لمسات و متشابهات و أسباب النزول لسورة المائدة

لست أنا من أعد هذا المحتوي، أنا أنشره فقط، جزي الله كل خير لمن أعتده

المصادر:

التفسير السعدي

أسباب النزول للنيسابوري

لمسات بيانية لفاضل السمارائي

متشابهات للكسائي

كتاب نظم الدررلتناسب الايات و السور

الصفحة الأولي

الصفحة الثانية

الصفحة الثالثة

الصفحة الرابعة

الصفحة الخامسة

الصفحة السادسة

الصفحة السابعة

الصفحة الثامنة

الصفحة التاسعة

الصفحة العاشرة

الصفحة الحادية عشر

الصفحة الثانية عشر

الصفحة الثالثة عشر

الصفحة الرابعة عشر

الصفحة الخامسة عشر

الصفحة السادسة عشر

الصفحة السابعة عشر

الصفحة الثامنة عشر

الصفحة التاسعة عشر

الصفحة العشرون

الصفحة الحادية و العشرين

الصفحة الثانية و العشرين

تناسب خواتيم النساء مع فواتح المائدة

تبدأ المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ (1)) وأخبر ربنا في النساء في أواخرها أن اليهود لما نقضوا المواثيق التي أخذها الله عليهم حرم عليهم طيبات أحلت لهم فقال (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا (160) النساء) إذن حرّم عليهم الطيبات لأنهم نقضوا المواثيق وقال في المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) لأن أولئك نقضوها أنتم أوفوا بالعقود لذلك في أوائل المائدة قال (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ (4)) مقابل (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ (160) النساء). يخاطب المؤمنين في سورة المائدة لما قال أوفوا بالعقود قال أحل لكم الطيبات أما أولئك حرم عليهم الطيبات لنقضهم المواثيق أنتم أوفوا بالعقود أحل لكم الطيبات. هذا أمر، والأمر الآخر أنه في خواتيم النساء تقسيم الإرث (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ (176)) فإذن خاتمة النساء في تنظيم العلاقة المالية بين الأقرباء، في أول المائدة العلاقة مع الآخرين، تلك العلاقة المالية مع الأقرباء والمائدة مع الآخرين والطبيعي أن تبدأ بالأقرباء ثم تعمم، فذكر العلاقة بين الأقربين في النساء وتقسيم الإرث بينهم وأول المائدة ذكر العلاقة مع الآخرين وتبدأ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) والعقود مع الآخرين (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى (2)) هذه مع الآخرين. إذن صار خاتمة النساء وأول المائدةتنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع عموماً كلهم من الأقربين إلى عموم المجتمع، تنظيم العلاقة كلها بين الداخل والخارج. ثم خاتمة النساء في تقسيم الأموال وأول المائدة في صرف الأموال ابتداء من الأطعمة أول ما يحتاج إليه الإنسان الطعام فذكر ما يحل له(قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)) وما يحرم عليه (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (3)). إذن خاتمة النساء في تقسيم الأموال والمائدة في أوجه صرف الأموال، إذن هي مترابطة. خاتمة النساء في هلاك الإنسان والاستفادة من ماله والاستفادة مما ترك وبداية المائدة في إهلاك الأنعام والاستفادة منها من صوف ولحم، تلك استفادة مما ترك وهذه استفادة مما تركت من صوف ولحم وأشعار، إذن الرابط الاستفادة مما ترك ومما تركت، تلك استفادة في الأموال والاستفادة من هذه بالأصواف والأشعار واللحم، إذن ترابط أكثر من موضوع في العقود وإحلال الطيبات وتنظيم العلاقة والاستفادة مما ترك ومما تركت

سميت السورة بـ (المائدة) لورود قصة المائدة في نهاية السورة في قصة سيدنا عيسى عليه السﻻم والحواريين. لكن التسمية لا تتعلق فقط بذكر المائدةفي السورة ولكن العبرة من القصة هي الهدف وتسميتها تتناسب مع هدف السورة، لأن الله تعالى حذر الحواريين أنه سينزل عليهم المائدة ولكن من كفر بعدها ولم يؤمن سيعذبه الله عذاباً شديداً وهذا توجيه وتحذير للمسلمين بأن عليهم الوفاء بالعهود والمواثيق وإلا سيكون العذاب جزاؤهم كما في قصة المائدة.

تفسير مبسط للوجه اﻷول من سورة المائدة ص 106

الآية 1:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾: يعني أوْفوا بالعهود التي أخذها الله عليكم (من الإيمان بشرائع الدين، والانقياد لها)، وكذلك أَوْفُوا بِالْعُقُود التي تعاقدتم عليها فيما بينكم (من عقود البيع والشراء وغيرها)، ومِن هنا خرجتْ القاعدة الشرعية التي تقول: (العقد شريعة المتعاقدين) – بشرط ألاَّ يخالف ذلك العقد: كتاب الله، أو سُنَّة رسوله ﷺ فلا تنقضوا تلك العقود، ولا تتركوا واجباً، ولا ترتكبوا معصية، ولا تُحرِّموا حلالاً، ولا تستحلوا حراماً، فقد ﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ﴾ وهي الإبلُ والبقر والغنم ﴿ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾: يعني إلا ما بَيَّنه سبحانه لكم مِن تحريم المَيْتة والدم وغير ذلك، وهي المحرمات المذكورة في الآية الآتية: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ… ﴾.

﴿ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾: يعني وكذلك حَرَّمَ اللهُ عليكم الصيد وأنتم مُحرِمون بِحَجٍّ أو عُمرة، فلا تستحلوه، وسَلِّموا الأمرَ لله تعالى فيما أحَلَّهُ وحَرَّمه، فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴾، فما أراده تعالى: حَكَمَ به حُكماً مُوافقا لِحكمته وعَدْله، مِثل أمْرِهِ لكم بالوفاء بالعقود (لِما في ذلك مِن حصول المصالح لكم، ودفع المَضارّ عنكم).

الآية 2:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ﴾: أي لا تتعدَّوا حدوده ومعالم دينه، فلا تستحلوها بترْك واجب، ولا بفِعل مُحرَّم، ومن ذلك مناسك الحج والعمرة، ﴿ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ ﴾: يعني ولا تستحِلُّوا القتال في الأشهر الحُرُم، وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمُحَرَّم ورجب.

﴿ وَلَا الْهَدْيَ ﴾: يعني ولا تستحِلُّوا حُرمة الهَدْي، وهو ما يُهدَى للبيت الحرام من بهيمة الأنعام، ليُذبَح فيه ويُوزَّع على الفقراء، ﴿ وَلَا الْقَلَائِدَ ﴾ والقلائد جمع قِلادة، وهي ضفائر مِن صوف أو وَبَر، كانوا يضعونها في رقاب الهَدي لتكون علامةً على أن الرجل يريد الحج، ولإظهار أن هذه البهيمة التي يَسُوقها هي هَدْيٌ فيُحترَم، وقد كان ذلك الفِعلُ إظهاراً لشعائر الله، فلا تستحلوا حُرمَتَها.
﴿ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ﴾: يعني ولا تَسْتَحِلُّوا قتال أو أذية قاصدي البيت الحرام الذين ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ ﴾: أي الذين يطلبون من فضل الله ما يُصلِح معاشهم (وذلك بالتجارة والمكاسب المباحة في الحج)، ﴿ وَرِضْوَانًا ﴾: أي ويطلبون رضوان ربهم عليهم (وذلك بأداء الحج والعمرة والصلاة في الحرم وغير ذلك)، فهؤلاء لا تتعرضوا لهم بسوء، ولا تهينوهم، بل أكرِموهم، واعلم أنه يدخل في هذا الأمر: تأمين الطرق الموصلة إلى بيت الله تعالى، وجَعْل القاصدين له مطمئنين مستريحين، غير خائفين على أنفسهم، ولا على أموالهم.

﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾: يعني وإذا حَلَلْتم من إحرامكم: فإنه يُباحُ لكم الصيد، ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ ﴾: يعني ولا يَحمِلَنَّكم بُغْض قوم – بسبب: ﴿ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ وذلك عندما منعوكم من أداء العمرة (عام الحُدَيْبِيَة)، فلا يَحمِلَنَّكم بُغضُهم على ﴿ أَنْ تَعْتَدُوا ﴾ عليهم بغير ما أذن الله لكم (وهو قتالهم إن قاتلوكم وترْكهم إن تركوكم)، ﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾ فيما بينكم ﴿ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾: أي على فِعْل الخير وتقوى الله، ﴿ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ ﴾ وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها، ﴿ وَالْعُدْوَانِ ﴾: وهو التعدي على الخَلْق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فيجب على العبد كَفّ نفسه عن إعانة غيره على كل معصيةٍ وظُلم، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ﴿ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾: أي عقابه شديد لا يُطاق ولا يُحتمَل.

أسباب النزول

قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ، وَقَدِ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَمَرَّ بِهِمْ نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُونَ الْعُمْرَةَ، فَقَالَ أَصْحَابُ رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صُدُّ هَؤُلَاءِ كَمَا صَدَّنَا أَصْحَابُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} أَيْ وَلَا تَعْتَدُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْعُمَّارِ أَنْ صَدَّكُمْ أَصْحَابُهُمْ

لمسات بيانية
آية (1):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ (1) المائدة) لِمَ أمرنا الله تعالى الوفاء بالعقود ولم يقل لنا إلتزموا أمر الله؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)

الإيفاء أن تعطي وتؤدي ما عليك كاملاً من غير نقص ولا شك أن ترك النقص لا يتحقق إلا إذا أدّيت زيادة على القدر الواجب. والعقود جمع عقد وهو ربط الحبل بالعروة والعقد هو الالتزام الواقع بين جانبين في فعل ما فالصلاة عقد بينك وبين الله تعالى وعليك الإيفاء به فالوفاء بالعقد يتطلب منك حرصاً ومبالغة في أداء ما تعهدت به.

أية (2):

ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله (ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا(2) المائدة وقوله (ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا(8) المائدة؟ لماذا جاءت مرة (على أن) ومرة (أن)؟(د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {2}) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {8}) المحذوف في الآية الأولى (على) وهو من الحذف الجائز ويسموه نزع الخافض بوجود أن ومعلوم الحرف وهذا جائز نحوياً. والسؤال هو لماذا حُذف الحرف (على) في الآية الأولى وذُكر في الثانية؟ إذا كان الحرف متعيّن يكون الذكر آكد من الحذف وإذا لم يكن متعيّناً ( أي له عدة معاني) يكون من باب التوسع في المعنى. وإذا نظرنا إلى الآيتين السابقتين نجد أن الثانية آكد من الأولى لأن الحرف ذُكر والآية الأولى نزلت في حادثة واحدة حصلت وانتهت وهي تخص قريش عندما صدوا المسلمين عن المسجد الحرام أما الآية الثانية فهي عامة وهي محكمة إلى يوم القيامة وهي الأمر بالعدل إلى يوم القيامة ثم أن الآية الأولى تدخل في الثانية لأن العدوان هو الظلم وهو عدم العدل والعدوان من الظلم وليس من العدل فالثانية آكد من الأولى والأمر بالعدل أمر عام والأولى أمر خاص جداً لذا اقتضى حذف الحرف (على) في الأولى وذكره في الثانية.

(وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ (2) المائدة) انظر إلى هذا التعبير الإلهي حيث قال (ولا آمّين البيت الحرام) أي قاصدين الحد فلِمَ عدل ربنا تعالى عن التعبير بالأشمل كأن يقول ولا قاصدين مكة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)

عدل ربنا سبحانه وتعالى عن كلمة مكة لأن قصدها قد يكون للعبادة وقد يكون للتجارة ونحوها والحرمة لا تخصّ إلا المُحرِم للعبادة ولذلك قال (ولا آمّين البيت الحرام) لأن البيت لا يُقصد إلا للعبادة.

(وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ (2) المائدة) الشنآن هو شدة البُغض وهو مصدر دالٌ على الاضطراب والتقلّب لأن الشنآن فيه اضطراب النفس فهو مثل الغليان. والمسجد الحرام إسم جُعِل علَماً للغلبة على المكان المحيط بالكعبة المحصور ذي الأبواب وهو إسم إسلامي ولم يكن يُدعى بذلك في الجاهلية لأن المسجد مكان السجود ولم يكن لأهل الجاهلية سجود عند الكعبة

هدف السورة:
الوفاء بالعهود

سورة المائدة هي أول سورة ابتدأت بـ (يا أيها الذين آمنوا) وتكرر فيها هذا النداء 16 مرة من أصل 88 مرة وردت في القرآن كله. وهي آخر ما نزل على رسول الله ﷺ في المدينة بعد حجة الوداع. وقد اشتملت على العديد من الأحكام : أحكام العقود ، الذبائح، نكاح الكتابيات، الصيد، الإحرام، الردة، أحكام الطهارة، حد السرقة، حد البغي والإفساد في الأرض، أحكام الميسر والخمر، كفارة اليمين، قتل الصيد في الإحرام، الوصية عند الموت، البحيرة والسائبة، الحكم على من ترك العمل بشريعة الله وغيرها. وقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال:” علّموا رجالكم سورة المائدة” لما فيها من أحكام

تدبر في سورة المائدة

الفروق الدقيقة بين معاني الالفاظ المتقاربة: العهد والعقد والميثاق
فالعهد:الوصية والوصاة والحفظ، ومنه: ان الله عهد الينا، الم اعهد اليكم يابني ادم، لاينال عهدي الظالمين.
والعقد: اوكد من العهد، وهو: الجمع بين اطراف الشيء، واصله في الاجرام شبه بعقدة الحبل ثم توسع فاطلق في المعاني، ومنه ولاتعزموا عقدة النكاح.
ويفترق عن الميثاق:الذي هو من قولك اوثقت الشيء اذا احكمت شده، انه يكون من واحد، فلما اتوه موثقهم، اخذ عليكم موثقا، اما العقد فهو من اثنين حتى عرف الاخير بالغلبة بانه ربط اجزاء التصرف بالايجاب والقبول.

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ‌ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُ‌مٌ ۗ إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ مَا يُرِ‌يدُ ” المائدة 1

فتأمل أيها المؤمن في سطرين فقط وفي آية واحدة:

نداء وتنبيه , أمر ونهي , تحليل وتحريم, ,إطلاق وتقييد , تعميم واستثناء ,وثناء وخبر , فسبحان من هذا كلامه

————————————–

تفسير مبسط للوجه 2 من المائده ص 107

الآية 3: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾ وهو الحيوان الذي تفارقه الحياة بدون ذبح شرعي، ويُستثنَى من ذلك مَيْتة الجَراد والسمك، فإنهما حلال (كما ثبتَ ذلك في السُنَّة)، ولَعَلَّ الحكمة من تحريم المَيْتة: هو احتقان الدم في جوفها ولحمها، مما يتسبب في إضرار مَن يأكلها، ﴿ وَالدَّمُ ﴾: يعني وحُرِّمَ عليكم شُرب الدم، ويُستَثنى من الدم: (الكبد والطحال) فإنّ أكلهما حلال، كما ثبت ذلك في السُنَّة.

﴿ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ﴾: يعني وكذلك حُرِّمَ عليكم لحم الخنزير، فلا تغتروا بمَن يستحلوه (افتراءً على الله)، بل هو مُحرَّم مِن جُملة الخبائث، ﴿ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾: يعني وكذلك حُرِّمَ عليكم كل ما ذُكِرَ عليه غير اسم الله عند الذبح، ﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ ﴾ وهي التي حُبِس نَفَسُها حتى ماتت (كأن تموت غريقة، أو تُخنَق بحبل، سواء بقصد أو بدون قصد)، ﴿ وَالْمَوْقُوذَةُ ﴾ وهي التي ضُربَت بعصا أو حجر حتى ماتت، أو هُدِمَ عليها شيءٌ، ﴿ وَالْمُتَرَدِّيَةُ ﴾ وهي التي سَقطت من مكان عالٍ أو هَوَت في بئر فماتت، ﴿ وَالنَّطِيحَةُ ﴾ وهي التي ضَرَبَتْها أخرى بقرنها فماتت، ﴿ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ﴾: يعني وحَرَّم الله عليكم البهيمة التي أكلها السبع، كالأسد والنمر والذئب، ونحو ذلك، فإنها إذا ماتت – بسبب افتراس السبع لها – ثم أدركتم منها جزءاً لم يأكله السبع، فإن هذا الجزء لا يَحِلّ لكم أكْله.

• وأما قوله: ﴿ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾: يعني واستثنى – سبحانه – من هذه المحرمات: أن تدركوا ذبح البهيمة (قبل موتها بأحد الأسباب المميتة، كالخنق والسقوط وغير ذلك)، فحينئذ يَحِلّ لكم أكْلها، بشرط أن تدركوا ذبْحها والروح مستقرة فيها، بحيث إذا ذُبِحَت: اضطربتْ للذبح، وحَرَّكتْ رِجْلها بقوة، فإن هذا علامة على أنها كانت حية، وأنها ماتت بالذبح، وليس بهذا السبب المميت.

• وأما إذا كانت البهيمة تغرق، ولم يتمكن من الوصول إلى رقبتها حتى يذبحها: فعليه أن يسمي الله تعالى، ثم يطعنها – طعنة واحدة – في جسدها بسِكين أو بشيءٍ حاد، بشرط أن تتسبب تلك الطعنة في أن ينزف الدم منها، واعلم أن هذه حالة استثنائية في التذكية (للضرورة)، لأن البهيمة ستموت حَتماً بالغرق، وليس هناك إمكانية من الوصول إلى رقبتها، إذن فالانتفاع بها – عن طريق التذكية – أوْلَى من أن تموت هباءً.

﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ﴾: يعني وحَرَّم الله عليكم الذبائح التي ذُبِحَت على الأصنام والأحجار المنصوبة (التي تمثل إلهاً أو غير ذلك مما يُعبَد من دون الله تعالى)، ومِثلها ما يُذبَح على قبور الأولياء والصالحين، ﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ﴾: أي: وحَرَّم اللهُ عليكم الاستقسام بالأزلام، ومعنى الاستقسام: طلب معرفة ما يُقسَم لكم ويُقدَّر، والأزلام هي ثلاثة قِداح – أي: ثلاثة آنية – متساوية في الحجم، كانت تستعمَل في الجاهلية، مكتوب على أحدها “افعل” وعلى الثاني “لا تفعل” والثالث لا كتابة فيه، فإذا هَمَّ أحدهم بأمرٍ ما: أدار تلك القداح على جوانبها، ثم اختار أحدها، فإذا خرج المكتوب عليه “افعل”: مَضَى في أمره، وإن ظهر المكتوب عليه”لا تفعل”: لم يَمضِ، وإن ظهر الثالث (الذي لا شيء عليه): أعاد الاختيار، حتى يخرج أحد القدَحَيْن فيعمل به، فحَرَّم اللهُ ذلك عليهم، وعَوَّضَهم عنه بالاستخارة لربهم في جميع أمورهم.

﴿ ذَلِكُمْ ﴾ أي المحرمات المذكورة – إذا ارتُكبت – فإنها ﴿ فِسْقٌ ﴾: يعني خروج عن أمر الله وطاعته إلى طاعة الشيطان.

﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ﴾: يعني الآن انقطع طمع الكفار من أن ترتدوا عن دينكم إلى الشِرك (وذلك بعد أن نصَرْتُكم عليهم، وأظهرتُ دينكم)، واليوم المُشار إليه هو يوم عرفة، إذ أتَمَّ اللهُ دينه، ونصرَ عبده ورسوله، وانخذل أهل الشرك انخذالاً بليغاً، بعد ما كانوا حريصين على رَدّ المؤمنين عن دينهم، فصاروا يخشون المؤمنين، ولهذا قال: ﴿ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ﴾: أي فلا تخشوا المشركين، واخشوا اللهَ الذي نصركم عليهم، وَرَدَّ كَيدهم في نحورهم، ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾: أي دِين الإسلام بتحقيق النصر وإتمام الشريعة، ﴿ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ بإخراجكم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ فالزموه، ولا تفارقوه.

• واعلم أن هذه الجملة: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ قد فضحت كل مَن يَدَّعي كذباً أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأمَرَهُ أن يفعل كذا، فإن لم يفعل فسوف يحدث له كذا، فنقول له: (اتقِ اللهَ ولا تفتري الكذب، فإن الله تعالى قد أخبر أن الدِين قد كَمُل، ولن يُضافَ إليه شيءٌ آخر).

﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ ﴾: يعني فمن ألجَأته الضرورة – وهو في مجاعة شديدة – إلى أكْل شيءٍ من المُحَرّمات المذكورة في الآية، وكانَ ﴿ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ﴾: أي غير متعمد لارتكاب إثم، وغيرَ طالبٍ للمُحَرّم – لِلذّةٍ أو غير ذلك، ولا مُتجاوز – في أكلِهِ – ما يَسُدّ حاجته ويرفع اضطراره: فله تناوله، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.

الآية 4: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ﴾: يعني يسألك أصحابك: ماذا أُحِلَّ لهم أَكْلُه؟ ﴿ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾: يعني الحلال الطيب من الطعام والشراب (وهو كل ما لم يُذكَر تحريمه)، ﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ﴾: يعني وكذلك أُحِلَّ لكم الصيدَ الذي تصطاده لكم الحيوانات (ذوات المخالب والأنياب) التي دَرَّبتموها على الصيد (كالكلاب والفهود والصقور ونحو ذلك مما يُعَلَّم)، بشرط أن تكونوا قد أرسلتموها للصيد، أما إذا اصطادته بنفسها – دونَ إرسالكم لها – فلا تأكلوها، واعلم أن المُكَلِّب: هو مُعَلِّم الكلاب، ومُدَرِّبها على الصيد، ويُقال للصائد: مُكَلِّب، وعلى هذا فإنَّ قوله تعالى: ﴿ مُكَلِّبِينَ ﴾ يكون بمعنى: صائدين.

﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ ﴾ طلب الصيد ﴿ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ﴾ إذ هو سبحانه الذي سَخَّرها للإنسان ابتداءً، وهو الذي عَلَّمَه ما لم يكن يعلم، ﴿ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾: يعني فكلوا مما أمْسَكْنَ لكم من الصيد فهو حلال طيب، (حتى وإن أتى بالصيد ميتاً بسبب الصراع معه، أما إذا أتى به حياً: فمِن كمال التذكية أن تذبحوه)، ولكنْ بشرط: ﴿ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾: يعني واذكروا اسم الله عند إرسال هذه الحيوانات للصيد، كأن يقول مَثلاً: (بسم الله هاته)، وكذلك إذا صاد الإنسان صيداً بسلاحٍ ما: فعليه أن يذكر اسم الله عليه قبل إطلاق السلاح عليه (حتى وإن مات بسبب أثر السلاح قبل أن يذبحه، فهو حلالٌ طيب)، وأما قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ففيه وعيدٌ لمن لم يتق الله في أكل ما حَرَّمَ أكْله من الميتة وأنواعها، ومِن أكْل صيدٍ صادَه حيوان غير مُدَرَّب من الجوارح، فليتق عقوبة الله في ذلك فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾.

الآية 5: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾: يعني: وَفِي هذا اليوم الذي أكمل الله تعالى لكم فيه الدين: أحَلّ لكم ما سألتم عنه، وهو المذكور في قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ﴾ (وهو جميع الطيبات من الطعام والشراب)، ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ﴾: يعني وذبائحُ اليهود والنصارى حلالٌ لكم (إن ذبحوها حَسَبَ شرعهم)، وذبائحكم حلالٌ لهم، ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾: يعني وأَحَلَّ لكم نكاح الحرائر العفيفات من المؤمنات، ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾: أي وكذلك أَحَلَّ لكم نكاحَ الحرائر العفيفات من اليهود والنصارى، هذا إذا أمِنتم من التأثر بدينهنّ، وكذلك ﴿ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ ﴾: يعني إذا أعطيتموهُنَّ مُهورهن، وكنتم طالبين بهذا الزواج التعفف عن الحرام، وكنتم ﴿ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾: يعني غير مرتكبين للزنى جَهراً، ﴿ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾: يعني ولا متخذي عشيقات سراً، ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ ﴾: يعني ومن يجحد شرائع الإيمان: ﴿ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ﴾ ﴿ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾.

من اسباب النزول

قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) الآية [ 3 ] .

نزلت هذه الآية يوم الجمعة ، وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – واقف ( بعرفات على ناقته العضباء .

أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال : أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي ، قال : حدثناجعفر بن عون قال : أخبرني أبو عميس ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقال : يا أمير المؤمنين ، إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا ، فقال : أي آية هي ؟ قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) فقال عمر : والله ، إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والساعة التي نزلت فيها على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عشية يوم عرفة ، في يوم جمعة . رواه البخاري ، عن الحسن بن صباح . ورواه مسلم ، عن عبد بن حميد ، كلاهما عن جعفر بن عون .

من اسباب النزول

قوله تعالى : ( يسألونك ماذا أحل لهم ) الآية [ 4 ] .

– أخبرنا أبو بكر الحارثي قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : حدثنا أبو يحيى قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثني يحيى بن أبي زائدة ، عنموسى بن عبيدة ، عن أبان بن صالح ، عن القعقاع بن حكيم ، عن سلمى أم رافع ، عن أبي رافع قال : أمرني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقتل الكلاب ، فقال الناس : يا رسول الله ، ما أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وهي : ( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين ) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه ، عن أبي بكر بن بالويه ، عن محمد بن شاذان ، عن يعلى بن منصور ، عن ابن أبي زائدة . وذكر المفسرون شرح هذه القصة قالوا : قال أبو رافع : جاء جبريل- عليه السلام – إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – واستأذن عليه ، فأذن له فلم يدخل ، فخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : ” قد أذنا لك ياجبريل ” ، فقال : ” أجل ، يا رسول الله ، ولكنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب ” ، فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو ، قال أبو رافع : فأمرني أن لا أدع كلبابالمدينة إلا قتلته ، حتى بلغت ” العوالي ” ، فإذا امرأة عندها كلب يحرسها فرحمتها فتركته ، فأتيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فأخبرته ، فأمرني بقتله ، فرجعت إلى الكلب فقتلته ، فلما أمر رسول الله بقتل الكلاب جاء ناس ، فقالوا : يا رسول الله ، ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي تقتلها ؟ فسكت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأنزل الله تعالى هذه الآية . فلما نزلت أذن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ، ونهى عن إمساك ما لا تقع فيه منها ، وأمر بقتل الكلب الكلب والعقور ، وما يضر ويؤذي ، ورفع القتل عما سواهما وما لا ضرر فيه .

لمسات بيانيه

آية (3):

*(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ (3) المائدة) وفي آية أخرى (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ (173) البقرة) ما دلالة التقديم والتأخير لـ (به)؟

*د.فاضل السامرائى:

قال تعالى في البقرة (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ (173) وفي المائدة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ (3). لو لاحظنا السياق في المائدة الكلام على التحليل والتحريم ومن بيده ذلك، رفض أي جهة تحلل وتحرم غير الله قال تعالى (أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) المائدة) ليس لكم أن تُحِلّوا والذي يُحِلّ هو الله تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ (2) المائدة) الذي يُحِلّ هو ربنا سبحانه وتعالى، (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ (4) المائدة) إذن هو سبحانه يجعل التحليل والتحريم بيده حصراً السياق ليس هنالك أي جهة تقوم بذلك ولذلك قدم (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ (3) المائدة) أُهِلّ يعني رُفِع الصوت بذبحه، أُهِلّ يعني هذا باسم الله والله أكبر، هذا لفلان، هذا لفلان. إذن هنا قدم (لغير الله) لأن ربنا هو الجهة الأولى والأخيرة التي بيدها التحليل والتحريم. أما في البقرة المقام هو فيما رزق الله تعالى عباده من الطيبات وليس فيها تحليل وتحريم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً (168)) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173)) (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) هذا طعام، (كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً) هذا طعام، (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ) هذه الذبيحة، (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ) يعني ما رُفِع الصوت بذبحه فقدم (به) لأن هذا طعام متناسب مع الطعام ومتناسب مع طيبات ما رزقهم. إذن في التحريم قال (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ) قدّم (لغير الله) ولما كان السياق في الأطعمة قدّم الطعام ما أُهل به (ما أهل به) يعني الذبيحة، التقديم (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ) في سورة المائدة الجهة هي التي تُحلل وتُحرم، وفي المائدة قال(وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ (4)) قدّم (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ) لأنه لا يسمح أن يكون غير الله هو الذي يحلل ويحرم، هذا في آية المائدة لأن الكلام في التحليل والتحريم، هو سبحانه هو الذي يحلل ويحرم. هذا الكلام في البقرة في الطعام فقال (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ) (به) يعني البهيمة، بذبحه. لكن مسألة الذبح هنا أو هنا متعلقة بالله تعالى أو بغير الله سبحانه وتعالى لكن التقديم والتأخير هل هي في سياق التحليل والتحريم أو في سياق الطعام.

لمسات بيانيه

ما الفرق بين أكملت وأتممت في الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُعَلَيْكُمْ نِعْمَتِي .. (3) المائدة)؟ (د.فاضل السامرائى)

التمام نقيض النقص والكمال هي الحالة المثلى تحديداً وليس مجرد الاكتمال فقط أو سد النقص. التمام لا يقضي الكمال، الكمال تمام وزيادة. مثال: الإنسان إذا ولد تاماً كل شخص له عينان يبصر بهما ورجلين وفم هذا تمام بغض النظر عن الكمال هو تام من حيث الأعضاء كل عضو يؤدي وظيفته هذا تمام وليس كمالاً؟ الكمال قد يكون واسع العينين أحور هذا شيء آخر وهذا غير التمام. إذن الكمال هي الحالة المثلى والتمام نقيض النقص. النعمة يمكن يُزاد عليها لأن النعم لا تُحصى (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا (34) إبراهيم) أما الكمال لا يُزاد عليه لأنه الحالة المثلى والتمام يُزاد عليه الكمال. (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الدين لا يُزاد عليه وهو الحالة المثلى لا يزاد عليه لا في سُنة ولا غيرها وضح كل شيء السنن والفروض. النعمة تزاد والكمال لا يزاد عليه فقال(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) لأن الدين لا يزاد عليه وهذه هي الحالة المثلى أما النعمة يزاد عليها ولذلك في القرآن الكريم لم يستعمل مع النعمة إلا التمام لم يستعمل الكمال أبداً في جميع القرآن (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) النحل) (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ (2) الفتح) (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) المائدة) لأن النعم لا تنتهي (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) يعطيك ما تحتاج من النِعَم ويسد حاجتك يتمها عليك ولو أراد أن يزيدك فوق حاجتك لزادك. لذلك قال كمال الدين وتمام النعمة. كمال الدين لا يزاد عليه أما النعمة يزاد عليها. إذن الكمال تمام وزيادة وهي الحالة المثلى ولا يزاد عليها ولهذا من صفات الله تعالى الكمال “الكمال لله وحده”.

لمسات بيانيه

ورتل القرآن ترتيلاً:

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (3) المائدة) تأمل في هذا التعبير الذي يفوق كل تعبير وكل بيان. وهل يبلغ تعبيرنا إلى هذا الحد في أن يشوقك إلى التشبث بما تسمع منه ولكن بيان الله يدفعك إلى هذا. ألا ترى كيف بيّن لك أن دين الإسلام هو الدين الخالد الأبدي فالشيء الذي تختاره وتدّخره لا يكون إلا أنفس ما حصلت عليه وكذلكم دين الإسلام هو أنفس ما ظهر من الأديان ولذلك ختم الله به الشرع ونسخ ما قبله ورضيه لعباده بأن يكون الدين الباقي والمدخر إلى يوم القيامة.

لمسات بيانيه

(فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3) المائدة)لم وصف الله حالة الجوع القاهر بالمخمصة فقال (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ)دون فمن اضطر بسبب جوعه الشديد؟ آثر ربنا أن يعبر عن شدة الجوع بالمخمصة دون غيرها لأن المخمصة مأخوذة من الخمص وهو ضمور البطن إذ أن الجوع يضمر البطون ولا شك أن ضمورها دليل قاطع على المجاعة والقحط وهذا يصور شدة الجوع أكثر من أي لفظ إذ لا يتصور أن يبلغ بالإنسان هذا المبلغ دون انقطاع طويل الأمد عن تناول الطعام وهذا الوصف والحال لا يحصل بعبارة أخرى مثل الجوع.

لمسات بيانيه

آية (5):

*(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ (5) المائدة) انظر كيف عبر ربنا عن الطعام بالطيبات فقال (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) فهل هذا يدل على أن الأطعمة إذا كان طعمها مراً فهي محرمة حتى خص الطيبات بالتحليل؟(ورتل القرآن ترتيلاً)

إن الطيبات هي صفة لموصوف محذوف أي الأطعمة الطيبة وقد أطلق ربنا الطيب على المباح شرعاً للإيماء أن إباحة الشرع للشيء علامة على حسنه وسلامته من المضرة.

لمسات بيانيه

*(وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)) لم قال ربنا فقد حبط عمله ولم يقل فقد بطل عمله أو فسد؟(ورتل القرآن ترتيلاً)

الحبط هو فساد شيء كان صالحاً وقد آثر ربنا أن يصف بطلان عملهم بالحبط لما في هذا اللفظ من الدقة في تصوير فساد أعمالهم لأن الحبط هو مرض يصيب الإبل من جراء أكل الخُضر في أول الربيع فتنتفخ أمعاءها وقد تموت جراء ذلك فكان استعمال الحبط في وصف فساد أعمالهم دقة عجيبة بينت أن أعمالهم كانت صالحة ولكنهم خربوه وأضاعوا ثماره بسبب سوء صنعهم فانقلب عملهم إلى فاسد.

وقفات في سورة المائدة :

– تحدثت سورة المائدة عن أحكام الأطعمة وهي آخر نزولا وهكذا فعل الفقهاء جعلوا الأطعمة في الأخير .

– هذه السورة نزلت بعد اكتمال الدين وبداية انتشار الإسلام في خارج الجزيرة ، وتجد الحديث فيها مع أهل الكتاب وخاصة النصارى ، وكيفية معاملتهم والتعامل معهم ، والرد عليهم ومحاجتهم ومناقشة شبههم.

– آية (1)المائدة [يا أيها الذين آمنوا …] عدد الآيات المصدرة بها (16)آية في هذه السورة .
1- آية (3)المائدة [..اليوم أكملت لكم دينكم ..]

# إضافة الدين إلينا ماذا تعني ..؟! .

كقولهم هذا : ” ابنكم ” حماية له ودفاع عنه وعناية به.

متشابهات سورة المائده

وأنتم حرمٌ

لاحظ تنوين كلمة حرم فى الأيتين 1 ، 95 : حتى لا تنطقها بدون التنوين

وأخشون

بدون الياء فى الأيتين 3 ، 24 : حتى لا تثبت لها الياء

فضلاً من ربهم : المائدة 2/فضلاً من الله

بعد الفضل يأتى : من الله أو من الرب ، وهى لم ترد بلفظ الجلالة إلا مع سورتى الحجرات و الفتح

وقد تُضبط بالجملة الإنشائية

فتح الحجرات من الله

—————————————-

تفسير مبسط للوجه 3 من المائده ص 108

الآية 6: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾: أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة، وأنتم على غير طهارة: ﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾ – والمِرْفَق: هو المِفْصَل الذي بين الذراع والعَضُد، وهو ما يُطلِق عليه بعض الناس لفظ: (الكُوع)، والصحيح أنَّ اسمه المِرفَق – ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾: يعني وامسحوا رؤوسكم، ﴿ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾: أي واغسلوا أرجلكم مع الكعبين (والكعبان: هم العظمان البارزان عند مُلتقى الساق بكف القدم)، ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾: يعني وإن أصابتكم جنابة: فتطهروا منها بالاغتسال قبل الصلاة، ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ﴾: يعني أو قضى أحدكم حاجته، ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾: يعني أو جامَعتم زوجاتكم ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ﴾ للوضوء أو للغُسل: ﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾: أي فاضربوا بأيديكم وَجْهَ الأرض الطاهرة ﴿ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ﴾ وذلك بأن يَنوي العبدُ التيَمُمَ بقلبه ويُسمِّي، ثم يَضرب الترابَ بيدَيْه ضربة واحدة فقط ثم يَنفخ في يدَيْه، ثم يَمسَح بِهما وجهَهُ وكفَّيه فقط، وهذه الصفة سواء كان التيَمُم نيابةً عن الوضوء، أو كان نيابةً عن الغُسل.

﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾: يعني ما يريد الله في أمر الطهارة أن يُضَيِّق عليكم، ﴿ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ﴾: يعني بل أباح التيمم توْسِعَةً عليكم، ورحمة بكم، إذ جَعَله بديلاً للماء في الطهارة، ﴿ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾: يعني فكانت رخصة التيمُّم من تمام النعم التي تقتضي شُكْر المُنعِم بطاعته فيما أمر وفيما نهى.

