لست أنا من أعد هذا المحتوي، أنا أنشره فقط، جزي الله كل خير لمن أعتده
المصادر:
التفسير السعدي
أسباب النزول للنيسابوري
لمسات بيانية لفاضل السمارائي
متشابهات للكسائي
كتاب نظم الدررلتناسب الايات و السور
الوجه الاول من الانعام
من ايه(1/8)
ص128
سورة الأنعام إِحدى السور المكية الطويلة[2] التي يدور محورها حول “العقيدة وأصول الإِيمان” وهي تختلف في أهدافها ومقاصدها عن السور المدنية التي سبق الحديث عنها كالبقرة، آل عمران، والنساء، والمائدة، فهي على الرغم من طولها إلا أنها تخلو من قصص الأنبياء والصالحين كما في السور الطوال سوى قصة قصيرة لآزر والد إبراهيم لا تتجاوز النصف صفحة، ولم تعرض لشيءٍ من الأحكام التنظيمية لجماعة المسلمين، كالصوم والحج والعقوبات وأحكام الأسرة، ولم تذكر أمور القتال ومحاربة الخارجين على دعوة الإِسلام، كما لم تتحدث عن أهل الكتاب مناليهود والمسيحيين ولا على المنافقين، وإِنما تناولت القضايا الكبرى الأساسية لأصول العقيدة والإِيمان، وهذه القضايا يمكن تلخيصها فيما يلي:……
قضية الألوهية.قضية الوحي والرسالةقضية البعث والجزاء.
سورة الأَنْعَام 6/114
سبب التسمية :
سُميت ب ” سورة الأنعام ” لورود ذكر الأنعام فيها ” َوَجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ” ولأن اكثر أحكامها الموضحة لجهالات المشركين تقربا بها إلى أصنامهم مذكورة فيها ومن خصائصها ما روى عن ابن عباس أنه قال ” نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة واحدة حولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح” .
سميت السورة (الأنعام)
ليس لورود كلمة الأنعام فيها فقط وإنما لذلك سبب رئيسي أن الأنعام عند قريش كانت هي الأكل والشرب والغذاء والمواصلات والثروة وعصب الحياة ، وكان كفار قريش يقولون نعبد الله لكن عصب الحياة لنا نتصرف فيها كيف نشاء لكن الله تعالى يخبرهم أن التوحيد يجب أن يكون في الإعتقاد وفي التطبيق ايضاً يجب أن نوحد الله في كل التصرفات وليس في المعتقدات فقط، وهذا توجيه ليس فقط لكفار قريش وإنما توجيه لعامة الناس الذين يعتقدون بوحدانية الله تعالى ولكن تطبيقهم ينافي معتقدهم، إذن لا إله إلا الله يجب أن تكون في المعتقد والتطبيق، وهذا يناسب ما جاء في سورة المائدة في قوله (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فعلينا أن نأخذ الدين كاملاً وأن نوحِّد الله تعالى في المعتقد والتطبيق.
فضل السورة :
1) عن ابن عباس قال: أنزلت سورة الأنعام بمكة معها موكب من الملائكة يشيعونها قد طبقوا ما بين السماء والارض لهم زجل بالتسبيح حتى كادت الارض أن ترتج من زجلهم بالتسبيح ارتجاجا فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم زجلهم بالتسبيح رعب من ذلك فخَرَّ ساجدا حتى أنزلت عليه بمكة .
2) عن أسماء بنت زيد قالت نزلت سورة الأنعام على النبي أن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة .
محور مواضيع السورة :
سورة الأنعام إحدى السور المكية الطويلة التي يدور محورها حول ” العقيدة وأصول الإيمان ” وهي تختلف في أهدافها ومقاصدها عن السور المدنية التي سبق الحديث عنها كالبقرة وال عمران والنساء والمائدة فهي لم تعرض لشئ من الأحكام التنظيمية لجماعة المسلمين كالصوم والحج والعقوبات وأحكام الأسرة ولم تذكر أمور القتال ومحاربة الخارجين على دعوة الاسلام كما لم تتحدث عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ولا على المنافقين وإنما تناولت القضايا الكبرى الاساسية لأصول العقيدة والإيمان وهذه القضايا يمكن تلخيصها فيما يلى :
1 قضية الألوهية .
2 قضية الوحي والرسالة .
3 قضية البعث والجزاء .
*تناسب خاتمة المائدة مع فاتحة الأنعام*
في خاتمة المائدة قال تعالى (لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)) وفي بداية الأنعام (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ (1))، لله ملك السموات والأرض الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، له الملك وله الخلق خلَقَها وملَكَها. (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) إذن لله الملك، المائدة أثبتت الملك لله والأنعام أثبتت الخلق لله. ثم قال (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) ذكر من عدل عن عبادته في خواتيم المائدة (أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ (116))، يعدِلون بمعنى الخروج عن الطريق والانحراف وليس من العدل بمعنى القسط. فإذن ذكر في افتتاح السورة وذكر من عدل عن عبادته في خواتيم المائدة (أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ) هذا عدل (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) إذن صار ترابط. السؤال هنا من الله تعالى سؤال تقريري حتى يجيب بنفسه هو وحتى يدرأ عن نفسه الشبهة فيما زعموا، سؤال الله تعالى ليس سؤال استفهامي وإنما سؤال تقريري. إذن صار ارتباط بالملك والخلق والعدل.
التعريف بالسورة :
1) سورة مكية ماعدا الآيات ” 20،23،91،93،114،141،151،152،15 3 ” فمدنية .
2) من السور الطول .
3) عدد آياتها165 آية .
4) هي السورة السادسة في ترتيب المصحف .
5) نزلت بعد سورة ” الحجر” .
6) تبدأ السورة بأحد أساليب الثناء وهو ” الحمد لله ” .
7) الجزء “8” ، الحزب ” 13،14، 15″ ، الربع ” 1،2،3،4 ” .
تفسير مبسط للوجه 1 من الانعام
( 1 ) الثناء على اللّه بصفاته التي كلّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، الذي أنشأ السموات والأرض وما فيهن، وخلق الظلمات والنور، وذلك بتعاقب الليل والنهار. وفي هذا دلالة على عظمة اللّه تعالى، واستحقاقه وحده العبادة، فلا يجوز لأحد أن يشرك به غيره. ومع هذا الوضوح فإن الكافرين يسوون باللّه غيره، ويشركون به.
( 2 ) هو الذي خلق أباكم آدم من طين وأنتم سلالة منه، ثم كتب مدة بقائكم في هذه الحياة الدنيا، وكتب أجلا آخر محدَّدًا لا يعلمه إلا هو جل وعلا وهو يوم القيامة، ثم أنتم بعد هذا تشكُّون في قدرة اللّه تعالى على البعث بعد الموت.
( 3 ) واللّه سبحانه هو الإله المعبود في السموات والأرض. ومن دلائل ألوهيته أنه يعلم جميع ما تخفونه -أيها الناس- وما تعلنونه، ويعلم جميع أعمالكم من خير أو شر؛ ولهذا فإنه -جلَّ وعلا- وحده هو الإله المستحق للعبادة.
( 4 ) هؤلاء الكفار الذين يشركون مع اللّه تعالى غيره قد جاءتهم الحجج الواضحة والدلالات البينة على وحدانية اللّه -جل وعلا- وصِدْقِ محمد صلى اللّه عليه وسلم في نبوته، وما جاء به، ولكن ما إن جاءتهم حتى أعرضوا عن قبولها، ولم يؤمنوا بها.
( 5 ) لقد جحد هؤلاء الكفار الحقَّ الذي جاءهم به محمد صلى اللّه عليه وسلم وسخروا من دعائه؛ جهلا منهم باللّه واغترارًا بإمهاله إياهم، فسوف يرون ما استهزءوا به أنه الحق والصدق، ويبين اللّه للمكذبين كذبهم وافتراءهم، ويجازيهم عليه.
( 6 ) ألم يعلم هؤلاء الذين يجحدون وحدانية اللّه تعالى واستحقاقه وحده العبادة، ويكذبون رسوله محمدًا صلى اللّه عليه وسلم ما حلَّ بالأمم المكذبة قبلهم من هلاك وتدمير، وقد مكنَّاهم في الأرض ما لم نمكن لكم أيها الكافرون، وأنعمنا عليهم بإنزال الأمطار وجريان الأنهار من تحت مساكنهم؛ استدراجًا وإملاءً لهم، فكفروا بنعم اللّه وكذبوا الرسل، فأهلكناهم بسبب ذنونهم، وأنشأنا من بعدهم أممًا أخرى خلفوهم في عمارة الأرض؟
( 7 ) ولو نزَّلنا عليك -أيها الرسول- كتابًا من السماء في أوراق فلمسه هؤلاء المشركون بأيديهم لقالوا: إنَّ ما جئت به -أيها الرسول- سحر واضح بيِّن.
( 8 ) وقال هؤلاء المشركون: هلا أنزل اللّه تعالى على محمد مَلَكًا من السماء؛ ليصدقه فيما جاء به من النبوة، ولوأنزلنا مَلَكًّا من السماء إجابة لطلبهم لقضي الأمر بإهلاكهم، ثم لا يمهلون لتوبة، فقد سبق في علم اللّه أنهم لا يؤمنون.
سبب نزول السورة :
قال المشركون : يا محمد خبرنا عن الشاة إذا مات من قتلها قال : الله قتلها قالوا : فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتل الكلب والصقر حلال وما قتله الله حرام ، فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال عكرمة : إن المجوس من أهل فارس لما أنزل الله تعالى تحريم الميتة كتبوا إلى مشركي قريش وكانوا أولياءهم في الجاهلية وكانت بينهم مكاتبة أن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون أن ما ذبحوا فهو حلال وما ذبح الله فهو حرام فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شئ فأنزل الله تعالى هذه الآية
**هدف السورة: التوحيد الخالص لله في الاعتقاد والسلوك**
سورة الأنعام هي اول سورة مكية في ترتيب المصحف بعد ما سبقها من سور مدنية، وهي أول سورة ابتدأت بالحمد (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض)، ومن مميزاتها أنها نزلت ليلاً دفعة واحدة وأنه شيّعها سبعون ألف ملك والسبب في هذا الامتياز أنها مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وإبطال مذاهب المبطلين والملحدين ويقول الإمام القرطبي إن هذه السورة أصلُ في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذّب بالبعث والنشور وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة. ونزولها ليلاً لما في الليل من سكينة للقلب ومدعاة للتأمل والتفكر في قدرة الله تعالى وعظمته. وتناولت سورة الأنعام القضايا الأساسية الكبرى لأصول العقيدة والإيمان
من اسباب النزول
2) قال ابن عباس يريد حمزة بن عبد المطلب وأبا جهل وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله بفرث وحمزة لم يؤمن بعد فأُخبِر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يتضرع إليه ويقول : يا أبا يعلي أما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسب آلهتنا وخالف اباءنا قال حمزة : ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله أشهد أن لا اله الا الله لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فأنزل الله تعالى هذه الآية . جاء به سفه عقولنا وسب آلهتنا وخالف اباءنا قال حمزة : ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله أشهد أن لا اله الا الله لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فأنزل الله تعالى هذه الآية .
3) عن عكرمة في قوله ” قَدْ خَسِرَ الذينَ قَتَلوا أَولادَهُم سَفَهًا بِغيرِ عِلمٍ ” قال نزلت فيمن كان يئد البنات من مضر وربيعة كان الرجل يشترط على امرأته أنك تئدين جارية وتستحين أخرى فاذا كانت الجارية التي توأد غدا من عند أهله أو راح وقال أنت علي كأمي إن رجعت اليك لم تئديها فترسل إلى نسوتها فيحفرن لها حفرة فيتداولنها بينهن فإذا بصرن به مقبلا دسنها في حفرتها وسوين عليها التراب .
لمسات بيانيه
آية (7-9):
*(وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ (7)) اللمس يكون باليد خاصة فلِمَ حدد الله اللمس بقوله (بأيدهم) مع أن هذا معلوم بداهة من قوله (فلمسوه)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن اللمس هو وضع اليد على شيء ما للتأكد من وجوده أو لمعرفة ظاهره وكلمة اللمس تدل على استعمال اليد ولكن الله قيد اللمس باليد ليؤكد معنى اللمس حتى لا يتوهم أنه أراد المجاز فيُصرف اللمس إلى التأمل، لا بل هو اللمس باليد وفي هذا تأكيد على معاندتهم ومكابرتهم.
***من اللمسات البيانية فى سورة الأنعام***
آية (1):
* ما الفرق بين جعل وخلق في سورة الأنعام (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1))؟(د.حسام النعيمى)
وردت خلق وجعل في آية (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) الأعراف) ووردت خلق وخلق في آية أخرى (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) النساء). فلماذا جاءت هنا خلق وهنا جعل؟
الزمخشري يقول في أساس البلاغة أن أصل الخلق هو التقدير. يقال: خلق البزّاز (أي الخيّاط) الثوب بمعنى قدّر أبعاده قبل أن يقطعه. ومنه خلق الله تعالى الخلق (مجاز) قدّرهم على تقدير أوجبته حكمته سبحانه وتعالى. فخلق الخلق بتقدير أوجبته حكمته تعالى. جلّت قدرته
أما جعل فقد جاء في تاج العروس: لفظ عام في الأفعال كلها وهو أعمّ من فعل وصنع. يقال: جعل بعضه فوق بعض أي ألقاه، جعل القبيح حسناً أي صيّره وحوّله كما في قوله (إنا جعلنا الشياطين أولياء)، جعل البصرة بغداد أي ظنّها، جعل له كذا على كذا أي شارطه، جعل يفعل كذا أي أقبل وأخذ، بمعنى التوجه والشروع في الشيء والإشتغال به، جعل بمعنى سمّى (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً)، جعل بمعنى الإعتقاد (ويجعلون لله البنات) يعتقدون، وجعل بمعنى التبيين. والجعل فعل عام يحمل معاني كثيرة منها الصُنع وإيجاد الشيء من الشيء والتبديل والتبيين والإعتقاد والظنّ والشروع في الشيء والحكم بالشيء على الشيء والنسبة والتشريف والخلق والإيجاد وغير ذلك من المعاني. الخلق والإيجاد من ضمن معاني جعل لكن خلق لما تُستعمل لوحدها تكون بمعنى الإيجاد على شيء قدّره الله سبحانه وتعالى بحكمته ليس على مثال سابق. كلمة (جعل) فيها معاني كثيرة متشتتة لذلك تأتي في 14 موضعاً إجتمعت جعل وخلق تتقدم خلق وتأتي جعل لأن الخلق هو الإيجاد والجعل هو تصرّفٌ بعد الخلق (هناك شيء يلي الخلق) لذلك كلمة جعل تأتي دائماً بعد كلمة خلق.
لمسات بيانيه
*(وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ (1)) ما الحكمة من إيثار الظلمات والنور بالذكر دون غيرهما من أعراض السموات والأرض؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
خص الله بالذكر من أعراض السموات والأرض عرضين عظيمين وهما الظلمات والنور وذاك لاستواء جميع الناس في إدراكهما والشعور بهما وفي الاقتصار عليهما تعريض بحاليّ المخاطبين في الآية فالظلمات تماثل الكفر لأنه اغماس في الجهالة والحيرة والإيمان يشبه النور لأنه استبانة الهدى والحق.
لمسات بيانيه
*(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ (1)) لم اختيرت كلمة (خلق) للسموات والأرض واختيرت كلمة (جعل) للظلمات والنور؟ وهل يختلف المعنى إن قلنا “وخلق الظلمات والنور”؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
خص ربنا عز وجل السموات والأرض بالخلق دون الجعل لأن الخلق فيه معنى التقدير وخصّ الظلمات والنور بالجعل لأن الفعل جعل فيه ملاحظة معنى الانتساب والدخول في الآخَر فالظلمات والنور مخلوقة لتتكيف بهما موجودات السموات والأرض وهي تكملة لخلق السموات والأرض ولذلك اختير لفظ الجعل للظلمات والنور.
المتشابهات
(الم يروا..)
الانعام6، الاعراف148، النحل 79، النمل86 ، يس31) وفي غيرها ( اولم يروا)
المتشابهات
(اهلكنا من قبلهم) الانعام6 ، السجده 26 ،ص3)
وفي غيرها (اهلكنا قبلهم)
المتشابهات
(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) الانعام5
(فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)6
**هدف السورة: التوحيد الخالص لله في الاعتقاد والسلوك**
سورة الأنعام هي اول سورة مكية في ترتيب المصحف بعد ما سبقها من سور مدنية، وهي أول سورة ابتدأت بالحمد (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض)، ومن مميزاتها أنها نزلت ليلاً دفعة واحدة وأنه شيّعها سبعون ألف ملك والسبب في هذا الامتياز أنها مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وإبطال مذاهب المبطلين والملحدين ويقول الإمام القرطبي إن هذه السورة أصلُ في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذّب بالبعث والنشور وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة. ونزولها ليلاً لما في الليل من سكينة للقلب ومدعاة للتأمل والتفكر في قدرة الله تعالى وعظمته. وتناولت سورة الأنعام القضايا الأساسية الكبرى لأصول العقيدة والإيمان
كلمتان تغمران القلب حباً (قل وهو).
إنَّ لسورة الأنعام ترتيباً معيناً تسير وفقه من أول السورة إلى آخرها، وهو أن ترد أربع أو خمس آيات تتحدث عن قدرة الله تعالى في الكون ثم تليها بعد ذلك آيات أخرى تواجه الماديين ومن ينكر وجود الله ومن يزعم أنّ الطبيعة هي التي خلقت الكون… وهكذا تسير الآيات من أول السورة إلى آخرها على هذا المنوال.
وأكثر آيات السورة تبدأ بإحدى الكلمتين: (قل أو هو). فما سبب تكرارهما..؟! وما علاقتهما بمحور السورة؟
إنّك عندما تقرأ كل آية تبدأ بكلمة ]هو[، تجد أنها تتحدث عن قدرة الله، كقوله تعالى ]وَهُوَ ٱلله فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَفِى ٱلاْرْضِ[ ]وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْل[]وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ[ ]وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ[. وأما آيات مواجهة الكفار – والتي تخاطب النبي (كما تخاطب كل مؤمن) وترشده إلى كيفية مقارعتهم بالحجة – فتبدأ بكلمة]قل[: ]قُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً قُلِ ٱلله شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ[ (19).
]قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ& قُلِ ٱلله يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ& قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ[(63-65) ]قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱلله مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا[ (71). فكأنّ الآيات تخاطب القارئ قائلة: استشعر في نفسك من هو القادر حتى تملأ قلبك من حبه، ثم انطلق في مواجهة من يشكك في إيمانك بوحدانيته وعظمته.
تدبر في السورة
فهذه الآيات تدعو مَنْ يقرأها إلى أن يستشعر قدرة الله تعالى.. فإذا وجد إدباراً من الكفار المنكرين، استشعر عظم جرمهم ومدى جرأتهم وضلالهم، وواجههم بآياتها.
———————————————–
الوجه (2) من الانعام
من ايه(18/9)
ص 129
الآية 9: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا ﴾: يعني ولو جعلنا الرسول المُرسَل إليهم مَلَكًا – إذ لم يقتنعوا بمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا ﴾: أي لَجَعلنا ذلك الملك في صورة بشر، حتى يستطيعوا السماع منه ومخاطبته; إذ ليس بإمكانهم رؤية المَلَك على صورته الملائكية، وحينها سيَطلبون أن يكون الرسولُ بشراً، ﴿ وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ﴾: يعني ولو جاءهم المَلَك بصورة رجل: لاشتبَه الأمر عليهم، كما اشتبه عليهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم، إذ هم مُعاندون للحق، مُتَّبِعون لأهوائهم.
آيه10: ولمَّا كان طلبهم إنزال الملك على سبيل الاستهزاء بمحمد صلى الله عليه وسلم: بيَّن الله له أن الاستهزاء بالرسل عليهم السلام ليس أمرا جديداً، بل قد وقع من الكفار السابقين مع أنبيائهم، فقال – مُصَبِّراً له على تكذيبهم، ومُهَدِّداً لهم -: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ ﴿ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾: أي فأحاط بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به ويُنكرون وقوعه، فاحذروا – أيها المكذبون – أن تستمروا على تكذيبكم، فيُصيبكم ما أصابهم.
الآية 11: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا ﴾ بعيونكم، واعتبروا بقلوبكم ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ إنه الهلاك والخِزي، وانتقام وإبادة الملك الجبار لهم، فاحذروا أن يَحِلَّ بكم مِثل الذي حَلَّ بهم.
الآية 12: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاءالمشركين: ﴿ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَات ِوَالْأَرْضِ ﴾؟
﴿ قُلْ لِلَّهِ ﴾ كما تُقِرُّون بذلك، فاعبدوه وحده، واعترفوا له بالإخلاص والتوحيد، كما تعترفون بانفراده بالمُلك والخلق والتدبير، واعلموا أنه سبحانه وتعالى قد ﴿ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾: أي أوْجَبَ على نفسه رَحمةَ خَلقه، فلا يُعاجلهم بالعقوبة إذا أذنبوا، وقد كتب سبحانه على نفسه أنَّ رحمته تغلب غضبه، وأنه قد فتح لعباده أبواب الرحمة (إن لم يُغلِقوا أبوابها عليهم بذنوبهم).
- واعلم أنّ هذه الرحمة ظاهرة جَلِيَّة في الناس: إذ إنهم يَكفرون به ويَعصونه وهو يُطعمهم ويَسقيهم ويحفظهم، وما حَمدوه قط، وكذلك مِن مَظاهر رحمته تعالى: أن يجمع الناسَ يومَ القيامة ليحاسبهم ويُجازيهم بعملهم: فالحسنة بعشر أمثالها، أما السيئة فبِسَيئةٍ مثلها فقط، ولهذا قال – بعد أن ذَكَرَ رحمته -: ﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ الذي ﴿ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾: أي الكائِن الواقع يقيناً بلا شك، وهذا قسَمٌ منه سبحانه، وهو أصدق القائلين، وقد أقام على ذلك من الحجج والبراهين، ما يجعله حق اليقين، ولكنْ أبَى الظالمون إلا جحوداً، وأنكروا قدرة الله على بعث الخلائق، فانغمسوا في معاصيه، وتجرءوا على الكفر به، فخسروا بذلك دنياهم وأُخراهم، ولهذا قال: ﴿ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾: يعني: الذين أشركوا بالله تعالى قد أهلكوا أنفسهم، فهم لا يوحدون الله، ولا يُصدقون بوعده ووعيده، ولا يُقرون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فبذلك استحقوا الخسران المبين.
الآية 13 ﴿ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾: أي وَللهِ تعالى مُلكُ كل شيءٍ في السموات والأرض (سَكَنَ أو تحرَّك، خَفِيَ أو ظهر)، فالجميع عبيده وخلقه، وتحت قهره وتصَرُّفه وتدبيره، ومِن هنا وَجَبَ اللجوء إليه، والتوكل عليه، والانقياد لأمره ونهيه، ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ ﴾ لأقوال عباده ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بأفعالهم الظاهرة والباطنة.
- واعلم أنَّ في قوله تعالى: ﴿ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾، محذوفاً (بلاغياً) تقديره: (وَلَهُ مَا سَكَنَ وتحرك فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)، لأن كل متحرك يَؤول أمْرُهُ إلى سكون، وذلك كَقوْلِهِ في آيةٍ أخرى: ﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ﴾ أي ملابس تحميكم من الحر والبرد، فاكتفى بذِكر أحدهما لِيَدُلّ على الآخَر.
- ومن الممكن أن يكون المراد أنّ له سبحانه كل ما حَلَّ في الليل والنهار (متحركًا كان أو ساكنًا)، كما يُقال: (فلان سَكَنَ ببلدٍ) أي حَلَّ فيه.
آيه 14• ثم أمَرَ تعالى رسوله أن يَرُدّ على المشركين الذين يريدونه أن يوافقهم على شِركِهم، وأن يَعبد معهم آلهتهم، فقال له: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ﴾: يعني أغيرَ الله تعالى أتخذ وليًّا ونصيرًا، أعبده كما اتخذتم أنتم أيها المشركون أولياء عَجَزَة تعبدونهم، إنَّ هذا لن يكونَ أبداً، لأنه سبحانه هو وحده ﴿ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾: أي خالق السموات والأرض وما فيهنّ، ﴿ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ﴾: يعني وهو الذي يُطعِمُ خَلقه لافتقارهم إليه، ولا يُطعِمُهُ أحد لِغِناه المُطلَق عن ذلك، إذ هو سبحانه ليس بمحتاجٍ إلى رزق، ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ﴾: أي أول مَن خضع لله وانقاد له بالعبودية مِن هذه الأمة، وقيل لي: ﴿ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ الذين يعبدون مع الله غيره من مخلوقاته.
الآية 17: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ ﴾: يعني وإن يُصِبْكَ اللهُ بشيءٍ يَضرك كالفقر والمرض والحزن: ﴿ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ﴾ ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ ﴾: يعني وإن يُصِبْكَ بخيرٍ كالغِنَى والصحة والفرح: فلا رادَّ لِفضله، ولا مانعَ لقضاءه (فهو على كل شئ قدير) أسباب النزول :
– قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} الْآيَةَ [13]:
قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْمِلُكَ عَلَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، فَنَحْنُ نَجْعَلُ لَكَ نَصِيبًا فِي أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَغْنَانَا رَجُلًا وَتَرْجِعُ عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
لمسات بيانيه
آية (11):
*ما اللمسة البيانية في تذكير كلمة عاقبة مرة وتأنيثها مرة أخرى في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
قد جاء في قوله تعالى عن العاقبة تأتي بالتذكير مرة وبالتأنيث مرة ،
☆عندما تأتي بالتذكير تكون بمعنى العذاب وقد وردت في القرآن الكريم 12 مرة بمعنى العذاب أي بالتذكير. والأمثلة في القرآن كثيرة منها قوله تعالى في سورة الأنعام(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11))و(وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) الأعراف) و(فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) الصافّات) وسورة يونس (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ {73}) المقصود بالعاقبة هنا محل العذاب فجاء الفعل مذكراً ،
☆ وعندما تأتي بالتأنيث لا تكون إلا بمعنى الجنّة كما في قوله تعالى (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) القصص) وفي قوله تعالى في سورة الأنعام(قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) {135}.
لمسات بيانيه
ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) (10) حاق بمعنى أحاط به وأصابه وأنما خص الله إصابتهم بالفعل أحاط دون أصابهم لأن فعل حاق يعبر عن الإحاطة وهذا يصور تمكن العذاب منهم حيث لا يقدر أحد على الإفلات من العذاب فهو محيط بهم إحاطة السوار بالمعصم.
لمسات بيانيه
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (10) الأنعام) ما هو الفرق بين استهزأ بـ وسخر من؟(د.فاضل السامرائى)
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (10) الأنعام) مرة سخرية ومرة استهزاء. هنالك أمران في اللغة يذكران في الاستعمال القرآني:
☆أولاً الاستهزاء عام سواء تستهزئ بالأشخاص وبغير الأشخاص (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَ ى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا (58) المائدة) الصلاة ليست شخصاً وإنما أقاويل وأفاعيل (وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا (231) البقرة) (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) التوبة) إذن الاستهزاء عام في الأشخاص وفي غير الأشخاص
☆أما السخرية ففي الأشخاص تحديداً لم ترد في القرآن إلا في الأشخاص (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُون)َ (38) هود)
لمسات بيانيه
آية (14):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض)ِ(14)
الفاطر هو المبدع والخالق وأصله من الفطر وهو الشق وقال ابن عباس رضي الله عنه “ما عرفت معنى الفاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها”. ولذلك اختير هذا الوصف (فاطر) من بين صفات الله وأسمائه لدحض دعوى اتخاذ أيّ ولي دون الله فالله هو الولي وهو الخالق والفاطر.
لمسات بيانيه
(قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)) تأمل هذا التحذير الإلهي فقد أضاف الله العذاب إلى يوم عظيم فقال (عذاب يوم عظيم) فما الهدف من هذه الإضافة؟ ولِمَ لمْ يوصف العذاب بالعظمة دون ذكر يوم أي لِمَ لمْ يقل إني أخاف عذاباً عظيماً؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
أضاف الله العذاب إلى كلمة يوم لما لهذا الاسم من الدلالة عند العرب لأنهم اعتادوا أن يطلقوا اليوم على يوم المعركة الذي ينتهي بنصر فريقٍ وانهزام آخر فيكون هذا اليوم نكالاً على المنهزمين لأنه يكثر فيهم القتل ويُسام المغلوب سوء العذاب فذكر يوم يثير عند العرب من الخيال مخاوف مألوفة ويبث الهول في جوانحهم وزاد هذا الهول بوصف اليوم والعذاب بالعظيم حيث قال (عذاب يوم عظيم).
