، قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ يعني: القرآن والسُنَّة، والدليل على أنّ الحِكمة هي السُنَّة: قوْلُ الله تعالى لنساءِ النبي: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾، وإلاّ، فماذا كانَ يُتلَى في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن والسُنَّة؟
- وعندما تطاول بعض الخلق على السُّنَّة ووضعوا فيها أحاديث مكذوبة، قيَّضَ الله للسُنَّةِ رجالاً، وسَخَّرَ لها علماءً ليتتبعوا الأسانيد، وليُظهِروا للناس الأحاديث الصحيحة من غيرها، أليس هذا التوفيق دليلاً على أن الله قد حفظ السُنَّة الصحيحة كما حفظ القرآن؟، وبما أنكم تقِرُّون بقول الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾، إذن فدعونا نسأل: (أين وَرَدَ في القرآن عدد ركعات الصلوات وكيفية أدائها؟! وأين ورد كيفية أداء مناسك الحج؟!، وأين ورد مقدار الزكاة المفروضة؟!) (فتبيَّنَ مِن ذلك أنه لا استغناء عن السُنَّة مُطلقاً بأي وَجْهٍ من الوجوه).
- واعلم أن هؤلاء قد أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل ظهورهم حينَ قال: ((ألاَ إني أوتِيتُ الكتاب – (وهو القرآن) – ومِثله معه – (وهي السُنَّة) – ألاَ يُوشِكُ رجلٌ شبعان على أريكَتِه يقول: (عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه مِن حلال فأحِلُّوه، وما وجدتم فيه مِن حرامٍ فحَرِّموه)، ألاَ لاَ يَحِلّ لكم لحم الحِمار الأهلي – (وهو الحمار المُستأنَس الذي يعيش بين الناس، ويَحمل أثقالهم)) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 2643)، فعلى مَن يفعل ذلك أن يرجع إلى ربه الكريم الغفار بالتوبة، وليَحذر مِن تهميش السُنَّة، وذلك حتى لا يُحرَم من الشُرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم عند اشتداد الحر والعطش يوم القيامة.
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ) الآية [ 7 ] .
– قال المفسرون : إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال لها : أم حجة وثلاث بنات له منها ، فقام رجلان : هما ابنا عم الميت ووصياه ، يقال لهما : سويد وعرفجة ، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا ، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا ، إنما يورثون الرجال الكبار ، وكانوا يقولون : لا يعطى إلا من قاتل على ظهر الخيل وحاز الغنيمة . فجاءت أم حجة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت : يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك علي بنات وأنا امرأته ، وليس عندي ما أنفق عليهن ، وقد [ ص: 76 ] ترك أبوهن مالا حسنا وهو عند سويد وعرفجة ، لم يعطياني ولا بناته من المال شيئا ، وهن في حجري ، ولا يطعماني ولا يسقياني ولا يرفعان لهن رأسا . فدعاهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالا يا رسول الله ، ولدها لا يركب فرسا ، ولا يحمل كلا ، ولا ينكي عدوا . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن . فانصرفوا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
لمسات بيانيه
آية (9):
*(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ (9) النساء) الفعل يخشى متعدي يأخذ مفعولاً به فتقول أخشى الله فالله لفظ الجلالة هو المفعول به فأين مفعول (وليخشى) في الآية؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
حذف ربنا تعالى مفعول (وليخشى) لتذهب نفس السامع في تقدير المفعول به مذاهب عدة وليقدر كل واحد منا تقديراً يفهمه هو فينظر كل سامع بحسب الأهمّ عنده مما يخشى أن يصيب ذريته فيكون رادعاً له عن ظلم اليتامى.
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم ) الآية [ 11 ] .
– أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر ، أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي ، أخبرنا المؤمل بن الحسن بن عيسى قال : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : أخبرني ابن المنكدر ، عن جابر قال : عادني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر في بني سلمة يمشيان ، فوجدني لا أعقل ، فدعا بماء فتوضأ ، ثم رش علي منه فأفقت ، فقلت : كيف أصنع في مالي يا رسول الله ؟ فنزلت : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) الآية . رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى ، عن هشام . ورواهمسلم عن محمد بن حاتم ، عن حجاج ، كلاهما عن ابن جريج .
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) الآية [ 10 ] .
– قال مقاتل بن حيان : نزلت في رجل من غطفان يقال له : مرثد بن زيد ، ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله ، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآ
لمسات بيانيه
آية (10):
*(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) النساء) فكيف يأكل آخذ مال اليتيم في النار في الدنيا مع أن العذاب بالنار يكون في الآخرة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
أراد ربنا بقوله (إنما يأكلون في بطونهم ناراً) تبيان شدة الألم والعذاب في الدنيا بدليل قوله (وسيصلون سعيراً) أي في الآخرة.وفي هذه العبارة (يأكلون في بطونهم ناراً)استعارة فقد عبّر الله تعالى عن المصائب بأكل النار لأن شأن النار أن تلتهم ما تقع عليه كآكل مال اليتيم ربما تصيبه مصائب في ذاته أو ماله مثل النار إذا ذنت من أحد لا بد أن تؤلمه وتتلف متاعه.
لمسات بيانيه
لمسات بيانيه
آية (11):
*ما الفرق بين استعمال وصّى وأوصى؟(د.فاضل السامرائى)
من الملاحظ في القرآن أنه يستعمل وصّى في أمور الدين والأمور المعنوية وأوصى في الأمور المادية. (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ (131) النساء) ويستعمل أوصى في المواريث (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11) النساء) (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا (11) النساء) . لم ترد أوصى في الأمور المعنوية وفي أمور الدين إلا في موطن واحد اقترنت بأمر مادي عبادي وهو قوله تعالى على لسان المسيح (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) مريم) قال أوصاني لأنها اقترنت بأمر مادي وعبادي وهو الزكاة والأمر الآخر أن القائل هو غير مكلّف لذلك خفّف من الوصية لأنه الآن ليس مكلفاً لا بالصلاة ولا بالزكاة فخفف لأنه لا تكاليف عليه
لمسات بيانيه
ما الفرق بين الأبناء والأولاد؟(د.فاضل السامرائى)
الأبناء جمع إبن بالتذكير مثل قوله تعالى (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ (49) البقرة) أي الذكور أما الأولاد فعامة للذكور والإناث. أبناء جمع إبن وهي للذكور أما أولاد فهي جمع ولد وهي للذكر والأنثى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11) النساء) الذكر والأنثى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ (233) البقرة) الإرضاع للذكور والإناث.
لمسات بيانيه
ما الفرق بين الوالد والأب؟(د.فاضل السامرائى)
التي تلد هي الأم والوالد من الولادة والولادة تقوم بها الأم وهذه إشارة أن الأم أولى بالصحبة وأولى بالبر قبل الوالد. لكن في المواريث لأن نصيب الأب أكبر من نصيب الأم استعمل الأب (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ). في الأموال يستعمل الأبوين وفي الدعاء الوالدين.
لمسات بيانيه
ما الفرق بين الأبوين والوالدين؟(د.فاضل السامرائى)
ربنا سبحانه وتعالى لم يستعمل البر والإحسان والدعاء في جميع القرآن إلا للوالدين وليس الأبوين (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح) استعمل البر والاحسان للفظ الوالدين وليس للفظ الأبوين. الوالدان للوالد والوالدة والأبوان للأب والأم. الوالدان هي تثنية الوالد والولادة الحقيقية للأم وليس للأب الأب ليس والداً لأنها هي التي تلد والأبوان تثينة الأب، من الأحق بحسن الصحبة الأب أو الأم؟ الأم، فقدّم الوالدين إشارة إلى الولادة ولذلك بالميراث يقول(وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ (11) النساء) لأن الأب له النصيب الأعلى في الميراث.(وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ (80) الكهف) ليس فيها مقام ذكر البر لذا قال أبواه ولذلك لما قال (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) فى سورة يوسف لسببين أولاً إكراماً للأم ما قال والديه إكراماً للأم يجعلها تابعة لأن الوالدين يصير الوالدة هي التي تسجد بينما هي أكرم من الأب والأمر الآخر أن الأب أحق بالعرش فقُدِّم.
لمسات بيانيه
سؤال: مسألة الزمن مع الله تعالى (كان الله غفوراً رحيماً) ما دلالة (كان) مع الله تعالى؟
ذكرنا في وقت سابق أن (كان) يفرد لها النُحاة بكلام في زمنها: أولاً الزمان الماضي المنقطع كأن تقول كان نائماً واستيقظ، كان مسافراً ثم آب. وفي الماضي المستمر (كان الإستمرارية) بمعنى كان ولا يزال (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11) الإسراء) (وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا (100) الإسراء) (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53) الإسراء) (إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) النساء) يسمونها كان الإستمرارية أي هذا كونه منذ أن وُجِد. ليس في الماضي المنقطع (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53) الإسراء) لا تعني كان عدواً والآن أصبح صديقاً وإنما كان لا يزال عدواً. و (كان) تفيد الإستقبال (وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) النبأ) أي صارت في المستقبل. (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) الواقعة) أي صرتم، أصبحتم. (كان) في كلام كثير عند النُحاة غير كان التامة والناقصة من حيث الزمن ليس مثل ما يظن بعض من عندهم معرفة قليلة باللغة وهؤلاء عليهم أن يراجعوا قواعد اللغة.
لمسات بيانيه
*(يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11) النساء) جعل الله تعالى حظ الانثيين هو المقدار الذي يقدّر به حظ الذكر، فلِمَ آثر ربنا تعالى هذا التعبير؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
أمعِن التأمل في هذا اللطف الإلهي فقد جعل الله تعالى حظ الانثيين هو المقدار الذي يقدّر به حظ الذكر ولم يجعل حظ الذكر هو المقياس كأن يقول للأنثى نصف حظّ الذكر. آثر ربنا تعالى هذا التعبير لنكتة لطيفة وهي الإيماء والإيحاء للناس بأن حظّ الأنثى هو الأهم في نظر الشرع وهو مقدّم على حق الرجل لأن المرأة كانت مهضومة الجانب عند أهل الجاهلية. أما في الاسلام فقد أصبحتِ يا أختاه ينادى بحظّك وقسمتك ونصيبك هو المقياس.
تدبر
ولتمضي الايات لتحقق العدل مع فئات المجتمع المختلفه
الآية السابعة تقرّر حق المرأة في الميراث الذي حرمها منه بعض العرب في الجاهلية]لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلاْقْرَبُونَ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلاْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً[.
والآية الثامنة تجمع بين العدل والإحسان ]وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً[.
إحفظ أولادك من بعدك بالعدل :
والآية التاسعة تصحح مفهوماً سائداً عند الناس ]وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱلله وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً[ كثير من الناس يأكلون الحرام ويعتدون على غيرهم بحجة أنهم يخافون على أولادهم بعد وفاتهم، لكن السورة تقول لك العكس: اعدل مع غيرك وقل قولاً سديداً يحفظ لك الله أولادك.
الميراث بالعدل
وبعد ذلك تأتي أحكام الميراث للأولاد والبنات في الآية (11) ]يُوصِيكُمُ ٱلله فِى أَوْلَـٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلاْنْثَيَيْنِ…[ هذا هو العدل لأن تقسيم الإرث ليس على أساس الأفضلية، وليس بنسبة متساوية بين الذكر والأنثى بل على أساس الواجبات والمسؤوليات لكل واحد منهما. فالرجل عنده مسؤولية النفقة على بيته وزوجته. بينما المرأة ليس عليها أي واجب للنفقة وإذا تزوجت فعلى زوجها أن ينفق عليها وتبقى لها حصتها من الإرث
ثم تأتي الآية العاشرة لتحذِّر من الظلم تحذيراً شديداً ]إِنَّ ٱلَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ
سَعِيراً[.
قال ابن كثير – رحمه الله -: “استنبط بعض الأذكياء من قوله تعالى:
(يوصيكم الله في أولادكم)
أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالد بولده، حيث أوصى الوالدين بأولادهم، فعلم أنه أرحم بهم منهم، كما جاء في الحديث الصحيح”. فنسأل الله أن يشملنا بواسع رحمته
وقفات في سورة النساء :
آية(8)سورة النساء [وإذا حضر القسمة أولوا القربى …. وقولوا لهم قولا معروفا] الحث على حسن الخلق في القرآن واضح بالإشادة به أو الأمر به ، وفي هذه الآية يحث عليه ويؤمر به مع من كان يتوقع منه إساءة الخلق ؛ بمعنى ضبط النفس في المواقف التي تسبب في إساءة الخلق >
– آية (11)النساء [يوصيكم …] تكفل الله سبحانه بقسمة المواريث وهي جانب مالي ومن الضروريات وكذا أبان الله تعالى المحرمات من النساء وهو جانب العرض كما
في سورة النساء (24) وسورة النور (31)وآيات الاستئذان في جانب حماية العرض(58) سورة النور
————————————————————————————-
هداية الايات : صفحة 1 النساء
1-أهمية الأمر بتقوى الله تعالى إذ كررت في آية واحدة مرتين في أولها وفي آخرها.
2- وجوب صلة الأرحام وحرمة قطعها.
3- مراعاة الأخوة البشرية بين الناس واعتبارها في المعاملات.
4- لا يحل للرجل ان يستبدل جيدا من مال يتيمه بمال رديء من ماله كأن يأخذ شاة سمينة ويعطيه هزيلة أو يأخذ تمراً جيداً ويعطيه رديئاً خسيساً.
5- لا يحل خلط مال اليتيم مع مال الوصي ويؤكلان جميعا لما في ذلك من أكل مال اليتيم ظلما.
6- جواز نكاح أكثر من واحدة إلى أربع مع الأمن من الحيف والجور.
7- وجوب مهور النساء وحرمة الأكل منها بغير طيب نفس صاحبة المهر وسواء في ذلك الزوج وهو المقصود في الآية أو الأب والأقارب.
8- مشروعية الحجر على السفيه لمصلحته.
9- استحباب تنمية الأموال في الأوجة الحلال لقرينة {وارزقوهم فيها}.
10- وجوب اختبار السفيه قبل دفع ماله إليه، إذ لا يدفع إليه المال الا بعد وجود الرشد.
11- وجوب الإِشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه ورشده.
12- حرمة أكل مال اليتيم والسفية مطلقا.
13- الوالى على اليتيم ان كان غنياً فلا يأكل من مال اليتيم شيئاً، وإن كان فقيراً استقرض ورد عند الوجد واليسار، وان كان مال اليتيم يحتاج إلى أجير للعمل فيه جاز للولى ان يعمل بأجرة المثل.
———————————————————————————————————–
من هداية الآيات
1-استحباب إعطاء من حضر قسمة التركة من قريب أو يتيم ومسكين وإن تعذر إعطاؤهم صرُفوا بالكلمة الطيبة، وفي الحديث: «الكلمة الطيبة صدقة».
2-وجوب النصح والإِرشاد للمحتضر حتى لا يجور في وصيته عن موته.
3- على من يخاف على أطفاله بعد موته أن يحسن إلى أطفال غيره فإن الله تعالى يكفيه فيهم.
4- حرمة أكل مال اليتامى ظلمّاً، والوعيد الشديد فيه
5-ان الله تعالى تولى قسمة التركات بنفسه فلا يحل لأحد أن يغير منها شيئاً.
6- ولد الولد حكمه حكم الولد نفسه في الحجب.
7- الأب عاصب فقد يأخذ فرضه مع أً صحاب الفرائض وما بقى يرثه بالتعصيب لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما ابقت الفرائض فالأولى رجل ذكر».
تفسير مبسط للايات من 7 الي 10 لان التفسير بدا من 11
( 7 ) للذكور -صغارًا أو كبارًا- نصيب شرعه اللّه فيما تركه الوالدان والأقربون من المال، قليلا كان أو كثيرًا، في أنصبة محددة واضحة فرضها اللّه عز وجل لهؤلاء، وللنساء كذلك.
( 8 ) وإذا حضر قسمةَ الميراث أقاربُ الميت ممن لا حقَّ لهم في التركة، أو حضرها من مات آباؤهم وهم صغار، أو مَن لا مال لهم فأعطوهم شيئًا من المال على وجه الاستحباب قبل تقسيم التركة على أصحابها، وقولوا لهم قولا حسنًا غير فاحش ولا قبيح.
( 9 ) ولْيَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع، فليراقبوا اللّه فيمن تحت أيديهم من اليتامى وغيرهم، وذلك بحفظ أموالهم، وحسن تربيتهم، ودَفْع الأذى عنهم، وليقولوا لهم قولا موافقا للعدل والمعروف.
( 10 ) إن الذين يعْتَدون على أموال اليتامى، فيأخذونها بغير حق، إنما يأكلون نارًا تتأجّج في بطونهم يوم القيامة، وسيدخلون نارا يقاسون حرَّها.
تدبري قوله تعالى : ( وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) البقرة 168 ، فتسمية أستدراج الشيطان
” خطوات ” فيه إشاراتان :
1 ـ الخطوة مسافة يسيرة وهكذا الشيطان يبدأ بالشىء اليسير من البدعة ،أو المعصية ، حتى تألفها النفس .
2 ـ قوله ( خُطُوَاتِ ) دليل على أن الشيطان لن يقف عند أول خطوة فى المعصيه
يا أيها الناس كلو مما في الارض حلالا طيبا و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين
عض النقاط للتوضيح اثناء الحفظ
الايه 5 ، 8
وارزقوهم فيها واكسوهم 5
فارزقوهم منها 8
عند الحفظ لاتجتمع الفائين اي الاولي وارزقوهم بالواو فياتي معها فيها
اما الثانيه فارزقوهم فياتي معها منها
اي لم تجتمع الفائين في الايه نفسها
هذه ليست قاعده ولكن فقط لتفرقي في الحفظ بينهم حتي لاتقولي فارزقوهم فيها..
ايه 5الكسوي والطعام لليتيم
اما ايه 8 عند توزيع المال فقط اعطاءهم مال ولا يوجد لهم كسوى
{يايها الناس كلو مما في الارض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه كان لكم عدو مبين}
الايه 9 تقوي الله والقول السديد اهم للاولاد من ترك المال الذي قد يكون سبب مفسده…ولكن ليس معني هذا ان نتركهم فقراء بل بالعكس لكن التقوي تؤدي الي البركه في المال والولد
الايه 11 عند حفظها قسميها الي 5 نقاط علي ايدك
ففي هذه الايه الكلام عن قسمة الميراث
يبدا العد من عند
1 / فإن كن نساءا فوق…
2/ وإن كانت واحده ….
3/ولابويه لكل واحد منهما…
4/فإن لم يكن له ولد….
5/فإن كان له إخوة …..
هذه القسمه تقسم من بعد اخراج الوصيه المقررها المتوفي
ثم تاتي باقي الايه
فالتقسيمه الخمسه السابقه لقسمة الميراث
ربط ايات الربع الاول من السوره
– مقصود هذه السورة هو اجتماع الناس والسبب الأعظم فى الاجتماع عادة هو الأرحام التي مدارها على النساء ولذلك سميت سورة النساء
وبدأها بالأمر بتقوى الله لأنه الداعى الى تحمل التكاليف وذكر بأعظم النعم انه خلقكم من نفس واحدة التى هى صلة رحمكم ولذا يجب عليكم الاجتماع لانكم من رحم واحدة .
2-ولما ذكر النفس التى خلقنا منها وكل نفس لابد انها ستموت ويكون ايتام عطف بالاحسان الى الايتام ومراعاة حقوقهم المالية .
3-ولما كان لابد التحذير من اموال اليتامى قد يخوف من نكاحهن عطف بما يجوز ذلك مشروطا بالعدل .
4- وربما تعلق بالنكاح من يبخل ببعض الحقوق كالصداق اتبعه بما يؤكده ويحث عليه
5- ولما امر بدفع اموال اليتامى وصدقات النساء ونهى عن اكل شيئ منها وكان فيهم سفهاء حث على رعاية وصيانة المال عنهم حتى لا يتصرفوا فيه بالاتلاف مع الامر بكفايتهم مما يحتاجون اليه .
6- ثم بين توقيت لتلك الصيانة والرعاية انها تكون حتى بلوغ الرشد*ثم تدفع اليهم بعد اختبارهم واشهاد الشهود .
7-ولما ذكر أموال اليتامى كان كأن سائلا يسأل من اين لهم هذه الاموال فبين ذلك انه من الميراث نصيبا مفروضا .
8- ثم لما بين المفروض اتبعه بالمندوب وهو لتطييب قلوب أولو القربى واليتامى والمساكين
9-ولما أعاد الوصية باليتامى بالنصيب المندوب لو حضروا القسمة أعاد الوصية بهم وحفزهم على اداءها بالخوف على الابناء
10-ولما طال التحذير فى شأن اليتامى وكان ذلك ربما اوجب النفرة من مخالطتهم فتضيع مصالحهم وصل ذلك انه خاص بالظالم هو الذى يضيع مصالحهم واموالهم وتوعده بالجزاء
11-ثم لما حذر من ضياع حق اليتيم ناسب ان يذكر انصبة الورثة فلا يظلم احد
—————————————————————————————————————–
اية 12: ﴿ وَلَكُمْ ﴾ أيها الرجال ﴿ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ ﴾ بعد وفاتِهنّ ﴿ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ﴾: يعني هذا إذا لم يكن لهنّ أولاد (ذكورًا كانوا أو إناثاً)، ثم يُقسَّم النصف الآخر على عَصَبة الزوجة (إن وُجِدوا)، فإن قُدِّرَ أنها ماتت وتركَتْ (زوجها وأباها وأمّها): فيكون للزوج النصف، وأما النصف الآخر فيكون (ثلثه للأم، وثُلُثاهُ للأب) (وهذه حالة استثنائية)، فإن ماتت وتركَتْ (زوجها وإخوتها الأشِقاء): فيكون للزوج النصف، وأما النصف الآخر فيُقَسَّم بين الإخوة على أساس: (للذكر مثل حظ الأُنْثَيَيْن)، فإن لم يكن لها عَصَبة نهائياً: فإن النصف الآخر يُقسَّم على ذوي أرحامها، عِلماً بأنّ ذوي الأرحام هم كل أقارب الميت الذين (ليس لهم قدر مُحَدَّد في الميراث، وكذلك ليسوا مِن العَصَبة) (مثل أخوال الميت وخالاته وعَمَّاته وأولادهم، وغيرهم).
(﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ ﴾): يعني فإن كان للزوجة أولاد (ذكورًا كانوا أو إناثاً) منكم أو مِن غيركم: ﴿ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ﴾ والباقي للأولاد، وذلك (﴿ مِنْ بَعْدِ ﴾) إنفاذ ﴿ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا ﴾ ﴿ أَوْ دَيْنٍ ﴾ عليهن يُؤدَّى لمُستحِقّيه.
﴿ وَلَهُنَّ ﴾: يعني ولأزواجكم ﴿ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ﴾ بحيث يُقسَّم هذا الرُبع بين الزوجات (إنْ كُنَّ أكثر من واحدة)، فإن كانت زوجة واحدة: كان الرُبع مِيراثًا لها، ويكون الباقي لعَصَبة الرجل، فإن لم يكن له عَصَبة نهائياً: فإن النصف الآخر يُقسَّم على ذوي أرحامه، ﴿ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ ﴾: يعني فإذا كانَ لكم أولاد (ذكورًا كانوا أو إناثاً)، مِنهُنّ أو مِن غيرهِنّ: ﴿ فَلَهُنَّ ﴾: يعني فللزوجات ﴿ الثُمُن مِمَّا تَرَكْتُمْ ﴾ بحيث يُقسَّم هذا الثُمُن بين الزوجات (إن كُنَّ أكثر من واحدة)، فإن كانت زوجة واحدة: كان الثُمُن ميراثًا لها، والباقي للأولاد، وذلك ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾.
﴿ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ ﴾: يعني وإن مات رجل أو امراة وليس له ولد ولا والد (يعني ليس له ابن ولا ابنة (ولا ابن ابن، ولا ابنة ابن)، وكذلك ليس له أب (ولا والد أب)، وإنما: ﴿ وَلَهُ أَخٌ ﴾ واحد (من جهة أمه، كما ورد ذلك في بعض القراءات الأخرى)، ﴿ أَوْ ﴾ كانت له ﴿ أُخْتٌ ﴾ واحدة من جهة أمه أيضاً: ﴿ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ﴾: يعني فإنّ هذا الأخ يأخذ السُدس، وإن كانت أختاً واحدة: فإنها تأخذ السدس، ويُقسَّم الباقي (وهو الأسداس الخَمس الباقين) على عَصَبَته (بمعنى أنّ الباقي يُقسَّم على إخوته الأشقاء (إن وُجِدوا)، وذلك على أساس: ﴿ للذكر مثل حظ الأُنْثَيَيْن ﴾، وكذلك الحال إذا كان له إخوة من جهة أبيه، فإن الباقي يُقسَّم عليهم على أساس: (للذكر مثل حظ الأُنْثَيَيْن)، وأما إن كان له (إخوة أشقاء، وكان له أيضاً إخوة من جهة أبيه): فإن الإخوة الأشقاء يأخذون الباقي، ولا شيء لإخوته الذين من جهة أبيه، لأن الإخوة الأشقاء أقوى منهم في درجة القرابة) (انظر تفسير الآية السابقة)، فإن لم يكن له إخوة (لا أشقاء ولا من جهة أبيه)، فإن الباقي يُقسَّم على الأعمام بالتساوي (إن وُجِدوا)، فإن لم يكن له عَصَبة نهائياً: فإن الباقي يُرَدّ إلى أخيه من أمه (الذي أخذ السدس (فَرْضاً)).
﴿ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ﴾: يعني فإنْ كان الإخوة أو الأخوات (الذين من جهة أمه) أكثر من واحد: فهم شركاء في ثلث تَرِكَتِه، بحيث يُقسَّم بينهم ذلك الثلث بالمساواة، (لا فرق بين الذكر والأنثى)، ويكون الباقي للعَصَبة، فإن لم يكن له عَصَبة نهائياً: فإن الثلثين الباقِيَيْن يُرَدُّون إلى إخوته من أمه، ويُقَسَّم بينهم بالتساوي أيضاً.
- وأما إذا كَانَ – هذا الرَجُل الذي يُورَثُ كَلَالَةً – ليس له إخوة من جهة أمه، وإنما كان له فقط إخوة أشقاء (أو إخوة من جهة أبيه): فحُكمُهُم مذكور في آخر آية من هذه السورة، ومَضمونها أنه إن مات ولم يترك إخوة من أمه، وإنما ترك أختاً شقيقة (أو أختاً من جهة أبيه فقط) فإنها تأخذ نصف تَرِكَتِه، والباقي يُقسَّم على العَصَبَة، فإن لم يكن له عَصَبة نهائياً: فإن الباقي يُرَدّ إليها، فإن كان له أختان (شقيقتان، أو من جهة أبيه فقط): فلهما الثلثان مما ترك، والباقي يُقسَّم على العَصَبة، فإن لم يكن له عَصَبة نهائياً: فإن الباقي يُرَدّ إليهما، وأما إن ترك أخوة (ذكوراً وإناثاً) (أشقاء، أو من جهة أبيه): فإن التَرِكَة كلها تقسم عليهم على أساس: (للذكر مثل نصيب الأُنْثَيَيْن).
- وإذا ماتت امرأة – تُورَثُ كَلَالَةً – ولكنْ لم يكن لها أخوة من جهة أمها، وإنما ترَكَتْ أخاً شقيقاً، (أو أخاً من جهة أبيها فقط): فإنه يَرث جميع مالها، فإن تركتْ أخوة (ذكوراً وإناثاً) (أشقاء، أو من جهة أبيها): فإن التَرِكَة كلها تُقسَّم عليهم على أساس: (للذكر مثل نصيب الأُنْثَيَيْن).
- واعلم أن الميت إذا مات وترك ((أمَّاً أو جدّة)، وكذلك ترك إخوة من جهة أمه، وكذلك ترك إخوة أشقاء): فإن الأم – أو الجدة – تأخذ السدس، ثم يُقسَّم الثلث على الإخوة الذين من جهة أمه بالتساوي (كما سبق)، ويُقسَّم الباقي على الإخوة الأشقاء.
- وأما إن ترك ((أمَّاً أو جدّة)، وكذلك ترك إخوة أشقاء فقط، (أو إخوة من جهة أبيه فقط)): فإن الأم – أو الجدة – تأخذ السدس، ثم يُقسَّم الباقي على الإخوة الأشقاء – أو الإخوة الذين من جهة أبيه – على أساس: (للذكر مثل حظ الأُنْثَيَيْن).
وذلك ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا ﴾: يعني يُوصَى وارثُ الميت بتنفيذها، ﴿ أَوْ دَيْنٍ ﴾ على الميت يُخرِجُهُ وارثه من التَرِكة، بشرط أن يكون الميت ﴿ غَيْرَ مُضَارٍّ ﴾: يعني (بشرط ألاَّ يكون الميت قد أوْصَى بشيء فيه ضرر على الورثة)، فقد يُوصِي بأكثر من الثلث، أو يَزعم أنّ عليه دَيْن، وهو ليس عليه شيء، وإنما فعل ذلك حسداً للورثة أو بُغضاً لهم لا غير، فإنْ تبَيَّنَ ذلك، فلا تُنَفَّذ الوصية، ولا يُسَدَّد الدَيْن، وتُقَسَّم التَرِكَة كلها على الورثة.
- واعلم أنّ لفظ (مُضارّ): هو اسم فاعل، بمعنى (مُضارِر)، فأُدْغِمَتْ الراء في الراء فصارت: (مُضارّ)، فيكون معنى: (غير مُضارّ): أي وهو غير مُريد الإضرار بالورثة، (ولَعَلَّ الحِكمة من تقديم لفظ الوصية على الدَيْن – مع أنَ الدَيْن يُخرَج قبل الوصية – أنه لا يُوجد مَن يُطالِب بالوصية فقد تُنسَى، وأما الدَيْن فإنّ أهله يُطالِبون به فلا يُنسَى ولا يُترَك).
- بهذا أوصاكم ربكم ﴿ وَصِيَّةً ﴾ نافعة لكم ﴿ مِنَ اللَّهِ ﴾ ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بما يُصلِحُ خَلقِه ﴿ حَلِيمٌ ﴾ لا يعاجلهم بالعقوبة، ولكنْ لا يَغُرَّنَّكم حِلمَه فإنّ بَطْشه شديد وعذابه أليم.
لمسات بيانيه
آية (12):
*(وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ (12) النساء) نكرة على عكس الباقي المعرّف (الربع، الثلث، السدس، الثمن)؟
هذه لأنها مضافة.
آية المواريث فيها عجائب. طبعاً كلكم تعرفون الفرق بين الألف واللام مع الكلمة أو بدون ألف ولام نكرة ومعرفة فرق بين رجل والرجل، زعيم والزعيم، عالم والعالم فرق كبير من الذي جاء؟ جاء رجل، لا نعرفه ومن الذي جاء؟ جاء الرجل هذا إنسان عظيم. رب العالمين جميع الحقوق جعلها بالألف واللام (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ (12) النساء) (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)) كل هذه الثمن الربع الثلث السدس كلها أل أل أل الخ الفرق الوحيد (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ (12) النساء) نصف الزوج من الزوجة التي ليس لديها أولاد، واحد متزوج وليس لديه أولاد والزوجة ماتت هذا الزوج سيأخذ نصف ثروة هذه الزوجة الميتة التي ليس لها أولاد هذه الوحيدة التي الله قال (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) لم يقل ولكم النصف هو قال (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ) (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ) فلماذا مع هذه قال (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ)؟ لماذا نصف الزوج من زوجته التي ماتت قبله وليس لديها عيال؟ لماذا (نِصْفُ)؟ يقول لك يا رجل تزوجت بنت الناس ولم تنجب منها عيال إمرأة ماتت من دون عيال وحتماً كونها ما عندها عيال أنت سوّدت عيشتها وتعيّرها كل يوم وتتعبها ثم ماتت ثم تأخذ نصف؟ صح هو قانوناً من حقك لكن أخلاقياً ذوقاً يجب أن لا تأخذ لماذا؟ أنا أطلب نجيب مليون درهم مثلاً ونجيب ما يقبل يعطيني لأن ما عنده غير البيت الذي يسكنه أنا من حقي قضاءً أشتكي عليه وأجعله يبيع البيت ويعطيني فلوسي إن شاء الله يعيش في الشارع كقانون كحق حقوق محكمة معقول من حقك أن تأخذ فلوسك ودعه يبيع البيت، لكن أخلاقياً مرؤةً إنسانياً كيف تجعل هذا صديقك وأخوك كيف تبيعه البيت؟ّ تقول والله ليس من شأني أنا أريد مالي، تأخذ حقك وهو ليس حراماً فهو حقك لكن حق رديء ليس لديك مرؤة. فرب العالمين كأنه والله أعلم يقول له يا زوج هذه زوجتك ما كان لها عيال وعاشت معك في نكد وعنده فلوس من ابوها وراثه من أبوها من أهلها عندها رواتب أو عمارة أو بيت أنت كقضاء وكحق وحقوق لك نصف (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) بس والله العظيم لو عندك ذوق وعندك رجولة تقول لأبويها الله يجزاكم خير والله يرحمها التي لم تر خيراً عندي وأنا عاد أخذ فلوسها بعد خذوها أنا لا أريد منكم شيء يا الله اشلون موقف كريم وعظيم من زوجٍ يرى أنه لم يسعد زوجته وزوجته لم تسعده فلم يأتيهم أطفال وبعدين عاش معهم سنتين تخدمها وكذا وتحصنه والخ وبعدين ماتت قبله وعندها ثروة تأخذ نصفه؟ والله يا أخي اتركه لأهلها لأخوانها لأمها لأبوها لأقاربها ليس لك عليها شيء رب العالمين من كرمه قال أنت لك نصف باعتبار أنت صرفت عليها لما كانت عندك إذاً لعل الله سبحانه وتعالى عندما نكّر كلمة نصف فقط فقط نصيب الزوج من ميراث زوجته التي ماتت وليس لديها عيال وماتت قبل الزوج (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ (12) النساء) لا، هذه حرمتي أم عيالي وفلوسها فلوسي وفلوس أولادها فليأخذ حق الأولاد تأخذه بقوة أخلاقياً وأدبياً هذا حقك فهي أم عيالك لكن الأولى ليس لديها عيال وحينئذٍ يجدر بكل رجل يتزوج امرأة وليس عندها أولاد وعاشت معه على الحلوة والمرة ولديها ثروة قضاء وقانون وعدالة له الحق أن يأخذ النصف لكن مرؤتنا يقول لا هذا كثير حصل والله حصل أنا أعرف فلان وفلان وفلان لما ماتت زوجته لم يأخذ درهم من فلوسها تركها لأهلها وأخوانها وأخواتها وإذا كان لديها عيال أعطاه لعيالها وهذا والله أعلم هو السر في أن السهم الوحيد الذي ليس فيه ألف ولام في هذه الآية في آية الميراث هو النصف مال الزوج. ونفس الشيء في آخر سورة النساء في الكلالة الثانية يتكلم عن الأخ إذا شخص مات وليس لديه أولاد ولا أم ولا أب لكن عنده أخوة وخوات عنده أخت من أب أيضاً لها النصف هذا قال (فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ (176) النساء) يعني أنت تلاحظ هذا النصف في حالات غير مؤاتية، واحد ليس لديه لا أخت ولا أب ولا عيال ما عنده أحد ما عنده غير أخته يعني فقط فرب العالمين نكّر هذه الأنصفة عندما يكون هذا الميراث غير مُسعِد أنت تبني سعادتك على إنسانة شقيت أو إنسان شقي كل واحد ما عنده والله أعلم وهذا الذي نقوله.
إضافه فكريه
كلمة حليم في القرآن: (من برنامج هذا ديننا للدكتور عمر عبد الكافي على قناة الشارقة)
وردت كلمة حليم في القرآن 15 مرة عشرة منها 11 مرة كإسم من أسماء الله عز وجل الحسنى:
البقره 225، 235 ،263
ال عمران 155
النساء 12
المائده 101
الاسراء 44
الحج 59
الاحزاب 51
فاطر 41
التغابن 17
ووردت مرتين في ابراهيم عليه السلام:
- (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) التوبة).
- (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) هود).
ووردت مرة في اسماعيل u عند البشارة به في قوله تعالى (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ(101) الصافات).
ووردت مرة على لسان قوم شعيب الذين كانوا يستهزئون به في قوله تعالى (إِنَّكَ لَأَنْتَالْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)).
والحليم لا يأتي إلا بخير وهو السمت في الخُلُق العربي فالتزكية ربع المهمة المحمدية لأن عليه يقوم الأمر كله. والرسول r يقول: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فكأن هذه المهمة هي المهمة الرئيسية للرسول r. وكما أن الأشياء توزن والأطوال تُقاس فإن وحدة قياس الأخلاق هي خُلُق رسول الله r لأنه هو المثال البشري المنفوق هيّأه تفوقه أن يعيش واحداً فوق الجميع فعاش واحداً بين الجميع.
ونلاحظ في القرآن الكريم أنه عند البشارة باسماعيل u جاءت بقوله تعالى (غلام حليم) فاسماعيل جدّ العرب حليم فكأن الحلم يتصف به جدُّ لعرب والحِلم كله خير ولا يأتي إلا بخير “كاد الحليم أن يكون نبياً”.
وفي البشارة باسحق جدّ اليهود كانت البشارة (غلام عليم) فكأن العلم يتّصف به جدّ اليهود.
سؤال: ربما تكون (من) هنا للجمع أو للمفرد، هل (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) تعني مفرد أو جمع؟
(من) تحتمل لأن كلمة خالدين خلّصتها للجمع. وأيضاً هنالك أمر آخر بياني حسّن استخدام الجمع في آية الجن وهو ذكر اجتماع الكفرة على رسوله (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) الجن) هذا اجتماع، هؤلاء خالدين بزمرتهم. مما حسّن الإفراد في آية سورة النساء أنهم أقل من المذكورين لأنه عصيان وتعدي الحدود فيه قلة ومن ناحية أخرى حسّن القلّة نسبياً. إذن من كل وجه صار الإفراد في آية النساء أنسب في السياق وخالدين في آية الجن أنسب في السياق.
لمسات بيانيه
آية (13-14):
*قال تعالى في سورة الجن (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)) وفي سورة النساء قال تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)) فما الفرق بين خالدين وخالداً؟(د.فاضل السامرائى)
الآية الكريمة في سورة الجن (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وفي النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)قال خالدين في سورة الجن بالجمع وخالداً بالإفراد في النساء. الوعيد بالعذاب في آية النساء أشد (يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) أشد لأنه عذاب بالنار وبالوحدة، في الجن قال خالدين بالجمع لأن الجنة فيها نعيمان نعيم الجنة ونعيم الصحبة وهنا قال خالداً يعني منفرداً لأن الوحدة عذاب حتى لو كان في الجنة، يكون وحده ليس معه أحد ولا يتكلم مع أحد هذا شيء ثقيل جداً. إذن مبدئياً العذاب في آية النساء أشد، الوعيد. لماذا هو أشد؟ قال في سورة الجن (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ) وقال في سورة النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) هذا زيادة. العصيان يعني عدم الطاعة وتعدي الحدود عدم الطاعة ولكن فيها إضافة قد تكون هنالك حدود في أمور معينة (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا (187) البقرة) (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (229) البقرة) هذه إضافة إلى العصيان لأن أحياناً مجرد العصيان ليس بالضرورة كفر مجرد المعصية لأن الإنسان قد يعصي ربه في شرب خمر أو سرقة أو زنا. (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) هذه زيادة. الجريرة هنا جريرتان عصيان وتعدٍ الحدود، في الجن ذكر العصيان فقط وفي النساء ذكر العصيان وتعدي الحدود ولذلك قال (وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) إضافة إلى النار له عذاب مهين فإذن هنالك سبب دعا إلى هذا الاختلاف ولذلك لا تجد في أصحاب الجنة خالداً مطلقاً وإنما دائماً خالدين لأنه ليس هناك وحدة بينما في النار فنجد خالدين وخالداً.
سؤال
: قال تعالى في آية النساء (يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) هل لنا أن نسقم العذاب بحسب الجريرة، يعني ناراً خالداً فيها بسبب العصيان وله عذاب مهين بسبب تعدي الحدود؟
الله أعلم، ليست هنالك قرينة سياقية تحدد صورة معينة للعذاب مع خطيئة محددة. ذكر مهين أنهم تعدوا الحدود، استخفوا بحدود الله فأهانهم أي أذلّهم، لأن العذاب ليس بالضرورة مهين قد يكون فيه عذاب أليم أن تضربه مثلاً. ليس العذاب مهيناً بالضرورة ولهذا هنالك في القرآن عذاب عظيم، وشديد ومهين وأليم، عذاب مُذِل يعني أمام الناس تفضحه وتجعله يفعل أشياء.
سؤال:
هل لنا أن نفهم في آية النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) يتعدى حدود من؟ الله أو الرسول؟ هل العطف يعود على الأقرب؟
العطف ليس بالضرورة يعود على الأقرب لأن ما حدّه الرسول هو ما حدّه الله، يعني يتعدى حدوده أي حدود الله.
سؤال:
هل هنالك خلود في النار؟ أم من يقضي سيئاته سيخرج ويذهب إلى الجنة؟ ماذا يحتمل سياق الآية من الناحية اللغوية؟
أنا أعرف أن الخلود هو البقاء غير المنقطع والدوام و(أبداً) يؤكد هذا المعنى، هذا الذي أفهمه من اللغة.
سؤال:
في الجن قال (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وفي النساء (خَالِدًا فِيهَا) هل تضيف كلمة (أبداً) لخالدين من حيث الدلالة الزمنية على الأقل؟
لما يكون تفصيل غالباً تضيف (أبداً) لكن هنا قال (وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ). (أبداً) يعني غير منقطع مستمر. الخلود هو البقاء الطويل أيضاً هو في القرآن خالداً لكن (أبداً) تأكيد للمسألة.
سؤال
: ليتنا نأتي على كل الآيات نقوم بعمل دراسة في القرآن الكريم على من يذهب والعياذ بالله أعاذنا منها إلى النار ونبحث مدة البقاء فيها، هنالك من يجلس في النار وهنالك من (خالدين فيها أبداً) (خالداً فيها) (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) البقرة) وهناك البعض يقول يقضي ما عليه من السيئات ثم يخرج منها.
إذا كان مسلماً يقضي من السيئات ما يقضي ثم يخرج بعدها (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران) (وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ (40) الأعراف) معاصي مختلفة، هذا الباب الدخول فيه والكلام فيه يحتاج لحذر شديد وربنا تعالى ذكر أن من يقتل نفساً بغير نفس خالداً فيها لكن كثير من الناس قال هذه تغليظ عقوبة القتل.
سؤال: هل هناك دليل في القرآن على هذا؟
هم يقولون بالنسبة للمسلم يستندون للأحاديث ” من قال لا إله إلا”.
(وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14) النساء) إن تهديد المرء بالنار وعيد وعذاب فإذا أشيف إليه الخلود فهذا من أشد ألوان العذاب. فما فائدة ختم الآية بقوله تعالى (وله عذاب مهين)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
أراد الله تبارك وتعالى أن يهدد الخارجين عن حدوده بألفاظ ترجف القلوب وتقع في قلوبهم موقع الخوف ليتأمل الإنسان سوء مصيره ولذلك ختمت الآية بوصف العذاب المهين لأن من العرب من لا يخشى كلمة النار ولكنه يأبى الضيم والإهانة فقد يحذر الإهانة أكثر مما يحذر عذاب النار ولذا قال العرب في أمثالهم “النار ولا العار”.
لمسه بيانيه
في آيات الميراث في سورة النساء قال تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)) في الجنة قال خالدين فيها وفي النار قال خالداً فيها فما دلالة جمع خالدين في الجنة وأفردها في النار؟(د.فاضل السامرائى)
(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) والآية التي بعدها مباشرة (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُيُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) في أكثر من مناسبة قلنا في الجنة لم ترد خالداً بالإفراد في عموم القرآن لم يرد في أصحاب الجنة مرة واحدة خالداً ولهذا دلالة محددة. لما ذكر النار يذكر خالدين ويذكر خالداً لأن الوحدة هي عذاب لو أدخلته الجنة وليس معه أحد يتكلم معه فهذا عذاب، ولذلك في النار ذكر أمرين ذكر عذاب النار وعذاب الوحدة فقال (يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا) أما الجنة لم يذكر خالداً لأن دائماً فيها اجتماع فيأنس من نعيم الاجتماع وما في الجنة من نعيم فقال خالدين. ثم هناك أمر آخر لما قال يدخله جنات بالجمع معناه أكثر من واحد يدخل (مَنْ) تحتمل المفرد والجمع، عموماً أكثر الكلام أنه يبدأ بالمفرد ثم يأتي فيما بعد ما يبين هذا الشيء (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) هذا هو الأكثر يبدأ بالمفرد المذكر أياً كان ثم يجمع. مع الجنة قال خالدين لأن فيها نعيمان نعيم الجنة ونعيم الصحبة وأما في النار ففيها عذاب النار وعذاب الوحدة وقد تأتي خالدين في النار ولم ترد في الجنة خالداً فيها أبداً وخالداً وخالدين تأتي مع النار. عذاب أهل النار بالإشتراك كأن يكون إهانة يقولون لبعضهم أنت كنت كذا وأنت كنت كذا يختصمون وهذا عذاب آخر.
لمسه جماليه
(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ (13) النساء) مشهد ملموس ومحسوس ترسمه عبارة حدود الله فكل منا يعرف حدّه في منزله مثلاً فلا يجرؤ على دخول حدّ جاره وإن دخل فهو موقن أنه مخالف ومتجاوز حقّه وقد استعمل ربنا تعالى الحدود ليقرّب الفكرة لأذهاننا فشرع الله حدٌّ لا ينبغي لنا أن نتجاوزه.
تدبر وعظات
الآية (12) تفصل الميراث بين الزوجين أيضاً بالعدل ]وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوٰجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ[فباختصار أختي الحبيبة ، كلما أحسست بأن العدل قد نقص من حياتك خاصة مع الضعفاء فعليك أن تقرأ سورة النساء: سورة العدل وأن تعرضي نفسك على آياتها.
في النساء
أضاف واو (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) تلك حدود الله، هناك فقط لمن آمن وكان صادقاً في عباداته (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وهذا أساس الجنة، من دخل الجنة (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴿185﴾ آل عمران) لكن فاز، الفوز أنواع هناك فوز مجرّد يعني 50% وهناك فوز عظيم لكن في أعظم منه والأعظم منه هو الذي فيه واو فيه قسم (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هذا الثاني (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لمن يطيع الأحكام في الكتاب والسنة حلال وحرام قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿13﴾النساء) هي الطاعة من يطع الرسول فقد أطاع الله (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴿20﴾ الأنفال) بالحلال والحرام هذه هي التقوى، إذاً فيها واو (وَذَلِكَ) هذا واحد.
من التدبر
تلك حدود الله :
ثم تأتي آيتان (13-14) محوريتان في الترغيب بالعدل والترهيب من الظلم والتعدي على حدود الله ]تِلْكَ حُدُودُ ٱلله وَمَن يُطِعِ ٱلله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلاْنْهَـرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ & وَمَن يَعْصِ ٱلله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَـٰلِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ[.
(وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14) النساء) إن تهديد المرء بالنار وعيد وعذاب فإذا أشيف إليه الخلود فهذا من أشد ألوان العذاب. فما فائدة ختم الآية بقوله تعالى (وله عذاب مهين)؟ أراد الله تبارك وتعالى أن يهدد الخارجين عن حدوده بألفاظ ترجف القلوب وتقع في قلوبهم موقع الخوف ليتأمل الإنسان سوء مصيره ولذلك ختمت الآية بوصف العذاب المهين لأن من العرب من لا يخشى كلمة النار ولكنه يأبى الضيم والإهانة فقد يحذر الإهانة أكثر مما يحذر عذاب النار ولذا قال العرب في أمثالهم “النار ولا العار”.
(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ (13) النساء) مشهد ملموس ومحسوس ترسمه عبارة حدود الله فكل منا يعرف حدّه في منزله مثلاً فلا يجرؤ على دخول حدّ جاره وإن دخل فهو موقن أنه مخالف ومتجاوز حقّه وقد استعمل ربنا تعالى الحدود ليقرّب الفكرة لأذهاننا فشرع الله حدٌّ لا ينبغي لنا أن نتجاوزه.