• واعلم أنه يَجُوز التيَمُم أيضاً لمَن بهِ جُرْح أو مرض (مثل مرض الجُدَري) وَوَجَدَ مَشقَّة من الوضوء (أو الغُسل) بالماء (وذلك بزيادة المرض، أو تأخُّر الشِّفاء)، (وكذلك إذا كان الماء شديدَ البُرودة وعَجَزَ عن تسخينِه، وغلبَ على ظَنِه حُصُول ضَرَر باستعماله وهو بارد)، (وكذلك مَن كان الماء قريبًا منه إلاَّ أنه يَخاف ضَيَاعَ متاعه، أو فوْتَ رفقتِه، أو حالَ بينه وبَيْن الماء عَدُوٌّ ظالِم، أو نار، أو أيُّ خوف كان في القَصْد إليه مَشَقَّة، فهذا يتيمم أيضاً لأنه يَصعُب عليه الوصول إلى الماء)، (وكذلك لو كان الماء بِمَجْمَع الفُسَّاق وتخافُ المرأةُ على نفسها منهم)، (وكذلك مَن كان مريضًا لا يقدر على الحركة ولا يجد مَن يُناولُهُ الماء)، فكل هؤلاء يَجُوز لهم التيَمُم.

• واعلم أنه يَنقُض التيَمُمَ جميعُ نواقض الوضوء، ويُزَاد عليها وجود الماء لمَن فقدَهُ، أو قدَرَ على استعماله لمَن عَجَزَ عنه.

الآية 7: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ من التيسير فيما شَرَعه لكم، ﴿ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ ﴾: يعني واذكروا عهده الذي أخذه سبحانه عليكم، والمراد به هنا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، إذ بها وجب الالتزام بسائر التكاليف الشرعية، وأما قوله: ﴿ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ فقد قالها الصحابة – بلسان الحال – عندما بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وقد قالها كل مسلم – بلسان الحال أيضاً – لمَّا شَهِدَ للهِ بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾.

الآية 8: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ ﴾: يعني قوموا بحق الله تعالى (مُخلِصين له، طالبينَ ثوابَه)، ﴿ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ﴾: يعني وكونوا شُهداء بالعدل، ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ ﴾: يعني ولا يَحمِلَنَّكم بُغْضُ قوم ﴿ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾ بينهم في الحُكم، بل ﴿ اعْدِلُوا ﴾ بين الأعداء والأحباب على درجةٍ سواء، فذلك العدل ﴿ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾: يعني أقرب لخشية الله، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

لمسات بيانيه

آية (6):

*ما هو إعراب كلمة (وأرجلَكم) في الآية (6) المائدة؟(د.حسام النعيمى)

القيام في هذه الآية (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) بمعنى الوقوف والتهيؤ للذهاب إلى الصلاة .

في الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) اغسلوا تأخذ المفعول به (وجوهَكم) مفعول به عُطف عليه (وأيديَكم إلى المرافق) ثم قال (وامسحوا برؤوسِكم) جاء بهذه الباء، العلماء يقولون لترتيب الأفعال: أنت تبدأ بغسل الوجه ثم اليدين إلى المرفقين ثم تمسح الرأس ثم مسألأة الأرجل. فلما قال (وأرجلَكم) منصوبة إذن هي معطوفة على منصوب. هنا (وأرجلَكم) بالنصب معناه الأرجل مغسولة وليست ممسوحة وليست معطوفة على (برؤوسكم) وإنما وأرجلَكم بالنصب ورتّبها هكذا من أجل الترتيب، وهذه القراءة عدد من القراء السبعة قرأوها بالنصب.

لمسات بيانيه

الفرق بين الغسل والمسح:

أن الغسل المفروض فيه أن يجري الماء على العضو أما المسح فيكون بتبليل اليد ويمسح على العضو وليس هناك ماء يجري. والثابت عند جمهور المسلمين أنهم أخذوا عن رسول الله R غسل القدمين وإدخال الكعبين فيهما، فلما تردنا قراءة (وأرجلِكم) نفهم أنها تعني الإقتصاد في الماء. فسرها علماء النحو وقالوا: العطف هنا على الجِوار، هو في الحقيقة يجب أن يكون منصوباً ولكن جرّه بالمجاورة كما قالت العرب: هذا جحر ضبٍّ خرِبٍ، ليس الضبّ هو الخرِب وإنما الجحر هو الخرب. عند المجاورة أحياناً يُجرّ، المعنى واضح الجحر هو الخرب ولكن لأنها جاورت مكسوراً فكسرها للمجاورة، عند المجاورة يجرّ. فسر أن هذه القبائل العربية التي قرأت بالكسر كانوا يغسلون لكن جرّوا بالكسر بالجوار. وهي في كل الأحوال تُغسل لأنه هذا الذي وردعن أصحاب رسول اللهR وعن آل بيت النبوة رضي الله عنهم جميعاً أن كل ماروي عنهم الغسل.

لمسات بيانيه

* قال في المائدة (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ) بينما في النساء قال (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) فما اللمسة البيانية لهاتين الآيتين في ذكر (منه) وحذفه؟

د.فاضل السامرائى :

هما آيتان إحداهما في النساء والأخرى في المائدة. نقرأ الآيتين حتى يتضح الأمر. في النساء قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)) هذه آية النساء. آية المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)). لو نظرنا في الآيتين آية النساء وآية المائدة، آية النساء في الجُنُب وذوي الأعذار لم يذكر الوضوء إذن آية النساء هي في الجُنُب وذوي الأعذار تحديداً (وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى) أما آية المائدة ففي الجُنُب وغير الجُنُب وذوي الأعذار وذكر الوضوء، إذن هي عامة شملت الجنب وغير الجنب وذوي الأعذار وذكر الوضوء، إذن التفصيل في آية المائدة أكثر من آية النساء وذكر ما لم يذكره في آية النساء (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) فإذن كلمة (منه) نضعها مع التفصيل في آية المائدة فناسب التفصيل والزيادة في البيان فلما فصّل فصّل في البيان وزاد (منه)، و (منه) يعود على التراب. هناك فصّل وهذا أجمل. هذا أمر وهناك أمر آخر في آية النساء ختم الآية بقوله (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) لأنه ذكر السُكارى (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) بينما ختم آية المائدة (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)) ذكر رفع الحرج وإتمام النعمة ويريد أن يطهركم وهذا يستوجب الشكر فقال (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أما في آية النساء لم يذكر رفع الحرج وإنما ذكر السكارى والله عفو غفور فقال (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) فإذن الخاتمة مناسبة لما ورد وذكر (منه) مناسبة للتفصيل والبيان. وهذا نهج القرآن أن الفاصلة القرآنية لا بد أن تناسب الآية لذلك أحياناً يخالف الفواصل.

لمسات بيانيه

لماذا جمعت كلمة المرافق في آية الوضوء وجاءت الكعبين بالتثنية؟(د.فاضل السامرائى)

المرافق جمع مرفقا وهما المرفقان ولا إشكال فيها فكل يد لها مرفق واحد أما كل رجل فلها كعبين ول قال تعالى الكعوب لما دلّ ذلك على وجوب غسل الكعبين فلو غسلوا كعباً واحداً لكفاهم لكن الله تعالى أراد أن يغسل كل واحد من المخاطبين إلى الكعبين.

لمسات بيانيه

ما دلالة (لامستم) في آية الوضوء (6) المائدة؟ هل هي الجماع أو اللمس الجلدي؟(د.حسام النعيمى)

هذه مسألة فقهية اختلف فيها الفقهاء وليست من مسائل اللمسات البيانية اختلف فيها الفقهاء فالسادة الشافعية يرون أنها اللمس الإعتيادي بباطن الكف أنه يفسد الوضوء والسادة الحنفية لا يرون ذلك وكلٌ له وجهة نظره واتّباع أيّ مذهب من المذاهب بعد النظر في دليله لا بأس به إن شاء الله تعالى ونحن لا نريد أن ندخل أنفسنا فيما ليس من تخصصنا وهذه مسألة فقهية يُسأل عنها أهل الفقه إن شاء الله.

(مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ (6) المائدة) الحرج هو الضيق والشدة والحرجة البقعة من الشجر الملتف المتضايق.

لمسات بيانيه

آية (7):

*ورتل القرآن ترتيلاً:

(إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) المائدة) ذيلت الآية بهذا التحذير لنا لتحذرنا من إضمار المعاصي ومن توهم أن الله لا يعلم إلا ما يبدو من تصرفنا.

لمسات بيانيه

آية (8):

*ورتل القرآن ترتيلاً:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ (8) المائدة) في هذه الآية تقديم وتأخير بينها وبين آية النساء ففي آية النساء قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ (135)) وفي آية المائدة قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ) ووجه ذلك أن الآية في النساء وردت عقب آيات القضاء في الحقوق والآيات المرتبطة بأحكام المعاملة بين النساء والرجال فكان الأهم فيها أمر العدل ثم الشهادة فلذلك قدم (كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) والقسط هو العدل في القضاء وآية المائدة أتت بعد التذكير بميثاق المِلّة فكان المقام الأول للوفاء بعهود الله تعالى.

ربط الأيتين 6 ، 7 : لأن الله أتم النعمة فيجب أن نذكرها ولا ننساها (وليتم نعمته عليكم)(وأذكروا نعمة الله عليكم)

عدم وجود الواو قبل (لعلكم) فى كلا الموضعين

لضبط الأيات 7 ، 8 بالجملة الإنشائية : الميثاق القيام لله والشهادة بالقسط (وأذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه)(كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط)

تدبر في السوره

دلت آية الوضوء: المائدة 6 على سبعة أصول كلها مثنى:
طهارتان: الوضوء والغسل.
ومطهرتان: الماء والتراب.
وحكمان: الغسل والمسح.
وموجبان :الحدث والجنابة.
ومبيحان: المرض والسفر.
وكنايتان: الغائط والملامسة.
وكرامتان: تطهير الذنوب وإتمام النعمة

———————————————————

تفسير مبسط للوجه 4 من سورة المائده ص 109

الآية 11: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ مِن الأمنِ، وإلقاءِ الرعب في قلوب أعدائكم، واذكروا ﴿ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ﴾: أي أرادوا أن يبطشوا بكم، فصرفهم الله عنكم، وحال بينهم وبين ما أرادوه بكم.

• ولَمَّا أمرهم تعالى بذِكر النعمة: أمرهم بالخوف من المُنعِم أن يُبدل نعمته بنِقمةٍ إن عَصَوه، فقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ واحذروا أن تخالفوا أمْرَهُ فيُسلط عليكم أعداءكم، وغير ذلك من أنواع عقوباته، ثم أمرهم سبحانه بما يستعينون به على عدوهم، وعلى جميع أمورهم، فقال: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾: أي فتوكلوا – أيها المؤمنون – عليه وحده في أموركم الدينية والدنيوية، وثِقوا بعَونه ونَصره

الآية 12: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾: أي أخذ عليهم العهد المؤكَّد بأن يُخلِصوا العبادة له وحده، ﴿ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ﴾: يعني وأمَرَ اللهُ موسى عليه السلام أن يجعل عليهم اثنَي عشر عريفاً (رئيساً) بعدد فروعهم (حيث كان بنو إسرائيل اثني عشر قبيلة)، وذلك ليأخذوا عليهم العهد بالسمع والطاعة (لله ولرسوله ولكتابه)، ويَحُثوهم على القيام بما أُمِرُوا به، (واعلم أن النقيب هو مَن يُنَقِب عن أمور القوم ومصالحهم ليرعاها لهم، فيبحث عن شؤونهم ويتولى أمورهم)، ﴿ وَقَالَ اللَّهُ ﴾ لبني إسرائيل: ﴿ إِنِّي مَعَكُمْ ﴾ بحفظي ونصري وإعانتي ﴿ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي ﴾: أي وصدَّقتم رسلي فيما أخبروكم به، ﴿ وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ﴾: يعني ونصرتم هؤلاء الرسل، ﴿ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾: يعني وأنفقتم في سبيلي، طالبينَ ثوابي: ﴿ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ ﴿ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ العهد ﴿ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾: يعني فقد خرج عن طريق الحق إلى طريق الضلال.

الآية 13: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ ﴾: يعني فبسبب نقض هؤلاء اليهود لعهودهم المؤكَّدة: طردناهم من رحمتنا، ﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾: أي غليظة، فلا يَنْفُذ إليها خير، ولا تَلينُ أمام المعجزات الباهرات، بل جَعَلتهم يتجرأون على حدود الله تعالى، فكانوا ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾: يعني يبدلون كلام الله (الذي أنزله على موسى، وهو التوراة)، ويفسرونه على غير وجهه الصحيح، وذلك بما يتناسب مع أهوائهم ومقاصدهم السيئة، فإن عجَزوا عن التحريف: تركوا ما لا يتفق مع أهوائهم، فلم يُظهروه للناس، ﴿ وَنَسُوا حَظًّا ﴾: يعني وتركوا نصيبًا ﴿ مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ فلم يعملوا به، ﴿ وَلَا تَزَالُ ﴾ – أيها الرسول – ﴿ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ ﴾: يعني تجد من اليهود خيانةً وغَدرًا، فهُم على مِنهاج أسلافهم ﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ ﴾: يعني فاعفُ عن سوء معاملتهم لك، ﴿ وَاصْفَحْ ﴾ عنهم، فلا تتعرض لهم بمكروه، وبذلك تكون قد أحسنتَ إليهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ الذين يُحسِنون إلى مَن أساء إليهم (بالعفو والصفح عنهم)

من اسباب النزول

قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ) الآية [ 11 ] .

385 – أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر المؤذن قال : أخبرنا أبو علي الفقيه قال : أخبرنا أبو لبابة محمد بن المهدي الميهني قال : حدثنا عمار بن الحسن قال : حدثنا سلمة بن الفضل قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري : أن رجلا من محارب ، يقال له غورث بن الحارث قال لقومه من غطفان ومحارب : ألا أقتل لكم محمدا ؟ قالوا : نعم ، وكيف تقتله ؟ قال : أفتك به ، قال : فأقبل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو جالس ، وسيفه في حجره ، فقال : يا محمد ، أنظر إلى سيفك هذا ؟ قال : ” نعم ” ، فأخذه ، فاستله ، ثم جعل يهزه ويهم به ، فكبته الله عز وجل ، ثم قال : يا محمد أما تخافني ؟ قال : ” لا ” قال : ألا تخافني ، وفي يدي السيف ؟ قال : ” يمنعني الله منك ” ، ثم أغمد السيف ، ورده إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأنزل الله تعالى : (اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ) .

لمسات بيانيه

آية (11):

*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ (11) المائدة) كيف يبسطون أيديهم؟(ورتل القرآن ترتيلاً)

إن بسط اليد هو كلام مجازي لا يحمل على ظاهره فبسط اليد يراد به البطش كما أن كف اليد مجازي يراد به الإعراض عن السوء.

لمسات بيانيه

*ما دلالة البسط فى الآية؟(د.فاضل السامرائى)

البسط هو المدّ، بسط يده مدّها. البسط يأتي فيما يسرّ وفيما يكره، بسط إلي يده بما أحب وبما أكره. (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) المائدة)هذا بالضرب. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ (11) المائدة) (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ (2) الممتحنة) البسط إذن يأتي بالسوء ويأتي بالخير (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ (64) المائدة). هو في اللغة بسط إليّ يده تحتمل أمرين الأول أحب والثاني أكره والذي يحدد هذا الأمر السياق وفي الحديث عن عائشة “يبسطني ما يبسطها ويسرني ما يسرها” ويأتي البسط بمعنى الفرح.

لمسات بيانيه

آية (12):

*ورتل القرآن ترتيلاً:

(وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ (12) المائدة) انظر إلى قوله (إِنِّي مَعَكُمْ) أرأيت كيف عبر الله عن معيته لعباده الصالحين بقوله (إِنِّي مَعَكُمْ) فأنت تطمئن إن كان معك من هو أشد منك قوة وسلطة وتشعر بالأمان فكيف إذا كان الله معك أينما كنت يرعاك ويصونك. أليس الإنسان إن كان الله معه لا يخاف ولا يُهزَم فكم في هذا التعبير (إِنِّي مَعَكُمْ) من العناية والحفظ والنصر؟.

(وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ (12) المائدة) في قوله (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) لفتة معنوية فالتعزير هو المنع ويطلق على النصر لأن الناصر يمنع المعتدي على منصوره.
لمسات بيانيه

آية (13):

* ما الفرق بين يحرّفون الكلم عن مواضعه (13) المائدة، ويحرفون الكلم من بعد مواضعه (41) المائدة؟

*د.حسام النعيمى:

كان يمكن في غير القرآن أن يستعمل صيغة واحدة (عن مواضعه) لكن لما ننظر في الآيات التي وردت فيها (عن مواضعه) نجد أن الكلام على تحريف التوراة قديماً (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ) كان عندهم ميثاق بما استحفظوا من كتاب الله (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المائدة) الكلِم له موضع وهم غيّروه وحرّفوه.

أما (من بعد مواضعه) فكان تحريفاً في زمن الرسول R بعد أن ثبتت التوراة، الكلام مثبت عندهم، التحريف قديم لكن هنا الكلام ثُبّت في مواضعه ثم جاءوا بعد ذلك وغيّروه عن مواضعه.

اليهود حرّفوا التوراة قبل الرسول R عن مواضعه، له مواضع حرفوه عنها. الآن ثبت، فمن بعد أن وضعوه في مواضعه عادوا مرة أخرى وحرّفوه. أنتم وضعتموه في مواضعه ثم تعودون مرة أخرى.

الكلام مع الرسول R الكلام الأول (فبما نقضهم ميثاقهم وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةًيُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) الكلام عام (هذا التحريف القديم). الآن الكلام مع الرسول R (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) فهذا تحريف ثاني. (عن مواضعه) التحريف الأول، (من بعد مواضعه) بعد أن مرت ألف عام أو أكثر على هذا الموضع عادوا مرة أخرى وحرّفوا من بعد أن ثبّت في مكانه. موطن الآية الثانية يختلف فالموطن الأول الكلام فيه على التوراة عموماً. والموطن الثاني الكلام على عبارات تقدّم بين يدي الرسول R من التوراة. فلما قال (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) آل عمران) غيّروا فيها تغييراً جديداً ومع ذلك بقيت إشارة إلى نبوة محمد R في التوراة. ولو قال في الآية الثانية (عن مواضعه) كان يُقصد التحريف الأول وليس شيئاً جديداً لكنه أراد أن يبيّن أنه تحريف جديد. هم دائمو التحريف، يحرّفون دائماً. أنتم ثبتموه ثم عدتم مرة ثانية وحرّفتموه.

حرّفوه عن مواضعه أي غيّروه، أزالوه. التحريف عن الشيء بمعنى المجاوزة، جعله يجاوز مكانه، غيّروه. لكن (من بعد مواضعه) أي من بعد أن ثُبّت في موضعه، من بعد أن ثبتوه بأيديهم عادوا مرة أخرى فحرّفوه. التحريف هنا المراد به التبديل بالأحرف أيضاً حتى الأحرف بُدّلت. والتحريف هو من تغيير الحروف. هذه الحروف المرسومة غيّروها. هم لم يكونوا يحفظون التوراة على قلوبهم. الأمة الوحيدة التي تحفظ هي أمة الإسلام وهم أي اليهود إلى الآن لا يحفظون التوراة. الآن موجود عندهم وصف المسلمين أن أتباع النبي الخاتم أناجيلهم في صدورهم، يحفظونه في الصدور وهذه صفة المسلمين. في كتبهم يقولون هذه الأمة أناجيلها في صدورها. أي أمة إنجيلها في صدورها غير المسلمين؟ ملايين المسلمين يحفظون القرآن في الصدور والإسلام بدأ بالحفظ على الصدور قبل أن يحفظ في السطور.

لمسات بيانيه

د.فاضل السامرائى:

(فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ (13) المائدة) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ (41) المائدة)فما الفرق بين الآيتين؟ الأولى كانت في أهل الكتاب الأوائل قبل الرسول rوالثانية في الذين كانوا في زمن الرسول r (من بعد مواضعه) بعدما استقرت. هذا بشكل عام ونفصّل الإجابة فيما بعد إن شاء الله.

اضاءه فكريه

(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ (13) المائدة) جيء بالفعل يحرفون بصيغة المضارع للدلالة على استمرارهم في التحريف بينما جاء الفعل بعده (نسوا) بصيغة الماضي لأن النسيان يراد به الإهمال المفضي إلى النسيان غالباً فعبّر عنه بالماضي لأن النسيان لا يتجدد.

المتشابهات

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)

المائدة

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)

الأحزاب

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)

فاطر

المتشابهات

وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا….(12)

المائدة

وجود كلمة بعثنا قد يجعل القارئ يذكر (ولقد أخذنا) بدلاً من (ولقد أخذ الله) كما أن هذا الموضع يتشابه مع موضع البقرة أية 83 (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) والضابط وجود ضمير الجمع فى السورة الأطول (أخذنا) والمفرد فى السورة الأصغر (ولقد أخذ)

وأنظر موضع سورة البقرة

والضبط بالسياق والتكرار خير ضابط

تدبر في السورة

عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: إن المرء قد ينسى بعض العلم بالمعصية ,
وتلا قوله تعالى: ” فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّ‌فُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُ‌وا بِهِ” المائدة 13

—————————————–

تفسير مبسط للوجه 5 من سورة المائده ص 110

الآية 14: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ ﴾: يعني وكذلك الذين ادَّعَوا أنهم أتباع المسيح عيسى – وهم ليسوا كذلك – أخذنا عليهم العهد المؤكد الذي أخذناه على بني إسرائيل: بأن يَتبعوا رسولهم وينصروه، ﴿ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ فلم يعملوا به، وبدَّلوا دينهم كما صنع اليهود، ﴿ فَأَغْرَيْنَا ﴾: يعني فألقينا ﴿ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ﴾، فجعلناهم يُعادي بعضهم بعضًا ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾، ﴿ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ يوم القيامة، وسيعاقبهم على صَنيعهم.

الآية 15: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ من اليهود والنصارى ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ عن الناس مما في التوراة والإنجيل، ﴿ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾: يعني وهناك أشياء – مما كنتم تخفونها من الكتاب – لا يَذكر عنها شيئاً، ولا يلومكم على إخفاءها، لأن الحكمة تتطلب ألاَّ يفعل ذلك، (﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ وهو القرآن الكريم.

• واعلم أن حرف الواو الذي بين كلمة: (نُورٌ)، وبين كلمة: (كِتَابٌ مُبِينٌ): تسمى (عطف بيان)، يعني عطف توضيح، لتبين أن هذا النور هو الكتاب المبين الواضح، وليس معناها أن (النور)، شيئٌ، و (الْكِتَابِ المبين) شيئٌ آخر، فكأنّ المعنى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ، وهو هذا الكتاب المبين).

الآية 16: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾: يعني يهدي الله بهذا القرآن مَن اتَّبَع رضا الله (ففعل ما يُرضيه، واجتنبَ ما يُغضِبه)، ليوصلهم إلى طريق السلامة والسعادة ﴿ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ﴾: أي بإذن ربهم، ﴿ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾: يعني ويوفقهم إلى الثبات على دِينه القويم الذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام.

الآية 17: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ ﴾ النصارى ﴿ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ ﴿ قُلْ ﴾ لهم – أيها الرسول- : ﴿ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾: يعني: لو كان المسيح إلهًا كما تدَّعون، لقَدرَ أن يدفع قضاء الله إذا جاءه بإهلاكه وإهلاك أُمِّه ومَن في الأرض جميعًا، وقد ماتت أم عيسى فلم يَدفع عنها الموت، فكذلك لا يستطيع أن يدفعه عن نفسه، فهذا دليلٌ على أنه بشر كسائر بني آدم، ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾: أي: وجميع الموجودات في السماوات والأرض ملكٌ لله تعالى وحده ﴿ يخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾ ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.

لمسات بيانيه

وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى (14) المائدة) انظر إلى صيغة التمريض والتضعيف هذه منهم (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى) ولكن الله لم يقل عنهم إنهم نصارى وفي هذا التعبير تقريع ولوم على هذا الضعف من القوم الذين يدعون بالقول واللسان انتسابهم إلى عيسى u وفعلهم يخالف قولهم ومعتقدهم.

(فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (14) المائدة) الإغراء هو الحث على فعل ما وتحسينه في نظر الذي يراد إغراؤه حتى لا يتأخر ولا يتكاسل عن تحصيله بأي وجه. وقد استخدم الله هذا الفعل مع كلمة العداوة والبغضاء ليدلنا على عظم العداوة بينهم ورغبتهم في إثارتها بين الحين والآخر.

لمسات بيانيه

آية (16):

* ما الفرق بين السبيل والصراط؟(د.فاضل السامرائى)

السبيل هو الطريق السهل الذي فيه سهولة والصراط هو أوسع الطرق الطريق المستقيم وهو أوسع الطرق ولذلك لا يُجمع في القرآن (في اللغة يمكن أن يجمع مثل كتاب كتب). إذن الصراط هو الطريق المستقيم وهو أوسع الطرق ولم يرد في القرآن إلا مفرداً لأنه يُراد به الإسلام (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ (153) الأنعام) السبيل يجمع على سبل، يأتي مفرداً ويأتي جمعاً لأنها سهلة ميسرة للسير فيها. طرق الخير تجمع وطرق الشر تجمع (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ (16) المائدة) طرق الخير، (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) هذه طرق الشر وتستخدم سبل للخير والشر أما الصراط هو أوسع الطرق أياً كان (مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) الصافات) هو أوسع الطرق. ويأتي الصراط دائماً موصوفاً ومضافاً يدل على أن هذا طريق الخير وذاك طريق الشر. إذن الصراط الطريق الواسع والسبيل الطريق المنبثقة عنها، الطرق المتفرعة عن الصراط لذلك تجمعه سبل الخير، سبل الشر. السبيل عام وفيه معني السعة وكما قال الزمخشري سمي الصراط لأنه يسرط السالكين ويبلعهم، كم يسلكون الصراط يبلعهم. أصلها سراط بالسين من سرط ولكن أيضاً تقال صراط بالصاد لكن أصل الكلمة بالسين (سراط) وقد تكتب بحسب اللفظ. أصلها من سرط أي ابتلع لأنه يبتلع السالكين صراط يربطونها بستريت (straight) مستقيم وستريت (street) بالإنجليزية. اللغة العربية هي أقدم اللغات الموجودة المستعملة وليس هناك لغة أقدم منها وهناك بعض اللغات التي اندثرت.

لمسات بيانيه

فعل الهداية والضلالة: (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) ابراهيم) (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) الفرقان) (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) المائدة :(د.فاضل السامرائى)

الهداية جاءت بالاسم والفعل أما الضلالة فجاءت بالفعل (ويضل الله من هو مسرف مرتاب) أما في الحديث عن الشيطان (إنه عدو مضل) (إنه يضل) (لأضلنّهم)

صفة الله تعالى الثابتة والمتجددة هي الهداية (وكفى بربك هادياً ونصيرا) وهو يهدي حالته الثابتة والمتجددة هي الهداية ولا يضل إلا مجازاة للظالم. أما صفة الشيطان الثابتة والمتجددة هي الإضلال فجاءت مضلّ بالاسم الثابت وبفعل التجدد. ولم يقل تعالى عن نفسه مُضلّ وإنما قال (يُضل الله الظالمين) مجازاة لهم.

لمسات بيانيه

آية (17):

* ورد في بعض آي القرآن الكريم (السموات والأرض وما بينهما) وفى بعض السور لم يرد (ما بينهما) فهل لهذا دلالة؟

كل موطن في القرآن الكريم يذكر (وما بينهما) يأتي تعقيب على من يذكر صفات الله تعالى بغير ما يستحق، تعقيب على قول النصارى (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) وعلى قول اليهود (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) المائدة). بعد أن قال تعالى (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا (17) المائدة) يقول بعدها (وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) المائدة) لِمَ يتخذ الولد وهو الغني؟ له ملك السموات والأرض وما بينهما لا يحتاج الولد. اليهود يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه تأتي بعدها (وما بينهما)لماذا رقّيتم أنفسكم؟ هو تعالى لا يحتاج هذا حتى يتخذكم أبناء، لِمَ يتخذكم أبناء وهو الغني؟

لاحظنا أنه في كل موطن يقول (وما بينهما) تأتي تعقيب في الله على ما لا يليق.

موطن آخر بياني: أبداً في كل موطن في القرآن الكريم يذكر فيها (وما بينهما) يذكر ثلاث ملل: اليهود والنصارى والمسلمين. في كل موطن يذكر (وما بينهما) يذكر في السياق ثلاث ملل اليهود والنصارى والمسلمين

لمسات بيانيه

ما اللمسة البيانية في ذكر عيسى مرة والمسيح مرة وابن مريم مرة في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)

لو عملنا مسحاً في القرآن الكريم كله عن عيسى نجد أنه يُذكر على إحدى هذه الصيغ:

المسيح: ويدخل فيها المسيح ، المسيح عيسى ابن مريم، المسيح ابن مريم (لقبه)

عيسى ويدخل فيها: عيسى ابن مريم وعيسى (إسمه)

ابن مريم (كُنيته)

حيث ورد المسيح في كل السور سواء وحده أو المسيح عيسى ابن مريم أو المسيح ابن مريم لم يكن في سياق ذكر الرسالة وإيتاء البيّنات أبدأً ولم ترد في التكليف وإنما تأتي في مقام الثناء أو تصحيح العقيدة. (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) آل عمران) (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) النساء)(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) المائدة) (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) التوبة).

وكذلك ابن مريم لم تأتي مطلقاً بالتكليف (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) المؤمنون) (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) الزخرف).

أما عيسى في كل أشكالها فهذا لفظ عام يأتي للتكليف والنداء والثناء فهو عام(وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) المائدة) (ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مريم) ولا نجد في القرآن كله آتيناه البينات إلا مع لفظ (عيسى) (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) الزخرف) ولم يأت أبداً مع ابن مريم ولا المسيح. إذن فالتكليف يأتي بلفظ عيسى أو الثناء أيضاً وكلمة عيسى عامة (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) المائدة) فالمسيح ليس اسماً ولكنه لقب وعيسى اسم أي يسوع وابن مريم كنيته واللقب في العربية يأتي للمدح أو الذم والمسيح معناها المبارك. والتكليف جاء باسمه (عيسى) وليس بلقبه ولا كُنيته.
المتشابهات

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ : 17 ، 72

لم يذكر عيسى فى كلا الموضعين لأن الأيتين تتحدثان عن جرم عظيم وعدم ذكر المسيح باسمه هنا إشارة إلى أن الله لا يحابى فى الكفر أحد وإشارة إلى غضبه (على من قالوا وليس على المسيح مع كونه لم يذكر أسمه إنما فيه من الإشعار للسامع بجرم القول الذى قالوه سواء من سمع هذا مسلم أو نصرانى يريد أن يسمع ) ولتوضيح جرم مقالتهم نجد فى الأية الأولى يقول رب العزة (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) وفى الموضع الثانى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)

المتشابهات

قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا (17)

المائدة

قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا (11)

الفتح

الضبط بالسياق

ضمير المخاطب (لكم) يضبطه (بكم) وعدم وجودهما فى سورة المائدة .

لمسات بيانيه

وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)

المائدة

وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)

المائدة

الموضع الأول خاص بالمسيح لذلك جاء (يخلق ما يشاء) والموضع الثانى خاص بالمغفرة ونفيها لذلك جاء (وإليه المصير)حيث تكون الرحمة أو يكون العذاب نسأل الله المغفرة .

كلمـات عن التدبر

“تأمل ! جبل عظيم ، شاهق، لو نزل عليه القرآن لخشع ، بل تشقق وتصدع،
وقلبك هذا ، الذي هو في حجمه كقطعة صغيرة من هذا الجبل ، كم سمع القرآن وقرأه؟
ومع ذلك لم يخشع ولم يتأثر ! والسر في ذلك كلمة واحدة : إنه لم يتدبر .

———————————————

تفسير مبسط للوجه 6 من سورة المائدة ص 111

الآية 18: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ ﴿ قُلْ ﴾ لهم – أيها الرسول -: ﴿ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾؟ أي: فلِمَ عَذّب أسلافكم بذنوبهم، فمَسَخهم قِردةً وخنازير وغير ذلك مما هو ثابتٌ في كتبكم وفي تاريخكم؟ فلو كنتم أحبابه ما عَذبكم، فأحبابُ الله تعالى حقاً هم أهل طاعته، وقل لهم أيضاً: ﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾: يعني بل أنتم خلقٌ مثلُ سائر بني آدم، تجري عليكم أحكام العدل والفضل، فنِسبتكم إليه تعالى نسبة مخلوق إلى خالق، وعبدٌ إلى مالك، فمَن آمَنَ منكم وعمل صالحا:ً غفرَ له وأكرمه، ومَن كفر منكم وعمل سُوءا:ً عَذبه وأهانه، كما هي سُنَّته في سائر عباده، إذ هو سبحانه ﴿ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ من عباده إذا أتوا بأسباب المغفرة، ﴿ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ من عباده إذا أتوا بأسباب العذاب، ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾، فأيُّ شيءٍ خَصَّكم بهذه الفضيلة، وأنتم مِن جُملة مملوكات الله تعالى الذين يرجعون إليه في الدار الآخرة، فيجازيهم بأعمالهم؟

الآية 19: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ يُبَيِّنُ لَكُمْ ﴾ الحق والهدى ﴿ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ﴾: يعني بعد مُدَّة من الزمن بين إرساله وإرسال عيسى ابن مريم؛ ﴿ أَنْ تَقُولُوا ﴾: يعني لِئَلاَّ تقولوا: ﴿ مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ﴾ فإنه لا عُذرَ لكم بعد إرساله إليكم، ﴿ فَقَدْ جَاءَكُمْ ﴾ من الله ﴿ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ﴾ وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ فهو سبحانه قديرٌ على عقاب العاصي، وعلى إثابة المطيع، وعلى مغفرة ذنوب التائب، قال تعالى في الحديث القدسي: (مَن عَلِمَ أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب: غفرتُ له ولا أبالي، ما لم يُشرك بي شيئاً) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 4330).

• ولذلك ينبغي للعبد المؤمن كلما تذكر هذه الجملة: (والله على كل شيءٍ قدير)، أن يتذكر أنه سبحانه قادرٌ أن يغفر له يوم يقرره بذنوبه، وقادرٌ أن يثبته في القبر عند سؤال الملكين، فيتقلب قلبه حينئذٍ بين الخوف من ذنوبه، وبين الرجِاء في قدرة الله تعالى على المغفرة.

الآية 20: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ ﴾ ﴿ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا ﴾ تَملِكون أمركم بعد أن كنتم مملوكين لفرعون وقومه، ﴿ وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾: يعني وقد منحكم مِن نِعمه صُنوفًا لم يَمنحها أحدًا من عالَمي زمانكم، مِثل المَنّ والسلوى وغير ذلك.

الآية 21: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ﴾: أي الأرض المُطهَّرة، (وهي “بيت المَقدس” وما حولها)، فهذه الأرض هي ﴿ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾: أي التي فرض الله عليكم أن تدخلوها وتقاتلوا مَن فيها من الكفار، ﴿ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾: يعني ولا ترجعوا عن قتالهم، فتخسروا خَيرَي الدنيا الآخرة.

الآية 22: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ ﴾: أي أشداء أقوياء، لا طاقة لنا بحربهم، ﴿ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا ﴾: يعني وإنَّا لن نستطيع دخولها وهم فيها، ﴿ فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴾.

الآية 23: ﴿ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ ﴾: يعني يخشون الله تعالى، وقد ﴿ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ﴾ بطاعته وطاعة نبيِّه، فقالا لبني إسرائيل: ﴿ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ﴾: أي ادخلوا على هؤلاء الجبارين باب مدينتهم، أخْذًا بالأسباب، (﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ﴾ ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.

لمسات بيانيه

آية (18):

(قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم (18) المائدة) انظر إلى هذا الاستفهام الذي حمل معنى النفي والرد فلو كانوا أبناء الله وأحباءه لما عذبهم بذنوبهم. فشأن المحب ألا يعذب حبيبه وشأن الأب ألا يعذب أبناءه.

لطيفة: سأل الشبلي أبا بكر بن مجاهد: أين تجد في القرآن أن المحب لا يعذب حبيبه؟ فلم يهتد إبن مجاهد فقال له الشبلي: في قوله (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم).