لمسات بيانيه
(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ (18)) انظر إلى هذه الآية ألا ترى أن الظرف (فوق) في هذا الموضع لا يدل على جهة العلو كما يستعمل عادة فأنت تقول المصحف فوق الطاولة فتقصد جهة العلو فعلام يدل الظرف (فوق) في هذه الآية؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
في الظرف هنا استعارة تمثيلية لحالة القاهر وتشبيه له بالذي يأخذ المغلوب من أعلاه حتى يستسلم لأنه لا يقدر على الحراك والمقاومة.
الموضع الوحيد :
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )(11)الأنعام
الوحيدة فى الأنعام( ثم أنظروا)
وباقى المواضع( فانظروا)
آية (17):
لمسات بيانيه
*ما الفرق بين المسّ والإذاقة في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً الذوق والمس يأتي للضر وغير الضر، الذوق هو إدراك الطعم والمسّ هو أي إتصال. أما كون المس يأتي مع الشر فغير صحيح لأن المس يأتي مع الرحمة أيضاً (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) المعارج) (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (120) آل عمران) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (17) الأنعام) وكذلك الإذاقة تأتي مع العذاب ومع الرحمة (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة) (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (48) الشورى) (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) الفرقان) ليس هنالك تقييد في الاستعمال.
لمسات بيانيه
* ما الفرق بين الضُرّ (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ (17) الأنعام) والضَر (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا (49) يونس) والضرر (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ (95) النساء) والحديث الشريف “لا ضرر ولا ضرار”؟(د.فاضل السامرائى)
☆الضُر يكون في البدن من مرض وغيره (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ (83) الأنبياء).
☆الضَر مصدر بما يقابل النفع (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا (188) الأعراف).
☆الضرر الإسم أي النقصان يدخل في الشيء يقال دخل عليه ضرر (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) أي الذين فيهم عِلّة أما الضر فهو ما يقابل النفع. الضرر هو الإسم عام والضرّ مصدر. الضُر ما يحصل في البدن من سقم والضَر المصدر لما يقابل النفع والضرر إسم. نحن عندنا المصدر وأحياناً يكون التغيير في المصدر بحركة أو بشيء آخر يسمى إسماً. مثلاً: الدّهن والدُهن، الدَهن هو المصدر دهن جسمه دهناً، والدُهن هو المادة المستخلصة من النبات للدهن. الحَمل والحِمل، الحَمل مصدر حمل والحِمل هو الشيء المحمول تغير المعنى بالحركة من مصدر إلى إسم. الوَضوء هو الماء والوُضوء هو عملية التوضؤ نفسها. هذا تغيير
المتشابهات
☆(مافي السماوات والأرض)
[البقره:116،النساء170،
الانعام:12،يونس:55،
النحل:52،النور:64،
العنكبوت:52،
لقمان:26،الحديد:1،
الحشر:24،التغابن:4]
☆وفي غيرها (مافي السماوات ومافي الأرض)
المتشابهات
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ )
الأنعام 17
(وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْر)ٍ
يونس 107
- تضبط بالجملة الإنشائية (أراد يونس الخير)
المتشابهات
☆(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُوَلِيًّا فَاطِر السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض..ِ)
14
كلمة فاطر جاءت ثلاث مرات بالفتح ومرتان بالكسر ومرة بالضم
- بالكسر فى سور الأنعام 14، إبراهيم 10 ، فاطر1
- بالفتح فى سور يوسف 101 ، الزمر 46 ،
- بالضم فى سورة الشورى 11
وتُضبط بالأعراب وهنا تُعرب فى موضع الأنعام:
بدل مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة من لفظ الجلالة
المتشابهات
فحاق/فأمليت
☆” وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِۦ يَسْتَهْزِءُونَ “
( الأنعام 10 , الأنبياء 41 ) ↔ تماثل
☆” وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ” ( الرعد 32 )
- التركيز على موضع الخلاف في سورة الرعد
المتشابهات
(قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )
(15)الأنعام
(13) الزمر
المتشابهات
☆(وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِين)
ُ (16) الأنعام
☆( ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)
(30) الجاثية
- لم تأت الفوز المبين إلا فى هاتين السورتين
- الهاء فى( هو )مثل أسم السورة
☆وفي غيرهما ( الفوز العظيم)
عدا [البروج:11] (الفوز الكبير)
متشابهات الأنعام مع نفسها:
1- كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ ” ( الأنعام 12 )
” كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ ” ( الأنعام 54
3- ” ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ”
( الأنعام 12 , 20 )
4- ” قُلْ أغَيْرَ اللهِ ” ( الأنعام 14 , 164 )
” أغَيْرَ اللهِ ” ( الأنعام 40 )
” أفَغَيْرَ اللهِ ” ( الأنعام 114 )
5- ” وَلَا تَكُونَنَّ ”
( الأنعام 14)
” فَلَا تَكُونَنَّ ” 35 , 114 }
7- ” وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِۦ ” ( الأنعام 18 , 61 )
8- ” وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير ” ( الأنعام 18 , 73 )
دروس مستفادة :
السياحة مستحبة إن كان الهدف منها النظر والإعتبار في آيات الله تعالى المبثوثة في أرجاء الكون ،والتأمل في مصير الامم والشعوب البائدة
التكذيب والإستهزاء بالرسل دأب الجاهلين المعاندين في كل العصور ،وقد جرت سنة الله تعالى بإهلاك المستهزئين المكذبين بعد إقامةالحجج عليهم وإمهالهم
وإن يمسسك الله (بضر) فلا (كاشف) له إلا هو ” أي ضر كان ..صغيرا أو كبيرا. في أجسادنا في قلوبنا في حياتنا حتى ألم الشوكة لن يزيله إلا الله\عبد بن بلقاسم
“وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو” قد يكون الخير بإصابتك الضر لا بكشفه غفرانا لذنبك ورحمة بك “وهو الغفور الرحيم” كل ما يقضيه هو خير لك. / نايف الفيصل
—————————————————–
من ايه(19/29)
ص 130
تفسير مبسط للوجه 3
الاية 19: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ﴾: يعني: أيُّ شيء أعظم شهادة في إثبات صِدقي فيما أخبرتكم به أني رسول الله؟ ﴿ قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾: أي هو سبحانه العالِمُ بما جئتكم به، وهو العالِمُ بما أنتم قائلونه لي، فشهادته تعالى لي بالنبوة هي ما أعطاه لي من المعجزات الباهرة (كانشقاق القمر وغير ذلك)، وكذلك وَحْيُهُ إليّ بهذا القرآن الذي أنذركم به، والذي لا يستطيع أن يقوله بشر، وأنتم تعلمون ذلك لأنكم أبلغ البشر، ولهذا قال بعدها: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ﴾: أي مِن أجل أن أنذركم به عذابَ الله أن يَحلَّ بكم، ﴿ وَمَنْ بَلَغَ ﴾: يعني ولأنذر به كل مَن وصل إليه هذا القرآن، قال القرطبي رحمه الله: (مَن بَلغه القرآن، فكأنما قد رأي محمداً صلى الله عليه وسلم وسمع منه)، وفي هذا دليلٌ على أنّ الأصل أن يُعذَرَ الإنسانُ بجهله حتى يبلغه العلم.
- ولما بيّن تعالى شهادته بصِدق نبيه (وهي أكبر الشهادات على التوحيد)، أمَرَهُ أن يُنكِرَ عليهم الشرك بقوله: ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى ﴾: يعني إنكم لَتُقِرُّون أنَّ مع اللهِ معبوداتٍ أخرى تشركونها به في العبادة، ﴿ قُلْ ﴾: أما أنا فـ ﴿ لَا أَشْهَدُ ﴾ على ما أقررتم به، ولا أعترف بهذه الأصنام والأحجار التي تعبدونها جهلاً وعناداً، ثم أمره تعالى بعد ذلك أن يقرر ألوهية الله وحده، وأن يتبرأ من آلهتهم المزعومة، فقال له: ﴿ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ لا شريك له، وهو الله الواحد الأحد الصمد (أي السيد الذي يُلجأ إليه عند الشدائد والحوائج)، ﴿ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾.
الآية 20: ﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ ﴾: أي الذين آتيناهم التوراة والإنجيل، يعرفون محمدًا صلى الله عليه وسلم بصفاته المكتوبة عندهم ﴿ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ﴾، فكما أنَّ أبناءهم لا يَشتَبِهون عليهم بغيرهم، فكذلك محمد صلى الله عليه وسلم لا يَشتَبِه عليهم بغيره، لِدقة وَصْفِهِ في كُتبهم، ولكنهم اتبعوا أهواءهم، فخسروا أنفسهم حين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، ولهذا قال:﴿ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾.
الاية 21: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾: يعني لا أحد أشَدّ ظلمًا ﴿ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ فزعم أنّ له شركاء في العبادة، أو ادَّعى أنّ له ولدًا أو زوجة، ﴿ أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ ﴾: يعني أو كَذَّبَ ببراهينه وأدلته التي أيَّدَ بها رسله، ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾: يعني إن الظالمين الذين افتروا على الله الكذب لا يُفلحون في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يَنجون من عذاب الله يوم القيامة.
الآية 22، والآية 23، والآية 24: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ﴾ ﴿ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾: يعني أين آلهتكم التي كنتم تزعمون أنهم شركاء مع الله تعالى ليشفعوا لكم؟، ﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ ﴾: يعني: ثم لم تكن إجابتهم حين فُتِنوا بالسؤال عن شركائهم ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾: يعني أنهم تبرؤوا منهم، وأقسموا بالله ربهم أنهم لم يكونوا مشركين معه غيره، وذلك لأنهم قد رأوا أن المشركين لا يُغفَرُ لهم ولا يَنجون من عذاب الله.
- ثم أمر الله رسوله أن يتعجب من هذا الموقف المُخزي لهم، فقال له: ﴿ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ حين تبرؤوا من الشرك؟ ﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾: أي ذهب وغاب عنهم ما كانوا يظنونه من شفاعة آلهتهم لهم يوم القيامة.
الآية 26: ﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ﴾: يعني: وهؤلاء المشركون ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والاستماع إليه، (﴿ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾: يعني ويبتعدون بأنفسهم عنه، ﴿ وَإِنْ يُهْلِكُونَ ﴾: أي وما يُهلكون – بصدهم عن سبيل الله – ﴿ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ﴾ ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ أنهم يَسعون في هلاكها.
الآية 27، والآية 28: (﴿ وَلَوْ تَرَى ﴾) أيها الرسول هؤلاء المشركين يوم القيامة لرأيتَ أمراً عظيماً ﴿ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ ﴾: يعني حين يُحْبَسون على النار، ويشاهدون ما فيها من السلاسل والحميم، فلما رأوا بأعينهم تلك الأهوال والأمور العِظام: ﴿ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ ﴾ إلى الحياة الدنيا، فنُصَدق بآيات الله ونعمل بها، ﴿ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ﴿ بَلْ ﴾: أي وما هم بصادقين في ذلك القول، وإنما هي تمنيات حملهم عليها الخوف من نار جهنم وفضيحتهم أمام أتباعهم حين ﴿ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ﴾: يعني حين ظهر لهم يوم القيامة ما كانوا يَعلمونه مِن صِدق ما جاءت به الرسل في الدنيا (رغم أنهم كانوا يُظهرون لأتباعهم خلاف ذلك)، ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ﴾: يعني ولو فُرِضَ أنهم أُعيدوا إلى الدنيا فأُمْهِلوا ليتوبوا من الشرك والمعاصي والعِناد: لَرَجَعوا إلى ما كانوا عليه، ﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ في قولهم: (لو رُدِدْنا إلى الدنيا: لم نُكذب بآيات ربنا، وكنا من المؤمنين
- وَمِن لطيف ما يُذكَرُ في قوله تعالى: ﴿ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ ﴾، أنني – شخصياً – قد رأيتُ في مَنامي بأنَّ القيامة قد قامت، وأنَّ الخلقَ واقفونَ في الظلام، ينتظرون العرضَ على اللهِ جَلَّ وَعَلا، فقلتُ – ما مَضمونه – : (هل سأُعْرَضُ الآنَ حقاً على اللِه تعالى، ليحاسبني على كل صغيرةٍ وكبيرة، على كل نعمةٍ وكل ذنب، لا، أنا لستُ مستعداً الآن للقاء اللهِ جَلَّ وَعَلا، يارب، أرْجِعْنِي إلى الدنيا مرة أخرى حتى أستقيمَ على طاعتِك، وأتوبَ من كل الذنوب، وأستعد للقائك)، وأخذتُ أتضرعُ إلى اللهِ تعالى حتى استيقظتُ من النوم، هنا فقط – بعد أن رَدَّ اللهُ عليَّ روحي – أدركتُ معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم – عندما كانَ يستيقظ مِن نومِه: (الحمد لله الذي عافاني في جسدي، وَرَدَّ عَليَّ رُوحي، وأذِنَ لي بذِكْره)، أدركتُ أنَّ كلَ يومٍ من عمري هو – ببساطة – فرصة عظيمة لاستدراك ما فات من الذنوب والعمل الصالح، وأنَّ المَوْتَى يَتمنونَ يوماً واحداً من أيامي، ولو يشترونه بالدنيا وما عليها، فأنتَ الآنَ في أمنيتهم، فاعملْ يا عبدَ اللهِ قبل أن تنامَ فلا تقوم
هذا قول المفسر
َقَوْلُهُ تَعَالَى:{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} الْآيَةَ [19]:
قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ رُؤَسَاءَ مَكَّةَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا نَرَى أَحَدًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ مِنْ أَمْرِ الرِّسَالَه ولقد سالنا عنك الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَزَعَمُوا أَنْ لَيْسَ لَكَ عِنْدَهُمْ ذِكْرٌ وَلَا صِفَةٌ، فَأَرِنَا مَنْ يَشْهَدُ لَكَ أَنَّكَ رَسُولٌ كَمَا تَزْعُمُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
.- قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} الْآيَةَ [25]:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ وَأُبَيًّا ابْنَيْ خَلَفٍ، اسْتَمَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا لِلنَّضْرِ: يَا أَبَا قُتَيْلَةَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: والذي جعلها بيته مَا أَدْرِي مَا يَقُولُ، إِلَّا أَنِّي أَرَى يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ وَمَا يَقُولُ إِلَّا أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ مِثْلَ مَا كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، وَكَانَ النَّضْرُ كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَنِ الْقُرُونِ الْأُولَى، وَكَانَ يُحَدِّثُ قُرَيْشًا فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
.- قولُهُ تَعَالَى:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [26]:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن حمشاد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْدَهْ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَنْهَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَتَبَاعَدُ عَمَّا جَاءَ بِهِ.
لمسات بيانيه
اية (19):
*(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ (19)) يعالج الله عباده بأسلوبي الإنذار والتبشير لكن هذه الآية اقتصرت على الإنذار فما حكمة ذلك؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
اقتصر ربنا على جعل علة نزول القرآن بالإنذار دون البشارة لأن المخاطبين كانوا في حالة مكابرة وهذه الحال والمقام لا يناسبه إلا الإنذار.
(أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى (19)) هذا هو كلام الله تعالى كلامه المعجز اذي يفحم أرباب البيان ويرغمهم على لوقوف أمامه مشدوهين. انظر كيف يصور هذا الإستفهام المشركين ويسبغ عليهم جلباب الاستهانة والحماقة فقد جعل ربنا الاستفهام في الآية (أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ) داخلاً على إنّ المؤكدة ولام التأكيد ولم يكتف بأداة الاستفهام (أتشهدون أن مع الله آلهة أخرى) لأن دخول همزة الاستفهام (أئنكم) يفيد أن شهادتهم هذه مما لا يكاد يصدق السامعون أنهم يشهدونها لاستبعاد صدورها من عقلاء. فأنت لو سألت صديقك عن أمر تستبعده فتقول (أئنك لتغدر بي) فإذا أردت الإثبات أجابك بالأسلوب نفسه (نعم إنني لأغدر بك) فأدخل في الإجابة (إنّ واللام) ليؤكد ما تستبعده وكذلك الآية تحتاج إلى التأكيد في الإجابة (نعم إنهم ليشهدون أن مع الله آلهة أخرى).
لمسات بيانيه
آية (25):
*ما الفرق بين(قل أوحى إلى أنه استمع نفرٌ من الجن) (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ (25) الأنعام)؟ (د.فاضل السامرائى)
لماذا لم يقل استمع إليك فى سورة الجن مع أن القرآن يستخدم(وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ (25) الأنعام)؟ فى سورة الجن ليس المقصود شخص الرسول r لكن المقصود هو القرآن. هنالك أمر في القرآن الكريم: حيث عدّى الاستماع حيث يقول (إليك) لا بد أن يجري ذكر الرسول في سياق الآية. إذا قال إليك فلا بد أن يذكر شيئاً يتعلق بالرسول r. مثال (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25) الأنعام) المخاطب هو الرسول r. لما ذكر إليك (حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)، (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ (16) محمد) متعلق بالرسول r (قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا). (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (42) يونس) المخاطب هو الرسول r. (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (47) الإسراء) حيث يقول (يستمعون إليك) أو (يستمع إليك) يجري ذكر الرسول r في السياق وهنا في آية الجن لم يرد ذكر الرسول مطلقاً. هو القصد ذكر القرآن وليس ذكر القارئ القرآن هو القصد وليس الرسول r. فلم يعدّي الإستماع إليه.
المتشابهات
نحشرهم جميعاً الأنعام 22 ، يونس 28
يحشرهم جميعاً الأنعام 128 ، سبأ 40
نحشرهم (مع أهل الشرك)
فى موضع الأنعام 22 : أين شركاؤكم ، وليست شركاءى : الميم مثل أسم السورة
المتشابهات
ومن أظلم /فمن أظلم ، الظالمون /المجرمون
الأنعام 21 ، يونس 17
الواو قبل الفاء ، الضبط بالجملة الإنشائية (الظلم جرم)
وفى سورة الأنعام دوران (ومن أظلم) الضبط بدوران الكلمة (لم تأتى فمن أظلم)
ومن أظلم ممن أفترى على الله كذبا أوكذب بأياته / أو قال أوحى إلى ولم يوح إليه شئ : 21 ، 93 : التكذيب فى الأية الأولى ثم الإدعاء فى الأية الثانية
المتشابهات
ومنهم من يستمع إليك الأنعام 25 ، محمد 16 ، يستمعون إليك يونس 42
التركيز على موضع الإختلاف فى سورة يونس (الواو والنون فى يستمعون مثل أسم السورة)
جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا
الأنعام 25 ، الكهف 57 ، الإسراء 46
الضبط بالسياق
من حيث السور التى جاءت فيها جملتنا ” من أظلم “:
فى كل من سورتى البقرة والكهف >>> مرتان
فى سورة الأنعام >>> 4 مرات وهو أكبر عدد وكان مقصود هذه الصورة فى الأساس:
الاستدلال على ما دعا إليه الكتابُ في من التوحيد بأنه الحاوي لجميع الكمالات من الإيجاد والإعدام والقدرة على البعث وغيره.
ومرة واحدة فى كل من سور ( الأعراف، يونس، هود، العنكبوت، السجدة، الزمر، الصف)
تدبر في الايات
(انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [24اﻷنعام]” وضل عنهم مَا كَانُوا يَفْتَرُون ” من الأصنام، وذلك أنهم كانوا يرجون شفاعتها، ونصرتها؛ فبطل كله في ذلك اليوم.
.البغوي.
تدبر في الايات
(ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)). والمعنى: ثم لم تكن عاقبة كفرهم حين رأوا الحقائق، وارتفعت الدعاوى إلا أن قالوا مؤكدين ما قالوا بالقسم الكاذب والله ما كنا مشركين. ظنا منهم أن تبرأهم من الشرك في الآخرة سينجيهم من عذاب الله .الطنطاوي
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)[سورة اﻷنعام : 19].أمره بتبليغ رسالته بحسب الإمكان إلى طائفة بعد طائفة،،،↩ (وَمَن بَلَغَ ) أي: من بلغه القرآن، فكل من بلغه القرآن؛ فقد أنذره محمد صلى الله عليه وسلم.
.ابن تيمية.
تدبر في الايات
(بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)[سورة اﻷنعام : 28]وقيل: المراد الكفار، وكانوا إذا وعظهم النبي- صلى الله عليه وسلم- خافوا، وأخفوا ذلك الخوف؛؛؛
↩ لئلا يفطن بهم ضعفاؤهم، فيظهر يوم القيامة،،،ولهذا قال الحسن: (بدا لهم) أي: بدا لبعضهم ما كان يخفيه عن بعض،،،
.تفسير القرطبي.
تدبر في الايات
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) [سورة اﻷنعام : 25]⤴⤴ أي: ومن هؤلاء المشركين قوم يحملهم بعض الأوقات، بعض الدواعي إلى الاستماع لما تقول، ولكنه استماع خال من قصد الحق واتباعه؛؛؛
↩ ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع، لعدم إرادتهم للخير،،،.{ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أي: أغطية وأغشية؛ لئلا يفقهوا كلام الله،،،
↩ فصان كلامه عن أمثال هؤلاء.
—————————————————–
الوجه (4) من الانعام
من ايه(28 / 35)
ص 131
تفسير مبسط للوجه (4)
تلخيص لمشهد البعث:
عودة إلى مواجهة المشركين المكذبين بالقرآن الكريم، المكذبين بالبعث والآخرة.. ولكنها ولا تواجههم بعاقبة المكذبين من أسلافهم- كما سبق في سياق السورة-
إنما تواجههم بمصيرهم في يوم البعث الذي يكذبون به وبجزائهم في الآخرة التي ينكرونها..
تواجههم بهذا الجزاء وبذلك المصير في مشاهد حية شاخصة..
1⃣1)تصورهم وهم محشورون جميعاً، مسؤولون سؤال التبكيت والتأنيب
«أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ؟»(22) وهم في رعب وفزع، وذهول يقسمون بالله ويعترفون له وحده بالربوبية:
«وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ» ! . (23)
2⃣).تصورهم وهم موقوفون على النار، محبوسون عليها، وهم في رعب وفزع، وفي ندم وحسرة يقولون:
«يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» ! .. (27)
3⃣) وتصورهم وهم موقوفون على ربهم، وهم يتذاوبون من الخجل والندم، ومن الروع والهول وهو- جل جلاله- يسألهم سبحانه:
«أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ؟» (30)
فيجيبون في استخذاء وتذاوب:
«بلى وربنا» . فلا يفيدهم هذا الاعتراف شيئاً:
«قالَ: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» ..
مشهد وراء مشهد، وكل مشهد يزلزل القلوب،
وبعد كل هذه المشاهد من الحسرة والندامة يأتي القضاء العلوي والحقائق الثابتة
حقيقة الخسران لمن كذب بلقاء الله
«قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ. حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا: يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها!» ..
ثم نهايتهم المخزية وهم كالدواب الموقرة بالأحمال:
«وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ» ..
بل الدواب أحسن حالاً. فهي تحمل أوزاراً من الأثقال. ولكن هؤلاء يحملون أوزاراً من الآثام! والدواب تحط عنها أوزارها فتذهب لتستريح. وهؤلاء يذهبون بأوزارهم إلى الجحيم. مشيعين بالتأثيم: «أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ!» ..هذا حال من كان ينهي الناس وينئ نفسه عن اتباع الحق
ثم يجيء الإيقاع الأخير بحقيقة وزن الدنيا ووزن الآخرة في ميزان الله: «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ. أَفَلا تَعْقِلُونَ؟» .. هذه هي الدنيا التي قال عنها المكذبون
( إن هي ألا حياتنا الدنيا نموت ونحي وما نحن بمبعوثين
تسلية وتثبيت :
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [سورة اﻷنعام : 33]
ذكر الواحدي في أسباب النزول ،قال : التقى الأخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام ،فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس هنا من يسمع كلامك غيري ،فقال أبو جهل : والله إن محمدا لصادق ،وما كذب محمد قط ،لكن اذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة ،فماذا يكون لسائر قريش ،فأنزل الله تعالى هذه الآية اسباب النزول للواحدي
أي: قد نعلم أن الذي يقول المكذبون فيك يحزنك ويسوءك، ولم نأمرك بما أمرناك به من الصبر إلا لتحصل لك المنازل العالية والأحوال الغالية.
فلا تظن أن قولهم صادر عن اشتباه في أمرك، وشك فيك. { فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ } لأنهم يعرفون صدقك، ومدخلك ومخرجك، وجميع أحوالك، حتى إنهم كانوا يسمونه -قبل البعثة- الأمين.
{ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي: فإن تكذيبهم لآيات الله التي جعلها الله على يديك .
{ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا }(34) فاصبر كما صبروا، تظفر كما ظفروا. { وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ } ما به يثبت فؤادك، ويطمئن به قلبك.
{ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ } (35) أي: شق عليك، من حرصك عليهم، ومحبتك لإيمانهم، فابذل وسعك في ذلك، فليس في مقدورك، أن تهدي من لم يرد الله هدايته.
{ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ } أي: فافعل ذلك، فإنه لا يفيدهم شيئا،
وهذا قطع لطمعه في هدايته أشباه هؤلاء المعاندين⚡⚡. { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى } ولكن حكمته تعالى، اقتضت أنهم يبقون على الضلال.
{ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ } الذين لا يعرفون حقائق الأمور، ولا ينزلونها على منازلها.
لمسات بيانيه :
آية (31):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ (31)) أطلق العنان لخيالك لتعاين هذا المشهد الصوري الذي تضفيه هذه الآية على المشركين فالمرء إذا حمل شيئاً على ظهره أنهك قواه فكيف بهم وهم يحملون أوزاراً وليس ذنوباً؟ لأن الوزر هو الحِمل الثقيل ليصور لنا ثقل ما يحملون من الذنوب والجنايات التي ينوء عن حملها الرجال. فيوم القيامة تراهم يقفون في عرصات الآخرة مثقلين متعبين بما كسبوا من الأوزار.
لمسات بيانيه
آية (28):
* (بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)الأنعام)كيف يُردّون وكيف يعودون؟(د.فاضل السامرائى)
المشهد من مشاهد النار يوم القيامة (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ (27) الأنعام) يعني يردهم ربهم إلى الدنيا (وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قالوا يا ليتنا نعود مرة أخرى ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين فرب العالمين ردّ عليهم فقال (بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ) كانوا يفعلون ما نهوا عنه ويرجعون إلى نفس المسألة التي دخلوا بسببها النار وسيعودوا إلى نفس المنكرات والقبائح التي فعلوها بعد أن رأوا الموقف بأعينهم وقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب فقال تعالى لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون أي أن هذا التمني كاذب فلو ردهم إلى الدنيا لعادوا إلى أفعالهم القبيحة.
هل هناك رابط بين ردوا وعادوا؟ عاد مبني للمعلوم ورُدّوا مبني للمجهول يعني لو رددناهم إلى الدنيا لعادوا إلى فعلتهم. ردوا معناه أعيدوا يعيدهم ربهم إلى الدنيا (عندنا عاد وأعاد) تعني لو أعدناهم إلى الدنيا، لو أعيدوا إلى الدنيا، لو رجعناهم إلى الدنيا لعادوا إلى أفعالهم. ردوا مبني للمجهول وعادوا يعودون إلى أفعالهم وإنهم لكاذبون.
لمسات بيانيه :
آية (32):
*(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ (32)) أراد الله أن يصغر الحياة الدنيا في نظرك فبماذا شبهها؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
جعل الله الحياة الدنيا لعباً ولهواً فكأنه قال الحياة الدنيا لعب، الحياة الدنيا لهو، فلِمَ شُبهت الدنيا بهذين الأمرين اللعب واللهو؟ وقع هذا التشبيه والقصر لأن الأعمال الحاصلة في الحياة كثيرة وأغلب أعمال الناس تقع تحت إطاري اللعب واللهو إلا من آمن وعمل صالحاً.
*(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ (32)) لم مثّل الله الدنيا باللعب واللهو معاً ولم يقتصر على أحدهما؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
اللعب هو عمل أو قول في خفة وسرعة وطيش ليست له غاية مفيدة بل غايته إراحة البال وتقصير الوقتةواستجلاب العقول في حالة ضعفها كعقل الصغير وأكثره أعمال صبيان. ولذلك فهو مشتق من اللعاب وهو ريق الصبي السائل. وأما اللهو فهو ما يشتغل به الإنسان مما ترتاح إليه نفسه ولا يتعب بالاشتغال به عقله فلا يطلق إلا على ما فيه استمتاع ولذة وشهوة.