.من هداية الآية:
1- بيان ميراث الزوج من زوجته، والزوجة والزوجات من زوجهن.
2- بيان ميراث الكلالة وهو من لا يترك والداً ولا ولداً فيرثه إخوته فقط يحوطون به إحاطة الإِكليل بالرأس فلذا سُمِيّت الكلالة.
3- إهمال الوصيّة أو الدين ان علم إن الغرض منها الإِضرار بالورثة فقط.
4- عظم شأن المواريث فيجب معرفة ذلك وتنفيذه كما وصى الله تعالى.
5-بيان حرمة تعدي حدود الله تعالى.
6- بيان ثواب طاعة الله ورسوله وهو الخلو في الجنة.
7- بيان جزاء معصية الله ورسوله وهو الخلود في النار والعذاب المهين فيها.
————————————————————————————————
لمسات بيانيه
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ (4) الطلاق) (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ (15) النساء) ما الفرق بين اللآئي واللآتي في القرآن الكريم؟(د. فاضل السامرائى)
القرآن استعمل اللاتي واللآئي لكن من خصوصية الاستعمال في القرآن الكريم أنه استعمل اللآئي في حالتي الظِهار والطلاق فقط، وفيما عدا ذلك يستعمل اللاتي، اللغة لا تفرق بينهما، لكن هذا من خصوصيات استعمال القرآن الكريم وهو اختيار عجيب.
نحن عندنا الهمزة ثقيلة في اللغة ، استعمل اللآئي في حالتي الظِهار والطلاق التي هي ثقيلة على الإنسان. وكأنما تقارب كبير في الاشتقاق بينها، طبعاً اللآئي ليست مشتقة ولكن كأنها متقاربة في اللفظ مع اللائي التعب والإبطاء والاحتباس والجهد والمشقة والشدة، والمظاهِر والمطلق مبطئ عن امرأته بعيد عنها وفيها مشقة على الطرفين، اختيار عجيب.
مبطئ عنها، محتبس عنها فيه جهد ومشقة، فقط في الظهار والطلاق استعملها فقط في هاتين الحالتين. أما البقاي استعمل اللآتي (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ (23) النساء) (مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ (50) يوسف) لكن هذه استعملها خاصة.
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ (4) الطلاق) هذه في الطلاق.
أسباب النزول
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ) الآية 19.
أخبرنا أبو بكر الأصفهاني. قال: حدثنا عبد الله بن محمد الأصفهاني قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أسباط بن محمد، عن الشيباني، عن عكرمة، عن ابن عباس- قال أبو إسحاق الشيباني: وذكره عطاء بن الحسين السوائي، ولا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس – في هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ) قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته إن شاء بعضهم تزوّجها، وإن شاءوا زوّجوها، وإن شاءوا لم يزوّجوها، وهم أحق بها من أهلها، فنـزلت هذه الآية في ذلك. رواه البخاري في التفسير، عن محمد بن مقاتل. ورواه في كتاب الإكراه عن حسين بن منصور كلاهما عن أسباط.
قال المفسرون: كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الإسلام، إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عصبته فألقى ثوبه على تلك المرأة، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره، فإن شاء أن يتزوّجها بغير صداق، إلا الصداق الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوّجها غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئًا، وإن شاء عضلها وضارّها لتفتدي منه بما ورثت من الميت، أو تموت هي فيرثها، فتوفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية، فقام ابن له من غيرها يقال له: حصن، وقال مقاتل: اسمه قيس بن أبي قيس، فطرح ثوبه عليها، فورث نكاحها ثم تركها، فلم يقربها ولم ينقق عليها يضارّها لتفتدي منه بمالها، فأتت كبيشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا قيس توفي وورث ابنه نكاحي وقد أضرّ بي وطول علي، فلا هو ينقق علي، ولا يدخل بي، ولا هو يخلي سبيلي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله” قال: فانصرفت وسمعت بذلك النساء في المدينة، فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: ما نحن إلا كهيأة كبيشة غير أنه لم ينكحنا الأبناء ونكحنا بنو العم، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
———————————————————————————————————
الآية 17: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ ﴾: يعني إنَّما يَقبل اللهُ التوبة من الذين يرتكبون المعاصي والذنوب ﴿ بِجَهَالَةٍ ﴾: يعني بجهلٍ منهم لِسُوء عاقبة هذه الذنوب، وبجهلهم بقدْر ربهم الذي عصوه، ولكنْ بشرط: ﴿ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ﴾ فلا يُؤخرون التوبة ولا يُسَوِّفونها (يعني لا يقول العبد: سوف أتوب، لأنّه لا يَضمَن أن يُمهِلَهُ اللهُ ليتوب)، ﴿ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾: يعني يَقبل توبتهم، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا ﴾ بضَعف عباده ﴿ حَكِيمًا ﴾ يضع كل شيء في موضعه اللائق به، ومِن ذلك قبول توبة مَن عصوه بجهالة (لا بعنادٍ ومُكابرةٍ وتحدٍ)، ثم تابوا من قريب.
الآية 19: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ﴾: يعني لا يجوز لكم أن تجعلوا نساء آبائكم مِن جُملة تَرِكَتِهم، فتتصرفون فيهنّ بالزواج منهنّ، أو تزويجهنّ للآخرين، وهنّ كارهاتٌ لذلك كله، ﴿ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ ﴾: يعني ولا تمنعوهنّ من الزواج، حتى لا تضطر هذه المرأة المظلومة إلى إعطائكم شيئًا مما وَرِثتْهُ من ميراث آبائكم، حتى تتخلص مِن هذا الظلم والتحكم.
- وكذلك لا يجوز للزوج إذا كره زوجته أن يضايقها حتى تفتدي منه ببعض مهرها ﴿ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ كالزنى، أو أن تتكبَّر الزوجة على طاعة الزوج، وتتمرد عليه، ولا تعطيه حقه في المعاشرة بالمعروف، فحينئذٍ يجوز للزوج أن يضايقها حتى تفتدي منه بمهرها أو بأكثر حتى يُطلقها، وذلك حتى لا يكون قد تضرَّر من الناحيتين: (مِن سُوء عِشرَتها، ومِن دفْع مهرها إذا طلَّقها)، إذ إنها هي البادئة بالضرر وليس هو، ومع ذلك: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾: يعني ولتكن مصاحبتكم لنسائكم مَبنية على التكريم والمحبة واللطف، وأداء ما لهنّ من حقوق.
- واعلم أنَّ مِن المعاشرة بالمعروف: ألاَّ يَعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون ليِّناً ورفيقاً في القول، ليس فظاً ولا غليظاً، ولا مُظهِراً مَيْلاً إلى غيرها، وألاَّ يَقلْ لها على سبيل الاحتقار: (أنتي ناقصة عقل ودين)، فليتق اللهَ ولْيَفهم أنَّ نُقصان العقل عند المرأة إنما يكونُ بسبب تغليبها العاطفة على العقل، وذلك حتى يَتغلَّب على طبْعها صفة الحنان، فيتسِّع بذلك قلبُها لهموم زوجها، لتكونَ خيرَ مُهَوِّنٍ له على مَشقة الحياة، وأما نقصان الدين عندها: فلأنها تمتنع عن الصلاة في أيام حَيْضها، وليس ذلك بإرادتها.
﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ ﴾ لِسُوء خُلقهنّ أو بَذاءة لسانهنّ أو غير ذلك: فاصبروا عليهنّ ولا تطلقهوهنّ ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾: يعني فلَعَلَّ اللهَ أن يجعل في بقائها خيراً كثيراً لكم (فبسبب صبركم عليهنّ وتقوى الله تعالى فيهنّ: قد يُذهِبُ اللهُ ذلك الكُره من نفوسكم، ويُحِلّ مَحَلَّهُ الحب والمَوَدَّة، وقد تُرزَقونَ منهنّ بولدٍ ينفعكم).
- واعلم أن هذه الآية قد تضمنتْ إبطال ما كانَ شائعاً بين الناس قبل الإسلام من الظلم اللاحق بالنساء، فقد كان الرجل إذا مات والده وترك زوجته: وَرِثها أكبر أولاده (مِن غيرها)، فإن شاء زَوَّجَها وأخذ مَهرها، وإن شاء أبقاها حتى تعطيه ما يَطلب منها من مال، فجاء الإسلامُ فرفع ذلك الظلم عن المرأة، فكَرَّمها وأعطاها حقوقها.
لمسات بيانيه
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ (17) النساء) تأمل هذا التعبير الإلهي البديع فقد قيّد الله سبحانه وتعالى عمل السوء بجهالة فقال (يعملون السوء بجهالة) فلِمَ عدل ربنا تعالى عن وصفه بالجهل فلم يقل يعملون السوء عن جهل؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الجهالة تطلق على سوء المعاملة وعلى الإقدام على العمل دون رويّة في حين أن الجهل يعني عدم العلم بالشيء فلو عمل أحد معصية وهو غير عالم بأنها معصية فليس يأثم وإنما يجب أن يتعلم ويبتعد عن المعاصي ولذلك حصر الله تعالى السوء بالجهالة دون الجهل لأن هذا الفعل هو الذي يحب أن يتوب الإنسان عن فعله
لمسات بيانيه
ما الفرق بين يتوفى و يدركه الموت؟(د.حسام النعيمى)
يتوفى:
ورد في سورة النساء (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)) جعل الله تعالى لهن سبيلاً بالحدّ عندما نزلت الآيات وأخبر الرسول بحدّ مرتكبة الفاحشة. (يتوفاهن الموت) التوفي هو أخذ الشيء كاملاً غير منقوص. الموت لا يقوم بأخذ الشيء وافياً وإنما أُسند العمل إلى الموت على سبيل التوسع لعلاقة السببية لأن الموت معناه إنقضاء العمر الذي يؤدي إلى أن تؤخذ روحه وافية غير منقوصة، أنه يتوفّى. الموت ليس هو الذي يأخذ الروح لكن الموت إيذان بانتهاء العمر، ما بقي لهذا الإنسان من عمره شيء فهو ميّت. الذي يتوفى هذه الأنفس (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61) الأنعام) الملائكة التي تأخذ الروح وحتى الرسل الملائكة ليست هي التي تتوفى الأنفس لأن (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) الزمر) النسبة الحقيقية أي الفاعل الحقيقي لهذا التوفي هو الله سبحانه وتعالى، الملائكة وسيلة والموت سبب. الله سبحانه وتعالى ينسب أحياناً الفعل لغيره باعتباره الغير سبب أو مرتبط بأمره (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا (10) فاطر) حصر هنا العزة لله عز وجل وحده دون غيره وفي موضع آخر قال (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) المنافقون) إرتباط الرسول بالله، هو رسول الله فمنحه الله تعالى العزة. كذلك هاهنا لما قال تعالى (حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) يعني يستوفي أرواحهن الموت أي يتوفاهن ملائكة الموت. قالوا كان ذلك عقوبتهن أوائل الإسلام فنُسِخ بالحدّ. في قوله تعالى (حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) جاء اللفظ بالإسناد إلى الموت على سبيل التوسع لعلاقة السببية لأن الموت نهاية العمر فهو سبب الوفاة والذي يتوفى الأرواح الرسل من الملائكة بأمر من الله سبحانه وتعالى فالذي يتوفى الأرواح على الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى.
يدرك:
في سورة النساء (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ (78)) الآية كأنما تصور من ينتقل من مكان إلى آخر هرباً من الموت والموت يسعى وراءه حتى يدركه أينما كان ولو كان متحصناً في بروج مشيدة قوية الجدران محكمة الأبواب. لما يدركه يكون قريباً منه ويقبض بعد ذلك. يُفهم من الآية أنه يموت قطعاً. يدرككم أي لما يصل إليكم وسيكون نتيجته مفارقة الحياة. وفيه صورة الملاحقة والهارب الذي يلحقه شيء. حتى في المجاز تقول أدركت ما يريد فلان أي تتبعت عباراته بحيث وصلت إلى الغاية من عبارته.
الآية الأخرى في سورة النساء (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100)) هو مهاجر لما هاجر هاجر فراراً بدينه وحياته وهو خارج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله كأن الموت يسعى وراءه (ثم يدركه الموت) الخارج من بيته مهاجراً إنما خرج فراراً بدينه من أن يفتنه الكفار فهو فارٌ منهم لكن الموت يتبعه ويدركه في طريق الهجرة وهذا أجره عظيم فقد وقع أجره على الله كما قال تعالى (فإنه ملاقيكم) الموت هنا لم يأت فاعلاً وإنما إسم إنّ (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ (8) الجمعة).
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) النساء) التوبة المرفوضة هي التي تكون حين يشرف الإنسان على الموت ويدرك أنه صار قريباً منه كأن الموت لم يقع بعد بدليل أنه استطاع أن يتكلم فهو لم يمت بعد. وعلى هذا نقول أن كلمة (حضر) عندما تأتي مع الموت فيها معنى القرب والمشاهدة وكأنه فيها نوع من التجسيد للموت كأن الموت حيٌّ يحضر مع من يحضر حوله من أهل الذي ينازع فيشهد هذا الموت.
لمسات بيانيه
ما الفرق الآن من الناحية البيانية بين قوله تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً. سورة النساء {18}) وفي سورة المائدة: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ {106}) وقوله تعالى في سورة البقرة (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {133}) وفي سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99}) وفي سورة الأنعام (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ {61}).
القرآن الكريم له خصوصيات في التعبير فهم يستعمل كلمة (بررة) للملائكة وكلمة (ابرار) للمؤمنين. وفي كلمة حضر وجاء لكل منها خصوصية أيضاً. حضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في سورة آية سورة البقرة وكأن الموت هو من جملة الشهود فالقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت فالكلام هو في الأحكام والوصايا (إن ترك خيراً الوصية) (ووصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد).
أما مجيء الموت في القرآن فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في آية سورة المؤمنون يريد هذا الذي جاءه الموت أن يرجع ليعمل صالحاً في الدنيا فالكلام إذن يتعلق بالموت نفسه وأحوال الشخص الذي يموت. وكذلك في آية سورة الآنعام. ويستعمل فعل جاء مع غير كلمة الموت أيضاً كالأجل (فإذا جاء أجلهم) وسكرة الموت (وجاءت سكرة الموت) ولا يستعمل هنا حضر الموت لأن كما أسلفنا حضر الموت تستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود أما جاء فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت وأحوال الشخص في الموت.
لمسات بيانيه
ماا الفرق بين اعتدنا وأعددنا فى القرآن الكريم ؟ (د.فاضل السامرائى)
أعتد فيها حضور وقرب والعتيد هو الحاضر (هذا ما لدي عتيد) أي حاضر وقوله (وأعتدت لهن متكئاً بمعنى حضّرت أما الإعداد فهو التهيئة وليس بالضرورة الحضور كما في قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم) بمعنى هيّأوا وليس حضروا وقوله (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدّة) أما في سورة النساء فقال تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً {18}) لأنهم ماتوا فأصبح الحال حاضراً وليس مهيأ فقط، وكذلك ما ورد في سورة الفرقان (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً {37}) قوم نوح أُغرقوا وماتوا أصلاً فجاءت أعتدنا. أما في سورة النساء (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً {93}) هؤلاء لا يزالون أحياء وليسوا أمواتاً فجاءت أعد بمعنى هيّأ. ومما سبق نقول أنه في آية سورة الإنسان بما أن جزاء أهل الجنة بالحضور بصيغة الوقوع لا بصيغة المستقبل كذلك يقتضي أن يكون عقاب الكافرين حاضراً كما أن جزاء المؤمنين حاضر فقال تعالى في أهل الجنة (يشربون من كأس، ولقّاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا) وجاء عقاب الكافرين حاضراً بصيغة الوقوع فقال تعالى (إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا).
لمسات بيانيه
اية (18):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل حضر وجاء في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
فعل حضر والحضور في اللغة أولاً يعني الوجود وليس معناه بالضرورة المجيء إلى الشيء (يقال كنت حاضراً إذ كلّمه فلان بمهنى شاهد وموجود وهو نقيض الغياب) ويقال كنت حاضراً مجلسهم، وكنت حاضراً في السوق أي كنت موجوداً فيها.
أما المجيء فهو الإنتقال من مكان إلى مكان، فالحضور إذن غير المجيء ولهذا نقول الله حاضر في كل مكان دليل وجوده في كل مكان. وفي القرآن يقول تعالى (فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء) سورة الكهف بمعنى لم يكن موجوداً وإنما جاء الأمر. وكذلك قوله تعالى (فإذا جاء أمرنا وفار التنور) سورة هود. إذن الحضورة معناه الشهود والحضور والمجيء معناه الإنتقال من مكان إلى مكان.
شعار الـسورة:
وعا شروهنّ بالمعروف :
وتعود الآيات إلى الحديث عن العدل مع النساء ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء كَرْهاً…[ (19)فهذه الآية تحذّر من إرث النساء كرهاً ]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ[ (19).. فليس معنى ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ[ أن لا يظلم الرجل زوجته فحسب، بل إن العلماء قالوا بأن المعاشرة بالمعروف هي أن يتحمّل الرجل الأذى من زوجته ويصبر عليها ويرقق قلبها حتى يذهب عنها غضبها كما كان يفعل النبي r: وتمضي الآية لتقول ]فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱلله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً[ (19).
لمسات بيانيه
ما الفرق بين كلمة الكَره بفتح الكاف والكُره بضمها؟(د.فاضل السامرائى)
الكَره بفتح الكاف هو ما يأتي من الخارج يقابله الطوع كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) النساء) وقوله تعالى (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) التوبة) وقوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)).
أما الكُره بضم الكاف فهو ما ينبعث من الداخل ففي قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) البقرة) جاءت كلمة الكُره لأن الإنسان بطبيعته يكره القتال وكذلك في قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) الأحقاف) الحمل في نفس الأم ثقيل ليس مفروضاً عليها وإنما آلآم الوضع والحمل وأي إنسان لا يريد المشقة لنفسه أصلاً.
(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا (19) النساء) لا شك أن وقع النهي علة أذن السامع أشد من الإخبار فقولك لولدك لا تفعل هذا فيه من الوعيد والأثر أشد من قولك أمنعك من هذا.
(وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا (20) النساء) انظر قوله تعالى (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) فقد ضرب الله تعالى مثلاً للمهر بالقنطار فلِمَ قال قنطاراً ولم يسمِّه على الأصل: وآتيتم إحداهن مهراً؟ أو نِحلة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
المهر يطلق على القليل والكثير فلو حدّده بالمهر ثم أتبعه (فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا) لربما تبادر إلى أذهاننا أن المهر إن كان كثيراً يحق لنا أن نأخذ نصيباً ولكن عندما مثّل للمهر بالقنطار وهو كثير جداً ثم نهانا عن الأخذ منه علمنا أن المهر مهما قل أو كثر لا يحق لنا أن نقتطع منه لأنفسنا.
تدبر في الايه
فماذا لو وقع الظلم من البشر؟ تأتي الآية (17) لتجيب على السؤال مباشرة وتفتح باب التوبة ]إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱلله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوء بِجَهَـٰلَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ ٱلله عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱلله عَلِيماً حَكِيماً[.
لمسات بيانيه
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا (19) النساء) لا شك أن وقع النهي علة أذن السامع أشد من الإخبار فقولك لولدك لا تفعل هذا فيه من الوعيد والأثر أشد من قولك أمنعك من هذا.
لمسات بيانيه
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ (17) النساء) تأمل هذا التعبير الإلهي البديع فقد قيّد الله سبحانه وتعالى عمل السوء بجهالة فقال (يعملون السوء بجهالة) فلِمَ عدل ربنا تعالى عن وصفه بالجهل فلم يقل يعملون السوء عن جهل؟ الجهالة تطلق على سوء المعاملة وعلى الإقدام على العمل دون رويّة في حين أن الجهل يعني عدم العلم بالشيء فلو عمل أحد معصية وهو غير عالم بأنها معصية فليس يأثم وإنما يجب أن يتعلم ويبتعد عن المعاصي ولذلك حصر الله تعالى السوء بالجهالة دون الجهل لأن هذا الفعل هو الذي يحب أن يتوب الإنسان عن فعله.
————————————————————————————
هل وردت “غير مضار” في موضع اخر غير الكلالة في القرآن؟ فإن لم ترد فهي حكمة لطيفة اذ يمكن ربطها بأن الوصية التي بها الضرر قد تكون اكثر ورودا في حالة الكلالة منها في الحالة الطبيعية. اذ ان الذي لا ولد له ولا اب قد يفكر ان يوصي بماله لشخص بعينه دونا عن الآخرين. لذا جاءت غير مضار بعد التأكيد على وصية ودين الكلالة. وهذا لا ينفي التعميم واهمية الانتباه للضرر في جميع الوصايا، ولكن يذكر باحتمالية وجود الضرر في هذه الوصية خاصة وضرورة الانتباه له. والله اعلم.
—————————————————————————————-
ماالفرق بين خالدين فيها… وخالدين فيها ابدا
فقد قال الدكتور فاضل صالح السامرائي في كتابه لمسات بيانية: هناك قاعدة في القرآن الكريم سواء في أهل الجنة أو في أهل النار: إذا كان المقام مقام تفصيل الجزاء أو في مقام الإحسان في الثواب أو الشدة في العقاب يذكر (أبداً) وإذا كان في مقام الإيجاز لا يذكرها.. في سورة النساء آية 57: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهّا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً. هذه الآية فيها تفصيل للجزاء فذكر فيها (أبداً)، أما الآية 13 من النساء: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. ليس فيه تفصيل فلم يذكر (أبداً) كذلك في سورة البينة لم يذكر مع الكافرين (أبداً) لأنه لم يفصل في عقابهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ. وذكرها مع المؤمنين لأنه فصل الجزاء لهم: 98جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ. فالتفصيل زيادة في الجزاء ويتسع في قوله (أبداً) فيضيف إكراماً إلى ما هم فيه من إكرام، وكذلك في العذاب، وقد وردت (خالدين فيها أبداً) في أهل الجنة 8 مرات في القرآن الكريم ووردت في أهل النار 3 مرات، وهذا من رحمته سبحانه وتعالى لأن رحمته سبقت غضبه..
السور التي ذكرت فيها
في اهل الجنه
النساء ايه 57،122
المائده 119
التوبه 100،22
التغابن 9
الطلاق 11
البينه 8
في اهل النار
النساء 168
الاحزاب 65
الجن 23
—————————————————————–
الآية 20، والآية 21: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ ﴾: يعني وإن أردتم طلاقَ زوجةٍ واستبدالها بأخرى، ﴿ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا ﴾: يعني وكنتم قد أعطيتم مَن تريدون طلاقها مالاً كثيرًا (مهرًا لها): ﴿ فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ﴾ ﴿ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾: يعني أتأخذونه كذبًا وافتراءً واضحًا؟ ، ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ ﴾: يعني وكيف يَحلُّ لكم أن تأخذوا ما أعطيتموهنّ مِن مهرٍ(﴿ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾: يعني وقد استمتع كلٌ منكما بالآخر بالجماع، ﴿ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾: يعني وقد أخذنَ منكم عهداً مؤكَّداً من إمساكهنّ بمعروف أو تسريحهنّ بإحسان؟
- واعلم أن المقصود بالميثاق الغليظ هوعقد النكاح، إذ يقول الزوج: نكحتُها على مبدأ: (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، فأين التسريح بإحسان إذا كان يضايقها حتى تتنازل عن مهرها أو عن شيء منه؟!، هذا هو ما أنكَره الله تعالى بقوله: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ)؟ إذ هو استفهام استنكاري لفظاعة هذا الأمر وخروجه عن اللياقة والأدب.
الآية 22: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ فبهذه الجُملة حُرِّمَتْ امرأة الأب على الابن (إذا طلقها الأب أو مات عنها، ولو لم يدخل بها)، فبذلك أصبحت زوجة الأب ضِمن المُحَرَّمات المذكورة في الآية التي بعد هذه، ﴿ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾: يعني إلا ما قد مضى منكم في الجاهلية قبل هذا التحريم، فهذا مَعفو عنه بالإسلام (بشرط التخلي عنه وعدم المُقام عليه)، بمعنى أنّ مَن فعل ذلك قبل إسلامه، ثم بلغه التحريم: فعليه أن يفارق زوجة أبيه، فإنها لا تحل له، وعليه أن يُعطِيَها حقها (المؤخَّر)، كما هو الحال في طلاق أيّ امرأة، وأما ما يتعلق بالأولاد الذين وُلِدوا منها فهؤلاء الأولاد مَنسوبون إليه، ومنسوبون إليها أيضاً رغم الفِراق التي حدث.
﴿ إِنَّهُ ﴾: يعني إنّ زواج الأبناء مِن زوجات آبائهم ﴿ كَانَ فَاحِشَةً ﴾: يعني كانَ أمراً قبيحاً يَعظُمُ قبْحه، ﴿ وَمَقْتًا ﴾: يعني وكان أمراً بغيضاً يَمقت الله فاعله، ﴿ وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾: يعني وبئس طريقًا ومنهجًا ما كنتم تفعلونه في جاهليتكم.
- واعلم أن المقصود بلفظ ﴿ آَبَاؤُكُمْ ﴾: (الأب وإن عَلا)، بمعنى أنه تَحْرُم زوجة الجد أيضاً على الابن وعلى ابن الابن.
تفسير الايه 23
الآية 23: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾: يعني حَرَّم الله عليكم نكاحَ أمّهاتكم (ويدخل في ذلك الجدَّات مِن جهة الأب والأم)، ﴿ وَبَنَاتُكُمْ ﴾ (ويدخل في ذلك الحفيدات مِن جهة الابن والابنة)، ﴿ وَأَخَوَاتُكُمْ ﴾ (سواء الشقيقات أو اللاتي من جهة الأب أو اللاتي من جهة الأم)، ﴿ وَعَمَّاتُكُمْ ﴾ وهُم: أخوات آبائكم وأخوات أجدادكم أيضاً، ﴿ وَخَالَاتُكُمْ ﴾ وهُم: أخوات أمهاتكم وأخوات جدّاتكم أيضاً، ﴿ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ﴾ (ويدخل في ذلك حَفِيدات الإخوة والأخوات)، ﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ ﴿ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾، واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه (يَحرُمُ من الرِّضاع ما يَحرُمُ من النَسب)، فكُل امرأة حُرِّمَتْ مِن الأقارب: حُرِّمَ مثلها مِن الرضاعة، بمعنى أنه كما حُرِّمَتْ عليه أمه التي ولدته، فإنّ أمه التي أرضعته حرامٌ عليه.
- وكذلك أيّ بنت رَضَعتْ من زوجته فهي حرامٌ عليه (لأنها أصبحت ابنته من الرضاعة)، واعلم أن ابنته من الرضاعة هذه تَحْرُمُ أيضاً على أخيه (لأنه أصبح عَمَّها من الرضاعة)، وكذلك يَحرُم على هذه البنت أخو أمها من الرضاعة (لأنه أصبح خالها من الرضاعة).
- وكذلك يَحْرُم على الرجل أخواته من الرضاعة (وهُم: بنات هذه المرأة التي رضع منها)، لكنهنّ لا يَحرُمْنَ على إخوته من النسب، وكذلك يَحرُم عليه خالاته من الرضاعة (وهُم: أخوات أمه التي أرضعته)، وكذلك يَحرُم عليه عمّاته من الرضاعة (وهُم: أخوات زوج المُرضِعة)، وكذلك يَحرُم عليه بنات إخوته من الرضاعة، وكذلك يَحرُم عليه بنات أخواته من الرضاعة، وبالنسبة لزوج المُرضِعة: فإنّ أخوات الطفل (الذي رضع من زوجته) لا يَحْرُمْنَ عليه.
- ولكن اعلم أنه يُشترَط لهذا التحريم السابق أن يكون الطفل قد رضع منها خمس رضعات فأكثر (كما ثبت ذلك في السُنَّة)، وكذلك أن يكون عُمره لا يزيد عن سنتين (وهما الحَوْلان الكاملان)، أما إذا كانَ عدد الرضعات أقل من خمس، أو كانَ الطفل حينها أكبر من سنتين: فلا يَحرُم عليه أحد بسبب هذه الرضاعة، ويُلاحَظ أنّ الأخ من الرضاعة لا يَرث.
- وحُرَّمَ عليكم كذلك:﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ﴾ سواء دخلتم بنسائكم، أم لم تدخلوا بهنّ ﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ﴾: يعني ويَحرُم عليكم بنات نسائكم (من غيركم) اللاتي يتربَّيْنَ غالبًا في بيوتكم وتحت رعايتكم، ولكنْ بشرط الدخول بأمهاتهنّ، ﴿ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾: يعني فإن لم تكونوا دخلتم بأمهاتهنّ وطلقتموهنّ أو مُتْنَ قبل الدخول: فلا جناح عليكم أن تنكحوهنّ، ﴿ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ﴾: يعني ويَحرُم عليكم زوجات أبنائكم الذين من أصلابكم (إذا فارقوهم أو ماتوا عنهم، سواء دخل الابن بها أو لم يدخل)، وكذلك يَحرُم على زوج المرضعة أن يتزوج امرأة ابنه من الرضاعة.
- وحُرَّمَ عليكم كذلك:﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ﴾ بنسبٍ أو رِضاع ﴿ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ ومضى منكم في الجاهلية فإنه مَعفو عنه، بشرط عدم الإقامة عليه (وحينئذٍ يختار الزوج منهما مَن كانت تطيعه وتصاحبه بالمعروف، ويُفارق الأخرى بعد أن يُعطيَها حقها)، واعلم أنه لا يجوز كذلك الجَمع بين المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها (كما ثَبَتَ ذلك في السُنَّة)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾: يعني: وقد كتبَ اللهُ على نفسهِ أنه غفورٌ رحيم.
اسباب النزول
قوله تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) الآية [ 22 ] .
301 – نزلت في حصن بن أبي قيس ، تزوج امرأة أبيه : كبيشة بنت معن .وفي الأسود بن خلف ، تزوج امرأة أبيه . وصفوان بن أمية بن خلف ، تزوج امرأة أبيه : فاختة بنت الأسود بن المطلب . وفي منظور بن زبان تزوج امرأة أبيه : مليكة بنت خارجة .
302 – وقال أشعث بن سوار : توفي أبو قيس – وكان من صالحي الأنصار -فخطب ابنه قيس امرأة أبيه ، فقالت : إني أعدك ولدا ، ولكني آتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أستأمره . فأتته فأخبرته ، فأنزل الله تعالى هذه الآية
ومضه فكريه
سؤال: في قوله تبارك وتعالى في سورة النساء وهو يتحدث عن العلاقة بين الرجال والنساء (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (20) النساء) وفي آية أخرى في نفس السورة (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112) النساء) وفي آية أخرى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58) الأحزاب) لماذا تكرار البهتان والإثم المبين؟ وما الفائدة البلاغية والدلالية في ختام هذه الآيات الثلاث؟
الآيات الثلاث كلها عابت من يكذّبون، السياق في الكذب. البهتان هو الكذب المُفترى بهت فلان فلاناً يعني ادّعى عليه شيئاً غير موجود فيه، البهتان أشد الكذب يعني يفتري شيئاً عليه. إفترى الرجل على الرجل أي بهته أي نسب إليه ما ليس فيه. آية سورة النساء (فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (20)النساء) الله سبحانه وتعالى ينهى الرجال أن يأخذوا شيئاً من المهور المقدمة سابقاً مهنم إلى زوجاتهم، نهى أن يأخذوه ظلماً وعدواناً بدون طيب خاطر من الزوجة، وأنهى الله الآية بقوله (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) وقف المفسرون عند البهتان قالوا لم يقل الله عز وجل أتأخذونه ظلماً والأخذ ظلم، يعني يأخذ فلان يأخذ الشيئ بغير حق فهو ظالم لأن الأخذ ظلم، فلماذا قالت الآية (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) ولم تقل أتأخذونه ظلماً؟ لأن هذا الظلم الذي أخذوه إنما هو مبني على كذبٍ ادّعوه لأنفسهم كأن يقول الواحد: هذا فحقي، هذا في الأصل مالي، هي التي تركتني، وهي التي أساءت معاملتي، هي تستحق أن آخذ مالها، تستحق العقاب، يبرر لنفسه كذباً وبهتاناً ما يفعله فهو هنا يكذب ليأخذ مالها فقالت الآية (أتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) إذن يراعي الحالة الشعورية للذي يريد أن يأخذ ما أعطاه، والقرآن يهتم بالجانب الدلالي اهتماماً كبيراً، ما الذي دفعهم إلى الظلم؟ كذبهم وادّعاؤهم أنهم أصحاب حق.
لمسه بيانيه
ما الفرق بين الخطيئة والإثم؟
الخطيئة أشد، كلمة الإثم تشمل الشرّ كله. الإثم يقابل البِرّ في الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم “البِرُّ حُسن الخُلُق والإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلّع عليه الناس” إذن الإثم يشمل كل خطأ وكل عيب، الخطيئة تأتي في الذنب الكبير تدل على أن الشخص قد أخطأ خطأ شنيعاً وهذا الخطأ إذا نسبه لغيره وإذا أجرم في حق غيره فيكون قد احتمل هذا البهتان.
لمسه بيانيه
في الاية (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) البهتان واضح والإثم واضح فما دلالة مبيناً؟
مبيناً تدل على تقبيح هذا الإثم. مبيناً يعني واضحاً فجاءت مبيناً صفة تدل على تقبيحه فتقول للناس إن هذا الإثم واضح ومن باب خفي تتهم من لا يدركه بأنه لا يرى الواضح، وأيضاً لا ننسى الفواصل فهي تحكم في سورة النساء تنتهي بياء ثم حرف ثم ألف التنوين مثل مبيناً، شهيداً، سبيلا.
لمسه بيانيه
القران يستخدم خطيئة وخطاياهم وخطيئاتهم وخطيئاتنا، هل هناك ترادف في القرآن الكريم؟
هناك ترادف في القرآن الكريم على سبيل المثال في سورة النساء سبيلاً طريقاً، مثل شرعة ومنهاج وشريعة وكثيراً ما نجد ترادف في القرآن، أبو هلال العسكري له رأي مغاير ويقول كل كلمة في القرآن لها معنى إلا ما دخل في اللغة العربية أو تواتر على أنه من لهجات أخرى. وأبو هلال العسكري له كتاب سماه “الفروق اللغوية” يفرق فيه بين الكلمات يقول هناك فرق بين القادر والقدير والرماني له كتاب في الألفاظ المترادفة والمتقاربة المعنى، مرة قال رجل أمام أبي علي الفارسي وهو أستاذ ابن جنّي قال إني أحفظ للسيف سبعة وخمسين اسماً فقال ابو علي إني لا أعرف له إلا اسماً واحداً وهو السيف فقال الرجل فأين الفرند والبتّأر والحسام؟ قال أبو علي هذه كلها صفات فأبو علي كان ينكر الترادف في اللغة، والترادف في اللغة له أسبابه ومن ضمن أسبابه أنهم لما جمعوا الكلمات يقولون أن العرب كانوا منقسمين في الجزيرة قبيلة هنا وقبيلة هناك فما جاء علماء اللغة يجمعون اللغة من الأعراب كانوا يكتبون كل كلام الأعراب، فقبيلة تسمي السكين وقبيلة تسمي المدية فجمعوا كل هذا ولهذا المعاجم مليئة. لا توجد حدود فاصلة بين الكلمات لكن ربما هناك فوارق دلالية بينها، يقولون مثلاً الصارم السيف وسمي بذلك لأنه شديد القطع، يقولون الحُسام لأنه يحسِم المسألة، يبتّ في المسألة عندما يلجأ الناس إلى استخدام السيف في الحرب فكأنهم يحسمون موقفهم باللجوء إلى القوة والاحتكام إليها. والمشرفيّ من صفات السيف أيضاً.
لمسات بيانيه
ايه(22):
*لم الاختلاف بين قوله تعالى (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) الإسراء) و (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) النساء) ؟(د.أحمد الكبيسى)
الزنا بالمحارم أو زواج زوجة الأب من بعده (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) أضاف كلمة مقت، شخص زنا بامرأة هذه فاحشة وسبيل سيء لكن أن تزني بمحارم؟ هذا ليس فقط فاحشة هذا مقتاً يعني مقزز مقرف يثير السخرية يثير العار المقت أشد البغضاء (لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ (10) غافر) حينئذٍ هم الاثنين زنا لكن في زنا عن زنا زنا بأجنبية فاحشة وساء سبيلاً (فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) زنا بمحرم فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً (فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) فكلمة مقتاً تضيف إلى الزنا بالمحارم جريمة زائدة ولهذا عقوبة الذي يزني بالمحارم ليس كعقوبة الزاني رجم أو جلد لا وإنما يلقى من شاهق يصعدونه على جبل على منارة على برج ويرمى من فوق لأنه لا يسوى لخسته ونذالته وحقارته لا يساوي أن يعاقب عقوبة الرجال ولكنها من جنس عقوبة قوم لوط.
لمسه بيانيه
الايه23
إن أسلوب النهي كقولك لابنك لا تلعب الكرة فيه إيحاء بأنه كان يلعب بالماضي ولذلك نهيته عن المستقبل بخلاف قولك نُهينا عن لعب النرد فهذا يدل على تحريمه سابقاً ولاحقاً ولذلك عبّر عن نكاح زوجات الأب بالنهي لأن هذا الفعل كان شائعاً عند العرب ثم حرّمه الإسلام. أما نكاح المحارم من الأمهات والبنات والأخوات فهذا لم يكن لدى العرب قبل الاسلام ولذلك عبّر عنه بقوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) ليبين لنا أن هذا التحريم أمر مقرر سابقاً وأتى القرآن ليثبته وهذا ما عبّر عنه ابن عباس بقوله: كان أهل الجاهلية يحرّمون ما حرّم الإسلام إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين ولذلك عبّر عنه بالمضارع (وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ).
تدبر في الايات
ثم تأتي آية من أروع الآيات القرآنية في ترقيق القلوب بين الزوجين من ناحية وفي تغليظ وتعظيم عقد الزواج من ناحية ثانية: ]وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَـٰقاً غَلِيظاً[ (21) وكلمة (أفضى) تدلّ على عمق العلاقة بين الزوجين فتذكّر الزوج بعشرات الصور الجميلة قبل أن تسوء العلاقة مع زوجته، في الليل والنهار في غرفة النوم وفي النزهات.
لمسه بيانيه
ما الفرق بين السفاح (مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ (24) النساء) والبغاء (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء (33) النور) والزنى (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32) الإسراء)؟(د.فاضل السامرائى)
البغاء هو الفجور، بغى في الأرض أي فجر فيها أي تجاوز إلى ما ليس له. (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ (76) القصص) تجاوز الحدّ. فهي تجاوزت حدها عندما فعلت هذه الفعلة. لذا يقال للمرأة بغيّ ولا يقال للرجل بغيّ (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) مريم) عند العرب لا يوصف الرجل بالبغيّ في الزنا البغاء للمرأة. إشتقاقه اللفظي بغت المرأة إذا فجرت لأنها تجاوزت ما ليس لها. الزنا هو الوطء من غير عقد شرعي. البغاء استمراء الزنا فيصير فجوراً. المسافحة أن تقيم معه على الفجور، تعيش معه في الحرام من غير تزويج صحيح. المسافحة والسفاح هي الإقامة مع الرجل من غير تزويج شرعي وهذا أشد لأنه تقيم امرأة مع رجل على فجور. كله فيه زنا والزنا أقلهم، إذا استمرأت الزنا صار فجوراً بغاء وإذا أقامت معه بغير عقد شرعي يقال سفاح. الرجل يوصف بالسِفاح أيضاً (غير مسافحين). الزنا يوصف به الرجل والمرأة (والزانية والزاني) أما البغاء والبغي فللمرأة تحديداً والسفاح للرجل والمرأة. وكل كلمة لها دلالتها في القرآن الكريم.
تدبر في الايات
ثم تأتي الآية (20) ]وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً[ هذه الآيات تجمع بين العدل والواقعية في التعامل مع المرأة، فأولاً: عاشروهنّ بالمعروف، ثم لو كرهتها فاصبر فإذا لم تقدر وأردت استبدال زوجة مكان زوجتك فإياك أن تأخذ من مهرها شيئاً، حتى لو كان قنطاراً أي مالاً كثيراً. والآية شديدة في هذا المعنى ]أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً[. لماذا ذكر البهتان هنا؟ لأن العرب كانوا إذا أرادوا استبدال زوجتهم رموها بفاحشة (بهتاناً) حتى يدفعوها إلى رد كل ما يريدون من المهر، فوبّختهم الآية (20) بقوّة.
ومضات قرانيه
وأما الميثاق الغليظ، فهو عقد النكاح أيها الرجل، عندما وضعتَ يدك بيد وليّ زوجتك وقلت “على كتاب الله وسنة رسوله”. فهنا تحذير شديد لكل زوج من أن ينقِض هذا العهد الذي يُشهد الله عليه. والملفت أن عبارة ]مّيثَـٰقاً غَلِيظاً[ لم ترد في القرآن إلا ثلاث مرات: مرة مع الأنبياء، الذين أوفوا بهذا الميثاق الغليظ
(سورة الأحزاب، الآية 7)، ومرّة مع بني إسرائيل، الذين نقضوا الميثاق
(سورة النساء الآية، 154) والمرة الثالثة هي مع الزوج عند عقد القران.
من صور تكريم الإ سلام للمرأة :
لقد ظلمت المرأة كثيراً عبر التاريخ فجاء الإسلام وأُنزلَت سورة النساء لتردّ لها حقوقها. فمن مظاهر الظلم التي كانت موجودة أن يرث الرجل كل ثروة أبيه، ويرث مع المال كلّ زوجاته – إلا أمه – إذلالاً لهنّ، فتأتي الآية (22) ]وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ ٱلنّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَـٰحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً[ لتنهى عن هذه الفعلة الشنيعة.
—————————————————————————
من هداية الآيات صفحة4,5 النساء:
1- عظم قبح فاحشة الزنى.
2- بيان حد الزنى قبل نسخه بآية سورة النور، وحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في رجم المحصن والمحصنة.
3- التوبة التي تفضل الله بها هي ما كان صاحبها أتى ما أتى من الذنوب بجهالة لا بعلم وإصرار ثم تاب من قريب زمن.
4- الذين يسوفون التوبة ويؤخرونها يخشى عليهم أن لا يتوبوا حتى يدركهم الموت وهم على ذلك فيكونون من أهل النار، وقد يتوب أحدهم، لكن بندرة وقلة وتقبل توبته إذا لم يعاين امارات الموت لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» رواه الترمذى وأحمد وغيرهما وإسناده حسن.
5- لا تقبل توبة من حشرجت نفسه وظهرت عليه علامات الموت، وكذا الكافر من باب أولى لا تقبل له توبة بالإِيمان إذا عاين علامات الموت كما لم تقبل توبة فرعون.
6- إبطال قانون الجاهلية القائم على ان ابن الزوج يرث امرأة أبيه.
7- جواز أخذ الفدية من الزوجة بالمهر أو أكثر أو أقل إن هي أتت بفاحشة ظاهرة لا شك فيها كالزنى أو النشوز.
8- جواز غلاء المهر فقد يبلغ القنطار غير أن التيسير فيه أكثر بركة.
9- وجوب مراعاة العهود والوفاء بها.
——————————————————————-
سؤال: قال تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) النساء) ومرة يقول (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (109) المائدة) (ذلك) بدون واو، ومرة يقول (أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) التوبة)؟ ما الفرق بين ذلك وذلك؟
عندما تأتي كلمة في القرآن فإنها ترتبط بما قبلها وما بعدها فالآية تراعي دائماً ما سبقها وما يليها. لو نظرنا إلى آية النساء لوجدنا أن الله عز وجل يقول (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)) الآية فيها الواو وهي بدأت بالواو (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ). والآية التي تليها (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)) فجاءت (وذلك الفوز العظيم) لتراعي (وله عذاب مهين) لتتناسق الواو مع الواو، الواو في ختام الآية مع الواو في ختام الآية التي تليها. هنا للتناسق لأن العلماء قالوا إذا أتت جملة غريبة يستحسن أن تحتوي على الواو فإن احتوت الجملة على عائد يربطها بالتي قبلها كان من الحسن ذكر الواو أو عدم ذكر الواو وهنا يقول تعالى (وذلك الفوز العظيم) (ذلك) تعود على ما قبلها، إذن هناك ترابط وما دام هناك ترابط تأتي الواو أو لا تأتي ومجيء الواو هنا كان حسناً لأن راعى بداية الآية وبداءة الآية التي تليها. أما عدم الواو في سورة التوبة فلم يكن هناك واو في أول الآية وكذلك لم يكن هناك واو في الآية التي بعدها فجاءت أيضاً لتناسب السياق القرآني وكلاهما حسن بالواو وعدم الواو.
——————————————————————————–
ربط مبسط للوجه 5 ص 81
في الايه 19 نداء ونهي وامر
نداء:ياايها الذين ءامنوا
نهي:لايحل لكم أن ….
امر:وعاشروهن بالمعروف…
اذن الحديث عن عدم اخذ المهر من نسائهم وهم معهم في عصمتهم
لايه 20 ايضا نهي بعدم اخذ مالهم حتي ولو طلقوهم
وفي ذلك محافظه علي مهورهم وحمايتهم
الايه 21 سؤال تعجبي كيف تاخذوا هذا المال وهم قد اعطوا لكم اغلي مايملكوه واستمتع بعضكم ببعض فاخذه اذن بهتانا
الايه 22 فالحديث في السابق عن الزواج والمهور واذا كرهتم معيشتهم فتزوجوا باخري إلا…..
1/زوجات ابيكم ..لان ذلك كان متعارف عليه في الجاهليه ونهي عنه الاسلام بعد ذلك
فقال في نهاية الايه إلا ماقد سلف..
2/ثم ذكر المحرمات الاتي لايشرع الزواج بهن وذلك في الايه 23
والمحرمات هم من غير زوجة الاب
1/ الام.. 2/البنت
3/الاخت.. 4/العمة
5/الخاله.. 6/بنات الاخ
7/بنات الاخت.. 8/الام التي ارضعتك.. 9/ والاخوات من الرضاعه.. 10/ ام زوجتك
11/بنت زوجتك التي دخلت بها
12/وزوجة ابنك وكذلك زوجة ابنك من الرضاعه
13/الجمع بين الاختين.. الاماقد سلف ذكرت مثل زوجة الاب
14/والمحصنات من النساء اي المتزوجات من النساء وذلك في الايه 24
لذلك لايجوز البدء بايه 24 عند بداية القراءه لانها مرتبطه في المعني بايه 23 فإما ان تصلي الاثنين في القراءه او عند البدء تبداي في القراءه بايه 23
وختمت الايه ب إن الله كان غفورا رحيما
حتي لايشق علي من فعل ذلك في الجاهليه من نكاح احدي المحرمات فباب المغفرة والتوبه مفتوح لمن ندم وتاب
والميثاق الغليظ هو..فأمسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف
—————————————————————————-
ما الفرق بين الفوز العظيم ،والفوز الكبير، والفوز المبين؟؟
الفوز ثلاثة أنواع .. وهو على الترتيب:
1- العظيم : وهو أعلاهم وأعظمهم.
2- الكبير : وهو أقل من العظيم.
3- المبين : وهو أقل منهما.
* فعندما يذكر الله تعالى الفوز المبين يذكره في أمرين:
1- في صرف العذاب.
مثل قوله تعالى: ” من يُصرف عنه يومئذٍ فقد رحمه وذلك هو الفوز المبين ” ..(الانعام)
2- الإدخال في رحمته تعالى .
مثل قوله تعالى : ” فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته وذلك هو الفوز المبين ” .(الجاثيه)
لم يذكر الفوز اامبين الافي هذين الموضعين الانعام والجاثيه
* أما الفوز الكبير فقد ذكره الله تعالى في موضع واحد في القرآن وذلك في سورة البروج..
يقول تعالى :” إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير ” فجعل الفوز الكبير في دخول الجنة
* أما الفوز العظيم ( وهو أعلاهم ) .. فيزيد من الجزاء على ما ذكر في آية البروج ..
إما بذكر الخلود في الجنة أو ذكر المساكن الطيبة .