جاءت كلمة بشر (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ (24) القمر) مفرد و(بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ (18) المائدة) جمع فلماذا؟(د.فاضل السامرائى)

هذا سؤال لغوي نجيب عنه الآن: كلمة ضيف تقال للمفرد وللجمع في اللغة في سورة الحجر (قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ (68)) وفي الذاريات (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)) كلمة ضيف جاءت بالمفرد مع أن الملائكة مكرمين يعني جمع, مثلها كلمة خصم تقال للمفرد وللجمع (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) ص) وهذه ليست مختصة بالإفراد. وكذلك كلمة طفل تأتي للمفرد وللجمع عندنا كلمات في اللغة تأتي للمفرد وللجمع. وكذلك كلمة بشر (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ (24) القمر) مفرد(بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ (18) المائدة) جمع. عندنا كلمات تكون للمفرد وللجمع منها كلمة بشر وضيف تكون للمفرد وللجمع. عندنا ضيوف وأضياف وعندنا خصم وخصوم وطفل وأطفال ورسول أيضاً تستعمل مفرد وجمع، ورسل، رسول جمع أيضاً تستعمل للمفرد والمثنى والجمع والمصدر أيضاً وهذا يسمى في اللغة إشتراك. الرسول تأتي بمعنى الرسالة والإرسال، المبلِّغ هذا الأصل فيها (فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) الشعراء) (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ (47) طه).

آية (19):

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ (19) المائدة) الفترة هي الفتور أي لين بعد شدة وضعف بعد قوة فقوله (عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ) أي سكون حال عن مجيء الرسول فقبل بعثته صلى الله عليه وسلم كانت الرسل تبعث تترى متتالية.

آية (20):

(وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا (20) المائدة) تشبيه بليغ وهو ما ذكر به المشبه والمشبه به دون أداة فمثلاً تقول لصديقك: أنت بحر أي أنت كالبحر في أمر اشتركا فيه وهو السعة وكذلك قوله تعالى (وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا) أي أنتم كالملوك في صفة مشتركة بينكما وهي حرية التصرف في النفس.

المتشابهات

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ ): 15 ، 19

ما بعد يبين لكم يضبط بالجملة الإنشائية (الكثير على فترات )

( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِين)َ (20)

المائدة

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ…).(6)

ابراهيم

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ..).(5)

الصف

الضبط بإشتراك كلاً من السورتين الأصغر مع السورة الأكبر فى جزء من الأية

إشتراك سورة المائدة مع إبراهيم فى وجود اذكروا نعمة الله عليكم وعدم وجود (ياقوم) ، أى إشتراكها فى الجملة مع السورة الأطول ، وفى الكلمة مع السورة الأقصر

وإشتراك سورة المائدة مع الصف فى وجود كلمة (يا قوم ) وتُضبط بالجملة الإنشائية : القوم أصطفوا على المائدة

ذُكرت كلمة (لقومه) بعد(وإذ قال موسى) فى هذين الموضعين وفى موضع فى سورة البقرة (وقد تم ضبط موضعى البقرة)

الموضع الوحيد

( بشير ونذير ) المائده 19 وفي غيره ( نذير وبشير )

————————————

تفسير مبسط للوجه 7 من سورة المائده ص (112)

الآية 24: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ ولن نقاتلهم، وهذا إصرارٌ منهم على مخالفة موسى عليه السلام.

الآية 25: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ﴾: يعني لا أقدر إلا على نفسي وأخي، ﴿ فَافْرُقْ ﴾: أي فاحكم ﴿ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾.

الآية 26: (﴿ قَالَ ﴾) الله لنبيه موسى عليه السلام: ﴿ فَإِنَّهَا ﴾ أي الأرض المقدَّسة ﴿ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ ﴿ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ حائرين ﴿ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾: أي فلا تأسف يا موسى على القوم الخارجين

الآية 27، والآية 28، والآية 29: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ ﴾: أي واقصص – أيها الرسول – على اليهود الذين هَمُّوا بقتلِك وقتل أصحابك خَبَر ابنَيْ آدم (قابيل وهابيل)، و هو خبرٌ حقٌ، ليعلموا بذلك عاقبة جريمة القتل الذي هَمُّوا به، ولإظهار موقفك الشريف منهم حيث عفوتَ عنهم، فلم تقتلهم بعد أن تمَكَّنتَ منهم، وكنتَ معهم كخير ابنَي آدم (وهو هابيل المقتول ظلماً) ﴿ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا ﴾ وهو ما يُتَقرَّب به إلى الله تعالى، ﴿ فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا ﴾: أي فتقبَّل الله قُربان هابيل؛ لأنه كان تقيًّا، ﴿ وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ ﴾: يعني ولم يتقبَّل قُربان قابيل؛ لأنه لم يكن تقيًّا، فحسد قابيلُ أخاه، و ﴿ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ﴾، فـ ﴿ قَالَ ﴾ هابيل: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾، ثم قال هابيلُ واعظًا أخاه: ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾، وإن رَضِيتَ قتلي فـ ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ﴾: يعني أريد أن ترجع إلى الله يوم القيامة حاملاً إثم قتلك لي، وإثمك الذي عليك قبل ذلك، ﴿ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾.

الآية 30، والآية 31: ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ﴾: يعني فَزَيَّنت لقابيلَ نفسُه أن يقتل أخاه، وشَجَّعَته على ذلك ﴿ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، فلما قتل قابيلُ أخاه لم يَعرف ماذا يصنع بجسده ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ ﴾: أي يَحفر حفرةً في الأرض ليَدفن فيها غرابًا مَيِّتًا؛ وذلك ﴿ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ ﴾: يعني لِيَدُلّ قابيل كيف يَدفن جُثمان أخيه؟ فـ ﴿ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي ﴾: أي بَدَن أخي، لأنّ بدن الميت عورة، ﴿ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ على حَمْله على عاتقه طوال هذه المُدَّة وعدم دفنِه.

• واعلم أن بعض الناس يتشاءمون إذا سمعوا صوت الغراب أو صوت البُومة أو غير ذلك، فهذا لا أصلَ له في الإسلام، بل هو مَنهيٌ عنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ – (والمقصود بالطيرة: التشاؤم) -، وَمَا مِنَّا إِلاَّ – (يعني وما منا مِن أحد إلا وقد يقع في قلبه شيءٌ من التشاؤم) – ولكنّ الله يُذهِبُهُ بالتوكل) (انظر السلسلة الصحيحة 1/ 791).

والمعنى: أن الله تعالى يُذهِب ذلك من القلب بالتوكل عليه وتفويض الأمر إليه، والتعلق بمُسبب الأسباب وحده (الذي بيده ملكوت كل شيءٍ، والذي خلق كل شيءٍ بقدر).

لمسات بيانيه

آية (24):

(قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا (24) المائدة) كان بنو إسرائيل يعاندون رسولهم ويصرون على مواقفهم وإن كانت على باطل ومن ذلك هذا التصريح منهم (إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا) فقد أكدوا الامتناع الثاني من الدخول بعد المحاولة السابقة (وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا (22) المائدة) أكدوا ذلك أشد توكيد دلّ عليه التأكيد بـ (إن) ثم (لن) التي تفيد نفي الاستقبال وأصروا على ذلك بقولهم أبداً.

لمسات بيانيه

* ما الفرق بين استخدام الفاسقين والكافرين في الآيتين 26 و68 من سورة المائدة؟(د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة المائدة (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)) وقال تعالى في نفس السورةً(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)) الفرق ظاهر لأن الآية الأولى في الكلام مع موسى بخصوص قومه الذين امتنعوا عن القتال فقال تعالى (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)) وقوم موسى ليسوا كفاراً وإنما كانوا مؤمنين به والله تعالى نزّل عليهم المنّ والسلوى فبنو إسرائيل إذن ليسوا كفاراً ولا يمكن أن يقال عنهم كافرون

أما في الآية الثانية فالخطاب للرسول في خطابه لأهل الكتاب (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)) فهؤلاء كفرة كما جاء في قوله تعالى (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا) ولهذا جاءت كلمة الكافرين في نهاية الآية

لمسات بيانيه

آية (30):

* ما الفرق بين طوعت (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) المائدة) وسولت (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) طه) (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا (18) يوسف)؟(د.فاضل السامرائى)

سولت معناها زينت له، يقال سولت له نفسه أي زينت له الأمر، طوّعت أشد. نضرب مثلاً” الحديد يحتاج إلى تطويع أي يحتاج إلى جهد حتى تطوعه، تريد أن تطوع وحشاً من الوحوش تحتاج لوقت حتى تجعله يطيعك، فيها جهد ومبالغة في التطويع حتى تروضه وتذلله، المعادن تطويعها يحتاج إلى جهد وكذلك الوحوش والطيور تطويعها يحتاج إلى جهد وبذل.

التسويل لا يحتاج إلى مثل ذلك الجهد. إذن سولت أي زينت له نفسه، لذا ابني آدم قال (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) كان يفكر هل يمكن أن يقدم على قتل أخيه فاحتاج وقتاً لترويض نفسه ليفعل هذا الفعل وهو ليس كأي تسويل أو تزيين بسهولة تفعل الشيء وأنت مرتاح. التطويع يحتاج إلى جهد حتى تروض نفسه وتهيء له الأمر. وفي القرآن قال تعالى (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) في قصة السامري هنا بسهولة وهذه أسهل من أن يقتل الواحد أخاه. لا يجوز في القرآن أن تأتي طوعت مكان سولت أو العكس وفي النتيجة العمل سيكون لكن واحد أيسر من واحد. سوّل وطوع بمعنى واحد لكن طوّع فيها شدّة.

*(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ (30) المائدة) لو قال الله تعالى (فقتل أخاه) لعرفنا ما صنع فلم قال (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) ولم يقتصر على فقتل أخاه؟(ورتل القرآن ترتيلاً)

عبر ربنا في قوله (فطوعت) عن حدوث تردد في نفس قابيل ومغالبة بين دافع الحسد ودافع الخشية فهذا الفعل (فطوعت) يدل على تردد طويل ثم إقدام على الفعل.

لمسات بيانيه

آية (31)

*(فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ (31) المائدة) لِمَ أرسل الله تعالى الغراب ولم يرسل غيره من الطيور؟

ناسب بعث الغراب إلى قابيل من بين الطيور لما يصيب الناظر إلى سواده من انقباض وهذا ما يصيب الخاسر فالخاسر والآثم يصيبه انقباض في نفسه.

لمسات بيانيه

* متى تستعمل يا ويلتنا ويا ويلنا؟ (د.فاضل السامرائى)

الويل هو الهلاك عموماً والويلة هي الفضيحة والخزي. الويل هو الهلاك (ويل للمطففين)، (ويل لكل همزة)،( يا ويلنا إنا كنا ظالمين). (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) هود) فضيحة قالت يا ويلتى ولم تقل يا ويلي، المرأة تقول يا ويلي وإذا أرادت الفضيحة تقول يا ويلتي.ويمكن أن تستعمل الاثنين بالمنادى يصح
فإذن الويلة هي الفضيحة والخزي قالت (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيب) يا للفضيحة وهذا بعلي شيخاً. (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) سيفضحنا، كل الأفعال التي فعلوها ستظهر يا للفضيحةّ وهناك أعمال هم لا يحبون أن يطلع عليها أحد وستفضحهم فقال (يا ويلتنا) لأن فيها أعمال وخزي وفضيحة وهم يحبون أن يستروها فقالوا (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا). ورد على لسان ابني آدم (فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) المائدة) يا للفضيحة والخزي والعار هذا الغراب فكّر أحسن مني. (يا ويلنا) هي ويل هلاك (ويل للمصلين) هذا للهلاك. إذن ويل للهلاك وويلة للفضيحة والخزي هذا في اللغة. ويلة تأتي يا ويلتى أو يا ويلتي أو يا ويلتنا للجمع. ويل تأتي ويل.

لمسات بيانيه

* ما الفرق بين الحسرة والندامة ؟(د.فاضل السامرائى)

الحسرة هي أشد الندم حتى ينقطع الإنسان من أن يفعل شيئاً. والحسير هو المنقطع في القرآن الكريم لما يقول (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك) حسير أي منقطع، إرجع البصر كرتين، ثم ارجع البصر، الحسير المنقطع. الحسير المنقطع والحسرة هي أشد الندم بحيث ينقطع الإنسان عن أن يفعل شيئاً ويقولون يكون تبلغ به درجة لا ينتفع به حتى ينقطع. (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ (30) يس) هذه أكبر الحسرات على الإنسان وليس هناك أكبر منها. الندم قد يندم على أمر وإن كان فواته ليس بذلك لكن الحسرة هي أشد الندم والتلهف على ما فات وحتى قالوا ينقطع تماماً. يقولون هو كالحسير من الدواب الذي لا منفعة فيه (أدرك إعياء عن تدارك ما فرط منه). في قصة ابني آدم قال (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) المائدة) الندم له درجات أيضاً ولكن الحسرة أشد الندم، هي من الندم لكن أقوى من الندم يبلغ الندم مبلغاً. (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ (167) البقرة) منقطعة ولا فائدة من الرجوع مرة ثانية.

لمسات بيانيه

(قَالَ يَا وَيْلَتَا ) (31) المائدة لِمَ عبّر قابيل عن فظاعة جرمه بنداء الاستغاثة (يا ويلتى) ولم يقل يا أسفاه أو واحزناه؟

لأنه بفعله هذا قد استحق الويل والثبور ولن يفيده الأسف والكمد والحزن.

المتشابهات

(يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين)َ (31)

الدعاء بالويل نتيجة الندم (ضبط نهاية الأية )

تدبر :

“فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِ‌ينَ ” المائدة 30؛ (فعقروها فأصبحوا نادمين) الشعراء 157
لم يكن بين قوة الدافع لارتكاب الجريمة والإنتقام, وطغيان الشعور بالزهو والإنتصار, وبين الندم والخسران, والبؤس والكآبة ,
سوى لحظات فعل الجريمة وتنفيذها
أ.د ناصر العمر

———————————————

تفسير مبسط للوجه الثامن من سورة المائده ص 113

الآية 32: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ﴾: أي من أجل قبح جريمة القتل وما يترتب عليها مِن مفاسد عظيمة: ﴿ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾: أي شَرَعنا لبني إسرائيل، لكثرة ما شاعَ بينهم من القتل (فقد قتلوا الأنبياء والدُعاة)، فأوحينا إليهم ﴿ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ﴾: يعني بغير سبب (مِن قِصاص أو حَدّ)، ﴿ أَوْ ﴾ قتلها بغير ﴿ فَسَادٍ ﴾ قامت به ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ كَسَلب الأموال وقتل الأبرياء، فإذا قتلها ﴿ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴾: يعني يُعَذَّب عذاب مَن قتل الناس جميعاً، لأنه بتجرئه على قتل النفس التي لم تستحق القتل: عُلِمَ أنه لا فرْقَ عنده بين هذا المقتول وبين غيره، وإنما ذلك بحسب ما تدعوه إليه نفسه الأمارة بالسوء، ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا ﴾: يعني ومَن امتنع عن قَتْل نفسٍ حرَّمها الله – مع قدرته على قتلها، ومع تزيين نفسه له بذلك – وإنما مَنَعَه خوفه من الله تعالى: ﴿ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ لأن الحفاظ على حُرمة إنسان واحد يعادل الحفاظ على حُرمات الناس كلهم، ولأنَّ ما معه من الخوف يمنعه مِن قتل مَن لا يستحق القتل.

﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾: أي ولقد جاءت رسلُنا إلى بني إسرائيل بالحُجج والدلائل التي لا يَبقى بعدها حُجة لأحدٍ على ارتكاب ما حَرَّمه الله، ﴿ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ أي بعد مجيء الرسل إليهم: ﴿ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾: يعني متجاوزون لحدود الله (بارتكاب مَحارمه، وترْك أوامره)، ساعينَ في الأرض فساداً.

الآية 33: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: يعني يبارزون الله تعالى بالعداوة، ويعتدون على أحكامه، وعلى أحكام رسوله، ﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ﴾ بقتل الأنفس، وسلب الأموال، وغير ذلك: ﴿ أَنْ يُقَتَّلُوا ﴾ ويكون تنفيذ هذا الحد من خلال ولي الأمر (حاكم البلد)، ﴿ أَوْ يُصَلَّبُوا ﴾ (والصَلب: أن يُشَدَّ الجاني على خشبة، ثم يقتل)، ﴿ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ ﴾ وذلك بأن تُقْطَع يدُه اليمنى ورجله اليسرى، فإن لم يَتُبْ تُقطعْ يدُه اليسرى ورجلُه اليمنى، ﴿ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ﴾: يعني أو يُنفَوا إلى بلدٍ غير بلدهم، ويُحبَسوا في سجن ذلك البلد حتى تَظهر توبتُهم، ﴿ ذَلِكَ ﴾ الجزاء الذي أعدَّه الله للمحاربين لله ورسوله إنما يكونُ ﴿ لَهُمْ خِزْيٌ ﴾: أي ذلّ ﴿ فِي الدُّنْيَا ﴾ ﴿ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ إن لم يتوبوا.

الآية 34: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ﴾: يعني: لكنْ مَن أتى مِن المحاربين لله ورسوله طائعًا نادمًا ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ﴾ فإنه يسقط عنه ما فعله في حق الله (أي يسقط عنه ذلك الحد في الدنيا، فلا تقيموه عليه)، ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لعباده التائبين ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم.

الآية 35: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾: أي وتَقَرَّبوا إليه بطاعته والعمل بما يُرضيه، ﴿ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾: يعني لكي تفوزوا بجناته.

من اسباب النزول

قوله تعالى : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ) .

388 – أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي قال : حدثنا أبو عمرو بن [ص: 101 ] نجيد قال : أخبرنا مسلم قال : حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس : أن رهطا من عكل ، وعرينةأتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا : يا رسول الله ، إنا كنا أهل ضرع ، ولم نكن أهل ريف ، فاستوخمنا المدينة ، فأمر لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بذود ، [ وراع ، وأمرهم ] أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانهاوأبوالها ، فلما صحوا ، وكانوا بناحية الحرة قتلوا راعي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واستاقوا الذود ، فبعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في آثارهم ، فأتي بهم ، فقطع أيديهم ، وأرجلهم وسمل أعينهم ، فتركوا في الحرة حتى ماتوا على حالهم . قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ) إلى آخر الآية .رواه مسلم ، عن محمد بن المثنى ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد إلى قول قتاد

لمسات بيانيه

آية (33):

* ما سبب تقديم وتأخير خزي في آية سورة المائدة (ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)) (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِيالْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41))؟(د.حسام النعيمى)

هذا مرتبط بالمعنى هنا الإرتباط بالمعنى. غيّر نظام الجملة لأجل المعنى. لذلك نحن قلنا حتى عند الشعراء لما يغير نظام الجملة يقدم ويؤخر يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه المفروض العطف والمعطوف عليه يكونان ملتصقان. لاحظ الآية 33 في سورة المائدة فيها ذكر عقوبات والعقوبات منظورة فهي مُخزية: يعني هم يحملون خزيهم ظاهراً أمام الناس فقدّم الخزي. الآية 41 أجّلت عقوباتهم فتأخرت كلمة الخزي.

لاحظ الآيات أولاً (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)) كلمة الخزي مقاربة لأنه منظور إليهم يُرى هذا. بينما الآية (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)) المنافقون ثم الذين هادوا. خزي: أخّرها أنه لا توجد عقوبات. وهذا كما قلنا هذه اللمسات البيانية هي من دلائل نبوة محمد r لأن الآيات متباعدة والسور متباعدة لكننا نجد النظام واحداً. التقديم والتأخير والفاصلة كل ذلك من أجل المعنى يعني خدمة للمعنى حتى قلنا في سورة الأحزاب كيف ضحّى بالفاصلة من أجل المعنى لما قال: (وهو يهدي السبيل) بينما الآيات الأخرى كلها فيها إطلاق.

لمسات بيانيه

ما دلالة الفعل المضارع يسعون في الآية {33}من سورة المائدة؟(د.فاضل السامرائى)

الفعل المضارع له أزمنة كثيرة فقد يكون للماضي أو للحال أو الإستمرار أو الإستقبال. فهو إذن له زمن متّسع اتساعاً كبيراً. وهنا في الآية استعمل للمزاولة وليس بالضرورة ما كان في المستقبل فقط ولو قال سعوا لاحتمل أن يكون هذا الساعي تاب ولا يقام عليه هذا الأمر لكن الذي هو مستمر هو الذي يُقام عليه الأمر.

وقد ورد هذا الفعل (يسعون) بصيغة المضارع أيضاً في سورة المائدة (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {33}) والآية (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ {64}).

لمسات بيانيه

*(يُحَارِبُونَ اللّهَ (33) المائدة) من الذي يحارب الله؟ وهل يستطيع الإنسان محاربة ربه تعالى الله عن ذلك؟(ورتل القرآن ترتيلاً)

يحاربون الله أراد يحاربون شرعه ويعتدون على أحكامه وأما الله فلا قدرة لأحد على محاربته ولكن جعل الله محاربة شرعه محاربة له عزّ وعلا لتشنيع هذا الفعل منهم.

لمسات بيانيه

آية (34):

*ورتل القرآن ترتيلاً:

(فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34) المائدة) ابتدأت الآية بقوله (فَاعْلَمُواْ) ولم يقل (فإن الله غفور رحيم) دون الفعل اعملوا نظراً لاستعظام الإنسان هذا العفو رغم ما أتى به الجاني فالفعل عَلِم أتى ليدلنا على أهمية الخبر.

لمسات بيانيه

آية (36):

*ورتل القرآن ترتيلاً:

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ (36) المائدة) قال (به) ولم يقل بهما مع أن الهاء في (به) تعود على أمرين (مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ) لأن الضمير في (به) عائد إلى قوله (وَمِثْلَهُ مَعَهُ)لأن ذلك المثل شمل ما في الأرض أيضاً فلم تبق جدوى لفرض الافتداء بما في الأرض.

المتشابهات

وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)

المائدة

حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)

الأعراف

وباقى المواضع (رسلهم) فى الأية 101 الأعراف ، 13 يونس ، 9 ابراهيم ، 9 الروم ، 25 فاطر ، 83 غافر

التركيز على موضع الإختلاف

أو الجملة الإنشائية : هم ثانياً ، أى ما بعد موضعى سورة المائدة ، تأتى (رسلهم) إبتداءاً من سورة الأعراف الموضع الثانى ، وإنتهاءاً بسورة غافر

الضبط بالمعنى فى موضع المائدة : لكثرة المسرفين منهم لم ينسب الله الرسل إليهم وإنما أضافهم إليه سبحانه وتعالى (رسلنا)

وأما فى موضع سورة الأعراف ، فرسل الله عندما تأتى لتتوفى الكافر لا يبشرونهم ، لذا لم تنسب الرسل إليهم لما فى ذلك من الرحمة لهم ، وهم كفار ماتوا على الكفر فلا رحمة لهم .

المتشابهات

لأفتدوا/ ليفتدوا

المائدة 36 ، الرعد 18 ، الزمر 47

ليفتدوا به فى المائدة وما سواها ماضى فى موضعى الزمر والرعد (التركيز على موضع الإختلاف فى سورة المائدة)

كلمـات عن التدبر

” القرآن كلام الله ، وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته : فتارة يتجلى في جلباب

الهيبة والعظمة والجلال، فتخضع الأعناق، وتنكسر النفوس وتارة يتجلى بصفات الجلال والكمال

فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلها ، بحسب ما عرفه من صفات جماله وكماله “

ابن القيم

———————————————————-

تفسير مبسط للوجه 9 من سورة المائده ص 114

الآية 38: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا ﴾ – يا وُلاة الأمر – ﴿ أَيْدِيَهُمَا ﴾ بما يَقتضيه الشرع، وذلك ﴿ جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ﴾: أي جزاءً لهما على أَخْذهما أموال الناس بغير حق، و ﴿ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ﴾: أي وعقوبةً يَمنع اللهُ بها غيرهما أن يصنع مثل صنيعهما، ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾.

الآية 39: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ ﴾: يعني فمَن تاب مِن بعد سرقته، ﴿ وَأَصْلَحَ ﴾ في كل أعماله، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ﴾: أي يقبل توبته ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.

  • فإذا كانت التوبة نصوحاً مستوفية لشروطها: (الإقلاع عن المعصية، والندم على مافات، وأن يَصدق في العزم – والإصرار – على عدم العودة إلى المعصية، وأن يَرد الحقوق لأصحابها، أو يطلب مسامحتهم ويدعو لهم، أو يتصدق بِنِيَّة أن يصل الثواب إليهم، هذا إذا لم يستطع هو الوصول إليهم)، فإن الله يقبلها، ويمحو بها الذنب.
  • فالتوبة المقبولة الصحيحة لها علامات، منها: أن يكون العبد بعد التوبة خيراً مما كان قبلها، ومنها: تقطُّع قلبه ندماً وخوفاً، فلا يزال الندم والخوف مصاحباً له لا يأمن مكر الله طرفة عين، حتى يسمع قول الرسل لقبض روحه: ﴿ ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ﴾ (فهناك يزول الخوف

الآية 41: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾: أي يسارعون في جحود نُبُوَّتك ﴿ مِنَ ﴾ المنافقين ﴿ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ﴾ فإني ناصرُكَ عليهم، ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ﴾: يعني ولا يَحزُنك أيضاً تسرُّع اليهود إلى إنكار نبوتك، فإنهم قومٌ ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾: أي يستمعون للكذب، ويَقبلون ما يَفترِيه أحبارُهم، ﴿ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ﴾: يعني ويَقبلون كلام قومٍ آخرين لا يحضرون مجلسك، وهؤلاء الآخرون ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾: أي يُبَدِّلون كلام الله مِن بعد ما عَقَلوه، و ﴿ يَقُولُونَ ﴾ لليهود الذين يحضرون مجلسك: ﴿ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ ﴾: يعني إن جاءكم مِن محمد ما يوافق الذي بدَّلناه وحرَّفناه من أحكام التوراة فاعملوا به، ﴿ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ﴾: يعني وإن جاءكم منه ما يُخالفه فاحذروا أن تقبلوه أو تعملوا به، ﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾: يعني ومَن يَشأ اللهُ ضلالته فلن تستطيع دَفْعَ ذلك عنه، ولن تقدر على هدايته، ﴿ أُولَئِكَ ﴾ أي المنافقون واليهود هم ﴿ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴾ من دَنَس الكفر، ﴿ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ﴾: أي ذلُّ وفضيحة، ﴿ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.

أسباب النزول

– قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} الْآيَاتِ [41- 47]:

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ ابن أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَبِيوَرْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ فَقَالَ:«أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ:«أَنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟» قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِنَا الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أشرافنا، فكنا إذ أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الْوَضِيعَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فَاجْتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ»، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} إِلَى قَوْلِهِ{إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} يَقُولُونَ ائْتُوا مُحَمَّدًا فَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوا بِهِ، وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قَالَ: فِي الْيَهُودِ، إِلَى قَوْلِهِ{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} قَالَ: فِي النَّصَارَى إِلَى قَوْلِهِ:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قَالَ: فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.

وأخبرنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الهيثم أاحمد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَوْثٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً، ثُمَّ قَالَ:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قَالَ: نَزَلَتْ كُلُّهَا فِي الْكُفَّارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ.

أسباب النزول

قولُهُ تَعَالَى:{. وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [38]:

قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ سَارِقِ الدِّرْعِ وَقَدْ مَضَتْ قِصَّتُهُ

وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ أَحَدُ بَنِي ظَفَرِ بْنِ الْحَارِثِ سَرَقَ دِرْعًا مِنْ جَارٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَكَانَتِ الدِّرْعُ فِي جِرَابٍ فِيهِ دَقِيقٌ، فَجَعَلَ الدَّقِيقُ يَنْتَثِرُ مِنْ خَرْقٍ فِي الْجِرَابِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الدَّارِ وَفِيهَا أَثَرُ الدَّقِيقِ، ثُمَّ خَبَّأَهَا عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: زَيْدُ بْنُ السَّمِينِ، فَالْتُمِسَتِ الدِّرْعُ عِنْدَ طُعْمَةَ فَلَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ وَحَلَفَ لَهُمْ: وَاللَّهِ مَا أَخَذَهَا وَمَا لَهُ بِهِ مِنْ عِلْمٍ، فَقَالَ أَصْحَابُ الدِّرْعِ: بَلَى وَاللَّهِ قَدْ أَدْلَجَ عَلَيْنَا فَأَخَذَهَا وَطَلَبْنَا أَثَرَهُ حَتَّى دَخَلَ دَارَهُ، فَرَأَيْنَا أَثَرَ الدَّقِيقِ. فَلَمَّا أَنْ حَلَفَ تَرَكُوهُ وَاتَّبَعُوا أَثَرَ الدَّقِيقِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَنْزِلِ الْيَهُودِيِّ فَأَخَذُوهُ، فَقَالَ: دَفَعَهَا إِلَيَّ طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ، وَشَهِدَ لَهُ أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَتْ بَنُو ظَفَرٍ وَهُمْ قَوْمُ طُعْمَةَ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمُوهُ في ذلك، فسألوه أَنْ يُجَادِلَ عَنْ صَاحِبِهِمْ، وَقَالُوا: إِنْ لَمْ تَفْعَلْ هَلَكَ صَاحِبُنَا وَافْتُضِحَ وَبَرِئَ الْيَهُودِيُّ، فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ، وَكَانَ هَوَاهُ مَعَهُمْ وَأَنْ يُعَاقِبَ الْيَهُودِيَّ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} الْآيَةَ كُلَّهَا، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ.

لمسات بيانيه

آية (38):

*ما دلالة استخدام (وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) في آية سورة المائدة؟(د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة المائدة (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {38}) ولم يقل والله غفور رحيم لأنه تعالى لو قال غفور رحيم تدلّ على أنه لو غفر ورحِم ما قطع ولكنه تعالى عزّ فحَكَمَ فقَطَع.

*النظر إلى المُفردة أو اللفظة داخل آي القرآن الكريم مع التي قبلها والتي بعدها والآية مع الآيات التي قبلها والتي بعدها ومع النسق العام للسورة والمنظومة داخل القرآن كله.(د.فاضل السامرائى)

لمسات بيانيه

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38))

قدّم السارق على السارقة لأن هذا الجرم أكثر ما يقع من الرجال لتمكنهم من ذلك من حيث طبيعتهم أكثر من النساء.

(فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا (38)) تأمل هذه الجملة كيف جمع اليد فقال (أيدي) ثم أدخل التثنية على الجمع (هما) فصارت (أيديهما). أما الجمع فهو باعتبار أفراد نوع السارق والتثنية لتشمل الذكر والأنثى.

هناك فائدة معرفية:أول رجل قطعت يده في الإسلام الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وأول امرأة قطعت يدها المخزومية مُرّة بنت سفيان

لمسات بيانيه

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ (38))الجزاء المكافأة على العمل بما يناسب ذلك العمل من خير أو شر. والنكال العقاب الشديد الذي من شأنه أن يصد المعاقَب عن العود إلى مثل عمله الذي عوقب به.

حكمة: إن حكمة مشروعية القطع هي الردع وعدم العود. فهو قصاص وجزاء للاستصلاح لا للانتقام والتعويض عن المسروق

لمسات بيانيه

آية (40):

(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (40)) هذا جواب لمن يسأل عن انقلاب حال السارق من العقاب إلى المغفرة بعد التوبة مع عظم جرمه ليحيطنا علماً بأن الله هو المتصرِّف في السموات والأرض وما فيهما فهو العليم بمواضع العقاب ومواضع العفو.

لمسات قرآنيه

* ما دلالة تقديم وتأخير (يغفر) في قوله تعالى (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) البقرة) (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) المائدة) ؟

د.حسام النعيمى :

التقديم والتأخير من الموضوعات المهمة التي ينبغي أن يوقف عندها وهناك أماكن كثيرة فيها تقديم وتأخير. لو نظرنا في الآيات سنجد أن المغفرة تقدمت في ثلاث آيات في البقرة قدّم المغفرة وفي آل عمران والمائدة وتقديم المغفرة على العذاب هو الأصل لأنه (كتب ربكم على نفسه الرحمة) وفي الحديث في صحيح البخاري “رحمتي سبقت غضبي” لكن يرد السؤال أنه لماذا تقدمت يعذّب على يغفر في الآية 40 في سورة المائدة؟ هذا الأمر يتعلق بقطع اليد لاحظ الآية (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)) فلا بد أن يكون تقديم العذاب. قدّم العذاب لأن الكلام في البداية كان على عذاب ثم على مغفرة فلا بد أن يتقدم العذاب ولو عسكت لما إستقام الكلام لأن الكلام من البداية على قطع اليد (والسارق والسارقة) فلا بد أن يقدم العذاب ثم أردف ذلك بالمغفرة خلال الكلام (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)) التوبة بعد قطع اليد. بدأ (فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً) هذا عذاب في ظاهر الأمر (فمن تاب من بعد ظلمه) أي من بعد إقامة الحد عليه ثم يقول (يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء) فالتعذيب سبق المغفرة. بينما الأماكن الأخرى الكلام كان إعتيادياً على مغفرة الله تعالى وعذابه فدائماً يقدم الرحمة ويردف بالعذاب يقدم الرحمة ترغيباً للمطيعين ويؤخر العذاب ويذكره تحذيراً من المعصية.

لمسات بيانيه

ما الفرق بين استعمال سمّاع وسميع في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)

سمّاع استعملها في الذمّ (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ (41) المائدة) (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (47) التوبة) وسميع إستعملها تعالى لنفسه (وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) واستعملها في الثناء على الإنسان (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) الإنسان) وسماع لم يستعملها إلا في الذم. إذن القرآن يخصص في الاستعمال.

لمسات بيانيه

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ (41)) الإسراع هو العدو والجري والمسارعة في الكفر هي إظهار آثاره عند أدنى مناسبة. وانظر كيف قال (يسارعون في الكفر) ولم يقل (يسارعون إلى الكفر) لأنهم يجولون في دائرة الكفر ويتخبطون فيها بنشاط وسرعة ولا يغادرون هذه الدائرة أبداً.

لمسات بيانيه

* ما الفرق بين يا أيها النبي ويا أيها الرسول؟(د.فاضل السامرائى)

الرسول من الرسالة التبليغ حتى لو لم يكن نبياً (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) مريم) الرسول معه رسالة تبيلغ والنبي أعم قد يكون رسولاً وقد يكون لنفسه ليس مكلفاً بتبليغ دعوة إلى الآخرين. كلمة النبي أعم وكل رسول نبي وليس كل نبي رسول. قد يكون ليس مكلفاً بالتبليغ مثل يعقوب عليه السلام غير مكلف بالتبليغ هو نبي وإسحق نبي، المكلف بالرسالة والتبليغ هو رسول وغير المكلف هو نبي والنبي قد يكون رسولاً وقد يكون غير رسول. لما في القرآن يقول يا أيها الرسول ينظر فيها إلى جانب التبليغ(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ (67) المائدة) فالنبي أعم وقد يكون رسولاً فقد يستعمل في جانب الرسالة والدعوة والتبليغ وقد يستعمل في جانب آخر في الجانب الشخصي في غير التبليغ مثال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ (67) المائدة) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ (41) المائدة) النبي عامة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ (65) الأنفال) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى (70) الأنبياء) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ (73) التوبة) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ (28) الأحزاب) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ (1) التحريم) هذا شيء شخصي بينه وبين أزواجه. إذن النبي عامة. القرآن يستخدم يا أيها الرسول إذا كان يتكلم في أمر الرسالة والتبليغ والنبي عامة.

ما الفرق بين( يحرّفون الكلم عن مواضعه) ، و(يحرفون الكلم من بعد مواضعه)؟ (د.أحمد الكبيسى)

لمسات بيانيه

قال تعالى (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴿46﴾ النساء) وفي آية أخرى(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴿41﴾ المائدة) يحرفون من بعد مواضعه من ساعة نزوله يكذبون على الله عز وجل وقد كذبوا على موسى قال لهم: قولوا حطة قالوا: زمحيطة من أول يوم. إذا ًهناك تحريف في التوراة والإنجيل من يوم ما نزل، ورب العالمين أثبت هذا والتاريخ أثبت هذا وعلماؤهم يثبتون هذا. (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) هذا على امتداد التاريخ وتعرفون التاريخ كما أن هناك أبحاث كثيرة عن الجهود التي خاصة عن طريق اليهود الذين حرفوا التوراة والإنجيل تحريفاً يكاد يكون مسخاً لكلا الكتابين الكريمين.