*(وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (32)) لم سمى ربنا يوم القيامة بالدار ولم يقل عنها والآخرة خير للذين يتقون دون كلمة الدار وفي هذا اختصار وإيصال للمعنى؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
سمى ربنا الحياة الآخرة بالدار لأن الدار هي محل إقامة الناس وهي مكان بنائهم ومنازلهم وفي هذا إيماء لك أيها المؤمن بأن دارك الحقيقية التي تود إشادتها هي الدار الآخرة وأما الدنيا فهي ممر لا مقر.
لمسات بيانيه :
آية (33):
*ما دلالة (قد)فى قوله تعالى (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ (33) الأنعام)؟(د.فاضل السامرائى)
قد إذا دخلت على المضارع من معانيها التقليل وقد تأتي للتحقيق والتكثير كما في قوله (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء (44) البقرة) (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ (64) النور) هذا تحقق. إذن من المعاني التقليل وليس معناها التقليل. إذا دخلت (قد) على المضارع من أحد معانيها التقليل. وهذا شأن بقية الحروف لها أكثر من معنى. هذه اللغة الأعلى في التعبير وهذه لغة العرب وأحد المعاني هو التقليل وليس كل المعاني.
* ما الفرق بين الكفر والتكذيب ؟(د.فاضل السامرائى)
لا شك أن الكفر أعمّ من التكذيب لأن التكذيب حالة من حالات الكفر. التكذيب جزء من الكفر بآيات الله. رب العالمين قال (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) إذن الجحود غير التكذيب، هناك جحود وتكذيب وكفر. لا يكذب لكن يرى أن لله ولداً! هناك فرق. (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (14) النمل) حالة جزئية لأن حالات الكفر ليست محددة بهذه الجزئية. التكذيب من الكفر وهو حالة جزئية من الكفر.
لمسات بيانيه :
آية (34):
*ما الفرق بين (أتاهم نصرنا) في الأنعام و(جاءهم نصرنا) في يوسف ؟(د.فاضل السامرائى)
فى قوله (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ (34) الأنعام)
وقوله تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف)
أتاهم نصرنا في الأنعام وجاءهم نصرنا في يوسف، نضعها في مكانها (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) و (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ (34) الأنعام)
نلاحظ استيأس الرسل فصبروا على ما كذبوا، أيها الأكثر استيأس الرسل أو صبروا على ما كذبوا؟ استيأس الرسل وصلوا لمرحلة الاستيئاس. (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) وقال في الأنعام (حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا). أي الموقفين أشد؟ موقف الإستيئاس.
المتشابهات
⭐(1)- ” أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ قَالَ فَذُوقُوا ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
” ( الأنعام 30 , الأحقاف 34 )
⭐(2)- ” قَدْ خَسِر َالَّذِينَ
( الأنعام 31 , 140 )
⭐(3)- ” قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَآءِ ٱللَّهِ “
( الأنعام 31 , يونس 45 )
⭐(4)- ” أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ ” ( الأنعام 31 , النحل 25 )
⭐(5)- ” وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ” ( الأنعام 32 )
” وَمَا هَذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِب ” ( العنكبوت 64 )
” إنَّماَ ٱلْحَيَوٰةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ( محمد 36 )
” اعْلَمُوا أنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ” ( الحديد 20 )
⭐(5)- ” وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ” ( الأنعام 32)
” وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ” ( الأعراف 169 )
دروس مستفاده:
جرت سنة الله تعالى في الكون أن الدعوات تقابل بالتكذيب والصدود ،ويثبت الله تعالى قلوب أنبياؤه وأولياؤه ويلهمهم بالصبر واليقين حتى ينالوا النصر والتمكين
الدعوة إلى التحلي بالصبر والثبات في مواجهة أعداء الدعوة
الدعوةإلى التأسي بالأنبياء عليهم السلام في صبرهم وثباتهم ،ففي ذلك ما يهون المصائب ويثبت الفؤاد
طريق الدعوات ليس مفروشا بالورود والرياحين ،بل محفوفا بالصعوبات والأشواك ،وبالصبروالثبات واليقين يتحقق النصر.
——————————————————–
من ايه(36/44)
ص 132
تفسير مبسط للوجه (5)
(إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [سورة اﻷنعام : 36]
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ } لدعوتك، ويلبي رسالتك، وينقاد لأمرك ونهيك { الَّذِينَ يَسْمَعُونَ } بقلوبهم ما ينفعهم، وهم أولو الألباب والأسماع.
والمراد بالسماع هنا: سماع القلب والاستجابة، وإلا فمجرد سماع الأذن، يشترك فيه البر والفاجر. فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى، باستماع آياته، فلم يبق لهم عذر، في عدم القبول.
{ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } يحتمل أن المعنى، مقابل للمعنى المذكور. أي: إنما يستجيب لك أحياء القلوب، وأما أموات القلوب، الذين لا يشعرون بسعادتهم، ولا يحسون بما ينجيهم، فإنهم لا يستجيبون لك، ولا ينقادون، وموعدهم القيامة، يبعثهم الله ثم إليه يرجعون
، ويحتمل أن المراد بالآية، على ظاهرها، وأن الله تعالى يقرر المعاد، وأنه سيبعث الأموات يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون. ويكون هذا، متضمنا للترغيب في الاستجابة لله ورسوله، والترهيب من عدم ذلكد
.(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ۚ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [سورة اﻷنعام : 37]
{ وَقَالُوا } أي: المكذبون بالرسول، تعنتا وعنادا: { لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ } يعنون بذلك آيات الاقتراح، التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة. كقولهم: ⚡⚡⚡{ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا *أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا } الآيات.
{ قُلْ } مجيبا لقولهم: { إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً } فليس في قدرته قصور عن ذلك، كيف، وجميع الأشياء منقادة لعزته، مذعنة لسلطانه؟! ولكن أكثر الناس لا يعلمون فهم لجهلهم وعدم علمهم يطلبون ما هو شر لهم من الآيات، التي لو جاءتهم، فلم يؤمنوا بها لعوجلوا بالعقاب، كما هي سنة الله، التي لا تبديل لها،
ومع هذا، فإن كان قصدهم الآيات التي تبين لهم الحق، وتوضح السبيل، فقد أتى محمد صلى الله عليه وسلم، بكل آية قاطعة، وحجة ساطعة، دالة على ما جاء به من الحق، بحيث يتمكن العبد في كل مسألة من مسائل الدين، أن يجد فيما جاء به عدة أدلة عقلية ونقلية، بحيث لا تبقي في القلوب أدنى شك وارتياب،
فتبارك الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأيده بالآيات البينات ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ۚ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [سورة اﻷنعام : 38]
أي: جميع الحيوانات، الأرضية والهوائية، من البهائم والوحوش والطيور، كلها أمم أمثالكم خلقناها. كما خلقناكم، ورزقناها كما رزقناكم، ونفذت فيها مشيئتنا وقدرتنا، كما كانت نافذة فيكم.
{ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } أي: ما أهملنا ولا أغفلنا، في اللوح المحفوظ شيئا من الأشياء، بل جميع الأشياء، صغيرها وكبيرها، مثبتة في اللوح المحفوظ، على ما هي عليه، فتقع جميع الحوادث طبق ما جرى به القلم.
وقوله { ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } أي: جميع الأمم تحشر وتجمع إلى الله في موقف القيامة، في ذلك الموقف العظيم الهائل، فيجازيهم بعدله وإحسانه، ويمضي عليهم حكمه الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، أهل السماء وأهل الأرض.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ۗ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة اﻷنعام : 39]
هذا بيان لحال المكذبين بآيات الله، المكذبين لرسله، أنهم قد سدوا على أنفسهم باب الهدى، وفتحوا باب الردى، وأنهم { صُمٌّ } عن سماع الحق { وَبُكْمٌ } عن النطق به، فلا ينطقون إلا بباطل .
{ فِي الظُّلُمَاتِ } أي: منغمسون في ظلمات الجهل، والكفر، والظلم، والعناد، والمعاصي. وهذا من إضلال الله إياهم،
فـ { مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } لأنه المنفرد بالهداية والإضلال، بحسب ما اقتضاه فضله وحكمته.
(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [سورة اﻷنعام : 40]
يقول تعالى لرسوله: { قُلْ } للمشركين بالله، العادلين به غيره: { أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي: إذا حصلت هذه المشقات، وهذه الكروب، التي يضطر إلى دفعها، هل تدعون آلهتكم وأصنامكم، أم تدعون ربكم الملك الحق المبين.
(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) [سورة اﻷنعام : 41]
{ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } فإذا كانت هذه حالكم مع أندادكم عند الشدائد، تنسونهم، لعلمكم أنهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا. وتخلصون لله الدعاء، لعلمكم أنه هو النافع الضار، المجيب لدعوة المضطر، فما بالكم في الرخاء تشركون به، وتجعلون له شركاء؟. هل دلكم على ذلك، عقل أو نقل، أم عندكم من سلطان بهذا؟ بل تفترون على الله الكذب
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [سورة اﻷنعام : 42]
يقول تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ } من الأمم السالفين، والقرون المتقدمين، فكذبوا رسلنا، وجحدوا بآياتنا.
{ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ } أي: بالفقر والمرض والآفات، والمصائب، رحمة منا بهم. { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } إلينا، ويلجأون عند الشدة إلينا.
(فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة اﻷنعام : 43]
{ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي: استحجرت فلا تلين للحق.
{ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فظنوا أن ما هم عليه دين الحق، فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان، ولعب بعقولهم الشيطان.
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [سورة اﻷنعام : 44]
{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } من الدنيا ولذاتها وغفلاتها.
{ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } أي: آيسون من كل خير، وهذا أشد ما يكون من العذاب، أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة، ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم.
لمسات بيانية :
آية (37):
*ما الفرق بين الآيتين (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (37) الأنعام)
(وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (20) يونس)؟(د.فاضل السامرائى)
آية الأنعام (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (37) الأنعام) وفي يونس (وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (20) يونس)
قال في الأنعام (لولا نُزِّل) وفي يونس (لولا أنزل). عندنا فعّل وأفعل ونحن نعرف أن فعّل التنزيل هو أشد وآكد (فعّل) مثل وصّى وأوصى فيها مبالغة وشدة وتكثير وعلّم وأعلم وكرّم وأكرم، كرّم أكثر. فإذن معنى ذلك أن الكلام في يونس التنزيل على ما هو أشد هكذا طبيعة اللغة. معنى ذلك أن السياق في الأنعام في التنزيل هو أشد وآكد مما هو في يونس. ننظر في السياق لنرى هل هو فعلاً آكد أم لا؟ قال في الأنعام (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)) تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء. قال في يونس (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15))
لا نفق في الأرض ولا سلم في السماء. إئت بقرآن غير هذا
أيّ الآيات الملجئة أشد ما ذكر في الأنعام أو ما ذكر في يونس؟ ما ذكر في الأنعام يؤكد أكثر (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)) هذا شديد. واضح أن مسألة التنزيل وما يطلبونه من الآيات الملجئة في الأنعام أشد فاقتضى أن لا يستوي الأمران.
لمسات بيانيه :
(ولا طائر يطير بجناحيه): كان يمكن في غير القرآن أن يكتفي بقول(ولا طائر) فلأي معنى زيدت (يطير بجناحيه)؟:
العرب تستعمل كلمة الطائر لما يطير ولما لا يطير كالنعام والدجاج واستعملوها مجازاً للدلالة على السرعة فيقال : طر بحاجتي أي أسرع. والشاعر يقول عن الخيل:
صببنا عليها ظالمين سياطنا فطارت بها أيد سِراعٌ وأرجل
هو لا يعني طارت في الجو وإنما يعني أسرعت . فحتى يُعلم أن المقصود هو هذا الذي يطير وليست هذه المعاني
ثم قال(بجناحيه) حتى يذكر نعمة الله سبحانه وتعالى وحتى ينتقل الإنسان في تصوره: طائر يطير بجناحيه تكتمل الصورة ومن غير الجناحين ما كان يطير فكأنما الباري عز وجل يذكر بنعمته على هذا المخلوق الذي جعله يطير وذكر الجناحان لبيان فضل الله سبحانه وتعالى بخلق الجناحين إذ لو كان بجناح واحد لجنح في طيره وسقط. والله ذو الفضل العظيم.
لمسات بيانية :
(ما من دابة في الأرض) كان يمكن في غير القرآن أن يقول ما من دابة على الأرض لماذا في الأرض الظرفية؟
(في) جعلت كل ما في الأرض عليها أو تحتها في التراب أو في الماء صارت الأرض ظرفاً سواء على ظهرها أو في بطنها، في الغابات أو في البحار أو في رمال الصحراء أو في الجبال وغيرها فصارت الأرض ظرفاً.
(على) توحي بما على السطح ولا يدخل فيها الباطن لكن لما يجعل الله تعالى الأرض ظرفاً والظرف هو الوعاء كله يدخل فيه. ولفظ دابة يستعملها العربي لما يدبّ على الأرض ولما يدب داخل الأرض يسميه دابة (النمل يدب: دبيب النملة السوداء) لكن إستعمال العربي توسع فيها بحيث صار يتكلم عن الحشرة في رمل الصحراء يسميها دابة، وعلى مايسبح في الماء يسميه دابة يقول في سرية من السرايا يقول: ألقى إلينا البحر بدابة بقينا نأكل منها أياماً (يبدو أنه حوت) سماها دابة وهذا من توسع المعنى. هذا في الأرض حتى تشمل كل ما تضمه الأرض
لمسات بيانيه :
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ (39)) لنا مع هذه الآية وقفتان:
الوقفة الأولى: لم قال الله (صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ) ولم يقل (صم بكم عمي) كما في سورة البقرة؟ وصفهم الله بالأصم والأبكم التائه في الظلمات ليبين لنا ربنا حالهم فهم أصموا آذانهم عن سماع الحق وتلقي الهدى وأخرسوا ألسنتهم عن الاستفسار عن الهداية وابتعدوا عن الاسترشاد بمن يمر بهم واستمروا في ذلك فتاهوا في الضلال الذي خيّم عليهم وعماهم عن الحق وتلقي الهدى. فهم يعلمون أنهم في ظلمات ولكنهم لا يريدون الخروج منها. أما الأعمى فقد لا يعلم أين يمشي وأين يمكث.
الوقفة الثانية: لم قال (فِي الظُّلُمَاتِ) ولم يقل صم وبكم في الظلام؟ في هذا إشارة إلى تعدد الظلمات بينما النور واحد وهو الإسلام أما الظلمات فهناك ظلمة الكفر وظلمة العناد وغيرها. فلنسلك مسلك النور الواضح حتى نبلغ النهاية السعيدة
لمسات بيانيه :
آية (39):
* ما دلالة الواو في الآية (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ (39) الأنعام) وفي البقرة لم يستخدم الواو (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (18))؟(د.فاضل السامرائى)
ما الفرق بين الصم والبكم وبين صم بكم؟.
الصم الذي لا يسمع
والأبكم الذي لا يتكلم. في البقرة لما قال (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) وفي الأنعام قال (صُمٌّ وَبُكْمٌ).
(صم بكم عمي) هم في جماعة واحدة،
(صم وبكم)فيها احتمالان أن يكون جماعة أو أكثر من جماعة قسم صم وقسم بكم.
يبقى السؤال لماذا اختار في آية البقرة أن لا يذكر الواو وذكرها في آية الأنعام؟ لماذا هذه المغايرة؟
آية البقرة أشدّ لأنها في جماعة واحدة ذكر العمى والصمم والبكم (صم بكم عمي) وقال أيضاً في الظلمات (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) البقرة)،
آية الأنعام أقلّ لم يذكر العمى قال (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ)
إذن أهل البقرة أشد الموصوفين هؤلاء ذكر في المنافقين تسع آيات من الآية (8) إلى (20) أما في الأنعام آية واحدة فقط (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (39)) ، في البقرة ذكر تسع آيات وصفات متعددة،
أما في الأنعام ذكر صفة التكذيب بالآيات، صفة واحدة. في البقرة ذكر الإفساد ومخادعة الله والذين آمنوا والاستهزاء وشراء الضلالة بالهدى إضافة إلى صفة التكذيب
فأيها الأولى بالذمّ وكثرة الصفات السيئة؟ الذين في سورة البقرة، إذن هم ليسوا جماعتين وإنما جماعة واحدة هؤلاء صم بكم عمي وهم في الظلمات فلا يمكن من الناحية البيانية وضع إحداهما مكان الأخرى ولا يصح فهذا قانون بياني بلاغي.
ولو لاحظنا سياق الآيات في السورتين نجد أن في سورة الأنعام لم يقل عمي وإنما قال صم وبكم فقط أما في البقرة فالكلام على المنافقين طويل وذكر فيه أشياء كثيرة كالإستهزاء وغيره. الأعمى أشد من الذي في الظلام لأن الأعمى سواء كان في الظلمات أو في النور فهو لا يري.
لمسات بيانيه :
آية (44):
*ورتل القرآن ترتيلاً :
قال تعالى (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ (44)) في كلمة فتحنا قراءتان: قراءة الجمهور فتحنا وقرأ ابن عمر وأبو جعفر ورويس عن يعقوب فتّحنا التشديد للمبالغة في الفتح فالتشديد يدل على المضاعفة في العمل وقد جمع الله أبواب ولم يقل باب كل شيء ليصور لك كثرة الخيرات وأنواعها التي عمّت حياتهم.
لمسات بيانيه :
آية (42):
*ما هي اللمسات البيانية في الآيات المتشابهة (وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) الأنعام) (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) الأعراف)؟(د.فاضل السامرائى)
نقرأ الآيتين في الأنعام (وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) الأنعام) وفي الأعراف (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) الأعراف)
إذن هناك (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) والآية الأخرى (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ). بناء (يتفعّل) أطول من بناء يفّعل (خمسة مقاطع/ أربع مقاطع). إذن يتضرعون بناء أطول. في (يفّعّل يضّرّع) تضعيفان (تضعيف بالضاد وتضعيف بالراء) وفي (يضّرعون) تضعيف واحد في الضاد هذا من حيث اللغة. في (يتفعّل) تفعّل هي للتدرج والحدوث شيئاً فشيئاً مثل تخطّى تمشّى تدرّج تجسّس فرق بين مشى وتمشى، ثم يقال يأتي للتكلف مثل بذل الجهد مثت تصبّر تحمّّل. (يفعّل) فيها مبالغة وتكثير (قطّع وكسّر) إذن أطول وأقل تدرج ومبالغة. قال(وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ) (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ) أمم أكثر من قرية فجاء بالبناء الأطول (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) ولما قال قرية قال (يَضَّرَّعُونَ) فناسب البناء الأمم.
ثم قال (وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ) الإرسال إلى يقتضي التبليغ ولكن لا يقتضي المكث أرسلته إليه إرسالاً، (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ) ظرفية وصار فيها تبليغ ومكث، أيُّ الأدعى إلى كثرة التضرع الماكث أو المبلّغ؟ الماكث أدعى لكثرة التضرع، ●(يَضَّرَّعُونَ) جاء بكثرة المبالغة لأن فيها مكث ●أما (يَتَضَرَّعُونَ) لم يقل وإنما البناء الطويل لأنه أمم كثيرة قال (يَتَضَرَّعُونَ)، (يَضَّرَّعُونَ) بناء أقل لأن هو على الأقل فيها مبالغة لأن فيها مكث فناسب كل واحدة.
المتشابهات:
– ” وَقَالُوا لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ” ( الأنعام 8 )
” وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ ” ( الأنعام 37 )
” وَقَالُوا لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَـٰتٌ مِّن رَّبِّهِۦ ” ( العنكبوت 50 )
” وَيَقُولُونَ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦ ” ( يونس 20 )
” وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ ” ( الرعد 7 , 27 )
” أَن يَقُولُوا لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ ” ( هود 12 )
تدبرات من الآيات
المستجيب للحق إنما هو حي ولو كان أصم أبكم أعمى،والمعاند ميت ولو كملت كل حواسه!(إنما يستجيب الذين يسمعون،والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون)./سعود الشريم
(إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم) ينزل البلاء لتلين القلوب ، (لا تلين قلوب البعض إلا بالتأديب) /عقيل الشمري
– (إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم) (يقسو) القلب على قدر انصرافه عن (الضراعة) . /عقيل الشمري
– إذاحُرمت من الأفتقار والتضرع لله فاعلم أن قلبك فيه قسوة وعلاجه بذكر الله والاستغفار قال الله 🙁 فلولا إذجاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم ) / عايض المطيري
من أسباب نزول البلاء غفلة الإنسان عن ربه فيصيبه ببلاء ليعود إليه حتى لا يطول به طريق الغفلة (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا(/ عبدالعزيز الطريفي
فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ) غفلة العبد عن ربه من أسباب نزول البلاء ، فيصيبه به ليعود إليه حتى يتضرّع بالدعاء .
———————————————————-
الوجه (6) من الانعام
من ايه(45/52)
ص 133
أسباب النزول :
– قولُهُ تَعَالَى:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} الْآيَةَ [52]:
مَرَّ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ وَصُهَيْبٌ وَبِلَالٌ وَعَمَّارٌ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ رَضِيتَ بِهَؤُلَاءِ؟ أَتُرِيدُ أَنْ نَكُونَ تَبَعًا لِهَؤُلَاءِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}
تفسير مبسط للوجه 6
الآيه45﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾: يعني فاستُؤصِلَ هؤلاء القوم عن آخرهم، وأُُهْلِكوا حينما كفروا بالله وكذَّبوا رسله، فلم يَبْقَ منهم أحدٌ، ﴿ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ على نُصرة أوليائه، وإهلاك أعدائه، فاذكر هذا – أيها الرسول – لقومك لعلهم يرجعون إلى رُشدهم، ويعودون إلى الحق الذي تدعوهم إليه وهم مُعرضون.
- • وفي هذا تحذير لكل مَن يَغتر بنعمة الله عليه وهو ما يزالُ مقيماً على معصيته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(إذا رأيتَ الله تعالى يعطي العبدَ من الدنيا ما يحب وهو مُقيمٌ على معاصيه: فإنما ذلك منه استدراج) (انظر صحيح الجامع حديث رقم: 561).
الآية 46: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ ﴾
: يعني أخبروني إن أذهَبَ الله سمعكم فأصمَّكم، وذهب بأبصاركم فأعماكم، ﴿ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ﴾: أي وطبع على قلوبكم فأصبحتم لا تفهمون قولاً، فـ ﴿ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ﴾: يعني فأيُّ إلهٍ غير الله جل وعلا يقدر على رَدِّ ذلك لكم؟! والجواب: لا أحد، إذاً فكيف تتركون عبادة مَن يَملك سمعكم وأبصاركم وقلوبكم ويَملكُ كل شيء، وتعبدون ما لا يملك لكم شيئاً من ذلك؟! أيُّ ضلالٍ أبْعد مِن هذا؟! ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ﴾: يعني انظر كيف ننوِّع لهم الحُجَج والأساليب لزيادة البيان، ولإظهار الحُجَّة، ﴿ ثُمَّ هُمْ ﴾ بعد ذلك ﴿ يَصْدِفُونَ ﴾: أي يُعرضون عن التذكر والاعتبار.
الآية 47: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ ﴾: يعني أخبروني ﴿ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً ﴾: أي فجأة، بدون علامةٍ تَسبقه، وأنتم في غفلةٍ من ذلك، ﴿ أَوْ ﴾ أتاكم ﴿ جَهْرَةً ﴾: يعني بعد مجيء علامةٍ تسبقه، وكان ظاهرًا أمامكم تنظرون إليه: ﴿ هَلْ يُهْلَكُ ﴾ حينئذٍ ﴿ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ﴾ الذين تجاوزوا الحد، فصرفوا عبادة الله تعالى لِمَن لا يستحقها؟ (وهذا استفهام يفيد التقرير وحَصْر الهلاك في أهل الظلم).
الآية 50: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين الذين يعاندونك ويطلبون منك أشياءً لا تُطِيقها: ﴿ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ ﴾: يعني إني لا أدَّعي أني أملك خزائن السماوات والأرض، فأتصرف فيها وأعطيكم منها ما تطلبون،
﴿ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾: أي ولا أزعُمُ أني أعلم الغيب حتى أخبركم بموعد العذاب الذي ينتظركم، ﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾: يعني وإنما أنا رسول من عند الله، أتبع ما يُوحِيه إليَّ، وأبلِّغ وَحْيَهُ إلى الناس، ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾: يعني هل يستوي الكافر الذي عَمِيَ عن آيات الله تعالى فلم يؤمن بها مع المؤمن الذي أبْصَرَ آيات الله فآمَنَ بها؟!
﴿ أَفَلَاتَتَفَكَّرُونَ ﴾ في آيات الله لِتُبصروا الحق فتؤمنوا به؟
- • وفي هذا دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب – إلا ما أعْلَمَهُ الله تعالى منه -، وأنه لا يملك التصرف في شيءٍ من هذا الكون.
الآية 51: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ ﴾: أي وخوِّف بالقرآن المؤمنين ﴿ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ ﴾: أي الذين يعلمون أنهم سيُحشَرون إلى ربهم يوم القيامة، فهم مصدِّقون بوعد الله تعالى ووعيده، ويخافون عذاب ربهم، ويعلمون أنه ﴿ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ ﴾ ينصرهم، (وَلَا شَفِيعٌ) يشفع لهم عنده تعالى، فيُنقِذَهم من عذابه إلا بإذنه، فهؤلاء ينفعهم إنذارك بالقرآن، لأنهم مُتيَقنون بالانتقال من هذه الدار إلى دار القرار، فلذلك يَستصحبون معهم ما ينفعهم، ويتركون ما يَضرهم، وهذا كقوله تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾، فإنْ أنذرتَ هؤلاء الخائفون من عاقبة ذنوبهم، فإنه يُرجَى لهم أن يتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾.
الآية 52: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾: أي ولا تُبْعِد أيها النبي عن مُجالَسَتِك فقراء المسلمين الذين يعبدون ربهم أول النهار وآخره، و ﴿ يُرِيدُونَ ﴾ بذلك ﴿ وَجْهَهُ ﴾: أي يريدون بأعمالهم الصالحة رضا الله تعالى وَجَنَّتِه، والنظر إلى وجهه الكريم.
- ومُبالَغةً في النهي عن ذلك، فقد قال تعالى له: ﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾: يعني ما أنت بمسؤول عن خطايا هؤلاء الفقراء – إن كانت لهم خطايا -، إنما حسابهم على الله تعالى، ﴿ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾: يعني ولا هم بمسئولين عنك فلِماذا تطردهم إذاً؟
﴿ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾: يعني فإن طرَدتَهم وأبعدتَهم عن مجالستك: فإنك تكونُ من المتجاوزين لحدود الله تعالى، الذين يضعون الشيء في غير موضعه، فلم يُبعِدهم النبي صلى الله عليه وسلم – امتثالاً لأمر ربه.
لمسات بيانية
آيه ( 45 ) د. السمرائ
*قال تعالى(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)) ختمت الآية بالحمد وهذه الخاتمة تلفت نظر القارئ فما توجيه هذه
النهاية ولم لم تكن والله عزيز حكيم وهذا يناسب العقاب كما قال تعالى
(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ)؟
في هذا تنبيه لك أيها المؤمن على حمد الله عند النِعم فقد وقع قبل الحمد نعمة من نعمه تعالى ومن لوازم الحمد أن يكون على نعمة ولعلك تسأل أين هي النعمة؟
فكأنه قد قيل لك (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ)وتلك نعمة من نعم الله
تقتضي حمده أوليس هلاك الظلمة نعمة. فهلاكهم صلاح للناس والصلاح أعظم النعم وشكر النعمة واجب
لمسات بيانيه :
آية (46):
* ما الفرق بين نصرّف ونفصّل ونبيّن الآيات في قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) الأنعام)
و (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) الأنعام)
و (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) المائدة)؟(د.فاضل السامرائى)
التصريف هو التغيير (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) البقرة) تغييرها من جهة لأخرى، وعندنا الصرف والنحو والصرف هو النظر في التغييرات الحاصلة في أبنية الكلام. فالتصريف التغيير يأتي للمسألة الواحدة ويذكرها بصور شتى يغيّر فيها حتى يوصلها لك. مثلاً: إثبات الحياة بعد الموت، هذه مسألة، كيف يتوصل إليها؟ يتوصل لها بإحياء الأرض بعد موتها كمثال تمهيدي: (إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى (39) فصلت) يعطي مشهداً تمثيلياً يذكر أمثلة، وأحياناً يستدل بالحياة الآخرة على خلق الإنسان وتطوره (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) القيامة) هذا تصريف، يعني كل مرة يأتي بشكل حتى يثبت المسألة، يصرفها أي يغيرها بصور حتى يوصلها.