يقول تعالى : ” قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم “
هنا زاد ( خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه )
“يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنّات تجرِي من تحتها الأنهار ومساكن طيّبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم”
————————-
ربط ايات الربع الثاني من النساء
12- ولما كان الارث بالمصاهرة اضعف من الارث بالقرابة ذكره بعده وقدمه على الارث بقرابة الاخوة تعريفا بالاهتمام به ولانه بلا واسطه وقدم منه الرجل لانه افضل
13-14ولما كان فطم انفسهم عن منع الاطفال والنساء من الميراث شديدا لاعتيادهم عليه اتبعه بالترهيب والترغيب لئلا يغتر بوصف الحليم احد فلا يقيم حدود الله فيجترئ عليها العاصى
15-ولما كان من اشد العصيان الزنا وكان الفساد فى النساء اكثر رهب منه و قدمهن فى الزجر عن تلك الجريمة
16-ولما ذكر امر النساء اتبعه حكم الرجال على وجه يعم النساء ايضا
17-18ثم رغب فى التوبة وبين وقتها وشرطها لمافى تعجيلها من الخير
19-ومن الاخطاء الت كان العرب يفعلونها وتحتاج الى توبة واقلاع عنها عضل النساء وارثهن كرها فنص عليها الله عزوجل ونهى عنها وعن المضارة الا فى حالة الفاحشة
20 -21-ثم نهى عن اخذ شئ من مال النساء لئلا يظن ان المنهى عنه هوالعضل فقط وشنع على من ياخذ منه شيئا بعد الميثاق الغليظ
22-24- ثم اتبع ذكر الميثاق الغليظ وهو عقد النكاح بمن يحرم نكاحها من المحرمات من النساء
—————————————————————————————————
أسباب النزول
قوله تعالى : ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) . الآية [ 24 ] .
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن البناني قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال : أخبرنا أبو يعلى قال : أخبرنا عمرو الناقد قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن عثمان البتي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد الخدري قال : أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ، فسألنا النبي – صلى الله عليه وسلم – فنزلت : ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) فاستحللناهن .
– أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث قال : أخبرنا عبد الله بن [ص: 78 ] محمد بن جعفر قال : حدثنا أبو يحيى قال : حدثنا سهل بن عثمان ، أخبرنا عبد الرحيم ، عن أشعث بن سوار ، عن عثمان البتي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد قال : لما سبا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أهل أوطاسقلنا : يا نبي الله ، كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن ؟ فنزلت هذه الآية ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) .
تفسير مبسط للوجه 6 من النساء
الآية 24: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ﴾: يعني ويَحرُمُ عليكم كذلك نكاح المتزوجات من النساء ﴿ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾: يعني إلا مَنْ أسَرتُم منهنّ في الجهاد، فإنه يَحِلّ لكم نكاحهنّ، ﴿ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾: يعني كتب الله عليكم تحريم نكاح هؤلاء ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾: يعني وأجاز لكم نكاح أيّ امرأة (غير هذه المُحَرَّمات) ممَّا أحَلَّهُ الله لكم، بشرط ﴿ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾: يعني أن تطلبوا بأموالكم العفة عن اقتراف الحرام، ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ﴾:أي فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ مِن نسائكم بالنكاح الصحيح (لأنّ هذه الآية – والتي قبلها – كانت تتحدث عن النكاح، وعن ذِكر مَن يَحرُم نكاحُها ومَن تَحِلّ)، وذلك بدءاً من قوله تعالى: ( ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾)، إلى قوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾، وفي هذا رَدٌّ واضح على مَن يتجرأون على دين رب العالمين، ويَستحِلُّون ما يُسَمُّونه بـ (نِكاح المُتعة)، وهو في أصلِهِ زنا، وإنما أوقعَهم في هذا الإثم العظيم: سُوءُ فَهمِهم، واتباعُ أهوائهم.
﴿ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾: يعني فأعطوا نسائكم مهورهنّ، التي فرض اللهُ لهنّ عليكم، كما قال تعالى: ﴿ وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾، ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ﴾: يعني ولا إثم عليكم فيما تمَّ التراضي به بينكم – أيها الأزواج – من الزيادة أو النقصان في المهر، بشرط الاتفاق على مهرٍ محدد في البداية، وذلك ضماناً لحق الزوجة، بحيثُ يَرجع الأمر إليها، فترى: هل هذا الزوج يتقي اللهَ فيها ويعاملها معاملةً طيبةً يَستحق بسببها أن تتنازل له عن المهر (كله أو بعضه)، أو لا يستحق ذلك، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾.
الآية 25: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾: يعني ومَن لا قدرة له على مهور الحرائر المؤمنات: ﴿ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾: يعني فله أن يَنكح غيرهنّ، من فتياتكم المؤمنات المملوكات ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ﴾: يعني بحقيقة إيمانكم ﴿ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ ﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾: يعني فتزوجوهنّ بموافقة أهلهنّ، ﴿ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾: يعني وأعطوهنّ مُهورهنّ على ما تراضيتم به عن طِيب نفسٍ منكم، بشرط أن يَكُنَّ ﴿ مُحْصَنَاتٍ ﴾: يعني أن يَكُنّ بزواجهنّ هذا طالباتٍ للعِفة عن الحرام، ﴿ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ﴾: يعني وعليكم أن تجتنبوا اختيار الإماء المُجاهرات بالزنى، ﴿ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾: يعني واجتنِبوا أيضاً اختيار مَن يتخذون أصدقاء (للزنى) سِرَّاً ﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ ﴾: يعني فإذا تزوجْنَ وأتيْنَ بفاحشة الزنى ﴿ فَعَلَيْهِنَّ ﴾ مِن الحدِّ ﴿ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ ﴾: يعني نصف ما على الحرائر ﴿ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ وذلك في الشيء الذي يمكن تنصيفه، وهو جلد خمسين جلدة للأمَة البِكر (لأنّ البِكر الحُرّة تُجلَد مائة) وتغريبها (يعني إخراجها من قريتها) لمدة ستة أشهر فقط (بدلاً من سَنَة للبِكر الحُرّة)، أما الرَّجْم (الذي هو الموت) فإنه لا يمكن تنصيفه، فلذلك ليس على الإماء المتزوجات رَجْم، إنما عليهنّ تعزير (يعني تأديب وعقاب يَرْدَعُهُنّ عن فعل الفاحشة، وذلك بحسب ما يراه ولي الأمر مناسباً لذلك).
﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي أبيحَ لكم مِن نكاح الإماء إنما أبيحَ (﴿ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ﴾: يعني لمَن خاف على نفسه الوقوع في الزنى، وشَقَّ عليه الصبر عن الجماع، ﴿ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾: يعني: والصبر عن نكاح الإماء مع العِفة أوْلَى وأفضل ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾ لكم ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بكم إذ أذِنَ لكم في نكاحهنّ عند العجز عن نكاح الحرائر.
لمسات بيانيه
*(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ (24) النساء) في هذه الآية قُرِئت المحصَنات بالفتح أي التي أُحصِنت من زوجها ولم يُقرأ بالكسر المحصِنات وفي سائر المواضع تقرأ بالفتح والكسر فلِم لم تُقرأ والمحصِنات من النساء؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
المحصَنات هي المرأة المتزوجة وسميت محصنة من أحصنها الرجل إذا حفظها واستقل بها عن غيره. ويقال محصنة إذا أحصنت نفسها بالعفاف. هذه الآية معطوفة على الآية التي قبلها (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) أي وحُرِّمت المحصَنات المتزوجات ولذلك قُرئت الفتح فقط أن اللواتي حرم التزوج بهن هن المتزوجات أما المحصِنات أي العفيفات فليس الزواج بهن محرّماً بل يُندر أن تبحث عنهن.
لمسات بيانيه
* (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ (24) النساء) وفي المائدة (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ (5)) وفي النساء (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ (25) النساء) فما سر اتخذا الأخدان؟ وما معنى الخدن؟(د. جمال السيد)
الخَدَن هو الصديق كما يقولون إتخذت المرأة خدناً أي صديقاً يعني يزني بها سراً. الآية الأولى التي لم تذكر الأخدان كانت تتحدث في التزوج من الحرائر المؤمنات فَصَانَهُنّ الله تعالى فقال (مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) ولم يقل ولا متخذي أخدان لأن الآية تخص الحرائر من المؤمنات فالله تعالى صانهنّ وهنّ أبعد وأشد حرصاً على العِفَّة من أن يقعن في الزنا، المخاطَب في الآية نساء المؤمنين. الآية الثانية في المائدة تتحدث عن إباحة الله عز وجل للمؤمنين أن يتزوجوا الكتابيات والكتابيات هن أهل كتاب سماوي كاليهود والنصارى، الله أباح للمؤمنين أن يتزوجوا نساءهنّ واشترطت الآية أن يكون المؤمنون في ذلك راغبين في الزواج وليسوا راغبين في الزنا ولا في اتخاذ أخدان والآية بيّنت هنا (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) للرجال لأنه قد تقع الكتابية في اتخاذ الخدن، قد تقع الكتابية في الزنا وقد تقع في اتخاذ الخدن بينما المؤمنات محصنات. وفي سورة النساء عندما تحدثت الآية عن الإماء الجواري قالت (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ (25) النساء) هنا تفظيع لما كان يحدث من الإماء في الجاهلية لأن الإماء في الجاهلية كن يذهبن بأمر ورضا مواليهن وساداتهن ليمارسن البغاء بأجر، قال تعالى (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (33) النور) لا يكره ذلك إلا المؤمنة وآية النور نزلت بشأن عبد الله بن أبيّ بن سلول كانت له جاريتان مسلمتان وكان يجبرهما على ممارسة البغاء ليكسب المال فشكتا إلى أبي بكر الصديق فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فكان هناك منهن من تأبى هذا التصرف، فجاءت كل كلمة تناسب أهلها.
(مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ (25) النساء) هذه الآية للأَمَة التي يريد المؤمن الحر أن يتزوجها فهي إن تزوجت فإنها ستكون محصنة بالزواج والله أراد أن يسد كل وسائل وطرق الزنا، المسافحات الزانيات بأي رجل من دون تحديد، إمرأة مسافحة تزني مع أيّ رجل دون تحديد أما متخذات الأخدان فلها شخص معين يزني بها. إذن كل آية تخاطب فئة، إذن ليس بين الآيات تكرار وإنما كل آية تضيف معنى لم يذكر في الاية الأخرى. آية للرجال الذين يريدون أن يتزوجوا من كتابيات يأخذوهن محصنات غير مسافحات ولا متخذي أخدان والإماء شريطة أن يكن غير مسافحات ولا متخذي اخدان ولما تكلم عن المؤمنات قال (محصنين غير مسافحين) ولم يقل (متخذي أخدان). هنا أمر قد يخطئ الإنسان فيقع في الزنا مرة فهذا قد زنا أما أن يكون له خدن فهذا يعني أنه صار مرتبطاً به يزني به باستمرار يصبح أمراً اعتيادياً والله قد نهى عن الإثنين. صيغة (مُسافح) فعلها سافَح رباعي هذا أصل الفعل على وزن فاعَل فجاء اسم الفاعل منه مبدوءاً بميم مضمومة مكسوراً ما قبل الآخر
لمسات بيانيه
آية (26):
*(حَكِيمٌ عَليمٌ) (عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)
إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدم العلم وإلا يقدم الحكمة، إذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدم الحكمة وإذا كان في العلم يقدم العلم. حتى تتوضح المسألة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) البقرة) السياق في العلم فقدّم العلم، (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) النساء) هذا تبيين معناه هذا علم، (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) يوسف) فيها علم فقدم عليم. قال في المنافقين (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) الأنفال) هذه أمور قلبية، (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) التوبة) من الذي يطلع على القلوب؟ الله، فقدم العليم. نأتي للجزاء، الجزاء حكمة وحكم يعني من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم، تقدير الجزاء حكمة (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128) الأنعام) هذا جزاء، هذا حاكم يحكم تقدير الجزاء والحكم قدم الحكمة، وليس بالضرورة أن يكون العالم حاكماً ليس كل عالم حاكم. (وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ (139) الأنعام) هذا تشريع والتشريع حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع لما يكون السياق في العلم يقدّم العلم ولما لا يكون السياق في العلم يقدّم الحكمة.
تدبر في السورة
ولا متخذات أخذان :
وبعد ذلك تخاطب الآية النساء ]وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ[ وتحذرهن من العلاقات غير الشرعية مع الرجال (تحت عنوان المصاحبة) فالسورة تتحدث عن رحمة ورأفة الإسلام بالمرأة بأن لا يكون لها صديق عاشق لأنها ستشعر بالإحباط إذا تركها، وهو ما ستؤول إليه كل علاقة بدأت بمعصية.. وستتحطم سمعتها وحياتها في المستقبل. والنساء في هذه الحالة يشكلن نوعاً آخر من المستضعفين لأن قلوبهن رقيقة وعاطفتهن قوية. فيا أيتها البنات، أنتن غاليات عند الله تعالى والإسلام يحمي مشاعركن من أن يعبث بها شاب لاهٍ غير مسؤول.
من التدبر
تخفيف العقوبة على الضعفاء :
ما زلنا مع الآية (25) والتي تنص على مظهر رائع من مظاهر عدل الإسلام ورحمته مع الضعفاء: ]فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ[ وهذا عكس ما نرى في القوانين الرومانية والهندية القديمة في تشديد العقوبة على الطبقات المتدينة وفي حين أن الإسلام يرأف بالطبقات الضعيفة ويخفف عنها العقوبة.
تدبر في السوره
من صور تكريم الاسلام للمرأة
وتتابع الآيات وتتحدث عن حقّ آخر هو حق الزواج من العبيد في الوقت الذي لم يكن هناك قانون يلتفت لحقوقهم فلو كان الرجل غير قادر على الزواج من المحصنات أي الحرائر وأراد الزواج بأمة فان الآية تقول.. ]فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ[ ولم تقل الآية (سيدهنّ). فالقرآن سمّى السيد بالأهل ليحثّ على الرحمة بهنّ ويراعي مشاعرهنّ]فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ[ (25) أي ادفعوا لهن مهورهن عن طيب نفس، ولا تبخسوهن حقهن لكونهن إماء مملوكات.
إضاءه
* ( فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم ) ويتساءل البعض: وهل يتزوج الإنسان ممن يملكها؟ (الشيخ محمد متولى الشعراوى)
نقول له: لا. إنها حلال له فهي مملوكة له ملك يمين ويستطيع أن يكون له منها ولد، إذن فتكون ما ملكت أيمان غيركم، لأن الله يخاطب المؤمنين على أنهم وحدة بنيانية، وقال رسول الله عليه السلام: ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا “.
لمسات بيانيه
ايه 25
*ما دلالة استعمال (إذا) و(إن) في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
(إذا) في كلام العرب تستعمل للمقطوع بحصوله كما في الآية: (إذا حضر أحدكم الموت) ولا بد ان يحضر الموت، (فإذا انسلخ الاشهر الحرم) ولا بد للأشهر الحرم من أن تنسلخ، وقوله تعالى: (وترى الشمس إذا طلعت) ولا بد للشمس من أن تطلع وكقوله: (فإذا قضيت الصلاة) ولا بد للصلاة أن تنقضي.
وللكثير الحصول كما في قوله تعالى (فإذا حُييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردوها). ولو جاءت (إذا) و(إن) في الآية الواحدة تستعمل (إذا) للكثير و(لإن) للأقلّ كما في آية الوضوء في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {6}) القيام إلى الصلاة كثيرة الحصول فجاء بـ (إذا) أما كون الإنسان مريضاً أو مسافراً أو جنباً فهو أقلّ لذا جاء بـ (إن).
وكذلك في سورة النساء (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {25}) إذا جاءت مع (أُحصنّ) ووهذا الأكثر أما إن فجاءت مع اللواتي يأتين بفاحشة وهو قطعاً أقل من المحصنات. وكذلك في سورة الرعد (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ {5}).
وفي سورة الليل (وما يغني عنه ماله إذا تردى) التردّي حاصل والتردي اما أن يكون من الموت او الهلاك، او تردى في قبره، او في نار جهنم فماذا يغني عنه ماله عندها؟وهذه ليست افتراضاً وانما حصولها مؤكد وهي امر حاصل في كل لحظة ولهذا السبب جاء بلفظ (إذا) بدل (إن) لأن (إذا) مؤكد حصولها) و(إن) مشكوك فيها او محتمل حدوثها. وهذه إهابة بالشخص أن لا يبخل او يطغى او يكذب بالحسنى،إذن لا مفر منه فلماذا يبخل ويعسر على الآخرين ويطغى ويكذب بالحسنى؟
وقد وردت إذا في القرآن الكريم 362 مرة لم تأتي مرة واحدة في موضع غير محتمل البتّة فهي تأتي إمّا بأمر مجزوم وقوعه أو كثير الحصول كما جاء في آيات وصف أهوال يوم القيامة لأنه مقطوع بحصوله كما في سورة التكوير وسورة الإنفطار.
أما (إن) فستعمل لما قد يقع ولما هو محتمل حدوثه أو مشكوك فيه أو نادر او مستحيل كما في قوله تعالى (أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) هنا احتمال وافتراض، و (وإن يروا كِسفاً من السماء ساقطاً) لم يقع ولكنه احتمال، و(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الأصل أن لا يقع ولكن هناك احتمال بوقوعه، وكذلك في سورة (انظر
إلى الجبل فإن استقرّ مكانه) افتراض واحتمال وقوعه.
———————————————————————————-
الآية 27: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ ويتجاوز عن خطاياكم، ﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ ﴾: يعني وأما الذين يَنقادون لشهواتهم ومَلذاتهم فيريدون لكم ﴿ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾: يعني أن تنحرفوا عن الدين انحرافًا كبيرًا.
الآية 28: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ﴾: يعني يريد الله تعالى – بما شرعه لكم مِن أحكام – أن يُيَسِّر عليكم، فقد ثبتَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كانَ إذا خُيِّرَ بين أمرَين: يَختارُ أيْسَرَهما (ما لم يكن إثماً)، فليس معنى أنّ الدينَ يُسر، أنْ يفعل الإنسان ما حرمه الله، وإنما الدين يُسر في أحكامه وتكاليفه، فعلى سبيل المثال: يقول النبي صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح البخاري – : (ليكونَنَّ من أمّتي أقوامٌ يَستحِلّون الحِرَ – (والمقصود به الزنى) – والحرير – (أي يَستحِلون لِبْسَهُ للرجال) – ، والخمر، والمَعازف – (وهي الآلات الموسيقية))، فالذي أخبر بأن (الموسيقى) حرام، هو نفسه – صلى الله عليه وسلم – الذي قال: (إن الدين يُسر).
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾: يعني وذلك التيسير في الأحكام – وخصوصاً في أمر النكاح – لأنكم قد خُلِقتم ضعفاء.
الآية 31: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ (وهو الجنة)، وبهذا قد ضمن الله تعالى لمن اجتنب الكبائر أن يُكفر عنه الصغائر من السيئات، وأن يُدخله الجنة، فلذلك وَجَبَ علينا البحث عن هذه الكبائر لكي يجتنبها المسلمون، وقد قال بعض العلماء أنّ عددها سَبع، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (هي إلى السبعين أقرب منها إلى السَبع).
- هذا، وقد عرَّفها العلماء بأنها: كل ما وَرَدَ فيه حَدّ في الدنيا (كالقتل والزنا والسرقة)، أو جاء فيه وعيد في الآخرة (مِن عذابٍ أو غضبٍ أو تهديد أو لعْن فاعله)، مع التسليم بأنّ بعض الكبائر أكبر من بعض، علماً بأن صاحب الكبيرة لا يُكَفَّر.
(الشرك بالله (ومنه الذبح لغيرهِ تعالى) – قتل النفس – السحر – ترْك الصلاة – مَنْع الزكاة – إفطار يوم من رمضان بلا عذر – ترْك الحج مع القدرة عليه – عقوق الوالدين – هَجْر الأقارب – الزنا – اللُّواط (وهو فِعل قوم لوط) – أكْل الربا – أكْل مال اليتيم وظلمه – الكذب على الله عز وجل وعلى رسوله – الفرار من القتال – غش الإمام للرَعِيَّة وظلمه لهم – الكِبر والفخر والعُجْب والغرور – شهادة الزُّور (يعني يشهد على شيءٍ غير صحيح وهو يعلم أنه كاذبٌ، وكذلك مَن يحتفل بأعياد غير المسلمين، أو يَحضر مجالس الباطل (كالغيبة والنميمة والكذب) وهو موافقٌ لهم) – شُرب الخمر – القِمار – قذف المحصنات (يعني اتّهام نساء المسلمين بالزنا أو مقدماته، ومنه قول القائل: (يا ابن الزانية) أو ما شابَهَ ذلك) – الغُلول (وهو سرقة شيء مِن الغنِيمة قبلَ توزيعِها) – السرقة – قطع الطريق).
وكذلك من الكبائر: (اليمين الغَموس (وهو الحلف الكاذب الذي يغمس صاحبه في النار) – الظلم – المَكَّاس (وهو الذي يجمع الضرائب قهراً وظلماً، ولا يدخل في ذلك ما يراهُ ولي الأمر في مصلحة الدولة، أو في مصلحة المسلمين) – أكْل الحرام بأيّ وجهٍ كان – أن يَقتل الإنسانُ نفسه – الكذب في غالب أقواله – القاضي السوء – أخذ الرِّشوة على الحُكم – تَشَبُّه النساء بالرجال وتَشَبُّه الرجال بالنساء – الدَّيُّوث (وهوالمُستحسِن على أهلِهِ التَبَرُّج والفاحشة) – القوَّاد (وهو الساعي بين الاثنين بالفاحشة) – المُحَلِّل (وهو مَن يتزوج امرأة مُطلقة (ثلاث طلقات) بِنِيَّةِ تحليلها لزوجها الأول)، والمُحَلَّل له (وهو الزوج المُطلِق، الذي يعطي للمُحلِل أجراً ليفعل ذلك)).
وكذلك من الكبائر: (عدم الاستنجاء من البول (وعدم الاحتراز مِن رَذاذه أثناء التبول) – الرياء – تعَلُّم العِلم الشرعي طلباً للدنيا (إلا مَن كان ليس له مصدر رزق إلا ذلك، كإمام المسجد والخطيب والمُحَفِّظ، مع مراعاة أن ينوي بذلك العلم: الدعوة مع طلب الرزق) – كِتمان العلم – الخيانة – المَنَّان (الذي لا يُعطِي شيئاً إلا وتَفَضَّلَ به على مَن أعطَاه، سواء كانَ هذا التفضُّل باللسان أو بالقلب) – التكذيب بالقدَر – التجَسُّس على الناس – النَمَّام (وهو الذي ينقل الكلام بين الناس بغرض التوقيع بينهم) – اللَّعَّان (وهو الذي يُكثِر من لعْن الناس ولعْن الأشياء) – الغدْر وعدم الوفاء بالعهد – تصديق الكاهن والمُنَجِّم – نشوز المرأة على زوجها (يعني تمَرُّدها عليه، ومُعانَدَتِه وإسخاطه وعدم طاعته) – تصوير التماثيل).
وكذلك من الكبائر: (اللَّطْم والنِياحة – الاستطالة على الضعيف – أذى الجار – أذى المسلمين وَشَتْمهم – أذيَّة عباد الله والتطاول عليهم – تطويل الثوب للرجال (فخرا وكِبراً) – لبْس الحرير والذهب للرجال – هروب العبْد من سيده – فيمَن يُدْعَى (نَسَباً) إلى غير أبيه وهو يعلم أنه ليس أبيه (وكان راضياً بذلك) – الجدال بالباطل (يعني يجادل وهو يعلم أنه على باطل، ولكنه يفعل ذلك اتّبَاعاً لهواه) – مَنْع الماء (الزائد عن حاجته) عن الآخرين – الغش ونقص الميزان – الأمْن من مَكْر الله – الإصرار على ترك صلاة الجمعة والجماعة من غير عذر – الإضرار في الوصية (وقد تقدم ذلك في آيات المواريث) – المكر والخديعة – مَن دَلَّ الأعداء على المسلمين – سَبّ أحد الصحابة رضوان الله عليهم).
الآية 32: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ في المواهب والأرزاق وغير ذلك، وإنما انظروا إلى مَن هو أقلّ منكم في النِعَم، وذلك حتى لا تحتقروا نعمة الله عليكم، واحرصوا على فِعل ما ينفعكم في الدنيا والآخرة، فقد جُعِلَ ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ﴾: يعني نصيبٌ من الرزق (وذلك بحسب ما اكتسبوه من السَعي والأخذ بالأسباب)، ونصيبٌ من الثواب (بحسب ما اكتسبوه من الطاعة)، ونصيبٌ من العقاب (بحسب ما اكتسبوه من المعصية)، ﴿ وَلِلنِّسَاءِ ﴾كذلك ﴿ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ﴾ من الأعمال، فبذلك رَدَّ سبحانه القضية إلى سُنَّتِهِ فيها وهي: (كَسْب الإنسان)، ونهَى عن التمني والحسد وترْك العمل.
- ثم بَيَّنَ تعالى سُنَّةً أخرى في الحصول على المرغوب، ألاَ وهي الدعاء، فقال: ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾: يعني وادعوا اللهَ أن يُعطيكم من فضله مثلما أعطى غيركم (إن كانَ ذلك خيراً لكم)، (وذلك مع الدعاء لهم بالبركة)، فمَن سألَ ربه وألَحَّ عليه مُوقناً بإجابته سبحانه (لِمَا فيه الخير له): فإن الله يوفقه للإتيان بالأسباب الصالحة، ويَصرف عنه الموانع والابتلاء، ويُعطيه بغير سببٍ إن شاء، فهو على كل شيءٍ قدير، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ إذ هو سبحانه أعلم بما يُصلِحُ حالَ عبادِهِ فيما قسَمَه لهم، وأنه وَزَّعَ المواهب والقُدرات في خَلقه (بين الرجل والمرأة)، وذلك حتى يتكامل المجتمع، ويتضح ذلك في أننا نجد الرجل عندما تَمْرَض امرأته أو تغضب – ويكون عنده طفلٌ رضيع – فهل يستطيع هو أن يُرضِع الطفل؟ طبعًا لا؛ لأنَّ لِكُلّ واحدٍ منهما مهمة معينة، فالعاقل هو مَن يَحترم مواهبَ اللهِ في خَلقه.
- واعلم أن سبب نزول هذه الآية: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ أنَّ النساء قُلْنَ: (إننا لم يُكتَبْ علينا الجهاد، وأعطانا ربُّنا نصف الرجل من الميراث)، وقد أوضحَ اللهُ تعالى للمرأة أنها أخذتْ نصف الرجل لأنها محسوبة عليه، فهي لن تنفِق على نفسها، بل سيُنفق عليها الرجل، والمسألة بذلك تكون عادلة.
لآية 33: ﴿ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ﴾ هذه الآية منسوخة بآيات المواريث.
اسباب النزول
قوله تعالى : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) . الآية [ 32 ] .
– أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم الصوفي ، أخبرنا إسماعيل بن نجيد ، حدثنا جعفر بن محمد بن سوار ، أخبرنا قتيبة ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، يغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث . فأنزل الله تعالى : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) .
أخبرنا محمد بن عبد العزيز : أن محمد بن الحسين أخبرهم عن محمد بن يحيى بن يزيد ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ،عن عكرمة : أن النساء سألن الجهاد ، فقلن : وددنا لو أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال . فأنزل الله تعالى : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض )
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( ولكل جعلنا موالي ) الآية [ 33 ] .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن حمويه الهروي قال : أخبرنا علي بن محمد الخزاعي قال : حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال : أخبرني شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، قال : قال سعيد بن المسيب : نزلت هذه الآية : ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ) في الذين [ ص: 79 ] كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم ويورثونهم . فأنزل الله تعالى فيهم أن يجعل لهم نصيب في الوصية ، ورد الله تعالى الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم والعصبة ، وأبى أن يجعل للمدعين ميراثا ممن ادعاهم وتبناهم ، ولكن جعل [ لهم ] نصيبا في الوصية .
لمسات بيانيه
* سبحانه قال في الآية السابقة: { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } ، وبعد ذلك يقول: { وَيَهْدِيَكُمْ } ، وبعد ذلك: { يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } ، وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } ، فلماذا جاء أولا بـ { يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } وجاء هنا ثانيا بـ { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ }؟ (الشيخ محمد متولى الشعراوى)
نقول: التوبة لا بد أن تكون مشروعة أولا من الله، وإلا فهل لك أن تتوب إلى الله من الذنب لو لم يشرع الله لك التوبة؟ أتصحُّ هذه التوبة؟ إنه سبحانه إذن يشرع التوبة أولا، وبعد ذلك أنت تتوب على ضوء ما شرع، ويقبل هو التوبة، وبذلك نكون أمام ثلاث مراحل: أولا مشروعية التوبة من الله رحمة منه بنا، ثم توبة العبد، وبعد ذلك قبول الله التوبة ممن تاب رحمة منه – سبحانه – إذن فتوبة العبد بين توبتين من الرب: توبة تشريع، وتوبة قبول.
{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } ، ما دام سبحانه قد شرع التوبة أيشرعها ولا يقبلها؟! لا، فما دام قد شرع وعلمني أن أتوب فمعنى ذلك أنه فتح لي باب التوبة، وَفْتَحُ باب التوبة من رحمة العليم الحكيم بخلقه؛ لأن الحق حينما خلق الإنسان زوده دون سائر الأجناس بطاقة من الاختيارات الفاعلة، أي أن الإنسان يستطيع أن يفعل هذه أو يفعل تلك، وجعل أجهزته تصلح للأمر وللنهي، فالعين صالحة أن ترى آية في كون الله تعتبر بها، والعين – أيضا – صالحة أن تمتد إلى المحارم. واللسان صالح أن تسب به، وصالح أن تذكر الله به قائلا: لا إله إلا الله وسائر أنواع الذكر. واليد عضلاته صالحة أن ترفعها وتضرب بها، وصالحة لأن تقيل وترفع بها عاثرا واقعاً في الطريق.
هذا هو معنى الاختيار في القول وفي الفعل وفي الجوارح، فالاختيار طاقة مطلقة توجهها إرادة المختار، وإذا نظرت إلى اليد تجد أنك إذا أردت أن ترفعها، فإنك لا تعرف شيئاً عن العضلات التي تستعملها كي ترفع اليد. فالذي يرفع يده ماذا يفعل؟ وما العضلات التي تخدم هذا الرفع؟ وأنت ترى ذلك مثلاً في الإنسان الميكانيكي أو تراه في رافعة الأثقال – الونش – التي ترفع الأشياء، انظر كم عملية لتفعل ذلك؟ أنت لا تعلم شيئاً عن هذه المسألة في نفسك، لكنك بمجرد أن تريد تحريك يدك فأنت تحركها وتطيعك. وعندما يريد المهندس أن يحرك الإنسان الآلي فهو يوجهه بحسابات معينة ليفعل كذا وكذا، أما الإنسان فيحرك اليد أو القدم أو العين بمجرد الإرادة.
والحق حين يسلب قدرة الإنسان – والعياذ بالله – يصيبه بالشلل، إنه يريد فلا تنفعل له اليد أو غيرها ولا يعلم ما الذي تعطل إلى أن يذهب إلى الأطباء ليبحثوا في الجهاز العصبي، ويعرفوا لماذا لم تنفذ أعصابه الأوامر، إنها عملية طويلة.
فساعة شرع الله التوبة رحم المجتمع من شراسة أول عاصٍ، فلو لم تأت هذه التوبة لكثرت المعاصي بعد أول معصية. ومقابل قول الحق: ( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) وتنبيهه أن الذنوب التي فعلت قبل ذلك يطهرك منها بالتوبة، مقابل ذلك الذين يتبعون الشهوات ويريدون منك أن تأتي بذنوب جديدة؛ لذلك يقول الحق سبحانه: ( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ ) والميل هو ملطق عمل الذنوب. إنك بذلك تميل عن الحق؛ لأن الميل هو انحراف عن جادة مرسومة لحكيم، والجادة هي الطريق المستقيم.
لمسات بيانيه
* ما معنى الضعف في القرآن في قوله تعالى (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28) النساء)؟(د.حسام النعيم كلمة الضعف ضد القوة إما القوة المادية أو القوة المعنوية. (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28) النساء) الله تعالى يحب هذا لكم ويرضاه لكم ليس من باب إرادة الفرد وإنما من باب إرادة الحب أن الله تعالى يحب هذا لكم، يرضى لكم أن يتوب عليكم بأن تستغفروا (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) الذي طريقه إلى النار يريد الجميع أن يكون طريقهم إلى النار، (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) ما يرتكبه الإنسان من الآثام ثقلٌ على جانبه، التشديد في الأوامر والطلبات لا تكونوا كبني إسرائيل شددوا فشدد الله تعالى عليهم قال لهم اذبحوا بقرة كان بإمكانهم أن يذبحوا اي بقرة لكنهم بدأوا يسألون فصار التضييق عليهم والرسول يقول :” ذروني ما تركتكم وفي رواية دعوني ما تركتكم” بمعنى أنه إذا كانت هناك قضية لا أحدثكم بها لا تسألوا عنها. (الفعل ذر ويذر بالأمر والمضارع والماضي منه ميّت لذا استغنوا عنه الفعل ترك) والله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) المائدة) دعوها لأن الله تعالى تركها رحمة بكم.
هنا الضعف هو الضعف النفسي (وخلق الإنسان ضعيفا) أي ضعيفاً أمام الشهوات لذلك في الحديث “حُفّت النار بالشهوات وحُفّت الجنة بالمكاره” الشيء الذي تريده النفس من الشهوات كإنسان يريد أن يكون ذا مال أو ذا منصب مثلاً ويريد أن يتوصل إلى ذلك بالمعصية والعياذ بالله. طبيعة الإنسان في فطرته هذا الضعف وهذا تثبيت من الله تعالى لخلق الإنسان أنه ضعيف أمام الشهوات لذلك ينبغي أن يحتاط ويقوي نفسه أمان شهوات الدنيا هكذا ينبغي أن يكون الضعف نقيض القوة، قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) الروم) الضعف الأول الذي هو الحيوان المنوي ثم قوي الإنسان تدريجياً ثم يعود مرة أخرى ضعيفاً.
الضعف فيه لغتان: بفتح الضاد (الضَعف) وبالضم (الضُعف) جمهور القُرّاء قرأوا (من ضُعف)، رواية ورش عن نافع التي يقرأ بها أهل المغرب (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضُعف ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضُعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضُعْفًا وَشَيْبَةً) في المواطن الثلاثة في الآية. هما لهجتان عربيتان فصيحتان، الذي قرأ (ضَعف) حفص في أحد وجهيه وعنده وجه آخر يقرأ (ضُعف) وشُعبى يقرأ (ضَعف) وحمزة من الكوفيين يقرأ (ضَعف) والباقون يقرأونها (ضُعف) بالضمّ. نحن نقرأ بالفتح أحد وجهي حفص عن عاصم وهي لغة فصيحة لكثير من قبائل العرب أقرأهم إياها رسول الله وأقرّهم عليها بأمر من ربه. لذلك لما يسمع القارئ من المغرب من يقرأ (ضَعف) يعلم أنها قراءة تصح الصلاة بها وقراءته (ضُعف) قراءة تصح الصلاة بها وكلتاهما لهجتان عربيتان فصيحتان نزل بهما جبريل على صدر رسول الله حتى لا يعترض أحدٌ على أحد.
أما الضِعف بالكسر فيعني المكرر، ضِعف كذا يعني مرة بقدر شيء آخر ضِعفه وليس مرتين كما هو الشائع. تقول هذا ضِعف هذا أي بقدره فإذا أردت بقدر مرتين تقول ضِعفين.
لمسات بيانيه
آية (29):
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (29) النساء) تأمل هذا التعبير والتصوير الإلهي في سلب أموال الناس بعضهم بعضاً فقد جعل الله تعالى المال كالطعام يلتهمه الظالم ليبين لنا شدة حرصهم على أخذه دون ترك شيء منه ودون إرجاعه أربابه. ألا ترى أن الطعام قبل أن يأكله المرء يمكن أن يُعيده إلى أهله وإذا ما أكله فقد قرر عدم الإذعان وإرجاعه وكذلكم آكِل المال.
لمسات بيانيه
*(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) النساء) إن الإنسان لا يحتاج إلى النهي عن قتل نفسه حتى يحفظها فلِمَ جاء النهي عن قتل الإنسان نفسه؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر إلى هذا البيان الإلهي فالله تعالى يريد منا أن نصون أرواح الناس وأن لا نعتدي عليها فعبّر عن ذلك بالكفّ والنهي عن قتل المرء نفسه لأن المؤمنين جسد واحد وروح واحدة فمن قتل أخاه فقد قتل نفسه وذلك لأمرين: الأول بتفكيك المجتمع وخلق العداوة بين أفراده والثاني أنه حكم على نفسه بالقتل قصاصاً.
لمسات بيانيه
آية (31) :
* السخاء والكرم والجود ما الفروق اللغوية بينها؟(د. فاضل السامرائى)
السخاء هو أن يلين الإنسان عند السؤال يسأله واحد فيكون سهلاً، يسهل للطالب أمره، يسأله السائل يطلب منه فيستجيب ويعطيه مباشرة هذا سخاء. الجود يعطي من دون سؤال نقول جادت السماء. من دون سؤال يعطي، ولهذا هو الجواد سبحانه! السخي ليس من صفات الله. هناك كتب في تفسير أسماء الله.
الكرم قد يكون في اللغة بمعنى ضد اللؤم. الكريم يستعمل في المحاسن الكبيرة ليس خاصاً بالإنسان، يستعمل في الخيل والشجر والإبل، يستعمل في المحاسن الكبيرة (أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) سبأ) (إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) يوسف) (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) الإسراء) (وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا (31) النساء) (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) النمل) عموم محاسن كبيرة كريم، رزق كريم ومدخل كريم ومقام كريم، فرق بين كريم وجواد وسخي.
لمسات بيانيه
ايه 32
*(وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) النساء) لاحظ كيف أتى النهي عن طلب حصول نصيب الآخرين بالتمني ولم يأت بالنهي عن الرغبة أو السؤال بينما قال (واسألوا الله من فضله) ولم يقل وتمنوا من الله فضله، فما سرُّ هذا الاستعمال؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن التمني هو طلب الحصول على شيء أقرب ما يكون من المستحيل لذلك عبّر الله تعالى عن تطلّع النفوس إلى ما ليس لها بالتمني لأن ذلك قسمة من الله تعالى صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد ومن ثمّ ما كان لغيرك فلا يكون لك وأما الطلب من الله تعالى فعبّر عنه بالسؤال أن ذلك مما يمنّ الله تعالى به على عباده السائلين.
لمسات بيانيه
آية (33) :
* في سورة النساء آية 33 (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) قرأنا كل التفاسير تقريباً وكل الشروح الموجودة يحار فيها الحليم والله لأنها تتضارب مما يشوش على القارئ. ما هو تفسير هذه الآية؟ ما هو إعراب (موالي) لكي نفهم الآية؟ (د.فاضل السامرائي)
لكلٍ ماذا تعني؟ تحتمل لكل إنسان متوفّى (لكل إنسان متوفى) ولكلٍ تحتمل أن تكون للمال والسياق لا يوضح. (لكل جعلنا موالي) عندنا احتمالان، عندما نوّن هذا التنوين (لكلٍ) تحتمل لكل إنسان متوفّى واحتمال لكلٍ جعلنا موالي يعني الترِكة. فالآية لها احتمالان وكل واحدة لها تقدير. إذا كان المقصود لكل إنسان متوفى لكلٍ جعلنا موالي مما ترك يعني لكل إنسان متوفّى جعلنا له ورّاث يرثونه، من هم الوراثون؟ (الوالدان والأقربون) مبتدأ وخبر، من هم الذين يرثون؟ الوالدان والأقربون، هذا احتمال. الإحتمال الآخر من المتوفّى؟ هم الوالدان والأقربون محتمل هم من الموروثين. إذا كان المقصود الترِكة المال الذي تركوه تصير لكلّ مال له موالي مما ترك الوالدان ومما تركه هؤلاء، تصير فاعل، هؤلاء الأقربون تركوا المال، الوالدان والأقربون هم الذين توفوا وتركوا المال إذن جعلنا لهذا الموالي ورّاث يرثونه، إذن تصير الوالدان والأقربون فاعل بالنسبة للمال وإذا كان ليس للإنسان يصير إما ورّاث أو موروثين.
(لكلٍ) إما كل إنسان متوفى أو لكل مال.
* إذن (لكل) قد تدل على إنسان متوفى أو على المال؟
إذا دلت على إنسان، لكل إنسان متوفّى جعلنا موالي يرثونه، من هؤلاء الوارثون لهذا المتوفّى؟ الوالدان والأقربون إذن الوالدان والأقربون يرثون المتوفّى. أو محتمل أن يكون لكل إنسان متوفّى جعلنا ورّاث، من المتوفّى؟ الوالدان والأقربون إذن يحتمل أن يكونوا وارثين أو يكونوا موروثين.
* إذا كان الوالدان والأقربون وارثين إذن هما فاعل؟
هم الوالدان والأقربون في الحالتين. من هم الورّاث؟ الوالدان والأقربون. من هم الوارثون؟ الوالدان والأقربون. إذا كان المال فيكون الوارث فاعل مما ترك الوالدان والأقربون.
* إذن هم الذين ماتوا. ماذا يسمى هذا الأسلوب؟
هذا يجمع كل الاحتمالات، توسع يجمع جميع الاحتمالات يعني بدل أن يقول والوارثون هم الوالدان والأقربون، أول مرة يقول لكل متوفّى جعلنا والوارثون هم الوالدان والأقربون، لكل متوفى ونعني بالمتوفى الوالدان والأقربون، لكل مال مما ترك الوالدان والأقربون يجمعها كلها فهذا التعبير يحتمل كل هذا، وكل هذه الاحتمالات موضوعة في هذا التعبير.
تدبر في الايات
العدل في الأموال والأننفس :
وبعد أن تناولت الآيات مظاهر العدل في مجالات مختلفة (المرأة ثم الأسرة ثم المجتمع) تنتقل إلى العدل في التجارة والمعاملات المالية ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ[ (29) ثم إلى العدل مع الحياة البشرية وعدم سفك الدماء ]وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱلله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً[.
———————————————————————————
الآية 34: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ﴾ توجيه ﴿ النِّسَاءِ ﴾ ورعايتهنّ، وذلك ﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾: يعني بسبب ما خَصَّهم الله به من خصائص القوامة والتكليف، ﴿ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾: يعني وبسبب ما أعطوهنّ من المهور، وكذلك بالإنفاق عليهنّ، ﴿ فَالصَّالِحَاتُ ﴾ المستقيمات على شرع الله لابد أن يَكُنّ: ﴿ قَانِتَاتٌ ﴾: يعني مطيعات لله تعالى ولأزواجهنّ (في غير معصية الله)، و﴿ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ ﴾: يعني حافظاتٌ لكل ما يُؤتمَنَّ عليه (وذلك في غياب أزواجهنّ)،﴿ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾: يعني وذلك بحفظ الله تعالى لهنّ وإعانتهنّ على ذلك، لا مِن أنفسهنّ، فإنّ النفس أمارة بالسوء، ولو وُكِلَت المرأة إلى نفسها لا تستطيع حِفظ شيء وإنْ قَلّ، وإنما مَن ينوي فِعل الخير يُعطَهُ، وَمَن توَكَّلْ على الله كفاهُ ما أهَمَّهُ مِن أمْر دينه ودنياه، واعلم أنه يُفهَم من ثناء الله تعالى على هؤلاء الصالحات أنه يَجب على الرجل إكرام المرأة الصالحة والإحسان إليها والرفق بها لضعفها.
﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾: يعني واللاتي تخشون تكَبُّرهنّ عن طاعتكم: ﴿ فَعِظُوهُنَّ ﴾ بالكلمة الطيبة والمَوعِظة الحَسَنة، وبإعلامِهنّ الأشياءَ التي تُغضِبكم منهنّ، وبتخويفهنّ من العِصيان حتى لا يَقَعنَ في غضب الله ولعنتِه وعدم قبول أعمالهنّ، وحتى لا تضطروا إلى فِعل الأشياء التي تغضبهنّ، ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾: يعني فإن لم تنفع معهنّ النصيحة الطيبة، وأصرَرنَ على مَعصيتكم ومعاندتكم: فاهجروهنّ في الفِراش، ولا تُكلِموهنّ (إلاَّ لِضرورة)، وذلك حتى يَنتهيْنَ عن ذلك، ويَندمنَ على مُخالفتكم، فإن لم يُؤثر الهَجْر فيهنّ: ﴿ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ ضربًا لا ضرر فيه، فلا تضربوهنّ على الوجه، ولا ضرباً يؤثر في عظمٍ أو جِلد، ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ ﴾، وتُبْنَ عن عِصيانكم: ﴿ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ﴾: يعني فاحذروا ظلمهنّ فـ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾: أي فإنّ الله العليَّ الكبير هو وليُّهن، وسوف ينتقمُ مِمَّن ظلمهنَّ.
الآية 35: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ ﴾ يا أولياء الزوجين ﴿ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾: يعني إِنْ خِفْتُمْ حدوث خِلاف بين الزوجين يؤدي إلى فراقهما (بعد اتباع جميع الوسائل السابقة): ﴿ فَابْعَثُوا ﴾ إليهما ﴿ حَكَمًا ﴾ عدلا ﴿ مِنْ أَهْلِهِ ﴾: يعني من أهل الزوج، ﴿ وَحَكَمًا ﴾ عدلاً ﴿ مِنْ أَهْلِهَا ﴾: يعني من أهل الزوجة; لينظرا ويَحكما بما فيه المصلحة لهما، فـ﴿ إِنْ يُرِيدَا ﴾ أي هذان الحَكمان ﴿ إِصْلَاحًا ﴾ بين الزوجين، ويستعملا الأسلوب الطيب في الصُلح، ويُخَوِّفوهم من هَدم البيت وتشريد الأولاد: ﴿ يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾: يعني بين الزوجين ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا ﴾ لا يَخفى عليه شيءٌ من أمر عباده ﴿ خَبِيرًا ﴾ بما تنطوي عليه نفوسهم.
الآية 36: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ وحده، وانقادوا له في جميع أوامره، واعلم أنّ العبادة قد عرَّفها ابن تَيْمِيَة رحمه الله بأنها: (هي اسمٌ جامع لكل ما يُحبه اللهُ ويَرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة)، وعَرَّفها ابن القَيِّم رحمه الله بأنها: (هي كمال الحب مع كمال الذل)، وحتى تحقق ذلك بإذن الله تعالى: لا بد أن تتذكر نعم الله عليك حتى تحب اللهَ تعالى، ثم تتذكر أنك تقابل هذه النعم بالمعاصي، فتكره نفسك الأمَّارة بالسوء، فحينها تذِلّ لله تعالى وتنكسر بين يديه قائلاً: (أبوءُ لك بنعمتك عليَّ وأبوءُ بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، هذه هي بداية الطريق إلى الله، لأنّ رؤية النعم ورؤية الذنوب تستوجبُ الذلَّ والانكسار والفقر التام بين يدي الله تعالى، والتوبة إليه سبحانه في كل وقت، فلا ترى نفسك إلا مٌفلساً، وأنه لو تخلى عنك سبحانه طرفة عين: لهَلَكْتَ وخَسِرتَ خسارةً لا تُجبَرُ إلا أن يَتداركك الله برحمته.
- هذا، وقد جَمَعَ النبي صلى الله عليه وسلم بين رؤية النعم ورؤية الذنوب حينما كان يقول: (سبحان الله وبِحَمدِه أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه)، عِلماً بأن (سبحان الله وبحمده) تعادل في المعنى (سبحان الله والحمد لله)، وقد كان أحد السلف دائماً يقول: (الحمد لله أستغفر الله)، فقال له أحد جُلَسائِه: (ألاَ تُحسِنُ غيرَ هذا؟)، فقال له: (بل أُحسِنُ الكثير، ولكنني رأيتُني أتقلبُ بين نعمةٍ وذنب)، فهو بذلك يُعِدُّ حمداً كثيراً ليساعده في سؤال النعم، كما يُعِدُّ استغفاراً كثيراً ليساعده في سؤال الذنوب.
﴿ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ لا شِركاً أصغر (كالرياء والحلف بغير الله)، ولا شركاً أكبر (كَشِرك العبادة)، فلا يُشركون معه مَلَكاً ولا نبياً ولا ولياً ولا غيرهم من المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نُشوراً (والنشور هو البعث بعد الموت)، واعلم أن الله لا يَغفر أن يُشرَكَ به (إلا إذا تاب العبد من الشرك قبلَ موتِه).
﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾: يعني: وعليكم بتأدية حقوق الوالدين (وذلك بالقول الكريم اللَيِّن، وبطاعة أمْرهما – في غير معصية الله – وبالإنفاق عليهما، وإكرام صديقهما ومَن له تعلق بهما، وصلة رَحِمِهما، والدعاء لهما، وطلب رِضاهما)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 3507)، فاعلم أنه لن يَرضى عنك الله سبحانه وتعالى حتى يَرضى عنك والداك (ولو كنتَ أعبَد أهل الأرض)، ﴿ وَبِذِي الْقُرْبَى ﴾ إِحْسَانًا ﴿ وَالْيَتَامَى ﴾ ﴿ وَالْمَسَاكِينِ ﴾وهم مَن لا مالَ لهم ولا كَسْب، وكذلك مَن لهم مالٌ وَكَسْب (ولكنهم لا يَسُدُّون كفايتهم وكفاية مَن يَعُولُونهُم)، ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ وهو الجار القريب منكم، واعلم أن الجار إذا كان من الأقارب، فإن له حق الجُوار، وحق القرابة، ﴿ وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ وهو الجار البعيد عنكم، وكذلك الجار الذي ليس له قرابة، واعلم أنه كلما كان الجار أقربُ بابًا، كلما كان أأكد حقًّاً، فينبغي للمسلم أن يتعاهد جاره بالهدية والدعوة، واللطف في الأقوال والأفعال، وعدم أذيَّتِه بقولٍ أو فِعل، ﴿ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾ وهو الصاحب المُلازم الذي لا يُفارَق؛ كالزوجة، والمرافق في السفر والحَضَر والعمل وطلب العلم، ﴿ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ وهو المسافر المحتاج، ﴿ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ وهم المماليك من فِتيانكم وفَتياتكم.
- فمن قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لأمر ربه، المتواضع لعباد الله، الذي يحبه الله، ومَن لم يقم بذلك فإنه عبدٌ مُعرضٌ عن ربه، غيرُ متواضعٍ للخَلق، ولهذا قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا ﴾: أي مُعجَباً بنفسه متكبرًا على الخلق ﴿ فَخُورًا ﴾: أي يمدح نفسه على سبيل الفخر، فهذا الكِبر والفخر يمنع هؤلاء من القيام بحقوق الله وحقوق الآخرين، ولهذا قال تعالى بعدها: ﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾: أي من المال والعِلم وغير ذلك
( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) الآية [ 37 ] .
من اسباب النزول
– قال أكثر المفسرين : نزلت في اليهود [ حين ] كتموا صفة محمد -صلى الله عليه وسلم – ولم يبينوها للناس ، وهم يجدونها مكتوبة عندهم في كتبهم .
وقال الكلبي : هم اليهود بخلوا أن يصدقوا من أتاهم بصفة محمد -صلى الله عليه وسلم – ونعته في كتابهم .
من اسباب النزول
( الرجال قوامون على النساء ) الآية [ 34 ] .
قال مقاتل : نزلت هذه الآية في سعد بن الربيع ، وكان من النقباء ، وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير وهما من الأنصار ، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : أفرشته كريمتي فلطمها ! فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : لتقتص من زوجها . وانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ارجعوا ، هذا جبريل – عليه السلام – أتاني . وأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” أردنا أمرا وأراد الله أمرا ، والذي أراد الله خير ” ، ورفع القصاص .
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال : أخبرنا زاهر بن أحمد قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال : حدثنا زياد بن أيوب قال : حدثنا هشيمقال : حدثنا يونس عن الحسن : أن رجلا لطم امرأته ، فخاصمته إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فجاء معها أهلها فقالوا : يا رسول الله ، إن فلانا لطم صاحبتنا . فجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : القصاص القصاص . ولا يقضي قضاء ، فنزلت هذه الآية : ( الرجال قوامون على النساء ) فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : أردنا أمرا وأراد الله غيره .
لمسات بيانيه
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (34) النساء) انظر إلى البيان الإلهي وهذا التمثيل الرباني لحالة الرجل الذي وُكِل إليه الكسب والحفظ والدفاع عن زوجه. فقد شبه اهتمامه بحالة القائم لأن شأن القائم الذي يهتم بالأمر ويعتني به أن يقف ليدير أمره.
لمسات بيانيه
آية (35) :
* الشيخ محمد متولى الشعراوى :
يذيل سبحانه الآية: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً ) أي بأحوال الزوج، وبأحوال الزوجة، وبأحوال الحكم من أهله، وبأحوال الحكم من أهلها، فهم محوطون بعلمه. وعلى كل واحد أن يحرص على تصرفه؛ لأنه مسئول عن كل حركة من الحركات التي تكتنف هذه القضية؛ فربنا عليم وخبير.
وما الفرق بين ” عليم ” و ” خبير “؟.. فالعلم قد تأخذه من علم غيرك إنما الخبرة فهي لذاتك.
وبعد أن تكلم الحق على ما سبق من الأحكام في الزواج وفي المحرمات، وأخذنا من مقابلها المحللات، وتكلم عمن لا يستطيع طولاً وتكلم عن المال.. وحذرنا أن نأكله بالباطل، وتكلم عن الحال بين الرجل والمرأة، وبعد ذلك لفتنا الحق ووجهنا ونبهنا إلى المنهج الأعلى وهو قوله سبحانه: ( وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ…
لمسات بيانيه
آية (36):
*ما دلالة الشرك فى قوله تعالى(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا (36) النساء)؟(د.فاضل السامرائى)
شيئاً فيها احتمالان وليست مثل (ولا يشرك به أحداً) أحداً يعني شخص. (شيئاً) فيها دلالتان إما شيئاً من الشرك لأن الشرك هو درجات هناك شرك أصغر وشرك أكبر أو شيئاً من الأشياء كل شيء سواء كان أحداً من الناس أو الأصنام أو غيره. إذن (لا تشركوا به شيئاً) فيها دلالتان: لا تشركوا به شيئاً من الشرك ولا شيئاً من الأشياء، لا شيئاً من الشرك بأن تستعين بغير الله فالشرك درجات كما أن الإيمان درجات ولا شيئاً من الأشياء.
لمسات بيانيه
*(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (36) النساء) انظر إلى قوله تعالى (وبالوالدين إحساناً) ألا ترى في الفعل أحسن ومصدره الإحسان أن يتعدّى بحرف الجر (إلى) فنقول أحسن إلى فلان، فلِمَ عبّر هنا بالاء في قوله (وبالوالدين إحسانا)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
الإحسان إذا عُدّي بالباء كان متعلقاً بمعاملة الذات أي ذات الأبوين روحاً وجسداً وتوقيرهما واحترامهما والنزول عند رغبتهما وامتثال أمرهما وكأنه يقول: بِرّ بوالديك، وهذا ما نوّهت له الآية (وبالوالدين إحساناً). أما تعديته بـ (إلى) فذاك يكون عند قصد إيصضال النفع المالي ولذلك قال تعالى لقارون (وأحسن كما أحسن الله إليك).
*(وَابْنِ السَّبِيلِ (36) النساء) إذا عرفت أن السبيل هو الطريق فكيف أُطلٌِ على المسافر البعيد عن منزله إبن السبيل؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
سمي المسافر البعيد عن منزله الذي ضاقت به السبل إبن السبيل لأنه لازم الطريق سائراً مسافراً فنُسب إليه وإذا ما دخل قبيلة عرفوه أنه ابن السبيل لأن الطريق رمى به إليهم.
تدبر في السورة
لا إفراط ولا تفريط
وتأتي الآية (34) لتنظّم الضوابط داخل الأسرة المسلمة لأن الرجل قد يدفعه حرصه على العدل مع الزوجة إلى التراخي وعدم الحزم، وقد يترك زوجته تفعل أشياء خاطئة، فتعطينا الآية صورة من صور التوازن في الإسلام: الحزم مع العدل ]ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ٱلله بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـفِظَـٰتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱلله وَٱللَّـٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ[ فالمرأة مأمورة شرعاً بطاعة زوجها لتستقيم الحياة داخل البيت، فإذا أخطأت المرأة وكان الزوج يعطيها حقّها، فلا ينبغي أن يتركها تفعل ما تشاء (مخافة أن يظلمها)، فلا بد من الحزم هنا، وعدّدت الآية مراتب التأديب: الوعظ ثم الهجر في المضاجع ثم الضرب وينبغي التنبه إلى أن الضرب لا يكون إلا في حالة النشوز، وهو العصيان الشديد الذي قد يؤدي إلى دمار البيت، فالضرب إذاً حالة نادرة ولا يجوز أن يلجأ إليه الرجل متى شاء تحت حجة أن القرآن أمر به
دون أن ينسى أن له ضوابط عديدة والهدف منه هو إشعار المرأة بالخطأ لا إشعارها بالألم.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة حيث أنه لم يضرب في حياته امرأة أو خادماً قط.
تدبر في السوره
لا تظلم نفسك
ثم تعود آيات السورة للحديث عن العدل فتحذّر من الشرك بالله ]وَٱعْبُدُواْ ٱلله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً[ (36) لأن أعظم الظلم الشرك كما ورد في سورة لقمان ]إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[ ثم توزّع الآية (36) العدل والإحسان على فئات المجتمع المختلفة وخاصة الضعيفة منها ]وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً[ أي الوالدين عند الكبر ]وَبِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ إِنَّ ٱلله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً[. أرأيت كيف تتوالى آيات السورة التي – وإن اختلفت في مضمونها – تصب وتخدم محوراً واحداً وهو العدل بكل أشكا
——————————————————————————————-
ربط ايات الربع الثالث من النساء
25- اتبع الله عزوجل بعد ذلك نكاح الاماء مبينا الحكمة منه
26- ولما اتم الحلال والحرام من الاحكام وختمها بالرحمة بين ما اراد الله بها تذكيرا بالنعمة للشكر
27 – ثم اكد لهم ارادته التوبة لهم فى حين يريد الضالون ان يميلوا ميلا عظيما
28- وهذا الميل فيه من العنت والتعب ولذلك فان الله يريد ان يرفع عنهم ويخفف لان الانسان خلق ضعيفا
29- ومن الامور التى تؤدى الى العنت والتعب لما فيه ايضا من الميل اكل اموال الناس بالباطل فحذر منها الله
30-وبين ان من يفعل ذلك فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا*
31-ثم اتبع ذلك بتبشير المنتهى عن فعل تلك الكبائر
32-ولما نهى عن القتل واكل مال اليتيم نهى عن تمنى ما يدفع اليهما وهو تمنى ما فضل الله به البعض وبين علة ذلك ان الله بعلمه قد فعل ما يصلحكم
33- ومن علة النهى عن تمنى ما فضل الله به البعض انه جعل لكل مورث من يرثه من القرابة والنسب فاعطوا كل وارث نصيبه الذى كتبه الله له
34-ثم بين الله استحقاق بعض المفضلين وهم الرجال بسبب الميزات الخلقية وما انفقوا من اموالهم ومن يعرف فضلهم يجب عليه الاذعان لهم وهن الصالحات اذا فعلن ذلك ويحب حينئذ الا تطغوا عليهن
35-ولما بين حال الوفاق وما فيه من الصلاح اتبعه بحال المباينة والشقاق المحوج الى الحكم العدل للاصلاح
—————————————————-
الايه 37 و38من قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لأمر ربه، المتواضع لعباد الله، الذي يحبه الله، ومَن لم يقم بذلك فإنه عبدٌ مُعرضٌ عن ربه، غيرُ متواضعٍ للخَلق، ولهذا قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا ﴾: أي مُعجَباً بنفسه متكبرًا على الخلق ﴿ فَخُورًا ﴾: أي يمدح نفسه على سبيل الفخر، فهذا الكِبر والفخر يمنع هؤلاء من القيام بحقوق الله وحقوق الآخرين، ولهذا قال تعالى بعدها: ﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾: أي من المال والعِلم وغير ذلك.
الآية 41، والآية 42: ﴿ فَكَيْفَ ﴾ يكون حال الناس يوم القيامة ﴿ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ﴾ وهو رسولها ليشهدعليها بما عملتْ، ﴿ وَجِئْنَا بِكَ ﴾ أيها الرسول لتكونَ ﴿ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ أنك قد أبلغتَهم رسالة ربِّك، فـ ﴿ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ﴾: يعني يتمنون لو أنّ اللهَ يجعلهم والأرض سواء، فيَصيرون ترابًا، حتى لا يُبعَثوا ﴿ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ﴾: يعني وهم لا يستطيعون أن يُخفوا عن الله شيئًا مما في أنفسهم، إذ ختم اللهُ على أفواههم، وشَهِدَتْ عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون.
- واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بكى عندما قرأ عليه عبد الله بن مسعود هذه الآية، ولِذا يَحضرني هنا قول أحد الدُعاة: (فإذا كان الشاهدُ قد بَكى، فما بالُ المشهودِ عليهِ لا يَبكي؟).
الآية 44: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ﴾ وهم اليهود الذين أُعطاهم الله علماً من التوراة ﴿ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ ﴾: يعني يستبدلون الضلالة بالهدى، ويتركون ما لديهم من الحجج والبراهين الدالة على صِدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ ﴾: يعني ويتمنون لكم – أيها المؤمنون المهتدون – أن تنحرفوا عن الطريق المستقيم; لتكونوا ضالين مثلهم.
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )الآية [ 43 ] .
نزلت في أناس من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانوا يشربون الخمر ويحضرون الصلاة وهم نشاوى ، فلا يدرون كم يصلون ولا ما يقولون في صلاتهم .
أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : حدثناأبو يحيى قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا أبو عبد الرحمن الأفريقي قال : حدثنا عطاء ، عن أبي عبد الرحمن قال : صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما ، ودعا أناسا من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فطعموا وشربوا ، وحضرت صلاة المغرب فتقدم بعض القوم فصلى بهم المغرب ، فقرأ : ( قل ياأيها الكافرون ) فلم يقمها ، فأنزل الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) .
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) . الآية [ 43 ] .
317 – أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق قال : حدثنا أبو عمرو بن مطر قال : حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي قال : حدثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت علىمالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها قالت : خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش ، انقطع عقد لي ، فأقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على التماسه ، وأقام الناس معه ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر ، فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة ؟ أقامت برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبالناس معه [ وليسوا على ماء ] وليس معهم ماء . فجاء أبو بكر ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – واضع رأسه على فخذي قد نام ، فقال : أحبست رسول الله والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء ؟ قالت : فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على فخذي ، فنام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى أصبح على غير ماء ، فأنزل الله تعالى آية التيمم فتيمموا ، فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر . قالت عائشة : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته . رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس ، ورواه مسلمعن يحيى بن يحيى : كلاهما عن مالك .
لمسات بيانيه
آية (38):
*ما سبب الاختلاف بين (وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) – (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ)؟
قال تعالى (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴿264﴾ البقرة) وفي النساء (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴿38﴾) فيها (ولا) ما الفرق بينهما؟ وفي سورة التوبة أيضاً (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴿29﴾ التوبة) إذاً في سورة النساء والتوبة (لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر) وفي البقرة (يؤمن بالله واليوم الآخر)، الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر كافر شخص يقول أنا لا أؤمن بالله ولا في الآخرة أنا أعبد الأصنام وإذا مت صرت تراباً لا يوجد لا قيامة ولا الخ هذا لا يؤمن بالله واليوم الآخر هذا إعلان الكافر هو قال أنا رجل شيوعي أنا أمام الناس شيوعي وحزبي الشيوعي أنا ستالين أنا لينين أنا غورباتشوف لا يوجد لا الله ولا الخ هذا (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هو معلن عن كفره وشركه بالله لا يوجد الله أصلاً بالنسبة له فهو ملحد هذا لا يؤمن بالله واليوم الآخر وهذا أصدق من الأول. الأول يدعي أنه مؤمن فهو يقول أنه مؤمن وأنه مؤمن بوجود الله لكنه كذاب دجال يعني فقط بالظاهر فهو منافق يقول أنا أؤمن بالله واليوم الآخر فالله قال له لا أنت لا تؤمن لا بالله ولا باليوم الآخر. فحينئذٍ هذا الفرق فقوله تعالى (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هذا منطق الكفار جميعاً ولما يقول لك (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هؤلاء المنافقون فالمنافق كافر لكن يدعي أنه هو مؤمن ولا يتبع الإيمان ومتناقض (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴿8﴾ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿9﴾ البقرة) هذا الذي الله يقول عليه (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) لاحظ، مثلاً كشخص جاء وقال لك أنا راسب خلاص هذا فلان راسب بالدروس لكن لو قال لا أنا ناجح في الرياضيات والإنجليزي المدير قال له لا أنت لست ناجح لا بالرياضيات ولا بالإنجليزي أنت كاذب. جداً واضح هذا الفرق بين (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) فهو مشرك عادي ومعلن هذا ولا يغيره فهو يقول لا يوجد الله ولا آخرة ولا حساب ولا كتاب وآخر وهو غير مؤمن أيضاً لكن يخفي هذا الأمر إما لطمع أو خوف أو نفاق أو لآخره قال هذا الذي قال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) هذا الله يقول عليه (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هذا الفرق بين التعبيرين.
لمسات بيانيه
القرين الذي ورد ذكره في عدة آيات في القرآن الكريم هل هو الوسواس أو هل قرين السوء ام هناك قرين غير السوء فهل يمكن توضيح ما هو القرين؟(د.فاضل السامرائى)
قد يكون من الإنس ومن الجن كما وضح ربنا تعالى والقرين هو المصاحب. (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) الصافات) هذا إنس، (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)) هذا شيطان إنس. (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) الزخرف) هذا من الجن، (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38) النساء) (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ (25) فصلت) قد يكون من الإنس وقد يكون من الجن. (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) ق) يجوز من الإنس والجن لكن الدلالة واحدة وهي المصاحبة.
لمسات بيانيه
آية (40):
*ما الفرق بين (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴿40﴾ النساء) و (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴿49﴾ النساء) و (وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴿77﴾ النساء) و (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴿124﴾ النساء) و (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ﴿13﴾ فاطر)؟
عندنا ذرة وفتيل ونقير وقطمير كل هذا لضرب المثل بالقلة لماذا قال مرة فتيل ومرة نقير؟ الفتيل كلغة عربية كلنا أحياناً بالصيف تحرك يدك على جسمك وتفتل فترى في يدك فتيلاً من الوساخة من وساخة جلدك شيء مفتول أسود . فرب العالمين لما تكلم عن اليهود (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴿49﴾ النساء) نحن شعب الله المختار نحن الخ (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴿49﴾ النساء) أنا لا أظلمك فرب العالمين ضرب مثل في القلة لناس وسخين في عقيدتهم في سلوكهم قال (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) كهذا الفتيل الذي في أجسادكم الوسخ.
لما رب العالمين عز وجل ضرب المثل لمسلمين لا يزالون يؤمنون بالله عز وجل قال أنتم من يعمل من الصالحات وهو مؤمن (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴿124﴾ النساء)النقير هو هذه النقطة التي في ظهر النواة المعروف أن العرب جميعاً والمسلمين بل العالم كله ألذ فاكهة عندهم التمر معروف. فحينئذٍ رب العالمين يضرب المثل للصالحين من عباده بأنكم ستأخذون جزاءكم كاملاً ولن تظلموا بقدر هذه النقطة التي في ظهر النواة التي تتركها في فمك تمصها كلنا لما نأكل التمر بجميع أنواعه نتركها في فمنا إلى أن نظل نمص بالنواة إلى أن نخرجها من فمنا بتلذذ ثم نرميها بمهل قد ما هي عنده محترمة قال (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) .
ثم يقول تعالى (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) القطميرالغشاء الشفاف الذي على النواة ما قيمته هذا؟ فرب العالمين لما تكلم عن الملوك قال أنا رب العالمين أنا الذي أنعمت عليكم كل هذه النعم وملكي لا حدود له هذا الذي تعبده ما الذي لديه؟ حتى قطمير ما يملك، هذا الصنم أو العبد أو آلهتكم التي تصنعونها التي تدعونها من دون الله لا يملكون من قطمير، هذا ضرب المثل باللاشيء. القطمير شيء شفاف يكون غشاء النواة غشاء وحينئذٍ ماذا يمكن لك أن تجني من هذا الغشاء؟ (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ).
يبقى لدينا الذرة (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) الذرة هذا مختلف فيها ما من شيء يدق على النظر كالذرة كما تعرف. الذرة موجودة لكن لا تراها باللاشيء حينئذٍ رب العالمين ضرب لنفسه المثل بالعدل وأنه لا يظلم مثقال ذرة حينئذٍ ماذا تخاف من ربٍ بلغ عدله إلى هذا الحد أنه لا يظلم أعداءه لا يظلم فرعون ولا القاتلين ولا المجرمين ولا المحتلين ولا المغتصبين ولا الزناة ولا المرابين لا يظلمهم مثقال ذرة. حينئذٍ رب العالمين ضرب لعدله بهذا المثل في القلة الذي لا يمكن لعقلك أن يدركه إلا قلة من العلماء علماء الذرة من أجل هذا قال (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ).
لمسات بيانيه
ما دلالة التقديم والتأخير فى قوله تعالى(وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) و(وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)؟
في قوله تعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ ﴿89﴾ النحل) (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) وقوله (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) ما الفرق بينهما؟ إذا قال (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) لبيان عظمة النبي عليه الصلاة والسلام ومدى نفوذه يوم القيامة، له نفوذ على كل الأمم وهذه قضية عقائدية وهذا منطقي جداً باعتباره خاتم الرسالات قال (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) إذاً الإبراز وبيان الفضل للشهيد بغض النظر من هم المشهود عليهم. لما قال (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) بيان قباحة الأمة التي ذكرها القرآن بأنهم أشركوا وغيّروا وحرّفوا قال وجئنا بك على هؤلاء الذين انحرفوا شهيداً فلما يقدّم المقدم إذا كان قدّم الشهيد فلبيان فضله إذا قدّم المشهود عليهم فلبيان مدى جرمهم، هذا هو الفرق.
لمسات بيانيه
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ (42) النساء)انظر إلى هذه الصورة التي تشخِّص لك هيئة نفوس الكافرين التي امتلأت خزياً قاتلاً وخجلاً مميتاً في موقف المواجهة حين يُستدعى الشهود فهي لا تتمنى الموت بل تذهب إلى أشد منه، تتمنى لو تضاءلت الأجساد حتى تصير على سوية الأرض. لا شك أن هذا التصوير فيه رصد لعمق المعاناة النفسية والشعورية ورصد لبواطن النفس وخلجات الحِسّ أكثر من التعبير المباشر عن الشعور بالخزي.
لمسات بيانيه
اية (43):
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ (43) النساء) ليست الصلاة مكاناً يُقصد حتى يؤمر الإنسان أن لا يقربه فلِمَ عبّر عن عدم جواز الصلاة للسكران بقوله (لا تقربوا الصلاة) ولم يقل لا تصلّوا؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
اختيرهذا الفعل دون أن تصلّوا ونحوه للإشارة أن تلك حالة منافية للصلاة وصاحبها جدير بالابتعاد عن أفضل عمل في الإسلام وهوالصلاة.
*قال في المائدة (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ) بينما في النساء قال (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) فما اللمسة البيانية لهاتين الآيتين في ذكر (منه) وحذفه؟
د.فاضل السامرائى :
هما آيتان إحداهما في النساء والأخرى في المائدة. نقرأ الآيتين حتى يتضح الأمر. في النساء قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)) هذه آية النساء. آية المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)). لو نظرنا في الآيتين آية النساء وآية المائدة، آية النساء في الجُنُب وذوي الأعذار لم يذكر الوضوء إذن آية النساء هي في الجُنُب وذوي الأعذار تحديداً (وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى) أما آية المائدة ففي الجُنُب وغير الجُنُب وذوي الأعذار وذكر الوضوء، إذن هي عامة شملت الجنب وغير الجنب وذوي الأعذار وذكر الوضوء، إذن التفصيل في آية المائدة أكثر من آية النساء وذكر ما لم يذكره في آية النساء (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) فإذن كلمة (منه) نضعها مع التفصيل في آية المائدة فناسب التفصيل والزيادة في البيان فلما فصّل فصّل في البيان وزاد (منه)، و (منه) يعود على التراب. هناك فصّل وهذا أجمل. هذا أمر وهناك أمر آخر في آية النساء ختم الآية بقوله (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) لأنه ذكر السُكارى (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) بينما ختم آية المائدة (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)) ذكر رفع الحرج وإتمام النعمة ويريد أن يطهركم وهذا يستوجب الشكر فقال (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أما في آية النساء لم يذكر رفع الحرج وإنما ذكر السكارى والله عفو غفور فقال (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا)فإذن الخاتمة مناسبة لما ورد وذكر (منه) مناسبة للتفصيل والبيان. وهذا نهج القرآن أن الفاصلة القرآنية لا بد أن تناسب الآية لذلك أحياناً يخالف الفواصل
لمسات بيانيه
ما دلالة استعمال آتينا وأوتوا ؟(د.فاضل السامرائى)
استعمال آتينا وأوتوا ففي موضع المدح يأتي بـ (آتيناهم) كما في قوله تعالى (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) البقرة) وفي معرض الذمّ يأتي بـ (أوتوا) كما في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) النساء) وقوله تعالى (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) البقرة).
تدبر في السورة
إن الله لا يظلم مثقال ذرة
بعد كل هذه الآداب يذكّرنا تعالى بفضله وكيف أنه يعاملنا بالفضل
قبل العدل فكيف يأبى الإنسان أن يتعامل مع غيره بالعدل. ]إِنَّ ٱلله
لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً
عَظِيماً[ (40).
تدبر في السورة
والآية التي بعدها تذكرنا أن النبي r سيشهد على عدلنا يوم القيامة ]فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً[ (41) فكأن الله يقول للظالم: إحذر فسوف يشهد النبي على ظلمك، ويقول للعادل: إفرح، فسوف يشهد حبيبك r على عدلك.
ثم تأتي آية محورية تمثّل قلب السورة ]إِنَّ ٱلله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلامَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱلله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱلله كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً[(58).
—————————————————————–
تفسير مبسط للوجه 10 من النساء ص 86
الآية 46: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا ﴾: يعني: من اليهود فريقٌ ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾: يعني اعتادوا على تبديل كلام الله وتغييره عمَّا هو عليه (افتراءً على الله)، ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ للرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿ سَمِعْنَا ﴾ قولك ﴿ وَعَصَيْنَا ﴾ أمرك ﴿ وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ ﴾: يعني واسمع منَّا لا استطعتَ السماع، ﴿ وَرَاعِنَا ﴾ سَمْعَك، أي: افهم عنا وأفهِمنا، ولكنهم يقولونها ﴿ لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّين ﴾:ِ يعني يَلوون ألسنتهم بذلك، وهم يريدون الدعاء عليه بالرُعُونة (وهي الحُمق والطَيش)، ويريدون بذلك الطعن في دين الإسلام مِن خلال شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ بدلاً من “سمعنا عصينا”، وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿ وَاسْمَعْ ﴾ دونَ “غير مُسمَع”، وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿ وَانْظُرْنَا ﴾ بدلاً من “راعنا” ﴿ لَكَانَ ﴾ ذلك ﴿ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ ﴾: يعني وأعدل قولاً ﴿ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ ﴾: أي ولكنَّ اللهَ طردهم من رحمته، بسبب جحودهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا ﴾ إيماناً ﴿ قَلِيلًا ﴾ لا ينفعهم (كإيمانهم بموسى وهارون، والتوراة (التي أنزِلَت على موسى)، والزَبور (الذي أنزِل على داوود))، ولكنَّ كفرَهم بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم أضاع هذا الإيمان، لأنّ مَن كفر برسولٍ من الرسل فقد كفر بسائر الرُسُل، كما قال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾، ولم يقل: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ رسولهم ﴾.
الآية 47: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ وهذه صِفةُ مَن كان عالما بجميع التوراة ﴿ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا ﴾ من القرآن ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ﴾ من الكتب، لأنه يجب عليكم أن تكونوا مُبادرين إليه قبلَ غيركم، بسبب ما أنعم الله به عليكم من العلم والكتاب، ولهذا تَوَعَّدَهم اللهُ على عدم الإيمان فقال: ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ﴾: يعني من قبل أن نمحو وجوهكم، ثم نجعل الوجه مكان القَفا، والقَفا مكان الوجه، ﴿ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ﴾: يعني أو نلعنهم – بِمَسخِهِم قِردَةً وخنازير – كما لعنَّا اليهود مِن أصحاب السبت، الذين نُهُوا عن الصيد فيه فلم ينتهوا، ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾: يعني نافذًا في كل حال، وهذا مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾.
- واعلم أنَّ قولَه تعالى: ﴿ من قبل أن نطمسَ وجوهاً ﴾ فيه إشارة إلى أنه متى وقع منهم إيمانٌ قبل الطَمْس: أخَّرَهُ عنهم، وقد آمَنَ بعضهم كَعَبدِ الله بن سَلَام وأصحابه، فرُفِعَتْ عنهم هذه العقوبة بسبب إيمانِ بعض علمائهم.
الآية 49: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾ وهم اليهود يُثنون على أنفسهم وأعمالهم،ويَصفونها بالطُهر والبعد عن السُوء؟ ﴿ بَلِ اللَّهُ ﴾ تعالى هو الذي ﴿ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ﴾ مِن عباده، لِعِلمِهِ بحقيقة أعمالهم، ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾: يعني ولا يُنقَصون من أعمالهم شيئًا، ولو كان مقدار الخيط الذي يكون في شق نَواة التمرة.
الآية 51: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ﴾ وهم اليهود، فإنهم ﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ﴾: يعني يُصدقون ويُقِرُّون بصِحة عبادة كل ما يُعبَدُ من دون الله – من الأصنام والكَهَنة والسَّحَرة وشياطين الإنس والجن – تصديقاً يَحمِلهم على تحكيم غير شرع الله، ﴿ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: يعني وهؤلاء اليهود يقولون لِمُشرِكي العرب (الذين لم ينزل عليهم أيّ كتاب): ﴿ هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا ﴾: يعني دينكم – يا مُشرِكي العرب – خيرٌ من دين محمد، وأنتم أفضلُ طريقاً وأكثر هِداية – في سلوككم وحياتكم والاجتماعية – من أولئك الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
- مع أنَّ في كتابهم إبطالَ الشِرك وَهَدْمه، ولكنْ ما حَمَلهم على ذلك القول إلا الكفر والحسد وبُغض النبي محمد، فما أشدّ عنادهم وأقلّ عقولهم! فهل يُفَضَّلُ دينٌ قام على (عبادة الأصنام، وتحريم الطيِّبات، وإباحة الخبائث، وإقامة الظلم بين الخلق، وتسوية الخالق بالمخلوقين)، على دينٍ قام على (عبادة الرحمن وحده لا شريك له، وعلى صلة الأرحام والإحسان إلى جميع الخلق، حتى البهائم، وإقامة العدل بين الناس، وتحريم الظلم والخبائث، والصدق في جميع الأقوال والأعمال)؟
- ويُلاحَظ هنا أن الله تعالى قال: ﴿ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا ﴾، رَغمَ أنه كانَ مِن المُتوَقَّع أن يقول: ﴿ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أنتم أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا ﴾، أي بصيغة الخطاب، اتفاقاً مع سِياق الآية، ولكنه سبحانه أراد أن يُوضح أن اليهود يقولون ذلك القول أمام مشركي العرب وفي غيبتهم، وهو ما يُسَمَّى: (حكايةً لِمعنى القوْل)، فكأنه تعالى حكى أن اليهود – حين تناجَوا فيما بينهم – قال بعضهم لبعض في شأن أهل مكة: (هؤلاء العابدون للأصنام أهدَى من محمد واصحابه
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) الآية [ 49 ] .
– قال الكلبي : نزلت في رجال من اليهود أتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأطفالهم ، وقالوا : يا محمد . هل على أولادنا هؤلاء من ذنب ؟ قال : لا ، فقالوا : والذي نحلف به ، ما نحن إلا كهيئتهم ، ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل ، وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفر عنا بالنهار . فهذا الذي زكوا به أنفسهم .
من اسباب النزول
(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) . الآية [ 51 ] .
– أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال : أخبرنا والدي ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال : حدثنا عبد الجبار بن العلاء ، حدثنا سفيانعن عمرو ، عن عكرمة قال : جاء حيي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف ، إلى أهل مكة ، فقالوا لهم : أنتم أهل الكتاب ، وأهل العلم القديم ، فأخبرونا عنا وعنمحمد ، فقالوا : ما أنتم وما محمد ؟ قالوا : نحن ننحر الكوماء ، ونسقي اللبن على الماء ، ونفك العناة ، ونصل الأرحام ، ونسقي الحجيج ، وديننا القديم ، ودين محمد الحديث . قالوا : بل أنتم خير منه وأهدى سبيلا ، فأنزل الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) إلى قوله تعالى : ( ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) .
– وقال المفسرون : خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكبا من اليهودإلى مكة بعد وقعة أحد ، ليحالفوا قريشا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – . فنزل كعب على أبي سفيان ، ونزلت اليهود في دور قريش ، فقال أهل مكة : إنكم أهل كتاب ، ومحمد صاحب كتاب ، ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم ، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين ، وآمن بهما . فذلك قوله : (يؤمنون بالجبت والطاغوت ) ثم قال كعب لأهل مكة : ليجيء منكم ثلاثون ومنا ثلاثون ، فنلزق أكبادنا بالكعبة ونعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد .ففعلوا ذلك ، فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب : إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ، ونحن أميون لا نعلم ، فأينا أهدى طريقا وأقرب إلى الحق ، أنحن أم محمد ؟فقال كعب : اعرضوا علي دينكم ، فقال أبو سفيان : نحن ننحر للحجيج الكوماء ، ونسقيهم الماء ، ونقري الضيف ، ونفك العاني ، ونصل الرحم ، ونعمر بيت ربنا، ونطوف به ، ونحن أهل الحرم ، ومحمد فارق دين آبائه ، وقطع الرحم ، وفارق الحرم ، وديننا القديم ، ودين محمد الحديث . فقال كعب : أنتم والله أهدى [ ص: 82 ] سبيلا مما هو عليه ، فأنزل الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) يعني كعبا وأصحابه . الآية .
لمسات بيانيه
اية (46):
*ما الفرق بين قوله تعالى (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴿46﴾ النساء)و(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴿41﴾ المائدة)؟
يحرفون من بعد مواضعه من ساعة نزوله يكذبون على الله عز وجل وقد كذبوا على موسى قال لهم: قولوا حطة قالوا: زمحيطة من أول يوم. إذا ًهناك تحريف في التوراة والإنجيل من يوم ما نزل، ورب العالمين أثبت هذا والتاريخ أثبت هذا وعلماؤهم يثبتون هذا. (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) هذا على امتداد التاريخ وتعرفون التاريخ كما أن هناك أبحاث كثيرة عن الجهود التي خاصة عن طريق اليهود الذين حرفوا التوراة والإنجيل تحريفاً يكاد يكون مسخاً لكلا الكتابين الكريمين.(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) ساعة وحيه ما أن يخبرهم سيدنا عيسى وسيدنا موسى بالوحي حتى يغيروه وآية أخرى تقول (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴿41﴾ المائدة) بعد ما مات سيدنا موسى ورفع سيدنا عيسى بعد قرون بعد مئات السنين غيروا فعلاً كثير من الأناجيل وكثير من صيغ التوراة وُضِعت وضعها الرهبان والقساوسة بعد هذا بمئات السنين.
لمسات بيانيه
استخدم القرآن كلمات كجمع قلة واستخدم كلِم بالجمع (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ (46) النساء) أن كلماته لا تفي بها البحار(قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) الكهف)الأقلام تفنى والبحر ينفد ويجف ولا تنفذ كلمات الرحمن. فكيف بالكلِم؟! ما قل من كلمة لا تفي بها هذه البحار والأقلام فكيف بالكلِم؟!
لمسات بيانيه
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم (47) النساء) انظر إلى تناسب اللفظ مع المعنى في القرآن فهنا قال (أوتوا الكتاب) بينما قال في آية أخرى (أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة) فما الحكمة من هذا الإختلاف بين الآيتين؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لعلك أدركت أن قوله تعالى (أوتوا نصيباً من الكتاب) جاء في مقام التعجيب والتوبيخ فناسبه كلمة (نصيباً) للإشارة إلى قلة علمهم الذي أخذوه من الكتاب بينما في قوله تعالى (أوتوا الكتاب) صيغت هذه الآية في مقام الترغيب فناسبه لفظ (أوتوا الكتاب) الذي يؤذن بأنهم شُرّفوا بإيتاء التوراة وما ذاك إلا ليثير اهتمامهم وهمتهم للتخلق بسمات الراسخين منهم.
لمسات بيانيه
آية (48):
* ما دلالة الإختلاف بين ختام الآيات في سورة النساء (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًاعَظِيماًً(48) ) (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116))؟
* د.فاضل السامرائى:
هذا الأمر متعلق في الكلام في فواصل الآيات. صدر الآيتين واحد وكلتا الآيتين في سورة النساء. ختمت الأولى (فقد افترى إثماً عظيماً) والثانية (فقد ضل ضلالا بعيداً) ذكرنا سابقاً أن هذا الأمر حتى يتضح ينفعنا العودة إلى السياق لماذا اختار هذه الفاصلة دون تلك؟. الآية الأولى (فقد افترى إثماً عظيماً) هذه الآية نزلت في أهل الكتاب قبلها قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47)) أهل الكتاب نزل عليهم كتاب نزل بالتوحيد لا بالشرك فعندما يشركون يكونون قد افتروا على الله هم يفهمون الناس أنه نزل بالشرك إما بالتثليث أو عزير ابن الله أو غيرها من الأقاويل ينسبونها إلى الله وإلى الكتب يقولون هذا هو الذي نزل، هذا افتراء فختم الآية (فقد افترى إثما عظيما) لأنهم كذبوا على الله، افترى يعني كذب والإثم هو الذنب. إذن لما كانت الآية في أهل الكتاب هم افتروا واكتسبوا إثماً. هذه مسألة والمسألة الأخرى أن السياق أصلاً في ارتكاب الآثام إضافة إلى هذا، إضافة إلى أنهم افتروا واكتسبوا إثماً السياق هو في ارتكاب الآثام(يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ) (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) (وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ) (انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) هذه كلها آثام إذن ناسب ختم الآية(فقد افترى إثماً عظيماً). الآية الثانية في كفار قريش لم يعرفوا كتاباً، لا يعلمون شيئاً غافلين لم ينزل إليهم كتاب وإنما هم ضالون. إذن هناك فرق في الآية الأولى نزل عليهم كتاب فافتروا أما الثانية فلم ينزل إليهم كتاب فهم ضالين إضافة إلى أن السياق في الضلال (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) تبين له الهدى وشاقق الرسول هذا ضلال، (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) (وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ) إذن الآية الثانية في سياق الضلال إضافة إلى أنها نزلت في أناس لم ينزل إليهم كتاب ولا عرفوه فهم ضالون السياق في الضلال أيضاً. أما في الآية الأولى فإضافة إلى أنهم أهل كتاب غيّروا وافتروا وحرّفوا السياق في ارتكاب الآثام إذن من كل ناحية كل فاصلة ناسبت السياق الذي وردت فيه (فقد افترى إثماً عظيماً) مناسبة للسياق ولمن نزلت فيهم والآية الثانية (فقد ضل ضلالاً بعيداً) مناسبة للسياق ولمن نزلت فيهم.
لمسات بيانيه
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء (49) النساء) انظر إلى هذا الأسلوب في إبطال معتقدهم فلم يقل ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم وهم كاذبون ليبيّن حالة التزكية بل قال (بل الله يزكي من يشاء) فقد أبطل معتقدهم في التزكية بإثبات التزكية لله تعالى وقد أفاد تصوير الجملة بـ(بل) حتمية إبطال تزكيتهم خلافاً لحذفها فلو قال والله يزكي من يشاء لكن لهم طمع أن يكونوا ممن زكّاه الله تعالى.
—————————————————————————————–
الآية 52: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾: يعني طردهم من رحمته ﴿ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ﴾ ينصره، ويدفع عنه سوء العذاب.
- واعلم أنه لا يجوز أن يقول الرجل لأخيه: (يا ملعون)، أو: (اللهم العن فلاناً) – طالما أنه مسلم ناطقٌ بالشهادتين -، لأن اللعن هو الطرد من رحمة الله، وأنت – بِقوْلك هذا – قد حَكمتَ عليه بالطرْد من الرحمة، فاحذر أن تقول ذلك حتى لا تُرَدّ الكلمة عليك فتُطرَد أنت من الرحمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرجتْ اللعنة مِن فِي – (يعني مِن فم) – صاحبها: نظرتْ، فإن وَجَدَتْ مَسلكاً في الذي وُجِّهَتْ إليه، وإلاَّ عادت إلى الذي خرجتْ منه) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 502)، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة: ألاَّ نلعنَ شخصاً بعينه، وألاَّ نَحكم عليه بالرحمة أو الشهادة أو الجنة أو النار، إلا مَن شهد له الله ورسوله بذلك.
الآية 53: ﴿ أَمْ لَهُمْ ﴾: يعني أم لهؤلاء اليهود ﴿ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ ﴾؟ فيفضِّلون مَن شاءوا على مَن شاءوا بمجرد أهوائهم؟ وهذا استفهام استنكاري (يعني ليس لهم ذلك) ﴿ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ﴾: يعني ولو أنه قُدِّرَ أنَّ لهم نصيباً من المُلك لَمَا أعطوا أحدًا منه شيئًا، ولو كان مقدارالنُّقرةالتي تكون في ظهر نَواة التمرة، (وهي عبارة عن ثقب صغير يُضرَب به المثل في صِغَرِه)، وذلك لِشدة بُخلهم.
الآية 54، والآية 55: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾: يعني أم يحسدون محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما أعطاه الله من نعمة النُبُوَّة والرسالة، ويحسدون أصحابه على نعمة التوفيق إلى الإيمان،واتِّباع الرسول، والتمكين في الأرض، ويتمنون زوال هذا الفضل عنهم؟، بلِ اللهُ يَختص برحمته من يشاء، وذلك ليس بغريبٍ على فضل الله تعالى ﴿ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾: يعني فقد أعطينا إبراهيم وذريته الكتاب (كَصُحُف إبراهيم والتوراة والزبور والإنجيل)، وأعطيناهم الحكمة (وهي السُنَّة التي كانت لأولئك الأنبياء يَتلقونها وَحياً من الله تعالى، وكلها عِلمٌ نافع وحُكمٌ صائبٌ سديد)، وكذلك أعطينا المُلك الواسع لبعضهم (كَداوودَ وسليمانَ عليهما السلام)، فإنعامُهُ تعالى لم يَزَلْ مستمرًا على عباده المؤمنين، كل هذا يَعرفه اليهود، فكيف يُنكِرون إنعامَهُ تعالى بالنُبُوَّة والنصر والمُلك لمحمد صلى الله عليه وسلم (أفضل الخلق، وأعظمهم مَعرفةً بالله وأخشاهم له)، ويحسدونه على ذلك؟، ﴿ فَمِنْهُمْ ﴾: أي فمِن هؤلاء اليهود ﴿ مَنْ آَمَنَ بِهِ ﴾: أي آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعمل بشرعه، كعبد الله بن سلام وأصحابه، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ ﴾: يعني ومنهم مَن أعرض عنه ولم يستجب لدعوته، ومَنَعَ الناس مِن اتِّباعِه، ﴿ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ﴾: يعني وحسبكم – أيها المكذبون – نار جهنم تُسَعَّر بكم (يعني تُوقَدُ عليكم وتفورُ بكم) يوم القيامة.
الآية 59: (﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ ﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾: يعني وأطيعوا وُلاةَ أمْركم – وهم الحُكَّام – في غير معصية الله، ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾: يعني فإن اختلفتم في شيءٍ بينكم، فأَرجِعوا الحُكم فيه إلى كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، هذا ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ ﴾ حق الإيمان ﴿ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾، لأنّ ﴿ ذَلِكَ ﴾ الرَدّ إلى الكتاب والسُنَّة ﴿ خَيْرٌ ﴾ لكم من التنازع والقول بالرأي ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾: يعني وأحسن عاقبةً ومآلاً في الدنيا والآخرة (لأنّ تأويل الشيء هو ما يَؤول إليه في آخر الأمر)، فحُكم اللهِ ورسوله هو أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وآخرتهم.
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( أولئك الذين لعنهم الله ) الآية [ 52 ] .
322 – أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقرئ قال : أخبرنا سفيان بن محمد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا روح قال : حدثنا سعيد، عن قتادة قال : نزلت هذه الآية في كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب -رجلين من اليهود من بني النضير – لقيا قريشا بالموسم فقال لهما المشركون : أنحن أهدى أم محمد وأصحابه ، فإنا أهل السدانة والسقاية وأهل الحرم ؟ فقالا : بل أنتم أهدى من محمد ، وهما يعلمان أنهما كاذبان ، إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه ، فأنزل الله تعالى : ( أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما : إن محمدايزعم أنه قد نزل فيكما كذا وكذا ، فقالا : صدق ، والله ما حملنا على ذلك إلا بغضه وحسده .
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) الآية [ 58 ] .
323 – نزلت في عثمان بن طلحة الحجبي ، من بني عبد الدار ، كان سادنالكعبة ، فلما دخل النبي – صلى الله عليه وسلم – مكة يوم الفتح ، أغلق عثمانباب البيت وصعد السطح ، فطلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المفتاح ، فقيل : إنه مع عثمان ، فطلب منه فأبى ، وقال : لو علمت أنه رسول الله لما منعته المفتاح ، فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب ، فدخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – البيت وصلى فيه ركعتين ، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ليجمع له بين السقاية والسدانة فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عليا أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه ، ففعل ذلك علي ، فقال له عثمان : يا علي أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق ! فقال : لقد أنزل الله تعالى في شأنك ، وقرأ عليه هذه الآية ، فقال عثمان : أشهد أن محمدا رسول الله ، وأسلم ، فجاء جبريل – عليه السلام – فقال : ما دام هذا البيت فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان . وهو اليوم في أيديهم .
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) الآية [ 59 ] .
326 – أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي زكريا الحافظ قال : أخبرنا أبو حامد بن الشرقي قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا الحجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال : أخبرني يعلى بن مسلم ، عنسعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) قال : نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي ، بعثه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سرية . رواهالبخاري عن صدقة بن الفضل ، ورواه مسلم عن زهير بن حرب ، كلاهما عنحجاج .
لمسات بيانيه
آية (56):
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء) انظر إلى هذا التصوير لمشهد العذاب إنه مشهد مادي محسوس تتألم منه الأجساد وتتلظى به الجوارح والأبدان وهو مشهد لا يكاد ينتهي، مشهد يشخص له الخيال ولا ينصرف عنه. ألا ترى أنك تكاد ترى مشهد الجلود الناضجة من شدة قوة التصوير في قوله تعالى(كلما نضجت جلودهم) وتأمل هذا الاختيار المفزع لأداة الشرط (كلما) دون استعمال الأداة (إذا) لأن (كلما) ترسم مشهد نضوج الجلود متكرراً خلافاً لـ (إذا) وهذا يناسب قوله تعالى (كلما نضجت جلودهم بدلناهم غيرها).
* لِمَ خصّ الله تعالى الجلود بالتغيير دون الأعضاء مع أنها تنضج في النار أيضاً؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هذا من إعجاز القرآن فالجلد هو الذي يوصل إحساس العذاب إلى النفس فلو لم يبدّل الجلد بعد إحتراقه لما وصل عذاب النار إلى النفس.
لمسات بيانيه
آية (58):
*ما هي الآية التي نزلت داخل الكعبة؟(د.فاضل السامرائى)
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً {58}) هي الآية التي نزلت داخل الكعبة عندما دخل الرسول u يوم فتح مكة طلب من عثمان بن طلحة وكان حاجب الكعبة أن يعطيه مفتاح الكعبة فأبى وصعد إلى سطح الكعبة فأرسل الرسول r بلالاً ليحضره منه ففتح الكعبة وحطّم الأصنام ثم نزلت هذه الآية يأمر الله تعالى رسوله أن يردّ المفتاح إلى عثمان وما زال في بني شيبة إلى الآن.