المتشابهات

سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ…41

سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ…42

تقدم التشابه على الإختلاف

المتشابهات

مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ…41

دوران (من) لضبط (من بعد مواضعه)

المتشابهات

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ….41

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ….67

وردت (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) فى هذين الموضعين فقط وما سواهما : يا أيها النبى فى المواضع الأتية :

الأنفال (64 ، 65 ، 70)

التوبة (73)

الأحزاب (1 ، 28 ، 45 ، 50 ، 59)

الممتحنة 12

الطلاق 1 ، التحريم 1

أى أنها وردت فى بدايات ثلاث سور (الأحزاب ، الطلاق ، التحريم)

الموضع الوحيد في القرآن

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)

المائدة

الوحيدة فى القرآن التى جاء فيها العذاب قبل المغفرة وما عدا ذلك المغفرة قبل العذاب (الضبط بالتركيز على موضع الإختلاف)

تدبر في الآيات

“القلب لا يدخله حقائق الإيمان إذا كان فيه ما ينجسه من الكبر والحسد ,

قال تعالى:” أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِ‌دِ اللَّـهُ أَن يُطَهِّرَ‌ قُلُوبَهُمْ ” المائدة 41

وقال تعالى: “سَأَصْرِ‌فُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُ‌ونَ فِي الأَرْ‌ضِ بِغَيْرِ‌ الْحَقِّ وَإِن يَرَ‌وْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا

وَإِن يَرَ‌وْا سَبِيلَ الرُّ‌شْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِن يَرَ‌وْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا”الأعراف 146 وأمثال ذلك”

تدبر في الآيات

  • ومن مُوجبات التوبة الصحيحة أيضا: كَسرة خاصة تحصل للقلب، تُلقِيهِ بين يدي ربه طريحاً ذليلاً خاشعاً، كحال عبدٍ هارب مِن سيده، فأُخِذَ فأُحضِرَ بين يديه، ولم يجد مَن يُنجيه مِن سَطوَتِه، ولم يجد منه مَفراً ولا عنه غِناء، وعَلِمَ أنّ حياته وسعادته وفلاحه ونجاحه في رضاه عنه، وقد عَلِمَ بإحاطة سيده بتفاصيل جناياته، هذا مع حبه لسيده، وشدة حاجته إليه، وعِلمه بضعفِهِ وعَجْزه وقوة سيده، وذُلِّه وَعِزّ سيده، فيجتمع من هذه الأحوال ذلٌ وخضوع، ما أنفعه للعبد، وما أقربه به من سيده!
  • فوالله ما أحلى قوله في هذه الحالة: أسألك بعزك وذلي إلاَّ رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيد سواك، لا مَلجأ ولا مَنجَى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال مَن خضعتْ لك رقبته، ورَغِمَ لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذَلَّ لك قلبه).

——————————————————–

تفسير مبسط للوجه 10من سورة المائده ص 115

الآية 42: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾: يعني: وهؤلاء اليهود يجمعون بين الاستماع إلى الكذب وقبوله وبين أكل الحرام، ﴿ فَإِنْ جَاءُوكَ ﴾ يتحاكمون إليك ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾: يعني فاقضِ بينهم، أو اتركهم، ﴿ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ ﴾ يقدروا على أن ﴿ يَضُرُّوكَ شَيْئًا ﴾ ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ﴾: أي بالعدل ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.

الآية 43: ﴿ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ ﴾: يعني: إنَّ صنيع هؤلاء اليهود عجيب، فهم يَحتكمون إليك – أيها الرسول – وهم لا يؤمنون بك، ولا بكتابك، مع أن التوراة التي يؤمنون بها ﴿ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ﴾ ﴿ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾: أي ثم يتولَّون مِن بعد حُكمك إذا لم يُرضهم، فجمعوا بذلك بين الكفر بشرعهم، وبين الإعراض عن حُكمك، ﴿ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾.

الآية 44: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ﴾: يعني فيها إرشاد من الضلالة، ونورٌ مُبَيِّن لأحكام الحلال والحرام، مُخرِجٌ من ظلمات الجهل، ﴿ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا ﴾ يعني: وإنَّ النبيُّين – الذين انقادوا لحكم الله تعالى – قد حكموا بالتوراة ﴿ لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾: أي قد حكموا بها بين اليهود، ولم يَخرجوا عن حُكمها ولم يُحَرِّفوها، ﴿ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ﴾: يعني وكذلك قد حكم بها عُبَّاد اليهود وعلماؤهم (الذين يُرَبُّون الناس بشرع الله)، وذلك ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴾:أي بما استأمنهم أنبياؤهم على تبليغ التوراة، والعمل بها، ﴿ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾: يعني وكان الربانيون والأحبار شهداء على أن أنبياءهم قد حكموا بين اليهود بكتاب الله.

ثم يقول تعالى لعلماء اليهود: ﴿ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ ﴾ في تنفيذ حُكمي; فإنهم لا يقدرون على نفعكم ولا ضَرِّكم، ﴿ وَاخْشَوْنِ ﴾ وحدي، فإني أنا الذي أملك النفع والضر، ﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾: يعني ولا تأخذوا عِوَضًا حقيرًا مِن الدنيا مقابل ترْك الحُكم بما أنزلتُ، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾: واعلم أنَّ العلماء قد اختلفوا بشأن هذه الجملة: هل هي في المسلمين، أو في اليهود (اتفاقاً مع سِياق الآية)؟، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في هذه الآية: (ليس الكُفر الذي تذهبون إليه) أي إنّ المراد بالكفر فيها: (كُفر دونَ كُفر)، يعني ليس الكُفر المُخرج من المِلَّة، وقال القرطبي في تفسيره: (فأما المسلم فلا يُكَفَّر وإن ارتكب كبيرة)، هذا مع الأخذ في الاعتبار دائماً أنَّ العُذر بالجهل قاعدة شرعية أصُولِيَّة، وأنه مِن صُلب هذا الدِين.

الآية 45: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا ﴾: يعني وفَرَضنا عليهم في التوراة: العدل والمساواة في القِصاص، فشرعنا لهم ﴿ أَنَّ النَّفْسَ ﴾ تُقْتَل ﴿ بِالنَّفْسِ ﴾، (﴿ وَالْعَيْنَ ﴾) تُفْقَأ (﴿ بِالْعَيْنِ ﴾)، (﴿ وَالْأَنْفَ ﴾) يُقطَع (﴿ بِالْأَنْفِ ﴾)، (﴿ وَالْأُذُنَ ﴾) تُقْطع (﴿ بِالْأُذُنِ ﴾)، (﴿ وَالسِّنَّ ﴾) تُقْلَعُ (﴿ بِالسِّنِّ ﴾)، بمعنى أنه إذا قلع شخصٌ إحدى الأسنان لشخصٍ آخر (أو كَسَرها)، فإنّه يقتص منه بقلْع سِنِّهِ (أو كَسْرها)، (﴿ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ﴾: يعني وشرعنا لهم أنَّه يُقْتَصُّ في الجِراحات أيضاً بالعدل والمساواة، ﴿ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ ﴾: أي فمن تجاوز عن حقه في الاقتصاص من المُعتدي ﴿ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ﴾: يعني فإنّ ذلك العفو يكونُ تكفيراً لبعض ذنوبه وإزالةً لها، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ في القصاص وغيره ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾.

أسباب النزول

قولُهُ تَعَالَى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [44]:

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عن الزهري قاد: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَنَحْنُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَنَى رَجُلٌ مِنَ اليهود وامرأة، قال بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ لِلتَّخْفِيفِ، فَإِذَا أَفْتَانَا بِفُتْيَا دُونَ الرَّجْمِ قَبِلْنَاهَا وَاحْتَجَجْنَا بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَقُلْنَا: فُتْيَا نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا تَرَى فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا؟ فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ حَتَّى أَتَى بَيْتَ مِدْرَاسِهِمْ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ:«أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الذي أنزل التوارة عَلَى مُوسَى مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ؟»قَالُوا: يُحَمَّمُ وَجْهُهُ وَيُجَبَّهُ وَيُجْلَدُ،- وَالتَّجْبِيهُ: أَنْ يُحْمَلَ الزانيان على الحمار ويُقابَل أَقْفِيَتُهُمَا وَيُطَافَ بِهِمَا- قَالَ: وَسَكَتَ شَابٌّ مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَكَتَ أَلَظَّ بِهِ فِي النِّشْدَةِ، فقال: اللهم إذا أَنْشَدْتَنَا فَإِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«فَمَا أَوَّلُ مَا أَرْخَصْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟» قَالَ: زَنَى رَجُلٌ ذُو قُرَابَةٍ مِنْ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِنَا فَأَخَّرَ عَنْهُ الرَّجْمَ، ثُمَّ زَنَى رَجُلٌ فِي أُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ رَجْمَهُ فَحَالَ قَوْمُهُ دُونَهُ، فَقَالُوا: لَا تَرْجُمْ صَاحِبَنَا حَتَّى تَجِيءَ بِصَاحِبِكُمْ فَتَرْجُمَهُ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَةِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«فَإِنِّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ»، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا.

قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} وَكَانَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمْ.

قَالَ مَعْمَرٌ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَمَرَ بِرَجْمِهِمَا، فَلَمَّا رُجِمَا رَأَيْتُهُ يَجْنَأُ بِيَدِهِ عَنْهَا لِيَقِيَهَا الحجارة.

لمسات بيانيه

آية (42):

* (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) المائدة) (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) الجن) ما الفرق بين المقسطين والقاسطون؟(د.فاضل السامرائى)

القاسط هو الجائر والظالم من قسط بمعنى جار وظلم وأقسط بمعنى عَدَل أزال القسط أي الجور فالمقسط هو العادل والقاسط هو الظالم الجائر، أقسط هذه تسمى همزة السلب سلب المعنى هذا إلى معنى آخر مثل جار وأجار، جار ظلم وأجار أزال الظلم.

القاسط هو الجائر الظالم والقَسط بفتح القاف هو الجور والظلم بعكس القِسط بكسر القاف هو العدل. هناك قاسطون ومقسطون (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) المائدة) أي العادلون والقاسطون أي الجائرون. الهمزة هي همزة السلب، قَسَط بمعنى جار وظلم وأقسط أزال القسط وأزال الظلم مثل جار وأجار، جار ظلم وأجار رفع الظلم عنه، صرخ وأصرخ صرخ يعني صنع فعل الصراخ وأصرخ أزال الصراخ (مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ (22) إبراهيم) لا تستطيعون أن تعينوني وتزيلون صراخي ولا أنا أزيل صراخكم. إذن القاسطون الجائرون.

لمسات بيانيه

(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ (42) المائدة) السحت هو الحرام جميعه كالربا والرشوة وأكل مال اليتيم وأصل السحت سَحَته إذا أتلفه واستأصله وسمي به الحرام لأنه لا يبارك فيه لصاحبه فهو مسحوت وممحوق.

(فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا (42) المائدة) استعمل الله كلمة (شَيْئًا) دون غيرها وهو لفظ مبهم لا دلالة محددة له ونُكّر هذا اللفظ فقال (شَيْئًا) للتحقير والتقليل من الإيذاء أي لن يضروك بأي شيء مهما صَغُر وقلّ.

آية (44):

لمسات بيانيه

*ما دلالة وصف الثمن بالقليل؟(د.حسام النعيمى)

الثمن القليل جاء حيثما ورد في الكلام عن حق الله سبحانه وتعالى ومعنى ذلك أن العدوان على حق الله سبحانه وتعالى مهما بلغ فهو ثمن قليل.

(فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) المائدة) . فحيثما ورد الكلام عن شراء هؤلاء لآيات الله سبحانه وتعالى وصفه بأن هذا الذي استلمتموه هو قليل لا يستطيع أحد أن يقابله بآيات الله سبحانه وتعالى فكان لا بد من وصفه بالقليل.

في تسع آيات وصف الثمن بأنه قليل تحقيراً لشأنه وتهويناً من قدره، تسع آيات تتحدث عن الشراء بثمن قليل: إما أن ينهاهم عن ذلك أو يثبته لهم بأنهم فعلوا ذلك وما قبضوه قليل.

لمسات بيانيه

آية (45):

(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (45) المائدة) الكتابة هنا أي قوله تعالى (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ) هي الفرض والتشريع بدليل تعديته الفعل كتبنا بحرف الجر(عليهم).

*لم اقتصرت الآية على هذه الأعضاء وهي العين والأنف والأذن والسن ولم تذكر غيرها؟(ورتل القرآن ترتيلاً)

اقتصرت الآية على هذه الأعضاء دون غيرها لأن القطع يكون غالباً عند التصادم والمضاربة بقصد قطع الرقبة ولكن قد ينبو السيف عن طريق الرأس فيصيب بعض الأعضاء المتصلة به من عين أو أنف أو أذن أو سِنّ.

لمسات بيانيه

ما دلالة اختلاف التعقيب في هذه الآيات مع أن أولها واحد (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) المائدة) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) المائدة) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) المائدة) ؟ وما الفرق بين الظالمون والفاسقون والكافرون؟(د.فاضل السامرائى)

نتحدث عن الفرق من الناحية اللغوية. المعروف أن

الظلم هو مجاوزة الحدوالكفر هو الخروج عن المِلّة، الظلم قد يكون درجات حتى يصل إلى الكفر قال تعالى (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) البقرة).

الكفر الخروج عن المِلّة وقد يكون هناك مسلم ظالم، الظلم درجات في المجاوزة قد لا يصل إلى درجة الكفر وقد يتدرج حتى يصل إلى الكفر وقال تعالى (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) لقمان) هذا الظلم، الظلم إذن له مراتب أعلاها الكفر.

الفسق هو الخروج عن طاعة الله تعالى وله مراتب. مأخوذة من فسقت الرطبة أي خرجت من قشرتها، (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (50) الكهف) أي خرج عن الطاعة. الفسق درجات أيضاً وله مراتب حتى يصل إلى الكفر، قال تعالى (كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) التوبة) (وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) النور) (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا (16) الإسراء) أي خرجوا عن الطاعة. يستوي الظالم مع الفاسق في الخروج عن الطاعة لكن الظلم أكثر ما يتعلق بالآخرين والفسق أعمّ. الظلم أخذ حقوق الغير والفسق عام، وكل ظالم فاسق وليس كل فاسق ظالم. الظالم فاسق قطعاً لكن ليس كل فاسق ظالم لغيره قد يكون ظالماً لنفسه إذن الفسق أعمّ. إبليس فاسق وبالفسق وصل إلى مرتبة الكفر. ووصف الله تعالى الكفار بأنهم فاسقون وظالمون. الظلم مراتب قد يصل إلى الكفر والفسق له مراتب قد يصل إلى الكفر. وأحياناً الفسق ليس فيه كفر (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (197) البقرة).

ربنا تعالى ذكر الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله ووصفه مرة بالكفر (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) المائدة) ومرة بالظلم (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) المائدة) ومرة بالفسق (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) المائدة) وهو لا يخرج عن واحد من هؤلاء. ترتيب الصفات: الظلم ثم الفسق ثم الكفر. فالذي لا يحكم بما أنزل الله هو قطعاً أحد هؤلاء

المتشابهات

وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)

وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)

الموضع الأول خاص بتبديل كلام الله وإيثار غيره عليه بدليل (بيعه بثمن قليل) وهذا كفر .

الموضع الثانى خاص بعدم تطبيق القصاص العدل فى أن النفس بالنفس (إلى أخر الأية) وعدم العدل ظلم .

وبضبط موضعين يُضبط الأخر.

تدبر

(بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ (44) المائدة) هناك قصة لها مغزى، قال القاضي عياض كان أبو الحسن بن المنتاب عند القاضي إسماعيل بن اسحق فسأله لِمَ جاز التبديل – أي تبديل كلام الله – على أهل التوراة ولم يجز على أهل القرآن؟ فقال: لأن الله تعالى قال في أهل التوراة (بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ) فوكل الحفظ إليهم وقال في القرآن (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر) فتعهد الله بحفظه فلم يجز التبديل على أهل القرآن.

———————————————-

تفسير مبسط للوجه 11من سورة المائده ص 116

الآية 46، والآية 47: ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ ﴾: يعني وأتْبَعنا أنبياء بني إسرائيل ﴿ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾، فكانَ عليه السلام ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾: أي مؤمنًا بالتوراة، فلم يُنكرها ولم يَتجاهلها، ﴿ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ﴾: يعني وأنزلنا إليه الإنجيل هادياً إلى الحق، ونوراً مُبَيِِّّنًا لِما جَهِلَهُ الناس مِن حُكم الله تعالى، ﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾: أي وكان الإنجيل شاهدًا على صِدق التوراة، مُقَرِّراً لأحكامها (إلا ما نسخه اللهُ منها بالإنجيل)، ﴿ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾: يعني وقد جعلناه بيانًا للذين يخافون الله، ورادعاً لهم عن ارتكاب المحرَّمات، فإن أهل التقوى هم الذين ينتفعون بهذا الهدى.

  • واعلم أن هذه الهداية التي ذكرها تعالى في قوله: ﴿ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾: هي هداية خاصة للمتقين، غير الهداية التي ذُكِرَتْ في قوله تعالى: ﴿ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ﴾ فهذه هداية عامة لجميع الناس، ثم أخبر تعالى أنه أمرهم وقتها بالحكم بالإنجيل، فقال: ﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ ﴾ الذين أُرسِل إليهم عيسى – قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم – ﴿ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ﴾: أي بما أنزل الله في الإنجيل من الأحكام، وأخبرهم أنَّه ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.

الآية 48: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾: أي وأنزلنا إليك القرآن، وكل ما فيه حق، وجعلناه ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ﴾: أي يَشهد على صِدق الكتب التي قبله، وأنها من عند الله، مُصدقًا لما فيها مِن صِحَّة، ومبيِّنًا لِما فيها من تحريف، ﴿ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾: أي وناسخًا لبعض شرائع هذه الكتب، ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ أي بين المحتكمين إليك من اليهود ﴿ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه ﴾ إليك في هذا القرآن، ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾: يعني ولا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهوائهم وآرائهم، ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً ﴾: يعني: فقد جعلنا لكل أمة منكم شريعة، ﴿ وَمِنْهَاجًا ﴾: أي وجعلنا لكم طريقًا واضحًا مستنيرًا ناسخًا لما قبله، وهو الإسلام، وقد جعلنا شريعتك ناسخة لجميع الشرائع.

﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾: أي لجعلكم جماعة متفقة – على دين واحد – يَؤم بعضها بعضًا، ولَجعل شرائعكم واحدة، ولم يجعل شيئًا من الكتب ناسخًا لشيءٍ من الشرائع، ﴿ وَلَكِنْ ﴾ لم يَشأ ذلك، بل شاء أن تكونوا على شرائع مختلفة، وذلك ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ ﴾: يعني ليختبركم ويَنظر كيف تعملونَ عند ظهور هذه الشريعة الناسخة: هل ستتبعونها وتنقادون إليها بمجرد قيام البراهين على صِدقها، ونهوض الأدلة البَيِّنة على صِحَّة نَسْخها لشرائعكم، وترجعون عن شريعتكمبعد أن أحببتموها واعتدتم عليها؟، أم سَتَمِيلون إلى شريعتكم، فتؤثرون الركون إليها والعكوف عليها لمجرد اتباع الهوى، وتزيغون عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، تكَبُّراً عن الانقياد لها (كما فعل أول المتكبرين إبليس)؟

  • ولَمََّا كانَ في هذا الاختبار أعظم تهديد، قال لهم: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾: أي بادروا إلى هذه الشريعة الناسخة بغاية جهدكم، وسارعوا إلى ما هو خيرٌ لكم في الدارين (وذلك بالعمل بما في القرآن العظيم)، فـ ﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ وسيَجزي كُلاًّ بعمله.

الآية 49: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾: واعلم أنَّ قوله تعالى: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ ﴾ معطوف على قوله تعالى – في الآية التي قبلها -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾، فكأنّ المعنى: (﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾، فلْتَحكمْ بينهم به)، أو: ﴿ (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾، وللحُكم به).

﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾: أي ولا تتبع أهواء الذين يَحتكمون إليك من اليهود، (وقد كَرَّرَ تعالى النهي عن اتباع أهوائهم لشدة التحذير من ذلك)، ﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾: يعني واحذرهم أن يُضِلوك عن بعض ما أنزل الله إليك فتترك العمل به، ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: يعني فإن أعرض هؤلاء عن قبول ما تَحكم به: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ﴾: أي فاعلم أن الله يريد أن يَصرفهم عن الهدى بسبب ذنوبٍ اكتسبوها مِن قبل، ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾: أي: عُصاة خارجون عن طاعة ربهم ورسله، (فهَوَّن اللهُ على رسوله بهذه الجملة ما قد يجده من ألم تمرد اليهود والمنافقين، وإعراضهم عن الحق الذي جاءهم به ودعاهم إليه).

آيه50 :وقال عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} فحكم الله هو أحسن الأحكام وهو الواجب الاتباع وبه صلاح الأمة وسعادتها في العاجل والآجل وصلاح العالم كله، ولكن أكثر الخلق في غفلة عن هذا.

أسباب النزول

قوله- عز وجل-{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} الْآيَةَ [49]:

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دينه فأتوه فقال: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ الْيَهُودِ وَأَشْرَافُهُمْ، وَأَنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَنَا الْيَهُودُ وَلَنْ يُخَالِفُونَا، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ خُصُومَةً وَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ، فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِكَ وَنُصَدِّقُكَ، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ:{وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}

اية (46):

لمسات بيانيه

*ورتل القرآن ترتيلاً:

(وَقَفَّيْنَا (46) المائدة) التقفية الإتباع مأخوذة من قفّاه إذاأتى بعده.وهي مشتقةمن القفاأي الظهرومثله توجّه مشتقاًمن الوجه وتعقّب مشتقاً من العقِب.

(عَلَى آثَارِهِم (46) المائدة) أتى بكلمة آثارهم ليدلنا على سرعة التقفية فقد أرسل عيسى عقب زكريا كافل أمه مريم.

(لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (46) المائدة) هو كناية عن تقدم التوراة عليه أي على الإنجيل فنحن نقول للأمر الذي يتقدمنا هو بين يدينا.

لمسات بيانيه

*فى سورة الحديد قال تعالى (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) وفي سورة المائدة قال (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) فما دلالة الاختلاف؟ (د.فاضل السامرائى)

الآية فى سورة المائدة (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46)). أول مرة فى سورة الحديد قال (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا) ثم لم يقل في عيسى وقفينا على آثارهم وإنما قال وقفينا بعيسى ابن مريم ثم قال في المائدة (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) إذن هناك أكثر من سؤال.

أولاً ما معنى قفّينا؟ معنى قفى على أثره يدل على قرب ما بين الماشيين أي جاء الثاني قبل أن يزول أثر الأول، الأثر لم يزل بعد فمعناه يصير قرب ولو كان الوقت طويل يزول الأثر ولا يبقى. لو تأخر الأمر أعواماً طويلة يزول الأثر. تلك قال (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم) لأن الرسل متتابعة وهنا بالنسبة لعيسى قال وقفينا بعيسى ابن مريم معناه إذن أن المسافة طويلة بين عيسى ومن قبله، ويُذكر أن آخر واحد قبل عيسى هو يونس ابن متى وبينهما حوالي 800 سنة. آخر من يُذكر من الرسل قيل يونس في أوائل القرن الثامن قبل الميلاد يعني 800 سنة هذا ليس على أثره وإنما(وقفينا) ليس على أثره.

لمسات بيانيه

:سؤال: في المائدة قال (على آثارهم) لوجود الأثر؟

التقفية في المائدة ليست في الرسل وإنما في تقفية الربانيين والأحبار ولو قرأنا آية المائدة تحتلف عن آية الحديد (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)) يحكم بها الربانيون والأحبار ولم يقل وقفينا على آثارهم وهم لم ينقطعوا أصلاً فالأحبار والربانيون موجودون والأحبار جمع حِبْر وهو العالِم والربانيون جمع ربّاني إذن هؤلاء لم ينقطعوا. في سورة المائدة (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم) متعلقة بالربانيين والأحبار وفي آية الحديد متعلقة بالأنبياء والرسل خاصة فلما كانت في الرسل قال (وقفينا) ولم يقل على آثارهم ولما كان الكلام على الربانيين والأحبار وهو لم ينقطعوا قال على آثارهم.

لمسات بيانيه

: سؤال: فى الحديد قال (وآتيناه الإنجيل) وفي المائدة قال (وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ (46)) ولم يقل في آية الحديد فيه هدى ونور؟

في المائدة ذكر قبلها التوراة وقال فيها هدى ونور فلما قال (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ (44)) وذكر الإنجيل في الآية نفسها (وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ (46)) هو ذكر التوراة وقال فيها هدى ونور وذكر الإنجيل فيه هدى ونور فلا يسكت عنه وإنما فيه هدى ونور. الهدى والنور عام في الكتب في التوراة والإنجيل والقرآن. في الحديد لم يذكر هدى ونور (وآتيناه الانجيل)؟ لا يذكر دائماً أن فيه هدى ونور هذا يحدده السياق، عندما ذكر الكتب السماوية التوراة والانجيل والقرآن في سياق واحد ذكرها، ذكر التوراة (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) المائدة) ثم ذكر آتيناه الانجيل فيه هدى ونور لما ذكر التوراة فيها هدى ونور ناسب أن يذكر الانجيل فيه هدى ونور هناك تكلم عن التوراة وذكر أمور تتعلق بالأحكام (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) هنا لم يذكر شيئاً يتعلق بالأحكام (وآتيناه الانجيل).

لمسات بيانيه

:سؤال: أليس هذا تناقض في النص القرآني أنه مرة يقول هدى ونور ومرة لا يقول؟

التناقض في أن يقول مرة فيه هدى ونور ومرة يقول ليس فيه هدى ونور أما أن تذكر بعض الصفات وأحياناً لا تذكر لأن السياق لا يقتضي كما تقول في كلامنا العادي تذكر شخصاً وتقول جاء فلان وفلان وفلان وأحياناً عندما تذكر صفات عن فلان تقول فلان جيد وكذا وكذا، أحياناً تذكر الإسم فقط ولا تذكر شيئاً من الصفات وليس دائماً تذكر الصفات، (ذلك الكتاب لا ريب فيه) وأحياناً إذا أردت أن تذكر (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) الذاريات) مرة قال مكرمين ومرة لم يقل (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ (51) الحجر). لما قال مكرمين ذكر ما يتعلق بالمكرمين ولما لم يقل مكرمين لم يتعلق. مرة قال بعجل حنيذ (فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) هود) ومرة سمين (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) الذاريات)، الحنيذ هو السمين فالحنيذ هو المشوي الذي يقطر وَدَكه أي دهنه فكلمة حنيذ تعني سمين ومشوي وما زال حاراً يقطر وَدَكه، لا تناقض بين سمين وحنيذ، السمين صفة من الصفات ولا تعارض ولا تناقض بينهم. وهذا دارج في لغة العربية حتى في كلامنا العادي أحياناً تقول سافرت إلى بلد وذهبت عند فلان وبقيت عندهم ليلة وقضيت حاجة ومرة تذكر مكارمهم فتقول ذهبت إلى فلان وذبحوا لي وسهروا معي بالتفصيل، أنت تريد أن تركز على أي شيء؟ لهذا لم يقل ربنا وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور لأنه لا يحتاج ذكر التوراة ثم بعدها ذكر وأنزلنا إليك الكتاب، ذكر التوراة والانجيل والقرآن.

لمسات بيانيه

ورتل القرآن ترتيلاً:

:(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (48) المائدة) وصف الباري سبحانه وتعالى القرآن بهذه السمة ليبين لنا حالتي القرآن بالنسبة لما قبله من الكتب فهو مؤيد لبعض ما في الشرائع ومقرر له وهو بهذا الوصف مصدِّق، وهو مبطل لبعض ما في الشرائع السابقة وناسخ لأحكام كثيرة منها فهو مهيمن.

لمسات بيانيه

:(لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (48) المائدة) الشرعة والشريعة الماء الكثير من نهر أو وادٍ فنقول مثلاً شريعة الفرات ومن ثم سميت الديانة شريعة تشبيهاً لها بالماء العذب لأن فيها شفاء النفوس وطهارتها. والمنهاج هو الطريق الواسع الذي يوصلك إلى الشرعة العذبة.

لمسات بيانيه

:* كلمة يختلفون وتختلفون وردت في القرآن في مواضع كثيرة (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) النمل) (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) (إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة) ما كُنه الاختلاف؟(د,فاضل السامرائى)

الآية توضح (إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة) أنبئه بالأمر فقال (بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) والثانية في القضاء والفصل فصل في القضية (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هذا حكم، قال (فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي في الذي كانوا فيه يختلفون. إما يقول قضي بينهم أو يحكم بينهم ولما يقول يحكم بينهم وقضي بينهم يستعمل فيه. أما كانوا وكنتم فالأكثر لما يقول (كانوا) الكلام عن يوم القيامة والاختلاف كان في الدنيا (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) الاختلاف في الدنيا (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية). (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) هذه الآن وليس في يوم القيامة (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) لأنها تقصد الدنيا.

سؤال: هل (كان) هنا فعل ناقص؟ نعم فعل ناقص وأحياناً يأتي تام وله استخدامات كثيرة.

ضبط المتشابهات

فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)

لضبط نهاية الأية (فينبئكم) وليست (ثم ينبئكم) والضابط دوران الفاء (فاستبقوا ، فينبئكم) ، تختلفون ، وليست (تعملون) لأن الأية تتحدث عن الإختلاف الذى أحدثه الناس فى دين الله ، وما أختلفوا فيه فى أصل العقيدة ، إذ قال الله (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً)

ضبط المتشابهات

الأيتين 44 ، 46

التوراة والأنجيل هدى ونور

ضبط المتشابهات

:فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا : البقرة 148

فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا : المائدة 48

الضبط بالسياق

ضبط المتشابهات

:وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ (48)

المائدة

وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (93)

النحل

الضبط بالسياق

ضبط المتشابهات

إلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)

المائدة

إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)

المائدة

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ…..4

يونس

وردت كلمة جميعاً بعد إلى الله مرجعكم فى هذه المواضع الثلاثة فقط وما سواها إلى الله مرجعكم بدونها

ضبط المتشابهات

وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)

المائدة

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)

الأنعام

ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)

ال عمران

لم تأت (فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) إلا فى موضعى المائدة والأنعام وباقى المواضع ( فينبئكم – ثم ينبئكم – فننبئكم – فأنبئكم )وهى المواضع : 105 المائدة ، 60 الأنعام ، 23 يونس ، 8 العنكبوت ، 15 لقمان ، 7 الزمر . والتركيز على موضع الإختلاف فى سورة ال عمران (فأحكم)

ويتم بإذن الله ضبط كل موضع فى السورة التى ورد فيها عند إستعراض متشابهات السورة

ضبط المتشابهات

:ضبط موضعى سورة المائدة :

:الأية 48 :

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًافَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)

دوران الفاء (فاستبقوا ، فينبئكم)

دوران الباء (فينبئكم ، بما )

كنتم فيه تختلفون : أى فيما شرع الله فى الأمم من أمور أختلف عليها أهل الكتاب لأن الأية تحدثت عن ما أنزل الله من الشرائع والكتب.

:الأية 105

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)

دوران فينبئكم بما (الأيتين 48 ، 105)

بما كنتم تعملون : لأن الأية تتحدث عن الهدى والضلال وما يتبعه من عمل خير كان أو شر .

ضبط المتشابهات

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْوَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)

المائدة

وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)

المائدة

إرتباط الذنوب بالناس

تتابع كثيرا منهم فى الأيتين 80 ، 81

تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)

————————————————-

تفسير مبسط للوجه 12من سورة المائده ص 117

الآيه51 :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ﴾: أي حُلفاءَ وأنصارًا على أهل الإيمان، لأنَّ اليهود ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ وكذلك النصارى، وكِلا الفريقين يَجتمع على عداوتكم، وأنتم – أيها المؤمنون – أوْلَى بأن يَنصر بعضُكم بعضًا، ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ ﴾: يعني ومَن يَستنصر باليهود أو النصارى ﴿ منْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾: أي فإنه يصير منهم، وحُكمه حُكمهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ الذين يَتولون الكافرين.

الآيه 52• ثم يخبر تعالى عن جماعة من المنافقين، فيقول: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ﴾: أي يُسارعون في التوَدُّد إلى اليهود، لِما في قلوبهم من الشكِّ والنفاق، و ﴿ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ﴾: يعني إنما نتوَدَّد إليهم خشية أن ينتصروا على المسلمين فيصيبونا معهم، قال الله تعالى: ﴿ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ ﴾ أي فتح “مكة”- وينصر نبيه، ويُظْهِر الإسلام والمسلمين على الكفار، ﴿ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ﴾: يعني أو يُهيِّئ من الأمور ما تذهب به قوةُ اليهود والنَّصارى، فيخضعوا للمسلمين، ﴿ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾: يعني فحينئذٍ يندم المنافقون على ما أخفوه في أنفسهم من محبتهم والاستنصار بهم،

آيه 53﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾: يعني وحينئذ يقول المؤمنون بعضهم لبعض – مُتعجِّبين من حال المنافقين إذا كُشِف أمرهم -: ﴿ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ﴾: يعني أهؤلاء الذين أقسموا بأغلظ الأيمان إنهم لَمَعَنا؟! ﴿ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ ﴾: أي بَطلت أعمال المنافقين التي عملوها في الدنيا، فلا ثواب لهم عليها؛ لأنهم عملوها على غير إيمان، فبذلك خسروا الدنيا والآخرة.

الآية 54: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ﴾ ويَستبدل به اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك، فلن يضرّ الله شيئًا، وإنما يضر نفسه، ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ ﴾ خير من الذين ارتدوا ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾: أي رحماء بالمؤمنين، ﴿ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾: يعني أشدَّاء على الكافرين، ﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ﴿ وَلَا يَخَافُونَ ﴾ في سبيل إرضاء الله تعالى ﴿ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ ﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ ﴾ في فضله وعطائه ﴿ عَلِيمٌ﴾ بمن يستحق ذلك الفضل من عباده.

الآية 55: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ﴾: يعني إنما ناصركم – أيُّها المؤمنون – هو ﴿ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ وهم ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾: أي يحافظون على الصلاة المفروضة في أوقاتها ويطمئنون وهم يؤدون أركانها، ﴿ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾: يعني ويؤدون الزكاة عن رضا نفس، وهم خاضعون لله.

الآية 57: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا ﴾: أي الذين يستهزئون ويتلاعبون بدينكم ﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ ﴾، فلا تتخذوا هؤلاء ﴿ أَوْلِيَاءَ ﴾ من دون المؤمنين، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾حقاً.

أسباب النزول

– قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [51]:

قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: جَاءَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَوَالِيَ مِنَ الْيَهُودِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ حَاضِرٌ نَصْرُهُمْ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ، وَآوِي إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: إِنِّي رَجُلٌ أَخَافُ الدَّوَائِرَ وَلَا أَبْرَأُ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«يَا أَبَا الْحُبَابِ مَا بَخِلْتَ بِهِ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَهُوَ لَكَ دُونَهُ»، فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى فيهما:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} إِلَى قوله تعالى:{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ{يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} فِي وِلَايَتِهِمْ{يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} الْآيَةَ.

أسباب النزول

– قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} [57]:

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسُوَيْدُ بْنُ الحارث قد أظهر الْإِسْلَامَ ثُمَّ نَافَقَا وَكَانَ رِجَالٌ من المسلمين يوادّونها، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

لمسات بيانيه

آية (52):

*ورتل القرآن ترتيلاً:

(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ (52) المائدة) عبّرت الآية عن النفاق بالمرض لأن المرض يفسد الجسد والنفاق يفسد الإيمان ولأن المريض مضطرب والمنافق مضطرب قلقٌ متألِّم.

(نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ (52) المائدة) الدائرة من دار إذا عكس سيره فهي تدل على تغيّر الحال وغالباً ما تدل على تغيّر الحال من خير إلى شر فقول المنافقين تصيبنا دائرة أي دوائر الدهر وهي المصائب.

لمسات بيانيه

آية (53):

*ورتل القرآن ترتيلاً:

(جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ (53) المائدة) الجهد هو التعب ومنتهى الطاقة وفي هذه الجملة أضيف الجهد للأيمان ليدلنا على غلظة الإيمان وتوكيدها أي أقسموا أقوى قَسَم.

لمسات بيانيه

آية (54):

*ورتل القرآن ترتيلاً:

(فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54) المائدة) في هذه الآية وجهان من الدلالة لا سيما أنها نزلت في أواخر حياة النبي r: الأول فيها إيماء إلى ما سيكون من ارتداد كثير من العرب عن الإسلام كأصحاب الأسود العنسي. ثانياً إيذان بمحبة الله لأبي بكر رضي الله عنه فعندما ارتدت العرب عن الإسلام لم يتصد لها إلا أبو بكر وهو مصداق قوله تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).

(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ (54) المائدة) أثبت الله تعالى لهؤلاء القوم صفتان متقابلتين هما العزة والذلة حسب مقتضى الحال وهذا ما يسمى الطباق وهو تقابل اللفظين كالليل والنهار والذل والعزّ.