التفصيل هو إما أن يكون التبيين والفصل هو الحجز بين الشيئين وهذا الأصل. أحد أمرين: تبيين بصورة واسعة وإما يأتي بأمور متعددة مختلفة هذه وهذه وهذه يصير فصلاً وهذا موجود في القرآن. مثلاً يذكر صفة أهل الطاعة وأهل الإجرام ليسا موضوعاً واحداً وإنما يذكر أموراً متعددة من الحياة، هذا تفصيل. أما موضوع الحياة بعد الموت فموضوع واحد.
هناك أمور في القرآن ليست موضوعاً واحداً: يذكر التوابين والمجرمين، أهل الطاعة وغير أهل الطاعة. مثال قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) الأنعام) إنتقل من الحب والنوى إلى الإصباح ثم الشمس والقمر ثم النجوم، مواضيع أخرى ثم ينتقل يذكر أموراً كثيرة هذه تفصيل قطعاً قطعاً، يأتي بأمور كثيرة مختلفة وليست مسألة واحدة لذا يذكر التفصيل (قد فصلنا الآيات).
التبيين هو توضيح أمر واحد كما تبين الكلمة الواحدة أو تبين المسألة الواحدة. التصريف والتفصيل فيه تبيين. على سبيل المثال (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)
أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) المائدة)،
نفس القضية فاستعمل نبيّن أي نوضح. التفصيل والتصريف غير التبيين مع أن كلها إيضاح.
لمسات بيانيه :
آية (47):
*مادلالة استخدام إسم الرحمن مع العذاب كما فى سورة مريم ومتى يأتى معه لفظ الجلالة كما فى سورة الأنعام؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً الجو التعبيري لسورة مريم تفيض[ بالرحمة ]من أولها لآخرها تبدأ بالرحمة (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) وفي آخرها (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)) من أولها إلى آخرها هي في الرحمة أصلاً تكرر فيه لفظ الرحمن 16 مرة أكثر سورة في القرآن تردد فيها هذا الإسم وفي البقرة كلها تردد مرة واحدة (وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)). أولاً نعلم أن جو لسورة لا تدانيها أية سورة في إشاعة جو الرحمن إذن اختيار الرحمن مناسب لجو السورة. تقول (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)) قال (مس) والمس خفيف هذا ناسب الرحمة
بينما نلاحظ في سورة الأنعام قال (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)) قال أتاكم وليس المسّ، وقال عذاب الله. أولاً أتاكم ثم عذاب الله بالإضافة، بينما في سورة مريم (عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) (من) هنا للإبتداء عذاب نكرة يعني شيء من العذاب من الرحمن، أما تلك قال عذاب الله? إذن عذاب الله أقوى في التعبير من عذاب من الرحمن، فناسب ذاك المس عذاب من الرحمن. ثم قال
(بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ
كلها فيها قوة وشدة فقال (عذاب الله)بينما في مريم قال (أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ)
هذا إضافة أنه لم يرد لفظ الرحمن في الأنعام. ثم من ناحية الرحمة لا تنافي العقوبة إذا أساء أحدهم فعاقبته قد يكون من الرحمة. الرحمة لا يعني أنه لا يعاقب عندما يقول الرحمن ليس معناه أنه لا يعاقب، الرحمن إذا أساء أحد لا بد أن يعاقبه. ولم يرد في القرآن مطلقاً يمسك عذاب الله أو عذاب من الله، مع عذاب الله ليس هناك مسّ وإنما إتيان، وردت (إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ (23) يس) لكن لم ترد يمسك عذاب من الله. إذن هناك توأمة بين المسّ والرحمن هذه فيها رقة ورحمة والتنكير و(يا أبت) وجو السورة رحمة بينما في آية الأنعام (إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ)هذا تهديد وحتى عذاب الله تعالى فيه درجات (بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) هذه تتناسب مع عذاب الله.
لمسات بيانيه :
في سورة الأنعام استعمال كلمة يصدفون (أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ (157) الأنعام)
(انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) الأنعام) ما دلالة الفاصلة في الآيات؟(د.فاضل السامرائى)
صدَف عنه يعني أعرض إعراضاً شديداً. صدَف يعني في الأصل الجانب والناحية والبناء المرتفع هو الصدف صدف عن الشيء أي مال وهناك فرق بين صدف عنه وأعرض عنه، صدف البناء المرتفع (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ (96) الكهف) مرّ بصدف مائل فأسرع حتى لا يقع عليه.
إذن صدف هو الجانب والناحية أيضاً، فرق بين أعرض عنه وصدف عنه. الإعراض قد يكون خفيفاً تسمع شيئاً ثم تعضر عنه لكن صدف عنه أن تذهب في الجانب عنه يُعرض ويتركه ويمشي. الصدف أكبر من الإعراض، الإعراض قد يكون في القليل والصدف مخصص لما هو أشد ولذلك قالوا الصدف هو الإعراض الشديد إذن يصدف أعرض إعراضاً شديداً وذهب في جانب وناحية. صدف إذن أعرض إعراضاً شديداً وذهب في ناحية.
لمسات بيانيه :
آيه (48)
[وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ]
1- وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً [الكهف : 56]
2- وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام : 48]
3- كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [البقرة : 213]
سبحان الله الآيات ليس فيها تكرار
1- فى سورة البقرة ربنا يبين لنا لماذا أرسل إلينا المرسلين ؟ كان الناس أمة واحدة على التوحيد ثم اختلفوا //
2- فى سورة الأنعام 48 جزاء كل من يتبع الرسل ومن يعرض عنهم //
3-فى سورة الكهف 54 جدال الكفار الجدال بالباطل في مواجهة الحق ( سورة الكهف كثر فيها الجدال ) وَكَانَ الاِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً”
لمسات بيانية
د. السمرائ
آية (49):
(وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (49))انظر إلى هذه الآية فقد ختمت بقوله (بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) فاستعمل الفعل (كان) والفعل (يفسقون)
ولم يقل بما فسقوا بالماضي للفتة لطيفة وهي أن العذاب نزل بهم لإصرارهم على الفسق فالفعل المضارع (يفسقون) يدل على التجدد والاستمرار.
لمسات بيانيه :
آية (51):
*هل الإنذار خاص بالكافرين في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
الإنذار في القرآن الكريم لا يكون خاصاً للكفار والمنافقين وقد يأتي الإنذار للمؤمنين والكافرين. والإنذار للمؤمن ليس فيه توعد فهو للمؤمنين تخويف حتى يقوم المؤمن بما ينبغي أن يقوم به كما في قوله تعالى (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ {11} يس) وهذا ليس فيه تخصيص لمؤمن أو كافر. وقد يأتي الإنذار للمؤمنين (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {214} الشعراء) (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ {18}فاطر) وقد يكون للناس جميعاً (وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ {44} ابراهيم)(وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {51}الأنعام).
لمسات بيانيه :
آية (50):
*ما دلالة ذكر لكم في قوله تعالى (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) الأنعام) وعدم ذكرها في سورة هود (وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الأنعام
(قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50))
بينما قال في قصة نوح في سورة هود (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31))
لو لاحظنا الكلام في سورة الأنعام نجده( أشدّ وفيه تحذير شديد) من قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40)
بل إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْبِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)
فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) )
بينما في سورة هود سياق الآيات فيه( تلطّف). وفي التلطّف عادة لا نواجه الشخص فنقول له (قلنا لك) كما جاء في قصة الخضر وموسى في المرة الأولى قال تعالى على لسان الخضر (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72))
وفي الثانية قال تعالى (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)).
لمسات بيانيه :
وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنعام : 52]
ولا تُبْعد -أيها النبي- عن مجالستك ضعفاء المسلمين الذين يعبدون ربهم أول النهار وآخره, يريدون بأعمالهم الصالحة وجه الله, ما عليك من حساب هؤلاء الفقراء من شيء, إنما حسابهم على الله, وليس عليهم شيء من حسابك, فإن أبعدتهم فإنك تكون من المتجاوزين حدود الله, الذين يضعون الشيء في غير موضعه.
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف : 28]
واصبر نفسك -أيها النبي- مع أصحابك مِن فقراء المؤمنين الذين يعبدون ربهم وحده، ويدعونه في الصباح والمساء، يريدون بذلك وجهه، واجلس معهم وخالطهم، ولا تصرف نظرك عنهم إلى غيرهم من الكفار لإرادة التمتع بزينة الحياة الدنيا، ولا تُطِعْ من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا، وآثَرَ هواه على طاعة مولاه، وصار أمره في جميع أعماله ضياعًا وهلاكًا.
[[ولا تطرد فى الأنعام واصبر فى الكهف ]]
- كما قلنا سابقا إن موضوع سورة الكهف التوجبه والتربية وتغيير المفاهيم فناسب فيها الأمر بالصبركما إن هدف السورة التعرف على الفتن وطرق الوقاية منها والفتن تحتاج للصبر
- وكذالك وفق قاعدة كثرة دوران الكلمة فى السورة فإن الصبر ذكر فى سورة الكهف 7 مرات إما فى الأنعام مرة واحدة
- إما سورة الأنعام فهى حملة شديدة على الكفار وموضوع السورة التوحيد وإقامة الحجج عليهم وإبطال مزاعمهم بالأدلة والبراهين الساطعة وتتوعدهم أن أصروا على كفرهم وعنادهم بالعذاب فى الدنيا والآخرة فناسب معها العنف ولا تطرد
- وكذالك وفق قاعدة كثرة دوران الكلمة فى السورة فإن تطرد ومشتقاتها لم تات فى القرآن كله إلا ثلاث مرات منهم مرتان فى سورة الأنعام والثلثة فى سورة هود
الأنعام قبل الكهف
ولا تطرد فى الأنعام واصبر فى الكهف
النهى فى الأولى والأمر فى الثانية
والتخلية قبل التحلية
المتشابهات
1-[مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ]
( الأنعام 46) , { القصص 71 “بِضِيَآءٍ ” , 72 ” بِلَيْلٍ ” } )
2-[ انظُرْ كَيْف نُصَرِّف ٱلآيَـٰت] ( الأنعام 46 , 65 )
[ وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَـٰتِ ]
“( الأنعام 105 )
[ وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَـٰتِ] ( الأنعام 55 )
3-[ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِين]َ
( الأنعام 48 , الكهف 56 )
4-[ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون]َ
( البقرة 38 , المائدة 69 , الأنعام 48 , الأعراف 35 , الأحقاف 13)
[ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]
( البقرة 62 , 112 , 262 , 274 , 277 )
[أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] ( آل عمران 170 )
[ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَآ أَنتُمْ تَحْزَنُون]َ ( الأعراف 49 )
[ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَآ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ] ( الزخرف 68 )
[ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] ( يونس 62 )
5- [قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ] ( الأنعام 50 )
[ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ] ( هود 31 )
6-[ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ] ( يونس 15 , الأنعام 50 , الأحقاف 9 )
[ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ مِن رَّبِّى] ( الأعراف 203 )
7-[ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ] ( الأنعام 50 , الرعد 16 )
8-[لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِۦ وَلِىٌّ وَلَا شَفِيعٌ ] ( الأنعام 51 )
[ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِىٌّ وَلَا شَفِيعٌ ] ( الأنعام 70 )
9-[ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون]َ ( الأنعام 51 , 69 )
10-[ وَلَا تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ]( الأنعام 52 )
[ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ] ( الكهف 28 )
تدبر في الآيات:
{ الحمد الله رب العالمين}أول كلمة يتلقاها العبد من ربه في كتابه لتفتح نوافد إدراكه قلبا وسمعا وبصرا على نعم ربه تعالى عليه. /محمد الربيعة
تمادي الظلم وطغيان الظالم مؤذن بقطع دابره واجثاثه من أصله “فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا” / # تدبر
-لا يقبل الله تقوى القلب حتى يتبعها صلاح العمل (فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)” / عبد العزيز الطريفي
{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ..}
{.. فتطردهم فتكون من الظالمين } { وما أنا بطارد المؤمنين } التحَفّي بالدعاة ” منجاة ”/ نايف الفصل
(يريدون وجه الله)
لم تتشعب إرادتهم في كل وادٍ،،هي نفوس صافية إرادتها واحدة،،/ وليد العاصمي
—————————————————————–
من ايه(53/59)
ص134
تفسير مبسط للوجه 7
53:
{ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } أي: هذا من ابتلاء الله لعباده، حيث جعل بعضهم غنيا؛ وبعضهم فقيرا، وبعضهم شريفا، وبعضهم وضيعا، فإذا مَنَّ الله بالإيمان على الفقير أو الوضيع؛. كان ذلك محل محنة للغني والشريف فإن كان قصده الحق واتباعه، آمن وأسلم، ولم يمنعه من ذلك مشاركه الذي يراه دونه بالغنى أو الشرف، وإن لم يكن صادقا في طلب الحق، كانت هذه عقبة ترده عن اتباع الحق.
وقالوا محتقرين لمن يرونهم دونهم: { أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } فمنعهم هذا من اتباع الحق، لعدم زكائهم،
قال الله مجيبا لكلامهم المتضمن الاعتراض على الله في هداية هؤلاء، وعدم هدايتهم هم. { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } الذين يعرفون النعمة، ويقرون بها، ويقومون بما تقتضيه من العمل الصالح، فيضع فضله ومنته عليهم، دون من ليس بشاكر، فإن الله تعالى حكيم، لا يضع فضله عند من ليس له بأهل،
وهؤلاء المعترضون بهذا الوصف، بخلاف من مَنَّ الله عليهم بالإيمان، من الفقراء وغيرهم فإنهم هم الشاكرين.
آيه 54:
ولما نهى الله رسولَه، عن طرد المؤمنين القانتين، أمَره بمقابلتهم بالإكرام والإعظام، والتبجيل والاحترام، فقال: { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ } أي: وإذا جاءك المؤمنون، فحَيِّهم ورحِّب بهم ولَقِّهم منك تحية وسلاما، وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم، من رحمة الله، وسَعة جوده وإحسانه، وحثهم على كل سبب وطريق، يوصل لذلك. ورَهِّبْهم من الإقامة على الذنوب، وأْمُرْهم بالتوبة من المعاصي، لينالوا مغفرة ربهم وجوده،
ولهذا قال: { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ } أي: فلا بد مع ترك الذنوب والإقلاع، والندم عليها، من إصلاح العمل، وأداء ما أوجب الله، وإصلاح ما فسد من الأعمال الظاهرة والباطنة.
فإذا وجد ذلك كله { فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي: صب عليهم من مغفرته ورحمته، بحسب ما قاموا به، مما أمرهم به.
آيه55:
{ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ } أي: نوضحها ونبينها، ونميز بين طريق الهدى من الضلال، والغي والرشاد، ليهتدي بذلك المهتدون، ويتبين الحق الذي ينبغي سلوكه.
{ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } الموصلة إلى سخط الله وعذابه، فإن سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت، أمكن اجتنابها، والبعد منها، بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة، فإنه لا يحصل هذا المقصود الجليل.
56:
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قُلْ } لهؤلاء المشركين الذين يدعون مع الله آلهة أخرى: { إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } من الأنداد والأوثان، التي لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فإن هذا باطل، وليس لكم فيه حجة بل ولا شبهة، ولا اتباع الهوى الذي اتباعه أعظم الضلال،
ولهذا قال { قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا } أي: إن اتبعت أهواءكم { وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } بوجه من الوجوه. وأما ما أنا عليه، من توحيد الله وإخلاص العمل له، فإنه هو الحق الذي تقوم عليه البراهين والأدلة القاطعة.
57:
(قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ۚ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ….)
وأنا { عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي } أي: على يقين مبين، بصحته، وبطلان ما عداه، وهذه شهادة من الرسول جازمة، لا تقبل التردد، وهو أعدل الشهود على الإطلاق. فصدق بها المؤمنون، وتبين لهم من صحتها وصدقها، بحسب ما مَنَّ الله به عليهم.
{ وَ } لكنكم أيها المشركون – { كذبتم به } وهو لا يستحق هذا منكم، ولا يليق به إلا التصديق، وإذا استمررتم على تكذيبكم، فاعلموا أن العذاب واقع بكم لا محالة، وهو عند الله، هو الذي ينزله عليكم، إذا شاء، وكيف شاء، وإن استعجلتم به، فليس بيدي من الأمر شيء
{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } فكما أنه هو الذي حكم بالحكم الشرعي، فأمر ونهى، فإنه سيحكم بالحكم الجزائي، فيثيب ويعاقب، بحسب ما تقتضيه حكمته. فالاعتراض على حكمه مطلقا مدفوع، وقد أوضح السبيل، وقص على عباده الحق قصا، قطع به معاذيرهم، وانقطعت له حجتهم، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة
{ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } بين عباده، في الدنيا والآخرة، فيفصل بينهم فصلا، يحمده عليه، حتى من قضى عليه، ووجه الحق نحوه.
58:
{ قُل } للمستعجلين بالعذاب، جهلا وعنادا وظلما، { لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } فأوقعته بكم ولا خير لكم في ذلك، ولكن الأمر، عند الحليم الصبور، الذي يعصيه العاصون، ويتجرأ عليه المتجرئون، وهو يعافيهم، ويرزقهم، ويسدي عليهم نعمه، الظاهرة والباطنة.
{ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ } لا يخفى عليه من أحوالهم شيء، فيمهلهم ولا يهملهم
آيه 59:
(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)
هذه الآية العظيمة، من أعظم الآيات تفصيلا لعلمه المحيط، وأنه شامل للغيوب كلها، التي يطلع منها ما شاء من خلقه. وكثير منها طوى علمه عن الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، فضلا عن غيرهم من العالمين، وأنه يعلم ما في البراري والقفار، من الحيوانات، والأشجار، والرمال والحصى، والتراب، وما في البحار من حيواناتها، ومعادنها، وصيدها، وغير ذلك مما تحتويه أرجاؤها، ويشتمل عليه ماؤها.
{ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ } من أشجار البر والبحر، والبلدان والقفر، والدنيا والآخرة، إلا يعلمها.
{ وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ } من حبوب الثمار والزروع، وحبوب البذور التي يبذرها الخلق؛ وبذور النوابت البرية التي ينشئ منها أصناف النباتات.
{ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ } هذا عموم بعد خصوص
{ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } وهو اللوح المحفوظ، قد حواها، واشتمل عليها،
وقد جاء في سورة لقمان تفصيل لهذه الآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [سورة لقمان : 34]
أسباب النزول :
قوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} الْآيَةَ [54]:
قَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ طَرْدِهِمْ، فَكَانَ إِذَا رَآهُمُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ وَقَالَ:«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أَمَرَنِي أَنْ أَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ». وَقَالَ مَاهَانُ الْحَنَفِيُّ: أَتَى قَوْمٌ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: إِنَّا أَصَبْنَا ذُنُوبًا عِظَامًا، فَمَا إِخَالُهُ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ، فَلَمَّا ذَهَبُوا وَتَوَلَّوْا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا}
أسباب النزول :
– قَوْلُهُ تَعَالَى:{قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} الْآيَةَ [57]:
قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَرُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ، كَانُوا يَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ ائْتِنَا بِالْعَذَابِ الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ. اسْتِهْزَاءً مِنْهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
———————————————-
ص135
الآية 60
: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ﴾: أي يَقبض أرواحكم بالليل (بما يُشبِهُ قبضَها عند الموت)، ﴿ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ﴾: يعني ويعلم ما كَسَبْتم بجوارحكم في النهار مِن خيرٍ وشر، ﴿ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ﴾: يعني ثم يُعيد أرواحكم إلى أجسامكم في النهار (وذلك باليقظة من النوم، بما يُشبه الإحياءَ بعد الموت)، فيوقظكم سبحانه فيه ﴿ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ﴾: يعني لتواصلوا العمل إلى نهاية آجالكم المُحَدَّدة في الدنيا، ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ﴾ يوم القيامة، ﴿ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾، ثم يُجازيكم على تلك الأعمال.
الآيه 61،62
﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ بذاته وصفاته، وكل شيء خاضعٌ لِجلاله وعظمته، فهو سبحانه ذو القهر التام والسلطان الكامل على الخلق أجمعين، ﴿ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ﴾: أي ويرسل على عباده ملائكة، يحفظون أعمالهم ويُحْصونها، وهم الكِرام الكاتبون، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ﴾: أي حتى إذا نزلَ الموتُ بأحدهم: قبضَ روحَه مَلكُ الموت وأعوانه ﴿ وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾: أي وهم لا يُقصرون فيما أمرهم الله به مِن قبْض الأرواح والحِفاظ عليها، وكذلك لا يتأخرون عن الموعد المحدد لهم في قبضها.
ثم يُخبِرُ تعالى عباده بالأمر العظيم، وهو الوقوف بين يدي الرب المَوْلَى الحق الذي يجب أن يُعبَدَ دونَ سواه، وقد كَفَرَ أكثر الناس بنعمه وعصوه، وفسقوا عن أمره وتركوا طاعته، وأدهَى مِن ذلك: عبدوا غيره من مخلوقاته، فكيف يكونُ حسابُهم والحُكم عليهم؟ فيقول تعالى: ﴿ ثُمَّ رُدُّوا ﴾: يعني ثم أعيد هؤلاء المُتَوَفون ﴿ إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ﴾ – والمَوْلى هو السيد المالك – ﴿ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ ﴾: يعني ألا له القضاء والفصل يوم القيامة بين عباده، ﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ وذلك لكمال عِلمه سبحانه وحِفظه لأعمالهم، فحِسابُهُ يكونُ في أسرع مِن لَمْح البصر، كما أنه يُقسِّم الأرزاق في الدنيا في مِثل ذلك، فهو – جل وعلا – لا يُشغِلُهُ حسابٌ عن حساب، ولا شيءٌ عن شيء.
الآية 63، والآية 64، : ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ﴾ مَخاوف ﴿ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾؟ أليس هو الله تعالى الذي ﴿ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾: أي تدعونه في الشدائد متذللين له جَهرًا وسرًّا، وتقولون: ﴿ لَئِنْأَنْجَانَا ﴾ ربنا
﴿ مِن ْهَذِهِ ﴾ المخاوف
﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
المعترفين بفضله، الحامدين له على فِعله، وذلك بعبادته وحده لا شريك له، ﴿ قُلِ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ اللَّهُ ﴾وحده هو الذي ﴿ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ ﴾ بعد ذلك ﴿ تُشْرِكُونَ ﴾ معه في العبادة غيره، فتعبدون أصنامكم وتقربون إليها الذبائح.
آيه65﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ ﴾ وحده ﴿ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ ﴾: أي يُرسلَ ﴿ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾ كالرَّجْم والصواعق، ﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ كالزلازل والخسف، ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ﴾: يعني أو يَخلِطَ أمْرَكم عليكم ويَفتنكم، فتختلفوا أحزاباً، وتكونوا فِرَقًا متقاتلة، ﴿ وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ أي بالقتال، وذلك بأن يَقتل بعضُكم بعضاً، فتذيقَ كُلُّ طائفةٍ منكم ألمَ الحرب للأخرى.
﴿ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ﴾: يعني انظر كيف نُنوِّع حُجَجَنا الواضحة لهؤلاء المشركين ﴿ لَعَلَّهُمْيَفْقَهُونَ ﴾: أي لعلهم يفهمون فيعتبروا.
الآية 66، والآية 67:
﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ ﴾: أي وكَذَّبَ الكفارُ مِن قومك بهذا القرآن المشتمل على الوعد والوعيد، ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾: يعني وهو الكتاب الصادق في كل ما جاء به، الثابت الذي لا يَضره التكذيب به، ولا يُمكن زواله.
ولَمَّا كان صلى الله عليه وسلم خائفاً أن يَحصل له اللومَ من ربه بسبب تكذيب قومه له، قال تعالى – مُعلمًا له أنه ليس عليه لومٌ من تكذيبهم -: ﴿ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾: أي لستُ عليكم بحفيظ ولا رَقيب، وإنما أنا رسولٌ من الله أبلغكم ما أرسِلتُ به إليكم، (واعلم أن الوكيل هو مَن يُوَكَّل إليه الأمر لِيُدَبِّرَه).
ولَمَّا كان قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾، يُثِيرُ سؤالَهم: فمتى يَنزلُ العذابُ إذاً؟، أجابهم تعالى بقوله: ﴿ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ ﴾: يعني لكل خبرٍ من الأخبار التي أخبر الله بها – والتي تتضمن عذابكم -: وقتُ استقرارٍ ووقوع وحصول لابد منه، وميعادٌ لا يتقدم عنه ولا يتأخر، فيَتبين عندهُ الصادق من الكاذب، والحق من الباطل، ﴿ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ أيها الكفار عاقبة تكذيبكم عند حلول العذاب بكم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معًا، قال مُقاتِل رحمه الله: (منه – أي مِن هذا العذاب – في الدنيا: يوم بدر، وفي الآخرة: جهنم).
الآيه68: ﴿ وَإِذَارَأَيْتَ ﴾
المشركين ﴿ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا ﴾: أي الذين يتكلمون في آيات القرآن بالطعن
والاستهزاء،
﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾: أي فابتعد عنهم، وقمْ مُحتجاً على صنيعهم الباطل حتى يتحدثوا في حديثٍ آخر، ﴿ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ ﴾: يعني وإن أنساك الشيطان هذا الأمر ﴿ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى ﴾: أي فلا تقعد بعد التذكُّر ﴿ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ الذين تكلموا في آيات الله بالباطل.
آيه 69﴿ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾: أي وليس على المؤمنين المتقين من حساب هؤلاء المستهزئين من شيء، ﴿ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾: أي ولكنْ عليهم أن يَعظوهم، وأن يقوموا عن ذلك المجلس، ليكون ذلك ذِكرى للمستهزئين حتى يَكُفوا عن ذلك الكلام الباطل، ورجاء أن يتقوا الله تعالى فيجتنبوا معاصيه.
وفي الآية دليل على حُرمة الجلوس في مجالس يُسخَرُ فيها من الإسلام وشرائعه وأحكامه وأهله، وأنّ مُجالسة أهل الكبائر لا تجوز – خاصةً في حال فِعلهم للكبيرة، وعلى وجوب القيام – احتجاجاً – من أيّ مجلس يُعصَى فيه الله ورسوله.
آية (66):
لمسات بيانيه :
* ما الفرق بين (ماأناعليكم بوكيل) و(لست عليكم بوكيل) ؟(د.فاضل السامرائى)
ليس عليكم جملة فعلية (ليس فعل ماضي ناقص من أخوات كان) وقاعدة عامة الجملة الإسمية أقوى من الفعلية لأنها دالة على الثبوت الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد والوصف بالإسم أقوى وأدوم من الوصف بالفعل.اللغة العربية سهلة ولكنها واسعة تعبر عن أمور كثيرة لا يمكن للغات أخرى أن تعبر عنها وأدوات النفي لها دلالاتها. قال تعالى(قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (66) الأنعام) وقال (وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108) يونس) إذن هناك فرق وللنفي درجات ودلالات.
*(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ (66)) في الآية السابقة قال (لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)) فكان السياق يؤذن أن يقول (كذبوا وهو الحق) فلم عدل عن المضمر (كذبوا) إلى إظهار كلمة (قومك)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
إن التعبير عن المكذبين بقوله (قومك) تسجيل عليهم بسوء معاملتهم لمن هو من أنفسهم ومن بين ظهرانيهم. ألا ترى أن ظلم ذوي القربى أشد إيلاماً ولذلك قال طرفة بن العبد: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
لمسات بيانيه :
آية (61):
*ما الفرق بين (يتوفى)و(جاءه الموت)؟(د.حسام النعيمى)
الموت ليس هو الذي يأخذ الروح لكن الموت إيذان بانتهاء العمر، ما بقي لهذا الإنسان من عمره شيء فهو ميّت. الذي يتوفى هذه الأنفس(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61) الأنعام) الملائكة التي تأخذ الروح وحتى الرسل الملائكة ليست هي التي تتوفى الأنفس لأن (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا (42) الزمر) النسبة الحقيقية أي الفاعل الحقيقي لهذا التوفي هو الله سبحانه وتعالى، الملائكة وسيلة والموت سبب. الله سبحانه وتعالى ينسب أحياناً الفعل لغيره باعتباره الغير سبب أو مرتبط بأمره .الموت نهاية العمر فهو سبب الوفاة والذي يتوفى الأرواح الرسل من الملائكة بأمر من الله سبحانه وتعالى فالذي يتوفى الأرواح على الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى.
( جاء):
أما (جاء) ففيه معنى القرب الشديد وتحقق الوقوع. هذا الفعل استعمل في القرآن بهذه الصيغة.