لمسات بيانيه
آية (59):
*ما دلالة تكرار كلمة أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في سورة النساء وعدم ذكرها مع أولي الأمر؟( د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59}) لم يقل تعالى وأطيعوا أولي الأمر منكم لأن طاعة أولي الأمر تبعية وليست مستقلة وإنما هي تابعة لطاعة الله وطاعة الرسول r فأولي الأمر ليس لهم طاعة مستقلة ولكن طاعتهم تبعية بحسب طاعتهم لله ولرسوله r . كما أن طاعة أولي الأمر ليست بنفس بمنزلة طاعة الله ورسوله ومن المحتمل التنازع بين أولي الأمر.
وهناك سؤال آخر في هذه الآية وهو لماذا يرد في القرآن أحياناً أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحياناً أخرى يرد وأطيعوا الله والرسول؟
في القرآن قاعدة عامة وهي أنه إذا لم يتكرر لفظ الطاعة فالسياق يكون لله وحده في آيات السورة ولم يجري ذكر الرسول r في السياق أو أي إشارة إليه كما جاء في سورة آل عمران (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {132}). والأمر الآخر أنه إذا لم تكرر لفظ الطاعة فيكون قطعياً قد ذُكر فيه الرسول في السياق كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} النساء) و(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ {92} المائدة) و(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {1}و يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ {20} الأنفال) و (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} النور) و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {33} محمد) و(أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {13} المجادلة) و(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {12} التغابن) وهذا ما جرى عليه القرآن كله كقاعدة عامة.
تدبر في السورة
آية محورية تمثّل قلب السورة ]إِنَّ ٱلله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلامَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱلله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱلله كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً[(58).
تدبر في السوره
طاعة الله والرسول أساس العدل
وهذا المعنى واضح في الآية (59) التالية: ]يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ
أَطِيعُواْ ٱلله وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلاْمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱلله وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱلله وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً[.
————————————————————–
ربط ايات الربع الرابع من سورة النساء
36-ثم انتقل النص الى صورة اخرى من صور الاحسان الى الخلق بعد ان ذكر اليتامى والنساء لانهم اضعف المخلوقات انتقل الى باقى الخلق ممن لهم اختصاص الاحسان من الولدين وغيرهم ولما كان الاحسان مدعاة الى الفخر والاختيال حذر منه وبين انه لا يحب من كان مختالا فخورا
37-ولما كان الفخر والاختيال باعراض الدنيا حاملين على البخل وكتمان فضل الله حذر منه
38-ثم اتبعه بذم الطرف النقيض المبذر المسرف للمدح ومراءاة الناس
39-ثم كأن قائلا قال وماذا فى المراءاة فرد وماذا لو فعلوا ذلك ايمانا بالله وطلبا لرضاه وجزاءه فى الدار الاخرة
40- فان الله لا يظلم مثقال ذرة ويضاعف الحسنة
41-42-وما العمل لو جئ بهم يوم القيامة وهم بهذه الحال من المراءاة والكفر ومعصية الله فانهم يودون لو تسوى بهم الارض وهم واقفون بين يدى الله لا يكتمونه حديثا
43-ولمناسبة الوقوف فى الاخرة ذكر الوقوف فى الدنيا فى الصلاة فذكر طرفا من احكامها وكذلك التيمم وختم بكون الله عفوا غفورا
44-ولما ذكر التيمم وهو من مظاهر اليسر فى الشريعة وناتجا عن عفو الله ومغفرته اذ لولا ذلك لعاقب عليه الله لانه ليس كالوضوء لما انتهى من ذلك انتقل الى الذين حرموا من اليسر فى الشريعة بسبب عصيانهم وهم اليهود الذين اوتو نصيبا من الكتاب ومع ذلك يضلون ويضللون
45-وهم اعدى اعدائكم الذين لا احد يعلمهم اكثر من الله
46-ثم عينهم على التوصيف بانهم يحرفون الكلم عن مواضعه
47-ولما بكتهم على فعلهم وقولهم وصرح بلعنهم توجه اليهم بالنداء ان يؤمنوا بما نزل عليهم قبل ان تطمس وجوههم او تلعن كلعن اصحاب السبت
48-ولما كانوا مع ارتكابهم العظائم يقولون سيغفر لنا وكان امتثالهم لتحريف الرهبان والاحبار شرك قال مؤكدا على وعيده لهم ان الله لا يغفر ان يشرك به
49-ثم تعجب الله ممن يفعل كل هذه المخالفات ثم هو يزكى نفسه مؤكدا ان التزكيه من الله ولن يظلم احد فتيلا
50-وان قلنا التزكية من عند الله فمن يدعيها لاحد او لنفسه فهو مفتر على الله فقال انطر كيف يفترون على الله الكذب
51-ثم عرج الى افتراء اخر ذلك انهم يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا
52- ثم بين جزاء ذلك اللعن من الله ولن تجد له نصيرا
53-وبين سبب تفضيلهم للذين كفروا على الذين امنوا انهم لهم نصيب من الملك فلا يريدون ان يؤتوا احد اغيرهم منه حتى ولو نقيرا منه
54-او ان ذلك حسدا ان يؤتى الناس من فضل الله وان كان الامر كذلك فليعلموا اننا اتينا العرب من اتباع ونسل ابراهيم كل ما يحذرون الكتاب والحكمة والنبوة وملكا عظيما فمن امن منهم نكافئه ومن كفر وصد عنه فله فى حهنم السعير
55- ثم علل جزاء كل طائفة منهم فالذين كفروا لهم العقاب المذكور ليذوقوا العذاب بكفرهم
56-والذين امنوا وعملوا الصالحات لهم جنات خالدين فيها ولهم الظل الظليل
——————————————————-
الآية 60: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ﴾ أولئك المنافقين ﴿ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ ومع ذلك فهُم ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا ﴾ في فَصْل الخصومات بينهم ﴿ إِلَى الطَّاغُوتِ ﴾: أي إلى غير ما شَرَعَ اللهُ من الباطل، ﴿ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ﴾: أي بهذا الباطل؟، ﴿ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ ﴾ بذلك ﴿ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ عن طريق الحق، وفي هذه الآية دليل على أن الإيمان الصادق يَقتضي الانقياد لشرع الله تعالى، والحُكم به في كل أمر من الأمور.
الآية 61: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى ﴾ الحُكم بـ ﴿ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى ﴾ تحكيم ﴿ الرَّسُولِ ﴾ ﴿ رَأَيْتَ ﴾ هؤلاء ﴿ الْمُنَافِقِينَ ﴾ الذين يُظهرون الإيمان ويُبطِنون الكفر ﴿ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾: يعني يُعرضون عنك، وكذلك يَصُدّون الناس عن اتِّباع دينك.
الآية 62: ﴿ فَكَيْفَ ﴾ يكون حال أولئك المناففين ﴿ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ من المعاصي (ومنها تحكيم الطاغوت)؟، ﴿ ثُمَّ جَاءُوكَ ﴾ أيها الرسول معتذرين لِما صَدَرَ منهم و ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ﴾ لك ﴿ إِنْ أَرَدْنَا ﴾: يعني ما قصَدْنا بتحاكُمِنا إلى غيرك ﴿ إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ﴾: أي ما قصَدْنا بذلك إلاَّ الإحسان إلى المتخاصمين والتوفيق بينهم، وهم كَذَبة في ذلك، فإنَّ الإحسان كله في تحكيم الله ورسوله، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾.
الآية 63: ﴿ أُولَئِكَ ﴾ هم ﴿ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ﴾ حقيقة ﴿ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ من النفاق ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ ﴿ وَعِظْهُمْ ﴾: يعني وحَذِّرْهُم مِن سوء ما هم عليه، ﴿ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾: يعني قولا يؤثر فيهم، ويُخوفهم تخويفاً شديداً.
الآية 64: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ ﴾: يعني إلا لِيُستجابَ له، وفي هذا دليل على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به وينهى عنه، وفي هذا أيضاً إثبات عِصمة الرُسُل – من الخطأ – فيما يبلغونه عن الله، وفيما يأمرون به وينهون عنه؛ لأن الله أمر بطاعتهم طاعة مطلقا، فلولا أنهم معصومون، ولولا أنهم لا يَشرعون ما هو خطأ: لَمَا أمر بذلك مطلقا.
- وأما قوله: ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ أي إن الطاعة من المطيع صادرة بقضاء الله وقدره وتوفيقه، ففيه إثبات القضاء والقدر، والحث على الاستعانة بالله، وبيان أنه لا يُمكِن للإنسان – إن لم يُعِنْهُ الله – أن يطيع الرسول، ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ ﴾: يعني ولو أن هؤلاء المنافقين ﴿ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ بفعل السيئات (ومنها التحاكم إلى الطاغوت، وترْكِهِم لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم): ﴿ جَاءُوكَ ﴾ أيها الرسول – في حياتك – تائبين معترفين بخطيئتهم ﴿ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾.
- واعلم أن هذا المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مُختَصّ بحياته فقط؛ لأن السِيَاق يدل على ذلك (لِكَوْن الاستغفار من الرسول لا يكون إلا في حياته)، وإلاَّ، فلو أنَّ كل مذنب لا يُغفَرُ له إلا إذا أتى الرسول صلى الله عليه وسلم واستغفر له لما تاب أحد، ولَلَزِمَ أن يَبقى الرسولُ حياً لِيستغفر للمذنبين، وأما بعد موته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يُطلَبُ منه شيءٌ، لأن ذلك يكون شِركاً.
الآية 65: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ ﴾: يعني فوَرَبِّكَ، وهذا مِثل قول القائل مُهدداً: (أنا لن أقسم، ولكنْ لو لم تفعل كذا: سوف يحدث كذا)، وهذا تأكيدٌ للقسم، فأقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلاء ﴿ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ حق الإيمان ﴿ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾: يعني حتى يجعلوك حَكَمًا فيما وقع بينهم من اختلاف (وذلك في حياتك)، ويتحاكموا إلى كتاب الله وسُنِّتِك (بعد مماتك)، ﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا ﴾: يعني ضِيقًاً ﴿ مِمَّا قَضَيْتَ ﴾ لهم ﴿ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾: يعني وينقادوا مع ذلك انقيادًا تاماً لهذا الحُكم.
- وفي هذا دليل على أنه مِن صَميم الإيمان: تحكيم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم (من الكتاب والسنة) في كل شأن من شؤون الحياة (مع الرضا والتسليم للحُكم الإلهي) حتى ولو لم يوافق هَوَى العبد.
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) الآية [ 60 ] .
[ ص: 84 ] 328 – أخبرنا سعيد بن محمد العدل قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال : أخبرنا الحسن بن سفيان قال : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريقال : حدثنا أبو اليمان قال : حدثنا صفوان بن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان أبو بردة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه ، فتنافر إليه أناس من أسلم ، فأنزل الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون )إلى قوله : ) وتوفيقا ( .
– أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال : حدثنا أبو صالح شعيب بن محمدقال : حدثنا أبو حاتم التميمي قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا رويم قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الأنصاريقال له : قيس ، وفي رجل من اليهود – في مدارأة كانت بينهما في حق تدارآ فيه ، فتنافرا إلى كاهن بالمدينة ليحكم بينهما ، وتركا نبي الله – صلى الله عليه وسلم – فعاب الله تعالى ذلك عليهما ، وكان اليهودي يدعوه إلى نبي الله ، وقد علم أنه لن يجور عليه ، وجعل الأنصاري يأبى عليه ، وهو يزعم أنه مسلم ، ويدعوه إلى الكاهن . فأنزل الله تعالى ما تسمعون ، وعاب على الذي يزعم أنه مسلم ، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب – فقال : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ) إلى قوله : ( يصدون عنك صدودا ) .
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) . الآية [ 65 ] .
نزلت في الزبير بن العوام وخصمه حاطب بن أبي بلتعة ، وقيل : هو ثعلبة بن حاطب .
333 – أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبو اليمان قال : حدثنا شعيب عن الزهري قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن أبيه : أنه كان يحدث : أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا ، إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – في شراج الحرة كانا يسقيان بها كلاهما ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – للزبير : اسق ثم أرسل إلى جارك ، فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله أن كان ابن عمتك ! فتلون وجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم قال للزبير : ” اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ” فاستوفى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للزبير حقه . وكان قبل ذلك أشار علىالزبير برأي أراد فيه سعة للأنصاري وله ، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله استوفى للزبير حقه في صريح الحكم . قال عروة : قال الزبير : والله ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) [ ص: 86 ]رواه البخاري عن علي بن عبد الله عن محمد بن جعفر عن معمر ، ورواه مسلم ، عن قتيبة ، عن الليث ، كلاهما عن الزهري .
لمسات بيانيه
*(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ (60) النساء) لو رجعت إلى سبب نزول هذه الآية لعلمت أنها نزلت بمنافق فلِمَ صيغت بأسلوب الجمع ولم تكن مفردة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
ورد في الآية قوله تعالى (يزعمون) بصيغة الجمع مع أن المراد بها واحد لأن المقام مقام توبيخ ليشمل المنافق المقصود ومن كان على شاكلته وفعلته.
*(وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) النساء) وصف الله تعالى الضلال بالبعيد والبعد مسافة فلِمَ لم يصفه بالضلال الكبير مثلاً؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن الشيطان يسعى ليُغرق الإنسان في الضلال وليوغل في مسار الفسق حتى يصعب عليه الرجوع عنه أما الضلال الكبير فيمكن أن يتخلى الإنسان عنه ولذلك خصّ الله تعالى الضلال من الشيطان بالبعيد لتعرف بأن الشيطان لن يهدأ حتى يبلغ الواحد منا أقصى غاية في الضلال.
لمسات بيانيه
اية (61):
*(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ (61) النساء) لِمَ خصّ الله تعالى نداء المنافقين بـ (تعالوا) ولم يقل لهم احضروا أو إيتوا؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
إن غايته في الآية رفع المنافقين وإخراجهم من سفاسف الأمور ودنو التفكير ولذلك استعمل فعلاً مأخوذاً من العلو ليحضّهم على الارتفاع عن معتقدهم إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة وهو تحكيم كتاب الله تعالى ورسوله r.
لمسات بيانيه
آية (63):
* (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63) النساء) كيف يعرض عنهم وكيف يقول لهم قولاً بليغاً؟(د.فاضل السامرائى)
هذه الآية في المنافقين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63)) معناه جاءوا يعتذرون، إذن فأعرض عنهم (أعرض إعراض ليّن). (وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا) أي عظهم، تلك المسألة لا تعاتبهم عليها طالما جاؤوا واعتذروا الآن يجب أن تعظهم وتعلمهم. فعلوا شيئاً اعتذروا عليه أعرض عنهم واترك المسألة وافعل ما هو أهم وهو أن تعظهم وتعلمهم الطريق الصحيح وتمنعهم من النفاق. إذن يعرض عنهم أي أعرض عن المسألة التي جاؤوا يعتذرون عنها وليس بمعنى الإعراض عنهم هم، ويعظهم.حتى يعلمهم ويرشدهم. (وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا) أي بينك وبينهم ليس أمام أحد، خالياً معهم ليس على الملأ لأنه أدعى إلى قبول النصيحة.
لمسات بيانيه
آية (65):
* د.فاضل السامرائى:(فيما يتعلق بالقسم)
(قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) يوسف) محذوف حرف النفي (لا) (تالله لا تفتأ). القاعدة أنه إذا كان فعل مضارع مثبت لا بد من حرف اللام فإن لم تذكر اللام فهو منفي مثال: والله أفعل (معناها لا أفعل) و والله لأفعل (معناها أثبّت الفعل) فلماذا حذف إذن؟ هذا هو الموطن الوحيد في القرآن الذي حُذف فيه حرف النفي جواباً للقسم. وقد جاء في القرآن قوله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) النساء)(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) النحل). إنما آية سورة يوسف هي الوحيدة التي تفيد النفي ولم يذكر فيها حرف النفي لماذا؟ الذين أقسموا هم إخوة يوسف ومن المقرر في النحو أن الذكر يفيد التوكيد والحذف أقل توكيداً. فعلى ماذا أقسموا؟ أقسموا أن أباهم لا يزال يذكر يوسف حتى يهلك فهل هم كتأكدون من ذلك؟ أي هل هم متأكدون أن أباهم سيفعل ذلك حتى يهلك وهل حصل ذلك؟ كلا لم يحصل.
تدبر في السوره
طاعة الله والرسول أساس العدل
وهذا المعنى واضح في الآية (59) التالية: ]يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ
أَطِيعُواْ ٱلله وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلاْمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱلله وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱلله وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً[.
فالاحتكام إلى شرع الله وردّ كل خلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله هما صمّام العدل والرحمة في المجتمع وإن بدا فيهما غير ذلك، كما هو واضح في الآية (64)، فإذا عصى المؤمن أوامر الله ورسوله فيكون قد ظلم نفسه ]وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاءوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱلله وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱلله تَوَّاباً رَّحِيماً[. فكيف نحقق تمام العدل؟ تجيب الآية (65) بوضوح شديد ]فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً[ يا مسلمون، اعرضوا أنفسكم على كتاب الله وعلى سنة النبي وسلّموا بحكم النبي، وإياكم أن تترددوا أو تتحرجوا من أوامر النبي لكي يشهد النبي على عدلكم في الآخرة.
—————————————————-
تفسير مبسط للوجه 13 من النساء ص 89
الآية 66، والآية 67، والآية 68: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ ﴾: يعني ولو أوجَبنا على هؤلاء المنافقين المتحاكمين إلى الطاغوت ﴿ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾: يعني أن يَقتل بعضكم بعضًا (كما حصل ذلك لبني إسرائيل عندما أرادوا التوبة من عبادة العجل)، (﴿ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ ﴾) مهاجرين في سبيلنا ﴿ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ﴾: يعني ما استجاب لذلك إلا عددٌ قليلٌ منهم، (﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ ﴾): يعني ولو أنهم استجابوا لما يُنصحون به من أوامر الله ونواهيه ﴿ لَكَانَ ﴾ذلك ﴿ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ للإيمان في قلوبهم، وللطاعة على جوارحهم، ﴿ وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا ﴾: يعني وحينئذٍ سنعطيهم من عندنا ﴿ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ في الدنيا والآخرة، ﴿ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾: يعني ولأرشدناهم ووفقناهم إلى طريق الله القويم وهو الإسلام، وثبتناهم عليه، ولذلك ينبغي للعبد عندما يقرأ في الصلاة قول الله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾، أن يرجو من الله أن يثبته على الإسلام حتى يلقاه، وألاَّ يُضِلَّهُ بذنوبه.
الآية 69، والآية 70: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾: يعني فَأُولَئِكَ سيكونون في صُحبة مَن أنعم الله عليهم بالجنة ﴿ مِنَ النَّبِيِّينَ ﴾ ﴿ وَالصِّدِّيقِينَ ﴾ الذين كَمُلَ تصديقهم بما جاءت به الرُسُل (اعتقادًا وقولا وعملاً)، وكذلك مَن غلب عليه الصدق في أقواله وأعماله، لكثرة ما يَصدُق ويتحرى الصدق، ﴿ وَالشُّهَدَاءِ ﴾ في سبيل الله ﴿ وَالصَّالِحِينَ ﴾، ﴿ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ في الجنة، ﴿ ذَلِكَ الْفَضْلُ ﴾: يعني ذلك العطاء الجَزيل إنما هو ﴿ مِنَ اللَّهِ ﴾ وحده،﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾، فهو سبحانه يعلم أحوال عباده، ويعلم مَن يَستحقُّ منهم ذلك الثواب الجزيل (بسبب ما قام به من الأعمال الصالحة)، ومَن لا يستحق ذلك.
- ولذلك ينبغي للعبد عندما يقرأ في الصلاة قول الله تعالى: (﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ )، أن يستشعر الرجاء والتذلل لله تعالى في أن يجعله في الجنة مع الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وأن يستشعر كذلك في قوله: ﴿ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ أن الله هو الذي أنعم الله عليهم بالهداية والتوفيق والإعانة، والنجاة من الفتن والذنوب، وليس ذلك مَهارةً منهم أو ذكاء، كما قال أحد أهل الجنة: ﴿ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ (أي لكنتُ من المُحضَرين في العذاب)، فبذلك يرجو من ربه هذه النعمة التي ينجو بها من العذاب، ويتنعم بها في الجنة.
الآية 71: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ بالاستعداد لعدوكم ﴿ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ ﴾: يعني فاخرجوا لملاقاته جماعة بعد جماعة ﴿ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾: يعني أو اخرجوا لملاقاته مجتمعين.
الآية 72، والآية 73: ﴿ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ ﴾: يعني وإنَّ منكم لَنَفَرًا يتأخر عن الخروج (لِمُلاقاة الأعداء) مُتثاقلاً وَيُثَبِّطُ غيره (يعني يُلقي في نفوسهم الرغبة في التخلف، ويُحَبِّبه إليهم حتى يَتكاسلوا عن الخروج)، ﴿ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ ﴾: يعني فإن قُدِّر عليكم أن تُصابوا بقتلٍ أو هزيمة (قَالَ) – مستبشرًا -: ﴿ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا ﴾: يعني قد حفظني اللهُ حين لم أكن حاضرًا مع أولئك الذين وقع لهم ما تكرهه نفسي، وَسَرَّه تخَلُّفه عنهم، ﴿ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ ﴾ بنصرٍ وغنيمة ﴿ لَيَقُولَنَّ ﴾ – حاسدًا متحسِّرًا – ﴿ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ ﴾ في الظاهر: ﴿ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمً ﴾.
الآية 74: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ ﴾: يعني يبيعون ﴿ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ ليستبدلونها ﴿ بِالْآَخِرَةِ ﴾ ونعيمها الأبدي الذي لا تنغيص فيه، ولا تعب (وهذا بعد أن يُطلَبُ منهم الجهاد من وَلِيّ الأمر – وهو حاكم البلد – دفاعاً عن دينهم، ودفاعاً عن وطنهم المسلم)، ﴿ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ مخلصًا له، مقبلاً على عَدُوِّه ﴿ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( ومن يطع الله والرسول ) الآية [ 69 ] .
334 م – قال الكلبي : نزلت في ثوبان مولى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكان شديد الحب له ، قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه ، يعرف في وجهه الحزن ، فقال له [ رسول الله ] : يا ثوبان ما غير لونك ؟ فقال : يا رسول الله ما بي من ضر ولا وجع ، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك ، واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك ، لأني أعرف أنك ترفع مع النبيين ، وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة فذاك أحرى أن لا أرك أبدا .فأنزل الله تعالى هذه الآية .
335 – أخبرنا إسماعيل بن أبي نصر ، أخبرنا إبراهيم النصراباذي قال : أخبرناعبد الله بن عمر بن علي الجوهري قال : حدثنا عبد الله بن محمود السعدي قال : حدثنا موسى بن يحيى قال : حدثنا عبيدة ، عن منصور عن مسلم بن صبيح عنمسروق قال : قال أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا ، فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا . فأنزل الله تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين )
لمسات بيانيه
عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتُغيَ به وجه الله) عن عبادة بن الصامت قال (يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال ميزوا ما كان منها لله عز وجل فيماز ويرمى سائره في النار). عن ابن عباس (من أخلص لله أربعين يوماً ظهرت ينابيع الحكمة) ولذلك لصعوبة الإخلاص صعوبة هائلة يعني ثقوا يمكن نحن أعمارنا تصل إلى مائة سنة يمكن فيها 1% إخلاص وقد لا يكون هذا الواحد بالمائة فماذا تقول الآية؟ (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) طيب أنت لماذا أمرت بذلك؟ هذا تفسير الرازي والرازي تعرفون فيلسوف الأمة، فهذا كلام الرازي أنت لماذا أمرت بذلك؟ قال (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) الإسلام النهائي هو هذا الإخلاص الاستسلام (لو قطعتني إرباً إرباً ما شكوت منك) كلما زاد الله ببلائك ازددت قرباً منه وازددت رضىً عليه والنبي قال (إن كذا سووا بي كذا عملوا بي كذا) وفي الأخير قال (إن لم يكن بك علي غضباً فلا أبالي) حب، عشق. هذا العشق هو الإسلام النهائي الذي إذا وصلته فأنت مع (النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴿69﴾ النساء) ولكن هذا ليس بالكلام، هذا بتربية دقيقة ومجاهدة النفس على عدم حب الشهرة وعدم حب المال وهيهات هيهات هذا كلام لكن الله لله من هؤلاء في كل قطر واحد اثنين بهؤلاء ينصر الناس وبهؤلاء يدفع الله البلاء عن الناس وبهؤلاء تتم النعم وبهؤلاء يتم العدل في الأرض لكنهم قلة حينئذٍ كلمة أسلم في البداية مجرد أن تقول لا إله إلا الله في النهاية استسلام وتسليم كامل واقرأ سيرة الصالحين من الأنبياء، يعني أنت عندما تقرأ قصة سيدنا أيوب هذا كم سنة والعذاب يجري عليه بشكل خيالي وهو سعيد بهذا والناس نبذوه في الصحراء ولا أحد يتقرب منه وزوجته رحمة رضي الله تعالى عنها تخدمه ليس معه أحد غيرها ومرة من المرات قالت له: يا أيوب أما آن ربك أن يشفيك؟ قال: أتعرضين على حبيبي والله لأن شفاني الله لأضربنك مائة سوط وفعلاً شفاه الله وقال له (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴿44﴾ ص) كم واحد الله يقول له نعم العبد؟ والله هذا الذي يقول الله له نعم العبد أنت هذا كيف يتحملها الإنسان هذا؟.
لمسات بيانيه
آية (71):
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ (71) النساء) الأخذ هو أن تتناول شيئاً في يدك فكيف يأخذ الإنسان حذره؟ ولِمَ عدل عن أصل الفعل “يا أيها الذين آمنوا إحذروا”؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
في استعمال العقل خذوا حذركم استعارة لتوضيح شدة الحذر وملازمته لأن حقيقة الأخذ تناول الشيء الذي كان بعيداً عنك وكما كانت الغفلة والنسيان يشبهان البعد والإلقاء كان التذكّر والتيقّظ يشبهان أخذ الشيء بعد إلقائه.
*(ورتل القرآن ترتيلاً):
(وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ (72) النساء) انظر إلى هذا اللفظ الذي اختاره ربنا سبحانه وتعالى ليعبّر عن المتقاعسين عن الجهاد والمثبّطين للهِمم أي لفظ(ليبطّئن) هذا اللفظ رسم بمفرده صورة تناسق فيها المضمون مع التعبير والمعنى من خلال إيقاعه وجرسه الذي يلقيه في الأذن حيث رسم جرس(ليبطئن) صورة واضحة للتبطئة فهذه اللفظة مختارة لما فيها من ثقل يتعثّر اللسان في حروفها وجرسها حتى تأتي على آخرها وهو يشدّها شداً وهذا يصور الحركة النفسية لأولئك المتقاعسين وما يعتريهم من تعثّر وتثاقل عن المضي قُدُماً في المعركة.
————————————————————-
ربط ايات الر بع الخامس من سورة النساء
58-هذا الظل الظليل الذى يظل الله به السبعة المذكورين فى الحديث المشهور من هؤلاء السبعة امام عادل لذا ناسب جدا ان يأمر باداء الامانة والعدل
59-ولما امر بالحكم بالعدل بين الناس هذا للحاكم امر المحكوم بالطاعة لاولى الامر وعند النزاع يحتكم الى الشرع
60- ثم شنع على الذين يزعمون الايمان ومع ذلك يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان بهذا ان يضلهم ضلالا بعيدا
61-وهذا فى الوقت الذى اذا دعوا فيه الى ما انزل الله والى الرسول رأيت هؤلاء المنافقين يصدون عنك صدودا
62- فكيف ان اصابتهم نتيجة لاعراضهم وصدهم هذا مصيبةثم ياتون اليك حالفين انهم ما ارادوا الا احسانا وتوفيقا
63-اولئك الذين يعلم الله ما فى قلوبهم من البغض للاسلام فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم فى انفسهم قولا بليغا
64-ولما امر الرسول بذلك عقب انه ما ارسل الله من رسول الا ليطيعه قومه ويكون هو رفيقا بهم ولو ادركوا ذلك لجاءوك عندما يظلمون انفسهم فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ولوجدوا الله توابا حيما
65-لكن ما الذى يمنعم من طاعة الرسول والاحتكام اليه والى سنته انهم لا يؤمنون ولذا أكد الله بالحلف انهم لا يومنون حتى يفعلوا ذلك اى الاذعان والاستسلام له ولحكمه وسنته ثم لا يجدوا فى انسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
66-وهذا امر سهل اذ كيف حالهم لو كنا كتبنا عليهم امرا اشد ان اقتلوا انفسكم اواخرجوا من دياركم لما فعلوا ذلك الا قليلا
مع انهم لو فعلواما يعظون به مماهو فى الحنفية السمحة لكان خيرا لهم واشد تثبيتا
67- ولاتيناهم من لدنا اجرا عظيما
68-ولهديناهم صراطا مستقيما
69- 70- من يطيع الله ورسوله سوف يجعله مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اؤلئك رفيقا–ذلك الفضل من الله وكفى انه بكل شيء عليم فيجازى على العمل الصالح
71 ولما ذكر الله الشهادة التفت الى المؤمنين ورغبهم فى الجهاد للحصول عليها منبها لهم ان ياخذوا حذرهم وان ينفروا جميعا او ثبات
72-73 ثن ذكر ان هناك طائفة منكم ن تبطئ وتتثاقل فى الخروج لضعف الايمان أولنفاقهم فان اصابتكم قال قد انعم الله على اذ لم اكن معهم شهيدا اما اذا اصبتكم منه فضل ليقولن يا ليتنى كنت معهم فأفوز فوزا عظيما .
————————————————–
تفسير مبسط للوجه 14 من النساء ص 90
الآية 77: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ ﴾ قبل الإذن بالجهاد: ﴿ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ﴾ عن قتال أعدائكم من المشركين، ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾: يعني وعليكم فقط أداء ما فرضه الله عليكم من الصلاة، والزكاة، ﴿ فَلَمَّا كُتِبَ ﴾: يعني فلما فُرِضَ ﴿ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ ﴾: يعني إذا جماعةٌ منهم قد تغير حالهم، فأصبحوا ﴿ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ﴾ ﴿ وَقَالُوا ﴾: يعني وأعلنوا عما اعتراهم من شدة الخوف، فقالوا: ﴿ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ ﴾؟ ﴿ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾: يعني هَلاَّ أمهلتنا إلى وقتٍ قريب (وذلك رغبةً منهم في متاع الحياة الدنيا)، ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾، وسوف يتركه الإنسان في لحظةٍ خاطفةٍ مِن ليلٍ أو نهار، ثم يُقسَّمُ مالُهُ على ورثته، ويَتوارى هو في التراب، ولن ينفعه إلا عمله الصالح، ﴿ وَالْآَخِرَةُ ﴾ وما فيها مِن نعيمٍ ﴿ خَيْرٌ ﴾ وأبقى ﴿ لِمَنِ اتَّقَى ﴾ ربه، فعمل ما أُمره به، وانتهى عمَّا نُهاه عنه، ﴿ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾: يعني ولا يَظلِمُ ربك أحدًا شيئًا، ولو كان مقدار الخيط الذي يكون في شق نَواة التمرة.
الآية 78، والآية 79: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ ﴾ عند حلول آجالكم، ﴿ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾: يعني ولو كنتم في حصون مَنيعة، بعيدة عن ساحة المعارك والقتال، ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ ﴾: يعني وإن يَحصل لهم ما يَسُرُّهم من متاع هذه الحياة: يَنسبوا حُصوله إلى الله تعالى، فـ ﴿ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾، ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾: يعني وإن وقع لهم ما يكرهونه: ينسبوه إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جهلاً وتشاؤمًا، فـ ﴿ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ﴾ ﴿ قُلْ كُلٌّ ﴾مُقَدَّرٌ ﴿ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ وحده (بخيره وشَرِّهِ وحُلوِهِ ومُرِّه)، فأقدارُهُ تعالى تدورُ بين الفضل والعدل، ﴿ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾؟ ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾: يعني ما أصابك أيها الإنسان مِن خيرٍ ونعمةٍ: فهو من الله تعالى وحده (فضلا وإحسانًا)، ﴿ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾: يعني وما أصابك من شدةٍ وبلاء: فبسبب عملك السيئ، وما اقترفتْه يداك من الخطايا (عدلاً وحِكمة)، ﴿ وَأَرْسَلْنَاكَ ﴾ يا محمد ﴿ لِلنَّاسِ ﴾: يعني لعموم الناس ﴿ رَسُولًا ﴾تُبَلِّغُهم رسالة ربك، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ على صِدق رسالتك.
• واعلم أنَّ قوله تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾: فيه تَسلِيَة وتصبيرٌ من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عمَّا يُلاقيه من أذى الناس وسوء أخلاقهم؛ كالذين يَنسبون إليه السيئة تشاؤمًا به، فيُخبره سبحانه بأنَّ مهمته أداء الرسالة، وقد أدَّاها والله شاهدٌ على ذلك، وسيَجزيه عليه بما هو أهله، وسيَجزي مَن رَدَّ رسالته وخرج عن طاعته.
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ) الآية [ 77 ] .
– قال الكلبي : نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منهم عبد الرحمن بن عوف ، والمقداد بن الأسود ، وقدامة بن مظعون وسعد بن أبي وقاص . كانوا يلقون من المشركين أذى كثيرا ، ويقولون : يا رسول الله ائذن لنا من قتال هؤلاء ، فيقول لهم : كفوا أيديكم عنهم ، فإني لم أومر بقتالهم . فلما هاجر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة ،وأمرهم الله تعالى بقتال المشركين – كرهه بعضهم وشق عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
– أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد العدل قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدانقال : أخبرنا الحسن بن سفيان قال : حدثنا محمد بن علي قال : سمعت أبي يقول : أخبرنا الحسين بن واقد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن عبد الرحمن [ بن عوف ] وأصحابا له أتوا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بمكة ، فقالوا : يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون ، فلما آمنا صرنا أذلة ! فقال : إني أمرت بالعفو ، فلا تقاتلوا القوم . فلما حوله الله إلى المدينةأمره بالقتال فكفوا ، فأنزل الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم) .
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( أينما تكونوا يدرككم الموت ) . الآية [ 78 ] .
– قال ابن عباس في رواية أبي صالح : لما استشهد الله من المسلمين من استشهد يوم أحد قال المنافقون الذين تخلفوا عن الجهاد : لو كان إخواننا الذين قتلوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا . فأنزل الله تعالى هذه الآية .
لمسات بيانيه
*(يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا (75) النساء) أين هذه القرية؟(د.فاضل السامرائى)
القرية هي مكة المكرمة.
*(فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً (77) النساء) إذا علمت أن (إذا) في قوله تعالى (إذا فريق منهم) تسمى الفجائية فما صلتها بالآية؟ ولِمَ عدل عن أصل التركيب وهو: فلما كتب عليهم القتال خشي فريق منهم الناس؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن (إذا) لها دلالة لا يمكن الاستغناء عنها فقد دلّت على أن الفريق لم يكن متوقعاً منه هذا الموقف لأنه كان يظهر حرصاً شديداً على القتال.
لمسات بيانيه
�ِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا (120) آل عمران) و (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ (78) النساء) ما دلالة الاختلاف؟(د.أحمد الكبيسى)
كلمة أصاب قال تعالى (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ (79) النساء) (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) النساء) الإصابة الطعنة القاتلة وفي القرآن تجد أصابتكم حسنة أصابتكم سيئة، تصبهم حسنة – تصبهم سيئة. في آل عمران يقول (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)) لماذا كل مرة تصبكم حسنة تصبكم سيئة وهنا إن تمسسكم حسنة وإن تصبكم سيئة؟. المس هو الالتصاق الخفيف بين شيئين لا تشعر به، هذا العدو لا همّ له إلا أن يبيد المسلمين ولا عدو له إلا المسلمون لا وثنيون ولا قتلة ولا بوذيون ولا ملحدون ولا شيوعيون فقط هذا المسلم الموحد الذي يقدس الأنبياء جميعاً والذي يقدس الشريعة اليهودية والنصرانية والمحمدية على حد سواء هذا عدوهم. وبعض طوائف المسلمين هكذا إذا مست تلك الطائفة شيء من السوء يفرح. معنى ذلك أنت لكي تشفي غيظ عدوك منك لا أن تموت بل قليل من الحمى، صداع، عاصفة صغيرة يفرحون بها. (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) ولو شيء بسيط، السودان بلد فقير عانى من شظف العيش قروناً، طلع عندهم بئر بترول في دارفور قامت حقوق الإنسان والديموقراطية وجاء الغرب وتقاتلوا وألصقوا تهماً، هذا البئر لا يكفي قرية لكن هذا المس القليل من الخير يسوؤهم (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) السيئة الخفيفة لا يفرحون لكن لما يحصل لكم إبادة أو قتل أو طاعون، إبادة يفرحون أما الحسنة ولو شيء بسيط ولو شربة ماء ولو تصبكم سيئة بمقتل يفرحوا بها هذا الفرق بين تمسسكم وتصبكم وجاء تعالى بكلمة تمسسكم ليبين لنا أن من عدونا من يسوءه إذا شربنا شربة ماء أو عثرنا على بئر بترول واحد إذا جاءتنا مطرة خفيفة، إذا صار عندنا ثروة أو علماء أو علمنا وحدة خفيفة كما حصل بين مصر وسوريا قامت الدنيا وقعدت ولم يتوقفوا حتى أفسدوها (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) لكن هؤلاء نسوا أن الله غالب على أمره (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) آل عمران
(وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) والفرق بينها وبين (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) أعتقد والله أعلم أنه في (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ (79) النساء) الإصابة هي التعرض الكامل والإصابة هنا إصابة كاملة بالخير من الله لأن هذا الشيء لا ينقص من ملكه شيء والإصابة بالشر تكون من صنع الإنسان نفسه فلما تكلم عن المعبود والعبد التعامل بينهم أن الله تعالى يصيبكم بالخير ولا يبالي ولما كان العلاقة بين العبد والعبد فالمس مجرد المس بالخير يثير الغيظ والكراهية.
لمسات بيانيه
آية (79):
* ما أصل المصيبة؟ وكيف تكون المصيبة خيراً (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِشَهِيدًا (79) النساء)؟(د.حسام النعيمى)
المصيبة مشتقة من جذر (ص و ب) ومنه صارت أصاب (أفعل) يصيب وهذه النازلة مصيبة. صوب لما نردع إلى المعجم نجد لها معاني متعددة كلها تدور حول معنى الإنزال ومنه الصيّب الذي هو المطر وفيه معنى النزول. الشيء الذي ينزل على الإنسان قد يكون خيراً وقد يكون شراً، ينزل عليه الخير أو ينزل عليه الشرّ مثل المطر قد يكون نافعاً وقد يكون ضاراً المطر إذا نزل في غير موسمه يكون ضاراً يحرق الزرع وفي موسمه يكون غيثاً. العربية أحياناً تعطي دلالة خاصة للفظ تصير له خصوصية يختلف عن أصل معناه. معنى أصابه يعني أصابه بخير أو أصابه بشر من حيث اللغة جائز ولذلك استعمل (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ) أي ما نزل بك من خير فمن الله وما نزل بك من شر فمن نفسك (هذه لنا وقفة فيها). لكن كلمة مصيبة صار لها خصوصية والعربي صار لا يستعملها إلا في السوء. مصيبة (مُفعِلة) من أصاب مثل كلمة نازلة يعني القضية التي نزلت عليها والعرب استعملوها في الشرّ فقط ولم يقولوا نازلة خير فصار لها استعمالاً خاصاً. وذكرنا سابقاً كلمة (لغو) كلمة لغو هذا الجذر يستعمل لتحريك اللسان في الأصل لذلك منه قيل: ولِغ الكلب في الإناء، والكلب لما يشرب يحرّك لسانه بالماء وكلمة لغو تعني حرّك لسانه بالأصوات المصطلح على معانيها. لكن هل نقول أن الأصوات المصطلح على معانيها نستطيع أن نقول كلها خير؟ كلها شر؟ هي من هذه وهذه. لكن العربي خصص كلمة لغو، لغا يلغو لغواً جعله خاصاً بالكلام الذي لا فائدة فيه وبهذا المعنى استعمله القرآن (وإذا مروا باللغو مروا كراما). واللغة (فُعلة) من لغا يلغو مثل فُرصة فهي (فُعلة) في اللغة. اللغة الآن لا نستعملها في السوء وإنما نستعملها في الأصوات المصطلح على معانيها فتكون خصوصية، فصار اللغو له خصوصية وإلى يومنا هذا لا نستعمله في الكلام الإعتيادي وكذلك المصيبة صارت مخصصة لما يسيء الإنسان. ما يصيبه من مصيبة في ظاهر الأمر يراه سوءاً له ما تراه شراً فيما أصابك قد لا يكون شراً وفي الغالب الأصل أن ما يصيب المؤمن ليس شراً وإن رآه شراً وفي الحديث ” عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير” وفي حديث البخاري “من يُرد الله به خيراً يُصِب منه” أي يمتحنه فيصبّره فيصبر فترتفع درجته. ففي كل الأحوال له خيراً فإذا أصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. نحن لله سبحانه وتعالى. المصيبة هنا بمعنى ما تراه ضرراً. عندما يصيبك ضرر ستقول إنا لله وإنا إليه راجعون نحن جزء من مُلك الله سبحانه وتعالى هو مالك الملك ونحن جزء منه وهذا الملِك يتصرف بنا كيف يشاء. القرآن الكريم جاء على أساليب العرب أو إذا عكسنا الأمر إن أساليب العرب إرتقت شيئاً فشيئاً إلى أن جاءت إلى لغة القرآن الكريم. لا نفهم أن المصيبة هنا بمعنى الخير، إنسان يمضي ويعثر بشيء في رجله فتنكسر هذا ظاهره ليس خيراً لكن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله يحمد الله عز وجل لأنه مستقر في قلبه أن هذا له خير قد لا يرى وجه الخير. ومن خلال تجارب حياتي أحياناً يداخلني شيء لعله من الشيطان، يصيبني أمر أقول الحمد لله ولكن في الداخل أقول لا أرى فيه ذرة خير لكن أغالب نفسي وأقول أنا إنسان مؤمن ما دام الرسول R يقول أمره كله خير فإذن هو خير وتمضي الأيام وأكتشف ولو بعد سنوات أن ما قد كان أصابني وظننته شراً كان فعلاً فيه كل الخير. وكل إنسان له مثل هذه التجارب والإنسان المسلم يثق بالله سبحانه وتعالى ويتيقّن وعندنا دروس حتى أبوا الغلام الذي قتله العبد الصالح في قصة موسى U في سورة الكهف ظاهره شر إنسان يُقتَل ولده ولكن الله تعالى يخبرنا أنه أراد خيراً بالأبوين (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) فقد يكون هذا الغلام محارباً للإسلام. وقد يسعى الإنسان لكي يكون له ولد ثم يندم على أنه خلّفه والله تعالى يجعل من يشاء عقيماً قد يقتل نفسه أن يزق بذرية ولا تدري لماذا فقد يأتيك ولد يحارب الدين. الذين يحاربون الدين من داخلنا كما يقول محمد محمد حسين في كتابه “حصوننا مهددة من داخلها” وهو كتاب قيّم.
————————————————————————————–
تفسير مبسط للوجه 15 من النساء ص 91
الآية 80: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ ﴾ ويتبع سُنَّتَه ﴿ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾، ﴿ وَمَنْ تَوَلَّى ﴾: يعني ومَن أعرض عن طاعة الله ورسوله: ﴿ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾: يعني فما بعثناك رقيبًا على هؤلاء المعترضين لتحفظ أعمالهم وتحاسبهم عليها، وإنما إلينا مَرجعهم، ثم علينا حسابهم.
الآية 81: ﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ ﴾: يعني ويُظْهر هؤلاء المُعرضون طاعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وهم في مجلسه، (﴿ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ ﴾): يعني فإذا ابتعدوا عن الرسول وانصرفوا عن مجلسه: ﴿ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ﴾: يعني بَدَّلَ جماعةٌ منهم ليلاً غيرَ ما أعلنتْه من الطاعة، (والتبييت: هو تدبير الأمر بالليل، حيث اتساع الوقت، والفراغ من العمل، وقلة العيون)، ﴿ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ﴾: يعني واللهُ يكتب ما يُبَيتونه من الشر والباطل (بواسطة ملائكته الكِرام الكاتبين)، وسيُجازيهم عليه أتمّ الجزاء، ﴿ (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾، ولا تُبالِ بهم، فإنهم لن يَضروك، ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ وحده، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾: يعني وكفى به وليّاً يتولى أحوال عباده ويَلطف بهم في جميع أمورهم، ويُيسر لهم ما به سعادتهم وفلاحهم، وَكَفَى بِهِ نَصِيرًا ينصرهم على أعدائهم ويُبين لهم ما يَحذرونه منهم، ويَكفيهم ما يدبرونه لهم من الشر، (فوِلايته تعالى فيها حصول الخير، ونُصرته فيها زوال الشر).
الآية 83: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ ﴾: يعني وإذا جاء هؤلاء الذين لم يَستقر الإيمان في قلوبهم ﴿ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ ﴾: يعني أمْرٌ يجب كتمانه متعلقًا بالأمن الذي يعود بالخير على الإسلام والمسلمين، أو بالخوف الذي يلقي في قلوبهم عدم الاطمئنان: ﴿ أَذَاعُوا بِهِ ﴾: يعني أفشَوه وأذاعوا به في الناس دونَ التثبُّت من صحته، ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ﴾: يعني ولو ردَّ هؤلاء ذلك الخبر الذي جاءهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أهل العلم والفقُه والخبرة: ﴿ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾: يعني لَعَلِمَ حقيقة معناه أهل الاستنباط منهم (وهم الذين يستخرجون معناه الصحيح) ويعرفون ما يترتب عليه، فإن كان نافعاً أذاعوه، وإن كان ضاراً كتموه)، ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾: يعني ولولا أنْ تَفَضَّلَ الله عليكم ورَحِمكم ﴿ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ ﴾ ووساوسه في قبول تلك الشائعات الضارة ﴿ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ منكم من ذوي الآراء الصائبة والعقول السليمة، إذ مِثلُهُم لا تُثيرهم تلك الشائعات، كَكِبار الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين، (وفي الآية دليل على حُرمة الشائعات، ونَشْرها بين الناس قبلَ التثبُّت من صحتها والرجوع إلى أهل العلم والخبرة).
الآية 85: ﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ﴾: يعني من يَسْعَ – شافعاً – لإيصال الخير إلى غيره: يكن له بشفاعته نصيبٌ من الثواب، ﴿ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾: يعني ومن يَسْعَ لإيصال الشر إلى غيره: يكن له نصيب من الإثم، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴾: يعني شاهدًا وحفيظًا.
الآية 86: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ﴾: يعني فرُدُّوا على قائلها بأفضل مما سَلَّمَ لفظًاً وبَشاشةً، ﴿ أَوْ رُدُّوهَا ﴾: يعني أو رُدُّوا عليه بمثل ما سَلَّم، ولكلٍ ثوابه وجزاؤه ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾: يعني يَحسب أعمال عباده ويُجازيهم عليها، ولو كانَ مثقال ذرةٍ، فاحرص على فِعل الخير دائماً فأنت لا تدري أيَّ عملٍ سيكونُ سبب دخولك الجنة.
لمسات بيانيه
آية (82):
* في سورة النساء قال تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)) فهل هناك إختلاف قليل؟(د.حسام النعيمى)
(أفلا يتدبرون القرآن) هذا نوع من التحضيض والحثّ والسؤال الإستنكاري كيف هؤلاء يقولون أن هذا من عند غير الله؟ ألا ينظرون في آياته؟ (أفلا يتدبرون القرآن) لما يدعوهم إلى تدبره معناه أنه ليس فيه إختلاف ولا ريب وليس فيه مشكل ثم يقول لهم (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافاً كثيرا) هم كأنهم يلقون هذا الشيء كأنهم يرونه ويلمسونه (لوجدوا فيه إختلافاً كثيرا)السؤال يقول: كأنه لما قال كثيراً مفهوم المخالفة كأن فيه إختلاف قليل، هو ليس هكذا. (لو) حرف إمتناع لامتناع تقول: لو زارنا زيد لوهبناه مالاً كثيراً. قلت كثيراً لنوع من المبالغة أي الإكثار من الشيء وليس المبالغة كما تفهم الآن بمعنى الكذب، العرب تستعمل المبالغة للإكثار مثل غفر غافر والمبالغة فيها غفور وغفّار.فالبمالغة ليست بمعنى الكذب وإنما الكثرة فيها. فلما قال : لو زارنا زيد لوهبناه مالاً كثيراً تعني نحن نُكرِم بكثرة. هو ما زارنا إذن ما وُهِب لا قليلاً ولا كثيراً فإمتنعت الهبة لإمتناع الزيارة فما أخذ لا من القليل ولا من الكثير. وهنا أيضاً لو كان من عند غير الله ولكن هذا القرآن من عند الله فلو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافاً كثيراً . إمتنع الإختلاف قليله وكثيره لإمتناع كونه من عند غير الله. يبقى هذا الإختلاف الكثير كما قلنا للمبالغة لو كان من عند غير الله كانوا وجدوا فيه إختلافاً كثيراً لكن أصل الإختلاف إمتنع لإمتناع كونه من عند غير الله فهو من الله إذن ليس فيه خلاف. تماماً كما في المثل الذي ذكرناه وقلناه (لو زارنا زيد لوهبناه مالاً كثيراً) إمتنعت هبة المال بقليله وكثيره لإمتناع الزيارة. وقلنا (لو) حرف إمتناع لإمتناع فلا يقال القرآن فيه إختلاف قليل كلا هو لا فيه إختلاف قليل ولا كثير. الإختلاف كله منفي لأن القرآن هو من عند الله سبحانه وتعالى.