لمسات بيانيه

آية (55):

*ما معنى كلمة الولي الواردة في سورة المائدة وما هو المراد منها (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55))؟(د.فاضل السامرائى)

تستعمل للتابع والمتبوع والناصر، الوليّ التابع المحب الذي يتولى أمره والولي الناصر، يعني الله ولينا ونحن أولياء الله (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ (257) البقرة) يتولى أمرهم (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) يونس) فالولي تستعمل للفاعل والمفعول وتسمى من الأضاد. يقال مولى رسول الله والله مولانا، كلمات كثيرة في اللغة العربية تستعمل في هذا وهي واضحة في اللغة وفي الاستعمال القرآني.

المتشابهات

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ…51

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا….57

أول الصفحة وأخرها تُضبط بالصورة الذهنية

المتشابهات

وَ/مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ

وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)

البقره

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ….(54)

المائدة

زيادة (و) فى السورة الأطول

المتشابهات

قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)

ال عمران

ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا…

المائدة

الضبط بالسياق

المتشابهات

وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)

المائدة

أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)

الأعراف

الضبط بالسياق

المتشابهات

وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)

المائدة

أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)

المجادلة

الضبط بالسياق

إعراب بعض الكلمات

وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ… (53)

أَهَؤُلَاءِ : “الهمزة” حرف استفهام و”هؤلاء” اسم إشارة مبنى على الكسر فى محل رفع مبتدأ

أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ… (54)

أَذِلَّةٍ : نعت مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة ثان “لقوم”

أَعِزَّةٍ : نعت مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة ثالث “لقوم”

أنواع الوقف

لوقف اللازم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَبَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ… (51)

الوقف الممنوع

وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَأَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ…(53)

عدم الوقف على ( إنهم لمعكم)

تدبر في الآيات

قال تعالى{ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ْ} فإن محبة الله للعبد هي أجل نعمة أنعم بها عليه، وأفضل فضيلة، تفضل الله بها عليه، وإذا أحب الله عبدا يسر له الأسباب، وهون عليه كل عسير، ووفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات، وأقبل بقلوب عباده إليه بالمحبة والوداد. ومن لوازم محبة العبد لربه، أنه لابد أن يتصف بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، في أقواله وأعماله وجميع أحواله، كما قال تعالى: { قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ْ}

كما أن من لازم محبة الله للعبد، أن يكثر العبد من التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الله: \”وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، ولا يزال [عبدي] يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه\”.

ومن لوازم محبة الله معرفته تعالى، والإكثار من ذكره، فإن المحبة بدون معرفة بالله ناقصة جدا، بل غير موجودة وإن وجدت دعواها، ومن أحب الله أكثر من ذكره،

وإذا أحب الله عبدا قبل منه اليسير من العمل، وغفر له الكثير من الزلل.

————————————–

تفسير مبسط للوجه 13من سورة المائده 118

الآية 58: ﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾: يعني وإذا أذَّنَ مؤذنكم – أيها المؤمنون – بالصلاة: ﴿ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ﴾: يعني سَخِرَ هؤلاء اليهود والنصارى والمشركون واستهزؤوا من دعوتكم إلى الصلاة، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾: أي وذلك بسبب جهلهم، ولأنهم لا يعقلون حقيقة تلك العبادة، ولا يعلمون قيمتها العظيمة عند الله تعالى.

الآية 59: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المستهزئين من أهل الكتاب: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ ﴾: يعني هل تكرهوننا وتعيبون علينا بسبب إيماننا بالله ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ ﴾ ﴿ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴾: أي وبسبب إيماننا أيضاً بأن أكثركم خارجون عن الطريق المستقيم! فما تَجِدُونه عيباً علينا هو – في أصله – صفة مدح لنا عند ربنا.

الآية 60: ﴿ قُلْ ﴾ أيها النبي للمؤمنين: ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ﴾: يعني هل أخبركم بمن يُجازَى يوم القيامة جزاءً أشدَّ مِن جزاء هؤلاء الفاسقين من أهل الكتاب؟ إنه ﴿ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ﴾: يعني إنهم أسلافهم الذين طردهم الله من رحمته وغَضِب عليهم، ومَسَخَ خَلْقهم، فجعل منهم القردة والخنازير، وذلك بسبب عصيانهم وافترائهم وتكبرهم ﴿ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ﴾: يعني وبسبب أنه كان منهم عُبَّاد الطاغوت (وهو كل ما عُبِد من دون الله وهو راضٍ)، ﴿ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا ﴾ في الآخرة، ﴿ وَأَضَلُّ ﴾ طريقاً ﴿ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾.

الآية 61: ﴿ وَإِذَا جَاءُوكُمْ ﴾: يعني: وإذا جاءكم – أيها المؤمنون – منافقوا اليهود ﴿ قَالُوا آَمَنَّا ﴾ بدينكم، ﴿ وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ﴾: يعني: وقد دخلوا عليكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبهم، ثم خرجوا من عندكم وهم مصرُّون عليه، ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ ﴾، وإن أظهروا خِلاف ذلك.

الآية 62، والآية 63: ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ ﴾ أي من اليهود ﴿ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ ﴾: يعني يُبادرون إلى المعاصي (مِن قول الكذب وشهادة الزور وغير ذلك)، ﴿ وَالْعُدْوَانِ ﴾: أي وكذلك يسارعون إلى الظلم والاعتداء على أحكام الله، ﴿ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ﴾: يعني وكذلك يبادرون إلى أكْل أموال الناس بالباطل ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ﴿ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ﴾: يعني: ألاَ ينهاهم أئمتهم وعلماؤهم ﴿ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ﴾؟ ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾: يعني لقد ساء صنيع هؤلاء العلماء حين تركوا النهي عن المنكر.

الآية 64: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ ﴾ سِرَّاً فيما بينهم – حين حَلَّ بهم الجفاف والقحط -: ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾: أي محبوسة عن فِعل الخيرات، بَخِلَ علينا بالرزق والتوسعة، فرَدَّ الله عليهم بقوله: ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾: أي حُبِسَت أيديهم هُم عن فِعْلِ الخيرات، ﴿ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ﴾: يعني وطردهم الله من رحمته بسبب قولهم، وليس الأمر كما يفترونه على ربهم، ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ فلا مانع يمنعه من الإنفاق، فإنه سبحانه الجَواد الكريم ﴿ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ وذلك بحسب ما تقتضيه حِكمته وبحسب ما فيه مصلحة عباده.

﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾: يعني وإن كثيرًا من أهل الكتاب لا يزيدهم إنزالُ القرآن إليك إلا تجبُّرًا وجحودًا، وذلك بسبب حقدهم وحسدهم؛ لأن الله قد اصطفاك بالرسالة، ثم يخبر تعالى أن طوائف اليهود سيظلون إلى يوم القيامة يُعادي بعضهم بعضًا، ويَنفُرُ بعضهم من بعض، فقال: ﴿ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾، وهم ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ﴾: أي كلما تآمروا على الكيد للمسلمين بإثارة الفتن وإشعال نار الحرب ردَّ الله كيدهم، وفرَّق شملهم، ﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ﴾ بالمعاصي والكفر وغير ذلك من أنواع الفساد في الأرض، ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾.

قولُهُ تَعَالَى:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} [58]:

أسباب النزول

قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَادَى إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهَا، قَالَتِ الْيَهُودُ: قَامُوا لَا قَامُوا، صَلَّوْا لَا صَلَّوْا، رَكَعُوا لَا رَكَعُوا. عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالضَّحِكِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

قَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ نَصَارَى الْمَدِينَةِ كَانَ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: حُرِّقَ الْكَاذِبُ. فَدَخَلَ خَادِمُهُ بِنَارٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ نَائِمٌ وَأَهْلُهُ نِيَامٌ، فَطَارَتْ مِنْهَا شَرَارَةٌ فِي الْبَيْتِ فَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهْلُهُ.

وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا سَمِعُوا الْآذَانَ حَسَدُوا رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ لَقَدْ أَبْدَعْتَ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْ بِهِ فِيمَا مَضَى مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، فَإِنْ كُنْتَ تَدَّعِي النُّبُوَّةَ فَقَدْ خَالَفْتَ فِيمَا أَحْدَثْتَ مِنْ هَذَا الْآذَانِ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ قَبْلِكَ، وَلَوْ كَانَ فِي هَذَا الْأَمْرِ خَيْرٌ كَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ مِنْ قَبْلِكَ، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ صِيَاحٌ كَصِيَاحِ الْعِيرِ؟ فَمَا أَقْبَحَ مِنْ صَوْتٍ وَلَا أَسْمَجَ مِنْ كُفْرٍ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَأَنْزَلَ:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} الْآيَةَ. [فُصِّلَتْ: 33]

أسباب النزول

قولُهُ تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ} الْآيَةَ [59]:

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَى نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنَ الرُّسُلِ، فَقَالَ: أُومِنُ{بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} إِلَى قَوْلِهِ:{وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[الْبَقَرَةِ: 136] فَلَمَّا ذَكَرَ عِيسَى جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَهْلَ دِينٍ أَقَلَّ حَظًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْكُمْ، وَلَا دِينًا شَرًّا مِنْ دِينِكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ}إِلَى قَوْلِهِ:{فَاسِقُونَ}

لمسات بيانيه

آية (58):

*ما هو الفرق بين( استهزأ بـ) و(سخر من)؟(د.فاضل السامرائى)

هنالك أمران في اللغة يذكران في الاستعمال القرآني:

أولاً: الاستهزاء عام سواء تستهزئ بالأشخاص وبغير الأشخاص (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا (58) المائدة) الصلاة ليست شخصاً وإنما أقاويل وأفاعيل (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا (9) الجاثية) (وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا (231) البقرة) (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) التوبة) إذن الاستهزاء عام في الأشخاص وفي غير الأشخاص

أما السخرية ففي الأشخاص تحديداً لم ترد في القرآن إلا في الأشخاص (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) هود). إذن الاستهزاء عام أعم من السخرية ومعنى الاستهزاء هو السخرية هم يقولون المزح في خفية وهو جانب من السخرية. الاستهزاء ,

ثانيا :السخرية لم ترد إلا من فعل يفعله الشخص أما الاستهزاء فقد يستهزأ به من غير فعل. السخرية أنت تسخر منه وهو يفعل الفعل هذا أما الاستهزاء فليس كذلك. مثلاً نوح وهو يصنع الفلك هذا عمل (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) هود) هذا فعل وهم سخروا من فعل يفعله، (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ (79) التوبة) هذا فعل.

لمسات بيانيه

(وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58) المائدة) لم ختمت الآية بقوله (لاَّ يَعْقِلُونَ) ولم يقل (لا يعلمون)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)

في هذه الخاتمة للآية تحذير للمستهزئين بأداء الصلاة إذ ليس في النداء إلى الصلاة ما يوجب الاستهزاء فكان هذا الفعل منهم موجباً للاستهزاء بسخافة عقولهم.

لمسات بيانيه

آية (60):

*ما دلالة قوله تعالى (وعَبَدَ الطاغوت) في سورة المائدة؟(د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة المائدة: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ {60}) عبد الطاغوت ليست معطوفة على القردة والخنازير وإنما هي فعل ماضي معطوفة على (وجعل منهم) فهي جملة معطوفة على جملة.

لمسات بيانيه

*ما الفرق بين الخلق والجعل؟(د.فاضل السامرائى)

الجعل في الغالب حالة بعد الخلق فالخلق أقدم وأسبق. جعل الزرع حطاماً ليست مثل خلق الزرع حطاماً. جعل بمعنى صيّر، هو خلقه ثم جعله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ (60) المائدة) لا يعني خلقهم وإنما يعني صيّرهم. إذن في الغالب الجعل بعد الخلق (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (124) البقرة) صيّره إماماً وليس خلقه إماماً. عندما قال تعالى(خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) يقصد حواء و (جعل منها زوجها) الكلام عن الذرية فلما ذكر حواء قال (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ولما ذكر الذرية قال (جعل منها زوجها).

لمسات بيانيه

مالفرق بين ذلك، وذلكم في الاستعمال القرآني..

قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ) المخاطَب جماعة (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60) المائدة) (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) الحج) آية فيها (ذلك) والثانية (ذلكم) أي الأكثر؟ الذين كفروا أو الذين جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت؟ الذين كفروا أكثر، فلما كانت المجموعة أكثر جمع فقال (ذلكم) ولما كانت أقل أفرد (ذلك).

لمسات بيانيه

(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً (60) المائدة) ما هي المثوبة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)

المثوبة هي الثواب ةنحن نعلم أن هذا اللفظ يستعمل في الأمر المحبوب فأنت تثيب عاملك مكافأة ومن ذلك قوله تعالى (فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا (85) المائدة) فكيف عبر الله عن الشر بالمثوبة؟ انظر كيف بلغ التهكم أقصى درجاته لقد قال تعالى (بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً) ولم يقل بشر من ذلك عقاباً للاستخفاف بهم وللتهكم من فعلهم لقد استخفّوا بأوامر الله فاستخف الله بعقولهم وبمخاطبتهم فانظر إلى هذا الثواب العظيم الذي وعدهم الله تعالى إياه اللعنة والغضب والمسخ والعياذ بالله

لمسات بيانيه

آية (61):

* (وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ (61) المائدة) ماذا يعني هذا التصوير؟(ورتل القرآن ترتيلاً)

في هذا التعبير دلالة على قسوة القلب وعدم قبوله للإيمان فهي تدل على أن الإيمان لم يخالط قلوبهم طرفة عين فهم دخلوا كافرين وخرجوا كذلك.

لمسات بيانيه

آية (63):

*(لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (63) المائدة) لم قال تعالى (يَصْنَعُونَ) ولم يقل يعملون؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)

لأن الصنع أدل على التمكن في العمل والتحري من يعملون.

المتشابهات

قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ….60 المائدة

قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) الحج

الضبط بالسياق

أو الضبط بالجملة الإنشائية (الحج كثرة) أو (كثر الحجاج على المائدة) بإعتبار أن ضمير الجمع ذكر فى سورة الحج.

المتشابهات

وترى / ترى

62 ، 80

وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)

كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)

دوران الواو فى الموضع الأول : ضبط بالجملة الإنشائية : أول من جاء وأسرع

أو :

بروز الواو فى الموضع الأول (جاءت قبل وترى ، وجاءت مدية فى كلمة يسارعون) وبهذا يمكن أن نضبط سياق كل أية أى أن بعد (وترى) فى الموضع الأول جاءت (يسارعون) وبعد (ترى) فى الموضع الثانى جاءت (يتولون) وهى واو لينة ليست مدية ، والمدية أكثر ظهوراً من اللينة

المتشابهات

لبئس ما كانوا (يعملون ، يصنعون ، يفعلون)

وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)

كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(79)

كلمة العدوان تضبط يعملون (وجود حرف العين) ، والفاء بين فعلوه ويفعلون وبضبط موضع يُضبط الأخر

الوقف اللازم

وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَاقَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ … (64)

الوقف على (بما قالوا) وقف لازم

الكراهية قائمة بين من يعصي الله ومن يطيع الله ولا تنتهي حتى تقوم الساعة

تفسير مبسط للوجه 14من سورة المائده 119

لآية 65: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ من اليهود والنصارى ﴿ آَمَنُوا ﴾ بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَاتَّقَوْا ﴾ ربهم فامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه: ﴿ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾: أي لَمَحَوْنا عنهم ذنوبهم، ﴿ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ في الدار الآخرة.

الآية 66: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾: يعني ولو أنَّهم عملوا بما في التوراة والإنجيل، وبما أُنْزِل عليك أيها الرسول – وهو القرآن الكريم: ﴿ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾: أي لرزقناهم من كلِّ طريق، فأنزلنا عليهم المطر، وأنبتنالهم الثمر، وإنَّ ﴿ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ﴾: يعني جماعة معتدلة ثابتة علىالحق، ﴿ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾.

الآيه 67 (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)

هذا أمر من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأعظم الأوامر وأجلها، وهو التبليغ لما أنزل الله إليه، ويدخل في هذا كل أمر تلقته الأمة عنه صلى الله عليه وسلم من العقائد والأعمال والأقوال، والأحكام الشرعية والمطالب الإلهية.

فبلغ صلى الله عليه وسلم أكمل تبليغ، ودعا وأنذر، وبشر ويسر، وعلم الجهال الأميين حتى صاروا من العلماء الربانيين، وبلغ بقوله وفعله وكتبه ورسله. فلم يبق خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرها عنه

{ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ ْ} أي: لم تبلغ ما أنزل إليك من ربك { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ْ} أي: فما امتثلت أمره.

{ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ْ} هذه حماية وعصمة من الله لرسوله من الناس، وأنه ينبغي أن يكون حرصك على التعليم والتبليغ، ولا يثنيك عنه خوف من المخلوقين فإن نواصيهـم بيد الله وقد تكفل بعصمتك، فأنت إنما عليك البلاغ المبين، فمن اهتدى فلنفسه

وأما الكافرون الذين لا قصد لهم إلا اتباع أهوائهم فإن الله لا يهديهم ولا يوفقهم للخير، بسبب كفرهم.

الآيه68(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۖ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) .

أي: قل لأهل الكتاب، مناديا على ضلالهم، ومعلنا بباطلهم: { لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ْ} من الأمور الدينية، فإنكم لا بالقرآن ومحمد آمنتم، ولا بنبيكم وكتابكم صدقتم، ولا بحق تمسكتم، ولا على أصل اعتمدتم

{ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ْ} أي: تجعلوهما قائمين بالإيمان بهما واتباعهما، والتمسك بكل ما يدعوان إليه.

{ و ْ} تقيموا { ما أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ْ} الذي رباكم، وأنعم عليكم، وجعل أجلَّ إنعامه إنزالَ الكتب إليكم. فالواجب عليكم، أن تقوموا بشكر الله، وتلتزموا أحكام الله، وتقوموا بما حملتم من أمانة الله وعهده.

{ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ مَّا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ْ}

الآيه 69 (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [سورة المائدة : 69]

يخبر تعالى عن أهل الكتب من أهل القرآن والتوراة والإنجيل، أن سعادتهم ونجاتهم في طريق واحد، وأصل واحد، وهو الإيمان بالله واليوم الآخر [والعمل الصالح] فمن آمن منهم بالله واليوم الآخر، فله النجاة، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من الأمور المخوفة، ولا هم يحزنون على ما خلفوا منها. وهذا الحكم المذكور يشمل سائر الأزمنة.

الآيه 70:(لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ)

يقول تعالى: { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ْ} أي: عهدهم الثقيل بالإيمان بالله، والقيام بواجباته التي تقدم الكلام عليها في قوله: { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ْ} إلى آخر الآيات.

{ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ْ} يتوالون عليهم بالدعوة، ويتعاهدونهم بالإرشاد، ولكن ذلك لم ينجع فيهم، ولم يفد

{ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ ْ} من الحق كذبوه وعاندوه، وعاملوه أقبح المعاملة { فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ْ}

أسباب النزول

– قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [67]:

قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:«لَمَّا بَعَثَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِرِسَالَتِي ضِقْتُ بِهَا ذَرْعًا وَعَرَفْتُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُكَذِّبُنِي»، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَهَابُ قُرَيْشًا وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

أسباب النزول

– قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [67]:

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ:«أَلَا رَجُلٌ صَالِحٌ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ»؟ فَقَالَتْ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي ذَلِكَ سَمِعْتُ صَوْتَ السِّلَاحِ، فَقَالَ:«مَنْ هَذَا؟» قَالَ: سَعْدٌ وَحُذَيْفَةُ، جِئْنَا نَحْرُسُكَ. فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ، وَنَزَلَتْ هذه الآية، فأنزل رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ مِنْ قُبَّةِ أَدَمٍ وَقَالَ:«انْصَرِفُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ».

لمسات بيانيه

ما الفرق بين الآيتين (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (66) المائدة) و(وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا (16) الجن) لماذا لم يقل ولو أنهم استقاموا على الطريقة؟ لماذا ؟(د.فاضل السامرائى)

لم يقل ولو أنهم استقاموا أو وأنهم لو استقاموا وإنما قال (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا) لو قال ولو أنهم استقاموا لربما أفهم أن ذلك مختص بهم دون غيرهم (لو أنهم)لكن الكلام عام ليس مختصاً بهم لكن لكل من يستقيم على الطريقة ، لما قال (وألو استقاموا) هذا حكم عام ولو قال (ولو أنهم استقاموا) هذا مختص بهم المخاطبين الإخبار عنهم، أما في قوله (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (66) المائدة) هذا مختص باليهود والنصارى ما علاقة الآخرين بالتوراة والإنجيل؟.

لمسات بيانيه

ما الفرق بين (أن) في الآية (وألو استقاموا) وبين (ولو أنهم) بالضمير هم؟

(أن) هل ذكر ضمير؟ لا، هنا ضمير الشأن محذوف يعود على الشأن وليس على المخاطبين، (وألو استقاموا) هذا حكم عام لم يخصصه بهم بينما (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (66) المائدة) هذا خاص بهؤلاء ثم هذا نسخ التوراة والإنجيل فالحكم كيف يأتي فيما بعد؟ إذن كل واحدة هي في مكانها.

لمسات بيانيه

ما حكم التقديم والتأخير (وأن لو استقاموا )(و لو أنهم استقاموا)؟

الحكم سيكون واحداً لم يقل أنهم حتى لا يخصص فئة معينة فى آية الجن، هذا حكم عام لجميع الدنيا على مر الزمان من يستقم على الطريقة يسقى ماء غدقاً من قبل زمن نوح إلى قيام الساعة، هذا حكم عام بينما الآية الثانية حكم خاص.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (66) المائدة) إقامة الشيء بأن تجعله قائماً وقد استعمل القرآن الإقامة (أقاموا) للدلالة على عدم الإضاعة فالشيء الذي يضيع منك يكون مطروحاً وملقى على الأرض والإنسان في حالة قيامه يكون أقدر على الأشياء.

لمسات بيانيه

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) المائدة) إذا كانت الآيات مرتبطة ببعضها الآيات التي سبقت الآية تتحدث عن أهل الكتاب وكذلك الآيات التي بعدها فهل تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم متعلق بأهل الكتاب؟ وما هو الأمر الذي أراده الله تعالى من الرسول أن يبلغه؟(د.فاضل السامرائى)

أولاً الكلام عام لما قال (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) لم يقل بلغ أهل الكتاب أطلق الفعل ولم يحدده ثم قال (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) لم يقل يعصمك منهم. إذن الكلام عام لكن يبقى وقوعه في هذا السياق. وقعت الآية في سياق الذين أوتوا الكتاب ومحاربتهم لرسول الله r والمفروض تبليغهم كتبيلغ غيرهم مع أنهم يكثرون مجادلته ويدّعون العلم وكلما جاءهم رسول قتلوا فريقاً وكذبوا فريقاً آخر

ثم قال (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) مع أنهم حاولوا قتله كما قتلوا قبله من الأنبياء وهذا إعجاز لأن الرسول r كان يُحرس ولما نزلت الآية صرف الحرس وقال الرسول r انصرفوا فقد عصمني الله هذا دليل على أنه يأتيه الوحي من الله تعالى.

لمسات بيانيه

(وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (67) المائدة) افتتح ربنا هذه الجملة من الآية بلفظ الجلالة للتأكيد على العاصم وهو الله. فإن عصمك الله يا محمد فلا تخشى أحداً. وفي الابتداء بإسم الله طمأنة لفؤاد النبي r بسماع اسم الله.

لمسات بيانيه

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ (68) المائدة) وقعت كلمة شيء نكرة في سياق النفي حيث سبقت بالفعل ليس وهو يدل على النفي فأفاد هذا الأسلوب أن يكون لهم أقل حظ من التدين والتقوى.

لمسات بيانيه

آية (69):

* ما الفرق بين الآيات (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْوَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) البقرة) و (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (69) المائدة) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىوَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {17}الحج) في رفع ونصب الصابئين وما دلالة التقديم والتأخير؟

لماذا قدّم الصابئون على النصارى؟ في سورة المائده

ليس بالضرورة أن يكون التقديم للأفضل ولكن التقديم هنا لمقتضى السياق. فالسياق في سورة المائدة هو ذمّ عقائد النصارى ذماً فظيعاً وتكلم على عقيدة التثليث جعلهم كأنهم لم يؤمنوا بالله وكأنهم صنف من المشركين وأنهم كفروا بالله الواحد وجعلوا له شرك

لهذا قدّم الصابئون على النصارى لكن رفعها للدلالة على أنهم(الصابئون) أبعد المذكورين في الضلال ولأنهم أقلّ منزلة، وكأن النصارى أشد حالاً من الصابئين حتى تكون منزلتهم أقل وقدّم الصابئين مع أنهم لا يستحقون وأخّر النصارى لأنه ذمّ عقيدتهم لكن بما أنهم أهل كتاب عطفهم على إسم إنّ بالنصب. وكلمة الصابئون تُعرب على أنها مبتدأ وليس عطف على ما سبق وهي على غير إرادة إنّ وقد تكون اعتراضية وخبرها محذوف بمعنى (والصابئون كذلك)، أما كلمة النصارى فهي معطوفة على ما قبلها.

اما السياق في سورة الحج موقف قضاء والله تعالى لا يجوز أن يفصل بين المتخاصمين (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) ولا يمكن له سبحانه أن يُفرّق بينهم ما داموا في طور الفصل (لذا جاءت الآسماء كلها منصوبة بإنّ) فالمتخاصمين إذن يجب أن يكونوا سواء أمام القاضي.

لمسات بيانيه

في سورة الحج: المجال في سورة المائدة مجال دعوة. في مجال الدعوة: الذين آمنوا صنف وهؤلاء المدعوون صنف آخر. في الحج الكلام على الفصل يوم القيامة فإذا كان عندك مجموعات تريد أن تفصل بينهم ولله المثل الأعلى ستجعلهم كتلةواحدة وتجمعهم جمعاً واحداً ثم تفصل بينهم

في المائدة) إن الذين آمنوا لهم حكم وهؤلاء لهم حكم مقيّد إذا فعلوا هذا معناه أنه سينحازون الى الايمان والاسلام. لكن هنا ليس هناك كلام على الايمان أو غيره وإنما كلام على الفصل، كيف يفصل؟ لا بد أن يجمعهم أولاً ثم يفصل.

آية البقرة: ممكن أن تُحمل على الوجهين. أولاً: آية المائدة تكلمت عن اليهود والنصارى، وفي الحج لم يذكر يهود ولا نصارى أو أي شيء، أما هنا في البقرة فذكر اليهود فقط وتكلم فيهم كلاماً يوحي لمن يقرأه أن هؤلاء ليس لهم شفاعة ولا يمكن أن يكونوا على خير مطلق

لمسات بيانيه

ما وجه الإختلاف من الناحية البيانية بين خاتمة آية 62 في سورة البقرة وخاتمة آية 69 في سورة المائدة؟(د.فاضل السامرائى)

هناك فرق بين الآيتين (فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) في آية سورة البقرة أما في سورة المائدة (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)المذكورين في الآيتين هم نفسهم (الذين آمنوا، الذين هادوا، النصارى، الصابئين) فلماذا جاء في سورة البقرة (فلهم أجرهم عند ربهم ولم تأتي في سورة المائدة؟ في سورة المائدة السياق كما قلنا في ذمّ عقائد اليهود والنصارى ذمّاً كثيراً مسهب. أما في البقرة فالكلام عن اليهود فقط وليس النصارى

وننظر كيف تكلم عن اليهود في الآيتين: في سورة المائدة الكلام على اليهود أشدّ مما جاء في البقرة حتى لما يذكر العقوبات يذكرها في المائدة ايه 60

}) وسياق الغضب في المائدة على معتقدات النصارى واليهود أشدّ وما ذكرهم في المائدة إلا بمعاصيهم فاقتضى السياق أن يكون زيادة الخير والرحمة في المكان الذي يكون الغضب فيه أقل (في سورة البقرة) وجو الرحمة ومفردات الرحمة وتوزيعها في سورة البقرة أكثر مما جاء في سورة المائدة ولم تُجمع القردة والخنازير إلا في سورة المائدة.

مبدئياً بما أن سورة البقرة جاءت أقل غضباً وذكراً لمعاصي اليهود لذا جاءت الرحمة فقد وردت الرحمة ومشتقاتها في سورة البقرة 19 مرة بينما وردت في المائدة 5 مرات لذا اقتضى التفضيل بزيادة الرحمة في البقرةوالأجر يكون على قدر العمل فالنسبة للذين آمنوا من أهل الكتاب قبل تحريفه وهم مؤمنون بالله تعالى عليهم أن يؤمنوا إيماناً آخر باليوم الآخر المقصود الذين آمنوا إيماناً حقيقياً.

لمسات بيانيه

آية (70):

*(فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) المائدة) لِمَ أتى الفعل (كذبوا) ماضياً بينما جاء الفعل (يقتلون) مضارعاً؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)

إن معنى التكذيب بصيغة الماضي ليقص علينا حالتهم بينما أتى الفعل يقتلون مضارعاً لتستحضر أيها القارئ لكتاب الله الحالة الفظيعة ولتزدري شناعة فاعليها حتى كأنك ترى وتشاهد هذا الصنع الفظيع منهم.

المتشابهات

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)

المائدة

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)

الأعراف

الضبط بالسياق

المتشابهات

ولضبط نهاية الأية 66 (السين والصاد (مقتصدة ، ساء) منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون (لأنها قد تجرى على اللسان : وكثر منهم فاسقون (وهو نهاية الأية 81)

حيث الإبتداء بالسين (ساء) وهى أخت الصاد ، وليس بالفاء (فاسقون)

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)

وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ….(67)

المتشابهات

تتابع الأيات 67 ، 68

(تبليغ الرسالة ، إقامة التوراة والأنجيل)

نفس المعنى وهو إقامة دين الله ، فالموضع الأول أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بتليغ رسالته ، والموضع الثانى إخبار من الله على سبيل التهديد والوعيد لأهل الكتاب ، بأنهم ليسوا على الدين الصحيح إن لم يقيموا التوراة والأنجيل كما أنزلها الله دون تحريف .

ضبط نهاية الأية 68 (وكفر ، الكافرين) طُغْيَانًا وَكُفْرًافَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)

الموضع الوحيد

(ساء مايعملون) المائده:66، وفي غيرها (ساء ماكانوا يعملون)

( والصابئون) المائده:69

وفي غيره ( والصابئين)

تدبر في الآيات

(والله يعصمك من الناس)

عصمة الله لنبيه من أكبر دلائل قدرته تعالى..ولهذا باءت كل محاولات قتله بالفشل..

فحين كان في غزوة صل الله عليه وسلم ونام تحت شجرة علق عليها سيفه فجاء إعرابي وأخذ السيف وسله ثم أيقظ الرسول صل الله عليه وسلم والسيف مسلط وقال له ( من يعصمك مني ) قال صل الله عليه وسلم ( الله ) فوقع السيف من يده وسقط الإعرابي على الأرض مبهوتا ،ونادى صل الله عليه وسلم أصحابه وأراهم الأعرابي ساقطا على الأرض والسيف بجانبه عاجزا أن يقتله صل الله عليه وسلم ،تحقيقا لعصمة الله له

ووضعت له اليهودية السم في ذراع البهيمة الأيمن في خيبر ونجا منه لأن الذراع أخبره أنه

تفسير مبسط للوجه 15من سورة المائده ص 120

لآية 72: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾: أي اعبدوا الله وحده لا شريك له، فأنا وأنتم مُتساوين في العبودية لله تعالى، ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾: يعني إنه مَن يعبد مع الله غيره ﴿ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ﴾ إلا أن يتوب من الشرك قبل موته، ﴿ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾: أي وجعل النار مُستَقَرَّه، ﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ يُنقذُونهم من هذه النار.

(71) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾: يعني وظنَّ هؤلاء العُصاة أن الله لن يأخذهم بالعذاب والشدائد والمِحن بسبب عصيانهم وكفرهم، وقتلهم الأنبياء، ﴿ فَعَمُوا وَصَمُّوا ﴾: أي فمضوا في شهواتهم، وعَمُوا أعينهم عن الهدى فلم يُبصروه، وصَمُّوا آذانهم عن سماع الحقِّ فلم ينتفعوا به، فأنزل الله بهم بأسه، وسَلَّطَ عليهم مَن أذاقهم سوء العذاب، فتابوا ﴿ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾: يعني قَبِلَ توبتهم، فاستقام أمرهم وصلحتْ أحوالهم، ﴿ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ﴾: يعني ثم عَمِي كثيرٌ منهم مرة أخرى عن الهدى، وصَمُّوا عن سماع المواعظ، وذلك بعد أن تبين لهم الحقُّ، فسلط الله عليهم مَن أذاقهم سوء العذاب أيضاً، وهاهم ما زالوا في عَماهم وصَمَمِهم، فلم يؤمنوا بالنبي محمد بعد أن عرفوا أنه النبي الخاتم، ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ وسيجازيهم على أعمالهم في الدنيا والآخرة

( 73 ) لقد كفر من النصارى من قال: إنَّ اللّه مجموع ثلاثة أشياء: هي الأب، والابن، وروح القدس. أما عَلِمَ هؤلاء النصارى أنه ليس للناس سوى معبود واحد، لم يلد ولم يولد، وإن لم ينته أصحاب هذه المقالة عن افترائهم وكذبهم ليُصِيبَنَّهم عذاب مؤلم موجع بسبب كفرهم باللّه.

لآية 74: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ﴾: يعني أفلا يرجع هؤلاء النصارى إلى الله تعالى، وينتهون عمَّا قالوا، ويسألون الله تعالى المغفرة؟ ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾ لذنوب التائبين، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم حيث أمهلهم للتوبة.

الآية 75: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾: أي مِثل مَن تقدمه من الرسل، ﴿ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾: يعني قد صَدَّقت تصديقًا جازمًا علمًا وعملا، وهما كغيرهما من البشر، فقد ﴿ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ﴾: يعني كانا يحتاجان إلى الطعام، ولا يكونُ إلهًا مَن يحتاج الى الطعام ليعيش، ﴿ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ﴾: يعني فتأمَّل أيها الرسول حالهم، فقد أوضحنا لهم العلاماتِ الدالةَ على وحدانيتنا، وبُطلان ما يَدَّعونه في أنبياء الله، وهم مع ذلك يَضِلُّون عن الحق الذي نَهديهم إليه، ﴿ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾: يعني ثم انظر كيف يُصرَفون عن الحق بعد أن ظهر واضحاً؟!

الآية 76: ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾: يعني كيف تشركون مع الله مَن لا يَقْدِرُ على ضَرِّكم، ولا على جَلْبِ نفعٍ لكم؟ فلا هم يسمعون دعاء من يدعوهم، ولا يعلمون عن حاله شيئاً، ﴿ وَاللَّهُ ﴾ وحده ﴿ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ لأقوال عباده ولدعائهم إياه ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بسائر أحوالهم وأعمالهم، مُجيب المُضطر إذا دعاه، فهو سبحانه المعبود بحق، وما سواه باطل.

لمسات بيانيه

آية (71):

*يقول تعالى (بما تعملون بصير) وفي آية أخرى يقول (بصير بما تعملون) فهل للتقديم والتأخير لمسة بيانية؟(د.فاضل السامرائى)

التقديم والتأخير يأتي لسبب والسياق قد يكون الحاكم والموضح للأمور. إذا كان سياق الكلام أو الآية في العمل يقدّم العمل وإذا لم يكن السياق في العمل أو إذا كان الكلام على الله سبحانه وتعالى وصفاته يقدّم صفته. من باب تقديم العمل على البصر: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) البقرة) بهذا العمل بصير، إذا كان السياق عن العمل يقدم العمل على البصر وإذا كان الكلام ليس في السياق عن العمل أو الكلام على الله تعالى وصفاته يقدم صفته. (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) البقرة) هذا إنفاق، (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) هود) الكلام على العمل فقدم العمل ،هذا في القرآن كله إذا كان الكلام ليس على العمل أو على الله تعالى (وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) المائدة) لا يوجد عمل، (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِوَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) الحجرات) يتكلم عن الله تعالى فيقدم صفة من صفات الله تعالى.

لمسات بيانيه

آية (73):

*(وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) المائدة) انظر كيف قال تعالى (عَمَّا يَقُولُونَ) بالمضارع ولم يقل “عما قالوا” مع أن الفعل (يَنتَهُواْ) مضارع فما الحكمة من تغيير الزمنين في الفعلين؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)

لقد جاء الفعل يقولون بصيغة المضارع لأنه مناسب لمعنى الفعل (يَنتَهُواْ)فالإنسان ينتهي من شيء مستمر وفي الآية يأمرهم الله بالكف والانتهاء عن قول مستمر لا عن قول مضى فلو مضى لما أمر بالانتهاء بل كان أمرهم بالتوبة.