قال تعالى في سورة الأنعام (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61)) مجيء الموت هنا معناه وصول عمر الحيّ إلى نهايته فكأن الموت يخبر بهذه النهاية وتقدير الكلام: إذا جاء قضاء الموت على الحيّ توفت روحه الملائكة أي أخذتها وافية غير منقوصة. (جاء أحدكم الموت) أي اقترب منه ووقع حدث الموت. استوفت الملائكة روحه فيه القرب الشديد وتحقق الوقوع.
وفي سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)) قد يقول قائل هم يتكلم ما أدركه الموت، كلا. الكافر يقول رب ارجعون بعد قبض روحه، الرجوع إلى الدنيا يريد أن يرجع إلى الدنيا بعد أن يخرج من الدنيا فإذن هنا معناه (جاء أحدهم الموت) أي اقترب منه وتاله وفارقته الروح. عند ذلك لما يرى ما يرى من هول الحساب يبدأ يقول رب ارجعون. طلب الرجوع إنما يكون لمن فارق الحياة وليس لمن هو في هذه الدنيا. موضعان في القرآن ورد فيهما (جاء) فيهما معنى المفارقة، مفارقة الروح.
لمسات بيانيه :
آية (65):
*ما الفرق بين استعمال قادر وقدير؟(د.فاضل السامرائى)
قدير من صيغ المبالغة على وزن فعيل، إذا عمم القدرة (وهو على كل شيء قدير) أو أطلقها (وهو العليم القدير) قادر على كل شيء هذه يستعمل صيغ المبالغة (على كل شيء) فيها كثرة. إذا عمّم أو أطلق يستعمل المبالغة، إذا عممها أي إذا قال (على كل شيء) يستخدم (قدير)
وإذا قيّدها بشيء يقول (قادر) (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (37) الأنعام) قُيّدت بإنزال آية، (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) الأنعام) قيدت بالعذاب، إذا قيّدها يقول قادر لأن قادر إسم فاعل وليس مبالغة، (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) يس) قادر إسم فاعل من فعل قدر،
قدير صيغة مبالغة.
فحيث أطلق القدرة أو عممها أطلق الصفة (وهو على شيء قدير) ومتى قيّدها قال (قادر) ليس فيها مبالغة وليس فيها كثرة، قدير فيها كثرة. فإذن حيث أطلقها يأتي بصيغ المبالغة وحيث عمّمها بكل شيء يأتي بصيغة مبالغة وحيث قيّدها يأتي بإسم الفاعل، هذا الفارق الدلالي بين إسم الفاعل وبين صيغ المبالغة التي تدل على التكثير.
لمسات بيانيه :
آية (60):
* (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60) الأنعام) فهل كلمة جرحتم هي من الجرح أو من الألم أو ما هو مدلولها في اللغة العربية؟(د.فاضل السامرائى)
من معاني الجرح الفعل. الجرح هو الشقّ بالسيف أو الآلة والجوارح هي اليدين والرجلين وسميت جوارح لأنه يجرح بهما. اجترحوا السيئات أي اكتسبوها، فعلوها، وسميت الجوارح لأنه يجرح بهما الخير والشر يكتسب بهما. الجوارح هي الأعضاء العامة. ما جرحتم أي ما عملتم، ما كسبتم.
*(ورتل القرآن ترتيلاً):
(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى (60)) انتقال بديع وحجج دامغة لكل إنسان في هذا الوجود فقد انتقل السياق القرآني من بيان سعة علمه تعالى إلى بيان عظمة قدرته. وقد جرت عادة القرآن بذكر دلائل الوحدانية في أنفس الناس كما في قوله (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ) عقب ذكر دلائل الوحدانية في اآفاق وهو قوله (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (59)).
*(وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ (60)) لِمَ خص الله تعالى علمه بما يكسبه العبد في النهار دون الليل؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
وقع الإقتصار على الإخبار بعلمه تعالى بما يكسب الإنسان في النهار دون الليل مراعاة للغالب لأن النهار هو وقت أكثر الأعمال والاكتساب وفي الإخبار بأنه يعلم ما يقع فيه تحذير لنا من اكتساب ما لا يرضاه الله وفيه تهديد للكافرين.
تدبر في الآيات
نسيان الخير يكون من الشيطان؛ كما قال تعالى: (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين). ابن تيمية:
التحذير من الاختلاف المفضي إلى الانقسام والنزاع، ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ ﴾
ابتعد عن مجالس اللغو والباطل، ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِىٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا۟ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِۦ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾
هناك ملائكةٌ تحصي عليك أعمالك وأقوالك؛ فاحسب لكل عملٍ وقولٍ حسابه، ﴿ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ﴾
تضرع إلى الله تعالى، وسله أن يفرج كربتك، ويقضي حاجتك؛ فإنه لا منجي من الشدائد إلا الله سبحانه وتعالى، ﴿ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُۥ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً )
اسع في الصلح بين شخصين أو فئتين متنازعتين، ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ ﴾
أرسل رسالة تحذر فيها من الوسائل الإعلامية التي تطعن في الدين، ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِىٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا۟ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِۦ ۚ ﴾
————————————————————————
من ايه (70/73)
ص136
تفسير مبسط للوجه 9
الآية 70: ﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا ﴾: أي واترك أيها الرسول هؤلاء المشركين الذين جعلوا دين الإسلام لعبًا ولهوًا مستهزئين بآيات الله تعالى، ﴿ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ بزينتها.
﴿ وَذَكِّرْ بِهِ ﴾: أي وذكّر الناسَ بالقرآن، قبلَ ﴿ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ ﴾: يعني قبل أن تُحبَس نفس في النار بسبب ذنوبها وشِركها، و ﴿ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ ﴾: يعني وليس لها ناصرٌ غير الله ينصرها ويُخلصها مما هي فيه، ولا شافع يَشفع لها عنده تعالى إلا بإذنه، ﴿ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ﴾: يعني وإن تَفْتَدِ بكل فداءٍ لا يُقْبَل منها، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا ﴾: أي أولئك الذين حُبِسُوا في النار بسبب ذنوبهم ﴿ لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ ﴾ – والحميم هو الماء الشديد الحرارة الذي لا يُطاق -، ﴿ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾.
الآية 71:
﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا ﴾: يعني أنعبد من دون الله تعالى أوثانًا لا تنفع ولا تضر؟ ﴿ وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾: أي ونرجع إلى الكفر بعد هداية الله لنا إلى الإسلام، فيكون مَثَلُنا – في رجوعنا من التوحيد إلى الشرك – ﴿ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ ﴾: أي كالذي فسد عقله بسبب إضلال الشياطين له، وتزيينها له باتباع هواه، فَضَلَّ ﴿فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ ﴾: أي تائهاً لا يدري أين يذهب، ولا مَن يَتَّبِع، و﴿ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ﴾: يعني وله أصحاب عقلاء مؤمنون يدعونه إلى الطريق الصحيح الذي هم عليه فيمتنع عن إجابة دعوتهم؟!
ولَمَّا كانت الهداية لا تقع إلا لِمَن شاء الله له الهداية، قال بعدها: ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَىاللَّهِ ﴾
الذي بعثني به ﴿ هُوَ الْهُدَى ﴾ الحق، (﴿ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ ﴾): أي وقد أُمِرْنا بأن نُسلِمَ ﴿ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ وذلك بعبادته وحده لا شريك له، فهو رَبُّ كل شيء ومالِكُه
الآيه72:
﴿ وَأَنْ أَقِيمُوا ﴾: أي وأُمِرنا بأن أقيموا ﴿ الصَّلَاةَ ﴾
بأركانها وشروطها وواجباتها وسُننها خالصةً لوجهه تعالى ﴿ وَاتَّقُوهُ ﴾ في ذلك، فلا تؤدوا الصلاة على وجه اللعب ومجرد الحركات، بل على وجه التقوى والمراقبة، لأن الصلاة إذا أقيمت بخشوع، فإنها تنهى العبد عن فِعل الفحشاء والمنكر، فيؤدي ذلك إلى تقوى الله تعالى، فاتقوه – أيها الناس – بتوحيده في عبادته، وفِعل أوامره، واجتناب نواهيه، فهو سبحانه الذي ابتدأ خلقكم من طين، ﴿ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾.
واعلم أن هذه الجملة: ﴿ وأمِرْنا لِنُسْلِم لرب العالمين ﴾) تقابل قوله تعالى في نفس السورة: ﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾.
واعلم أيضاً أن العطف الموجود في قوله تعالى: ( ﴿ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ ﴾ هو ما يُسَمَّى بـ (العطف على مَعنَى اللفظ)، يعني كأنه تعالى قال: (وَأُمِرْنَا بأن نُسلم لِرَبِّ الْعَالَمِين
َ وَبأَنْ نقيم الصَّلَاةَ وبأن
نتقيه سبحانه)
(والعطف على معنى اللفظ) مشهور في لغة العرب، وهذا كقوله تعالى في سورة المنافقون: ﴿ رَب ِّلَوْلَا أَخَّرْتَنِي
إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ
وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾)، والمعنى: (إنْ تُؤخّرني إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ: أصّدّقْ وأكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ).
الآية 73: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾ فلم يَخلقهما سبحانه عبثاً وباطلاً، بل خلقهما لِيُذكَرَ فيهما ويُشكَر، وليُعلِمَ عباده أن الذي خلق السماوات والأرض قادرٌ على أن يُحيى الموتى، وأنّ ذلك أهْوَنُ عليه سبحانه من خلق السماوات والأرض.
﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾: أي واذكر يوم القيامة حين يأمر الله تعالى الأرواح أن تُرَدّ في الأجساد بكلمة: “كن”، فيكونُ ذلك في لمح البصر أو هو أقرب، ﴿ قَوْلُهُ الْحَقُّ ﴾: أي قوله سبحانه هو الحق الكامل، ﴿ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ﴾: يعني يوم يَنفخ المَلَك في “القرن”، إذ إنّ الصور: هو بُوق يُشبِهُ القرن، يَنفخ فيه إسرافيل عليه السلام النفخة الثانية التي تكونُ بها عودة الأرواح إلى الأجسام.
وهو سبحانه ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾: أي الذي يعلم ما غاب عن حَواسِّكم – أيها الناس – ويعلم ما تشاهدونه، ﴿ وَهُوَ الْحَكِيمُ ﴾ الذي يضع الأمور في مواضعها، ﴿ الْخَبِيرُ ﴾ بأمور خلقه، فبهذا كان هو المعبود الحق الذي لا يجوز أن يعبد سواه.
سؤال:
- فإذا قال قائل: (قوْل الله حقٌ في كل وقت، وقدرته كاملة في كل وقت، وهو مالِكُ كل شيء في الدنيا والآخرة، فلماذا خَصَّ يوم القيامة بصفات العِلم والقدرة والمُلك؟.
⬅والجواب – والله أعلم –
أن هذا اليوم هو يومٌ لا يَملِكُ فيه أحدٌ نفعاً ولا ضراً لأحد، كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾، فهو يومٌ تنقطع فيه الأملاك، فلا يَبقَى مَلِكٌ إلا اللهُ الواحد القهار، فخَصَّ سبحانه مُلكَهُ بهذا اليوم لأنه الذي سيَحكم فيه على الخلائق بجنةٍ أو بنار.
وذَكَرَ أنه سبحانه (عالم الغيب والشهادة، وأنه الحكيم الخبير، وأنّ قوْله الحق) لإظهار عَدْلِهِ التام، وقدرته الكاملة على حساب الخلائق أجمعين في هذا اليوم، لأنه تعالى العليمُ بِسِرِّهم وجَهْرِهم، الخبيرُ بما في الصدور.
وذَكَرَ كلمة (كُن فيكون) لإظهار قدرته تعالى على البعث بعد الموت، وأنّ ذلك يسيرٌ عليه سبحانه.
لمسات بيانيه :
آية (73):
*ما دلالة استخدام صيغة عليم و عالم أو علام؟(د.فاضل السامرائى)
عليم صيغة مبالغة على وزن فعيل، علاّم أيضاً صيغة مبالغة على وزن فعّال، عالم إسم فاعل. مبالغة تعني كثرة في الأشياء، هو القرآن له تخصيصات في الإستعمال أحياناً يخصص بعض المفردات بمعنىً معين وإستعمال معين ودلالة معينة بما يدل على القصد في الإستعمال
كلمة عالِم في القرآن لم ترد إلا في عالم الغيب مفرداً أو الغيب والشهادة، إما الغيب وإما الغيب والشهادة في القرآن كله لم ترد كلمة عالِم في 14 موضعاً لم ترد بمعنى آخر.
مقتر نة بالغيب (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) الجن) أو بالغيب والشهادة (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) الأنعام) أو لم تقترن (عالِم) إسم فاعل لا يدل على الكثير عادة فاستعملها بالمفرد الذي لا يدل على التكثير. (عليم) خصصها للغيوب
(وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78) التوبة) لا تجد كلمة علام في القرآن في غير علام الغيوب ولم ترد إلا مع الغيوب جمع الغيب مجموعة، العلاّم كثرة والغيوب كثرة مثل سمّاع وسميع في القرآن: سمّاع استعملها في الذمّ (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ (41) المائدة) (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (47) التوبة)
وسميع إستعملها تعالى لنفسه (وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) واستعملها في الثناء على الإنسان (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) الإنسان) وسماع لم يستعملها إلا في الذم. إذن القرآن يخصص في الاستعمال. عليم مطلقة ويستعملها في كل المعلومات على سبيل الإطلاق (بكل شيء عليم) يستعملها إما للإطلاق على الكثير أو يطلقها بدون تقييد (واسع عليم) أو يستعملها مع الجمع أو فعل الجمع. مثلاً لما يقول (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) يونس) هذه مطلقة (كل) تدل على العموم، (بكل شيء عليم) هذا إطلاق، أو على العموم. قلنا إذن يستعملها مطلقة (إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)، أو عامة (بكل شيء عليم) أو مع الجمع أو مع فعل الجمع. مع الجمع (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ) جمع، (فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) جمع، (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) جمع، (إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) جمع. إما أن تستعمل عامة مع لكل الخلق، كل شيء أو مطلقة (واسع عليم) (سميع عليم) ليست مقيدة بشيء أو بالجمع (المتقين، المفسدين، الظالمين، بذات الصدور) أو بفعل الجمع (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة) لم يقل وما تفعل من خير، (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) يوسف) (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) النور) للجمع أو فعل الجمع. إذن كلمة عليم لم تحدد بشيء معين إما للعموم أو كونها مطلقة من كل شيء أو مع الجمع أو مع فعل الجمع لم يأت مع متعلق مفرد مطلقاً في القرآن لا تجد عليم بفلان أو بفعل فلان. علاّم محددة، عالِم محددة، عليم هذه استعمالاتها. إذا أراد أحدهم أن يدرس هذه الاستعمالات تدرس في باب تخصيص الألفاظ القرآنية، هذه ظاهرة في القرآن وقد نأخذ عليها عدة حلقات لاحقاً.
لمسات بيانيه :
آية (71):
*(ورتل القرآن ترتيلاً):
(قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ (71)) أراد الله بقوله (وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا) نرجع إلى كفرنا فلم عدل عن هذا التعبير إلى قوله (وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا)
الأعقاب جمع عقب وهو مؤخر القدم وعقب كل شيء آخره. فإذا قلت عن رجل أنه رجع على عقبيه أو نكص على عقبيه فقد قصدت بأنه رجع إلى المكان الذي جاء منه ولكن عبارة (وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا) لو رجع على عقبيه تمثل عودة الإنسان للتلبس في حالة ذميمة كان قد فارقها ثم عاد إليها ولذلك لا نقول على رجل حج بيت الله رجع على عقبيه. وهذه الآية تمثل حال المرتد إلى الشرك بعد أن أسلم بحال من خرج في شأن مهم فرجع على عقبيه ولم يقض ما خرج له. وهذا التصور أبلغ في نمثيل سوء الحالة من أن يقال نرجع إلى الكفر من بعد الإيمان.
(كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا )(71)
انظر إلى هذا الإيجاز البديع وهذا التصوير الذي يجعلك أمام مشهد تمثيلي شاخص وكأنك تبصره. فالله يصور في هذا التمثيل العجيب حالة من رضي ارتداده إلى ضلالة الشرك بعد هدى الإسلام وأذعن لدعوة المشركين وهجر أصحابه المسلمين الذين يحوطونه بالرعاية. شبه حاله هذه بحال من فسد عقله باستهواء من الشياطين فتاه في الأرض بعد أن كان عاقلاً عارفاً بمسالكها. انظر إلى هذا المشهد فقد اشتمل على تصاوير عدة فقد شبه المرتدين عن الإيمان بمن فقد عقله فجُنّ وشبه الكافر بالهيام في الأرض وشبه المشركين الذين يفتنون المرء عن دينه بالشياطين وشبه دعوة الله وملائكته للإيمان بالأصحاب الذين يدعون إلى الهدى.
توجيهات
احذر أن تجعل الدين مجالا للطرائف واللهو والعبث؛ فشأن الدين عند الله عظيم، ﴿ وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا ﴾
من أنفع الوسائل في الدعوة إلى الله: الحديث عن القرآن وآياته، ﴿ وَذَكِّرْ بِهِۦٓ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌۢ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِىٌّ وَلَا شَفِيعٌ ﴾
﴿وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ وَلَٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾
هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل الْمُذَكِّرُ من الكلام ما يكون أقربَ إلى حصول مقصود التقوى
العمل بالآيات
حدد مجلس لهو تعودت عليه، واستبدل به مجلساً مفيداً، ﴿ وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا ۚ ﴾
أرسل هذه الآية إلى بعض الذين يدعون الأموات,﴿ قُلْ أَنَدْعُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ ﴾
استعذ بالله تعالى أن يستهويك الشيطان فيضلك عن سبيله، واسأل الله الثبات على دينه حتى تلقاه، ﴿ كَٱلَّذِى ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِى ٱلْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُۥٓ أَصْحَٰبٌ يَدْعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا ﴾
————————————————————-
من ايه (74/82)
ص137
تفسير مبسط للوجه (10)
الآية 74: (﴿ وَإِذْ ﴾): أي واذكر حينَ (﴿ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً ﴾): يعني أتصنع من الأصنام آلهة لتعبدها من دون الله تعالى؟ ﴿ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾: أي في ضلالٍ واضح عن طريق الحق.
الآية 75:
﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: يعني وكما هدينا إبراهيم عليه السلام إلى الحق في أمر العبادة: (﴿ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾): أي نُرِيهِ ما تحتوي عليه السماوات والأرض من مُلك اللهِ العظيم، وقدرته الباهرة، (﴿ وَلِيَكُونَ ﴾) بذلك التفكر والاستدلال (﴿ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾): أي من الراسخين في إيمانهم بالله تعالى، وبأنه وحده المستحق للعبادة دونَ سواه، إذ إنه بقيام الأدلة: يَحصل اليقين، (واعلم أن اليقين هو أعلى مراتب الإيمان).
الآية 76: (﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ﴾): أي فلما أظلم الليل على إبراهيم عليه السلام: ناظَرَ قومه لِيُثبت لهم أن دينهم باطل، (وكانوا قوماً يعبدون النجوم والكواكب، فيصنعون لها أصناماً بأسمائها، ويعبدونها – اعتقاداً منهم – أنها تقربهم إلى الله تعالى)، فلما (﴿ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ ﴾) – مُستدرجاً قومه لإلزامهم بالتوحيد -: (﴿ هَذَا رَبِّي ﴾)، فهيا ننظر، هل يستحق الربوبية أم لا؟ وهل هناك دليل على ذلك أم لا؟ فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه، بغير حُجَّة ولا برهان، ﴿ فَلَمَّا أَفَلَ ﴾:
أي فلَمَّا غاب الكوكب: (﴿ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ ﴾): أي لا أحب الآلهة التي تغيب.
الآية 77: (﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا ﴾): أي طالِعًا
﴿ قَالَ ﴾ لقومه – على سبيل استدراج الخَصم -:﴿ هَذَا رَبِّي ﴾ ﴿ فَلَمَّا أَفَلَ ﴾: أي فلما غاب القمر: ﴿ قَالَ ﴾- مفتقرا إلى هداية ربه -: (﴿ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي ﴾): يعني لئن لم يوفقني ربي إلى الصواب في توحيده
﴿ لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴾
عن سواء السبيل بعبادة غيره.
الآية 78، والآية79: ﴿ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ ﴾لقومه ﴿ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ﴾ من الكوكب ومن القمر، (﴿ فَلَمَّا أَفَلَتْ ﴾): أي فلما غابت الشمس، (﴿ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾).
وبذلك واجَهَ إبراهيم قومه بالحقيقة التي أراد أن يوصلها لهم، وهي إبطال عبادة غير الله تعالى، فقال: (﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾): يعني إني أخلصتُ قصدي وتوجهي لله الذي خلق السموات والأرض، وانقدتُ له بجميع جوارحي، ولستُ كما توجهون أنتم وجوهكم لأصنامٍ صنعتموها بأيديكم، وعبدتموها بأهوائكم، لا بأمر ربكم، (واعلم أنه قد خَصَّ الوجه لأنه أكرم وأشرف الجوارح، وعليه تظهر المَشاعر، وبه يَحصل التوجُّه إلى كل شيء)، فإذا خضع وجهه لله، خضعتْ له جميع جوارحه، فلا يُشرك بعبادته أحدًا، (﴿ حَنِيفًا ﴾): أي مائلا عن الشرك إلى التوحيد، (﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾) مع الله غيره.
الآية 80: (﴿ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ﴾): أي وجادله قومه في توحيد الله تعالى، فـ (﴿ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ﴾): يعني أتجادلونني في توحيدي لله بالعبادة، وقد وفقني إلى معرفة وحدانيته، فكيف أتركه وأنا على بينةٍ منه سبحانه وتعالى؟، وكيف يَصِح منكم الجدال في ترْك عبادة الله وحده، وعبادة ما سواه من الآلهة المزعومة، التي لم تخلق شيئاً، والتي لم تنفع مَن عَبَدها، ولم تضر مَن ترَكَ عبادتها؟
فلمَّا تبرأ مِن آلهتهم: خوَّفوه بها وذكروا له أنها قد تصيبه بمكروه، فرَدَّ عليهم قائلاً: (﴿ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ﴾): يعني وإن كنتم تخوّفونني بأصنامكم أن تُوقِعَ بي ضررًا فإنني لا أخافها، ولن تضرني (﴿ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ﴾) واعلم أنه قد قال هذه الجملة احتياطاً منه للتوحيد، إذ إنه من الجائز أن يتعثر أمامهم في حجر، أو تشُوكه شوكة، أو يمرض بسببٍ أو بآخر، فيقولون له: (هذه آلهتنا قد أصابتك لأنك تَسُبُّها)، فيكون رَدُّهُ عليهم بأن الله هو الذي شاء ذلك الضرر وقدَّرَه، ويحتمل أن يكون المعنى: (إلا أن يشاء ربي أن يصيبني بشيءٍ أخافه من جهة تلك المخلوقات بسبب ذنبٍ فعلتُه، مِثل أن يرجمني بكوكب، أو بشيءٍ من الشمس أو القمر، أو غير ذلك مما لا أعلمه، ويَعلمه ربي، فقد (﴿ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾)، ثم وبَّخهم بقوله: (﴿ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾) وتتفكرون بعقولكم، فتعلمون أنَّ ما أنتم عليه هو الباطل، وأنه تعالى هو وحده المستحق للعبودية؟!
الآية 81، والآية82: ﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ ﴾
يعني وكيف أخاف أصنامكم، وهي حجارة جامدة لا تنفع ولا تضر لِعجزها وحقارتها وضعفها؟!، (﴿ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ﴾): يعني وأنتم لا تخافون ربكم الحق، المحيي المميت، الفعَّال لما يريد، الذي خلقكم وخلق حجارتكم التي أشركتموها معه في العبادة، مِن غير حجة لكم على ذلك إلا اتباع الهوى؟
(﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ﴾) من عذاب اللهِ (﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾)؟ (فريق المشركين أم فريق الموحدين)؟، ثم حكم الله تعالى بينهم فقال: (﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾): أي الذين صدَّقوا بالله ورسله وعملوا بشرعه، (﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾): يعني ولم يخلطوا إيمانهم بشِرك، إذ المقصود بالظلم هنا هو الشرك، كما قال تعالى: (﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾)، طبعاً إلا مَن تاب من الشرك قبل موته، وقَبِلَ اللهُ توبته، فـ (﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾) في الدنيا والآخرة، (﴿ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾)
إلى طريق سعادتهم وكمالهم وهو الإسلام، وذلك لانقيادهم للحق حيث كان، وأنتم ضالون عن ذلك لاتباعكم لأهوائكم.
لمسات بيانيه :
آية (77):
*قال تعالى (فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)) ابتدأ سيدنا إبراهيم هذا الاستدلال بنفسه فقال (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي) فلم قال (لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) ولم يقل لأكونن ضالاً؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
- تناسباً مع مبتدئه في هذا تعريض بقومه أنهم ضالون وقد هيأهم قبل المصارحة بأنهم ضالون فقوله (لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) يدخل على نفوسهم الشك في معتقدهم أن يكون ضلالاً.
لمسات بيانيه :
آية (74):
*(ورتل القرآن ترتيلاً):
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً (74)) ليس من عادة القرآن التعرض لذكر أسماء غير الأنبياء، فلِمَ ذكر إسم آزر والد إبراهيم دون غيره؟ إن إسم آزر فيه قراءتان: فقد قرأ الجمهور آزرَ بفتح الراء وقرأ يعقوب بضمّها وعلى قراءة الضم فآزر منادى فكأن إبراهيم يقول: يا آزرُ أتتخذ أصناماً آلهة؟ ولذلك فإن ذكر إسم أبيه فيه غلظة لما بدا منه من تصلب في الشرك وإصرار على غِيِّه وهذا الأسلوب لا شك أن إبراهيم سلكه استقصاء لأساليب الموعظة لعل بعضها أن يكون أنجع في نفس أبيه من بعض. فقد سلك معه قبل أسلوب اللين واللطف (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) مريم).
لمسات بيانيه :
آية (76):
*(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي (76)) إن إبراهيم كان عالماً أن الكواكب ليست إلا خلقاً من مخلقوات الله فلم قال (هَـذَا رَبِّي) ولم يقل بالتنكير هذا رب؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
- إن تعريف جزئي المبتدأ والخبر (هَـذَا رَبِّي) يفيد القصر بخلاف هذا رب الذي يدل على أنه ربه من بين الأرباب ولذلك استعمل إبراهيم عليه السلام أسلوب القصر (هَـذَا رَبِّي) لأنه أراد استدراج قومه فابتدأه بإظهار أنه لا يرى تعدد الآلهة ليصل بهم إلى التوحيد واستغل واحداً من معبوداتهم وهو الكوكب ففرض استحقاقه الإلهية لكي لا ينفروا من الإصغاء إلى استدلاله.
لمسات بيانيه :
(وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) الأنعام) و (مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) السجدة) و (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر)، (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) فما الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟(د.فاضل السامرائى)
ذكرنا في أكثر من مناسبة في القرآن ضابط ليس فقط في هذين الفعلين وإنما تعبير عام وذكرنا في حينها أنه يحذف من الفعل مثل استطاعوا واسطاعوا
للدلالة على أن الحدث أقل مما لم يحذف منه، إذا حذف معناه أن الزمن المحذوف منه أقصر يقتطع للدلالة على الاقتطاع من الحدث. وإذا كان المقام مقام إيجاز يوجز وإذا كان المقام تفصيل يقول تتذكرون. إذا كان الحدث أطول تأتي تتذكرون وإذا كان أقل يقتطع من الفعل أو إذا كانت في مقام الإيجاز يوجز وفي مقام التفصيل يفصل.⬅ مثال: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) لو سألنا أي واحد مهما كانت ثقافته تقول له هل الأعمى يستوي مع البصير؟ والأصم هل يستوي مع السميع؟ سيقول مباشرة لا، إذن لا يحتاج إلى طول تذكر وإنما يجيب مباشرة. هل يستويان؟ لا، هذا لا يحتاج إلى طول تذكر فقال (أفلا تذكرون). (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر) هنا صار إيمان وعمل صالحات، إيمان وعمل صالح (قليلاً ما تتذكرون) لأن دخل به إيمان وعمل صالح والمعنى أنه الذي لم تؤمن ولم تعمل صالحاً هذه قضية أخرى، هذه أطول من تلك تحتاج إلى تأمل وتفكير والرسول يدعو طويلاً إلى الإيمان والعمل الصالح واتهموه بالجنون، إذن هذه تتذكرون لأنها تحتاج إلأى طول تذكر. (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) النحل) سل أي واحد سيقول لا هذه لا تحتاج إلى تذكر، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية) ختم على سمعه وبصره غشاوة وأضله على علم لا تحتاج إلى طول تفكر.