لمسات بيانيه
آية (84):
*ما هو إعراب كلمة نفسك في قوله تعالى (لا تُكلّف إلا نفسك)؟(د.فاضل السامرائى)
كلّف فعل يأخذ مفعولين المفعول الأول هو مستتر نائب فاعب تقديره أنت والمفعول الثاني هو (نفسك).
لمسات بيانيه
آية (85):
*ما الفرق بين النصيب والكفل في سورة النساء من حيث المعنى ودلالة استخدامهما في القرآن؟
*د.فاضل السامرائى:
قال تعالى في سورة النساء (مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً {85})من معاني الكفل في اللغة النصيب المساوي ومنها المِثل. أما النصيب فهو مُُطلق والنصيب عام صغير وكبير وأكبر وليس له شيء محدد. وفي القرآن الكريم استخدمت كلمة كفل عند ذكر السيئة (له كفل منها) لأن السيئات تُجزى بقدرها ولا يزيد عليها بدليل قوله تعالى (ومن عمل سيئة فلا يُجزى إلا مثلها)، أما الحسنة فتضاعف وتتسع وتعظم وقد تكون عشرة أضغاف وقد تكون أكثر ولم يحدد أنها مثلها لذا جاءت كلمة نصيب مع الحسنات لأن الحسنة لها نصيب أكثر من السيئات.
فلما قال الشفاعة الحسنة قال يكن له نصيب منها ليس مثلها وإنما أعلى منها لأن الحسنة بعشر أمثالها (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا (89) النمل) أما السيئة فمثلها (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا (40) غافر) فاستعمل الكفل للشفاعة السيئة واستعمل النصيب مع الشفاعة الحسنة لأنها قد تكون عشر أمثالها أما ما قاله بعض اللغويين أن النصيب في الأمور الحسنة والكفل في الأمور السيئة فهذا غير صحيح لأن الله تعالى قال (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ (28) الحديد) وقال (فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ (47) غافر) لكن الكفل من معانيه المِثل ولذلك استعمله مع السيئة، يقول كفلين أي مثلين والأجر يضاعف.
لمسات بيانيه
ورتل القرآن ترتيلاً:
النصيب هو الحظ من كل شيء خيراً كان أم شراً وبما أنه اقترن بالشفاعة الحسنة فهو جزاء بالخير وقد اختير النصيب دون الجزاء إشارة إلى أنه قد يكون للشافع أجر أكثر من ثواب من شفع عنده أما شافع السوء فقد خص الله جزاءه بالكفل بمعنى المثل إيذاناً بأن مرتكب السيئة لا يجزى إلا مثلها واختيرت كلمة الكفل لشافع السوء دون الجزاء أو النصيب لأنها لا تختص إلا بالشر والشدة.
لمسات بيانيه
آية (86):
* لماذا جاءت كلمة (بأحسنَ) منصوبة في قوله تعالى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)النساء)؟(د.فاضل السامرائى)
بأحسنَ ليست منصوبة ولكنها مجرورة بالفتحة لأنها ممنوعة من الصرف (وجُرّ بالفتحة ما لا ينصرف) وهي صيغة على وزن أفعل. أحسن: إسم تفضيل على وزن الفعل فالقاعدة تقول إن الوصفية إذا كانت على وزن الفعل تمنع من الصرف ما لم تونّث بالتاء.
وكذلك في قوله تعالى (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) الأحزاب) أسفلَ مجرورة بالفتحة لأنها ممنوعة من الصرف ومثلها أصفر وأخضر وأحمر.
لمسات بيانيه
وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (86) النساء) انظر كيف يعلّم الله تعالى الناس التسابق إلى الخيرات ويخلّقهم بأخلاق الإسلام فقال فحيوا بأحسن منها فقدم الرد بالأحسن وعطف عليه ما يماثله ليعلمنا أن رد السلام بالأفضل هو المقدم ألا ترى أنك تقول لمن سلم عليك (وعليكم السلام) فقدمت عليكم على المبتدأ السلام وهذا تقديم يفيد التخصيص للمخاطب فكان أحسن من السلام عليكم.
تدبر في السوره
أثر الإعلام على العدل
وتأتي في هذا الربع أيضاً آية مهمة، تخاطب الإعلاميين في كل زمان ومكان وتشير إلى أثر الإعلام على العدل ]وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ ٱلاْمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلاْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[ فالإعلام قد يكون بيئة مخيفة للقاضي وللرأي العام فتنقلب المفاهيم وتؤثر على حكم العادل، لذلك لا بد من ردّ الإشاعات إلى أولي الأمر وعدم التأويل والاستنباط. إنها رسالة واضحة للمسلمين في زماننا أن يمحّصوا ويتثبتوا مما تبثه وسائل الإعلام.
————————————————————–
تفسير مبسط للوجه 16 من سورة النساء ص 92
الآية 88: ﴿ فَمَا لَكُمْ ﴾ أيها المؤمنون قد اختلفتم ﴿ فِي ﴾ شأن ﴿ الْمُنَافِقِينَ ﴾، فأصبحتم ﴿ فِئَتَيْنِ ﴾، فئةٌ منكم تقولُ بقتالهم وأخرى لا تقول بذلك؟ ﴿ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ﴾: يعني والله قد أوقعهم في الكفر والضلال بسبب سوء أعمالهم، كما قال تعالى: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴾، فلا ينبغي لكم أن تشُكُّوا في أمرهم، بل أمرهم واضح لا إشكال فيه، إنهم منافقون قد تكرر كُفرهم، وَوَالوا الكفار، ﴿ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ﴾: يعني أتوَدُّون هداية مَن صَرف الله قلبه عن دينه؟ ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾: يعني ومَن خَذله الله عن دينه، فلا طريق له إلى الهدى.
الآية 89: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾: يعني: تمنَّى المنافقون لكم أيها المؤمنون لَوْ تَكْفُرُونَ ﴿ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ في الكفر والجحود، ﴿ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾ بالنصرة والمحبة والمَعونة ﴿ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ بُرهانًا منهم على صِدق إيمانهم، لأن الهجرة إلى المدينة تقطع صِلَتُهُم بدار الكفر، فيَفتُر عزْمهم عن النفاق، ويراجعوا الصِدق في إيمانهم فيؤمنوا، ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾ عما دُعُوا إليه ولم يهاجروا: ﴿ فَخُذُوهُمْ ﴾ أينما كانوا، ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ ﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ ﴾ من دون الله ﴿ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾.
الآية 90: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ﴾: يعني إلا المنافقين الذين يلجأون وينضمون إلى قوم بينكم وبينهم عهدٌ وميثاق على عدم القتال فلا تقاتلوهم، لأنه باستجارتهم بهم (طالبين الأمان منهم) سيكون لهم نفس حُكمهم في حقن الدم والمال، وذلك حتى لا تنقضوا عهدكم معهم، ﴿ أَوْ جَاءُوكُمْ ﴾: يعني وكذلك المنافقون الذين أتَوا إليكم وقد ﴿ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ ﴾: يعني ضاقت صدورهم وكرهوا أن يقاتلوكم، ﴿ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ﴾: يعني كما كرهوا أن يقاتلوا قومهم، فلم يكونوا معكم ولا مع قومهم، فلا تقاتلوهم، ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ ﴾: يعني لَسَلَّطَ هؤلاء المنافقين ﴿ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ﴾ مع أعدائكم المشركين، ولكنَّ الله تعالى صرفهم عنكم بفضله وقدرته، ﴿ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ ﴾: يعني فإن تركوكم ﴿ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ ﴾ ﴿ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ﴾: يعني وقدموا إليكم المُسالَمة (﴿ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا ﴾: يعني فليس لكم عليهم مِن طريقٍ لِقتالِهم، وهذا دليل على أن الاعتداء لا يكونُ إلا على المعتدين، كما قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ﴾ وهذا هو الكافر المحارِب للمسلمين، أما الكافر المُسالِم فلا يُقتَل، وكذلك المُعاهَد والمُستئمَن في أوطاننا.
الآية 91: ﴿ سَتَجِدُونَ ﴾ قومًا ﴿ آَخَرِينَ ﴾ من المنافقين ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ ﴾: يعني يَوَدُّون الاطمئنان على أنفسهم من جانبكم فيُظهِرون لكم الإيمان، كما يَوَدُّون الاطمئنان على أنفسهم من جانب قومهم الكافرين فيُظهِرون لهم الكفر، وهم ﴿ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ﴾: يعني كلما أُعِيدوا إلى مَوطن الكفر والكافرين: وقعوا في أسوأ حال، وكلما عَرض لهم عارض من عوارض الفتن: أعماهم ونَكسهم على رءوسهم، وازداد كُفرهم ونفاقهم، ﴿ فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ﴾: يعني فهؤلاء إن لم يفارقوكم، ويُقدموا إليكم المُسالَمة، ﴿ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ ﴾ عن قتالكم: ﴿ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾: يعني حيث وجدتموهم، ﴿ وَأُولَئِكُمْ ﴾ قد ﴿ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ﴾: يعني جعلنا لكم الحُجَّة البيِّنة على قتْلِهم وأسْرِهم (لِكَونِهم معتدين، ظالمينَ لكم، تاركينَ للمُسالَمة، فلا يَلوموا إلا أنفسهم).
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( فما لكم في المنافقين فئتين ) الآية [ 88 ] .
– أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال : حدثنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد قال : حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي قال : حدثنا عمرو بن مرزوق قال : حدثنا شعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن عبد الله بن يزيد بن ثابت :أن قوما خرجوا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى أحد فرجعوا . فاختلف فيهم المسلمون : فقالت فرقة : نقتلهم ، وقالت فرقة : لا نقتلهم . فنزلت هذه الآية . رواه البخاري عن بندار ، عن غندر ورواه مسلم عن عبد الله بن معاذ ، عن أبيه ، كلاهما عن شعبة .
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا [ ص: 88 ] الأسود بن عامر قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبيه : أن قوما من العرب أتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأسلموا ، وأصابوا وباء المدينة وحماها فأركسوا ، فخرجوا من المدينة ، فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا : ما لكم رجعتم ؟ فقالوا : أصابنا وباء المدينة فاجتويناها ، فقالوا : ما لكم في رسول الله أسوة [ حسنة ؟ ] فقال بعضهم : نافقوا ، وقال بعضهم : لم ينافقوا هم مسلمون ، فأنزل الله تعالى : ( فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ) الآية .
لمسات بيانيه
آية (89):
* ما الفرق بين ثقفتموهم ووجدتموهم في الآيات (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ (91) النساء) (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ (89) النساء)؟(د.فاضل السامرائى)
ثقف تستعمل غالباً في الحرب (فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (91)) هذه حرب أما وجدتموهم فهي عامة وليست متعلقة بالحرب فقط(وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (89)) هذه ليس فيها حرب. ثقفتموهم أي ظفرتم بهم. ثقف هي ظفر به. هذه لغة المعجم وليست خصوصية للاستعمال القرآني ولو بحثت في المعجم عن ثقف ستجد معناها ظفرت به. إذن ثقفتموهم في الحرب ووجدتموهم عامة والسَلَم أي الصلح.
*(وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء (89) النساء) انظر إلى هذه البلاغة في التعبير فقد عبّر الله تعالى عن رغبة المنافقين في تكفير المؤمنين بالفعل (ودّ) بينما عبّر عن فعل المؤمنين بإدخال الإيمان إلى قلوب المنافقين بالفعل (أتريدون) وذلك في قوله تعالى (أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ (88)) فما وجه البلاغة في هذا الإختيار؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
عبّر الله تعالى عن محاولة المؤمنين بالإرادة لأنه ينشأ عنها الفعل فالمؤمنون يستقربون حصول الإيمان من المنافقين لأن الإيمان قريب من فطرة الإنسان بينما عبّر عن محاولة المنافقين بالودّ لأن المنافقين يعلمون أن المؤمنين لا يرتدون عن دينهم فلم يكن طلبهم تكفير المؤمنين إلا تمنّياً ووداً ولذلك عبّر عنه بقوله (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء).
تدبر في السورة
خطر النفاق
وبعد ذلك يأتي ربع حزب كامل يتحدث عن خطورة المنافقين
على المجتمع ]فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱلله أَرْكَسَهُمْ بِمَا
كَسَبُواْ[.
وسبب ذكر المنافقين هو التنبيه إلى أن انتشارهم في المجتمع هو أعظم سبب لتضييع العدل وتضييع حقوق الضعفاء. فهم يفسدون المجتمع ويضيّعون قيمه وخاصة قيمة العدل.
————————————————————-
ربط ايات الربع السادس لسورة النساء
74-ولما بين ان القاعد هذا محطوط عن الجهاد بالدنيا اعلم ان المجاهد قاصد بالجهاد الاخرة واوضح له الله عزوجل انه سينال ما تمنى
75- ثم استنكر على القاعدين كيف يتركون القتال فى سبيل الله والمستضعفين يستغيثون من ظلم الظالمين بالله ان يجعل له من لدنه وليا ونصيرا
76-ولما اخبر عن صرخة هؤلاء المستضعفين واستغاثتهم حث على النهوض للجهاد المومنين الذين يقاتلون فى سبيل الله لا فى سبيل الطاغوت محرضا لهم ان يقاتلوا اولياء الشيطان معلماان كيده كان ضعيفا
77-ثم تعجب من توانى القاعدين عن الجهاد بالرغم من انهم كانوا يطلبون السماح لهم بذلك فى وقت كانوا يؤمرون فيه بالصبر والصفح فلما اذن لهم فيما كانوا يطلبونه تولوا ولم يفعلوا ما امروا به خوفا من الناس بل واعترضوا على القتال فليعلموا ان متاع الدنيا قليل والاخرة خير لمن اتقوا ولا يظلموا فتيلا
78-والموت الذى يخافون منه ويعترضوا على القتال لاجله اتيهم اينما يكونوا ولوكانوا فى بروج مشيدة
فالقدر قادم حتما ولا بد وهو من عند الله لا دخل للانسان فيه وليس كمايقول هؤلاء الجاهلين ان المصائب من عند الرسول والحسنات من عند الله بل كل من جهة التقدير من عند الله لكنهم لا يفقهون حديثا
79-ولما علمهم الحق وهو ان كل الحسنات والسيئات باعتبار الايجاد والتقدير من عند الله علمهم بعد ذلك الادب ان ان الحسنات تنسب الى الله ايجادا وفضلا وتنسب السيئات الى النفس اكتسابا وتسببا كنوع من التأدب مع الله وان نسبتهم للسيئات الى الرسول ليست صحيحة لانه كسائر الخلق قدرته محدودة ولكنه يختلف عنهم فى الرسالة ويكفيه شهادة الله له بذلك ولو انكرها المنكرون
80- ثم عقب انه ليس معنى ان الرسول قدرته محدودة كسائر البشر انه لا يطاع وانما لابد ان يطاع فى جانب الرسالة وان طاعته كطاعة الله ففى الاية السابقة فصل بين قدرة الله وقدرته لكن فى الطاعة جعل طاعته من طاعة الله وتوعد من تولى عنه
81-ثم نفى ان تكون الطاعة المطلوبة كطاعة من اذا لقوا الرسول قالوا امنا واذا خرجوا بيتوا غير ذلك ثم حذرهم وهددهم انه يعلم ما يبيتون وامره ان مثل هؤلاء لا تلتفت اليهم بل اعرض عنهم واترك الله وكيلا عليهم وستنظر عاقبتهم
82 – هذا النفاق الذى يبرزونه سببه انهم لا يتدبرون القران فيدركوا أن الله خبير بسرائر الخلق وليعرفوا ذلك من عدم وجود اختلاف فى القران انه اخبار خبير عالم فلا تناقض ولا اختلاف لان كله من لدن خبير عليم بالسر
83-ثم انتقل الى سلوك اخر من هؤلاء المنافقين انهم اذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به دون تثبت رغبة فى اشاعة الافساد ولو ردوه الى الرسول او الى اولى الامر منهم
لادكوا هل هو من النوع الذى يذاع ام لا لكن من فضل الله على المؤمنين ان ذلك الذى يفعله المنافقون يحميهم الله تعالى من الزلل به واتباع اثره
84-فاذا علمت ذلك فعليك نفسك الزمها القتال فى سبيل الله لا تلتفت الى هؤلا ء المتخاذلين وحرض جماعة المؤمنين على ذلك عسى الله ان يكف بأس الذين كفروا والله اشد بأسا واشد تنكيلا
85-هؤلاء المنافقين قد يأتون بافعالهم هذه وغيرها امر النبى بالاعراض عنهم *الا ان البعض قد يطلب من ذويه او اصدقائه الشفاعة لهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم فماذا على الجماعة المؤمنة هل تشفع لهم ام لا والامر قد يتلبس عليهم
وضع الله ضابطا لقبول الشفاعة انها اولا مشروعة لمن يستحقها وصاحبها ماجور له من خيرها نصيب وغير مشروعة للمسئ المتحقق اجرامه وجاء التعقيب محذرا ان يتجرأ على الشفاعة احد من المسلمين لاحد من المجرمين بانه على كل شئ مقيتا
86-ولما حذر من الاقبال على الشفاعة وهدد من يقبل عليها ليضعها فى عير محلها وكان ذلك داعيا الى منابذة القوم والاعراض عنهم قولا وعملا بين تعالى ان التحية ليست من وادى الشفاعة فالشفاعة تابعة للعمل والتحية تابعة للظاهر
فيجب اذا حييتم بتحية ان تحيوا باحسن منها او ردوها
87-ثم بين ان الله على كل شئ حسيبا وسيوفى ذلك الحساب اذا جمعكم الى يوم القيامة فيجازى كل بما يستحق من الجزاء واكد على صدق ذلك الحديث ومن اصدق من الله حديثا
———————————————————————————–
تفسير مبسط للوجه 17 من سورة النساء 93
الآية 92: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ﴾: يعني إلا أن يقع منه ذلك على وجه الخطأ الذي لا عَمْدَ فيه، ﴿ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ﴾: يعني فعليه عِتق رقبة مؤمنة من الأسر، ﴿ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ﴾: يعني وتسليم الدِيَة (وهي مائة من الإبل، أو ألف دينار ذهب، أو اثنا عشر ألف درهم فضة) يدفعها القاتل إلى أهل المقتول ﴿ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ﴾: يعني إلا أن يعفوا عليه فلا يأخذوا منه هذه الدِيَة، ولا يطالبوه بها، ﴿ فَإِنْ كَانَ ﴾ المقتول ﴿ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ ﴾: يعني من قوم كفار أعداء للمسلمين، محاربين لهم ﴿ وَهُوَ ﴾: أي المقتول ﴿ مُؤْمِنٌ ﴾ بالله تعالى وبما أنزل من الحق على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ﴾: يعني فعلى قاتله عتق رقبة مؤمنة فقط، ولا يُعطِي الدِيَة إلى أهله الكفار، إذ لا تُعطَى الدِيَة لعدو يستعين بها على حرب المسلمين، ﴿ وَإِنْ كَانَ ﴾ هذا المقتول المؤمن ﴿ مِنْ قَوْمٍ ﴾ كفار، ولكنْ: ﴿ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ﴾: يعني بينكم وبينهم عهدٌ على عدم القتال: ﴿ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ وذلك احتراماً لأهله بسبب ما لهم من العهد والميثاق، ﴿ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ﴾ ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ﴾ رقبةً يعتقها، أو كانَ لا يقدر على ثمن عتقها: ﴿ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ﴾، وقد شُرِعَتْ هذه الكفارة في القتل الخطأ لتكون ﴿ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ ﴾ تعالى على العبد القاتل خطأً، ورحمةً به، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا ﴾ بحقيقة شأن عباده ﴿ حَكِيمًا ﴾ فيما شرعه لهم.
الآية 93: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ﴾ بغير حق: ﴿ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ هذا إذا جازاهُ على ذنبه ولم يَقبل توبته، عِلماً بأنه سبحانه يَتفضل على أهل الإيمان فلا يُجازيهم بالخلود في جهنم.
الآية 94: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: يعني إذا خرجتم تضربون الأرض بأرجلكم (مسافرين) لتجاهدوا في سبيل الله ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾: يعني فتثبتوا، وكونوا على بَيِّنَة مِمَّن تلقونهم في طريقكم، حتى لا تقتلوا مسلماً تحسبونه كافراً، لأن التَثَبُّت في هذه الأمور يحصل فيه من الفوائد الكثيرة، والكَفّ عن الشرور العظيمة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
- واعلم أن سبب نزول هذه الآية أن نَفَراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا فلَقَوا رجلاً يسوقُ غَنَماً مِن بَني سليم، فلما رآهم سَلَّمَ عليهم قائلاً: السلام عليكم، فقالوا له: ما قُلتَها إلا تَقِيَّةً – أي خوفاً منا – لِتَحفظ نفسك ومَالَك، فقتلوه، فلَمَّا عَلِمَ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، حَمَلَ دِيَتَهُ إلى أهله وَرَدَّ غَنَمَه.
﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ ﴾: أي وَلَا تَقُولُوا لمن ظهر منه شيءٌ من علامات الإسلام ولم يقاتلكم، كأن يُعلن إسلامه لكم (بقول الشهادة أو بإلقاء السلام)، فلا تقولوا له: ﴿ لَسْتَ مُؤْمِنًا ﴾ لاحتمال أن يكون مؤمنًا يُخفي إيمانه، ثم عاتَبَهم سبحانه بقوله: ﴿ تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾: يعني لِتطلبوا بذلك متاع الدنيا الزائل، وتأخذوا غنم الرجل الذي قتلتموه، فإن كان قصْدُكم الغنيمة ﴿ فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ﴾: يعني فعند الله تعالى من الفضل والعطاء ما يُغنيكم به، وما عنده سبحانه خيرٌ وأبقَى من عَرَض الدنيا القليل الفاني، فأطيعوه وأخلِصوا له النِيَّة والعمل.
﴿ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ ﴾: أي كذلك كنتم في بدء الإسلام – مثل هذا الرجل الذي قتلتموه – تُخفون إيمانكم عن قومكم من المشركين، ﴿ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ بأنْ أظهَرَ دينه، ونَصَرَكم، وأعَزَّكم بالإيمان والقوة والهداية.
- فنظرُ العبد لحالته الأولى، يَجعله يعامل الناس بمثل ما كانَ عليه قبلَ هُداه، ولهذا أعاد الأمر بالتبَيُّن فقال: ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾: يعني فتبَيَّنوا مستقبَلاً، ولا تقتلوا أحداً حتى تتأكدوا مِن كُفره، لأنّ قتْل النفس عظيم، ولذلك لَمَّا أُخبِرَ النبي صلى الله عليه وسلم بأن أسامة بن زيد قتل رجلاً قال (لا إله إلا الله) – ظناً منه أنه قالها خوفاً من سيفه – فقال صلى الله عليه وسلم لأسامة: “هَلاَّ شَقَقْتَ عن قلبه”، ومِن هنا خرجتْ القاعدة الفقهية التي تقول: (نحن لنا الظاهر والله يتولى السرائر)، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ وسيجازيكم على أعمالكم.
- وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي للعبد إذا رأى نفسه تميلُ إلى شيءٍ – يُغضِبُ الله – أن يُذَكِّرها بما أعَدَّهُ الله لمن نَهى نفسه عن هواها، وقدَّم مَرضاة ربه على رضا نفسه، فإنَّ في ذلك ترغيبًا للنفس في امتثال أمر الله (وإن شَقَّ عليها ذلك)، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ .
- واعلم أنَّ في قوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ ﴾ إرشادٌ إلى المؤمن في أن يَرفق بالعُصاة، وأن يرحمهم لِضَعفهم واستحواذ الشيطان عليهم، وأن يَعذرهم بجهلهم، لأنه كان جاهلاً مثلهم بحُرمة ما يفعل، حتى سَخَّرَ الله له مَن عَلَّمَه وحَلمَ عليه ورَفَقَ به، فإذا رأى عاصياً فعليه أن يقول: (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به)، وأن يسأل اللهَ الثبات، فقد يتوب الله على هذا العاصي الذي يحتقره، وقد يَخذل الآخر لحظة الاحتضار – بسبب تَكَبُّره – فلا يَنطق بالشهادتين، فحينئذٍ يَتسع صدره للخلق، ويكون ليِّناً ورفيقاً في النصيحة كما عَلَّمَه الله (بالحكمة والموعظة الحسنة) – وذلك بعد أن يُنكِرَ المعصية بقلبه.
- وعليه أن يبدأ معه بالثناء عليه وأن يُظهِرَ له أنه يخاف عليه من عذاب الله، كما قال شعيب عليه السلام لقومه: ﴿ (إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ﴾، وليَحذر من أن يُنَفِّرَه من الالتزام والهدى بسبب نصيحةٍ بسوء خُلُق (بغضب) أو أن ينصحه أمام الخَلق، فيَصُدّهُ بذلك عن سبيل الله، فيجده في ميزان سيئاته يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿ وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾، فارحم – أخي الحبيب – حتى تُرحَم، واعلم أنه إذا كان نَهْيُك عن المنكر سوف يتسبب في منكر أكبر منه فتوقف، فإنه سَعْيٌ في معصية الله.
لمسات بيانيه
اية (97):
*ما الفرق بين توفاهم وتتوفاهم ؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ (97) النساء) (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) النحل) أولئك كانوا مستضعفين وظالمي أنفسهم صاروا أقل قال توفاهم والآخرون فقط ظالمي أنفسهم لم يكونوا مستضعفين فلما كثر هؤلاء قال تتوفاهم ولما قل هؤلاء قال توفاهم، وهؤلاء المستضعفين في آية سورة النساء هم قسم من الظالمين وليس كلهم فهم أقل أما الآية الثانية (ظالمي أنفسهم) فالذين ظلموا أنفسهم أكثر من المستضعفين لأنهم عموم الظالمين. فلمّا خصّ بقسم من الظالمين (المستضعفين) قال تعالى توفّاهم ولما كثُر العدد قال تتوفاهم. وهذا الحذف هو جائز من حيث اللغة للتخفيف.هذه قاعدة مثل تفرقوا وتتفرقوا وفي القرآن هذا كثير وهو أمر عام.
لمسات بيانيه
سؤال: هل العرب كانت تفهم الفرق؟
هم يعرفون معناها عند وضعها في مكانها. لماذا تحداهم الله تعالى بسورة؟ سورة يعني أقصر سورة معناه بمقدار أقصر أي سورة يصير اختيار في الكلام ، الكلمة ليس فيها اختيار لكن النص بمقدار أقصر سورة يصير فيه اختيار، سبب الاختيار عليه المعول مثل (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) لماذا إنا؟ ولماذا أعطيناك؟ يبقى توظيف المفردة في سياق الآية. المعروف أن العرب بلغاء لكنه ليس بالضرورة أن يأتوا بالبلاغة في كلامهم، هل كلهم على مستوى واحد من البلاغة؟. أنا أقول شعراً لكن هل شعري مثل شعر المتنبي؟ هل الشعر الذي يقوله المبتديء كالبحتري؟ هم درجات.
سؤال: لكن من حيث الدلالة والمعنى كانوا يفهمون الفرق بين توفاهم وتتوفاهم ، تذكرون وتتذكرون ؟
يفهمونها هذا في سياقها ويفهمون أكثر مما نفهم نحن لأن هذه لغتهم ونحن الآن نتعلم وهم لم يشكوا في مصداقية القرآن (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل).
*(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ (97) النساء) (توفاهم الملائكة) أي تقبض أرواحهم فلِمَ عدل ربنا سبحانه وتعالى عن التعبير بـ(يموتون) إلى (توفاهم الملائكة)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
عبّر الله تعالى عن وفاة الظالمين بقوله (تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ) لما في هذه الصورة من مهابة الموقف والرهبة منه فقبض الملائكة وسيلة تبين شناعة فتنتهم عند الموت.
لمسات بيانيه
في سورة البقرة آية تحث على الصلاة وقد توسطت آيات الطلاق والوفاة فما دلالة هذا وكذلك فى سورة النساء فى حالة الخوف؟(د.فاضل السامرائى)
أقول والله أعلم أن المشكلات بين الزوجين وأحداث الطلاق أو الوفاة قد تؤدي إلى أن يحيف أحد الزوجين على الآخر وقد يؤدي هذا إلى ظلم الآخر والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فأمر الله تعالى بالصلاة حتى لا يحيف أحدهما أو يظلم الآخر ويذكّره بالعبادة. وقد ينتصر أحد الزوجين لنفسه فأمره الله تعالى بالصلاة حتى لا يقع في ذلك. ونذكر أن الله تعالى أمر بالصلاة في أحداث أكبر من ذلك عند فقد الأمن وفي حالة الخوف أمر تعالى بالصلاة أيضاً (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) النساء). وكذلك الأمر بالصلاة بين آيات الطلاق لها سببين أولاً حتى لا ينشغل الزوجين بالمشكلات العائلية عن الصلاة فيتركوها والثاني لئلا يحيف أحدهما على الآخر
*(وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ (102) النساء) الأمر الطبيعي للمجاهد أن يكون مستلاًّ سلاحه حاملاً له فكيف جاء الأمر للمجاهدين بأخذ السلاح حين شروعهم بالصلاة مع أن الأمر أُريد به النهي عن طرح الأسلحة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
عبّر الله تعالى عن عدم طرح الأسلحة للمجاهدين حين يشرعون بالصلاة بقوله (وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ) للإيذان بضرورة الحذر من الكافرين وللتنبيه على ضرورة اليقظة وعدم التساهل في الأخذ بالأسباب.
*(وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً (102) النساء) شأن كل محارب أن يمتنى الغفلة من عدوّه فلِمَ خصّ الله تعالى ودّهم في هذا الموقع؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
أراد الله تعالى أن ينبّه المؤمنين إلى أن أعداءهم لديهم ودٌ وأمل قريب في وقوع الغفلة منهم ظانّين أن اشتغال المسلمين بأمور دينهم يباعد بينهم وبين كصالح دنياهم فطمعوا أن تلهيهم الصلاة عن الاستعداد لأعدائهم فنبّه الله تعالى المؤمنين إلى ذلك كي لا يكونوا عند ظنّ المشركين.
اسباب النزول
قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً ) 92.
أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال: حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا ابن حجاج قال: حدثنا حماد قـال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: أن الحارث بن يزيد كان شديدًا على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فجاء وهو يريد الإسلام، فلقيه عياش بن أبي ربيعة والحارث يريد الإسلام وعياش لا يشعر فقتله، فأنـزل الله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً ) الآية.
وشرح الكلبي هذه القصة فقال: إن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أسلم وخاف أن يظهر إسلامه، فخرج هاربًا إلى المدينة فقدمها، ثم أتى أطمًا من آطامها، فتحصن فيه فجزعت أمه جزعا شديدا وقالت لابنيها أبي جهل والحارث بن هاشم وهما لأمه: لا يظلني سقف بيت ولا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى تأتوني به، فخرجا في طلبه، وخرج معهم الحارث بن زيد بن أبي أنيسة حتى أتوا المدينه، فأتوا عياشًا وهو في الأطم، فقالا إنـزل فإن أمك لم يؤوها سقف بيت بعدك، وقد حلفت لا تأكل طعامًا ولا شرابًا حتى ترجع إليها، ولك الله علينا أن لا نكرهك على شيء ولا تحول بينك وبين دينك، فلما ذكرا له جزع أمه وأوثقا له نـزل إليهم فأخرجوه من المدينة وأوثقوه بنسع وجلده كل واحد منهم مائة جلدة، ثم قدموا به على أمه فقالت: والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به ثم تركوه موثقًا في الشمس، وأعطاهم بعض الذي أرادوا، فأتاه الحارث بن يزيد وقال: يا عياش، والله لئن كان الذي كنت عليه هدى لقد تركت الهدى، وإن كان ضلالة لقد كنت عليها، فغضب عياش من مقاله وقال: والله لا ألقاك خاليًا إلا قتلتك، ثم إن عياشا أسلم بعد ذلك وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ثم إن الحارث بن يزيد أسلم وهاجر بعد ذلك إلى رسول الله بالمدينة وليس عياش يومئذ حاضرا ولم يشعر بإسلامه، فبينا هو يسير بظهر قباء إذ لقي الحارث بن يزيد، فلما رآه حمل عليه فقتله، فقال الناس: أيّ شيء صنعت؟ إنه قد أسلم، فرجع عياش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كان من أمري وأمر الحارث ما قد علمت: وإني لم أشعر بإسلامه حين قتلته، فنـزل عليه السلام بقوله: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً ).
————————————————————-
تفسير مبسط للوجه 18 من النساء ص
الآية 95، والآية 96: ﴿ لَا يَسْتَوِي ﴾: يعني لا يتساوى ﴿ الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾: يعني المتخلفون عن الجهاد في سبيل الله ﴿ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ﴾: يعني – باستثناء أصحاب الأعذار منهم فإنهم معذورون بتخلفهم عن الجهاد – أما المتخلف عن الجهاد بغير عذر فلا يتساوى هو ﴿ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ﴾ فقد ﴿ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ ﴾، ورفع منزلتهم ﴿ دَرَجَةً ﴾ عالية في الجنة، ﴿ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾: يعني: وكُلاً من المجاهدين والقاعدين (من أهل الأعذار) قد وعدهم الله بالجنة، وذلك لِما بذلوا وضحَّوا في سبيل الحق، وبصِدق نية أصحاب الأعذار في الخروج إذا زال عنهم العذر، ﴿ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ فقد منحهم سبحانه ﴿ دَرَجَاتٍ مِنْهُ ﴾ عالية في الجنات ﴿ وَمَغْفِرَةً ﴾ لذنوبهم ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ واسعة، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ﴾ لمن تاب إليه وأناب ﴿ رَحِيمًا ﴾ بأهل طاعته، المجاهدين في سبيله.
الآية 97، والآية 98، والآية 99: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾: يعني: إِنَّ الَّذِينَ تتوفاهم الملائكة لحظة الاحتضار، وكانوا ﴿ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ بقعودهم في دار الكفر وترْك الهجرة، ﴿ قَالُوا ﴾: أي تقول لهم الملائكة توبيخًا لهم: ﴿ فِيمَ كُنْتُمْ ﴾: يعني في أيّ شيءٍ كنتم مِن أمْر دينكم؟ ﴿ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ﴾: يعني كنا ضعفاء في أرضنا، عاجزين عن دفْع الظلم والقهر عن أنفسنا، ﴿ قَالُوا ﴾: أي فتقول لهم الملائكة توبيخًا: ﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾: يعني فتخرجوا من أرضكم إلى أرضٍ أخرى حتى تأمنوا على دينكم؟ ﴿ فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ ﴿ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ﴾: يعني ويُستَثنَى – من ذلك المصير – هؤلاء الضعفاء الذين ﴿ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ﴾: يعني لا يقدرون على دفع القهر والظلم عن أنفسهم، ﴿ وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ﴾: يعني ولا يعرفون طريقًا يُخَلِّصُهُم مما هم فيه من المُعاناة ﴿ فَأُولَئِكَ ﴾ الضعفاء ﴿ عَسَى اللَّهُ ﴾: يعني يُرجَى لهم من الله تعالى ﴿ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ﴾ لِعِلمه تعالى بحقيقة أمْرهم ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾.
Apr 2, 2:16 PM – رانيا مشرفة حاملات القران: ✏الآية 100: ﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: يعني ومَن يخرج من أرض الشرك إلى أرض الإسلام فِرارًا بدينه، راجيًا فضل ربه: ﴿ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا ﴾: يعني مكانًا يَنعَمُ فيه بما يكونُ سببًا في قُوَّته وذِلَّة أعدائه، ﴿ وَسَعَةً ﴾: يعني ويجد أيضاً سَعَةً في رزقه وعَيْشه، ﴿ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: يعني قاصدًا نُصرة دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإعلاء كلمة الله تعالى وعبادته ﴿ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ ﴾ وهو في طريق هجرته قبل أن يَبلُغَ مَقصِده:﴿ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾: يعني فقد ثَبتَ له جزاء عمله، ووجب أجْرُهُ على الله تعالى كاملاً غير منقوص (فضلاً منه وإحسانًا)، وسيَغفِرُ له ذنوبه، ويَرحمه فيُدخِله جنته ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾.
الآية 101: ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾: يعني وإذا سافرتم في أرض الله ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: يعني إن خفتم من عُدوان الكفار عليكم في حال صلاتكم، ﴿ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾: يعني يُظهِرون لكم عداوتهم فاحذروهم.
- واعلم أن الآية قد ذكرت أن القصر رخصة في حال الخوف من الكفار (لأنَّ غالب أسفار المسلمين – في بدء الإسلام – كانت على خوفٍ من الكفار)، ولكنْ ثبت في السُنَّة أن القصرَ يكونُ رخصةً في السفر عموماً (سواء في حال الأمن أو في حال الخوف).
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ) الآية [ 94 ] .
345 – أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبارقال : حدثنا محمد بن عباد قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : لحق المسلمون رجلا في غنيمة . فنزلت هذه الآية : ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا ) [ أي ] تلك الغنيمة . رواه البخاري عن علي بن عبد الله ، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، كلاهما عن سفيان .
[ ص: 90 ] 346 – وأخبرنا إسماعيل قال : أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال : حدثنا محمد بن الحسن بن الخليل قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : مر رجل من سليمعلى نفر من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومعه غنم [ له ] فسلم عليهم ، فقالوا : ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم ، فقاموا إليه فقتلوه ، وأخذوا غنمه ، وأتوا بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – . فأنزل الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ) .
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) الآية [ 95 ] .
352 – أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد العدل قال : أخبرنا جدي ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قال : حدثنا محمد بن حميد الرازي قال : حدثناسلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سهل بن سعد ، عنمروان بن الحكم ، عن زيد بن ثابت قال : كنت عند النبي – صلى الله عليه وسلم – حين نزلت عليه : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله ) ولم يذكر أولي الضرر ، فقال ابن أم مكتوم ، كيف وأنا أعمى لا أبصر ؟ قال زيد : فتغشى النبي – صلى الله عليه وسلم – في مجلسه الوحي ، فاتكأ على فخذي ، فوالذي نفسي بيده لقد ثقل على فخذي حتى خشيت أن يرضها ، ثم سري عنه فقال : اكتب ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ) فكتبتها . رواه البخاري عن إسماعيل بن عبد الله ، عن إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن الزهري .
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) الآية [ 97 ] .
355 – نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا ، وأظهروا الإيمان وأسروا النفاق ، فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقتلوا ، فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم ، وقالوا لهم ما ذكر الله سبحانه .
356 – أخبرنا أبو بكر الحارثي قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : أخبرنا أبو يحيى قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عنأشعث بن سوار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) وتلاها إلى آخرها ، قال : كانوا قوما من المسلمين بمكة ،فخرجوا في قوم من ال
————————————————————-
الآية 102: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ ﴾ أيها النبي ﴿ فِيهِمْ ﴾: يعني في ساحة القتال ﴿ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ ﴾: يعني فأردتَ أن تصلي بهم، ﴿ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ﴾: يعني فَلْتَقُمْ جماعةٌ منهم لِيُصَلوا معك، ﴿ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ﴾ معهم لِيحملوها وهم يُصلون، ﴿ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ ﴾: يعني فإذا سجدتْ هذه الجماعة الأولى: فلتكن الجماعة الأخرى من خلفكم في مواجَهة عدوكم، ثم عندما تنهضون إلى الركعة الثانية: تُتِمّ الجماعة الأولى ركعتهم الثانية بأنفسهم، ثم يُسَلِّمون وَحدَهم (هذا كله وأنت واقف قبل ركوعك)، ﴿ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ﴾: يعني ثم تأتي الجماعة الأخرى (التي لم تبدأ الصلاة) فليأتموا بك في ركعتك الثانية (وهي الركعة الأولى لهم)، ثم بعد أن تُسَلِّم أنت: يقوموا لِيُكملوا ركعتهم الثانية بأنفسهم، (وبهذا تكون كل جماعة منهم قد صَلَّتْ ركعة معك وركعة بأنفسهم)، ﴿ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ﴾: يعني وليَحذروا مِن عدوهم وليأخذوا أسلحتهم لِيُصَلُّوا بها، ﴿ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ﴾: يعني ليهجموا عليكم هجمة واحدة ليقضوا عليكم، ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ﴾ فلا تحملونها أثناء الصلاة، ولكنْ: ﴿ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ لأنكم حينئذٍ سَتُصَلُّون بدون سلاح، ﴿ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾.
- واعلم أن هذه الطريقة السابقة هي إحدى طرق صلاة الخوف، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صَلاها بأكثر من طريقة.
الآية 103: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ ﴾: يعني فإذا أدَّيتم الصلاة بهذه الطريقة السابقة ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾: يعني فداوِموا على ذِكر الله في جميع أحوالكم، ﴿ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ ﴾: يعني فإذا زالَ الخوف عنكم ﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ كاملةً، وفي أوقاتها، فـ ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾: يعني فإنها واجبة في أوقاتٍ معلومةٍ في الشرع.
الآية 104: ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ﴾: يعني ولا تَضْعُفوا في طلب عدوكم وقتاله، ﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ ﴾: أي تتألمون من القتال وآثاره: ﴿ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ﴾، ومع ذلك لا يَكُفُّون عن قتالكم، فأنتم أوْلَى بذلك منهم لأنكم: ﴿ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ﴾ من الثواب والنصر والتأييد ﴿ مَا لَا يَرْجُونَ ﴾ هم، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾.
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) الآية ] 102 ] .
359 – أخبرنا الأستاذ أبو عثمان الزعفراني المقرئ سنة خمس وعشرين قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد السدي سنة ثلاث وستين قال : أخبرنا أبو سعيد الفضل بن محمد الجزري بمكة في المسجد الحرام ، سنة أربع وثلاثمائة قال : أخبرنا علي بن زياد اللحجي قال : حدثنا أبو قرة موسى بن طارق قال : ذكر سفيان عن منصور ، عن مجاهد قال : أخبرنا أبو عياش الزرقيقال : صلينا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الظهر ، فقال المشركون : قد كانوا على حال لو كنا أصبنا منهم غرة ، قالوا : تأتي عليهم صلاة هي أحب إليهم من آبائهم . قال : وهي العصر . فنزل جبريل – عليه السلام – بهؤلاء الآيات بين الأولى والعصر : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) وهم بعسفان ، وعلى المشركين خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة . وذكر صلاة الخوف .
360 – أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الضبي قال : حدثنا محمد بن يعقوب قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال : حدثنايونس بن بكير ، عن النضر [ أبي عمر ] ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلقي المشركين بعسفان ، فلما صلى رسول الله – عليه السلام – الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه ، قال بعضهم لبعض : كان هذا فرصة لكم ، لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم ، فقال قائل منهم : فإن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم ، فاستعدوا حتى تغيروا عليهم فيها . فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) إلى آخر الآية ، وأعلم ما ائتمر به المشركون ، وذكر صلاة الخوف .
لمسات بيانيه
قوله تعالى : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله )الآية ، إلى قوله تعالى : ( ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) . الآيتان : [ 105 : 116 ] .
361 – أنزلت كلها في قصة واحدة ، وذلك أن رجلا من الأنصار يقال له :طعمة بن أبيرق ، أحد بني ظفر بن الحارث ، سرق درعا من جار له يقال له :قتادة بن النعمان ، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق ، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب ، حتى انتهى إلى الدار وفيها أثر الدقيق . ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له : زيد بن السمين ، [ ص: 94 ] فالتمست الدرع عند طعمةفلم توجد عنده ، وحلف لهم : والله ما أخذها وما له به من علم . فقال أصحاب الدرع : بلى والله قد أدلج علينا فأخذها ، وطلبنا أثره حتى دخل داره ، فرأينا أثر الدقيق . فلما أن حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي ، فأخذوه فقال : دفعها إلي طعمة بن أبيرق ، وشهد له أناس مناليهود على ذلك ، فقالت بنو ظفر – وهم قوم طعمة – : انطلقوا بنا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكلموه في ذلك وسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا : إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرئ اليهودي ، فهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يفعل – وكان هواه معهم – وأن يعاقب اليهودي ، حتى أنزل الله تعالى : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ) الآية كلها . وهذا قول جماعة من المفسرين .
لمسات بيانيه
آية (103):
*ما دلالة استخدام صيغة الماضي في قوله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا)؟(د.فاضل السامرائى)
كان في اللغة قد تكون للماضي أو للماضي المستمر وقد تأتي للإستقبال وفي كل صيغة تفيد معنى خاصاً:.
كان لها أزمنة مؤكدة بمعنى ما يزال. وهذه تكون في صفات الله تعالى كقوله تعالى (كان الله غفوراً رحيما) بمعنى أن كونه هو غفور رحيم. وكذلك في صفات الشيطان (إن كيد الشيطان كان ضعيفا).
وتأتي بمعنى الحالة كقوله تعالى (كنتم خير أمة أُخرجت للناس) وقوله كما في الآية موضع السؤال (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا).
وقد تكون للمستقبل كقوله تعالى (وكنتم أزواجاً ثلاثة) وقوله (فكانت هباء منثورا) هذا في المستقبل يوم القيامة.
وقد تكون بمعنى صارت في المستقبل كقوله تعالى (وسُيّرت الجبال فكانت سرابا)
وقد تكون بمعنى ينبغي.
لمسات بيانيه
آية (105):
*(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ (105) النساء) أراد الله سبحانه وتعالى بقوله (بِمَا أَرَاكَ اللّهُ) أي بما عرّفك وأوحى إليك فلِمَ عدل عن اللفظ الحقيقي؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لقد سمّى الله تعالى معرفة النبي r للمسألة رؤية لأنه علمٌ يقيني لا ريب فيه ولا شك وكأن هذا العلم مُشاهَد له ولذلك أجراه مجرى الرؤية في القوة والظهور.
لطيفة: كان عمر رضي الله عنه يقول: لا يقولنّ أحدٌ قضيت بما أراني الله تعالى فإن الله تعالى لم يجعل ذلك إلا لنبيّه r وأما الواحد فينا فرأيه يكون ظنّاً ولا يكون علماً.
تدبر في سورة النساء
مع الأقليات غير المسلمة
وأخيراً نصل إلى العدل مع الأقليات غير المسلمة في المجتمع المسلم كمثال على \أن العدل لا يتجزء , ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين . وذلك أن أحد المسلمين في عهد النبي r سرق درع (طعمة بن أبيرق سرق درع قتادة بن النعمان, ورآه (رفاعة) عم (قتادة ) ……. واتّهم يهودياً هو زيد بن السمين) بل ونقل الدرع إلى بيت اليهودي ليدلل على انه السارق ). علِم قرابة طعمة بالأمر وشهدوا زوراً حتى لا يتعرّض طعمة للحد وذلك تحت حجة الأخوة.
فنزلت الآيات تخاطب المسلمين خطاباً شديداً ]إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَا أَرَاكَ ٱلله وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً[ (105
————————————————————-
تفسير مبسط للوجه 20 من سورة النساء ص 96
الآية 107، والآية 108: ﴿ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾: يعني ولا تدافع – أيها الرسول – عن الذين يخونون أنفسهم بمعصية الله تعالى، وَلَا تَكُنْ لهم خَصِيمًا (يعني مُدافعًا عنهم)، فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾: يعني إن الله لا يحب مَن عَظُمَتْ خيانته، وكَثُرَ ذنبه، فهؤلاء ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ﴾: يعني يَستترون من الناس خوفًا من اطِّلاعهم على أعمالهم السيئة، ﴿ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ ﴾ تعالى ولا يستحيون منه، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ مَعَهُمْ ﴾ بعلمه، مُطَّلِعٌ عليهم ﴿ إِذْ يُبَيِّتُونَ ﴾: يعني حين يُدبِّرون ليلاً ﴿ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ﴾ ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾.