لمسات بيانيه

آية (75):

ما الفرق بين نصرّف ونفصّل ونبيّن الآيات في قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) الأنعام) و (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) الأنعام) و (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) المائدة)؟(د.فاضل السامرائى)

التصريف هو التغيير (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) البقرة) تغييرها من جهة لأخرى، وعندنا الصرف والنحو والصرف هو النظر في التغييرات الحاصلة في أبنية الكلام. فالتصريف التغيير يأتي للمسألة الواحدة ويذكرها بصور شتى يغيّر فيها حتى يوصلها لك. مثلاً: إثبات الحياة بعد الموت، هذه مسألة، كيف يتوصل إليها؟ يتوصل لها بإحياء الأرض بعد موتها كمثال تمهيدي (إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى (39) فصلت) يعطي مشهداً تمثيلياً يذكر أمثلة، وأحياناً يستدل بالحياة الآخرة على خلق الإنسان وتطوره (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) القيامة) هذا تصريف، يعني كل مرة يأتي بشكل حتى يثبت المسألة، يصرفها أي يغيرها بصور حتى يوصلها.

التفصيل هو إما أن يكون التبيين والفصل هو الحجز بين الشيئين وهذا الأصل. أحد أمرين: تبيين بصورة واسعة وإما يأتي بأمور متعددة مختلفة هذه وهذه وهذه يصير فصلاً وهذا موجود في القرآن. مثلاً يذكر صفة أهل الطاعة وأهل الإجرام ليسا موضوعاً واحداً وإنما يذكر أموراً متعددة من الحياة، هذا تفصيل. أما موضوع الحياة بعد الموت فموضوع واحد. هناك أمور في القرآن ليست موضوعاً واحداً: يذكر التوابين والمجرمين، أهل الطاعة وغير أهل الطاعة. مثال قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) الأنعام) إنتقل من الحب والنوى إلى الإصباح ثم الشمس والقمر ثم النجوم، مواضيع أخرى ثم ينتقل يذكر أموراً كثيرة هذه تفصيل قطعاً قطعاً، يأتي بأمور كثيرة مختلفة وليست مسألة واحدة لذا يذكر التفصيل (قد فصلنا الآيات).

التبيين هو توضيح أمر واحد كما تبين الكلمة الواحدة أو تبين المسألة الواحدة. التصريف والتفصيل فيه تبيين. على سبيل المثال (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) المائدة)، نفس القضية فاستعمل نبيّن أي نوضح. التفصيل والتصريف غير التبيين مع أن كلها إيضاح

لمسات بيانيه

آية (76):

*(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا (76) المائدة) إن (ما) الموصولة تستعمل لغير العاقل ويقابلها للعاقل (من) فلِمَ قال تعالى (مَا لاَ يَمْلِكُ) باستعمال (ما) غير العاقلة ولم يقل “من لا يملك” باستعمال (من) العاقلة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)

استعمل ربنا (ما) الموصولة لغير الهاقل لأن معظم ما عُبِد من دون الله أشياء لا تعقل.

*(مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا (76) المائدة) لِمَ قدّم ربنا الضر على النفع في الآية ولم يقل طما لا يملك لكم نفعاً ولا ضراً”؟(ورتل القرآن ترتيلاً)

قدم الله الضر على النفع في الآية لأن النفوس أشد تطلعاً إلى دفعه من تطلعها إلأى جلب النفع فكان أكثر ما يدفع المشركين إلى عبادة الأصنام أن يردوا بها الأضرار عن أنفسهم.

المتشابهات

أتعبدون من دون الله

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)

المائدة

قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66)

الأنبياء

الضبط بالسياق

المتشابهات

ضبط تتابع الأيات 76 ، 77

بالجملة الإنشائية : أتعبدون من دون الله يا أهل الكتاب (عجباً لكم)

والضبط بدوران الكلمة أول كل أية من الأيتين (قل : قل يا أهل الكتاب أتعبدون من دون الله ، يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غير الحق)

الموضع الوحيد:

{قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [المائدة : 76]

( والله هو السميع العليم )وفي غيره

( والله سميع عليم )

المتشابهات

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ : 17 ، 72

لم يذكر عيسى فى كلا الموضعين لأن الأيتين تتحدثان عن جرم عظيم وعدم ذكر المسيح باسمه هنا إشارة إلى أن الله لا يحابى فى الكفر أحد وإشارة إلى غضبه (على من قالوا وليس على المسيح مع كونه لم يذكر أسمه إنما فيه من الإشعار للسامع بجرم القول الذى قالوه سواء من سمع هذا مسلم أو نصرانى يريد أن يسمع ) ولتوضيح جرم مقالتهم نجد فى الأية الأولى يقول رب العزة (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) وفى الموضع الثانى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)

ضبط ما بعد الأيات بالجملة الإنشائية أيضاً (قل قال) ما بعد الموضع الأول (قل فمن يملك من الله) وبعد الموضع الثانى (وقال المسيح)

فائده :

( وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم..)

لابد من حساب ولابد من عقاب لكل جريمة ،فالله تعالى يمهل ولكنه لا يهمل ليتوب العباد وإلا فالعقاب قائم

اعلمى أختى :

أن الله إذا أحب عبداً اصطنعه لنفسه واجتباه لمحبته

واستخلصه لنفسه فشغل همه به ولسانه بذكره وجوارحه لخدمته

تفسير مبسط للوجه 16من سورة المائده ص 121

الآية 77:

﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول للنصارى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾: يعني لا تتجاوزوا الحقَّ فيما تعتقدونه من أمر المسيح عليه السلام، ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ ﴾: يعني ولا تتبعوا أهواءكم، كما اتَّبع اليهود أهواءهم في أمر الدين، فوقعوا في الضلال، ﴿ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا ﴾ من الناس، ﴿ وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾: أي وخرجوا عن طريق الاستقامة إلى طريق الضلال.

آيه 78 :

  • ثم يخبر تعالى أنه طرد من رحمته الكافرين من بني إسرائيل، وهذا مذكورٌ في الكتاب الذي أنزله على داوود عليه السلام (وهو الزَّبور)، وفي الكتاب الذي أنزله على عيسى عليه السلام (وهو الإنجيل)، فقال: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾: أي وذلك اللعن كان بسبب عصيانهم واعتدائهم على حرمات الله،

آيه 79 :

﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾: يعني كانوا يُجاهرون بالمعاصي ويرضونها، ولا يَنْهى بعضُهم بعضًا عن أيِّ منكر فعلوه، ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾، لأنهم قد استحقوا بذلك الفعل أن يُطْرَدُوا من رحمة الله تعالى، (وفي هذا تحذيرٌ لكل مَن يفعل مِثل فِعلهم حتى لا يَلقى مصيرهم).

الآية 80

﴿ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ ﴾ أي من هؤلاء اليهود ﴿ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: يعني يتخذون المشركين نصراء لهم، ﴿ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ ﴾: يعني ساء ما عملوه من مُناصرة المشركين، لأن مناصرتهم لهم كانت سببًا في ﴿ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾

آيه 81

﴿ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ ﴾ وهو القرآن الكريم: ﴿ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾: أي ما اتخذوا الكفار أنصارًا وأحباءً، ﴿ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾: أي خارجون عن طاعة الله ورسوله.

آيه 82:

﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودُ ﴾ وذلك لِعنادهم، وتكبرهم من بعد ما تبين لهم الحق ﴿ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ مع الله غيره، كَعَبدة الأوثان وغيرهم، هم أيضاً أشد الناس عداوة للذين آمنوا بك واتبعوك، ﴿ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ﴾ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ﴾: أي علماء بدينهم زاهدين، ﴿ وَرُهْبَانًا ﴾: أي عُبَّادًا في صوامعهم، ﴿ وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾: يعني ولأنهم متواضعون لا يستكبرون عن قَبول الحق، وهؤلاء هم الذين قبلوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وآمنوا بها.

أسباب النزول

آيه82:.- قولُهُ تَعَالَى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} الْآيَاتِ

إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا}

نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِمَكَّةَ يَخَافُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَبَعَثَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَقَالَ إِنَّهُ مَلِكٌ صَالِحٌ لَا يَظْلِمُ وَلَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا، فَلَمَّا وَرَدُوا عَلَيْهِ أَكْرَمَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: تَعْرِفُونَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اقْرَءُوا. فَقَرَءُوا وَحَوْلَهُ الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ، فَكُلَّمَا قَرَءُوا آيَةً انْحَدَرَتْ دُمُوعُهُمْ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} الْآيَةَ.

– أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدُونَ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ بِكِتَابٍ مَعَهُ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ دَعَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالْمُهَاجِرِينَ مَعَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ فَجَمَعَهُمْ، ثم أمر جعفر أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَ سُورَةَ [مَرْيَمَ] عَلَيْهَا السَّلَامُ فَآمَنُوا بِالْقُرْآنِ وَفَاضَتْ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ، وَهُمُ الَّذِينَ أُنْزِلَ فِيهِمْ:{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} إِلَى قَوْلِهِ:{فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}

لمسات بيانيه

آية (77):

*ما الفرق بين الآيتين (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ (171) النساء) (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ (77) المائدة)؟

د.فاضل السامرائى :

آية النساء قوله تعالى (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ (171) النساء) في المائدة (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ(77) المائدة) لماذا قال هنا (إلا الحق) وفي الثانية (غير الحق)؟ آية النساء في القول (وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ (171)) في المائدة ليس في القول هو قال (لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) ما قال لا تقولوا، أصلاً لا يصح في المعنى أن يقول لا تغلوا في دينكم إلا الحق، لا تغلوا في دينكم إلا الحق معناه أن من الغلو يكون حقاً والغلو لا يكون حقاً، لا تغلوا في دينكم إلا الحق معناه أن قسم من الغلو فيه حق معناه استثنى، إذن معنى أن من الغلو ما هو حق والغلو قطعاً ليس حقاً والغلو معناه مجاوزة الحد. (لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) هذه صفة مؤكدة مفعول مطلق (غلواً غير الحق)، أو قد يكون حال من ضمير الفاعل لكن مغالين لكن ذاك استثناء لأنه قول منه حق ومنه باطل لكن الغلو لا يكون فيه حق، هو مجاوزة الحد فكيف يكون حقاً؟! (لا) هنا ليست أداة استثناء ولا يمكن وضع آية مكان آخرى.

ورتل القرآن ترتيلاً:

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ (77) المائدة)

انظر كيف عدل الله تعالى عن قوله (لا تغلوا في دينكم باطلاً) إلى قوله (لاَ تَغْلُواْ فِيدِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) لما في وصف (غير الحق) من تشنيع الموصوف إذ المعنى أنه مخالف للحق المعروف ومن ثم فهو مذموم لأن الحق محمود فغيره مذموم

لمسات بيانيه

آية (78):

(ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) المائدة) عبر ربنا سبحانه عن عصيان بني إسرائيل بالفعل (عَصَوا) وهو ماض لنعلم أن العصيان قد وقع منهم وتقرر ذلك. بينما عبر عن الاعتداء بالفعل (يَعْتَدُونَ) وهو مضارع فلم يقل (بما عصوا واعتدوا) ليستقر في ذهنك أن الاعتداء منهم مستمر فقد اعتدوا على محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب ومحاولة الفتك والكيد وما زال هذا شأنهم.

لمسات بيانيه

آية (79):

(كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79) المائدة) أطلق الله سبحانه على ترك التناهي لفظ الفعل في قوله (لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)ذلك لأن ترك السكوت عن المنكر لا يخلو من إظهار الرضا به والمشاركة فيه وهو فعل كما جاء في الآية.

لمسات بيانيه

آية (82):

* (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا (82) المائدة) لم خص الله القسيسن والرهبان بالذكر بينهم؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)

قسيسين جمع قسيس وهو عالم دين النصرانية وهي بلغة الروم كذلك. والرهبان جمع راهب وهو من انقطع في دير أو صومعة للعبادة ولكن لم خص الله القسيسن والرهبان بالذكر بينهم؟لأنه معروف عند العرب حسن أخلاق القسيسين والرهبان وتواضعهم وتسامحهم وكانوا منتشرين في أماكن عدة من جزيرة العرب ولا شك أن وجود الصنفين بين النصارى سيكون سبباً لإصلاح أخلاق أهل ملّتهم.

المتشابهات

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِم ْوَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)المائده

وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)المائده

إرتباط الذنوب بالناس

المتشابهات

تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُم خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)

تتابع ( كثيرا منهم)

في آيه 80، 81

المتشابهات

لبئس ما كانوا (يعملون ، يصنعون ، يفعلون)

وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)

كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(79)

كلمة العدوان تضبط يعملون (وجود حرف العين) ،

(والفاء) بين فعلوه ويفعلون

وبضبط موضع يُضبط الأخر

المتشابهات

77 – (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ… ).

تشبه:

النساء – 171 (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوافِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُواعَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ

دروس مستفادة

ومن غلو أهل الكتاب الحرية المطلقة في السلوك والعلاقات والأخلاق ،فأفسدوا المجتمعات ،حتى أنهم يدخلون في حريات الأخرين ويفسدون مقدساتهم قال تعالى:( قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق)

أوجب الله على كل مؤمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب إستطاعته حتى لا يضيع المعروف ويشيع المنكرفيعم الخراب وتحل اللعنه والعذاب كما حدث للذين كفروا من بني إسرائيل قال تعالى ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)..

تفسير مبسط للوجه17 من سورة المائده ص 122

أسباب النزول

– قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [87]:

– قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَذَكَّرَ النَّاسَ وَوَصَفَ الْقِيَامَةَ وَلَمْ يَزِدْهُمْ عَلَى التَّخْوِيفِ؛ فَرَقَّ النَّاسُ وَبَكَوْا، فَاجْتَمَعَ عَشَرَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي بَيْتِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيِّ وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَمَعْقِلُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَصُومُوا النَّهَارَ، وَيَقُومُوا اللَّيْلَ، وَلَا يَنَامُوا عَلَى الْفُرُشِ، وَلَا يَأْكُلُوا اللَّحْمَ وَلَا الْوَدَكَ وَلَا يَقْرَبُوا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، وَيَلْبَسُوا الْمُسُوحَ وَيَرْفُضُوا الدُّنْيَا وَيَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ وَيَتَرَهَّبُوا، وَيَجُبُّوا الْمَذَاكِيرَ؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَمَعَهُمْ فَقَالَ:«أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكُمُ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَذَا وَكَذَا؟» فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ، فَقَالَ لَهُمْ:«إِنِّي لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ، إِنَّ لِأَنْفُسِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَقُومُوا وَنَامُوا، فَإِنِّي أَقُومُ وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَآكُلُ اللَّحْمَ وَالدَّسَمَ، وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ وَخَطَبَهُمْ فَقَالَ:«مَا بَالُ أَقْوَامٍ حَرَّمُوا النِّسَاءَ وَالطَّعَامَ وَالطِّيبَ وَالنَّوْمَ وَشَهَوَاتِ الدُّنْيَا، أَمَا إِنِّي لَسْتُ آمُرُكُمْ أَنْ تَكُونُوا قِسِّيسِينَ وَلَا رُهْبَانًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي دِينِي تَرْكُ اللَّحْمِ وَالنِّسَاءِ وَلَا اتِّخَاذُ الصَّوَامِعِ، وَإِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الصَّوْمُ وَرَهْبَانِيَّتَهَا الْجِهَادُ، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَأُولَئِكَ بَقَايَاهُمْ فِي الدِّيَارَاتِ وَالصَّوَامِعِ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَيْمَانِنَا الَّتِي حَلَفْنَا عَلَيْهَا، وَكَانُوا حَلَفُوا عَلَى مَا عَلَيْهِ اتَّفَقُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} الْآيَةَ.

الآيه 83 :وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ﴾ – والمقصود بهم وفد الحبشة (النجاشي وأصحابه) لَمَّا سمعوا القرآن -: ﴿ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ﴾ ﴿ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ﴾: يعني وذلك البكاء لأنهم أيقنوا بأن هذا القرآنَ حقٌّ من عند الله تعالى، فآمَنوا به واتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم.

  • وهم يتضرعون إلى الله تعالى أن يحشرهم مع أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، فـ ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ الذين يشهدون على باقي الأمم يوم القيامة،

الآيه 84 :وقالوا: ﴿ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ ﴾: يعني وأيُّ لوم علينا في أن نؤمن ﴿ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ ﴾ الذي جاءنا به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، ﴿ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ﴾ في جنته يوم القيامة؟

الآية 85: ﴿ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا ﴾: أي فجَزاهم الله بما قالوا – من الاعتزاز بإيمانهم بالإسلام، وطلبهم أن يكونوا مع القوم الصالحين -: ﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ ﴿ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾: يعني وذلك جزاء إحسانهم في القول والعمل.

الآية 86: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: يعني وأما الذين جحدوا وحدانية الله تعالى، وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾.

الآية 87: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ من المطاعم والمشارب ونكاح النساء، فتُضَيِّقوا ما وَسَّع اللهُ عليكم، ﴿ وَلَا تَعْتَدُوا ﴾: أي ولا تتجاوزوا حدود ما حرَّم الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾.

الآية 89: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ﴾: أي لا يعاقبكم الله بسبب أيمانِكُم التي تحلفونها بغير قصد، وذلك بأنْ تذكروا لفظ الجَلالة بصيغةِ القَسَم (وَاللهِ)، ولكنْ – ليسَ في نِيَّتِكم – عَقد اليَمين، مِثل قول بعضكم: لا والله، وبلى والله (وليس في نيتكم الحلف)، ﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ﴾: يعني ولكن يعاقبكم بسبب ما قصدتم عَقْدَهُ بقلوبكم من الأيمان ولم تَفُوا به، فإذا لم تَفُوا باليمين فإثم ذلك يمحوه الله بما شرعه لكم من الكفارة، وهي: ﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ﴾ – وَجبة مُشبِعة – ﴿ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾: أي مِن أوْسَطِ طعام ِبَيتِكم، أو من أوسط طعام أهل البلد، ﴿ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ﴾: يعني أو أن تكسوا هؤلاء المساكين بحيث يُعطَى كل مسكين ما يَكفيه في الكِسوة عُرفًا، (سواء كانَ الكِساء قديماً أو جديداً، المُهمّ أن يكون يَصلح – لهم – للارتداء)، ﴿ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾: يعني أو أن تعتقوا عبداً أو جارية من الأسر، ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ﴾: أي فمَن لم يستطعْ إطعامَ المساكين أو كِسوَتهم – بسبب فقرهِ مثلاً -، وكذلك لم يَجدْ عبدأ يعتقه:﴿ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ﴾ ﴿ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾: أي تلك مُكَفِّرات عدم الوفاء بأيمانكم، ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ وذلك باجتناب الحلف، أو بالوفاء به إذا حلفتم، أو بالكفارة إذا لم تفوا بالحلف، ﴿ كَذَلِكَ ﴾: يعني وكما بيَّن الله لكم حُكم الأيْمان والتحلل منها: ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ ﴾ أي أحكام دينه ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ربكم على هدايته لكم إلى الطريق المستقيم

لمسات بيانيه

آيه 83 :(تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) المعنى اللفظي لهذه الآية هو يفيض منها الدمع لأن حقيقة الفيض أن يتجاوز السائل حاويه فيسيل خارجاً عنه فتقول فاض الماء كما تقول فاض الدمع ولكن قد يسند الفيض إلى الظرف أو المكان الذي يجري فيه السائل فتقول مثلاً فاض الوادي وتريد فاض ماء الوادي وعلى هذا النمط نسجت الآية فقلب العبارة من (فاض الدمع من العين) إلى قوله (أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) للمبالغة في ذرف الدموع.

لمسات بيانيه

آية (89):

*ورتل القرآن ترتيلاً:

قال تعالى(وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ (89) المائدة) (عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ)قرأ الجمهور بتشديد القاف (عَقَّدتُّمُ) وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف بتخفيف القاف(عقدتم)فأما(عَقَّدتُّمُ) بالتشديد فتفيد المبالغةفي فعل عقد وأماقراءة التخفيف فلأن معنى العقد كافٍ في إفادة التثبيت.

لمسات بيانيه

*ما الفرق بين إطعام (..فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ..) (89) المائدة ،وطعام (..أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ..) (95) المائدة )؟(د.حسام النعيمى)

يقول تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) المائدة )

و (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُم وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو

عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (95) (المائدة)

ينبغي أن نفهم أن الآية 89 تتعلق بكفارة اليمين والآية 95 تتعلق بعقوبة قتل الصيد للمُحرِم فالموضوع مختلف. هذه كفارة يمين الإنسان إذا أقسم يميناً وأراد أن يتحلل منها فهناك كفارة ينبغي أن يفعلها. هذه الكفارة واضحة المعالم ولذلك فصّل قال: (فكفارته) أي كفارة اليمين فذكر الهاء . وقال (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) لأن الإنسان هو سيقرر ذلك. أنا أقرر هذا : ماذا سأُطعم أهلي؟ أُطعم عشرة مساكين من أوسط ما أُطعم أهلي هذا يعود لي ولذلك قال (إطعام) أن تقوم أنت بهذه العملية: أن تُطعم.

الآية الأخرى التي تتعلق بعقوبة قاتل الصيد أثناء الحرم لم يوكله للشخص وإنما أوكله إلى اثنين (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم) وهما يقرران ولذلك لا يستطيع أن يقول إطعام عشرة مساكين أو خمسة مساكين، وهذا أيضاً يرتبط بنوع الصيد المقتول يعني إذا قتل أرنباً غير ما إذا قتل غزالاً مثلاً فالرجلان هذان يقوّمان ويبيّنان قيمة الصيد يقومان الصيد وعند ذلك يشتريان طعاماً. هو العلاقة طعام وليس الإطعام مباشرة ولذلك قال طعام وقال كفارة ولم يقل كفارته لأنه ليس في موضع التفصيل للشخص نفسه..

ولاحظ الآيات (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(89) الإنسان هو يقوم به

بينما هناك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُم وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (95) فجزاء لم يقل جزاؤه وتركها مطلقة. هما يقوّمان هذا قيمته كذا إذن نشتري طعاماً. الكلام ليس على الإطعام ولكن على شراء الطعام ولذلك قال (أو كفارة) لما نكّر (جزاء) نكّر (كفارة). (طعام مساكين) لم يحدد العدد لا يستطيع أن يحدد العدد. الله تعالى أطلقها لأنها مرتبطة بنوع الصيد وبذوي العدل سيقرران ثمن الصيد نشتري طعاماً بكذا ونوزعه على المساكين أو عدل ذلك صياماً يقدران هذا الصيد لو أطعمنا مساكين كم مسكيناً نطعم؟ كذا مسكيناً إذن نصوم كذا يوم. ترك الأمر ليس له وإنما لغيره وفي الآية الأخرى الأمر له وهذا هو الفارق حقيقة.

المتشابهات

تتابع الأيات 89 ، 90

اللغو فى الإيمان قد يكون من أسبابه الخمر والميسر

المتشابهات

وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)

المائدة

وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)

الأنعام

فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)

النحل

الضبط بالسياق

المتشابهات

انفردت سورة المائدة بقوله تعالى ” فضلا من ربهم “

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [ المائدة الآية 2]

وفي البقرة والإسراء ” فضلا من ربكم “

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [ البقرة الآية 198]

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُم ْوَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [ الإسراء الآية 12]

وانفردت الدخان ” فضلا من ربك “

فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ الدخان الآية 57]

فمن ” البقرة حتى الدخان ” يأتي الفضل من الرب سبحانه

ومن “الفتح” يأتي الفضل من الله جل وعلا

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [ الفتح الآية 29]

فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ الحجرات الآية 8]

لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ الحشر الآية 8]

دروس مستفادة

النهي عن الغلو في الدين، وأن نكلف من العمل مانستطيع..

يقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين* وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون} المائدة [ 87-88]

والغلو: هو الإفراط وتجاوز الحد فى الأمر , ويكون فى الدين والعبادات

الغلو فى الدين : تجاوز حد الوحى المنزل إلى ما تهوى الأنفس، فيما يتصل بالعقائد .. كجعل الأنبياء والصالحين أرباباً

ينفعون ويضرون، واتخاذهم لأجل ذلك آلهة يعبدون، فيدعون من دون الله تعالى أو مع الله تعالى، سواء أطلق عليهم لقب الرب أم لا

الغلو فى العبادات: تجاوز حد الوحى المنزل الى ما تهوى الأنفس فيما يتصل بالتشريع.. كتشريع عبادات لم يأذن بها الله، أو تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، حتى ولو كان ذلك على سبيل المبالغة فى التعبد والطاعة

وقد ضربت الآية الكريمة مثلاً لهذا الغلو والتشدد، بتحريم الطيبات وترك التمتع بها والإعتداء على حق الله تعالى فى التشريع

وكذلك الإعتداء على دين الله تعالى بإضافة ما ليس منه له، أو تنقيص شىء منه، أو إبداله بغيره

وكل ذلك وغيره من صور الغلو: محرمة على المؤمنين

من نعم الله على العباد أن جعل الكفارات لبعض المعاصي تعود على فقراء المسلمين بالخير ، وفيهامخرج للمسلمين للتحلل من أيمانهم

تفسير مبسط للوجه18 من سورة المائده ص 123

الآية 90: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ ﴾ وهو كل مُسكِرٍ غَطَّى العقلَ وأذهَبَهُ (مشروبًا كانَ أو مَأكولاً، أو تَمَّ إدخالهُ للجسَد بأي وَسِيلة)، ﴿ وَالْمَيْسِرُ ﴾ وهو القمار (وذلك يشمل المراهنات ونحوها، مما فيه عِوَض من الجانبين)، ﴿ وَالْأَنْصَابُ ﴾ وهي الأصنام والأحجار المنصوبة، التي تمثل إلهاً أو غير ذلك مما يُعبَد من دون الله تعالى، والتي كان المشركون يذبحون عندها تعظيمًا لها، ﴿ وَالْأَزْلَامُ ﴾ وهي القِداح التي كانَ يستخدمها الكفار ليَطلبوا معرفة ما يُقسَم لهم قبل الإقدام على فِعل الشيء، وقد تقدم تفصيل ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ﴾ في الربع الأول من سورة المائدة، فراجِعْه إن شئت.

  • إنَّ كل ما سبق هو ﴿ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾: أي إثمٌ مِن تزيين الشيطان لكم، ﴿ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾: يعني لعلكم تفوزون بالجنة.

الآية 91: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ ﴾ بما يُزينه لكم من الآثام ﴿ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ﴾ ﴿ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾: أي بسبب شُرب الخمر ولَعِبِ القمار، ﴿ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ﴾: يعني ويريد أن يصرفكم عن ذكر الله وعن الصلاة (بغياب العقل في شرب الخمر، والاشتغال باللهو في لعب الميسر)، ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾: أي فانتهوا عن ذلك.

الآية 92: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ ﴿ وَاحْذَرُوا ﴾ المعصية وسوء عاقبتها، ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ ﴾: أي فإن أعرضتم عن الامتثال للأوامر والنواهي: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾: أي فاعلموا أن الرسول لن يضره إعراضكم، إذ ما عليه إلا البلاغ المبين وقد بلّغ، وما تضرون بذلك إلا أنفسكم.

الآية 93: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ﴾: أي ليس على المؤمنين الذين شربوا الخمر قبل تحريمها إثمٌ في ذلك، هذا ﴿ إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾: يعني إذا تركوها واتقوا سخط الله وآمنوا به، وقدَّموا الأعمال الصالحة التي تدل على إيمانهم ورغبتهم في رضوان الله تعالى عنهم، ﴿ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا ﴾: يعني ثم ازدادوا مراقبةً لله عز وجل وإيماناً به، حتى أصبحوا – مِن يقينهم – يعبدونه وكأنهم يرونه، ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ الذين بلغوا درجة الإحسان، فأصبح إيمانهم بالغيب كالمشاهدة.

الآية 94: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ ﴾: أي لَيَختبرنَّكم ﴿ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ ﴾ يقترب منكم على غير المعتاد بحيثُ ﴿ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ﴾: يعني تستطيعون صَيد صغاره بغير سلاح، وصَيد كباره بالسلاح، وذلك الاختبار ﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ ﴾ عِلمًا ظاهرًا للخلق ﴿ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ﴾ لِتَيَقنه بأن الله تعالى يراه، فيُمسِك عن الصيد وهو مُحْرِم، لأنه يخاف أن يراه الله على معصية، ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾: يعني فمن تجاوز الحَدَّ بعد هذا البيان، فأقدَمَ على الصيد – وهو مُحْرِم – فإنه يستحق العذاب الشديد.

الآية 95: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾: أي لا تقتلوا صيد البر، وأنتم مُحرمون بحجٍ أو عمرة، أو كنتم داخل الحرم، ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾: يعني فجزاءُ هذا المُحرم – الذي صادَ حيواناً ما – أن يَذبح حيواناً من الأنعاَم (أي من الإبل أو البقر أو الغنم) مقابل الذي صاده، بحيثُ يُشبِهُ الحيوان الذي صادَهُ في الصورة والخِلقة، وذلك بعد أن ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾: يعني وذلك بعد أن يُقَدِّر ذلك الصيد – بما يشبهه من الأنعام – اثنان مِن ذَوِي العَدْل (أي مَشهود لهما بالعدل)، واعلم أنّ ما حَكَمَ فيه الصحابة والتابعون في جزاء الصيد وما يشبهه من الأنعام: وَجَبَ الرجوع إليه، لأنهم مِن ذَوي العدل، فوجَبَ الرجوع إلى حُكْمهم.

وإليكَ الآن بيانٌ لبعض ما حَكَم به الصحابة والتابعون رضي الله عنهم في الحيوانات البرية وما يشبهها من الأنعام:

المُشابه للنعامة في الأنعام: البَدَنَة (يعني الجمل سواء كانَ ذكَراً أو أنثي)، وفي حِمار الوحش وثور الوحش وشاة الوحش (وتسمي الأروية): البقرة، وفي الغزال والظبْي والوَعْل (وهو التيس الجبلي): العَنزة (وهي أنثى الجدْي)، وفي الضَبّ واليَربُوع والأرنب: الجدْي.

﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾: يعني يهدي هذا الحيوان – المُشابه للصيد من الأنعام – إلى الحرم بحيث يذبحه في الحرم ويوزعه على فقراء الحرم، ﴿ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ﴾: يعني أو أن يشتري بقيمة هذا الحيوان: طعامًا يهديه لفقراء الحرم، بحيث يعطي لكل مسكين منهم وجبة مشبعة، وقد اختلف العلماء في عدد المساكين الذين يجب إطعامهم، هذا، وقد رأى بعض أهل العلم أن يُقَدِّر ثمن هذا الصيد – الذي صاده – بالمال، ويشتري بثمنه طعاماً، ثم يُطعِم كل مسكين مقدار صَاع مِن هذا الطعام، (والصَاع هو ما يُقَدّر بـ 2.5 كيلو جرام تقريباً).

﴿ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ﴾: يعني أو يصوم عدداً من الأيام بعدد الناس الذين يُشبعُهُم هذا الصيد الذي صاده، وقد فَرَضَ الله عليه هذا الجزاء ﴿ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾: يعني ليشعر بعاقبة فِعْله، وثِقَل جزاء ذنبه ﴿ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ﴾: أي عفا الله عمن وقعوا في شيء من ذلك قبل التحريم، ﴿ وَمَنْ عَادَ ﴾ إلى المخالفة متعمدًا بعد التحريم: ﴿ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ﴾: أي فإنه مُعَرَّض لانتقام الله منه، ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾: أي والله تعالى قاهِرٌ لِكُلِ شيءٍ، صاحبُ السُلطان العظيم، الذي خضعتْ له جميعُ الأشياء، ومِن عزته سبحانه أنه ينتقم ممن عصاه إذا أراد، لا يمنعه من ذلك مانع.

واعلم أنّ قاتِل الصيد مُخَيَّرٌ بين واحدٍ من ثلاثة: (ذبح الهَدْي أو إطعام المساكين أو الصيام)؛ هذا إذا كانَ للصيد (مِثل) أو مُشابه مِن الأنعام، وأما إذا لم يكن له (مِثل) فهو مُخَيَّرٌ بين الإطعام والصيام.

أسباب النزول

قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ} الْآيَةَ [90]:

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُطَّوِّعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ أَبُو مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَقَالُوا: تعال نطعمك ونسقيك خَمْرًا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ الْخَمْرُ، فَأَتَيْتُهُمْ فِي حُشٍّ، َالْحُشُّ: الْبُسْتَانُ، وَإِذَا رَأْسُ جَزُورٍ مَشْوِيٌّ عِنْدَهُمْ وَدَنٌّ مِنْ خَمْرٍ، فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ مَعَهُمْ، وَذَكَرْتُ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لِحْيَيِ الرَّأْسِ فَضَرَبَنِي بِهِ، فَجَذَعَ أَنْفِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيَّ- يَعْنِي نَفْسَهُ- شَأْنَ الْخَمْرِ{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الْآيَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ.

أسباب النزول

حدثنا هناد بن السريّ، قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر: اللهمّ بيِّنْ لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال: فنـزلت الآية التي في” البقرة “: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ، [سورة البقرة: 219]. قال: فدُعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! فنـزلت الآية التي في” النساء “: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [سورة النساء: 43]. قال: وكان مُنَادِي النبي صلى الله عليه وسلم يُنادي إذا حضرت الصلاة: لا يقربنّ الصلاة السكران! قال: فدُعِي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال: فنـزلت الآية التي في” المائدة “: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ إلى قوله: ” فهل أنتم منتهون “. فلما انتهى إلى قوله: ” فهل أنتم منتهون ” قال عمر: انتهينا انتهينا

أسباب النزول

(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة المائدة : 93]

لما نزل تحريم الخمر والنهي الأكيد والتشديد فيه، تمنى أناس من المؤمنين أن يعلموا حال إخوانهم الذين ماتوا على الإسلام قبل تحريم الخمر وهم يشربونها. فأنزل الله هذه الآية، وأخبر تعالى أنه { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ } أي: حرج وإثم { فِيمَا طَعِمُوا } من الخمر والميسر قبل تحريمهما

لمسات بيانيه

آية (92):

*لماذا يرد في القرآن أحياناً أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحياناً أخرى يرد وأطيعوا الله والرسول؟(د.فاضل السامرائى)

في القرآن قاعدة عامة وهي أنه إذا لم يتكرر لفظ الطاعة فالسياق يكون لله وحده في آيات السورة ولم يجري ذكر الرسول r في السياق أو أي إشارة إليه كما جاء في سورة آل عمران (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {132}).

والأمر الآخر أنه إذا لم تكرر لفظ الطاعة فيكون قطعياً قد ذُكر فيه الرسول في السياق كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} النساء) و(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ {92} المائدة) و(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {1}و يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ {20} الأنفال) و (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} النور) و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {33} محمد) و(أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {13} المجادلة) و(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ

لمسات بيانيه

آية (93):

* ما الفرق بين لا جناح عليكم وليس عليكم جناح؟(د.فاضل السامرائى)

(لا جناح عليكم) جملة إسمية، (لا) النافية للجنس وجناح إسمها، وإسمها وخبرها جار ومجرور (عليكم).

ليس عليكم جناح جملة فعلية (ليس فعل ماضي ناقص من أخوات كان) وقاعدة عامة الجملة الإسمية أقوى من الفعلية لأنها دالة على الثبوت الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد والوصف بالإسم أقوى وأدوم من الوصف بالفعل. إذن لا جناح عليك أقوى بالإضافة إلى أن لا جناح عليكم مؤكدة. (لا رجل) فيها توكيد وجملة إسمية فستكون أقوى. (لا) أقوى في النفي من (ليس) والنفي درجات. اللغة العربية سهلة ولكنها واسعة تعبر عن أمور كثيرة لا يمكن للغات أخرى أن تعبر عنها (كيف تعبر بالانجليزية بين لن يذهب ولم يذهب ولما يذهب وليس يذهب، لا رجل حاضراً، ليس رجل حاضراً، ما رجل حاضراً) أدوات النفي لها دلالاتها.

نضرب أمثلة حتى نرى كيف يقول ليس عليكم جناح ولا جناح عليكم (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ لاَ جُنَاحَ لاَ جُنَاحَ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء (236) البقرة) تنظيم الأسرة. بينما (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ (93) المائدة) طعام هذا أكل لا يتعلق في العبادة، (لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ (29) النور) هذه ليست في العبادة (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا (61) النور) ليست في العبادة. حتى لو الدلالة واحدة وهي النفي لا بد أن يغاير بين الأدوات الموجودة العربي كان يفهم هذا الكلام وأكثر من هذا وكانوا يتكلمون بها لكنهم لا يضعوها في مكانها في كلامهم يأتوا بجمل لكن لا يمكن أن يرتبوا كلاماً بمستوى القرآن لذلك هم قالوا أي كلام بمقدار أقصر سورة في القرآن (الكوثر) هو مُعجِز لأنه كيف يجمع كل هذه الأمور وهذا الحشد البياني الهائل في هذا؟!