نضرب مثالاً آخر للإيجاز والتفصيل قال تعالى في السجدة (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)) في يونس قال (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)) إحداها تتذكرون والأخرى تذكرون. قال في يونس (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وفي السجدة قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) لم يقل (ما بينهما) في يونس. في يونس قال (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) فقط وفي السجدة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) فالسجدة فيها تفصيل أكثر. قال في يونس (مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) وفي السجدة قال (مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ) في السجدة تفصيل أكثر.
سؤال: هل العرب كانت تفهم تذكرون وتتذكرون؟
هم يعرفون معناها عند وضعها في مكانها. لماذا تحداهم الله تعالى بسورة؟ سورة يعني أقصر سورة معناه بمقدار أقصر أي سورة يصير اختيار في الكلام ، الكلمة ليس فيها اختيار لكن النص بمقدار أقصر سورة يصير فيه اختيار، سبب الاختيار عليه المعول مثل (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) لماذا إنا؟ ولماذا أعطيناك؟ يبقى توظيف المفردة في سياق الآية. المعروف أن العرب بلغاء لكنه ليس بالضرورة أن يأتوا بالبلاغة في كلامهم، هل كلهم على مستوى واحد من البلاغة؟. أنا أقول شعراً لكن هل شعري مثل شعر المتنبي؟ هل الشعر الذي يقوله المبتديء كالبحتري؟ هم درجات.
سؤال: لكن من حيث الدلالة والمعنى كانوا يفهمون الفرق بين تذكرون وتتذكرون، توفاهم وتتوفاهم؟
يفهمونها هذا في سياقها ويفهمون أكثر مما نفهم نحن لأن هذه لغتهم ونحن الآن نتعلم وهم لم يشكوا في مصداقية القرآن (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل).
لمسات بيانيه :
آية (80):
*ما الفرق بين تذّكّرون وتذكّرون وتتذكرون؟(د.حسام النعيمى)
(تَتَذَكَّرُونَ (80﴾ الأنعام)
و(تَذَكَّرُونَ ﴿152﴾ الأنعام). الاختلاف في المعنى
أنه لما تأتي تَتَذَكَّرُونَ تكون مساحة التأمل أوسع وهذا مثال في قوله تعالى (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿80﴾ الأنعام) قبلها كان الكلام عن النظر في آيات الله في الكون وهذا ربي ثم هذا ربي ثم هذا ربي أمور تحتاج إلى طول زمن.
ولكن عندما نأتي إلى تذكّرون أو تذّكّرون- بالتشديد على الذال- نجد أن المسألة منحصرة إما في أوامر من الله عز وجل يأمرهم بتنفيذها مثل (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَانُكَلِّفُ نَفْسًا إِِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(152)الأنعام) (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴿3﴾ الأعراف) الأمر يأتي أو تقرير فالمسألة منحصرة مجتزأة لا تحتاج إلى طول الوقت الذي احتاجته التأملات التي في خلق السموات والأرض وهذا ربي وهذا ربي إلى آخره في قصة إبراهيم ِr.
وأما التشديد على الذال فهو للتأكيد وقلنا كل ما قرأه حفص تذكّرون قرأه نافع وورش تذّكّرون بالتشديد على الذال وأجمعوا على قراءة يذّكّرون- بالتشديد على الذال- حيث ما وردت بالتشديد ففيها معنى التأكيد لما تأتي.
تدبرات من الآيات
( فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِين ) من يغيب عنك وقت حاجتك ، بدون عذر ، لايستحق محبتك !! / عايض المطيري
هل جربت الخروج في الليل لترى ملكوت السموات والأرض؟إنه سيزيد يقينك بربك{وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين}/ محمد الربيعة
لما جن عليه الليل رأى كوكبا………. السماء..صفحة التوحيد والإيمان وسمر الأنبياء# إبراهيميات. / عبد الله بلقاسم
“لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين” لا تظن أن إمكاناتك العقلية أو ذكاءك الفطري سيهديك إلى الله..لا يهدي إلى الله سوى الله / علي الفيفي
“فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي”استخدم مصطلحاتهم في حال نقاشهم ثم دحضها:في حوارك تنزّل مع الخصم وركز على الحقائق لا المصطلحات / علي الفيفي
أخبرهم إبراهيم عليه السلام أنه اختار الكوكب ثم القمر ثم الشمس ربا يعبد، ولم يجادله أحد ولما صدع بالتوحيد جودل!!(أتحاجوني في الله وقد هدان!) / وليد العاصمي
من أعظم أعمال القلوب ألا تكترث بمن لا يخاف الله،إذ كيف تخاف خلقا ضعيفا لم يخف القوي الجبار(وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله) /سعود الشريم
———————————————————————————–
من ايه (83- 90)
ص138
تفسير مبسط للوجه (11)
الآية 83:
﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ﴾: يعني وتلك الحُجَّة التي غلب بها إبراهيمُ قومَه هي حُجَّتنا التي وفقناه إليها حتى انقطعت حُجَّتهم، وكما رفعنا منزلة إبراهيم عليه السلام في الدنيا والآخرة: (﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ﴾) من عبادنا، فإن العلم يَرفع اللهُ به صاحبه فوق العِباد درجات، خاصةً العالم العامل المُعَلِّم، فإنه يجعله الله إماماً للناس، وهذا تقريرٌ منه سبحانه بأنه فضَّل إبراهيم على غيره بالإيمان واليقين والعلم المبين،﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ ﴾في تدبير خلقه واصطفائهم، ﴿ عَلِيمٌ ﴾بمن يستحق ذلك الاصطفاء والاختيار.
وقد قيلَ إن هذه الحُجَّة التي أعطاها الله لإبراهيم هي قولهم له: (أمَا تخافُ أن تُخْبِلَكَ آلهتنا – أي تصيبك بالجنون – لِسَبِّكَ إياها؟) فقال لهم: (أفلا تخافون أنتم منها إذ سَوَّيتم بين الصغير والكبير في العبادة، فيَغضب الكبير فيُخبِلَكم؟).
الآية 84:
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ﴾
ابنًا (﴿ وَيَعْقُوبَ ﴾) حفيدًا،﴿ كُلًّا هَدَيْنَا ﴾): أي ووفَّقنا كُلاً من إسحاق ويعقوب لسبيل الرشاد، (﴿ وَنُوحًا هَدَيْنَا ﴾): أي وكذلك وفَّقنا للحق نوحًا، وذلك (﴿ مِنْ قَبْلُ ﴾): أي من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، (﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ﴾): أي وكذلك وفَّقنا للحق من ذرية نوح: (﴿ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ ﴾
عليهم السلام، (﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾): يعني وكما جَزينا هؤلاء الأنبياء لإحسانهم: نجزي كل مُحسنٍ في عبادته لله.
85
﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ ﴾) هديناهم كذلك، و(﴿ كُلٌّ ﴾): يعني وكُلّ هؤلاء الأنبياء جعلناهم (﴿ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾)
86
﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ﴾
هديناهم كذلك، (﴿ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾): يعني وكُلّ هؤلاء الرسل فضَّلناهم على أهل زمانهم.
الآية 87: (﴿ وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ﴾): يعني وكذلك وفَّقنا للحق مَن شِئنا هدايته من آباء هؤلاء الرسل وأبنائهم وإخوانهم،
﴿ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ ﴾): أي واخترناهم لديننا وإبلاغ رسالتنا إلى مَن أرسلناهم إليهم، (﴿ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾): يعني وأرشدناهم إلى طريقٍ صحيح، لا عِوَجَ فيه، وهو توحيد الله تعالى وتنزيهه عن الشرك.
الآية 88:
(﴿ ذَلِكَ ﴾) الهدى هو (﴿ هُدَى اللَّهِ ﴾) الذي (﴿ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾) (﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾): يعني وإن هؤلاء الأنبياء – على كمالهم وعُلُوّ درجاتهم – لو أشركوا بربهم، فعبدوا معه غيره: لَبَطَلَ عَمَلُهم كله، لأن الله تعالى لا يقبل مع الشرك عملاً، وهذا على سبيل الفرْض، وإلاَّ فالرسل معصومون، ولكنْ ليكون هذا عظة وعبرة للناس.
الآية 89:
﴿ أُولَئِكَ ﴾) الأنبياء الذين أنعمنا عليهم بالهداية والنبوه هم ﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ﴾
كصحف إبراهيم، وتوراة موسى، وزبور داود، وإنجيل عيسى، (﴿ وَالْحُكْمَ ﴾): أي وآتيناهم فَهْمَ هذه الكتب، والإصابة وسدادالرأي،
﴿ وَالنُّبُوَّةَ ﴾: أي واخترناهم لإبلاغ وَحْيِنا، (﴿ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ ﴾): يعني فإن يجحد الكفارُ من قومك بآيات هذا القرآن وما تَحمله من شرائع وأحكام وهداية: (﴿ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا ﴾): أي ألزمنا بالإيمان بها وبمراعاتها (﴿ قَوْمًا ﴾) آخرين – أي: المهاجرين والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة – وهؤلاء (﴿ لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾) بل مؤمنون بها، عاملون بها.
الآية90:
﴿ أُولَئِكَ ﴾) الأنبياء المذكورون هم (﴿ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾): أي وفقهم الله تعالى لدينه الحق،
﴿ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾: يعني فاتبع هداهم أيها الرسول في نفي الشرك وإثبات التوحيد، واسلك سبيلهم في الصبر على أذى السفهاء والعفو عنهم.
واعلم أن الهاء التي في كلمة: (اقتده) تسمى هاء السكت، وهذا مِثل قوله تعالى: (﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ )، ويكون تقدير هذه الهاء: (فبهداهم اقتدِ الاقتداء الكامل التام)، والله أعلم.
﴿ قُلْ ﴾) أيها الرسول لهؤلاء المشركين المكذبين بنبوتك وكتابك: (﴿ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾): أي لا أطلب منكم مالاً مقابل تبليغ القرآن لكم، حتى لا يكون ذلك من أسباب امتناعكم، وإنما أمِرْتُ أن أقرأه عليكم لهدايتكم، و (﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾): أي وما القرآن إلا موعظة للعالمين، يتعظون بها إن هم أنصتوا له وتدبروه، وتخلَّوا عن أهوائهم، وأرادوا الهداية إلى الحق، وطلبوها من الله بصدق
لمسات بيانيه
آية (83-86):
* ما دلالة تعدد الأنبياء في سورة الأنعام وتعدد الوصف في الآيات 83 – 86؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)) هو قال (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا) ذكر أنه أنعم عليهم بالهداية، ونوحاً هداه وكذلك داوود أصبح قائداً وصار ملكاً، سليمان وهبه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، أيوب آتاه الله أهله ومثله معهم وآتاه مالاً كثراً، يوسف صار عزيز مصر، موسى وهارون أكرمهم الله بالرسالة ونصرهما على فرعون أما يعقوب أبو الأسباط وهو أبو العزيز وابنه رفعه على العرش قال(وكذلك نجزي المحسنين) لأن الله تعالى جازاهم كلهم، المحسن يجزيه كما جزى هؤلاء. بعدها قال (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85)) زكريا قُتل، يحيى قُتل، عيس حاولوا قتله، إلياس طلبه الملك فهرب إلى الجبال فلا يستوي أن يختم الآية بكذلك نجزي المحسنين وإنما قال (وكل من الصالحين). (وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)) اسماعيل لم يكن ملكاً وإنما جاء فقط برسالة، إسماعيل واليسع ويونس ولوطاً لم يصبهم ما أصاب الآخرين من الأذى ولم ينالوا من الملك ما ناله الآخرون إنما أكرمهم الله تعالى فقال (وكلا فضلنا على العالمين) أعطاهم وصفاً آخر ووسام عالي وهو التفضيل على العالمين لم يذكر ما يجويهم به فهم ليسوا ملوكاً وإنما قال (وكلا فضلنا على العالمين)
قبل أن ندخل في الترتيب ننظر إلى الهيكلية في ترتيب الأنبياء فنلاحظ أنه تعالى يذكر ثلاثة من الأنبياء ثم يعود إلى الأقدم ثم يذكر ثلاثة ثم يعود إلى الأقدم ويكرر هذا النسق فمثلاً ذكر ابراهيم واسحق ويعقوب ثم عاد إلى نوح وهو أقدم من المذكورين، ثم داوود وسليمان وأيوب ثم يوسف وهو قبل المذكورين، ثم زكريا ويحيى وعيسى ثم ذكر إلياس وهو أقدم من المذكورين، ثم اسماعيل واليسع وإلياس ثم ذكر لوط وهو أقدم من المذكورين.
ثم نأتي لسبب الترتيب على الشكل الذي جاء في الآيات نجد أنه ذكر ابراهيم واسحق ويعقوب، واسحق ابن ابراهيم ويعقوب ابن اسحق (العلاقة التي بينهم هي البنوّة) ثم داوود وسليمان ( العلاقة بينهم البنوّة والمُلك) أيوب ويوسف (العلاقة بينهما أنهما يشتركان في الإنعام بعد البلوة، فكلاهما ممن أنعم الله تعالى عليه بعد الابتلاء) سليمان وأيوب (العلاقة بينهما أنهما كلاهما قال تعالى فيهما نعم العبد إنه أوّاب فأيوب هو العبد الصابر وسليمان هو العبد الشاكر، والصبر والشُكر جماع الإيمان) يوسف وهارون (العلاقة بينهما هي الأخوّة) زكريا ويحيى (علاقة البنوّة) يحيى وعيسى (كلاهما مُستغرب الولادة فيحيى جاء من أبوين أحدهما شيخ والآخر عقيم وعيسى جاء من أم بلا أب وقد ذكرهما تعالى معاً في سورة آل عمران ومريم) وقد ختم تعالى هذه المجموعة بعيسى u لأنه ليس له أب فكان خاتمة النسب الأول عنده.
ثم بعد عيسى u تأتي سلسلة أخرى من ذرية أخرى : إلياس ليس من ذرية اسحق ، أسماعيل أخو إسحق ، اليسع صاحب إلياس (وحيث ورد اليسع ورد إلياس) ويونس ليس من ذرية ابراهيم وكذلك لوط ليس من ذرية ابراهيم، ويونس ولوط كلاهما مهاجر وترك قومه وقد جمع تعالى بينهما في سورة الصافّات أيضاً فيونس خرج مغاضباً ولوط قال إني مهاجر إلى ربي. ولو لاحظنا الأنبياء الذين ورد ذكرهم لوجدنا أن الترتيب بدأ بالذاهب إلى ربه أي ابراهيم u (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) الصافات) وخُتمت بالمهاجر إلى ربه أي لوط u (فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)العنكبوت). وهذا يدل على أن للترتيب الذي ورد حكمة إلهية بالإضافة إلى الهيكلية.
لمسات بيانيه :
آية (89):
*(أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ (89)) عبّر الله عن الإعطاء بالوكالة فقط (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا) فلِم قال (وَكَّلْنَا) ولم يقل فقد آتيناها؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إذا رجعنا إلى معنى التوميل رأيناه أن تسند تدبير أمر لك إلى شخص يتولى تدبيره ورعايته والحفاظ عليه ولذلك خصّ الله إيتاء الإيمان بالوكالة لأنها تقتضي الأخذ للإيمان مع الحفظ والرعاية ففيها أخذ وصون وأما الإيتاء فيقتضي الأخذ ولكن ليس بالضرورة أن يحفظ ما أخذه.
لمسات بيانيه :
آية (90):
* (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًاإِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) الأنعام) تتكرر في القرآن وتأتي (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)يوسف) فمتى تأتي (من أجر) ومتى تأتي (أجراً)؟(د.فاضل السامرائى)
من حيث اللغة (تسألهم عليه من أجر) آكد من (لا أسألكم عليه أجراً) لأنها دخلت (من) الإستغراقية على الأجر، دخلت على المفعول به تفيد استغراق النفي وهي مؤكدة. نظهر المفهوم النحوي أولاً ثم نضعها في موضعها، إذن من حيث التركيب اللغوي من دون وضعها في مكانها (من أجر) آكد من (لا أسألكم عليه أجراً) لوجود (من) الاستغراقية. يبقى لماذا وضعت كل واحدة في مكانها؟ إذن عندنا الحكم النحوي ثم لماذا وضعت؟ هذا سؤال بياني. آية الأنعام التي ليس فيها (من) آية واحدة ليس قبلها شيء في التبليغ ولا في الدعوة أما الآية الثانية فهي في سياق التبليغ (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)) يتكلم عن هؤلاء الكفرة والآية في سياق الدعوة. في سياق الدعوة والإنكار يستوجب التوكيد، هذا أمر، الأمر الآخر (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) الأنعام) ذكرى من التذكر (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) الفجر) (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى (9) الأعلى) (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) الذاريات) هي نفسها تذكّر أو تدخل في التذكّر. الآية الثانية (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)) الذِكر هو الشرف والرفعة (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ (44) الزخرف) إذن الذكر شرف ورفعة والذكرى من التذكر. لما نقول سأرفعك وأعطيك منزلة ومكان أو تتذكر أيها التي تحتاج توكيد؟ الذي يرفع يحتاج لتوكيد، إذن (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) يوسف) لأن هذا يحتاج إلى أجر، (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) آكد من حيث السياق.
التوجيهات
تحقيق التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى أمانٌ من كل خوفٍ في الدنيا والآخرة، ﴿ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَلَمْ يَلْبِسُوٓا۟ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾
خير ما يعطى المرء في هذه الحياة: الهداية إلى الصراط المستقيم، ﴿ وَمِنْ ءَابَآئِهِمْ وَذُرِّيَّٰتِهِمْ وَإِخْوَٰنِهِمْ ۖ وَٱجْتَبَيْنَٰهُمْ وَهَدَيْنَٰهُمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
الأنبياء لو حصل منهم الشرك لبطلت أعمالهم؛ فكيف بمن هو دونهم، ﴿ ۦ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا۟ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾
ووهـبنا له إسحاق ويعقوب…. ” صلاح الذرية هـبة من الله لك … تحتاج إلى شكر . / نايف الفيصل
أثنى على ثمانية عشر نبياً في سياق واحد،،ثم خُتم الثناء ب(ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون!) الشرك ذنبٌ لا يُغفر، ولو وقع من أحب الخلق! / وليد العاصمي
إن الله ﻻ يخذل الحق الذي يحمله أهله،فإن خذله أهله حينا من الزمن هيأ الله له من ينصره(فإن يكفر بها هؤﻻء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) / سعود الشريم
الحق لا يغيب من الأرض فمن تركه أقامه الله بغيره (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين)/عبد العزيز الطريفي
الإسلام رداء لا يوضع على الأرض ، فإن نزعه قوم ألبسه الله آخرين! {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} عبدالعزيز الطريفي
( فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين ) “الحق لا يغيب من الأرض فمن تركه أقامه الله بغيره .” / عبد العزيز الطريفي
———————————————————–
من ايه (91-94)
ص139
تفسير مبسط للوجه (12)
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [سورة اﻷنعام : 91]
هذا تشنيع على من نفى الرسالة، [من اليهود والمشركين] وزعم أن الله ما أنزل على بشر من شيء، فمن قال هذا، فما قدر الله حق قدره، ولا عظمه حق عظمته، إذ هذا قدح في حكمته، وزعم أنه يترك عباده هملا، لا يأمرهم ولا ينهاهم، ونفي لأعظم منة، امتن الله بها على عباده، وهي الرسالة، التي لا طريق للعباد إلى نيل السعادة، والكرامة، والفلاح، إلا بها، فأي قدح في الله أعظم من هذا؟\”
{ قُلْ ْ} لهم –ملزما بفساد قولهم، وقرِّرْهم، بما به يقرون-: { مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى ْ} وهو التوراة العظيمة { نُورًا ْ} في ظلمات الجهل { وَهُدًى ْ} من الضلالة، وهاديا إلى الصراط المستقيم علما وعملا، وهو الكتاب الذي شاع وذاع، وملأ ذكره القلوب والأسماع. حتى أنهم جعلوا يتناسخونه في القراطيس، ويتصرفون فيه بما شاءوا، فما وافق أهواءهم منه، أبدوه وأظهروه، وما خالف ذلك، أخفوه وكتموه، وذلك كثير.
{ وَعُلِّمْتُمْ ْ} من العلوم التي بسبب ذلك الكتاب الجليل { مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ْ}
فإذا سألتهم عمن أنزل هذا الكتاب الموصوف بتلك الصفات، فأجب عن هذا السؤال. و { قل الله ْ} الذي أنزله، فحينئذ يتضح الحق وينجلي مثل الشمس، وتقوم عليهم الحجة،
ثم إذا ألزمتهم بهذا الإلزام { ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ْ} أي: اتركهم يخوضوا في الباطل، ويلعبوا بما لا فائدة فيه، حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون.
(وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [سورة اﻷنعام : 92]
أي: { وَهَذَا ْ} القرآن الذي { أَنْزَلْنَاهُ ْ} إليك { مُبَارَكٌ ْ} أي: وَصْفُه البركة، وذلك لكثرة خيراته، وسعة مبراته. { مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ْ} أي: موافق للكتب السابقة، وشاهد لها بالصدق.
{ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ْ} أي: وأنزلناه أيضا لتنذر أم القرى، وهي: مكة المكرمة، ومن حولها، من ديار العرب، بل، ومن سائر البلدان. فتحذر الناس عقوبة الله، وأخذه الأمم، وتحذرهم مما يوجب ذلك.
{ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ْ} لأن الخوف إذا كان في القلب عمرت أركانه، وانقاد لمراضي الله. { وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ْ} أي: يداومون عليها، ويحفظون أركانها وحدودها وشروطها وآدابها، ومكملاتها. جعلنا الله منهم.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) [سورة اﻷنعام : 93]
يقول تعالى: لا أحد أعظم ظلما، ولا أكبر جرما، ممن كذب [على] الله.بأن نسب إلى الله قولا أو حكما وهو تعالى بريء منه، وإنما كان هذا أظلم الخلق، لأن فيه من الكذب، وتغيير الأديان أصولها، وفروعها،
ونسبة ذلك إلى الله -ما هو من أكبر المفاسد. ويدخل في ذلك، ادعاء النبوة، وأن الله يوحي إليه، وهو كاذب في ذلك، فإنه – مع كذبه على الله، وجرأته على عظمته وسلطانه- يوجب على الخلق أن يتبعوه، ويجاهدهم على ذلك، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم.
ويدخل في هذه الآية، كل من ادعى النبوة، كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي والمختار، وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف.
{ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ْ} أي: ومن أظلم ممن زعم. أنه يقدر على ما يقدر الله عليه ويجاري الله في أحكامه، ويشرع من الشرائع، كما شرعه الله.
ويدخل في هذا، كل من يزعم أنه يقدر على معارضة القرآن، وأنه في إمكانه أن يأتي بمثله.
وأي: ظلم أعظم من دعوى الفقير العاجز بالذات، الناقص من كل وجه، مشاركةَ القوي الغني، الذي له الكمال المطلق، من جميع الوجوه، في ذاته وأسمائه وصفاته؟\”
ولما ذم الظالمين، ذكر ما أعد لهم من العقوبة في حال الاحتضار، ويوم القيامة فقال: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ْ} أي: شدائده وأهواله الفظيعة، وكُرَبه الشنيعة –لرأيت أمرا هائلا، وحالة لا يقدر الواصف أن يصفها.
{ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ ْ} إلى أولئك الظالمين المحتضرين بالضرب والعذاب، يقولون لهم عند منازعة أرواحهم وقلقها، وتعصيها للخروج من الأبدان: { أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ْ} أي: العذاب الشديد، الذي يهينكم ويذلكم والجزاء من جنس العمل
، فإن هذا العذاب { بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ْ} من كذبكم عليه، وردكم للحق، الذي جاءت به الرسل.
{ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ْ} أي: تَرَفَّعون عن الانقياد لها، والاستسلام لأحكامها
. وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه، فإن هذا الخطاب، والعذاب الموجه إليهم، إنما هو عند الاحتضار وقبيل الموت وبعده
. وفيه دليل، على أن الروح جسم، يدخل ويخرج، ويخاطب، ويساكن الجسد، ويفارقه، فهذه حالهم في البرزخ
. وأما يوم القيامة، فإنهم إذا وردوها، وردوها مفلسين فرادى بلا أهل ولا مال، ولا أولاد ولا جنود، ولا أنصار، كما خلقهم الله أول مرة، عارين من كل شيء. ،
وفي ذلك اليوم تنقطع جميع الأمور، التي كانت مع العبد في الدنيا، سوى العمل الصالح والعمل السيء، الذي هو مادة الدار الآخرة، الذي تنشأ عنه، ويكون حسنها وقبحها، وسرورها وغمومها، وعذابها ونعيمها، بحسب الأعمال. فهي التي تنفع أو تضر، وتسوء أو تسر، وما سواها من الأهل والولد، والمال والأنصار، فعواري خارجية، وأوصاف زائلة، وأحوال حائلة
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [سورة اﻷنعام : 9
{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ ْ} أي: أعطيناكم، وأنعمنا به عليكم { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ْ} لا يغنون عنكم شيئا
{ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ْ} فإن المشركين يشركون بالله، ويعبدون معه الملائكة، والأنبياء، والصالحين، وغيرهم، وهم كلهم لله، ولكنهم يجعلون لهذه المخلوقات نصيبا من أنفسهم، وشركة في عبادتهم، وهذا زعم منهم وظلم، فإن الجميع عبيد لله، والله مالكهم، والمستحق لعبادتهم. فشركهم في العبادة، وصرفها لبعض العبيد، تنزيل لهم منزلة الخالق المالك،
فيوبخون يوم القيامة ويقال لهم هذه المقالة. { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ْ} أي: تقطعت الوصل والأسباب بينكم وبين شركائكم، من الشفاعة وغيرها فلم تنفع ولم تُجْد شيئا.
{ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ْ} من الربح، والأمن والسعادة، والنجاة، التي زينها لكم الشيطان، وحسنها في قلوبكم، فنطقت بها ألسنتكم. واغتررتم بهذا الزعم الباطل، الذي لا حقيقة له، حين تبين لكم نقيض ما كنتم تزعمون، وظهر أنكم الخاسرون لأنفسكم وأهليكم وأموالكم.
الدروس المستفاده
من جحد رسالة رسله تعالى فما قدره حق قدره ،وما عرفه حق معرفته ،ولا عظمه حق تعظيمه ،ولا نزهه حق تنزيهه
وحول قوله ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ……..) الآية يقول القرطبي رحمه الله : من أعرض عن الفقه والسنن ويقول وقع في خاطري كذا ،أو في قلبي كذا ،فيحكمون بما وقع في قلوبهم ،ويقولون هذه الأحكام الشرعية يحكم بها الأغبياء ،أما الأولياء فلا يحتاجون لهذه النصوص ،وهذا القول زندقة وكفر
يجب على أهل الكتاب أن يؤمنوا بأخر الكتب الذي نزل على محمد صل الله عليه وسلم ( والذين يؤمنون بالأخرة يؤمنون به ) فمن يؤمن بالأخرة يجب أن يؤمن بخاتم النبيين صل الله عليه وسلم
ليس هناك أظلم ممن افترى على الله الكذب ،أو ادعى النبوة
شدة سكرات الموت على الطغاة المستكبرين حين يودعون دنياهم ويستقبلون أخراهم
من أسباب النزول:
– قولُهُ تَعَالَى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [91]:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ: قَالَتِ الْيَهُودُ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ كِتَابًا؟ قَالَ:«نَعَمْ» قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ كِتَابًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: أَمَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ أَمْرِهِ وَكَيْفَ يَجِدُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ، فَحَمَلَهُمْ حَسَدُ مُحَمَّدٍ أَنْ كَفَرُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَالُوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
من أسباب النزول :
.- قولُهُ تَعَالَى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ} الْآيَةَ [93]:
نَزَلَتْ فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ الْحَنَفِيِّ كَانَ يَسْجَعُ وَيَتَكَهَّنُ وَيَدَّعِي النُّبُوَّةَ، وَيَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ.
لمسات بيانيه :
آية (93):
*ما دلالة تنكير الكذب أو تعريفه؟(د.فاضل السامرائى)
نكّر الكذب ليشمل كل كذب عام لأن المعرفة ما دلّ على شيء معين. الكذب يقصد شيئاً معيناً بأمر معين بالذات مذكور في السياق أما عندما يقول كذب فيشمل كل كذب مثل قوله تعالى (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) يونس) إذن هذا الكذب معرّف لأنه في مسألة معينة.
التنكير: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (93) الأنعام) ليس هنالك مسألة معينة ذكرها فهذه عامة، كذب يشمل كل كذب وليس الكذب في مسألة معينة (قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) يونس) لم يذكر مسألة معينة حصل كذب فيها، إذن التنكير في اللغة يفيد العموم والشمول.