الآية 110: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا ﴾: يعني ومَن يُقْدِمْ على عمل سيِّئ قبيح، ﴿ أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ﴾ بارتكاب ما يخالف حُكمَ اللهِ وشرعه، ﴿ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ ﴾ نادمًا على ما عمل، راجيًا مغفرته وستر ذنبه: ﴿ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا ﴾ له ﴿ رَحِيمًا ﴾ به، فقد قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾، ولذلك ينبغي للعبد – وهو يستغفر الله – أنْ يَستشعرَ في قلبه الندم أنه خالفَ أمْرَ الملك العظيم جَلَّ جلاله، وأنه عَصاهُ بِنِعْمَتِهِ التي أعطاها له وحَرَمَ غيره منها، وأنه كان يعلم أنَّ اللهَ يراه وهو يَعصي ولم يُبالِي بذلك، ولكنْ رغمَ هذا كله فإنه يعلمُ أنه غفورٌ رحيم، فحينئذٍ ينكسر قلبه لله تعالى وهو يستغفره (على كل ما ضاع من عمره في المعصية، وعلى كل ما فاته من الطاعة).
الآية 111: ﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا ﴾ متعمداً ﴿ فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ ﴾: يعني فإنما يضر بذلك نفسه وحدها، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا ﴾ بحقيقة أمر عباده ﴿ حَكِيمًا ﴾ فيما يَقضي به بين خلقه.
الآية 112: ﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً ﴾ بغير عمد ﴿ أَوْ إِثْمًا ﴾ متعمدًا، ﴿ ثُمَّ يَرْمِ بِهِ ﴾: يعني ثم يَتهم بهذا الإثم شخصاً (بَرِيئًا) لم يفعل شيئاً ﴿ فَقَدِ احْتَمَلَ ﴾: يعني فقد تحمَّل ﴿ بُهْتَانًا ﴾: أي كَذبًا ﴿ وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ واضحاً.
لمسات بيانيه
آية (110):
*(وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110) النساء) كيف يجد المستغفر الرحمة والمغفرة حتى قال الله تعالى عنها (يجد الله غفوراً رحيماً)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
هذا من باب التوكيد فأنت تقول عن شيء وجدته إذا ظفرت به وشاهدته ولذلك عبّر الله تعالى عن تيقّن مغفرته للمستغفر بقوله (يجد) ليكون المؤمن واثقاً من رحمة الله تعالى ومغفرته لطالِبِها بحقّ.
لمسات بيانيه
آية (112):
*(ورتل القرآن ترتيلاً):
(وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112) النساء) تأمل كيف صوّر ربنا تعالى ذاك المرء الذي يلقي مخالفاته وعصيانه على الآخر صورة شخص يحمل الإثم والبهتان وهذا تمثيل لهيئة مرتكب الإثم وكأنه مثقلٌ مُنهك من عناء الحِمل والثقل الذي يحمله وهذا يوضح لك عظمة هذا الوزر والبهتان الذي حاق
لمسات بيانيه
آية (113):
*ما معنى الحكمة؟(د.أحمد الكبيسى)
الحكمة (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴿113﴾ النساء) الحكمة هو العلم الذي لا يُكتسب وإنما يوهب يهبه الله عز وجل لمن شاء من المرسلين وحياً وللناس فهماً ولهذا كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم “إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله تعالى فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغِّرة بالله عز وجل” وفعلاً كلنا رأينا بأعيننا وقرأنا في التاريخ عن علماء يعرفون ما لا يعرف غيرهم إلهامات وفتوحات ولا يمكن أن يأتي على ذلك بدليل. الإلهام أنت مالك عليه دليل تقول هكذا وإذا به يصحح خطأً أو يجمع مفترقين.
تدبر في السورة
ثم تشتدّ اللهجة على الظالم ]وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً[ (112) فشهد الله تعالى من فوق سبع سماوات ببراءة اليهودي مما نسب إليه ليرسخ في الإسلام هذه القواعد الحضارية في التعامل مع الديانات الأخرى.سؤال : هل أسلم اليهودي
——————————————————————–
تفسير مبسط للوجه 21 من النساء ص 97
الآية 114: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ ﴾: يعني لا نفعَ في كثير من كلام الناس سِرّاً فيما بينهم ﴿ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾: يعني إلا إذا كان حديثًاً داعيًا إلى بذل المعروف من الصدقة، أو الكلمة الطيبة، أو التوفيق بين المتخاصمين، ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ﴾: يعني ومن يفعل تلك الأمور ﴿ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ﴾: يعني طلبًا لرضا الله تعالى راجيًا ثوابه ﴿ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾.
الآية 115: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ ﴾: يعني ومَن يُخالف ﴿ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ﴾: يعني مِن بعد ما ظهر له الحق ﴿ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾: يعني ويَسلك طريقًا غير طريق المؤمنين وما هم عليه من الحق، (وأوَّلهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتابعيهم بإحسان)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم – كما في الصَحِيحَيْن -: (خيرُ الناس قَرْني، ثم الذين يَلونهم، ثم الذين يلونهم)، فمن اتَّبَع طريقاً غير طريقهم: ﴿ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ﴾: يعني نتركه وما توجَّه إليه، فلا نوفقه للخير ﴿ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ﴾: يعني ونُدخِله نار جهنم يقاسي حرَّها، ﴿ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾.
- واعلم أنّ في قوله تعالى: ﴿ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ دليل على أن (إجماع المسلمين) هو مصدر من مصادر التشريع (بعد القرآن والسُنَّة)، بمعنى أنه إذا أجمعتْ أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم على شيء فإنه يجب الأخْذ به وعدم مخالفته، فما شَهدَتْ له هذه الأمّة بالقبول، فهو مقبول، وما شَهدَت له بالرَدّ، فهو مَردود، وذلك في جميع علوم الدين (كإجماع أهل التفسير وإجماع أهل الحديث وغيرهم).
- ونحن نقول لمن يخالفون الإجماع ولا يأخذون به: (عندما مات موسى عليه السلام: حَرَّفَ اليهود التوراة، فأرسل الله لهم عيسى عليه السلام ليوضح لهم ما حَرَّفوه، ثم لمَّا رُفِعَ عيسى عليه السلام: حَرَّفَ النصارى الإنجيل، فأرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليبين لهم ما حَرَّفوه، وعندما مات محمد صلى الله عليه وسلم: تطاوَلَ بعض الخلق على القرآن، وحاولوا أن يُحَرِّفوه (فأفشلهم الله تعالى، وأبطل مَكْرهم، وفضَحَ أمْرهم)، هنا نسأل: (هل كان الله سَيُرسِل نبياً بعد محمد صلى الله عليه وسلم لِيَرُدّ على هؤلاء المفترين؟) بالطبع لا، لأن الله قد أخبر أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتَم النبيين)، إذن مَن سَيَرُدّ عليهم؟! لا يوجد غير إجماع المسلمين بأن هذا القرآن قد نُقِلَ إلينا مُتَواتِراً (يعني من جماعات كثيرة تنقل بعضها عن بعض)، وذلك بحِفظ الله تعالى له، لأنه سبحانه قد تعَهَّدَ بحِفظه وجَمْعِه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾، وقال تعالى: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴾، وذلك لأنه هو الدين الخاتَم، الذي ارتضاه الله لجميع الخلق إلى قيام الساعة، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾.
الآية 117، والآية 118، والآية 119: ﴿ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا ﴾: يعني ما يَعبد المشركون من دون الله تعالى إلا أوثانًا لا تنفع ولا تضر (وهم يُسَمُّونهم بأسماء الإناث، كاللات والعُزَّى ومَناة)، ﴿ وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا ﴾: يعني كما هم في واقع الأمر يَدعون شيطاناً متمردًا على الله، إذ هو الذي دعاهم إلى عبادة الأصنام فعبدوها، فهم إذاً عابدون للشيطان في باطن الأمر لا الأوثان، وهذا الشيطان قد ﴿ لَعَنَهُ اللَّهُ ﴾ ﴿ وَقَالَ ﴾ الشيطان لله تعالى: ﴿ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾: يعني لأتخِذنَّ مِن عبادك عدداً كبيراً يعبدونني ولا يعبدونك، وهم معروفون بمعصيتهم إياك، وطاعتهم لي، ﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ ﴾: يعني ولأصرفَنَّ مَن تبعني منهم عن طريق الحق، ﴿ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾: يعني سأعوقهم عن طاعتك بالأماني الكاذبة بأنهم لن يُعذَّبوا، أو بأنه سيُغفَر لهم (حتى وإن استمروا على المعاصي ولم يتوبوا)، ﴿ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ ﴾: يعني ولأدعونَّهم ليجعلوا لآلهتهم نصيباً من الأنعام، فيَقطعون آذانها لتكون علامة على أنها ستُذبَح للآلهة، ﴿وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴾: يعني ولأدعونَّهم إلى تغيير ما خلقه الله تعالى في الفِطرة، (بالبِدَع والشرك والمعاصي)، وتغيير هيئة ما عليه الخَلق (كالوَشْم والنَمْص (وهو تخفيف الحاجب للمرأة)، وغير ذلك)، ﴿ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ﴾.
الآية 121: ﴿ أُولَئِكَ ﴾ المتبعون للشيطان ﴿ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ ﴿ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ﴾: يعني ولا يجدون عنها ملجأً يهربون إليه منها
لمسات بيانيه
(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) جعل الرسول R في شق وهو في شق، (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) السبيل هي الطريق، إذن ذهب إلى طريق آخر، الذي يذهب في الصحراء في غير السبيل، والرسول R لما نزلت الآية (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) الأنعام) رسم خطاً على الرمل وقال هذا صراط الله ورسم بجواره خطوطاً قال هذه السبل وعلى رأس كل سبيل شيطان يدعو إليه. إذا كان هناك في الصحراء طريق هذا يؤدي إلى السلامة، أيُّ سبيل آخر غير هذا السبيل سيضل صاحبه. فإذن ذِكر السبيل يناسبه الضلال لأنه ذكر الطريق، فالذي يتجاوز هذا الطريق الحق سيضل. الآية قالت (وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) لأنه إتخذ سبيلاً غير سبيل المؤمنين فسوف يضل يقيناً، ولذلك جاءت كلمة الضلال هنا ولا تناسب كلمة الضلال مع بني إسرائيل الذين إرتكبوا إثم الكذب مع ذكر صدق الرسالة النبوية لمحمد R قابلها الذي يفتري الكذب. بينما هنا الذي تجاوز السبيل الصحيح، سبيل المؤمنين حتى أن بعضهم قال يستفاد من هذه الآية مسألة إجماع الأمة ” الأمة لا تجتمع على ضلالة” معنى ذلك الذي ينحرف عما أجمع عليه المؤمنون يكون ضالاً عند ذلك. (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) لأن الجهة صارت جهة ثانية فأعيد مسألة عدم المغفرة للمشرك. (وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) سوف يبتعد عن طريق الهداية لأنه إتخذ غير سبيل المؤمنين لأن سبيل المؤمنين واضح. قسم قال سبيل المؤمنين هو الإسلام وقسم قال هو الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى لأنه عندنا قوله تعالى (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف) فالمؤمنين متّبعون الرسول، فهم دعاة إلى الله “بلّغوا عني ولو آية” “الساكت عن الحق شيطان أخرس” فالمسلم مفروض أن لا يسكت عن الحق وإنما يبلّغ ولكن بطريقة بحيث لا يؤدي ذلك إلى ما هو أسوأ من ما كان قد إرتكب. إزالة المنكر يكون بسبيل لا يؤدي إلى ما هو أسوأ منه ولذلك (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل) جادلهم بالتي هي أحسن وليس بإصدار الفتاوى هذا مشرك وهذا فاسق وهذا كافر، المسلم طبيب يداوي وليس قاضياً يفتي الفتاوى على الناس؟ فإذن هذا هو لما كان الكلام فيه ذكر للتصديق وفيه ذكر للإفتراء، لإفتراء الكذب جاءت (فقد افترى إثماً عظيماً)ولما كان الكلام على سبيل الهدى جاء (فقد ضل ضلالاً بعيداً) الذي إنحرف وأشرك ولم يؤمن. فإذن كل عبارة جاءت في مكانها وفي موضعها.
لمسات بيانيه
*(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى (115) النساء) انظر إلى قوله تعالى (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) حيث عطف هذا الاتباع على مشاقة الرسول مع أنه من شاقّ الرسول فقد اتبع غير سبيل المؤمنين فما فائدة هذا العطف؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
في هذا العطف تأكيد على روابط الآصرة الإسلامية وفي عطف إتباع غير سبيل المؤمنين على مشاقة الرسول r الحيطة لحفظ الجامعة الإسلامية بعد الرسول r فقد إرتدّ بعض العرب بعد الرسول r فكانوا ممن اتبع غير سبيل المؤمنين ولم يشاقوا الرسولr.
لمسات بيانيه
(وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116) النساء) لو وقفنا عند قوله تعالى (فقد ضلّ) لعلمنا جزاء المرشك وهو الضلال المستحق للعذاب فلِمَ أكّده بقوله تعالى (ضلالاً بعيداً)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
إن غاية هذا التأكيد هي تحذير المؤمنين من مغبة الضلال ولذلك عبّر عن الضلال بالبعيد جون الكبير أو العظيم للدلالة على قوة هذ الضلال حتى لا يُرجى لصاحبه الاهتداء فكلمة بعيد توحي بإبعاد المرء عن غايته وتقصيه عن الرجوع إلى حيث صدر.
لمسات بيانيه
آية (117):
* ما معنى إناثاً في قوله تعالى (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) النساء)؟(د.حسام النعيمى)
العلماء يقولون حالات الموجودات هذه إما أن تكون فاعلة والفاعل غير المنفعل هو الله سبحانه وتعالى يعل ولا يقع عليه فعلٌ جلّت قدرته، هو الله تعالى. العوالم الأخرى كالإنس والجن والملائكة فاعلة من جهة ومنفعلة من جهة: الله سبحانه وتعالى يفعل فيها ما يشاء وهي تفعل هذه الأفعال الظاهرة. والجمادات منفعلة غير فاعلة. فالأشياء المنفعلة غير الفاعلة العرب تشير إليها بالتأنيث. ويقول بعض العلماء عندنا الذكر والأنثى وفي غالب المحلوقات الأنثى أضعف من الذكر حتى يقولون الحديد الليّن يسموه حديد أنيث أي مؤنث والبعض في العامية يسميه مخنث. فالشيء الضعيف يشيرون إليه بالتأنيث. فالقرآن الكريم على طريقتهم (إن يدعون من دونه إلا إناثا) أشياء صغيرة لا تستطيع أن تقدم لهم شيئاً، هذا قول. والقول الثاني على اللفظ أن أكثر أصنامهم أسماؤها على التأنيث: اللات والعزى ومنات وعندهم هُبَلأ مذكر. جمهور العلماء المفسرون يميلون إلى القول الأول أن العربي إذا أراد أن يشير إلى أمر بالضعف يشير إليه بالتأنيث، هذه لغة العرب.
كيف استعملت لغة العرب في جمع المذكر السالم (النون) وجمع المؤنث السالم (التنوين)، في المذكر السالم (الواو الياء) مهندسون في حال الرفع ومهندسين في حال النصب والجرّ، في حال الرفع في جمع المؤنث السالم استعمل الضمة التي هي واو صغيرة (مهندساتُ) وفي النصب والجر استعمل الكسرة التي هي ياء صغيرة (مهندساتِ) فأعطى الكبير للمذكر وأعطى الصغير للمؤنث. مهندسون ألحقها النون ملفوظة ومكتوبة ، مهندساتٌ تنوين ملفوظ وغير مكتوب. فتخيل هذه لغة العرب فهي مع التأنيث حتى في المنع من الصرف يقول الإسم المؤنث نزل مرتبة فسُلِب منه التنوين زعلامة الجر الأصلية مثل: فاطمةُ وزينبُ لا تنوّن ولا تُجرّ بالكسرة وإنما بالفتحة : سلّمت على فاطمةَ لأن الجرّ بالكسرة علامة الإسم المتمكن الأمكن. فهذه لغة العرب فلا يعترض أحدهم أن المؤنث لفظ ضعيف، عندهم المؤنث دون المذكر هذه لغتهم فإذا قال (إناثاً) يعني أصناماً ليس الأنثى بمفهومنا الآن
لمسات بيانيه
لِمَ خصّ دعوة المشركين للإناث من الآلهة ولم يقل إن يدعون من دونه إلا أصناماً؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر إلى هذه السخرية والتهكم بمعتقدهم فقد خاطبهم الله تعالى بما يعتقدون ويتصرفون فهم ينظرون إلى الإناث نظرو دون وكل الناس يعلم حالة المرأة بينهم فقد حرموها من حقوق كثيرة واستضعفوها ومع ذلك اتخذوا من الأنثى آلهة بل هي أكبر آلهتهم اللات والعزى ومناة ولذلك نعى على العرب أن يصدر منهم مثل هذه التصرفات.
——————————————————————-
تفسير مبسط للوجه 22 من النساء 98
الآية 123، والآية 124: ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ﴾: يعني اعلموا أيها المسلمون أنَّ فضْل الله تعالى وثوابه العظيم لا يُنال بأمنياتكم الخالية من العمل، ﴿ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ من اليهود والنصارى، وإنما يُنالُ بالإيمان الصادق بالله تعالى، وإحسان العمل الذي يُرضيه، فسُنن الله تعالى ثابتة، وهي أنَّ ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِه﴾ – إلا لو تاب منه وقَبِلَ الله توبته – ﴿ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا ﴾ يتولى أمره وشأنه، ﴿ وَلَا نَصِيرًا ﴾ ينصره، ويدفع عنه سوء العذاب، ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ بالله تعالى وبما أنزل من الحق ﴿ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ﴾ دار السعادة والراحة والنعيم، التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتَلَذُّ الأعين، التي فيها ما لا عَينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر من أنواع المآكل والمشارب اللذيذة، والمناظر العجيبة، والقصور، والغُرَف المُزَخرَفة، والأنهار الجارية، والأشجار المُتَدَلِّية، والفواكه الغريبة، والأصوات العذبة، وأعلى من ذلك كله تمتع الأرواح بقُرب ربهم، وتلذذ العيون برؤيته، وتلذذ الأسماع بخطابه الذي يُنسيهم كل نعيم، ولولا الثبات من الله لهم لطاروا وماتوا من الفرح والسرور.
﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾: يعني ولا يُنْقَصون من ثواب أعمالهم شيئًا، ولو كان مقدار النُقرة التي في ظهر النواة.
الآية 125: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا ﴾: يعني لا أحد أحسن دينًاً ﴿ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾: يعني وهو مُتقِن للعبادة ومُؤديها على النحو الذي شرعه الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾: يعني وقد اصطفى الله إبراهيم عليه السلام، واتخذه خليلاً، والخُلّة (هي أعلى مقامات المحبة والاصطفاء) وقد شَرَّفَ الله أيضاً بالخُلَّة محمداً صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم خطبهم آخر خطبة، فقال: “أما بعد أيها الناس: فلو كنتُ متخذاً من أهل الأرض خليلاً، لاتخذتُ أبا بكر ابن أبي قحافة خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله”.
الآية 127: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ﴾: يعني وما زالوا يستفتونك في النساء (أي: في شأن ما لَهُنَّ وما عليهنَّ من حقوق، كالميراث والمهر وغير ذلك)، ﴿ قُلِ اللَّهُ ﴾ وحده ﴿ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ﴾، وقد أفتاكم سبحانه فيهنَّ وبَيَّنَ لكم حقوقهنَّ وواجباتهنَّ في الآيات الأولى من هذه السورة، حيث قررتْ الآيات حق المرأة والطفل في الميراث، وحثتْ على المحافظة على مال اليتيم.
- وقوله تعالى: ﴿ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ﴾: أي: وما يُتلَى عليكم في يتامى النساء في أول السورة كافٍ لا تحتاجون معه إلى مَن يُفتيكم، إذ بَيَّنَ لكم سبحانه أنه إذا كانت تحت أيديكم يتيمات وكنتم ترغبون في نكاحهنّ فأعطوهنّ مهورهنَّ كاملة مثل باقي النساء، وإذا كنتم لا ترغبون في نكاحهنّ فأعطوهنّ مالهنّ وزَوِّجوهُنَّ غيركم، ولا يَحِلّ لكم أن تحبسوهنّ في بيوتكم من أجل أموالهنّ.
﴿ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ ﴾: أي وكذلك قد بَيَّنَ الله لكم أمر الضعفاء ﴿ مِنَ الْوِلْدَان ﴾ الصغار، حيث قد أعطاهم حقهم وافياً في آيات المواريث، ﴿ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ ﴾: أي وكذلك بَيَّنَ لكم وجوب القيام لليتامى بالعدل، وترْك الظلم عليهم في حقوقهم، ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ﴾ لا يَخفى عليه شيء، وسيجازي كُلاً بما يستحق.
لمسات بيانيه
ايه 123
* ما الفرق بين السوء والسيئات؟(د.فاضل السامرائى)
السيئة هي فعل القبيح وقد تُطلق على الصغائر كما ذكرنا سابقاً في حلقة ماضية. السوء كلمة عامة سواء في الأعمال أو في غير الأعمال، ما يُغَمّ الإنسان يقول أصابه سوء، الآفة، المرض، لما يقول تعالى لموسى u (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) طه) أي من غير مرض، من غير عِلّة، من غير آفة. (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ (5) النمل) كلمة سوء عامة أما السيئة فهي فعل قبيح. المعصية عموماً قد تكون صغيرة أو كبيرة، السوء يكون في المعاصي وغيرها(لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ (123) النساء) صغيرة أو كبيرة. فإذن كلمة سوء عامة في الأفعال وغيرها، أصابه سوء، من غير سوء، ما يغم الإنسان سوء، أولئك لهم سوء العذاب (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) غافر) كلمة سوء عامة وكلمة سيئة خاصة وتُجمع على سيئات أما كلمة سوء فهي إسم المصدر، المصدر لا يُجمع إلا إذا تعددت أنواعه، هذا حكم عام. ولكنهم قالوا في غير الثلاثي يمكن أن يُجمع على مؤنث سالم مثل المشي والنوم هذا عام يطلق على القليل والكثير إذا تعددت أنواعه ضرب تصير ضروب محتمل لكن المصدر وحده لا يُجمع هذه قاعده
لمسات بيانيه
(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا (125) النساء) انظر إلى هذا الاستفهام الذي يهز ضمائر المنحرفين الشاذّين عن هدى الله تعالى فهو استفهام إنكاري أراد الله تعالى أن يوجه من خلاله أنظار الناس إلى سبب اتخاذ الإسلام دون غيره ديناً فايس ثمة ذين أحسن من الإسلام الذي يأمر أتباعه بالإحسان والتقوى.
*(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله (125) النساء) لِمَ خصّ الله تعالى إسلام الوجه وهو جزء من الإنسان ولم يحذف كلمة (وجهه) ليشمل المرء تاذي منه الوجه بدهياً؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
تأمل هذه الكناية في كلمة (وجهه) فقد صورت تمام الطاعة والاعتراف بالعبودية لأن الوجه أشرف الأعضاء وبه كان الإنسان إنساناً فعبّر الله تعالى عن إذعانك لأوامره بامتثال وجهك الذي هو أشرف أعضاء جسدك
لمسات بيانيه
ما الفرق بين(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴿124﴾ النساء) و(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴿33﴾ فصلت) ؟(د.أحمد الكبيسى)
في النساء يقول تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴿124﴾ النساء) من الصالحات الألف واللام، وفي مكان آخر (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴿33﴾ فصلت) ما الفرق بين (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ) وبين (وَعَمِلَ صَالِحًا)؟ الصالحات بالألف واللام هذه الأركان (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴿25﴾ البقرة) وهي الصوم والصلاة والحج والزكاة والتوحيد قبل ذلك فهذه الألف واللام الفرض الذهني ما عبد الله بشيء أحب إليه مما افترض علينا وقد افترض علينا نحن المسلمون خمسة أركان وكذلك افترض على كل دينٍ أركاناً إذاً أعظم أنواع الطاعات التي تتعلق أحياناً هناك من يقول أنا قلبي طيب وأنا أتصدق ولو ما أصلي مش مهم لا يا أخي لا هذه الصالحات لا يغني عنها شيء يعني أنت في الامتحان ترسب في الإنجليزي والرياضيات والفيزياء وناجح بالرياضة! رح صير رياضي لكن أنت لن تصبح شيئاً. حينئذٍ نقول الصالحات الأركان الفرائض (وَعَمِلَ صَالِحًا) النوافل والنوافل هي التي فيها الخير (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) هذه (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ) الآية [ 123 ] .
362 – أخبرنا أبو بكر التميمي قال : أخبرنا أبو محمد بن حيان قال : حدثنا أبو يحيى قال : حدثنا سهل قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح قال : جلس أهل الكتاب – أهل التوراة وأهل الإنجيل – وأهل الأديان ، كل صنف يقول لصاحبه : نحن خير منكم . فنزلت هذه الآية .
362 م – 103 وقال مسروق وقتادة : احتج المسلمون وأهل الكتاب ، فقالأهل الكتاب : نحن أهدى منكم : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن أولى بالله منكم . وقال المسلمون : نحن أهدى منكم ، وأولى بالله : نبينا خاتم الأنبياء ، وكتابنا يقضي على الكتب التي قبله . فأنزل الله تعالى هذه الآية . ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان ، بقوله تعالى : (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ) وبقوله تعالى : ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ) الآيتين .
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا ) الآية [ 125 ] .
اختلفوا في سبب اتخاذ الله إبراهيم خليلا
363 – فأخبرنا أبو سعيد النضروي قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين السراج قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال : حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن عبد الله ، عن عمر قال :قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلا ؟ قال : لإطعامه الطعام يا محمد ” .
364 – وقال عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى : دخل إبراهيم منزله فجأة ، فرأى ملك الموت في صورة شاب لا يعرفه ، قال له إبراهيم : بإذن من دخلت ؟ فقال : بإذن رب المنزل . فعرفه إبراهيم – عليه السلام – فقال له ملك الموت : إن ربك اتخذ من عباده خليلا ، قال إبراهيم : ومن ذلك ؟ قال : وما تصنع به ؟ قال : أكون خادما له حتى أموت ، قال : فإنه أنت
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( ويستفتونك في النساء ) الآية [ 127 ] .
368 – أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال : حدثنا محمد بن يعقوبقال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا ابن وهب قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة ،قالت : ثم إن الناس استفتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – [ بعد هذه الآية فيهن ] فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ) الآية ، قالت : والذي يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي قال فيها : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ) قالتعائشة – رضي الله عنها – : وقال الله تعالى في الآية الأخرى : ( وترغبون أن تنكحوهن ) رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال ، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا [ ص: 96 ] في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن . . رواه مسلم عن حرملة ، عن ابن وهب .
———————————————————————————————-
تفسير مبسط للوجه 23 من سورة النساء ص 99
الآية 128: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا ﴾: يعني وإذا خافت الزوجة ترَفُّعَ زوجها عنها وعدم رغبته فيها، ﴿ أَوْ إِعْرَاضًا ﴾ عنها بوجهه، فلا يكلمها ولا يَأنَس بها (وذلك لِسُوء خُلُقِها، أو لِكِبَر سِنِّها وعدم رغبتها في المعاشرة الزوجية، أو غير ذلك)، وأراد أن يفارقها، فآثَرَتْ هي البقاءَ معه: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾: يعني فلا بأس ولا حرج في هذه الحالة ﴿ أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ﴾: يعني فلها أن تُجْري مع زوجها صُلحاً (وهو ما يُسَمُّونه: تفاوُضاً) يَحفظ لها بقاءها في بيتها عزيزة محترمة، وذلك بأن تتنازل له عن بعض حقها في الفراش (فتَهَبُ بعضَ أيامها لزوجته الثانية)، أو تتنازل عن بعض ما كان واجباً لها من النفقة أو الكسوة، فإنّ هذا خيرٌ لها من الفراق، ولهذا قال: ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾: يعني والصلح أوْلَى وأفضل من الفراق، وذلك لضمان النفقة عليها وغير ذلك.
- وقوله تعالى: ﴿ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ﴾: يعني وقد فُطِرَتْ النفوس على البخل، فهو مُلازمٌ للنفس البشرية لا يفارقها (والمرأة كالرجل في هذا)، إلا أن المرأة أشَحّ منه في أن تُعطي شيئاً مِن حقها لغيرها، إذاً فليُراعِ الزوج هذا، ولا يَستغل اضطرارها لهذه المصالحة فيُنقِصها كثيراً من حقوقها، ولهذا قال تعالى بعدها: ﴿ وَإِنْ تُحْسِنُوا ﴾ معاملة زوجاتكم ﴿ وَتَتَّقُوا ﴾ اللهَ فيهنّ، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ لا يَخفى عليه شيء، وسيَجزيكم بالإحسان إحساناً وبالخيرِ خيراً.
الآية 129: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا ﴾ أيها الرجال ﴿ أَنْ تَعْدِلُوا ﴾ العدل التام ﴿ بَيْنَ النِّسَاءِ ﴾ في المحبة وميل القلب، أما في النفقة والكِسوة والعِشرة بالمعروف فهذا مُستطاع.
﴿ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ على تحقيق العدل في الحب فلن تستطيعوا، ولذلك لا يؤاخِذ الله تعالى به، ولكنْ بشرط: ﴿ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ﴾: يعني فلا تُعرِضوا عن المرغوب عنها كُلَّ الإعراض ﴿ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾: أي حتى لا تتركوها كالمرأة المُعلَّقة التي (ليست متزوجة ولا هي مُطلَّقة) فتأثموا، ﴿ وَإِنْ تُصْلِحُوا ﴾ أعمالكم فتَعدِلوا في النفقة والعطاء بين زوجاتكم ﴿ وَتَتَّقُوا ﴾ الله تعالى وتخشوه فيهنّ: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا ﴾ يغفر لكم ما عجزتم عن القيام به لِضَعفكم ﴿ رَحِيمًا ﴾ يرحمكم في دنياكم وأخراكم بسبب تقواكم له.
الآية 130: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا ﴾: يعني: فإذا تعذر الاتفاق بين الرجل وامرأته، فلا بأس بالفراق، فإذا تفرقا: ﴿ يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا ﴾ منهما ﴿ مِنْ سَعَتِهِ ﴾ وفضله، فيُغني الزوج بزوجةٍ خيرٍ له منها، ويُغني الزوجة بزوجٍ خيرٍ لها منه، وإن انقطعتْ نفقتها من زوجها (بعد الفراق)، فإنَّ رِزقَها على المتكفل بأرزاق جميع الخلق، القائم بمصالحهم، ولذلك قال بعدها: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾، فمَن كان كذلك قهو قادرٌ على إغنائهما، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا ﴾ في فضله وعطائه ﴿ حَكِيمًا﴾ فيما يقضي به بين عباده.
الآية 131: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ وما بينهما، ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ من اليهود والنصارى، ﴿ وَإِيَّاكُمْ ﴾: أي وكذلك عَهِدنا إليكم يا أمة محمد ﴿ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ﴿ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾: يعني فإنه سبحانه غنيٌ عنكم; لأنّ له جميع ما في السموات وما في الأرض ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا ﴾ عن خلقه، فلا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين وجحود الجاحدين، وكان سبحانه ﴿ حَمِيدًا ﴾ في صفاته وأفعاله، مُستحقاً للثناء في كل حال.
الآية 134: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا ﴾: يعني مَن كانت هِمَّتُهُ وإرادته دَنِيَّة غير متجاوزة ثواب الدنيا، وليس له إرادة في الآخرة فإنه قد قَصُرَ سَعْيُهُ ونَظَرُه، ومع ذلك فلا يَحصل له من ثواب الدنيا سوى ما كَتب الله له منها، فإنه تعالى هو المالك لكل شيء، ﴿ فَعِنْدَ اللَّهِ ﴾ وحده ﴿ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾: فلْيَطلبهما منه ولْيَستعن به عليهما، فإنه لا يُنالُ ما عنده إلا بطاعته، ولا تُدرَكُ الأمور الدينية والدنيوية إلا بالاستعانة به، والافتقار إليه على الدَوام.
- وله سبحانه الحكمة في توفيق مَن يوفقه، وخذلان مَن يَخذله، وله الحكمة كذلك في عطائه ومَنْعِه، ولهذا قال: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا ﴾ لأقوال عباده ﴿ بَصِيرًا ﴾ بأعمالهم ونياتهم، وسيجازيهم على ذلك.
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( وإن امرأة خافت ) الآية ] 128 ] .
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال : حدثنا أبو يحيى قال : حدثنا سهل قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن هشام ، عن عروة ، عن عائشة في قول الله تعالى : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ) إلى آخر الآية : نزلت في المرأة تكون عند الرجل فلا يستكثر منها ويريد فراقها ، ولعلها أن تكون لها صحبة ، ويكون لها ولد ، فيكره فراقها ، وتقول له : لا تطلقني وأمسكني وأنت في حل من شأني . فأنزلت هذه الآية . رواه البخاري عن محمد بن مقاتل ، عن ابن المبارك . ورواه مسلمعن أبي كريب ، عن أبي أسامة ، كلاهما عن هشام .
أخبرنا أبو بكر الحيري قال : حدثنا محمد بن يعقوب قال : أخبرنا الربيعقال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن المسيب :أن بنت محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا وإما غيره ، فأراد طلاقها ، فقالت : لا تطلقني وأمسكني واقسم لي
لمسات بيانيه
آية (128):
*ما هو إعراب الشح في قوله تعالى (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ (128) النساء)؟(د.فاضل السامرائى )
هي مفعول به والأنفسُ نائب فاعل. أحضر تأخذ مفعولين. (أحضرت الأنفس الشح) أي البخل، لما خلقها ربنا سبحانه وتعالى جاء بالشح وأحضرها ربنا بالخِلقة. عندما خلق الأنفس جعل معها الشح (وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا (100) الإسراء) قتوراً خبر كان وتعني بخيلاً . الإنسان بخيل خِلقة فلما خلق تعالى الأنفس جاء بالشح. حضر يتعدى إلى مفعول واحد وأحضر يتعدى إلى مفعولين. أحضرتُه كذا أي جعلته حاضراً، أحضرتُهُ المجلس. في الأصل أحضرنا الأنفس الشح، ماذا أحضرنا الأنفس؟ أحضرناها الشحَّ. ما قال أحضرنا وإنما قال أُحضِرت لأن الله تعالى ينسب الخير لنف
لمسات بيانيه
*ما إعراب كلمة (الشُّحَ) في قوله تعالى (وأحضرت الأنفسُ الشُّحَ)؟(د.فاضل السامرائى)
فعل أحضر يأخذ مفعولين وكلمة الشح هي مفعول به ثاني لفعل أحضر، والأنفس نائب فاعل والمعنى أحضرنا الأنفس الشُّحَّ، فكأنما المعنى أنه أحضر الشح للأنفس أو جيء بالشح وأُحضر للأنفس.وعليه يكون (الأنفس) مفعول به أول و(الشح) مفعول به ثاني. وكأن الله تعالى أحضر الأنفس عندما خلقها خلق الشحّ وجعله فيها
لمسات بيانيه
وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ (131) النساء)انظر إلى هذا التناسب بين آي القرآن فالآية الأولى فيها إشارة إلى إغناء الله تعالى كُلاً عن صاحبه فناسب أن تبدأ الآية الثانية بإظهرا ملكوت الله سبحانه وتعالى. فمن له ما في السموات وما في الأرض قادر على أن يغني كل أحد من سعته وهذا كناية عن عظيم سلطانه واستحقاقه للتقوى
*(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ (131) النساء) لِمَ ذكر ربنا سبحانه وتعالى أمره لأهل الكتاب بالتقوى ثم عطف المسلمين عليهم؟ ولو قال: ولقد وصينا المؤمنين أن اتقوا الله ليشمل كل مؤمن منذ أن وُجِد الإنسان على الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن الإخبار بأن الله تعالى أوصى الذين أوتوا الكتاب من قبل مقصود منه إلهاب هِمم المسلمين وحثّهم على بلوغ تقوى الله تعالى لئلا تفضلهم الأمم التي من قبلهم من أهل الكتاب وبديهي أن الإنسان إن وُضِع ميزان التفاضل لا يقبل أن يسبقه أحد إلى خير أبداً.
—————————————————————————————
تفسير مبسط للوجه 24 من سورة النساء ص 100
الآية 135: (﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ﴾: يعني كونوا قائمين بالعدل في كل أموركم، ﴿ شُهَدَاءَ لِلَّه ﴾:ِ أي مؤدين للشهادة لوجه الله تعالى، ﴿ وَلَوْ ﴾ كانت ﴿ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ ﴿ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ﴾: يعني: ومهما كان شأن المشهود عليه غنيًّا أو فقيرًا، فلا يَحمِلَنَّكم غِنى الغنى ولا فقْر الفقير على تحريف الشهادة أو كتمانها (ظناً منكم أنَّ ذلك في مصلحته)، فإنَّ الله تعالى أوْلَى به منكم، وأعلم بما فيه صلاحه، ﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ﴾: يعني فلا يَحمِلَنَّكم الهوى والتعصب للغير على ترْك العدل، ﴿ وَإِنْ تَلْوُوا ﴾: يعني وإن تحرفوا الشهادة بألسنتكم فتأتوا بها على غير حقيقتها، ﴿ أَوْ تُعْرِضُوا ﴾ عنها بترْك أدائها أو بكتمانها: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾: أي عليمًا بدقائق أعمالكم، وسيجازيكم بها.
الآية 136: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا ﴾: أي داوِموا على ما أنتم عليه من التصديق الجازم ﴿ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ﴾ على رُسُله الكرام، ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ عن طريق الحق.
لآية 138، والآية 139: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾: يعني أخبِرهم بخبرٍ يَظهرُ أثره على بَشرَةِ وجوههم ألماً وحسرة، (وهو العذاب المؤلم في النار).
- وهؤلاء المنافقون هم ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ﴿ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ ﴾: يعني أيَطلبون بذلك النُصرة والقوة عند الكافرين؟ إنهم لا يملكون ذلك، ﴿ فَإِنَّ الْعِزَّةَ ﴾ والنُصرة والقوة ﴿ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾: أي جميعُ ذلك للهِ وحده.
لآية 140، والآية 141: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ﴾: أي نَزَّلَ عليكم في القرآن ﴿ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ ﴾: أي فلا تجلسوا مع الكافرين والمستهزئين ﴿ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ﴾: يعني إنكم إذا جالستموهم، وهم على ما هم عليه من الكفر والاستهزاء، فأنتم مِثلهم؛ لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها.
- وكذلك السامع لغَيْبَةِ أخيه (يعني بما يَكرهه في غيبته)، وكانَ في استطاعته أن يدافع عنه، أو أن يقول لهم: (الله يهديه ويغفر له)، ليمنعهم بذلك من غيبته، أو كانَ في استطاعته أن يترك مجلس الغيبة ولم يفعل، وكان راضياً بذلك، ومُقِرَّاً للمغتابين على ما هم عليه: فإنه مغتابٌ مثلهم يأكل لحم أخيه ميتاً.
﴿ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ يلْقَون فيها سوء العذاب، وهؤلاء المنافقون هم ﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ ﴾: يعني ينتظرون ما يَحِلُّ بكم من الفتن والحرب: ﴿ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ ﴾ ونَصَرَكم على عدوكم وغَنِمتم: ﴿ قَالُوا ﴾ لكم: ﴿ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ﴾ نناصركم؟، ﴿ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ ﴾: يعني قَدْرٌ من النصر والغنيمة، ﴿ قَالُوا ﴾ لهم: ﴿ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾: يعني ألم نساعدكم ونَحْمِكُم من المؤمنين؟ ﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾ وبينهم ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾: يعني ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين طريقًا ليغلبوهم بالحُجَّة والبرهانً في الآخرة، وإنما قلنا (في الآخرة) لأن السِياق كان يتحدث عن أن الله سوف يحكم بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة.
اسباب النزول
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ) الآية ] 135 ] .
371 – روى أسباط عن السدي قال : نزلت في النبي – صلى الله عليه وسلم – اختصم إليه غني وفقير ، وكان ضلعه مع الفقير ، رأى أن الفقير لا يظلم الغني ، فأبى الله تعالى ، إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير ، فقال : ( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ) حتى بلغ ) إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ) .
372 – قال الكلبي : نزلت في عبد الله بن سلام ، وأسد وأسيد ابني كعب ،وثعلبة بن قيس ، وجماعة من مؤمني أهل الكتاب ، قالوا : يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك ، وبموسى والتوراة وعزير ، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل ، فأنزل الله تعالى هذه الآية
لمسات بيانيه
آية (135):
*ما دلالة (قوامين بالقسط شهداء لله) في آية سورة النساء و (قوّامين لله شهداء بالقسط) في آية سورة المائدة؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً {135})وقال تعالى في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {8}) ولو أخذنا سياق الآيات في سورة النساء نلاحظ أن السورة كلها في الأمر بالعدل والقسط وإيتاء كل ذي حق حقه (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً {2}) (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً {4}) فلذلك اقتضى السياق تقديم قوّامين بالقسط.
أما في سورة المائدة فسياق الآيات في حقوق الله تعالى وفي الولاء والبراء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {2}) (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {7}) الكلام في القيام بأمر الله تعالى لذا اقتضى قول قوّامين لله لأن السياق في القيام لله تعالى وفي حقوق الله ت
لمسات بيانيه
آية (136):
* في آية سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُوَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136))؟ بماذا آمن هؤلاء؟(د.حسام النعيمى)
العلماء لهم ثلاثة أقوال هنا:
لأن الكلام قبله كان مع أهل الكتاب فبعضهم يذهب إلى أنه :يا أيها الذين آمنوا بموسى والتوراة وعيسى والإنجيل آمنوا بمحمد والقرآن. هذا المعنى العام.
رأي آخر يقول: الخطاب مع المؤمنين، آمنوا أي اثبتوا على إيمانكم.
وهناك قول ثالث وهو الذي وجدنا أنفسنا نطمئن إليه أكثر أنه يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم آمنوا بقلوبكم. الخطاب مع المنافقين ولم يقل لهم يا أيها الذين نافقوا أبداً. القرآن لم يستفز المنافقين وإنما كان يخاطبهم كما يخاطب تامؤمنين لم يكن يريد أن يثيرهم ولم يكن يريد أن يبعدهم من قبيل لا تعن الشيطان على أخيك. فخاطبهم يا أيها الذين آمنوا عليكم أن تؤمنوا بهذه الأشياء أنتم الآن مؤمنين أمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي أنزل على رسوله. إخترنا هذا الرأي لأنه مباشرة يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) فكان الكلام مع المنافقين ولا ننفي الرأي الأول والثاني لكن نجد في سياق الآيات لأن بعد ذلك قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)) ولم يرد في القرآن مهاجمة مباشرة : يا أيها الذين نافقوا لكنه يقول (ومن الناس ) وما قال لهم أنتم مع أن الرسول r يعرفهم لكن الله تعالى أراد لكتابه الكريم أن يعلّمنا أن لا نصدم الناس ونوزع عليهم الألقاب: فاسق، كافر، ملحد،. كلام الله عز وجل يربّي أتباع محمد r على ما ينبغي أن يكون عليه المسلم.
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ (136) النساء) جاء في صلة وصف الكتاب المنزّل على محمد صلى الله عليه وسلم بصيغة التفعيل (نزّل) بينما جاء في صلة وصف الكتاب المنزّل من قبل خالياً من التضعيف (أنزل) فلِمَ خصّ القرآن بالتضعيف؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إنما خصّ الله تبارك وتعالى القرآن بصيغة نزّل التي تدل على التضعيف لأن القرآن حينئذ كان يتنزّل على قلب محمد r بينما التوراة يومئذ كانت قد انقضى نزولها
لمسات بيانيه
آية (138):
*ما دلالة قوله تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) النساء)؟(د.فاضل السامرائى )
المعروف أن التبشير بالشيء الحسن أما هنا فجاء التبشير من باب السخرية والتهكم منهم. كما في قوله تعالى أيضاً (ذُق أنك أنت العزيز الكريم) العزيز الكريم من باب التهكم والسخرية.
*قال تعالى في سورة النساء (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)) وقال تعالى في سورة البقرة (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25))ذكر الباء في الآية الأولى (بأن) وحذفها في الثانية (أن) مع أن التقدير هو (بأن) لماذا؟(د.فاضل السامرائى)
لأن تبشير المنافقين آكد من تبشير المؤمنين. ففي السورة الأولى أكّد وفصّل في عذاب المنافقين في عشرة آيات من قوله(ومن يكفر بالله وملائكته). أما في الآية الثانية فهي الآية الوحيدة التي ذكر فيها كلاماً عن الجزاء وصفات المؤمنين في كل سورة البقرة. إذن (بأن) أكثر من (أن) فالباء الزائدة تناسب الزيادة في ذكر المنافقين وجزاؤهم.
وقال تعالى في سورة الأحزاب (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)) لأنه تعالى فصّل في السورة جزاء المؤمنين وصفاتهم.
لمسات بيانيه
(بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) النساء) انظر إلى هذا الأسلوب الأدبي الذي سلك مع المنافقين مسلك المشاكلة فالمنافق الذي يتظاهر بالإيمان ويُبطن الكفر يتهكم بالاسلام وأهله ولذلك جاء ربنا في جزاء عملهم بوعيد مناسب لتهكمهم بالمسلمين فبدأ هذا الجزاء بفعل بلغ في التهكم والسخرية منهم مبلغاً عظيماً فقال (بشر المنافقين) وبماذا ستكون البشارة؟! بجنة عرضها السموات والأرض لأن البشارة خبر بما يُفرِح؟! لا، بشّرهم بأن لهم عذاباً أليماً وفي هذا غاية التهكم والسخرية منهم.
———————————————————————————-
تفسير مبسط للوجه 25 من النساء ص 101
﴿ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ يلْقَون فيها سوء العذاب، وهؤلاء المنافقون هم ﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ ﴾: يعني ينتظرون ما يَحِلُّ بكم من الفتن والحرب: ﴿ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ ﴾ ونَصَرَكم على عدوكم وغَنِمتم: ﴿ قَالُوا ﴾ لكم: ﴿ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ﴾ نناصركم؟، ﴿ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ ﴾: يعني قَدْرٌ من النصر والغنيمة، ﴿ قَالُوا ﴾ لهم: ﴿ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾: يعني ألم نساعدكم ونَحْمِكُم من المؤمنين؟ ﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾ وبينهم ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾: يعني ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين طريقًا ليغلبوهم بالحُجَّة والبرهانً في الآخرة، وإنما قلنا (في الآخرة) لأن السِياق كان يتحدث عن أن الله سوف يحكم بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة.
الآية 142، والآية 143: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ ﴾: أي يعتقدون بجهلهم أنهم يُخادعونَ اللَّهَ، بما يُظهرونه من الإيمان وما يُبطنونه من الكفر، ظنًّا منهم أنّ ذلك يَخفى على الله تعالى، ﴿ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ ومجازيهم بمثل عملهم، ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ﴾: أي قاموا إليها في فتور، ﴿ يُرَاءُونَ النَّاسَ ﴾ ﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾، ولذلك أمر الله المؤمنين – في آيةٍ أخرى – أن يذكروا الله ذكراً كثيراً، لأن الذكر الكثير براءةٌ من النفاق.
- وإنَّ مِن شأن هؤلاء المنافقين أنهم ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾: يعني حَيارَى مترددين بين الكفر والإيمان، لا يستقرون على حال، فـ﴿ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ﴾: يعني فلا هم مع المؤمنين ولا هم مع الكافرين، ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ ﴾: يعني ومَن يَصرف الله قلبه عن الإيمان وعن الاستمساك بهديه: ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾: يعني فلن تجد له طريقًا إلى الهداية واليقين.
الآية 144: (﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ بالنصرة والمحبة والإعانة وبإفشاء أسرار المؤمنين لهم، ﴿ أَتُرِيدُونَ ﴾ بمودَّة أعدائكم ﴿ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ﴾: أي حُجَّةً ظاهرة على عدم صِدق إيمانكم؟
الآية 145، والآية 146: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾: يعني في أسفل منازل النار يوم القيامة، ﴿ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ يدفع عنهم سوء هذا المصير، ثم ذكر تعالى الأمل الوحيد لهم في النجاة من ذلك العذاب الأبدي فقال: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ﴾ ﴿ وَأَصْلَحُوا ﴾ ما أفسدوه من أحوالهم باطنًا وظاهرًا، ﴿ وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ ﴾ من شر النفس والشيطان، واستمسكوا بدين الله، (﴿ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾) في الدنيا والآخرة، ﴿ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾.