لمسات بيانيه

آية (94) المائدة (يا أيها الذين آمنوا ….) توعد من اعتدى بالعذاب الأليم ، ثم جاء الوعيد بالعقوبة لمن اعتدى بقتل الصيد في الحرم وهذا يدل دلالة واضحة بعظم مكانة الحرم وبعظم امتثال الأمر

المتشابهات

وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول

المائدة 92 ، التغابن 12

زيادة وأحذروا فى السورة الأطول

تتابع أية المائدة وما بعدها : (أحذروا ، جناح) حرف الحاء

وتتابع السياق والتكرار خير ضابط

المتشابهات

المائدة – 92 ( وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ).

تشبه

النساء – 59 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ…..).

النور – 54 ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ).

محمد – 33 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).

التغابن – 12 ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ).

ملاحظة

( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فقط في هذه المواضع الخمسة ،

وفي غيرها جاءت ( أطيعوا الله والرسول) أو ( أطيعوا الله ورسوله).

ويلاحظ أن زيادة قوله ( وَاحْذَرُواْ) و ( فَاعْلَمُواْ) وردت فقط في آية المائدة.

دروس مستفادة

1-لعن رسول الله صل الله عليه وسلم بالخمر عشرا : عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة اليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها ،والمشتري له والمشتراه له ،،رواه الترمذي

2- الأزلام نوع من الكهانة وهو كشف للغيب الذي لا يعلمه إلا الله ،وقد نهى رسول الله صل الله عليه وسلم ،فقال : من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صل الله عليه وسلم ،،،رواه أحمد

3- ذهبت الأنصاب وحل محلها ما نواه الذابح ،فإن كان نواه لله حل أكله، وإن كان غير ذلك فقد حرم

4- المحرم محكوم بضوابط الإحرام ،ومنها ألا يصطاد وهو محرم

5-التعليل للنهي عن الخمر والميسر والانصاب والازلام كان: (لعلكم تفلحون) والفقره التي نهت عن قتل الصيد تنتهي بقوله (فاتقوا الله ياأولي الألباب لعلكم تفلحون) آيه100

فالآيات تدلنا على طريق الفلاح الذي هو ضد الخسران (فمن خالف خسر).

تفسير مبسط للوجه19 من سورة المائده ص124

الآية 97: ﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ﴾: أي جعله صلاحًا لدينهم، وأمنًا لحياتهم، فبِالحَجِّ إليه يكتمل إسلامهم، وبه تحط أوزارهم، وتتضاعف حسناتهم، ويجتمع فيه جميع أجناس المسلمين من كل فج عميق، فيتعارفون ويستعين بعضهم ببعض، وتنعقد بينهم الروابط في مصالحهم الدينية والدنيوية، ﴿ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ ﴾: يعني وحَرَّم تعالى العدوان والقتال في الأشهر الحرم (وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب)، ﴿ وَالْهَدْيَ ﴾: أي وحرَّم تعالى الاعتداء على ما يُهدَى إلى الحَرم من بهيمة الأنعام، ﴿ وَالْقَلَائِدَ ﴾: يعني وحرَّم كذلك الاعتداء على القلائد، وهي ضفائر من صوف أو وَبَر، كانوا يضعونها في رقاب الهَدي لتكون علامةً على أن الرجل آتٍ من الحرم أو ذاهبٌ إليه، فهذه الأربعة: (البيت الحرام والشهر الحرام والهدى والقلائد) كانت تقوم مقام السلطان بين العرب، فتحقق بذلك الأمن والرخاء في ديارهم (وخاصة سكان الحرم من قبائل قريش)، فهذا من تدبير الله تعالى لعباده، وهو دليلٌ على عِلمه وحكمته، ولهذا قال بعدها: ﴿ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾، ومِن ذلك ما شَرَعه لحماية خلقه بعضهم من بعض، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ فلا تخفى عليه خافية.

لآية 96: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ ﴾ أيها المسلمون في حال إحرامكم: ﴿ صَيْدُ الْبَحْرِ ﴾ وهو ما يُصادُ حيًّا من البحر، ﴿ وَطَعَامُهُ ﴾ وهو ما يخرج من البحر ميتاً فإنه حلالٌ لكم أيضاً وأنتم محرمون، وذلك ﴿ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ﴾: يعني وذلك من أجل انتفاعكم به مقيمين أو مسافرين، ﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾ ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾.

الآية 100: ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي ﴾: أي لا يتساوي ﴿ الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ﴾، فالكافر لا يتساوي مع المؤمن، والعاصي لا يتساوي مع المطيع، والجاهل لا يتساوي مع العالم، والمبتدع لا يتساوي مع المُتبع، والمال الحرام لا يتساوي مع الحلال، حتى ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكَ ﴾ أيها الإنسان ﴿ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ﴾ وعدد أهله، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾: يعني فاتقوا الله يا أصحاب العقول الراجحة باجتناب الخبائث، وفِعل الطيبات ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ بالحصول على هدفكم الأعظم، وهو رضا الله تعالى والفوز بالجنة.

الآية 98، والآية99:

﴿ اعْلَمُوا ﴾ أيها الناس ﴿ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ لِمن عصاه ولم يتب ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ لمن تاب ورجع إليه، واعلموا أنَّ ﴿ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ﴾ وقد بلَّغ كما أُمِر وقام بوظيفته، وبقِيَ الأمر إليكم: فإن رجعتم إلى ربكم وأطعتموه فإنه يغفر لكم ويرحمكم، وإن أعرضتم وعصيتم فإنه يعاقبكم عليه.

  • وقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾، فيه وعدٌ ووعيد، لأنَّ عِلمه تعالى بالظواهر والبواطن يترتب عليه الجزاء، أي إنه تعالى سيُجازيكم بما يعلمه منكم.

الآية 101: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ ﴾ مِن أمور الدين لم تؤمَروا فيها بشيء، كالسؤال عن الأمور التي يترتب عليها تشديدات في الشرع، وغير ذلك.

سبب النزول:

واعلم أن سبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحُجُّوا)، فقال رجل: (أفِي كل عام يا رسول الله؟)، فسكت، حتى قالها الرجل ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا، ولو قلتُ نعم: لوجبتْ، ولو وجبتْ: لما استطعتم)، ثم قال: (ذروني ما تركتكم) فنزلتْ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾: أي ولو كُلِّفتموها لَشقَّتْ عليكم، ﴿ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ ﴾: يعني وإن تسألوا عنها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحين نزول القرآن عليه تُبيَّن لكم، وقد تُكلَّفونها فتعجزون عنها، ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ﴾: أي سكت الله عنها (وكل ما سكت الله عنه فهو مما أباحه وعفا عنه)، وكذلك عفا الله عنكم فلم يؤاخذكم بما سألتم، ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾ لعباده إذا تابوا، ﴿ حَلِيمٌ ﴾ عليهم فلا يعاجلهم بالعقوبة.

آيه102• ثم يخبر تعالى عباده المؤمنين بأنَّ مِثل تلك الأسئلة ﴿ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ لرسلَهم، ﴿ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ﴾: يعني فلما أُمِروا بها جحدوها، ولم يُنَفذوها، فاحذروا أن تكونوا مثلهم.

الآية 103: ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ﴾: يعني ما شرع الله للمشركين ما ابتدعوه في بهيمة الأنعام مِن تَرْك الانتفاع ببعضها وجَعْلها للأصنام، وهي: (البَحيرة: وهي الناقة إذا ولدتْ خمسة صغار (وكان الخامس ذكراً)، فيَشقون أذنها ثم يُحرمون ركوبها، والسائبة: وهي الناقة التي تُترَك وتُنذَر للأصنام، فلا تُركَب ولا يُحمَل عليها ولا تؤكل، والوصيلة: وهي الناقة التي تكون أول ولادتها أنثى، أو التي تتصل ولادتها بأنثى بعد أنثى، فلا يذبحوها، والحامي: وهو الذكر من الإبل إذا وُلد مِن صُلبه عددٌ من الإبل، فيَمنعون ظهره من الركوب والحَمل).

﴿ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾: يعني ولكنّ الكفار نسبوا ذلك إلى الله تعالى افتراءً عليه، ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾: أي لا يميزون الحق من الباطل.

سبب النزول

قَوْلُهُ تَعَالَى:{قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} الْآيَةَ [100]:

أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذْيَاخِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ البيّع قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمُؤَدِّبُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الضُّرَيْسِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«إِنَّ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَشُرْبَ الْخَمْرِ وَالطَّعْنَ فِي الْأَنْسَابِ، أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ لُعِنَ شَارِبُهَا وَعَاصِرُهَا وَسَاقِيهَا وَبَائِعُهَا وَآكِلُ ثَمَنِهَا»، فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ رَجُلًا كَانَتْ هَذِهِ تِجَارَتِي، فَاعْتَقَبْتُ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ مَالًا فَهَلْ يَنْفَعُنِي ذَلِكَ الْمَالُ إِنْ عَمِلْتُ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«إِنْ أَنْفَقْتَهُ فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ أَوْ صَدَقَةٍ لَمْ يَعْدِلْ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الطِّيِّبَ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-{قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} فَالْخَبِيثُ: الْحَرَامُ.

أسباب النزول

– قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الْآيَةَ [101]:

أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْمُزَكِّي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جُوَيْرِيَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتِهْزَاءً، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَاتِ كُلِّهَا.

– أَخْبَرَنَا أبو سعيد النَّصْرُوِييّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ وَرْدَانَ الْأَسَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالُوا: أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ:«لَا، وَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ»، فَأَنْزَلَ الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}

المتشابهات

المائدة – 97 ( ….. ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

تشبه:

آل عمران – 29 ( وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ).

الحج – 70 ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)

العنكبوت – 52 ( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).

الحجرات – 16 ( قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

التغابن – 4 ( يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).

ملاحظة:

( يعلم ما في السماوات و الأرض) وردت فقط في العنكبوت و التغابن.

لمسات بيانيه

آية (103):

* ما دلالة تنكير الكذب أو تعريفه؟(د.فاضل السامرائى)

المعرفة ما دلّ على شيء معين. الكذب يقصد شيئاً معيناً بأمر معين (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) يونس) هنالك أمر في السياق يقصده فذكر الكذب، فلما يقول الكذب فهو كذب عن أمر معين بالذات مذكور في السياق.(مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (103) المائدة) إذن هذا الكذب معرّف لأنه في مسألة معينة، يتعلق بهذه الذبائح، هذا التعريف. أما عندما يقول كذب فيشمل كل كذب (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (93) الأنعام) ليس هنالك مسألة معينة ذكرها فهذه عامة.

المتشابهات

المائده96:(……واتقوا الله الذي إليه تحشرون)

تشبه:

البقره203:(واتقوا واعلموا أنكم إليه تحشرون )

تدبر

(قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث..)

معيار الحكم على الأشياء لم يكن أبدا في القرآن مرتبطا بالكم أو الكثره. .

(فاتقوا الله ياأولي الألباب ) المائده 100

فلا فلاح إلا بتقوى ، ولا تقوى إلا باتباع كتاب الله في كل الأحوال..

تفسير مبسط للوجه 20 من سورة المائده ص125

آيه ( 104 ) وإذا قيل لهؤلاء الكفار المحرِّمين ما أحل اللّه: تعالوا إلى تنزيل اللّه وإلى رسوله ليتبين لكم الحلال والحرام، قالوا: يكفينا ما ورثناه عن آبائنا من قول وعمل، أيقولون ذلك ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا أي: لا يفهمون حقًّا ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه؟ فكيف يتبعونهم، والحالة هذه؟ فإنه لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم وأضل سبيلا.

آيه ( 105 ) يا أيها الذين صدَّقوا اللّه ورسوله وعملوا بشرعه ألزموا أنفسكم بالعمل بطاعة اللّه واجتناب معصيته، وداوموا على ذلك وإن لم يستجب الناس لكم، فإذا فعلتم ذلك فلا يضركم ضلال مَن ضلَّ إذا لزمتم طريق الاستقامة، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، إلى اللّه مرجعكم جميعًا في الآخرة، فيخبركم بأعمالكم، ويجازيكم عليها.

آيه( 106 ) يا أيها الذين صدَّقوا اللّه ورسوله وعملوا بشرعه إذا قرب الموت من أحدكم، فلْيُشْهِد على وصيته اثنين أمينين من المسلمين أو آخرين من غير المسلمين عند الحاجة، وعدم وجود غيرهما من المسلمين، تُشهدونهما إن أنتم سافرتم في الأرض فحلَّ بكم الموت، وإن ارتبتم في شهادتهما فقفوهما من بعد الصلاة -أي صلاة المسلمين، وبخاصة صلاة العصر-، فيقسمان باللّه قسمًا خالصًا لا يأخذان به عوضًا من الدنيا، ولا يحابيان به ذا قرابة منهما، ولا يكتمان به شهادة لله عندهما، وأنهما إن فَعَلا ذلك فهما من المذنبين.

آيه ( 107 ) فإن اطلع أولياء الميت على أن الشاهدين المذكورين قد أثما بالخيانة في الشهادة أو الوصية فليقم مقامهما في الشهادة اثنان من أولياء الميت فيقسمان باللّه: لَشهادتنا الصادقة أولى بالقبول من شهادتهما الكاذبة، وما تجاوزنا الحق في شهادتنا، إنا إن اعتدينا وشهدنا بغير الحق لمن الظالمين المتجاوزين حدود اللّه.

آيه( 108 ) ذلك الحكم عند الارتياب في الشاهدين من الحلف بعد الصلاة وعدم قبول شهادتهما، أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة على حقيقتها خوفًا من عذاب الآخرة، أو خشية من أن ترد اليمين الكاذبة من قِبَل أصحاب الحق بعد حلفهم، فيفتضح الكاذب الذي ردت يمينه في الدنيا وقت ظهور خيانته. وخافوا اللّه -أيها الناس- وراقبوه أن تحلفوا كذبًا، وأن تقتطعوا بأيمانكم مالا حرامًا، واسمعوا ما توعظون به. واللّه لا يهدي القوم الفاسقين الخارجين عن طاعته.

أسباب النزول

قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} الْآيَةَ [105]:

قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَهْلِ هَجَرَ وَعَلَيْهِمْ مُنْذِرُ بْنُ سَاوَى يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَوْا فَلْيُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابُ عَرَضَهُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَرَبِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ وَالْمَجُوسِ، فَأَقَرُّوا بِالْجِزْيَةِ وَكَرِهُوا الْإِسْلَامَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«أَمَّا الْعَرَبُ فَلَا تَقْبَلْ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ السَّيْفَ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسُ فَاقْبَلْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ»، فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْلَمَتِ الْعَرَبُ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسُ فَأَعْطَوُا الجزية، فقال منافقوا الْعَرَبِ: عَجَبًا مِنْ مُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ لِيُقَاتِلَ النَّاسَ كَافَّةً حَتَّى يُسْلِمُوا وَلَا يَقْبَلُ الْجِزْيَةَ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلَا نَرَاهُ إِلَّا قَبِلَ مِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ هَجَرَ مَا رَدَّ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} يَعْنِي مَنْ ضَلَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.

أسباب النزول

– قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الْآيَةَ [106]:

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْغَازِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَعَدِيُّ بْنُ بَدَّاءٍ يَخْتَلِفَانِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَحِبَهُمَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، فَمَاتَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَلَمَّا قَدِمَا دَفَعَاهَا إِلَى أَهْلِهِ وَكَتَمَا جَامًا كَانَ مَعَهُ مِنْ فِضَّةٍ كَانَ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ فَقَالَا: لَمْ نَرَهُ فَأُتِيَ بِهِمَا إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَحْلَفَهُمَا بِاللَّهِ مَا كَتَمَا وَلَا اطَّلَعَا وَخَلَّى سَبِيلَهُمَا؛ ثُمَّ إِنَّ الْجَامَ وُجِدَ عِنْدَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَقَامَ أَوْلِيَاءُ السَّهْمِيِّ فَأَخَذُوا الْجَامَ وَحَلَفَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ بِاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْجَامَ جَامُ صَاحِبِنَا، وَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا، فَنَزَلَتْ هاتان الآيتان:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}إِلَى آخِرِهَا.

لمسات بيانيه

الفرق من الناحية البيانية بين فعل حضر وجاء في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)

فعل حضر والحضور في اللغة أولاً يعني الوجود وليس معناه بالضرورة المجيء إلى الشيء (يقال كنت حاضراً إذ كلّمه فلان بمهنى شاهد وموجود وهو نقيض الغياب) ويقال كنت حاضراً مجلسهم، وكنت حاضراً في السوق أي كنت موجوداً فيها.

أما المجيء فهو الإنتقال من مكان إلى مكان، فالحضور إذن غير المجيء ولهذا نقول الله حاضر في كل مكان دليل وجوده في كل مكان. وفي القرآن يقول تعالى (فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء) سورة الكهف بمعنى لم يكن موجوداً وإنما جاء الأمر. وكذلك قوله تعالى (فإذا جاء أمرنا وفار التنور) سورة هود. إذن الحضورة معناه الشهود والحضور والمجيء معناه الإنتقال من مكان إلى مكان

المتشابهات

المائدة – 104 ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِقَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ).

تشبه:

البقرة – 170 ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَاعَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ).

النساء – 61 ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا).

لقمان – 21 ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَاعَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ).

ملاحظة:

( أَلْفَيْنَا) وردت فقط في آية البقرة ، لأن ألفيت تتعدى إلى مفعولين،

تقول : ألفيت زيدا قائما و أما ( وَجَدْنَا) فتتعدى مرة لمفعول و مرة لمفعولين،

فناسب السورة الأولى أن يكون فيها ( أَلْفَيْنَا) و غيرها في المواضع الأخرى علمنا أنه بمعناه.

و قال ( أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا) في آية المائدة، لأن العلم أبلغ درجة من العقل

و لهذا جاز وصف الله به و لم يجز وصفه بالعقل، فكانت دعواهم في المائدة أبلغ بقولهم ( حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا) فزعموا النهاية بـ ( حَسْبُنَا) فنفى عنهم ذلك بالعلم و هو النهاية.

و أما في آية البقرة فقالوا ( بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا) و لم تكن النهاية

فنفى بما هو دون العلم ، ليكون كل زعم لهم منفي بما يناسبه.

المتشابهات

لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ (106)

ضبط نهاية الأية (ثمناً – إثما)

أعراب بعض الكلمات

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ …(105)

يَا أَيُّهَا : “يا” حرف نداء و”أىُّ” منادى مبنى على الضم فى محل نصب و”ها” حرف تنبيه

الَّذِينَ : اسم موصول مبنى على الفتح فى محل رفع نعت

آَمَنُوا : فعل ماض مبنى على الضم لاتصاله بواو الجماعة و”الواو” ضمير متصل مبنى على السكون فى محل رفع فاعل ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب

عَلَيْكُمْ :اسم فعل أمر بمعنى “إلزموا” مبنى على السكون

أَنْفُسَكُمْ : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة لاسم الفعل “عليكم” و”كم” ضمير متصل مبنى على السكون فى محل جر مضاف إليه

الدروس المستفادة من المقطع:

الوصية عند الموت واجبة ،قال رسول الله صل الله عليه وسلم ( لا ينبغي لإمرئ مسلم له ما يوصي فيه يأتي عليه ليلتان ليست عنده وصية ) الطبراني

الوصية من الأمانات التي اوصى الله تعالى بأداءها والتي يُسأل عنها العبد يوم القيامة قال تعالى:

( إن الله يأمركم أن تأدوا الأمانات إلى أهلها )النساء58

جاز للموصى ان يعدل في الوصية إن كان الموصي ظالما قال تعالى:( فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه) البقره182

تدبر

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة:105]..

مبدأٌ حاسم ينبغي أن يفهمه كل مسلم..

آية من كتاب ربنا تشرح لنا لماذا ثبت الثابتون رغم وعورة الطريق وقلة السالكين..

آية تُبيِّن كيف أن القضية ليست في كثرة الموافقين والمؤيدين، ولا في وفرة الداعمين المنافحين..

القضية هي في الحق نفسه..

لا يضر المرء إن ضل كثير ممن حوله، ما دام موقنًا أنه على الحق الذي أمره به ربه: {لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}..

حتى لو كثر من ضلوا وأعجب الخلق بكثرتهم..

يقول الله في نفس السورة: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة من الآية:100]..

إنه بناء متفرِّد للشخصية الإسلامية التي لا يقبل صاحبها أن يكون إمعة، مهما كانت الظروف ومهما تزايدت عليه الضغوط..

وكم من أناس حرصوا على التمسك بالحق، وإظهاره، والسير في طريقه، رغم قلة السالكين، وربما انعدامهم في بعض الأحيان..

كم من أناس خاضوا غمار الصعاب وثبتوا عند حلول النوازل، رغم الصعاب التي واجهتهم، ورغم كثرة المخالفين، لكنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمثالهم: «لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم» (رواه مسلم)..

لذا كانت العبادة في الهرج كالهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم..

ذلك لأنه لا يتفرَّغ لها في هذا الوقت إلا أفراد..

فلمَّا تمايزوا تميَّزوا.

القضية ليست إذا بالعدد، ولا بالصخب، ولا بمطلق ما عليه الناس من حال..

القضية بالحق، فإذا كان معك؛ تبينته، وتشربه قلبك من معينه، فأنت الجماعة، ولو كنت وحدك!

تفسير مبسط للوجه 21 من سورة المائده ص126

آيه 109: يخبر تعالى عن يوم القيامة وما فيه من الأهوال العظام، وأن الله يجمع به جميع الرسل فيسألهم: { مَاذَا أُجِبْتُمْ } أي: ماذا أجابتكم به أممكم.

فـ { قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا } وإنما العلم لك يا ربنا، فأنت أعلم منا.

{ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } أي: تعلم الأمور الغائبة والحاضرة.

آيه110:{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ } أي: اذكرها بقلبك ولسانك، وقم بواجبها شكرا لربك، حيث أنعم عليك نعما ما أنعم بها على غيرك

{ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ } أي: إذ قويتك بالروح والوحي، الذي طهرك وزكاك، وصار لك قوة على القيام بأمر الله والدعوة إلى سبيله. وقيل: إن المراد \”بروح القدس\” جبريل عليه السلام، وأن الله أعانه به وبملازمته له، وتثبيته في المواطن المشقة.

{ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا } المراد بالتكليم هنا، غير التكليم المعهود الذي هو مجرد الكلام، وإنما المراد بذلك التكليم الذي ينتفع به المتكلم والمخاطب، وهو الدعوة إلى الله. ولعيسى عليه السلام من ذلك، ما لإخوانه من أولي العزم من المرسلين، من التكليم في حال الكهولة، بالرسالة والدعوة إلى الخير، والنهي عن الشر،

وامتاز عنهم بأنه كلم الناس في المهد، فقال: { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } الآية.

{ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } فالكتاب يشمل الكتب السابقة، وخصوصا التوراة، فإنه من أعلم أنبياء بني إسرائيل -بعد موسى- بها. ويشمل الإنجيل الذي أنزله الله عليه. والحكمة هي: معرفة أسرار الشرع وفوائده وحكمه، وحسن الدعوة والتعليم، ومراعاة ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي.

{ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ } أي: طيرا مصورا لا روح فيه. فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله،

وتبرئ الأكمه الذي لا بصر له ولا عين. { وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي } فهذه آيات بيِّنَات، ومعجزات باهرات، يعجز عنها الأطباء وغيرهم، أيد الله بها عيسى وقوى بها دعوته.

{ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ } لما جاءهم الحق مؤيدا بالبينات الموجبة للإيمان به. { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ } وهموا بعيسى أن يقتلوه، وسعوا في ذلك، فكفَّ الله أيديهم عنه، وحفظه منهم وعصمه.

فهذه مِنَنٌ امتَنَّ الله بها على عبده ورسوله عيسى ابن مريم، ودعاه إلى شكرها والقيام بها، فقام بها عليه السلام أتم القيام، وصبر كما صبر إخوانه من أولي العزم.

آيه 111:(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ)

واذكر نعمتي عليك إذ يسرت لك أتباعا وأعوانا. فأوحيت إلى الحواريين أي: ألهمتهم، وأوزعت قلوبهم الإيمان بي وبرسولي،

أو أوحيت إليهم على لسانك، أي: أمرتهم بالوحي الذي جاءك من عند الله، فأجابوا لذلك وانقادوا،

وقالوا: آمنا بالله، واشهد بأننا مسلمون، فجمعوا بين الإسلام الظاهر، والانقياد بالأعمال الصالحة، والإيمان الباطن المخرج لصاحبه من النفاق ومن ضعف الإيمان.

آيه112:{ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ } أي: مائدة فيها طعام، وهذا ليس منهم عن شك في قدرة الله، واستطاعته على ذلك. وإنما ذلك من باب العرض والأدب منهم.

ولما كان سؤال آيات الاقتراح منافيا للانقياد للحق، وكان هذا الكلام الصادر من الحواريين ربما أوهم ذلك، وعظهم عيسى عليه السلام فقال: { اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }

فإن المؤمن يحمله ما معه من الإيمان على ملازمة التقوى، وأن ينقاد لأمر الله، ولا يطلب من آيات الاقتراح التي لا يدري ما يكون بعدها شيئا.

آيه113:(قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ)

فأخبر الحواريون أنهم ليس مقصودهم هذا المعنى، وإنما لهم مقاصد صالحة، ولأجل الحاجة إلى ذلك فـ { قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا } وهذا دليل على أنهم محتاجون لها،

{ وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } بالإيمان حين نرى الآيات العيانية، فيكون الإيمان عين اليقين، كما كان قبل ذلك علم اليقين.

كما سأل الخليل عليه الصلاة والسلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى { قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } فالعبد محتاج إلى زيادة العلم واليقين والإيمان كل وقت،

ولهذا قال: { وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا } أي: نعلم صدق ما جئت به، أنه حق وصدق،

{ وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ } فتكون مصلحة لمن بعدنا، نشهدها لك، فتقوم الحجة، ويحصل زيادة البرهان بذلك.

لمسات بيانيه

آية (110):

* ما الفرق بين (بإذن الله) فى سورة آل عمران (49)و(بإذني)في سورة المائدة(110) ؟ (د.حسام النعيمى)

بإذني وبإذن الله:

الكلام كان عن سيدناعيسى U في الآية الأولى في سورة آل عمران (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)) الكلام على لسان الملائكة ونقل لكلام الملائكة ثم بدأ كلام مريم عليها السلام متجهاً إلى الله سبحانه وتعالى (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (48)) وجيهاً في الدنيا والآخرة ويعلمه، هذا العطف. ما زال الكلام على لسان الملائكة لمريم. وجيهاً ورسولاً إلى بني إسرائيل، رسول بماذا؟ (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)) يعني عيسى هو سيقول هذا الكلام، إذن الكلام صار يجري على لسان عيسى (حكاية حال ماضية) في الماضي قال هكذا. العلماء يسمونها حكاية حال ماضية أي في الماضي هذه حاله. فإذن الذي بدأ يتكلم الآن سيدنا عيسى  فقال: (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) ما هذه الآية؟ بيان هذه الآية؟ (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)) بيان هذه الآية (فأنفخ فيه) يعني أنا لأنه يتكلم عن نفسه فقال (فأنفخ).

لما ننتقل إلى الآية الأخرى: الكلام هنا من الله سبحانه وتعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُمِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) المائدة) الكلام معه وليس على لسان عيسىعليه السلام فقال (فَتَنْفُخُ فِيهَا) إذن لما قال هناك (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ) لأن كان يتكلم عن نفسه، أما هنا (تخلق) (فَتَنْفُخُ فِيهَا) الكلام من الله عز وجل إلى عيسى عليه السلام.

لمسات بيانيه

مالفرق بين استعمال الضمير (فيها) في المائده( 110)، و (فيه) آل عمران (49).

فيه وفيها:

. هو صنع هيئة طير من طين، عندنا هيئة الطير والطين فإذا أريد الإشارة إلى الهيئة قال (فأنفخ فيها) يعني في هذه الهيئة أي في هذه الصورة. هو صنع صورة تشبه الطير فهذه الصورة هي هيئة طير من طين، فإذا أراد أن يشير إلى الهيئة قال أنفخ فيها يعني في هذه الهيئة وإذا أراد أن يشير إلى الطين قال فأنفخ فيه يعني في الطين فمرة نظر إلى الهيئة ومرة نظر إلى الطين الأصل.

ولكن يبقى السؤال لماذا هنا نظر إلى الهيئة وهنا نظر إلى الطين؟

نلاحظ هنا (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)) هذا كلام عيسى عليه السلام (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا) أنفخ في الطين هنا، (فيه) أي في هذا الطين. هيئة الطير من طين فإذا أراد أن يقول إن النفخ صار في الطين يعني ذكر أصل التكوين الذي هو طين حتى يذكرهم أن هذا طين جعلت منه طيراً، عندنا قراءة نافع (فيكون طائراً) يطير أو من الطيور. هنا يريد أن يكلمهم عن معجزة، عن شيء معجز والشيء المعجز إذا قدّمه حالة واحدة تكفي، يأتي بطين يصنع منه كالطير ينفخ فيه فيكون طيراً ويطير، هذه تكفي في الحجة على صدق نبوءته، حالة واحدة تكفي. فلما كان يتحدث عن حاله معهم ذكر حالة واحدة وكان الإشارة إليها بالتذكير (فأنفخ فيه) أي في هذا الطين الموجود بين أيديكم.

الآية الأخرى كانت في تعداد نعم الله عز وجل على عيسى U ولذلك جاءت (إِذْأَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) كله اذكر هذا واذكر هذا، نُظِر فيه إلى الهيئة وجاء التأنيث لأن التأنيث أصلح للتعدد. لما تقول لغير العاقل “الشجرات فيها” لما تقول (فيها) يعني متعددة كأن الهيئة صارت أكثر من حالة فهي إذن في مجال بيان تعداد نعم الله سبحانه وتعالى عليه فاختار التأنيث لأن التأنيث أليق مع جمع غير العاقل. تعداد النِعم كثير يعني هو يذكر له نعماً كثيرة: اذكر كذا واذكر كذا (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي). لما قال (فيها) معناه صارت هيئات متعددة لأن الإشارة بضمير المؤنث(فيها) يشير إلى هذا التعدد، فهذا هو الاختيار. هو من حيث اللغة الأصل أنه إذا نظر إلى الهيئة أنّث وإذا نظر إلى الطين ذكّر فمرة نظر إلى الهيئة ومرة نظر إلى الطين. لكن الذي قوّى اختيار النظر إلى الهيئة أن ضمير المؤنث يشار به إلى المتعدد فجاء بضمير المؤنث في موضع تعداد النعم لأن فيه تعداد للنعم فاختير التأنيث.

لمسات بيانيه

: مادلالة إستعمال (إذ) في المائده، وعدم إستعمالها في آل عمران؟ (د حسام النعيمي).

تكرار (إذ):

تكررت في آية سورة المائدة ولم تذكر في آية سورة آل عمران

لأنه في المائدة كان هناك تعداد لنِعم الله سبحانه وتعالى عليه،

أما في آل عمران ما كان هناك نوع من التعداد للنعم وإنما كان نوع من بيان حال عيسى عليه السلام وهو يتكلم فقال (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)) يعني أنا أفعل هذا وأفعل هذا فلا مجال فيه للتذكير. أما في الآية الأخرى في المائدة كان الله تعالى يذكّره بدأ بكلمة (اذكر) ثم صارت تُقدّر (إذ أيدتك) يعني إذكر إذ أيدتك و(إذ علمتك) يعني اذكر إذ علمتك، إذ أيدتك، إذ تخلق. (إذ) هي لبيان حال الماضي (إذ فعلت كذا) لكن يقدّر فيها اذكر يعني إذ كذا يعني اذكر حين كان كذا. (إذ) هي ظرف للماضي من الزمان بخلاف (إذا) التي هي لما يُستقبل من الزمان. (إذ) لِما مضى من الزمان. فهذا هو الفارق بين الموقعين.

لمسات بيانيه

لماذا تكرار (إذ)؟

لما يكرر (إذ) كأنه يكرر (واذكر حين كان هذا الأمر) يعني نوع من التأكيد، اذكر حين كان هذا الأمر، فهو بيان لنعم الله سبحانه وتعالى.

قد يقول قائل العرب تكره التكرار وتكره توالي الأمثال فكيف نفسر هذا التكرار هنا؟(د.حسام النعيمى)

هي ليست واحد بعد الأخرى مباشرة لكن بينها وبين الأخرى مجالاً للتأمل (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) المائدة) أي اذكر يا محمد لهؤلاء عندما قال الله سبحانه وتعالى لعيسى R، عندما يتحدث الله عز وجل عن المستقبل يتحدث بصيغة الماضي لأنه واقع في علم الله، هذا الكلام في يوم القيامة لم يقع لكنه في علم الله سبحانه وتعالى واقع (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ) اذكر حين سيقول الله سبحانه وتعالى لعيسى U إلزاماً لقوله بالحجة حتى يعترف أمامهم بأنهم حرّفوا دين الله عز وجل، حرّفوا هذا الشرع (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ) هنا ذكر الفعل ثم بدأ بتفصيل النعمة، ما هذه النعمة؟ قال (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) أي حين أيدتك بروح القدس، هذه صورة، ثم انتقل إلى صورة أخرى (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) هذه صورة أخرى مستقلة، (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ). التكرار أحياناً فيه معنى التأكيد وبناء كأنها كُتل قائمة بذاتها. ألم يقل الشاعر:ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا

هذا تكرار محمود لأن علماء البلاغة يقفون وقفة طويلة عند هذه العبارة الرائعة الرائقة بهذا التكرار. فكل نعمة تستحق أن يوقف عليها وحدها. (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي) هنا لم يقل (وإذ تبرئ) وإنما ربطها مع ما قبلها حتى يكون نوع من التباعد، فالقرآن الكريم يلوّن أو ينوّع في هذا الاستعمال (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ).

لمسات بيانيه

لماذا الإختلاف في مناداة الله تعالى لعيسى (يا عيسى) في سورة آل عمران و(يا عيسى إبن مريم) في سورة المائدة؟(د.حسام النعيمى)

قال تعالى فى سورة آل عمران:(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِالْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55))وفى المائدة: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)) (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)).

لا شك لو نظرت في المصحف ستجد أن عيسى U نودي أربع مرات في القرآن الكريم كله. ونحن وقفنا عند هذه المرات الأربع التي نودي فيها فوجدناه في ثلاث مرات يناديه الله سبحانه وتعالى في مرة قال (عيسى) مجرّداً وفي مرتين يا عيسى إبن مريم) والمرة الأخرى نودي فيها على لسان الحواريين (يا عيسى إبن مريم). في النداء مرة واحدة نودي بإسمه المجرّد بأداة النداء يا.

لما تنادي إنساناً بإسمه المجرّد هناك صورتان: الأعلى ينادي الأدنى (الأعلى منصباً وجاهاً) عندما يناديه بإسمه المجرّد (يا فلان) هذا نوع من التحبب والتقرّب. والمناسبة هنا مناسبة توفّي فلا بد أن يرقق الكلام معه أنه أنت قريب مني لأن هذا معناه قُرب فقال (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)) هناك مانع في غير القرآن أن يقول: يا عيسى إبن مريم، لا ينفع معناه. يا عيسى أنت قريب مني أنا سأتوفّاك وسأرفعك إليّ ففي هذا الموضع لا يحتاج إلى أن يذكر أمّه. الصورة الأولى نداء عيسى بإسمه المجرّد من الله تعالى فيها نوع من التحبب لأنه يريد أن يتوفاه فناداه بالتقرّب (يا عيسى) ولا مجال لذكر أمه هنا.