لمسات بيانيه :
(91):
*لم قال تعالى فى يس (وما أنزل الرحمن من شيء) فأسند الفعل إلى الرحمن وقال في سورة الملك (وقلنا ما نزل الله من شيء (9) الملك) وفي سورة الأنعام (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء (91) الأنعام) بإسناد الفعل إلى الله؟(د.فاضل السامرائى)
إن كل تعبير هو الأنسب في مكانه. فأما في سورة الملك فإنه يشيع فيها ذكر العذاب ومعاقبة الكفار فقد ذكر فيها مشهداً من مشاهد الذين كفروا في النار وسؤالهم عن النذر التي جاءتهم وذلك قوله (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)) ثم حذر عباده من عقوبته وبطشه في الدنيا وألا يأمنوا عذابه من فوقهم أو من تحت أرجلهم وأن يعتبروا بما فعله ربنا مع الأقوام الهالكة (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)) ثم حذرهم مرة أخرى وهددهم بقوله (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)) وعاد مرة أخرى فذكر إنكار الكفار ليوم النشور واستبعادهم له وحذرهم من عقوبات رب العالمين في الدنيا والآخرة فقال (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)) وإزاء كل هذا التحذير والتخويف وذكر مشاهد العذاب لم يذكر بخصوص المؤمنين وجزائهم إلا آية واحدة وهي قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)) فلا يناسب إزاء كل هذا التهديد والتحذير للكافرين وما أعده الله لعذابهم في جهنم أن يقرنه بإسم الرحمن. هذا من ناحية
ومن ناحية أخرى أن القائلين لهذا القول إنما هم في أطباق النيران وأنهم ألقوا فيها فوجاً بعد فوج وقد اشتد غضب الله عليهم ولم تدركهم رحمته فلا يناسب ذكر الرحمن هنا أيضاً.
ومن ناحية أخرى إن القائلين في سورة يس إنما هم في الدنيا وهم يتقلبون في نِعم الله ورحمته أما القائلون في سورة الملك فإنما هم في جهنم وقد يئسوا من رحمته سبحانه فناسب كل تعبير موطنه.
وأما سورة الأنعام فإنها يشيع فيها التحذير والتهديد والتوعد وليس فيها مشهد من مشاهد الجنة وإنما فيها صور غير قليلة من مشاهد النار. كما أن السورة لم يرد فيها إسم (الرحمن) على طولها في حين ورد فيها إسم (الله) تعالى (87) سبعاً وثماني مرة فناسب كل تعبير مكانه.
لمسات بيانيه :
آية (92):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى (92)) أم القرى مكة المكرمة وسميت بهذا الإسم لأن الأم هي مرجع الطفل وحولها يلتف. ومكة هي أقدم القرى وأشهرها وما تقرت القرى في بلاد العرب إلا بعدها وإليها يؤوب الناس ويتجهون وحول كعبتها يطوفون فهي أم لكل القرى.
لمسات بيانيه :
*(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا (93)) انظر إلى هذا الأسلوب في الرد على المفترين ونفي مزاعمهم فقد استخدم ربنا أسلوب الاستفهام فما دلالة هذا الإستفهام؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إنه استفهام إنكاري يفيد النفي وكأن الآية تقول لا أحد أظلم من هؤلاء. وإنما ابتدأ الله هذا الرد بالاستفهام دون النفي المباشر لما لأسلوب الاستفهام من رسم صورة الحوار فتبعث في النفس أن سائلاً سأل والكل رفض الدعوة.
(وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ (93)) نقف عند هذا المشهد المهيب مشهد الظالمين وهم يرون تبعة أفعالهم ونفوسهم تعتلج بالخوف وكذلك عبّر الله عن هذا الألم وهذه الشدة بقوله (فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) والغمرة هي ما يعم ويغمر فلا يترك للمغمور مخلصاً. تخيل ذاك الإنسان وقد أحاطت به أمواج متلاطمة من كل إتجاه كيف تكون نفسه وجلة حين يغمره الوادي أو السيل. وهذا هو شأن الظالم وهو مغمور بذنوبه التي ارتكبها فلا منجى منها ولا خلاص.
(وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ (93)) ولا أدل على ذلك من قوله تعالى (غمرات) ألا تر أنه جمع الغمرة مع أن الكلام يتم بالإفراد (في غمرة الموت) ولكن هذا الجمع أُتي به للمبالغة في تهويل ما يصيبهم من أصناف الشدائد وألوانها وأنواعها.
لمسات بيانيه :
*فى قوله تعالى (وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ (93) الأنعام) ذكرتم أن الملائكة يضربونهم فهل قوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) الأنفال) يفسر الآية السابقة؟(د.فاضل السامرائى)
بالعذاب (أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ (93) الأنعام) لأنه في آية أخرى (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (50) الأنفال) هذا في الكلام عن المجرمين (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ (93) الأنعام) باسطوا أيديهم بالعذاب أو بالضرب. البسط هو المدّ، بسط يده مدّها. البسط يأتي فيما يسرّ وفيما يكره، بسط إلي يده بما أحب وبما أكره. (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) المائدة) هذا الضرب. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ (11) المائدة) (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ (2) الممتحنة) البسط إذن يأتي بالسوء ويأتي بالخير (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ (64) المائدة). هو في اللغة بسط إليّ يده تحتمل أمرين الأول أحب والثاني أكره والذي يحدد هذا الأمر السياق وفي الحديث عن عائشة “يبسطني ما يبسطها ويسرني ما يسرها” ويأتي البسط بمعنى الفرح.
لمسات بيانيه :
*ما الفرق بين قوله تعالى فى سورة الكهف (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)) وفي الأنعام (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94))؟(د.فاضل السامرائى)
فى سورة الكهف قال (صَفًّا) وهنا قال (فُرَادَى)
ثم قال (وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) ولم يقل هذا في الكهف.
قال فرادى في الأنعام لأن الحال في الدنيا يموت الناس فرادى وقبل هذه الآية قال في الأنعام (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)) إذن الناس يموتون فرادى فقال (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى) أما في الكهف ففي الحشر فقال (صَفًّا).
وقال في الأنعام (وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ)الأموال تركتموها للورثة بينما في الكهف في الآخرة الأرض تنسف والجبال تنسف ولا يبقى شيء كلها ذهبت. في الدنيا قال (وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) أي ترك ماله للورثة وفي الكهف لم يقل شيئاً لأنه لم يبق شيئ.
التوجيهات
1- تأمل في حلم الله تعالى على عباده؛ حيث يسمع الأذى منهم، وتكذيب رسله وأوليائه، ومع هذا لا يعاجلهم بعقوبته؛ لعلهم يؤمنوا ويرجعوا، ﴿وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦٓ إِذْ قَالُوا۟ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَىْءٍ ﴾
2- أقبل على كتاب الله تعالى متدبراً متعظاً بما فيه، حتى تنال من بركته وخيره، ﴿ وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾
3- كل ما تجمعه في هذه الدنيا سيفنى ويذهب، ثم تذهب أنت فرداً بين يدي الله تعالى، ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَآءَ ظُهُورِكُمْ ۖ ﴾
العمل بالآيات:
1- تذكر ثلاث بركات للقرآن الكريم عليك أو على الأمة، ﴿ وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾
2- اذهب اليوم إلى الصلوات في أول وقتها، وأدها بأركانها وشروطها، كما أمرك الله تعالى، ﴿وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾
3- اجلس مع نفسك جلسة محاسبة ومعاتبة؛ تقارن فيها بين حسناتك الكبيرة وسيئاتك الكبيرة فيما مضى من عمرك، وتتذكر فيها يوم العرض على الله، ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَآءَ ظُهُورِكُمْ ۖ ﴾
——————————————–
من ايه (95-101)
ص140
تفسير الوجه (13) من سورة الأنعام بأسلوب بسيط:
الآية 95:
﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾
يعني: إن اللهَ تعالى وحده هو الذي يَشُقّ الحَب فيَخرج منه الزرع، ويَشُقّ النَوَى فيَخرج منه الشجر والنخل، وهو سبحانه الذي ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾ كإخراج الزرع من الحَب، والمؤمن من الكافر، ﴿ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾: أي وهو سبحانه مُخرِجُ الميتِ من الحي كإخراج البيض من الدجاج، والكافر من المؤمن، ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ ﴾: أي: فاعلُ ذلك كله هو الله سبحانه تعالى، المستحق وحده للعبادة، ﴿ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾:
يعني فكيف تُصْرَفون عن توحيد الله تعالى – الذي هذه قُدْرَته – إلى عبادة مَن لا يَخلق شيئاً؟
واعلم أن الله تعالى قال: ﴿ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾
ولم يقل: ﴿ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾
لأنّ اللفظ: ﴿ مُخْرِجُ ﴾ معطوفٌ على قوله تعالى: ﴿ فَالِقُ ﴾، ولذلك جاء بنفس صيغته، ولم يأتِ بصيغة الفِعل: ﴿ يُخْرِجُ ﴾، وأما قوله تعالى: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾، فهو كالبيان والتفسير لقوله: ﴿ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾، لأنّ فلْق الحب والنوى﴿ اليابِسَيْن ﴾،
وإخراج النبات والشجر منهما هو صورة من صور إخراج الحي من الميت، ولذلك جاء بصيغة الفِعل للتفسير والبيان.
الآية 96:
﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ﴾: يعني والله تعالى هو الذي شق ضياء الصباح من داخل ظلام الليل، ﴿ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ﴾: أي مستقرًا، ففيه يَسكن الناس ويَخلدون للراحة، ﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ﴾: أي وجعل الشمس والقمر يجريان في أفلاكهما بحسابٍ مُتقَنٌ مُقدَّر، لا يتغير ولا يضطرب، (واعلم أن الحُسبان: جمع حساب، مثل: شِهاب وشُهبان)، والمعنى أن الله جعل سَيْر الشمس والقمر بحسابٍ لا يزيد ولا ينقص، حتى يَعرفَ الناسُ أوقات الأيام والليالي والشهور والسنين، وما يتوقف على ذلك مِن عباداتٍ وأعمالٍ وآجالٍ وحقوق، ﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾: أي ذلك إيجاد وتنظيم العزيز الغالب على أمره، العليم بأحوال عباده وحاجاتهم، وقد فعل ذلك من أجلهم، فكيف إذاً لا يستحق عبادتهم له؟!
الآية97:
﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ ﴾ علاماتٍ
﴿ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾: أي لتعرفوا بها الطرق ليلاً إذا ضللتم بسبب الظلمة الشديدة في البر والبحر حتى لا تهلكوا، فهي نعمةٌ لا يَقدرُ على الإنعامِ بها إلا الله سبحانه وتعالى، فلماذا إذاً يُعبَدُ غيرُه؟!
﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ ﴾: أي قد بَيَّنَّا الحُجَج والأدلة ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾، فبذلك أخبر تعالى عن نعمةٍ أخرى، وهي تفصيله للآيات وإظهارها، لينتفع بها العلماء الذين يميزون – بنور العلم – بين الحق والباطل، ولِيُعلموها للناس.
الآية 98:
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ ﴾: أي ابتدأ خَلْقكم ﴿ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
وهي نفس آدم عليه السلام (أبو البشر)، إذ خَلَقه من طين، ثم كنتم أنتم سُلالةً منه، وذلك بأن خلقكم من آدم وحواء بالتناسل، ﴿ فَمُسْتَقَرٌّ ﴾: أي فجعل لكم مستقَرًا تستقرون فيه، وهو أرحام النساء،
﴿ وَمُسْتَوْدَعٌ ﴾: أي وجعل لكم مُستودَعًا تُحفَظُون فيه، وهو أصلاب الرجال (أي ظهورهم)،
﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ ﴾: أي قد بَيَّنَّا الحجج والأدلة، وأظهرناها ﴿ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾:
أي لقومٍ يفهمون مواقع الحُجَج، ومواضع العِبَر، وأسرار الأشياء، فيَهتدون بذلك لِمَا هو حق وخير، ولِتقوم لهم الحجة على أنه تعالى هو الإله الحق، دونَ غيره مِن سائر مخلوقاته.
الآية 99:
(﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾
وهو ماء المطر ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ مما هو قابلٌ للإنبات من سائر الزروع والنباتات، مما يأكل الناس والأنعام، ﴿ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا ﴾: أي فأخرجنا من ذلك النبات زرعًا وشجرًا أخضر، ثم ﴿ نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا ﴾: أي ثم نخرج من هذا النبات الأخضر حَبًّا يَركب بعضه بعضاً، كسنابل القمح والأرز والذرة، وغير ذلك من أصناف الزروع.
واعلم أن الله تعالى قال: ﴿ فَأَخْرَجْنَا ﴾ بضمير الْمُتكَلِّم الْجَمْعِي، بعد أن قال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ ﴾ بضمير الْواحد الْمُفْرَد – وهو ما يُعرَف في اللغة بأسلوب الالتفات – ليجعل الأذهان تلتفت إِلَى أهمية ما هو آتٍ، فَتَتَنَبَّهْ إلى أَنّ هذَا الإخراج البديع والصُنع المُتقَن هو مِن فِعل البديع الْخَلاَّق جل وعلا، ولَمَّا كان الماءُ واحداً، والنباتُ جَمعاً كثيراً: ناسَبَ ذلك إفراد الفِعل: ﴿ أَنْزَلَ ﴾، وجَمْع الفِعل: ﴿ أَخْرَجْنَا ﴾، ومعلومٌ أن الواحد إذا قال: ﴿ فَعَلْنَا ﴾ أَرادَ الإفَادة بتعظيم نَفسِهِ إذا كانَ مقامُهُ أهلاً لذلك، كما يقول الملك أو الأمير في خطابه: (قررنا نحن، أو أمرنا نحن بكذا وكذا)، واعلم أنه قد أتى بالفعل المضارع: ﴿ نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا ﴾ بعد أن كان سياق الآية بصيغة الماضي، لاستحضار صورته العجيبة في حُسنها وانتظامها.
واعلم أنه قد وصف الحبوب بأنها متراكبة، إشارةً إلى أنها لا تختلط، بل هي متفرقة، مع أنها تخرج من أصلٍ واحد، وإشارةً أيضا إلى كثرتها – رغم أن البذرة واحدة – وذلك لينتفع بها العباد بالأكل والبيع والادِّخار، فلله الحمد والمِنَّة.
﴿ وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا ﴾: أي وأخرج سبحانه مِن طَلْع النخل (وهو الوعاء الذي يخرج منه البلح، وهو الذي يُطلِق عليه المزارعون لفظ: (الطَرْح)، وهذا خطأ والصحيح أن اسمه: (الطَلْع))، فيَخرج من هذا الطلع ﴿ قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ ﴾: أي ثمراً قريبَ التناول، (هذا في النخلة القصيرة، إذ يتناول المرء ثِمارها لمدة عشر سنوات بيديه وهو واقفٌ عندها، فإن طالت النخلة وارتفعت، فإنه يجد فيها أماكن بارزة يَسهُل الصعود عليها).
﴿ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ ﴾: أي وأخرج سبحانه بهذا المطر بساتين من أعناب، ﴿ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ﴾: أي وأخرج شجر الزيتون والرمان الذي يتشابه في ورقه وشجره، ويختلف في ثمره (شكلاً ولوناً وطعمًا).
وقد خَصَّ اللهُ هذه الأشجار بالذكر (العنب والزيتون والرمان) دونَ سائر الأشجار، لكثرةِ منافعها وعظيمِ فوائدها.- ثم أمر تعالى عباده بالتفكر في ذلك الزرع، فقال: ﴿ انْظُرُوا ﴾ نظر تفكُّر واعتبار ﴿ إِلَى ثَمَرِهِ ﴾: أي إلى ثمر الأشجار كلها، وخصوصاً النخل ﴿ إِذَا أَثْمَرَ ﴾، ﴿ وَيَنْعِهِ ﴾: أي وانظروا إلى نُضجه واستوائه، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ ﴾: أي إن في ذلك المذكور كله ﴿ لَآَيَاتٍ ﴾: يعني لَدَلالاتٍ على كمال قدرة الخالق سبحانه وتعالى وحكمته ورحمته، وعنايته بعباده، ووجوب عبادته وحده.
ولكنْ ليس كل الناس يَعتبرون ويتفكرونَ في آيات الله، ويُدركون المراد منها، وما تدل عليه عقلاً وفِطرةً وشرعاً، ولهذا قيَّدَ تعالى الانتفاع بالآيات بالمؤمنين فقط، فقال: ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ وذلك لأنهم أحياء، يعقلون ويفهمون، أما غيرهم من الجاحدين فإنهم أموات، وذلك لِمَا تراكَمَ على قلوبهم من الشرك والمعاصي، فهم لا يعقلون ولا يفهمون، فكيف لهم أن يجدوا في تلك الآيات ما يَدُلُّهم على توحيد ربهم عز وجل؟!
الآية 100:
﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ ﴾:
أي ورغم كل هذه الأدلة التي تستوجبُ توحيدَ الله تعالى، والانقياد لأوامره، فقد جعل هؤلاء المشركون الجنَّ شركاء لله تعالى في العبادة، اعتقادًا منهم أنهم ينفعون أو يضرون، ﴿ وَخَلَقَهُمْ ﴾: أي وقد خلقهم الله تعالى من العدم، هُم والجن الذين يعبدونهم، فهو سبحانه المُتفرِّد بالخَلق وحده، فيجب إفرادُهُ أيضاً بالعبادة، ﴿ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾:أي ولقد نسب هؤلاء المشركون البنين والبنات إليه تعالى، كَذِباً وجَهلاً منهم بما له مِن صفات الكمال ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ﴾: أي تَنزَّه وعَلا عما نسبه إليه المشركون من ذلك الافتراء.
الآية 101، : ﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾: يعني واللهُ تعالى هو الذي أوجَدَ السماوات والأرض وما فيهنّ على غير مثالٍ سابق، ﴿ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ﴾: يعني كيف يكونُ للهِ ولدٌ ولم تكن له زوجة، إذ الولد لا يكون إلاّ من زوجة، والتوالد لا يكونُ إلا بين ذكر وأنثى، وذلك لِحِفظ النوع، وكثرة النسل، وعمارة الأرض، بل ولعبادة الرب تعالى بذِكْرِهِ وشُكرِه، أما الرب تعالى فهو خالق كل شيء، ولذلك قال بعدها: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ فكل ما في السماوات والأرض ملْكُه وعبيده، فكيف يكون له منهم زوجة أو ولد؟!
فسبحان مَن لا يحتاجُ إلى ولدٍ أو زوجةٍ كما يحتاج البشر، وسبحان الغني القوي، الذي ليس كمثله شيءٌ، ﴿ وَهُوَ بكل شئ عليم}.
أسباب النزول :
.- قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} [100]:
قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الزَّنَادِقَةِ، قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِبْلِيسَ أَخَوَانِ، وَاللَّهُ خَالِقُ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَإِبْلِيسُ خَالِقُ الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعِ وَالْعَقَارِبِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ}
لمسات بيانية :
*ورتل القرآن ترتيلاً:
جيء بجملة (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) فعلية للدلالة على أن هذا الفعل متجدد ويتكرر في كل آن فهو أمر متكرر معلوم وليس مصادفة. ثم تلاها بقوله (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) بصيغة الإسم لا الفعل للدلالة على الدوام والثبات وبذلك عبر عن معنيين وحالتين هما التجدد والثبوت من خلال الفعل المضارع (يُخرج)
والإسم (مُخرج).
*ما وجه اختلاف(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ﴿96﴾ الأنعام) عن (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴿5﴾ الرحمن) ؟(د.أحمد الكبيسى)
الشمس والقمر حسباناً أي وسيلة لحساب الزمن، الله قال فعلاً (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴿5﴾ يونس) يدل على أن الشمس لها حسابٌ والقمر له حساب. أما الآية الثانية (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أي يجريان بحسابٍ دقيق مقرر معلوم من الحق سبحانه وتعالى.
لمسات بيانية :
آية (98):
*ورتل القرآن ترتيلا ً:
(وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ (98)) انظر إلى هذا السر العجيب وهذا اللفظ الساحر الذي يذهب بالنفس كل مذهب. فالله خلق كل نفس وجعل لها أجلاً ومبدأ ولكن الله عبّر عن حياتك بمستقر ومستودع. والمستقر هو القرار تقول استقر في المكان بمعنى قرّ فيه. والاستيداع هو أن تودع مالاً إلى أجل ثم تسترده فهو يؤذِن بوضع مؤقت. والاستقرار يؤذن بوضع طويل أو دائم وهذا يطلق العنان للخيال لتختار مستقرها وتزهد باستيداعها فشأنك أيها الإنسان استقرار واستيداع. فأنت تحيا في الأرض وديعة لتغادرها إلى من أودعك فيها كما ترجع الوديعة إلى صاحبها، ثم تذهب إلى دار الاستقرار. وأوثر التعبير بالاستقرار والاستيداع دون الحياة الآخرة ليبين لك قيمة كل منهما ولتعلم قيمة كل مرحلة منهما ودورك فيها.
لمسات بيانية :
توضيح الفرق بين الآيتين في سورة الأنعام (99) و (141):(د.فاضل السامرائى)
المُشتبِه هو الملتبس من شدة التشابه، إشتبهت عليه القِبلة أي إلتبست. المتشابه قد يكون فيه صفة متشابهة واحدة لكن لا يؤدي إلى الإلتباس ويسهل التفريق بينهما في معنى من المعاني وليس بالضرورة أن يؤدي إلى الإلتباس. أما الاشتباه لكثرة التشابه فيما بينهم يلتبس عليكم هذا الشيء. يقال إشتبه عليه الأمر أي إلتبس عليه الأمر ، هذا من حيث اللغة إشتبه وتشابه، أيها الأدلّ على قدرة الله؟ أن يجعله متشابهاً أو مشتبهاً؟ أن يجعله مشتبهاً أدل على قدرة الله تعالى فجعلها في سياق بيان قدرة الله (انظروا إلى ثمره). المتشابه جعلها في سياق الأكل.
النفي (وغير متشابه): قال في الحالتين (وغير متشابه) لأنه لو قال “وغير مشتبه” قد يكون متشابهاً لأن شيئين قد يتشابهان ولكن لا يشتبهان وقد يشبه شيء شيئاً من دون إلتباس. ولو قال “وغير متشبهاً” قد يكون متشابهاً، غير ملتبس وقد يكون متشابه، إذن نفي التشابه ينفي الإشتباه والالتباس. لما يقول (وغير متشابه) يعني قطعاً غير مشتبه، نفى الإثنين معاً. وإذا قال وغير مشتبه ليس بالضرورة أن ينفي التشابه هو غير ملتبس ولكن قد يكون متشابهاً والله تعالى أراد أن ينفي الإثنين. فلما قال (غير متشابه) يعني غير أيضاً مشتبه فإذن في الحالتين قال غير متشابه فنفى التشابه في الحالتين لأنه لو قال في الأولى غير مشتبه قد يكون متشابهاً. وهذا أدلّ على قدرة الله يفعل ما يشاء.
قوله تعالى (مشتبهاً وليس متشابه) تفيد لفت النظر إلى قدرة الله تعالى وهذا يفيد اللبس والإلتباس، أما في قوله تعالى (متشابهاً وغير متشابه) فهذا للتشابه وقد وردت الآيات في الإبل عامة ولا داعي للفت النظر إلى القدرة الإلهية هنا. فنفي التشابه ينفي الإشتباه من باب أولى، والتشابه قد يكون في جزئية معينة والإشتباه هو الإلتباس لشدة التشابه.
لمسات بيانية :
آية (101):
* لماذا اختار كلمة صاحبة في قوله تعالى (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) الجن)؟ وهل كل امرأة تعد صاحبة؟(د.حسام النعيمى)
القاعدة العامة التي نجدها في القرآن الكريم أن القرآن الكريم عندما يذكر الصاحبة يذكر معها الولد. الآيات: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) الأنعام) (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) الجن) (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) المعارج) (وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس) لم يرد إلا في هذه المواطن الأربعة صاحبة.
لما يقول صاحبة يذكر معها الولد فكأنما هذا الاستعمال يشير إلى أن الزوجة التي تسمى صاحبة ينبغي أن تكون قد صحبته مدة بحيث حصل منها ولد حتى تسمى صاحبة لأن مجرد الزواج الزوجة قد لا تكون صاحبة أصلاً يعني يعقد عليها ثم لا يدخل بها ولا يراها ويطلقها. لأنه بمجرد العقد هي زوجة. فالزوجة قد تكون صاحبة وقد لا تكون.
مع ملاحظة أن القرآن الكريم لم يستعمل لفظ زوجة بالتاء بتاتاً وإنما استعمل كلمة زوج.
فالمرأة زوج والرجل زوج. كلمة زوج وأزواج استعمل معها الذرية والأبناء والبنين والحفدة إذن كلمة زوج أشمل من كلمة صاحبة. الزوج قد تكون منجبة وقد لا تكون وقد تكون مصاحبة وقد لا تكون تطول صحبتها وتقصر بينما إذا أراد أن يذكر المرأة الزوج التي لها إنجاب بذكر الولد يقول صاحبة وولد يذكرها وهي في القرآن كله في أربع آيات في أماكن متفرقة ونقول هذا من دلائل النبوة وليس كلام بشر وإنما كلام الله سبحانه وتعالى.
لمسات بيانية :
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ (100))
انظر إلى هذا السخف الذي يصدر من الإنسان حينما يتبع أهواءه. وتأمل هذا التهكم بأولئك المفترين حيث بلغ أقصى درجاته فقد قال تعالى عن هؤلاء الذين نسبوا له البنين والبنات (وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ) فاستعمل كلمة خرقوا ولم يقل جعلوا لأن الخرق هو القطع والشق على سبيل الفساد ومن غير تعقل وتدبر فهم يقولون ولكنهم يفترون ويكذبون وهذا الكذب فاضح لا يكتم نفسه.
لمسات بيانية :
*(وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) الأنعام) ما معنى خرقوا؟(د.فاضل السامرائى)
خرقوا يعني افتروا، جعلوا له.
خرقوا معناها افتروا لكن لماذا لم يقل افترى وقال خرق تحديداً؟
الخَرْق هو قطع الشيء على سبيل الفساد من غير تدبر ولا تفكّر ويقال هذا ولد أخرق يعني لا يُقدر ولا يحسن العمل، الخرق الجاهل يعني هؤلاء ليس فقط افتروا ولكن عن جهل لا يعلمون فقال خرقوا دلالة على الخرق والحمق في التفكير وجهل، افترى لا تحمل هذه المعاني بالضرورة، الذي يفتري قد يُقدّر الأمور والمقدمات والنتائج أما هذا قول أخرق.
لمسات بيانية
آية (100):
* ما إعراب الجن في الآية (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) الأنعام)؟ هل هي مفعول أوّل مؤخّر أم بدل من شركاء؟(د.حسام النعيمى)
بعض العلماء يرى أنه هنا تقديم وتأخير للإهتمام لأن الفعل (جعل) يتعدى إلى مفعولين لما يكون بمعنى صيّر. تقول: “جعلت الماء ثلجاً” الماء مفعول به أول وثلجاً مفعول به ثاني. كأن الأصل في غير القرآن (وجعلوا الجن شركاء لله) هؤلاء الذين يتعاملون مع الجان من السحرة – وبالمناسبة وهو تحذير لجميع المشاهدين وفي برنامجنا إذا جاءت فرصة لنفع المشاهدين لا ندعها – هناك قنوات تذيع الآن من هؤلاء المتعاملين مع الجن، علماؤنا يُجمِعون إستناداً إلى أحاديث الرسول r أن أمثال هؤلاء يحرُم سؤالهم ” من سأل عرّافاً”، وهؤلاء يدّعون المعرفة ويسألون المشاهد عن إسم أمه، حرامٌ سؤال هؤلاء وهذا كلام علمائنا، كلام أهل الفقه وأهل الشرع لأن هؤلاء كالسحرة إن لم يكونوا سحرة فجعلوا لله شركاء الجن يستفيدون منهم، يتعاملون معهم، يستغلونهم، ممكن أن يقولوا حدث لك كذا عن طريق ما يخبره به الجنّ. إياكم ومكالمتهم، إياكم أن تسألوهم شيئاً، هذا للأسف موجود على أكثر من فضائية وأنا أعتقد أن وراء هذا اليهود لأنهم يسعون لإشغال الأمة ولإلهائها.