الآية 147: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ ﴾: يعني ماذا يستفيد الله تعالى من تعذيبكم ﴿ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾ فإنه سبحانه غني عن ذلك، وإنما يعذب العباد بذنوبهم إن لم يتوبوا وأصَرُّوا على ما هم فيه، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا ﴾ لعباده على طاعتهم له، ﴿ عَلِيمًا ﴾ بكل شيء.
لمسات بيانيه
آية (141):
*(ورتل القرآن ترتيلاً):
(الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (141) النساء) تأمل هذا المشهد الحسي الذي يرصد حركة المنافقين وكأنك ترى تقلبهم وتمالؤهم في صورة منفّرة مزرية فها هم يلقون المسلمين بوجه ويلقون الكافرين بوجه ويمسكون العصا من وسطها ويتلوّنون كالثعابين. فكم يفعل الفعل(يتربصون) في النفس مشاعر الكره والنفور من هذه الطائفة أكثر مما يبعثه الفعل (يترقبون
لمسات بيانيه
آية (142):
*(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الأنفال) – (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) الطارق) – (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ (142) النساء) ؟(د.أحمد الكبيسى)
عندنا ثلاث كلمات عجيبة غريبة (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ) (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) النمل) وعندنا (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)) وعندنا (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) أساليب تعامل ناس غير مؤمنين وغير صالحين مع الله عز وجل وهو تعاملهم مع الناس أنت هناك من يمكر بك ومن يكيد لك ومن يخادعك وهذا شأن الناس جميعاً في بعض تصرفاتهم. فما الفرق بين (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ) (وَمَكَرْنَا مَكْرًا) وبين (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا) (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ (76) يوسف) (إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يوسف) وبين (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) النساء)؟
المكر سر في الإنسان عن طريقه يعني تضعه في مكان معين يفرح به وظيفة عالية تجعله غنياً بعد فقر، تعطيه رتبة هائلة مثلاً كان جندياً بسيطاً تجعله لواء، يعني تكرمه إكراماً زائداً ولكن هذا ليس لمصلحته وإنما تريد أن تقلب به الأرض، هذا المكر (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا). مثلاً قارون أعطاه الله مالاً (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ (76) القصص) ولما رب العاليمن أعطاه هذا المال لا ليسعده به وإنما أراد أن يمكر به (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ (81) القصص) هكذا شأن الذين يتعاونون مع الطغاة في كل التاريخ، هذا الطاغية سواء كان استعماراً أو محتلاً يأتي بعملاء يعطيهم فلوس ومناصب وقصور وأرصدة في الخارج يسعدهم سعادة وهمية وهم فرحون بذلك ولكن هو لا يعني هذا هو يمكر بهم وفي النهاية سوف يأخذ كل شيء منهم ثم يلقيهم في التهلكة ، هذا هو المكر. ولهذا كل من يعطي عطاء الهدف منه توريط المعطَى وليس إسعاده وإنما إهلاكه بهذا العطاء يسمى مكراً.
الكيد هو دقة التدبير الخفي (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ (76) يوسف) رب العالمين أراد أن يجعل يوسف ملك مصر ويوسف صغير عند يعقوب كيف؟! يقول القول الحكيم: لو يعلم العبد كيف يدبر الله الأمور لذاب فيه عشقاً. شيء عجب ولذلك كل واحد منا مر في حياته أشياء كان يكرهها (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ (216) البقرة) وإذا بها من تدبير الله يؤدي إلى سعادة متناهية. حينئذ هذا الكيد (إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ (28) يوسف) حسن التدبير بخفاء وحينئذ (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) الطارق) .
المكر إذن عطاء كثير إسعاد كثير مواقف إيجابية لكن وراءها مصيبة ستأتي يعني السُمّ بالدسم تعطي واحداً كل ما يريد تسعده سعادة هائلة لكن بغرض أن تودي به إلى مهلكة. الكيد تدبير خفي ينطلي على المكيد به وأنت تريد من ورائه شيئاً معيناً أماالمخادعة والخديعة فإظهار المحبة إظهار الولاء والشفقة ثم أنت في واقع الأمر أن تصل بهم من وراء هذا الظن إلى أن تؤدي بهم إلى الهلاك. إذن ثلاثة تشترك في أنها إلى هلاك لكن هلاك عن طريق التزيين والعطاء السم بالدسم والكيد عن طريق دقة التدبير بحيث لا تأتيك التهمة إطلاقاً ولا يطالك القانون نهائياً إذن هكذا هو الفرق بين المكر والكيد والخد
لمسات بيانيه
آية (143):
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء (143) النساء) تأمل أسرار القرآن. أن تقرأ عبارة فترسم لك فكرة، هذا أمر معلوم ولكن القرآن تجاوز هذا إلى الكلمة المعبّرة. ألا ترى كيف استخدم القرآن كلمة (مذبذبين) ليعبّر عن شدة خوفهم واضطرابهم ولو ذهبت تضع مكانها أي كلمة لما أدّت المعنى المطلوب فهي تدل على الاضطراب والتعجّل من جهة المعنى وتفيد الكثرة من خلال تكرار الأحرف.
لمسات بيانيه
آية (145):
*هل المنافقون في الدرك الأسفل في النار؟ (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) النساء) هل يشمل الكفار أو يشمل الكفار والمنافقين من المسلمين؟(د.فاضل السامرائى)
ربنا قال هذا. لا، لأن المنافق كما ذكر ربنا سبحانه وتعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) البقرة) المنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان تحديداً.
سؤال: مثلاً إذا كنت أبطن كرهي لشخص معين وأظهر له مودتي هل هذا نفاق؟
هذا ليس النفاق الشرعي المذكور في القرآن. المذكور في القرآن إبطان الكفر وإظهار الإيمان والرسول r ذكر قسم من يكون فيه خصلة من النفاق، قال “آية المنافق ثلاث” هذه مجموعها وإذا كانت فيه واحدة كان فيه خصلة من النفاق “أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق” فيه خصلة وليس منافقاً خالصاً، ويكون منافقاً على قدر ما فيه من خصال.
سؤال: هو مسلم، مسلم إذا حدّث كذب وإذا ائتمن خان وإذا وعد أخلف وفي رواية وإذا خاصم فجر، هل يمكن أن يكون المسلم فيه هذه الخصال؟
الرسول r سُئل هل المؤمن يزني؟ قال نعم، هل يسرق؟ قال نعم، هل يكذب؟ قال لا. إذا حدث كذب إذن إنتفت عنه صفة الإسلام. إضافة إلى أن المقصود في الشرع هذا المقصود بقوله (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) هؤلاء الذي يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان أما الذي هو مسلم هذا شيء آخر ربنا يحاسبه على قدر ما فعل من معاصي يعني إذا قال لا إله الله مؤمناً بها قلبه مصدقاً بما يقول هذا لا يُبطن الكفر. إذن المقصود بالمنافق الذي هو بالمفهوم الشرعي الدقيق لمفهوم المنافق. عبد الله بن سلول هذا منافق يبطن الكفر تحديداً ويظهر الإيمان (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) البقرة) هؤلاء المنافقون فكيف يكون مسلماً؟ ويمكن أن يقولها تغليظاً للعقوبة وأحياناً يقال تغليظ العقوبة وتكبيراً للسيئة وتعظيماً لها مثلاً من قتل مسلماً يكون خالداً في النار ومع ذلك العلماء مختلفون هل المسلم خالد في النار إن قتل مسلماً لكن من الناحية الشرعية المنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان وبالتالي ليس مسلماً. أما من ناحية إن كان من باب تغليظ العقوبة يشهد الشهادة ويفعل أفعالاً أخرى هذا أمر آخر.
———————————————————————————-
تفسير مبسط للوجه 26ىمن النساء ص 102
لآية 148، والآية 149: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ﴾: أي: لا يُحِبُّ الله أن يَجهر أحدٌ بقوْل السُوء من السَبّ والغيبة وغير ذلك ﴿ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ﴾: يعني: لكنْ يُباح للمظلوم أن يدعو على ظالِمِه، وأن يَذكُره بما فيه من السوء، لِيبيِّن مَظْلمته، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا ﴾ يَسمع أقوالكم، فاحذروا أن تتكلموا بما يُغضبه فيعاقبكم على ذلك، وَكَانَ اللَّهُ ﴿ عَلِيمًا ﴾ بنيَّاتكم وأعمالكم، ثم حَبَّبَ اللهُ تعالى إلى عباده المؤمنين فِعل الخير في السر أو العَلَن، وإلى العفو عَمَّن ظلَمهم فقال: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ ﴾: يعني إن تُظهِروا الخير أو تُخفوه، فإنَّ الله تعالى سيُعطِي فاعلَه خيراً، ﴿ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء ﴾: يعني أو تعفو عَمّن أساء إليكم في أبدانكم أو أموالكم أو أعراضكم، فإنَّ الجزاء من جنس العمل، فمَن عفا عن الخَلق: عفا اللهُ عنه، ومَن أحسن إلى الخلق: أحسن الله إليه، فلهذا قال: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾: أي يعفو عن عباده مع قدرته عليهم، وسيعفو سبحانه عن صاحب العفو حينما تزِلّ قدمه، فيَجني – في حق الله – ما يستوجب به العقوبة، فيَشكر اللهُ له عفوه السابق فيعفو عنه.
لآية 150، والآية 151: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ من اليهود والنصارى ﴿ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِه ﴾ بأن يؤمنوا بالله ويُكَذِّبوا رسله الذين أرسلهم إلى خَلقه، ﴿ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ﴾: أي ببعض الرسل (﴿ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ﴾ ﴿ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾: يعني ويريدون أن يتخذوا طريقاً بين الكفر والإيمان، وليس هناك إلا طريق واحد (وهو الإيمان أو الكفر)، فمَن آمن بكل الرسل فهو المؤمن، ومَن آمن ببعضهم وكفر ببعضهم فهو الكافر، ولهذا قال: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾، أما المؤمنون فإنهم يُقرُّون بنبوَّة الرُسُل أجمعين، ولا يفرقون بين أحدٍ منهم في الإيمان بهم، وبما جاؤوا به من التوحيد.
لآية 153: ﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ ﴾ وهم هنا اليهود، الذين جاؤوا يسألونك (على سبيل العناد) سؤالاً يتوقف عليه تصديقهم أو تكذيبهم، وهو أن تأتي إليهم بمعجزة تشهد لك بالصِدق، وهي ﴿ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاء ﴾:ِ أي تُنَزِّلَ عليهم القرآن جُملةً واحدة كما نَزَلت التوراة والإنجيل، وهذا غاية الظلم منهم والجهل، فإنَّ الرسولَ بشر، ليس في يده من الأمر شيء، بل الأمر كله لله، وهو الذي ينزل ما يشاء في الوقت الذي يشاء (بحسب الأحوال والأحداث)، وذلك لتربية عباده، وتثبيت المؤمنين، والرد على المخالفين، مما يدل على اعتناء الله برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾، فلا تَعجب أيها الرسول مِن طلب هؤلاء اليهود ﴿ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ﴾: أي عياناً بالبصر، ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ﴾: أي بسبب ظُلْمِهم أنفسهم حين سألوا أمرًا ليس من حقِّهم، ﴿ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾: يعني: وبعد أن رأوا من الآيات بأبصارهم ما لم يَرَهُ غيرهم (حيث فلق الله لهم البحر وأنجاهم وأغرق عدوهم)، وبعد أن شاهدوا الآيات البينات (القاطعة بنفي الشرك) على يد موسى: اتخذوا العجل إلهاً يعبدونه من دون الله، ﴿ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ ﴾: أي فعَفو
لآية 154، والآية 155: ﴿ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ ﴾: يعني ورفعنا فوق رؤوسهم جبل الطور – تهديداً لهم – حين امتنعوا عن الالتزام بالعهد المؤكَّد الذي أعطوه بالعمل بأحكام التوراة، ﴿ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ﴾: يعني وأمرناهم أن يدخلوا باب “بيت المقدس” سُجَّدًا، فلم يفعلوا، ﴿ وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ ﴾: أي وأمرناهم ألا يَعْتَدُوا بالصيد في يوم السبت فاعتدَوا، واصطادوا، ﴿ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾: أي وأخذنا عليهم عهدًا مؤكَّدًا على أن يعملوا بما في التوراة، فنقضوا هذا العهد، إذاً فلا غَرابة في سؤالهم إيَّاك أن تنزل عليهم كتاباً من السماء.
من اسباب النزول
قوله ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ) الآية ] 148 ] .
373 – قال مجاهد . إن ضيفا تضيف قوما فأساءوا قراه فاشتكاهم ، فنزلت هذه الآية رخصة في أن يشكوا .
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا ) الآية ] 153 ] .
– نزلت في اليهود ، قالوا للنبي – صلى الله عليه وسلم – : إن كنت نبيا فأتنا بكتاب جملة من السماء ، كما أتى به موسى ، فأنزل الله تعالى هذه الآ
لمسات بيانيه
آية (148):
* (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) النساء) ما معنى كلمة السوء؟ (د.فاضل السامرائى)
المقصود من هذه الآية أن لا يذكر أحداً بسوء أن تذمهم وأن ترفع صوتك بذكره ذماً إلا من ظلمك أما أن تتكلم هكذا على الناس وتجهر بذمهم فهذا لا يجوز، من ظلمك تذكر أما في غير ذلك فلا يصح. الذي ظُلِم يذكر الأمر والسوء هو أي ذمّ وهو كلمة عامة.
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ (148) النساء) استعمل القرآن كلمة الجهر بالسوء والجهر هو ما يصل إلى أسماع الناس فنُهينا عن التلفظ بالكلام السيئ وقيّده بالقول لأنه أضعف أنواع الأذى فدلّنا ذلك على أن السوء بالفعل أشد تحريماً لأنه أشد من القول.
لمسات بيانيه
آية (150):
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ (150) النساء) انظر إلى كلمة (يكفرون) فقد استعمل القرآن كلمة يكفرون بصيغة المضارع ولم يستعمل لفظ كفروا بصيغة الماضي لينبّهنا إلى أن أمر الكفر منهم متجدد وفيهم مستمر لأنهم لو كفروا في الماضي ثم رجعوا لما كانوا أحرياء بالذمّ وصبغهم بصفة الكفر وجعلها سربالاً لا يغادرهم
لمسات بيانيه
آية (151):
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا (151) النساء) جعل المبتدأ والخبر معرفة فقال (أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) فقد عرّف جزئي الجملة أي إسم الإشارة أولئك والخبر الكافرون لتأكيد قصر صفة الكفر عليهم. تقول لإنسان أنت بطل أي هو بطل من بين الأبطال أما إن قلت له أنت البطل فهذا يعني أنك جعلت البطولة له دون غيره لما رأيت من صفات البطولة لديه. كذلك عندما نقول أولئك هم الكافرون فهذا يعني أننا نزلنا غيرهم من الكفرة منزلة العدم لما تمتع به هؤلاء من أوصاف الكفر ووجه هذه المبالغة هو أن كفرهم قد اشتمل على أحوال عديدة من الكفر وسفاهة في الرأي حيث أن كل فِعلة لهم إذا انفردت هي كفر فكيف بها إذا اجتمعت؟
لمسات بيانيه
آية (153):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين (جاءهم البيّنات) و(جاءتهم البيّنات) في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
هناك حكم نحوي مفاده أنه يجوز أن يأتي الفعل مذكراً والفاعل مؤنثاً. وكلمة البيّنات ليست مؤنث حقيقي لذا يجوز تذكيرها وتأنيثها. والسؤال ليس عن جواز تذكير وتأنيث البيّنات لأن هذا جائز كما قلنا لكن السؤال لماذا؟ لماذا جاء بالاستعمال فعل المذكر (جاءهم البيّنات) مع العلم أنه استعملت في غير مكان بالمؤنث (جاءتهم البيّنات)؟
جاءتهم البيّنات بالتأنيث: يؤنّث الفعل مع البيّنات إذا كانت الآيات تدلّ على النبوءات فأينما وقعت بهذا المعنى يأتي الفعل مؤنثاً كما في قوله تعالى في سورة البقرة (فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {209}) والآية (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {213}) و (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ {253})، وقوله في سورة النساء (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً {153}).
أما جاءهم البيّنات بالتذكير: فالبيّنات هنا تأتي بمعنى الأمر والنهي وحيثما وردت كلمة البيّنات بهذا المعنى من الأمر والنهي يُذكّر الفعل كما في قوله تعالى في سورة آل عمران (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّوَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {86}) و (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {105}) وفي سورة غافر (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ
لمسات بيانيه
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ (153) النساء) لو وقفنا عند هذه الآية لرأينا أن هذه الآية صُدّرت بفعل مضارع (يسألك) بغية استحضار حالتهم في هذا السؤال حتى كأنك تعيش معهم وتراهم وأتى الفعل بصيغة المضارع (يسألك) للدلالة على تكرار السؤال وتجدده منهم المرة بعد الأخرى بقصد التحدي والاعجاز ولذلك قال تعالى بعدها (فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ).
لمسات بيانيه
آية (154):
*ما الفرق بين استعمال كلمة الجبل والطور في سورة البقرة والنساء والأعراف؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {63}) وقال في سورة النساء (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً {154}) وقال في سورة الأعراف (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {171}).
أما من حيث التقديم والتأخير هو قائم على الإهتمام الذي يقتضيه سياق الآيات سواء كان ـفضل أو مفضول وإنما للأهمية. في سورة البقرة (ورفعنا فوقكم الطور) فوقكم أهمّ من الطور نفسه وكذلك في آية سورة النساء أما آية سورة الأعراف فالجبل أهم من فوقهم.
في آية سورة الأعراف وصف تعالى الجبل كأنه ظُلّة وذكر (وظنوا أنه واقع بهم) ومعنى واقع بهم أي أوقع بهم أو أهلكهم وهذا كله له علاقة بالجبل فالجبل في الأعراف أهمّ. ولم يذكر عن الطور شيئاً آخر في سورة البقرة أو النساء.
آية البقرة والنساء يستمر الكلام بعد الآيات على بني إسرائيل حوالي أربعين آية بعد الآية التي جاء فيها ذكر الطور لذا قدّم فوقهم في النساء وفوقهم في البقرة على الطور للأهمية. أما في سورة الأعراف فبعد الآية التي تحدث فيها عن الجبل انتهى الكلام عن بني إسرائيل ولم يذكر أي شيء عنهم بعد هذه الآية لذا قدّم الجبل.
والجبل هو إسم لما طال وعظُم من أوتاد الأرض والجبل أكبر وأهم من الطور من حيث التكوين. أما النتق فهو أشد وأقوى من الرفع الذي هو ضد الوضع. ومن الرفع أيضاً الجذب والإقتلاع وحمل الشيء والتهديد للرمي به وفيه إخافة وتهديد كبيرين ولذلك ذكر الجبل في آية سورة الأعراف لأن الجبل أعظم ويحتاج للزعزعة والإقتلاع وعادة ما تُذكر الجبال في القرآن في موتقع التهويل والتعظيم ولذا جاء في قوله تعالى (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ {143}) ولم يقل الطور. إذن النتق والجبل أشد تهديداً وتهويلاً.
———————————————————————–
تفسير مبسط للوجه 27 من سورة النساء ص 103
﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ ﴾: أي فبسبب نقضهم للعهود لعنَّاهم، لأن هذا نظير قوله تعالى في آيةٍ أخرى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ ﴾، ﴿ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ ﴾: يعني وكذلك لَعَنَّاهُمْ بسبب كفرهم بآيات الله الدالة على صِدق رسله، وكذلك بسبب: ﴿ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾، وكذلك بسبب: ﴿ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾: أي عليها أغطية فلا تفقه ما تقول، ﴿ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ﴾: يعني بل طمس الله عليها بسبب كُفرهم، ﴿ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا ﴾ إيمانًا ﴿ قَلِيلًا ﴾ لا ينفعهم (كإيمانهم بموسى وهارون والتوراة)، ولكن كُفرهم بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم أضاع هذا الإيمان.
الآية 156: ﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ﴾: يعني: وكذلك لَعَنَّاهُمْ بسبب كُفرهم وافترائهم على مريم بما نسبوه إليها من الزنى، وهي بريئة منه.
الآية 157: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ ﴾: يعني ولَعَنَّاهُمْ أيضاً بسبب قولهم – على سبيل التَهَكُّم والاستهزاء -: (إننا قتلنا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مريم الذي يَدَّعِي أنه رسولَ اللَّه)، وهذا مثل قول فرعون وهو يتحدث عن موسى: (﴿ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾)).
فأكْذَبَهم اللهُ تعالى في ذلك بقوله: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ ﴾: يعني وما قتلوا عيسى عليه السلام ﴿ وَمَا صَلَبُوهُ ﴾ ﴿ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾: يعني: بل صلبوا رجلا شبيهًا به ظنًّا منهم أنه عيسى، ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ﴾: يعني: ومَن ادَّعى قَتْلَهُ من اليهود قد وقعوا في شك وحَيْرَة: هل هذ الرجل (الذي ألْقِيَ عليه شبه عيسى) هو عيسى؟ أو غيره؟ إنهم لم يجزموا أبداً بأنّ مَن ألقوا عليه القبض فصلبوه وقتلوه هو المسيح عليه السلام، و ﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ﴾: يعني لا عِلْمَ لديهم في ذلك ﴿ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ﴾ ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴾: يعني وما قتلوه مُتيقنين بأنه هو، بل كانوا شاكين مُتوهمين.
• فإذا كانوا يزعمون أنه هو الذي صُلِب، ويّزعمونَ أنه إلهٌ (فهل هناك إلهٌ – يتعَذب على أيدي بعضِ خَلقِهِ – يَستحق أن يُعبَد؟!)، (وهل يُعقل أن يُعبَد الصليب الذى قتِلَ عليه إلهٌ وأغرقه دماً، أمْ يُكسَر وَيُدَنَّسُ؟!)، (وإذا كانوا يعتقدون أنَّ الصَلب كانَ من أجل تكفير خطيئة آدم عليه السلام، فهل يتحمل الأبناء خطيئة الآباء؟ أمْ أنَّ اللهَ لم يكن قادراً أن يغفرَ مِن غير تعذيب؟!)، (ومَن الذى كان يَحكم الكون، وَيُسَيّر المخلوقات ويرزقها، ويُمسِك السماء حتى لا تقع على الأرض عندما ماتَ الإله؟!)، (وإنْ كانوا يزعمون أنّ الإله قد مات، فمَن الذى أحياه؟ هل هو الذى أحيا نفسه؟ أمْ أنّ هناك إلهاً آخر هو الذى أحياه؟، ولماذا لم يَقهر الموتَ عندما جاءه لينتزع روحه، أليس هو إلههم كما يزعمون؟!)، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل هو سبحانه – جَلَّ في عُلاه – الحي الذي لا يموت، القيوم الذي لا ينام، الجبار القهار ذو القوةِ المتين.
لآية 158: ﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾: يعني: بل رفع اللهُ عيسى إليه ببدنه وروحه حيًّا، وطهَّره من الذين كفروا، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا ﴾ في مُلكه ﴿ حَكِيمًا ﴾ في تدبيره وقضائه.
لآية 159: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ﴾: يعني: وما مِن أحد من أهل الكتاب (المختلفين في أمر عيسى عليه السلام) يكون موجوداً وقت نزول عيسى في آخر الزمان إلاَّ وسيؤمن بأنه عبدٌ لله ورسولٌ منه، وذلك ﴿ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾: يعني بعد نزوله من السماء (لأنه لن يموت حتى ينزل في آخر الزمان)، فحينئذٍ يُوقِنُ أهل الكتاب أنه ما قُتِلَ وما صُلِبَ (لأن بنزوله ورؤيته: قد زالت الشُبهة التي كانت عندهم)، وعندما يَنزل: يَقتل الدجال، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين، حتى تكون المِلَّة واحدة (وهي مِلَّة الإسلام).
﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ ﴾ عيسى عليه السلام ﴿ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ بتكذيب مَن كَذَّبَه، ولم يتبع بشارته بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويَشهد بتصديق مَن صدَّقه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك يشهد على اليهود أنهم كَذَّبوه وطعنوا فيه، وعلى النصارى أنهم جعلوه شريكاً مع الله تعالى في عبادتهم، وأنه بَرِيءٌ مِمَّن فعل ذلك، قال تعالى – حاكياً عن عيسى عليه السلام: ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾.
لآية 160: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا ﴾: يعني فبسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة: ﴿ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ ﴾ من المأكولات ﴿ أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾: أي كانت حلالاً لهم، ﴿ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾: يعني وكذلك كان هذا التحريم بسبب صدِّهم أنفسهم وغيرهم عن دين الله القويم، وهو الإسلام.
لآية 162: ﴿ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ﴾: يعني: لكنِ المتمكنون في العلم بأحكام الله من اليهود، ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ بالله ورسوله ﴿ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾ وهو القرآن ﴿ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ كالتوراة والإنجيل، ﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ﴾ أي وأخُصّ الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ – لِمَزيدِ فضلِهم – وهم الذين يؤدُّون الصلاة في أوقاتها بخشوع، وكذلك: ﴿ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ وهو الجنة.
لمسات بيانيه
آية (155):
* ما اللمسة البيانية في عدم ذكر الجواب وما يترتّب على كونهم نقضوا الميثاق في قوله تعالى في سورة النساء (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)) بينما جاء ذكر الجواب في قوله (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160))؟(د.فاضل السامرائى)
هذا فيه خلاف بين المفسرين واللغويين وفي الآية أكثر من تخريج عندهم:
• من المحتمل أن قوله تعالى (فبظلم من الذين هادوا) بدل من (فبما نقضهم ميثاقهم) فالجار والمجرور بدلٌ من قبله(فبما نقضهم) فذكر المتعلّق (حرّمنا عليهم) مثل قوله تعالى (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) الأعراف) (لمن آمن) بدل من (للذين استضعفوا)، وكذلك قوله تعالى (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) الزخرف) لبيوتهم سقفاً بدل لقوله (لمن يكفر بالرحمن).
• الوجه الآخر أن ذكر نقض الميثاق مذكور في آيات أخرى وذّكر فيها المتعلّق (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المائدة) فكأن الجواب في الآية أُحيل إلى ما ذُكر في آيات أخرى.
• الوجه الآخر أنه يُحذف للتعظيم وهذا ورد كثيراً في القرآن كما حذف جواب القسم في أوائل سورة ق (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1)). جواب الشرط يُحذف في القرآن كثيراُ كما في قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) سبأ) وقوله تعالى (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) الانشقاق) (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) الأنفال) وذلك حتى يذهب الذهن كل مذهب وهذا أمر عظيم فهناك من يستدعي العقوبات ولمّا قال تعالى لعنّاهم اللعن ليس قليلاً، فالأمور التي ذكرها تعالى تستدعي من العقوبات وغضب الله تعالى ما يضيق عنه الكلام فكل العقوبات في حق هؤلاء قليلة.
ويمكن أن تحتمل جميع المعاني السابقة وهذا من باب التوسع في المعنى إلا إني أميل للتعظيم وإن كان البدل وجهاً نحوياً وارداً.
لمسات بيانيه
(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ (155) النساء) قف وتأمل آيات الله تعالى واجعل قلبك صندوقاً يحوي آيات من القرآن ويعيها حتى لا يختم الله سبحانه وتعالى على قلوبنا ويجعلها مغلقة كما ختم على قلوب من كفروا فقال تعالى عنهم(بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ). والطبع هو إحكام الغلق بحيث لا ينمكن أمر من ولوج ذلكالشيء إلا بعد إزالة ذلك الشيء المطبوع به وكذلك طبع القلب هو إحكام إغلاقه بحيث لا يدخل إليه خير ولا يخرج منه خير ولا معروف.
————————————————————————————
تفسير مبسط للوجه 28 من سورة النساء ص 104
الآية 164: ﴿ وَرُسُلًا ﴾: أي وأرسلنا للناس رُسُلاً، فمنهم مَن ﴿ قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ ﴾ في القرآن ﴿ مِنْ قَبْلُ ﴾: أي مِن قَبلِ هذه الآية، ﴿ وَرُسُلًا ﴾ أخرى ﴿ لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾ لِحكمةٍ أردناها، ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾.
- وفي هذه الآية إثبات صفة الكلام لله تعالى كما يليق بجلاله، وأنه سبحانه كَلَّمَ نبيه موسى عليه السلام حقيقةً بلا وَساطة، وهذا مِثل قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾، وفي هذا ردٌ قاطع على مَن يُنكرون صفة الكلام لله تعالى، ويتحَجَّجون بأنه لا يليق به سبحانه أن يتكلم، فهذا قولٌ باطل، وافتراءٌ على الله عز وجل، بل على العكس تماماً، فإنَّ الذي يتكلم خيرٌ وأكمل مِن الذي لا يتكلم، والذي يسمع ويُبصِر خيرٌ وأكمل مِن الأصَمّ والأعمى، وإنَّ فاقد الشيء لا يعطيه، ولَمَّا أراد الله تعالى إبطال عبودية هذه الآلهة المزعومة مِن دونِه: كانَ يُظهِر صفة النقص التي فيها، كما قال تعالى – حكايةً عن ابراهيم عليه السلام: ﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾، فكيف تُعبَدُ آلهةً صَمَّاء لا تسمع ولا تُبصِر ولا تتكلم؟، وكذلك لما أراد إبطال عبودية النصارى لعيسى عليه السلام وأمِّه قال عنهما: ﴿ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ﴾، فكيف تُعبَدُ آلهة تحتاج إلى الطعام والشراب وتفتقر إليه، وبالتالي تحتاج إلى قضاء حاجتها؟!
الآية 166: ﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ ﴾: يعني: إن يَكفُر بك اليهود وغيرهم، فاللهُ يَشهد لك بأنك رسوله الذي أَنْزَلَ عليه القرآن العظيم، فقد ﴿ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ﴾ ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ﴾: أي يشهدونَ كذلك بصِدق ما أُوحِيَ إليك، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾: يعني وشهادة الله وحدها كافية.
الآية 167: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بالله وبرسوله، ﴿ وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: يعني وصَدُّوا الناسَ عن الإسلام، أولئك ﴿ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ عن طريق الحق.
الآية 170: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ بِالْحَقِّ ﴾: أي بالإسلام، الذي هو دينُ الحق ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا ﴾ به واتبِّعوه ﴿ خَيْرًا لَكُمْ ﴾ ﴿ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾: يعني وإن تُصِرُّوا على الجحود والعِناد: فإن الله غنيٌ عنكم وعن إيمانكم; لأنه سبحانه مالِكُ السموات والأرض وما فيهما، فإذا كانت السموات والأرض قد خضعَتا لله تعالى (كَوْنًا وقدَرًا)، فأوْلَى بكم أن تؤمنوا بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن الذي أنزله عليه، وأن تنقادوا لذلك (شرعًا) حتى يكون الكونُ كلُّه خاضعًا لله (قدرًا وشرعًا)، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾.
- وفي الآية دليل على عموم رسالة نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم للناس أجمعين.
من اسباب النزول
قوله تعالى : ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك ) الآية [ 166 ] .
375 – قال الكلبي : إن رؤساء أهل مكة أتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا : سألنا عنك اليهود فزعموا أنهم لا يعرفونك ، فائتنا بمن يشهد لك أن الله بعثك إلينا رسولا فنزلت هذه الآية : ( لكن الله يشهد )
لمسات بيانيه
آية (163):
*ما سبب استخدام كلمة أوحينا مع الرسول ونوح وابراهيم وغيرهم من أنبياء وإفراد آتينا لداوود في سورة النساء؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة النساء (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً {163} وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً {164}). إذا قرأنا الآية وما قبلها (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً {153}) نجد أن الله تعالى يخاطب هؤلاء ويذكر سيئاتهم والآية 163 جاءت بعد الآية 153 لأن هؤلاء قالوا أنهم حتى يؤمنوا بالرسول ينبغي أن يُنزّل عليهم كتاباً من السماء فيقوله تعالى (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك) ثم يأتي الرد من الله تعالى تعقيباً على ما سأله هؤلاء (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً {163}) فذكر تعالى جملة أشياء أنه أوحى إلى مجموعة من الأنبياء وهم يؤمنون بهم مع أنهم لم يأتوهم بما طلبوا فهم آمنوا بنوح وابراهيم واسماعيل ويقوب واسحق ويونس وغيرهم من الأنبياء، فيقول تعالى أنه كما أوحى إلى هؤلاء الأنبياء أوحى إلى الرسول r فإذا كانوا هم يؤمنون بأولئك بدون كتاب فإذن الوحي يجب أن يكون كافياً. هذا أمر والأمر الآخر (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح ) سواء كان معهم كتب او لم يكن معهم، وكما آتينا داوود زبورا بمعنى آتيناك كتاباً كما آتينا داوود زبورا فلماذا خصّ الزبور؟ لأن الزبور نزل منجّماً أي بالتقسيط كما أُنزل القرآن على الرسول r. ويخاطب تعالى الكافرين بقوله أنتم تؤمنون بداوود وقد نزل عليه الزبور منجماً وقد أتيناك كتاباً كما آتينا داوود، وتؤمنون بالأنبياء الذين أوحينا إليهم وقد أوحينا إليك كما أوحينا إلى باقي الأنبياء. وكما أرسلنا رسلاً أرسلنا محمداً أيضاً (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)وفي آخر الآية يقول تعالى (وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) فهو إذن وحي وإيتاء. والله تعالى كلّم موسى u في موضعين الأول في الوادي المقدس (إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى) سورة النازعات وعلى جبل الطور (ولمّا جاء موسى لميقاتنا قال رب أرني أنظر إليك) سورة الأعراف وليس هناك أعلى من ذلك أما محمد r فقد صعد إلى سدرة المنتهى، وأعلى مكان كلّم الله تعالى موسى عليه هو الطور. وأوحى تعالى إلة رسوله r كما أوحى لباقي الأنبياء وآتاه مثل ما آتى داوود ورفعه إلى مكان أعلى مما رفع عليه موسى فإذن كل الأشياء التي ينبغي الإيمان بها أعطاها تعالى للرسول فسقطت حجة الكافرين إذ
لمسات بيانيه
آية (168):
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (169) النساء)في الآية (إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ) هذا الاستثناء فيه تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه فمثلاً تقول لا خير في الظالم إلا إستغلال المظلوم. فعندما أتينا بـ (إلاّ) وما بعدها يشعر المستمع وكأننا نريد أن نستدرك ونمدح الظالم بشيء ولكن الكلام يتابع تأكيد ذمّه. كذلك قوله تعالى (إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ) فالكلام هنا مسوقٌ للإنذار وفيه تهكّم لأنه استثنى من الطريق في قوله تعالى (وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) والاقحام لهم في طريق جهنم ليس بهديٍ لأن الهدى هو إرشاد الضالّ إلى المكان المحبوب وأنّى لطريق جهنم أن يكون محبوباً!
لمسات بيانيه
لماذا لا يُذكر سيدنا اسماعيل مع ابراهيم واسحق ويعقوب في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً هذا السؤال ليس دقيقاً لأنه توجد في القرآن مواطن ذُكر فيها ابراهيم واسماعيل ولم يُذكر اسحق وهناك 6 مواطن ذُكر فيها ابراهيم واسماعيل واسحق وهي:(133)(136)(140) البقرة، (84) آل عمران، (39) ابراهيم،(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) النساء.
وكل موطن ذُكر فيه اسحق ذُكر فيه اسماعيل بعده بقليل أو معه مثل قوله تعالى (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) و(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)) مريم) إلا في موطن واحد في سورة العنكبوت (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)).
وفي قصة يوسف لا يصح أن يُذكر فيها اسماعيل لأن يوسف من ذرية اسحق وليس من ذرية اسماعيل (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)) (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)) .
وقد ذُكر اسماعيل مرتين في القرآن بدون أن يُذكر اسحق في سورة البقرة (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127))) لأن اسحق ليس له علاقة بهذه القصة وهي رفع القواعد من البيت أصلاً.
لمسات بيانيه
آية (167):
*(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (167) النساء) وصف الله تعالى الضلال بالبعيد فما صلة البُعد بالضلال؟ ولِمَ لم يصفه بالكبير؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن المرء يسير في طريق الضلال ليقطع أشواطاً وأشواطاً في هذا الطريق وكلما سار في ركابه غاص في أعماقه وابتعد حتى يغدو في قعر الضلال وأعماقه ويبتعد في قعره وفي هذا بيان عن شدة ضلالهم بحيث لا يُدرَك
اسباب النزول
قوله : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) الآية [ 176 ] .
– أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد قال : حدثنا زاهر بن أحمد قال : حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب قال : حدثنا يحيى بن حكيم قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن هشام بن أبي عبد الله ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : اشتكيت فدخل علي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعندي سبع أخوات ، فنفخ في وجهي فأفقت ، فقلت : يا رسول الله ، أوصي لأخواتي بالثلثين ، قال : ” احبس ” ، فقلت : الشطر ؟ ، قال : ” احبس ” ، ثم خرج فتركني قال : ثم دخل علي ، وقال : ” يا جابر ، إني لا أراك تموت في وجعك هذا ، إن الله قد أنزل فبين الذي لأخواتك ، جعل لأخواتك الثلثين ” ، وكان جابر يقول : نزلت هذه الآية في ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) .
لمسات بيانيه
آية (173):
*ما الفرق بين استنكف واستكبر في الآية (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا (173) النساء)؟(د.فاضل السامرائى)
استنكف أنِف وامتنع، رأى نفسه أعز من ذلك وأعظم من ذلك لذلك يقولون الإستنكاف أشد من الإستكبار لأن فيها استكبار وفيها إذلال للطرف الآخر. استكبر رأى نفسه أكبر امتنع وعند أهل المعجمات يقولون استنكف معناها استكبر لكن المدققين يقولون استنكف فيها استكبر لكن فيها معنى آخر إذلال للآخرين.
نستطيع أن نقول لا توجد حدود فاصلة بين مفردات اللغة لكن هناك فروق دلالية بين بعض الكلمات؟
هناك من ألّف في الفروق اللغوية مثل أبو هلال العسكري
لمسات بيانيه
اية (172):
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ (172) النساء) الاستنكاف التكبّر والامتناع بأَنَفة فهو أشد من الاستكبار. ونُكّرت كلمة (عبد) ولم تضف إلى الله أي لم يقل عبد الله لأن التنكير أظهر للعبودية أي عبداً من جملة العبيد ولو قال عبد الله بالاضافة لأوهمت الإضافة أنه عبد الله الخصيص لله وحده.
لمسات بيانيه
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ (171) النساء) الغلو مأخوذ من غلوة السهم وهي منتهى اندفاعه واستُعير للزيادة على المطلوب من المعقول. فالغلو في الدين تجاوز الحد المألوف بحيث يُظهِر المتدين ما يفوق حدود الدين فالنصارى طولبوا باتّباع المسيح فتجاوزوا فيه الحد إلى دعوى ألوهييته أو كونه ابن الله
اسباب النزول
قوله تعالى : ( لن يستنكف المسيح ) الآية [ 172 ] .
– قال الكلبي : إن وفد نجران قالوا : يا محمد تعيب صاحبنا ! قال : ” ومن صاحبكم ؟ ” قالوا : عيسى ، قال : ” وأي شيء أقول فيه ؟ ” قالوا : تقول إنه عبد الله ورسوله ، فقال لهم : ” إنه ليس بعار لعيسى أن يكون عبدا لله ” قالوا : فنزلت : ( لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ) الآي
لمسات بيانيه
آخر سورة النساء (يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ (176)) قد يُفهم أنه من باب الضلالة أو أن المقصود هنا أن لا تضلوا؟(د.فاضل السامرائى)
النحاة البصريون والكوفيون يقدروها تقديرين لكن المعنى العام واحد. إما كراهة أن تضلوا أو الكوفيين يقولون لئلا تضلوا وسيكون المؤدّى واحد لئلا تضلوا معناه كراهة أن تضلوا. مثل قوله تعالى (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ (15) النحل) أي لئلا تميد بكم أو كراهة أن تميد بكم. الله تعالى يبين لنا حتى لا نضل والأقرب للتقديرات قسم يقول لئلا تضلوا وقسم يقول كراهة أن تضلوا لكن المعنى واحد يفضي إلى معنى واحد وهو عدم الضلال.
تناسب مفتتح سورة النساء مع خاتمتها
بدأت بقوله تعالى (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)) هذه أوائل السورة وقال في خاتمتها (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)) يستمر في المواريث. بدأت السورة بخلق الإنسان وبثّ ذريته في الأرض (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) إذن بدأت بخلق الإنسان وبثّ ذريته في الأرض وانتهت بهلاكه من دون عقِب (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) انتهت بنهاية الإنسان، ليس هذا فقط وإنما بدأت بإيتاء الأموال للنشئ الجديد (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) واختتمت بتقسيم التركات، هذا تناسب. إذن هذا الترتيب توقيفي مع أن القرآن نزل منجّماً على مدى ثلاث وعشرين سنة.
اسباب النزول
قوله تعالى : ( لا تغلوا في دينكم ) الآية [ 171 ] .
نزلت في طوائف من النصارى حين قالوا : عيسى ابن الله ، فأنزل الله تعالى : ( لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ) الآية
———————————————————————————
تفسير مبسط للوجه الاخير من النساء
الآية 171: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ وهم هنا النصارى: ﴿ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾: يعني لا تتجاوزوا الاعتقاد الحق في دينكم، ﴿ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾ فلا تجعلوا له صاحبةً ولا ولدًا، فـ ﴿ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ ﴿ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ﴾ وهي كلمة: “كُن” التي خلقه الله بها، ﴿ وَرُوحٌ مِنْهُ ﴾ وهو جبريل عليه السلام، الذي أرسله الله إلى مريم بكلمة “كُن”، فنفخها جبريل في مريم بأمر ربه، واعلم أن الروح هو اسم من أسماء جبريل عليه السلام،والدليل على ذلك: قوْل الله تعالى: ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾.
﴿ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم للناس الذي تجدونه في كتبكم، ﴿ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ﴾ بأن تجعلوا عيسى وأمه شريكين مع الله، ﴿ انْتَهُوا ﴾ عن ذلك ﴿ خَيْرًا لَكُمْ ﴾ ﴿ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ ﴿ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ﴾: أي تنزَّهَ اللهُ تعالى عن ذلك، فإنه ليس مُحتاجاً إلى ولدٍ كما يحتاجُ البشر، فإنّ البشر يحتاجون إلى ولدٍ يَخدمهم ويرعاهم في كِبَرهم، وعند مرضهم، وحالَ ضَعفِهم، أما اللهُ تعالى فهو – سبحانهُ – القوي الغني الذي لا يحتاجُ إلى شيءٍ مما يحتاجُه البشر، فلا يحتاجُ إلى زوجةٍ أو ولد، لأنه سبحانه ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾: يعني كل ما في السموات والأرض ملْكُه، فكيف يكون له منهم صاحبة أو ولد؟ ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ على تدبير خلقه وتصريف معاشهم.
فسبحان الله العظيم، أحياناً يقولون عن المسيح إنه هو الله، وأحياناً يقولون إنه ابن الله، وأحياناً يقولون إنه ثالثُ ثلاثة، فمَن إلههم الذي يعبدون؟!
الآية 172: ﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ ﴾: أي لن يَأْنف (يعني لن يَتقزَّز) ولن يمتنع ﴿ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ ﴾ ﴿ (وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) ﴾: يعني وكذلك لن يأنَفَ الملائكة المُقَرَّبون من الإقرار بالعبودية لله تعالى، ﴿ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ ﴾: يعني ومن يأنف عن الانقياد والخضوع ﴿ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ ﴾ كلهم ﴿ إِلَيْهِ جَمِيعًا ﴾ يوم القيامة، ويَفصلُ بينهم بحُكمه العادل ويُجازي كُلاً بما يستحق.
الآية 174، والآية 175: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ وهو رسولنا محمد، وما جاء به من البينات والحجج القاطعة، وأعظمها القرآن الكريم (المعجزة الخالدة التي تشهد له بصِدق نبوته ورسالته الخاتمة)، ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ وهو القرآن، ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ ﴾ اعتقادًا وقولا وعملا، ﴿ وَاعْتَصَمُوا بِهِ ﴾ من شر النفس والشيطان وكذلك استمسكوا بالنور الذي أُنزل إليهم، ﴿ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ ﴾: يعني فسيُدخلهم الجنة رَحمةً منه وفضلاً، ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾: أي ويوفقهم إلى سلوك الطريق المستقيم المُوصل إلى روضات الجنات.
( 176 ) يسألونك -أيها الرسول- عن حكم ميراث الكلالة، وهو من مات وليس له ولدٌ ولا والد، قل: اللّه يُبيِّن لكم الحكم فيها: إن مات امرؤ ليس له ولد ولا والد، وله أخت لأبيه وأمه، أو لأبيه فقط، فلها نصف تركته، ويرث أخوها شقيقًا كان أو لأب جميع مالها إذا ماتت وليس لها ولد ولا والد. فإن كان لمن مات كلالةً أختان فلهما الثلثان مما ترك. وإذا اجتمع الذكور من الإخوة لغير أم مع الإناث فللذكر مثل نصيب الأنثيين من أخواته. يُبيِّن اللّه لكم قسمة المواريث وحكم الكلالة، لئلا تضلوا عن الحقِّ في أمر المواريث. واللّه عالم بعواقب الأمور، وما فيها من الخير لعباده
تدبر في السورة
مما تميزت به هذه السورة أنها الأكثر إيراداً لأسماء الله الحسنى في أواخر آياتها (42 مرة). تشمل هذه الأسماء العلم والحكمة (عليم حكيم) أو القدرة والرحمة والمغفرة، وكلها تشير إلى عدل الله ورحمته وحكمته في القوانين التي سنّها لتحقيق العدل.
أخي المسلم، اقرأ سورة النساء بنية تطبيق العدل في حياتك، في بيتك وأهلك أولا (وخاصة زوجتك ووالديك)، ومع جيرانك وكل مجتمعك مهما يكن دينهم أو طبقتهم الاجتماعية
لمسات بيانيه
آية (175):
*(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ (175) النساء) الدخول في الشيء يتطلب مكاناً يمكنك من ولوجه فهل الرحمة مكان يُدخَل؟ ولِمَ قال فسيدخلهم في رحمته ولم يقل سيمنحهم رحمته؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هذا غاية الرضى والرحمة ألا ترى كيف صوّر الله تعالى الرحمة على هيئة جرم ومكان يحوط أهله ويغمرهم ويعمهم بالرحمة حتى يشمل كل جزء منهم.
لمسات بيانيه
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (173) النساء) تيئيساً لهم فقد عُرِف عند العرب وغيرهم من أمم ذلك العصر الاعتماد عند الضيق على الأولياء والنصراء ليكفّوا عنهم المصائب.
تدبر في سورة النساء
ظلم أهل الكتاب
ثم تنتقل السورة إلى انتقاد بعض أخطاء أهل الكتاب المتعلّقة بموضوع السورة وذلك لتحذير المسلمين من أفعالهم ]فَبِظُلْمٍ مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَـٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ[(160) بسبب ظلمهم ضيّق الله عليهم الحلال. فماذا كانت مظاهر ظلمهم ]وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱلله كَثِيراً & وَأَخْذِهِمُ ٱلرّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَـٰطِلِ[ (161).
وتتناول الآيتان (171-172) ]يأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱلله إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱلله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَـٰهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ فَـئَامِنُواْ بِٱلله وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلَـٰثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱلله إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ سُبْحَـٰنَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ وما فِى ٱلسَّمَـٰوٰت وَمَا فِى ٱلاْرْضِ وَكَفَىٰ بِٱلله وَكِيلاً & لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لله وَلاَ ٱلْمَلَـئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً[ أيضاً انحراف عقيدة النصارى. وإيرادها هنا يخدم هدف السورة من ناحية أخرى: فإن سبب تحريف دينهم وكتابهم هو الاستضعاف والاضطهاد من الرومان للجيل الأول من النصارى. فكأن الرسالة هنا للمؤمنين: نصرة الدين وتقويته ودعمه حتى لا يبدل ويحرّف كما جرى مع أهل الكتب.
وتأتي بعدها آيتان شديدتان في التحذير من الظلم ]إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱلله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً & إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا…[ (168-169).