الصورة الأخرى من الأدنى إلى الأعلى: لا يناديه بإسمه المجرّد لا يقول له يا فلان لأنه إذا قال يا فلان يكون نوع من قلة المجاملة وقلة الإحترام (يا فلان الفلاني) فلذلك لما نأتي إلى الحواريين هم أدنى درجة لا شك من عيسى U. الحواريين في هذا الموضع كأنما في قلوبهم نوع من الشك من نبوّة عيسى Uفنجد أنهم ينادونه بإسمه الكامل للإحترام وإسمه الكامل (عيسى ابن مريم) فيقولون (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112)) فيها نوع من الشك هو أولاً نوع من الإحترام (يا عيسى بن مريم) ما يقول (يا عيسى) (من الأعلى إلى الأدنى ليس إحتراماً وإنما نوع من التلطف ترقيقاً وتلطّفاً) من الأدنى إلى الأعلى لا بد أن يذكر إسمه كاملاً وإذا لم يذكره يكون نوع من قلة المجاملة ولا يرتضيها الأعلى. لما تأتي إلى رئيس وتناديه بإسمه يمكن أن تناديه يا فلان بن فلان أو يا صاحب الجلالة. لِمَ لم يقولوا له يا رسول الله؟ هم كأنه في نفوسهم شك (يا عيسى بن مريم) هم قرروا معرفتهم به أنه إبن مريم وأنه معجزة َكأنهم يقولون نعلم أنك آية من آيات الله. ولذلك ما قالوا هل يستطيع ربنا وإنما قالوا (هل يستطيع ربك) ولما قال عيسى U (إتقوا الله) قالوا (نريد أن نأكل منها وطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا) هم ليسوا منكرين تماماً فلم يقولوا له ماذا تريد أن تصنع؟ ولم يكونوا مؤمنين إيماناً جازماً قاطعاً كانوا قالوا يا رسول الله وإنما قالوا يا عيسى بن مريم. هم يعلمون أنه ولدته أمه من غير أبّ. لكن (هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة) مكان مناسب أن يقولوا: يا عيسى بن مريم.

في الآيتين حيث وردت (يا عيسى بم مريم) (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)) (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَم َأَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)) ننظر أن هذا القول في الآخرة وفي الآيتين ورد ذكر الأم بمعنى أنه كان من المناسب أن تُذكر الأم. والكلام في الآخرة والله عز وجل يريد أن يقيم الحجة على من قالوا أنه إبن الله أو أنه إله (يوم يجمع الله الرسل) (إذ قال الله)أي أُذكر يا محمد (عليك وعلى والدتك) ذكر الأم ثم على رؤوس الأشهاد يصرّح بإسمه الكامل هو عيسى بن مريم، هو ليس إلهاً وليس إبن يوسف النجار كما قال اليهود وإتهموا العفيفة الطاهرة عليها السلام، فهو عيسى بن مريم لأن الكلام على رؤوس الأشهاد. يختلف عن الكلام بينه وبين عيسى (يا عيسى إني متوفيك). والآية الأولى أيضاً في يوم القيامة (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)) تقرير لأن الكلام على رؤوس الأشهاد يريد الله عز وجل أن يقرّ الحقيقة أمام هؤلاء الذين إختلفوا فيه وغيّروا ما قاله الله عز وجل فيه. لو قال يا عيسى يقولون هو إبنه فلا بد أن يذكر أمّه. (إتخذوني وأمي) ورد ذكر الأم مناسب هنا أن يذكر كلمة مريم والله تعالى أعلم.

لمسات بيانيه

آية (111):

* ما الفرق بين (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) المائدة؛ و(فَلَمَّا

أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) آل عمران)؟

د.حسام النعيمى :

أولاً (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُم(ُ كلمة منهم إشارة إلى بني إسرائيل لأن مجال عمله بنو إسرائيل، هو يعمل معهم. بعد أن كلّمهم ودعاهم وأظهر لهم المعجزات وطالبوه بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأعمى يبصر. بعد كل هذه المعجزات المفروض الإنسان أن لا تأخذه العزة بالإثم. لما يرى هذه الأشياء وهي أشياء مادية ملموسة حيث يخرج ميتاً حيّاً من قبره، أعمى يُبصر يمسح على عينيه فيبصر، أبرص لا علاج له، شخص لا ينطق يصبح يتكلم، معجزات ملموسة ومشاهدة من قبل مئات من الناس وليس شخصاً واحداً. مع ذلك كفروا به وقالوا هذا سحر وأنت ساحر تفعل هذا والسحرة يفعلون هذا. فأحس عيسى U منهم الكفر عند ذلك توجّه إليهم بالدعوة وبالسؤال: من يناصرني إلى إبلاغ دين الله عز وجل؟ هذه الشريعة؟ إذن هو يسأل عمن ينصره؟ عن أنصار والنصرة تقتضي الجمع والضمّ كتفٌ إلى كتف (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) الصف) يشد بعضهم بعضاً هذا المطلوب. (من أنصاري إلى الله) قال الحواريون (والحواري في اللغة بمعنى المنقّى المصفّى بحيث لما تذهب عنه الشوائب يكون أبيض كالثوب الأبيض منقى من الشوائب). قال الحواريون (نحن أنصار الله) كان يمكن أن يكتفوا بقول (نحن) وإنما أرادوا أن يوضحوا ويبينوا (نحن أنصار الله) أي نحن أنصار دين الله، فقولهم أنصار الله فيه بيان وتأكيد. (آمنا بالله) لأن هو سألهم من أنصاري إلى الله؟ فقالوا آمنا بالله الذي تدعوننا لنصرة دينه واشهد بأنا مسلمون (فعل أمر لعيسى u) اشهد علينا أننا مطبقون لشرع الله، لهذا الإيمان. الإيمان في القلب لا يظهر والإسلام تطبيق عملي فنحن نطبق عملياً. الآيات تضمنت تأكيدات وبيان: أنصار الله، آمنا بالله، وأنّ للتوكيد فيها معنى الضم. فقلّل التوكيد في (أنّ) حتى يتوصل إلى الإدغام الموحي بصورة الجمع ولم يقل (بأننا) لأن فيها تفريق. (أنّ) مكونة من الهمزة ونون ساكنة ونون مفتوحة كما نقول: علمت أنّ زيداً يفعل كذا. (أنّ والتحقت بها: نا) نحن عندنا الأحرف المشبهة بالفعل فيها أنّ، كأنّ، لكنّ إنّ منتهية بنون مشددة لما تلتحق بها (نا) التي هي للمتكلمين أو المعظِّم لنفسه يكون عندنا ثلاث نونات فأحياناً العرب يخففون بحذف إحدى النونين فيقولون إنّي وإنّك. مع (نا) للمتكلمين يفعل الشيء نفسه إنّا وإننا، لكنا ولكننا وكأنا وكأننا ما أن يحافظ على كيانها فتكون (نا) مفصولة عنها (إننا، كأننا، لكننا). وإما أن يخفف بحذف النون الثانية فتدغم النون الأولى لأنها نون الضمير فتصير: كأنا، لكنا، إنا. فهنا حذف وخفف لأن التوكيدات كثرت فخفف التأكيد وتوصّل عن طريق هذا إلى الإدغام المشعِر بهذا الإلتصاق بين أنصار الله لذا قال (واشهد بأنا مسلمون) ولم يقل بأننا لأنها ابتعدت والصورة صورة مناصرة يراد لها صفّ والتصاق وفيها قرب وإلتصاق.

التخفيف وارد في لغة العرب والإتمام وارد نقول أننا وأنّا. لكن لماذا اختارها هنا التخفيف (أنّا)؟ هذا الغرض الذي يتبين من خلال هذا الجمع والضم. الكلام هنا على مناصرة ولذلك من أنصاري إلى الله قالوا آمنا بالله مناسبة.

في الآية الثانية الكلام على الإيمان وهو إلهام الله عز وجل لهذه الصفوة أن تؤمن، لكن تؤمن بماذا؟ (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ) لما عُرِض عليهم الدين ألهمهم الله عز وجل (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) فألهمهم الله عز وجل الإيمان، الإيمان بماذا؟ (آمنوا بي وبرسولي) إيمان بالله وإيمان بالرسول. تخيل لو قالوا: آمنا بالله معناها لم يؤمنوا بالرسول، إذن كلمة (الله) هنا ليس لها موضع لا تصح لأنهم دعوا إلى الإيمان بالله وبالرسول فقالوا آمنا. ولو قالوا آمنا بالله وبرسوله يكون تكراراً ليس له معنى. (آمنا)معناها آمنا بالله وبالرسول فيُكتفى بـ (آمنا).

(واشهد بأننا مسلمون): هذه الآية ليس فيها تأكيدات كتلك الآية فحوفظ على (إنّ) كاملة حتى يكون فيها التأكيد لإسلامهم. (واشهد بأننا) أننا آكد من أنّا من حيث التأكيد. هنا لم يحذف وإنما جاء بالكلمة كاملة من قبيل زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. هناك قلّصوا التأكيد لأن فيها مؤكدات أخرى تُغني وفيها إدغام لأن الكلام على النصرة. بينما هنا أكدوا لأنه لا توجد مؤكدات وفصلوا حتى يكون آكد (بأننا مسلمون). وهنا (واشهد بأننا مسلمون) اشهد فعل أمر لعيسى عليه السلام . الله عز وجل أوحى إليهم أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا، ثم التفتوا إلى نبيّهم الذي آمنوا به فقالوا: آمنا واشهد بأننا مسلمون فيها إلتفات أي إشهد على إسلامنا. وفعلاً طبقوا لأنه أنت لا تعرف أنه مسلم إلا بالتطبيق لأن الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل. أما الذي في القلب فلا يطّلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى ولذلك لما قال سعد ابن أبي وقاص للرسولr وهو يوزع الغنائم: يا رسول الله أعطِ فلاناً فإنه مؤمن، فقال الرسول rتعليماً لسعد وغيره: أو مسلم. كررها أكثر من مرة. أنت ما شققت عن قلبه لأن الإيمان مستقره القلب لكن إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان لأن هذا ظاهر الأمر والتطبيق هو الإسلام.

(واشهد بأننا مسلمون) فيها إلتفات. قال آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ولم يقولوا مؤمنون لأن الإيمان لا يظهر وعيسى عليه السلام يحتاج لمن يظهر له علامة الإيمان وعلامة الإيمان التطبيق (الإسلام) النبي يريد منهم أن يظهروا إسلامهم واشهد أننا مطبقون لهذا الإيمان لأن الإيمان يكون ضمناً.

المتشابهات

المائدة – 109 ( قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ).

تشبه:

البقرة – 32 ( قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

المائدة – 116 ( …… تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلام الْغُيُوبِ).

ملاحظة:

( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) الوحيدة في القرآن في سورة البقرة -32.

المتشابهات

المائدة – 111 ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ).

تشبه:

آل عمران – 52 ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).

آل عمران – 64 ( …وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).

ملاحظة:

آية المائدة أول كلام الحواريين فجاء على الأصل ( بِأَنَّنَا)

و أما في موضعي آل عمران فاستطراد لكلام الحواريين في الآية الأولى و كلام المسلمين في الثانية.

الدروس المستفاده

(يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب)

ا ينجو من سؤال الله أحد ،لذا جاء قول عمر بن الخطاب ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ) استعدادا لهذا اليوم

لعلم والحكمة من أعظم النعم ،وهي زاد زود الله تعالى به عباده المرسلين

التعنت من البشر بطلب المعجزات قديم ،لهذا قال الله تعالى (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) [سورة اﻷنعام : 111]

إضاءات

(إذ قال الحواريون ياعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء) المائده 112

حواريي عيسى الذين ألهمهم الله الإيمان به وبرسوله، وأشهدوا عيسى على إسلامهم..ومع مارأوا من معجزات عيسى، طالبوابمعجزه جديده لتطمئن بها قلوبهم، ويعلموامنها أنه صدقهم.ويكونون عليها من الشاهدين.

أما أصحاب محمد فلم يطلبوا منه خارقه واحده بعد إسلامهم ، لقد آمنت قلوبهم واطمأنت منذ أن خالطها الايمان، وصدقوه وشهدوا برسالته بلا معجزة إلا القرآن..

( كنتم خير أمة أخرجت للناس)

آيه 114:(قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)

فلما سمع عيسى عليه الصلاة والسلام ذلك، وعلم مقصودهم، أجابهم إلى طلبهم في ذلك، فقال: { اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ } أي: يكون وقت نزولها عيدا وموسما، يتذكر به هذه الآية العظيمة، فتحفظ ولا تنسى على مرور الأوقات وتكرر السنين.

كما جعل الله تعالى أعياد المسلمين ومناسكهم مذكرا لآياته، ومنبها على سنن المرسلين وطرقهم القويمة، وفضله وإحسانه عليهم.

{ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ } أي: اجعلها لنا رزقا، فسأل عيسى عليه السلام نزولها وأن تكون لهاتين المصلحتين، مصلحة الدين بأن تكون آية باقية، ومصلحة الدنيا، وهي أن تكون رزقا.

آيه115:(قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ)

{ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } لأنه شاهد الآية الباهرة وكفر عنادا وظلما، فاستحق العذاب الأليم والعقاب الشديد.

واعلم أن الله تعالى وعد أنه سينزلها، وتوعدهم -إن كفروا- بهذا الوعيد، ولم يذكر أنه أنزلها، فيحتمل أنه لم ينزلها بسبب أنهم لم يختاروا ذلك،

ويدل على ذلك، أنه لم يذكر في الإنجيل الذي بأيدي النصارى، ولا له وجود.

ويحتمل أنها نزلت كما وعد الله، والله لا يخلف الميعاد، ويكون عدم ذكرها في الأناجيل التي بأيديهم من الحظ الذي ذكروا به فنسوه.

أو أنه لم يذكر في الإنجيل أصلا، وإنما ذلك كان متوارثا بينهم، ينقله الخلف عن السلف، فاكتفى الله بذلك عن ذكره في الإنجيل، ويدل على هذا المعنى قوله: { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ } والله أعلم بحقيقة الحال.

تفسير مبسط للوجه 22 من سورة المائده ص127

الآية 116: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾؟ ﴿ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ﴾: يعني ما ينبغي لي أن أقول للناس غير الحق، ﴿ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ﴾ لأنه لا يَخفى عليك شيء، فإنك سبحانك ﴿ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ﴾ ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾: أي إنك أنت عالمٌ بكل شيء مِمَّا ظَهَر أو خَفِي.

آيه 117:• ثم قال عيسى عليه السلام: يا ربِّ ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ﴾: يعني ما قلتُ لهم إلا ما أوحيتَهُ إليَّ، وأمرتني بتبليغه ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾ ﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ﴾: أي وكنتُ على ما يفعلونه – وأنا بينهم – شاهدًا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم، ﴿ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ﴾: يعني فلما وَفَّيْتَني أجلي على الأرض، ورفعتني إلى السماء حيًّاً: ﴿ كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ﴾: أي كنتَ أنت المُطَّلِع على سرائرهم، ﴿ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ فلا تخفى عليك خافية في الأرض ولا في السماء.

الآية 118: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ﴾ وأنت أعلم بأحوالهم، تفعل بهم ما تشاء بعَدْلِك، ﴿ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ برحمتك لِمَن أتى منهم بأسباب المغفرة كالاستغفار والتوبة والأعمال الصالحة: ﴿ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ ﴾ الذي لا يمنعه مانع مما أراد، فلا تمنعه الذنوب من المغفرة لعباده التائبين، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في تدبيره وأمره، (وفي هذه الآية ثناءٌ على الله تعالى بحكمته وعدله، وكمال علمه).

الآية 119: ﴿ قَالَ اللَّهُ ﴾ تعالى لعيسى عليه السلام يوم القيامة: ﴿ هَذَا يَوْمُ ﴾ الجزاء الذي ﴿ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ﴾: أي ينفع الموحدين توحيدهم، وانقيادهم لشرع ربهم، وصِدقهم في نياتهم وأقوالهم وأعمالهم ﴿ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾: أي تجري من تحت قصورها الأنهار ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ فقبل حسناتهم، ﴿ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ بما أعطاهم من جَزيل ثوابه ﴿ ذَلِكَ ﴾ الجزاء والرضا منه عليهم هو ﴿ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.

آيه 120{ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } لأنه الخالق لهما والمدبر لذلك بحكمه القدري، وحكمه الشرعي، وحكمه الجزائي،

ولهذا قال: { وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فلا يعجزه شيء، بل جميع الأشياء منقادة لمشيئته، ومسخرة بأمره

لمسات بيانيه

آيه115

*ما دلالة إستخدام الجملة الإسمية المؤكدة في الآية (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ(115) المائدة) مع أنها كلام الله؟ ولماذا إستعمل (عليكم) ولم يقل إليكم؟(د.حسام النعيمى)

حتى تتبين الصوره نبدأ من قوله تعالى:( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )112

(أن ينزّل) ليس للتدرج هنا لأن فعّل قد تـأتي للتدرج وقد تأتي للتكثير والتوكيد. عندما نقول كسر وكسّر قد لا تعني التكسير بالتدرج شيئاً فشيئاً وإنما يعني بقوة وبكثرة، كسّره فيه معنى التأكيد والتقوية فهم يريدون أن يؤكدوا. (ينزّل) لا يريدون أن ينزلها مدرّجة لكن يريدون أن يؤكدوا التنزيل.

(علينا) استعملوها للعلو ثم أكدوا ذلك بكلمة (من السماء) يريدونها من السماء حتى لا يأتيهم عيسى بطعام ولذلك جاء الجواب قال الله تعالى (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُم) إستعمل اللفظ الذي إستعملوه هم يريدونها من فوق فقالوا علينا ولم يقولوا إلينا.

☆☆ لغوياً يستقيم لو قلنا إليكم وسبق أن أوضحنا الفرق بين نزل عليك ونزل إليك: نزل عليك فيه معنى العلو والإستعلاء أما نزل إليك ففيه معنى التقريب كأنما يقرّبه إليه. ويمكن أن يتعاور حرفا الجرّ هنا (على وإلى) لكن لكل حرف معنى وله صورته. دلالة (على) هنا إستعلاء، هم أرادوها من فوق فقال تعالى آتيكم بها من فوق كما أردتم.

قال تعالى (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)) هذا لأن الكلمة التي قالوها (ينزّل) فقال تعالى (إني منزّلها) من نفس صيغة الفعل. (عليكم) تحوّل الخطاب إليهم. عيسى u هو الذي طلب لكن صار إلتفات في الخطاب (عليكم) لأنه سيأخذ عليهم عهداً مباشراً وليس بواسطة عيسى u. (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) المقصود الحقيقة في الآية هم (الحواريون) الذين طالبوا بالآية وعيسى u غير داخل في هذا الكلام لأنه لا يُقال لعيسى u(فمن يكفر بعد منكم) الكلام توجّه إليهم أنتم سألتك نبيّكم أن يدعو الله عز وجل هكذا فنزل الخطاب موجهاً إليهم.

(إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ) لم يقل عليهم حتى لا يكونوا بعيدين، هو كأنما يريد أن يعقد صفقة معهم وهذه لا تكون مع الغائب. هذه صفقة أنتم تريدون علامة على صحة هذا الرسول وهذه العلامة صفقة.

والسؤال كان عن التأكيدات لماذا يؤكده وهو كلام الله تعالى؟ هو يؤكد لأنه يريد أن يعقد صفقة معهم (إني منزلهما عليكم) مؤكد ستنزل (أكّد بـ: إنّ والجملة الإسمية (منزلها)) لم يقل إني سأنزلها. هذا الثابت الدائم الفعل الذي يسميه الكوفيون الفعل الدائم الذي هو إسم الفاعل (منزّلها) أي هي واقعة يقيناً عليكم الصفقة (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) هذا شيء ستضعونه في أفواهكم وترونه بأعينكم وتلمسونه بأيديكم، طعام نازل من السماء وسترون المائدة وهي تنزل. فعلاً نزلت مائدة من السماء وعليها طعام ورأوها وهي تنزل وبعد كل هذا الأمر إذا كفر منهم كافر ماذا يكون شأنه؟ (فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين) لأنه صارت الصفقة. لذلك جاء الكلام بهذه المؤكدات: هناك (إني منزّلها عليكم) وهنا(فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) . لمذا العذاب لا يعذبه أحد من العالمين؟ لأنه جميع العالمين ما مروا بهذه التجربة، الكل آمن بناء على كلام الرسول أو على معجزة ظاهرة: العصى صارت أفعى، الناقة، أو القرآن عجزوا أن يأتوا بمثله. أما هذه فمعجزة مادية ملموسة تذوّقوها، أكلوا منها، فالذي يكفر بعد ذلك يعذّب عذاباً خاصاً.

لمسات بيانيه

آيه 118

(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )

لمَ قدّم العذاب؟ قدّم إن تعذبهم على إن تغفر لهم لأن العذاب هو الأصل. الأصل فيهم أن يُعذبوا. الأصل في المشرك بالله سبحانه وتعالى العذاب والمغفرة إستثناء. فبدأ بالأصل (إن تعذبهم) ثم جاء إلى الإستثناء إحتمال المغفرة. فقدّم ما هو أصل ثم ثنّى بما هو إستثناء على الأصل وربطه بالعزة والحكمة وليس بالغفران.

(فإنهم عبادك) لم يقل فهم عبادك: هذا فيه معنى التأكيد أنه لا شك ولا ريب في عبوديتهم لك، هم عبيد لك تفعل بهم ما تشاء. عندما تؤكد ذلك هذا نوع من التقدّيم لله تعالى أنه لا أحد يشاركك في هذا الأمر فأنت تفعل بهم ما تشاء وهذا النوع من الإذلال فيه نوع من التقرّب إلى الله سبحانه وتعالى .

لمسات بيانيه

(وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم): ما اللمسة البيانية في هذه التركيبة اللغوية؟ لمَ لم يقل فأنت العزيز الحكيم؟

الضمير أنت هنا يسميه علماؤنا ضمير الفصل فيه معنى التأكيد لكن هو حقيقة المجيء به قالوا للفصل بين الخبر والصفة لأن أحياناً أنت تقول زيدٌ الكريم قادمٌ، كأن هناك زيد كريم وزيد بخيل فلو قلت زيد الكريم ووقفت لا يعلم السامع أنت تصف أم تُخبِر؟ سيكمل الكلام بعد ذلك؟ سيتم بمجيء خبر؟ فحتى يفرقوا: إذا قلت زيد هو الكريم إنتهى الكلام ولا ينتظر منك السامع أن تُكمل. (هو) فصلت بين الخبر والصفة. أن هذا خبر وليس نعتاً (لما تفصل لا ينتظر منك السامع إستكمال الكلام). زيد هو الكريم (الكريم خبر): (هو) ضمير فصل لا محل له من الإعراب أي لا يكون في موضع رفع ولا نصب ولا جر. ♡♡ (أنت)ضمير فصل للتأكيد. (فإنك أنت العزيز الحكيم) أنت: ضمير فصل فيه معنى التأكيد أي أنت وليس سواك، أنت دون غيرك.

♡♡أنت: هنا ضمير فصل فيه معنى التأكيد (فإنك أنت العزيز الحكيم) كأن فيه معنى الحصر، العزة والحكمة منحصرة في أنك سبحانك عما يصف الظالمون

لمسات بيانيه

لماذا جاء ختام الآية الكريمة بالعزيز الحكيم على خلاف عادة القرآن (غفور رحيم) ؟

هذا يدل على أنه مع الشرك ليس هناك أمل مع أن الأمل موجود في كل جريمة في الحديث (لن يزال المؤمن بخير ما لم يرتكب دماً حراماً) فكيف دم وتخويف وتكفير وتشريك يعني جرائم متتالية أي رحمة؟! (يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ). الأول في الدنيا والثاني في الآخرة نسأل الله العافية.

ما دلالة إستخدام العزيز الحكيم في الآية (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة) وليس الغفور الرحيم ؟

ما قال فإنك أنت الغفور الرحيم لأن الغفور الرحيم يغفر الذنوب ولكن هذا شِرك. والإشراك بالله سبحانه وتعالى جُرمٌ عظيم جداً. لم ترد الغفور الرحيم في مواطن الشِرك وهنا موطن شرك فلا يناسبه كلمة الغفور الرحيم لأن الغفور صيغة مبالغة من المغفرة يعني العظيم الغفارن. فلا يناسب العظيم الغفران مع الجُرم الشديد وإنما يحتاج إلى كلام عن العزة والحكمة وإلا كان يمكن في غير القرآن أن يقول فإنك أنت الغفور الرحيم وقد قالها في مواطن أخرى ولا يعجزه أن يقول هنا فإنك أنت الغفور الرحيم لكن غيّر ما يتوقعه الإنسان حتى يبين عِظَم الجُرم وأن الذي يقضي فيه هو عزيز حكيم عزّ فحكم كقول ذلك الأعرابي في آية السارق والسارقة.

وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ (116) المائدة) الله تعالى يعرف إن كان عيسى قد قال هذا الكلام أم لا فما دلالة السؤال؟(د.فاضل السامرائى)

رب العالمين يعلم كل شيء لكن التقرير لما يتعلق به المحاسبة والجزاء. حتى لو كان يعلم لماذا يحاسب ربنا العباد؟ يحاسبهم ليتعلق بهم الجزاء الأمور لا توكل إلى علمه حتى يقيم الحجة، كيف يقيم الحجة غير بالمحاسبة.

السؤال هنا استفهام أأنت فعلت كذا؟ حتى يقيم الحجة عليه أو له وهذا إستفهام غرضه تقرير يقرره بذلك. هو لم ينكر عليه ما ليس فاعله لأنه يعلم. هذا السؤال يتكرر كثيراً في القرآن الكريم غرضه البلاغي التقرير وقد يكون للتعجب أو الإنكار أو التقرير. (ألم نشرح لك صدرك) هذا استفهام غرضه التقرير، (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) المرسلات) والمسؤول يعلم، الإستفهام في اللغة نفهمه في سياق الدلالات الخاصة به ما غرضه؟ وقد يكون للتعجب (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ (72) هود) هذا استفهام غرضه التعجب.

لمسات بيانيه

آيه 119:

*ما الفرق بين التعبيرات التالية(ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿119﴾ المائدة) – (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿13﴾ النساء) – (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿72﴾التوبة) – (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿111﴾ التوبة) – (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿60﴾الصافات)؟(د.أحمد الكبيسى)

عندما قال (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر، رب العالمين يقول هؤلاء الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه قال (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) كما قال عن الجنة عيسى عندما دعا لقومه (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ﴿118﴾ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم)ُ ﴿119﴾ المائدة (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر أنت ناجح (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر فقط.

هناك فقط لمن آمن وكان صادقاً في عباداته (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وهذا أساس الجنة، من دخل الجنة (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) ﴿185﴾ آل عمران، لكن فاز، الفوز أنواع هناك فوز مجرّد يعني 50% وهناك فوز عظيم لكن في أعظم منه والأعظم منه هو الذي فيه واو فيه قسم (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

هذا الثاني (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لمن يطيع الأحكام في الكتاب والسنة حلال وحرام قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِين فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿13﴾النساء) هي الطاعة من يطع الرسول فقد أطاع الله (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴿20﴾ الأنفال) بالحلال والحرام هذه هي التقوى، إذاً فيها واو (وَذَلِكَ) هذا واحد.

في سورة التوبة أضاف هو بدون واو في قوله (ذَلِكَ هُوَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿72﴾ التوبة) من هم هؤلاء؟ الذين هم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴿71﴾ التوبة) هو يعني خصّصّ أن هذا الفوز فوز فريد (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لا فوز غيره في مقامه (ذَلِكَ هُوَ) (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿80﴾ الشعراء) في يطعمني ويسقيني لم يقل هو لأن هناك غيره يطعمون ويسقونك هناك آخرون أبوك أمك الخ هنا (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) ما في غيره ولا الطبيب هذا أسباب بينما هنا قال نفس الشيء (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) كلمة هو أضافها لكي يبين أن هذا فوز متميز لأن فيه طاعة الحلال والحرام.

في موقع آخر في سورة التوبة أضاف الواو والهاء يقول تعالى (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿111﴾ التوبة) هذه للشهداء (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿111﴾ التوبة) قطعاً أن فوز الشهداء أقوى من فوز الذين يتبعون الحلال والحرام الطاعة لأن هذا إضافة، الحلال والحرام أنت ملزم به ولكن هذا لم يكن ملزماً به أن ينال الشهادة فنال الشهادة قال (وَذَلِكَ) واو القسم جاء بالواو وهو معاً، الله سبحانه وتعالى يقسم بأن هذا هو الفوز الفريد المتميز جداً لماذا؟ لأن فيها شهادة.

ملحوظه:

لاحظ كل زيادة حركة في تغيير في المعنى فهناك الأولى خَبَر الثانية للمتقين الصادقين الثالثة لمن اتبع الحلال والحرام الرابعة للشهداء (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

أخيراً في الصافات قال (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿60﴾ الصافات) إنّ مؤكِّدة ثم هو ثم لام توكيد إنّ على هو، يعني هذا معناه فوز عجيب متى هذا؟ هذا عندما الناس دخلوا الجنة وعاشوا بسعادة وحور عين وأماكن رائعة جداً وجالسين في مجالس حلوة وفي هذه النعمة العظيمة فازوا فوزاً عظيماً ،فواحد قال والله يا جماعة احمدوا الله على هذا الذي نحن فيه، (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴿58﴾ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴿59﴾ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿60﴾ الصافات) يعني نحن لن ندخل جهنم ولن نموت ولن نحاسب مرة أخرى! يكاد يجن من الفرحة (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

لمسات بيانيه

قال تعالى :(لله ملك السموات والأرض وما فيهن…)..

استخدام (ما) في هذه الآية بدل (من) لأنها جاءت لغير العاقل لأن في الآخرة الناس يتساوون مع الجماد والنبات والحيوان في كونهم مأمورين ولا مُراد للناس في أي أمر لذا جاء استخدام (ما) وليس (من) لأن كل المخلوقات تساوت عند الله ولا اختيار للناس في الآخرة كما كان لهم في الدنيا.

المتشابهات

جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)

المائدة

جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)

البينة

المتشابهات

خالدين فيها أبدا/ خالدين فيها

خالدين فيها: جاءت في القرآن 29 مرة

خالدين فيها أبدا 11 مرة

(سورة النساء: 57، 122، 169، المائده:119، التوبه:22، 100، الأحزاب :65، التغابن:9،الطلاق:11، الجن:23، البينه:8 )

[وفي غيرها بحذف (أبدا) .]

المتشابهات

يا عيسى ابن مريم/ يا عيسى

يا عيسى ابن مريم( 3 مرات) كلها في سورة المائدة

{إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي…) (110) سورة المائدة

{إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (112) سورة المائدة

{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (116) سورة المائدة

يا عيسى( مرة )

{إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (55) سورة آل عمران

المتشابهات

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (120]

المائده

{لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ} [ 49]

الشورى

وفي غيرهما (ولله ملك السموات والأرض…

إضاءات

{فإنهم عبادك}

الإنسان يتقرب إلى الله تعالى بذكر عبوديته كما في الحديث عنه : “اللهم إني عبدك، إبن عبدك، إبن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك” ثم يبدأ يدعو. في البداية يقدّم العبودية المطلقة لله سبحانه وتعالى ثم يدعو ” أسألك بكل إسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو إستأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي”

هذا الربيع الذي ينمو في هذا الجفاف. نسأل الله عز وجل أن يجعله ربيع قلوبنا.

إضاءات

قام نبيك صلى الله عليه وسلم ليلة كاملة بآية يرددها حتى أصبح وهي :

” إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ‌ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ “المائدة 118

لذا قال ابن القيم :

فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن”

“التأمل في الأسماء الحسنى التي تختم بها الآيات الكريمة من مفاتيح فهم القرآن وتدبره ومثاله :

قوله تعالى: ” إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ‌ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” المائدة 118

فلم تختم الآية بقوله[الغفور الرحيم] لأن المقام غضب وانتقام ممن اتخذ إلهاً مع الله

《فناسب ذكر العزة والحكمة وصار أولى من ذكر الرحمة”》

،،

إضاءات

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي ، فيقال : لا تدري ما أحدثوا بعدك ” .

وقال ابن عباس والحسن ومجاهد والسدي : إن للقيامة أهوالا وزلازل تزول فيها القلوب عن مواضعها ، فيفزعون من هول ذلك اليوم ويذهلون عن الجواب ، ثم بعدما ثابت إليهم عقولهم يشهدون على أممهم .

تناسب فواتح المائدة مع خواتيمها

ابتدأت بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)) ثم ذكر ما يتعلق بالأطعمة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)) إذن بدأت بطلب الوفاء بالعقود ثم استمر في ذكر الأطعمة ما حلّ منها وما حرّم منها وانتهت بإنزال المائدة من السماء وهذا طعام (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ (114)). وذكر الوفاء بالعقود (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) وذكر في الخاتمة ما أخذه عيسى على قومه من العهد ثم تركوا ذلك (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)) هذا عهدٌ عليهم وهم تركوا هذا العهد. إذن أخذ عيسى u على قومه العهد (أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) فلم يفوا به وفي المفتتح قال (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ). الآية الثالثة من سورة المائدة قال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) هي نزلت في عرفة في أعياد المسلمين وفي خاتمة المائدة قال (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)) هذا تناسب في المواقيت والأزمنة إذن سورة المائدة أوائلها وآواخرها متناسبة.

تناسب خاتمة المائدة مع فاتحة الأنعام

في خاتمة المائدة قال تعالى (لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)) وفي بداية الأنعام (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ (1))، لله ملك السموات والأرض الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، له الملك وله الخلق خلَقَها وملَكَها. (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) إذن لله الملك، المائدة أثبتت الملك لله والأنعام أثبتت الخلق لله. ثم قال (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) ذكر من عدل عن عبادته في خواتيم المائدة (أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ (116))، يعدِلون بمعنى الخروج عن الطريق والانحراف وليس من العدل بمعنى القسط. فإذن ذكر في افتتاح السورة وذكر من عدل عن عبادته في خواتيم المائدة (أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ) هذا عدل (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) إذن صار ترابط. السؤال هنا من الله تعالى سؤال تقريري حتى يجيب بنفسه هو وحتى يدرأ عن نفسه الشبهة فيما زعموا، سؤال الله تعالى ليس سؤال استفهامي وإنما سؤال تقريري. إذن صار ارتباط بالملك والخلق والعدل.

تم بحمد الله تفسير سورة المائده

IMG-20151013-WA0009 IMG-20151013-WA0008 IMG-20151013-WA0007 IMG-20151013-WA0006 IMG-20151013-WA0005 IMG-20151013-WA0004 IMG-20151013-WA0003 IMG-20151013-WA0002 IMG-20151013-WA0001 IMG-20151005-WA0032 IMG-20151005-WA0031 IMG-20151005-WA0030 IMG-20151005-WA0029 IMG-20151005-WA0028 IMG-20151005-WA0026 IMG-20151005-WA0025 IMG-20151005-WA0024 IMG-20151005-WA0023 IMG-20151005-WA0022 IMG-20151005-WA0021 IMG-20151005-WA0020 IMG-20151005-WA0019 IMG-20151005-WA0018 IMG-20151005-WA0017 IMG-20151005-WA0016 IMG-20151005-WA0033 IMG-20151006-WA0017 IMG-20151006-WA0016 IMG-20151006-WA0015 IMG-20151006-WA0014 IMG-20151006-WA0013 IMG-20151006-WA0012 IMG-20151006-WA0010 IMG-20151006-WA0009 IMG-20151006-WA0008 IMG-20151006-WA0007 IMG-20151006-WA0006 IMG-20151006-WA0005 IMG-20151006-WA0004 IMG-20151006-WA0003 IMG-20151006-WA0001 IMG-20151006-WA0002 IMG-20151007-WA0022 IMG-20151007-WA0021 IMG-20151007-WA0020 IMG-20151007-WA0019 IMG-20151007-WA0018 IMG-20151007-WA0017 IMG-20151007-WA0016 IMG-20151007-WA0015 IMG-20151007-WA0014 IMG-20151007-WA0013 IMG-20151007-WA0012 IMG-20151007-WA0011 IMG-20151007-WA0010 IMG-20151007-WA0009 IMG-20151008-WA0011 IMG-20151008-WA0010 IMG-20151008-WA0009 IMG-20151008-WA0008 IMG-20151008-WA0007 IMG-20151008-WA0006 IMG-20151008-WA0005 IMG-20151008-WA0004 IMG-20151008-WA0003 IMG-20151008-WA0002 IMG-20151008-WA0001 IMG-20151008-WA0000 IMG-20151008-WA0017 IMG-20151008-WA0016 IMG-20151008-WA0015 IMG-20151008-WA0014 IMG-20151008-WA0013 IMG-20151009-WA0008 IMG-20151009-WA0007 IMG-20151009-WA0002 IMG-20151009-WA0001 IMG-20151009-WA0006 IMG-20151009-WA0005 IMG-20151009-WA0003 IMG-20151009-WA0004 IMG-20151011-WA0029 IMG-20151011-WA0028 IMG-20151011-WA0027 IMG-20151011-WA0026 IMG-20151011-WA0025 IMG-20151011-WA0024 IMG-20151011-WA0023 IMG-20151011-WA0022 IMG-20151011-WA0021 IMG-20151011-WA0020 IMG-20151013-WA0018 IMG-20151013-WA0017 IMG-20151013-WA0016 IMG-20151013-WA0015 IMG-20151013-WA0014 IMG-20151013-WA0013 IMG-20151013-WA0012 IMG-20151013-WA0011 IMG-20151013-WA0010

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.