هذا رأي، والرأي الآخر يقول هي : (جعلوا لله شركاء) الجار والمجرور هو متعلق بأحد المفعولين وشركاء هو المفعول الآخر والجن عند ذلك يمكن أن يكون مفعول به لفعل محذوف تقديره (أعني)، أو يكون بدلاً أو عطف بيان من كلمة شركاء. فعلى كل الأحوال العناية والإهتمام بلفظ الجلالة قُدّم (وجعلوا لله) هذه مسألة كبيرة أن يجعلوا لله سبحانه وتعالى شركاء ثم بيّن أنهم جعلوا الجن شركاء. (وخلقهم) الله تعالى خلق كل هؤلاء فكيف تجعلونهم شركاء؟.
(وخرقوا له بنين) خرقوا مثل خلقوا لكن فيها معنى الكذب. نافع يقرأ (وخرّقوا) بالتكثير (في المغرب العربي) والقراءة المشهورة (خرقوا). والتخريق هو خلق الكذب. نقول هذا أخرق كأنه أحمق ويختلق الأشياء. (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ). من حيث الإعراب ما دام المعنى مستقيماً لك هذا ولك هذا. القول بالتقديم والتأخير لا بأس به ويستقيم أن يكون الجن مفعول أول وشركاء مفعول ثاني وقد تقدم والجار والمجرور يتعلقان بـ (جعل). ولو نظرنا في نظام الآية كأنما أريد لها أن لا تكون لفظة الجان متصلة بكلمة الله سبحانه وتعالى حتى في النظم وحتى في الترتيب.
التوجيهات
– من فتح قلبَه وعقلَه للقرآن كان جديراً بأن يدرك مقاصد الآيات، بخلاف من أغلق قلبه وعقله دونه، ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾
– ما نأكل من طعام يستحق أن نتأمل في بديع صنع الله سبحانه فيه، وكيفية اختلاف طعمه وألوانه، ﴿ ٱنظُرُوٓا۟ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِۦٓ ۚ ﴾
– إذا سمعت قول من يفتري الكذب على الله تعالى فسبح ربك، ونزهه عما يقول الظالمون الملحدون، ﴿ وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا۟ لَهُۥ بَنِينَ وَبَنَٰتٍۭ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾
-نم الليلة مبكرا كما هي الفطرة والسنة، ﴿ وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَنًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ ﴾
تدبرات من الآيات
جعل الله اﻹصباح منزلة بين الظلمة والشمس؛ﻷنه أدعى لتقبل النفس والبصر،فلا تأتي الشمس بعد الظلمة مباشرة،لذلك امتن الله علينا بقوله(فالق اﻹصباح) / سعود الشريم
﴿ فالق الإصباح ﴾ أليس الذي أزاح ظلمة الليل بانفلاق الصباح بقادر على تفريج كربك وتيسير أمرك ؟؟ / نايف الفيصل
فالق الإصباح……. أحس بصوت الفجر يشق جدران الظلام….أسمع صوت انبجاس النور…..الآن حين ينسكب الضياء على الحياة/ عبد الله بلقاسم
الوجه (14) من الانعام
من ايه (102 ↔110)
ص141
تفسير الوجه( 14)
من سورةالأنعام بأسلوب مبسط:
آيه102﴿ ذَلِكُمُ ﴾ – أيها المشركون – هو ﴿ اللَّهُ رَبُّكُمْ ﴾
الذي ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾: أي لا معبودَ بحقٍ سواه، فهو سبحانه (﴿ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ﴾): أي فاخضعوا له وحده بالطاعة والعبادة﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾والوكيل هو مَن يُوَكَّل إليه الأمر لِيُدَبِّرَه.
الآية 103:
﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾: أي لا تُحيطُ الأبصارُ به سبحانه، إذ رؤيته تعالى مُتعذِّرةٌ في الدنيا، وقد طلبها موسى عليه السلام ولم يُدرِكْها، وذلك لِعَجْز الإنسان عن رؤية الله تعالى بهذه الأبصار المحدودة في الدنيا، ولِذا يراه المؤمنون في الجنة رؤية بَصَرية حقيقية، ويتلذذون بالنظر إلى وجهه الكريم، قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، يقول الله تعالى: ﴿ تريدون شيئا أَزِيدُكُم ﴾؟، فيقولون: (ألم تُبَيِّضْ وجوهنا؟ ألم تُدخِلنا الجنة وتُنَجِّنا من النار؟)، فيُكشَفُ الحجاب، فما أُعْطوا شيئاً أحَبّ إليهم من النظر إلى ربهم) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 523)، وقال صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحيْن -: (إنكم سَتَرَوْنَ ربكم كما ترون القمر، لا تُضامُون في رؤيته – (أي لا يَصعُب عليكم رؤيته) – ، فإن استطعتم ألاَّ تُغلَبوا على صلاةٍ قبلَ طلوع الشمس – (وهي الفجر) – وصلاةٍ قبلَ غروب الشمس- (وهي العصر) – فافعلوا)، وفي هذا الحديث تحذيرٌ لكل مَن يُضَيِّع صلاة الفجر والعصر – فيُصلي الفجر بعد شروق الشمس، أو يصلي العصر بعد أذان المغرب – مِن أن يُحرَم مِن لذة النظر إلى وجه الله الكريم.
(﴿ وَهُوَ ﴾) سبحانه (﴿ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾) ويحيط بها، ويَعلمها على ما هي عليه، (﴿ وَهُوَ اللَّطِيفُ ﴾): أي الرفيق بأوليائه، ومِن لُطفِهِ تعالى أنه يسوقُ إلى عبده ما فيه صلاح دينه بالطرق التي لا يعرفها، ويُوصله إلى السعادة الأبدية مِن حيثُ لا يحتسب، حتى أنه تعالى يُقَدِّر عليه الأمور التي يَكرهها العبد ويتألم منها، وذلك لِعلمه سبحانه أنّ كمالَ عَبْدِهِ متوقف على تلك الأمور، فسبحان اللطيف لِمَا يشاء، الرحيم بالمؤمنين، (﴿ الْخَبِيرُ ﴾) الذي يعلم دقائق الأشياء، ظاهرها وباطنها.
الآيه104:
ثم قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين: (﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾): أي قد جاءتكم براهين ظاهرة تُبصِرونَ بها الهدى من الضلال، مما اشتملتْ عليه آيات القرآن من بلاغةٍ وتحدٍ وإخبارٍ بالغيب، وغير ذلك، ومما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من المعجزات، (﴿ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ﴾): يعني فمَن تبيَّن هذه البراهين وآمَنَ بِما دَلَّتْ عليه، فإنه بذلك ينفع نفسه لأنه هو الذي ينجو ويَسعد، (﴿ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ﴾): يعني ومَن لم يُبصِر الهدى بعدَ ظهور الحُجَّة، فإنه بذلك يضر نفسه، ويُعرضها للهلاك والشقاء، (﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾): أي وما أنا بمسئولٍ عن أعمالكم، إنما أنا مبلغ، والله يهدي مَن يشاء ويضل مَن يشاء وَفْقَ عدله وحكمته.
الآية105:
﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: يعني وكما بيَّنَّا في هذا القرآن البراهين الظاهرة في أمر التوحيد: (﴿ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ﴾): أي نبيِّنُ لهم البراهين في كل ما جَهلوه، لتقوم عليهم الحجة، (﴿ وَلِيَقُولُوا ﴾) – افتراءً – عند وضوح هذه البراهين والحجج، وظهور عَجْزهم: (﴿ دَرَسْتَ ﴾): أي تعلمتَ من أهل الكتاب، وهذا باطل، فإنه إذا كان قد تعلَّم من أهل الكتاب شيئاً، لَعَلِمَهُ اليهود حين قَدِمَ إليهم في المدينة، وخاصَّةً عبد الله بن سلام (الذي شهد له اليهود أنه من علمائهم)، ولكنه آمَنَ به بعد ثبوت صفاته لديه في التوراة.
- وقد رَدَّ الله على ذلك الافتراء في آيةٍ أخرى بقوله: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾، فهذا يدل على أنهم لم يرتابوا، وإنما هو الكِبر والعناد واتباع الهوى
﴿ وَلِنُبَيِّنَهُ ﴾: أي ولِنُبَين الحقَّ – بتصريفنا للآيات – (﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾) الحق – لوضوحه وظهور علاماته – فيقبلونه ويتبعونه، ولا يتبعون أهوائهم.
الآية 106:
(﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾) من الأوامر والنواهي التي أعظمُها توحيد الله تعالى بأنه (﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾)،
(﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾
فلا تُبال بعنادهم، وامضِ في طريق دعوتك
الآيه 107:
ثم يُصَبِّرُ اللهُ تعالى رسوله، ويُخَفف عنه آلام إعراض المشركين عن دعوته، فيقول له: (﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ ﴾) ألاَّ يُشرِكَ هؤلاء المشركون:﴿ مَا أَشْرَكُوا } لكنه تعالى عليمٌ بما سيكون من سوء اختيارهم واتباعهم لأهواءهم المنحرفة، (﴿ وَمَا جَعَلْنَاكَ ﴾) أيهاالرسول﴿ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾): أي رقيبًا تحفظ عليهم أعمالهم، وتحاسبهم عليها، (﴿ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾): أي وما أنت بقائمٍ على أمورهم لِتُدَبِّرَ مصالحهم، إن عليك إلا البلاغ، وقد أبلغتَهم، فلا تحزن إذاً على إعراضهم.
الآية 108:
﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا ﴾: أي ولا تَسُبُّوا الأصنام التي يعبدها المشركون، حتى لا يتسبب ذلك في سَبِّهم لله تعالى ظلماً واعتداءً ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ إذ لو علموا جلال الله وكماله: ما فعلوا ذلك،
﴿ كَذَلِكَ ﴾: يعني وكما زَيَّنَّا لهؤلاء المشركين عملهم السيئ بالدفاع عن آلهتهم الباطلة:
﴿ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ﴾ السيئ فرأوه حسناً، عقوبة لهم على سوء اختيارهم، ﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾، ثم يجازيهم بأعمالهم.
- وفي هذا دليل على حُرمة كل فِعل أو قول يكونُ سبباً في سَبّ الله تعالى أو رسوله أو دينه أو الاستهزاء بشرعه.
الآية 109:
﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَأَيْمَانِهِمْ }
أي وأقسم رؤساء المشركين بأيمانٍ مؤكَّدة بأنهم: ﴿ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ ﴾: أي علامة خارقة تدل على صِدق محمد، كتحويل جبل الصفا إلى ذهب: ﴿ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا ﴾ وهذا الكلام الذي صدر منهم، لم يكن قصْدُهُم فيه الرشاد، وإنما قصْدُهُم فيه الكبر والعناد، فإن الله قد أيَّدَ رسوله بالآيات البينات، والأدلة الواضحات، التي – عند الالتفات إليها – لا تبقي أدنَى شُبهة ولا إشكال في صحة ما جاء به، فطلَبُهُم – بعد ذلك – للآيات، هو من باب العند والاستكبار الذي لا يَلزَم إجابته، بل قد يكونُ المَنْعُ من إجابتهم أصْلَح لهم، إذ إنه لو جاءتهم الآيات ولم يؤمنوا بها، فقد يترتب على ذلك هَلاكهم ودَمارهم، ولهذا قال: ﴿ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾: يعني إنما مجيء المعجزات الخارقة إنما يكونُ مِن عِند الله تعالى، فهو القادر على المجيء بها إذا شاء، أما أنا فلا أملك ذلك، إلا أن الصحابة رغبوا في مجيء الآيات، حتى يؤمن بها المشركون، فقال تعالى لهم: ﴿ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾: أي وما أعلمكم أيها المؤمنون أن هذه المعجزات إذا جاءت سوف يُصَدِّقُ بها هؤلاء المشركون؟ بل إنّ الغالب – مِمَّن حالُهُ اتباع الهوى – أنه لا يؤمن.
الآية 110:
﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ ﴾:
يعني ونَحجِب قلوبهم وأبصارهم عن الانتفاع بآيات الله، فلا يؤمنون بها ﴿ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾: أي وذلك عقوبةً لهم، لأنهم لم يؤمنوا بآيات القرآن عند نزولها أول مرة، ﴿ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾: أي ونتركهم في شِركهم وظُلمهم حَيارَى مترددين، لا يعرفون الحق من الباطل ولا الهدى من الضلال، وهذا مِن عَدْل الله تعالى، فقد فتح لهم الباب فلم يدخلوه، وبَيَّنَ لهم الطريق فلم يَسلكوه، فبَعدَ ذلك إذا حُرِمُوا التوفيق، فلا يلوموا إلا أنفسهم.
أسباب النزول :
قولُهُ تَعَالَى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [108]:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ: قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ لَتَنْتَهِيَنَّ عَنْ سَبِّكَ آلِهَتَنَا أَوْ لَنَهْجُوَنَّ رَبَّكَ، فَنَهَى اللَّهُ أَنْ يَسُبُّوا أَوْثَانَهُمْ فَيَسُبُّوا الله عدْوًا بغيرعلم.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسُبُّونَ أَوْثَانَ الْكُفَّارِ فَيَرُدُّونَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَسْتَسِبُّوا لِرَبِّهِمْ قَوْمًا جَهَلَةً لَا عِلْمَ لَهُمْ بِاللَّهِ.
أسباب النزول :
– قولُهُ تَعَالَى:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} الْآيَاتِ [109َ] إلى قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَلَّمَتْ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُرَيْشٌ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تُخْبِرُنَا أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ مَعَهُ عَصًا ضَرَبَ بِهَا الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، وَأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَأَنَّ ثَمُودَ كَانَتْ لَهُمْ نَاقَةٌ، فَأْتِنَا بِبَعْضِ تِلْكَ الْآيَاتِ حَتَّى نُصَدِّقَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«أَيُّ شَيْءٍ تُحِبُّونَ أَنْ آتِيَكُمْ بِهِ» فَقَالُوا: تَجْعَلُ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، قَالَ:«فَإِنْ فَعَلْتُ تُصَدِّقُونِي»، قَالُوا: نَعَمْ وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَ لَنَتَّبِعَنَّكَ أَجْمَعِينَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ الصَّفَا ذَهَبًا، وَلَكِنِّي لَمْ أُرْسِلْ آيَةً فَلَمْ يُصَدَّقْ بِهَا إِلَّا أَنْزَلَتِ الْعَذَابَ، وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتُهُمْ حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«اتْرُكْهُمْ حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} إِلَى قَوْلِهِ:{مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}
لمسات بيانية :
(وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ (109) الأنعام) ما دلالة استعمال (يشعركم) وما دلالة النفي في الاية (لا يؤمنون)؟(د.فاضل السامرائى)
(ما يشعركم) ليس نفياً وإنما استفهام بمعنى وما يدريكم؟. المفسرون والنُحاة ذهبوا في هذه الآية أكثر من مذهب. في اللغة (أنّ) بمعنى لعلّ مثل: في السوق أنك تشتري لحماً، هذا كلام عربي قديم. (لعلّ) هذه لغة، إذن وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون بالنسبة لهذه اللغة (أنّ) بمعنى (لعلّ). وهم خرّجوها على زيادة (لا) لو أبقينا على معناها لأن (لا) نافية قد تُزال في القرآن وغير القرآن (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (75) ص) وفي آية أخرى (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ (12) الأعراف) إذا كان المعنى مفهوماً معلوماً يؤتى بها للتوكيد كأي حرف يؤتى به للتوكيد. (أن تسجد) أي ما منعم من السجود والآية (ألا تسجد) نفس معنى (أن تسجد) لذا قالوا هي زائدة للتوكيد لأنها بمعناها. (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ (29) الحديد) بشرط أن تكون واضحة الدلالة ليس فيها لبس ولا إشكال، لا تزاد إذا لم يؤمن اللبس. قسم ذهب إلى هذا وقسم ذهب إلى أنها لغة والقرآن قد يستعمل اللغات وفيها قراءة متواترة بالكسر (إِنها) وليس (أنها)وهذه قراءة متواترة. يقطع ربنا تعالى (وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ) إنّ للتوكيد، يقطع ربنا إنها إذا جاءت لا يؤمنون وليس بمعنى لعل وإنما للتوكيد، بالكسر واضحة لا تحتاج إلى سؤال وهي قراءة متواترة وأكثر من القراءة بالفتح. إذن لماذا لم يقل لعل؟ حتى تأخذ معنى إنّ ولعلّ، ولو قال لعلّ لا يصلح معنى إنّ. إنّ تقوم مقامين مقام إن ومقام لعل أما لعلّ فتعطي معنى واحداً فقط.
لمسات بيانية :
آية (109):
*(وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ (109)) الجهد هو المشقة والاجتهاد أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة فتقول جهدت رأيي وأجهدته إذا أتعبته بالفكر، فما صلة هذه المعاني بالإيمان وهي المواثيق؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هذا تصوير لأولئك القوم الذين أرادوا تغليظ أيمانهم وكأنهم بذلوا غاية طاقتهم لبلوغ مرادهم فقد بالغوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم ليثبتوا باطلهم.
تدبر:
﴿ لَّا تُدْرِكُهُ ٱلْأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلْأَبْصَٰرَ ۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ﴾
نفى الإدراك الذي هو الإحاطة -كما قاله أكثر العلماء- ولم ينف مجرد الرؤية؛ لأن المعدوم لا يرى وليس في كونه لا يرى مدح؛ إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحا، وإنما المدح في كونه لا يحاط به وإن رئي؛ كما أنه لا يحاط به وإن علم؛ فكما أنه إذا علم لا يحاط به علما، فكذلك إذا رئي لا يحاط به رؤية. .
(ابن تيمية)
التوجيهات:
– الزم الوحي من الكتاب والسنة الصحيحة، ولا تستبدل بهما شيئا آخر، ﴿ ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾
– إياك أن تأتي في دعوتك ما ينفر مخالفك من دعوة أهل السنة والجماعة وطريقتهم، بل التزم الحكمة؛ فهي من أقوى أسلحة الداعية إلى الله تعالى، ﴿ وَلَا تَسُبُّوا۟ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّوا۟ ٱللَّهَ عَدْوًۢا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾
– الإعراض عن الدين قد يُعاقب عليه المعرض بصرفه عن الهدى والدين دائما، فاحذر من ذلك، ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْـِٔدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا۟ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
العمل بالآيات:
قل: اللهم إني أعوذ بك أن يزين لي سوء عملي، ﴿ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾
– قل : اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْـِٔدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا۟ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
———————————————————
الوجه (15) من الانعام
من ايه (111 ↔118)
ص142
تفسير مبسط للوجه
(115 )ص 142
الآية 111:
﴿ وَلَوْ أَنَّنَا ﴾ أجَبْنا طلب هؤلاء المشركين، فـ ﴿ نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ ﴾ من السماء،
﴿ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى ﴾: يعني وأحيينا لهم الموتى، فكلموهم وشَهِدوا لهم بصِدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم،
﴿ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ﴾: أي ولو جمعنا لهم كل شيء طلبوه، فرأوه بأعينهم:
﴿ مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ﴾
بما دعوتَهم إليه أيها الرسول
﴿ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ ذلك،
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴾أن التوفيق للإيمان وقَبول الحق، إنما هو بيد الله تعالى وحده، وليس بأيديهم (كما يزعمون أنهم سيؤمنون لو رأوا الآيات).
الآية 112:
﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: يعني وكما ابتليناك أيها الرسول بأعدائك من المشركين: ﴿ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾:
أي ابتلينا كل نبي بأعداء متمردين من قومه، وبأعداء متمردين من الجن، وهؤلاء المتمردون من الجن والإنس
﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾: أي يُلقي بعضهم إلى بعضٍ القولَ الباطل الذي زيَّنوه وحَسَّنوه وانتَقَوا له أحسن العبارات، لِيَغترَّ به سامِعُه، فيَضِل عن سبيل الله، ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ﴾: يعني ولو أراد ربك لَحالَ بينهم وبين تلك العداوة، ولكنه ابتلاءٌ من الله لأنبيائه ليَرفع درجتهم، فما شاءه الله تعالى كان، وما لم يشأه لم يكن، ﴿ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾
: أي فاتركهم وكَذِبهم وتزيينهم للباطل، (وفي هذا تصبيرٌ للنبي صلى الله عليه وسلم).
الآيه 113:
وقد كان إيحاء شياطين الجن والإنس وتزيينهم للباطل: لِيَغترَّ به المشركون،﴿ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ﴾
: أي ولِتميل إليه ﴿ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ ﴾
ولا يعملون لها،
﴿ وَلِيَرْضَوْهُ ﴾: يعني ولِتحبَّه أنفسهم، ﴿ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾: أي ولِيكتسبوا ما هم مكتسبون من الشرك والمعاصي، وذلك نتيجةً لاقتناعهم بهذا الباطل المُمَوَّه المُزَيَّن، ففَعلوا ما تشتهيه أنفسهم، وما كانت تأمرهم به أهواؤهم، (وفي هذا تهديدٌ عظيم لهم).
الآيه 114:
ثم قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا ﴾: يعني أغيرَ اللهِ أطلبُ حَكَمًا بيني وبينكم في أني رسولٌ من عنده، ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ﴾: يعني وهو سبحانه الذي أنزل إليكم القرآن مُبَيَّناً واضحاً، فأيُّ شيءٍ يَغلب آيات القرآن في قوة الحُجَّة والبيان، هذا أولاً، وثانياً: ﴿ وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ﴾: يعني وعلماء بني إسرائيل الذين آتاهم الله التوراة والإنجيل ﴿ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ ﴾: يعني يعلمون علمًا يقينيّاً أن هذا القرآن مُنَزَّلٌ عليك أيها الرسول ﴿ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ فهم مُقِرُّون ومعترفون بأنَّ ما يَنفيهِ المشركون هو حَقٌّ لا شك فيه، ﴿ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾: أي فلا تكونَنَّ من الشاكِّين في هذا الحق، بل تفكَّرْ فيهِ وتأمّلْ، حتى تصِل بذلك إلى اليقين، لأن التفكُر فيه- لا مَحالة- دافعٌ للشكّ، مُوصِلٌ لليقين، (وهذا- وإن كانَ خِطاباً للرسول صلى الله عليه وسلم- فهو مُوَجَّهٌ للأمّةِ عموماً).
الآية 115:
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾ -وهي القرآن- ﴿ صِدْقًا ﴾ في الأخبار والأقوال، ﴿ وَعَدْلًا ﴾ في الأحكام،فـ ﴿لَا مُبَدِّل َلِكَلِمَاتِهِ ﴾:
أي فلا يستطيع أحد أن يبدِّل كلماته الكاملة، لا بالزيادة ولا بالنقصان، وهذا نظير قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾، ونظير قوله تعالى: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾
﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ السَّمِيعُ ﴾
لِمَا يقول عباده،
﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بظواهر أمورهم وبواطنها، والكل تحت قهره وسلطانه، فلا يتحركون إلا بمشيئته وإرادته، فلِذا لن يكون إلا ما يريدُ سبحانه.
واعلم أنَّ قوله تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾: أي وقضى ربك أنها ستكون تامة، والمعنى: أي تَمَّ القرآن في كَوْنِهِ مُعجِزًا دالَّاً على صِدق محمد عليه الصلاة والسلام، وأنَّ كلماته كافية في بيان ما يحتاج إليه المُكَلَّفون- عِلمًا وعَملًا- إلى يوم القيامة.
الآية 116:
(﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: يعني ولو فُرِضَ أيها الرسول أنك أطعتَ أكثرَ أهل الأرض، فأخذت بآرائهم واستجبتَ لاقتراحاتهم: لأضلُّوك عن دين الله، والسبب في ذلك أن أكثرهم لا بصيرةَ له، ولا علم يَهتدي به، وكل ما يقولونه هو هوى النفس، ووسوسة الشيطان،
و﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ﴾: أي وما يسيرون إلا على ما ظنوه حقًّا بتقليدهم لآباءهم، ﴿ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾: يعني وما هم إلا يَكذبون في هذا الظن الناتج عن التخمين، وتقليد الآباء بدون علم أو دليل.
الآية 118:
﴿ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾: أي فكلوا أيها المسلمون من الذبائح التي ذُكِرَ اسمُ الله عليها عندَ ذَبْحها ﴿ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ حَقَّ الإيمان.
لمسات بيانية :
آية (112):
*(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ (112)) شياطين الجن هذا معنى نعرفه فهو عالم خفي عنا رؤية ولكنه معلوم عقيدة ونقداً ولكن كيف أضيفت كلمة شياطين إلى الإنس؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الشيطان أصله نوع من الموجودات المجردة الخفية وهو نوع من جنس الجن ويطلق الشيطان على المضلل الذي يفعل الخبائث من الناس مجازاً لأن الإنسان مشتق من التأنس والإلف ولأن البشر يألف البشر ويأنس به فإذا قام الإنسان بما يخالف تسميته ولجأ إلى المكر والخديعة فقد تقمص شخصية الشيطان الذي من بعض معانيه التباعد عن الآخرين ولذلك أضيفت كلمة شياطين إلى الإنس لأنهم صاروا يفعلون فعلهم.
لمسات بيانية :
آية (111):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ (111)) ألا ترى كيف يكشف الله خفايا التفوس وما تنطوي عليها؟ فالنفس عالم خاص لا يطلع عليه إلا الله ولذلك عبر الله عن عدم إيمان المشركين بقوله (مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ) ولم يقل (لا يؤمنون) لأن عبارة (مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ) أشد في تقوية نفي إيمانهم مع رؤية المعجزات كلها لأنهم معاندون مكابرون غير طالبين للحق.
لمسات بيانية :
آية (114):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا (114)) تأمل هذا التنشيق المبدع في تأليف هذه العبارة القرآنية من تخير للفظ (حَكَمًا) إلى مظمها في ترتيب ونسق خاص يقف البيان أمامه عاجزاً. فانظر إلى قول الله (حَكَمًا)فقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون الله تعالى هو الحكم لا غيره وقال (حَكَمًا) ولم يقل حاكماً لأن حكماً هو الحاكم المتخصص بالحكم الذي لا يُنقض حكمه فهو أخص من الحاكم ولذلك كان من أسمائه تعالى الحكم ولم يكن منها الحاكم.
معلومه:
– تحدث القرآن الكريم في آيات كثيرة عن الجن والإنس، ولكن الذي يلفت الانتباه، ما نجده في النظم القرآني البديع، من تقديم الجن تارة، وتقديم الإنس أخرى، وهذا ما يستدعيه السياق، وتوجيه الحكمة البيانية،
ففي سياق التحدي بالقرآن الكريم، يقدم الإنس على الجن، لأن الإنس هم المقصودون بالتحدي أولاً وقبل كل شيء، قال تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا﴾ [الإسراء: 88].
أما في سياق التحدي بالنفوذ من أقطار السموات والأرض، فلقد قدم الجن؛ لأنهم أقدر على الحركة من الإنس. قال تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن: 33] والدليل على أن الجن أقدر من الإنس في مجال الحركة هو قوله تعالى في سورة الجن: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً﴾ [الجن 8 ـ 9].
أما قوله سبحانه ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾ [الذاريات: 56] فلقد قدم الجن على الإنس؛ لأنه قد روعي السبق الزمني، فإن الجن مخلوقون قبل الإنس(16).
قلت: والدليل على أن الجن مخلوقون قبل الإنس قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ*
وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ [الحجر: 26،27].
—————————————————————————–
من ايه (119 ↔124)
ص143
[12/23/2015, 11:54 PM] تفسير مبسط للوجه 16 من الانعام ص 143
الآية 119: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا ﴾: يعني وأيُّ شيء يمنعكم من أن تأكلوا ﴿ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ﴾: يعني وقد بَيَّن سبحانه لكم جميع ما حَرَّمَ عليكم ﴿ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾: أي إلا ما دَعَتْ إليه الضرورة من أكل شيءٍ من المُحَرّمات فإنه مباحٌ لكم، كَمَن خاف على نفسه الهلاك من شدة الجوع (بشرط أن يكون غيرَ طالبٍ للمُحَرّم- لِلذّةٍ أو غير ذلك، ولا مُتجاوز- في أكلِهِ- ما يَسُدّ حاجته ويرفع اضطراره)، ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا ﴾ من الضالين ﴿ لَيُضِلُّونَ ﴾ أتباعهم عن سبيل الله في تحليل الحرام وتحريم الحلال، فيُفتونهم ﴿ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴾ الذين يتجاوزون حدوده، وهو الذي يتولى حسابهم وجزاءهم.
الآية 120: ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾: يعني واتركوا -أيها الناس- جميع المعاصي، ما كان منها علانية، وما كان سرًّا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ﴾: يعني إن الذين يفعلون المعاصي سيُعاقِبهم ربهم يوم القيامة، بسبب ما كانوا يعملونه من السيئات، ولا ينجو منهم إلا من تاب، وقَبِلَ الله توبته، (فلذلك ينبغي للعبد أن يَبذل غاية جهده لِتَصِحّ توبته، حتى يقبلها الله تعالى).
الآية 121: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾: يعني ولا تأكلوا من الذبائح التي لم يُذكَر اسمُ الله عليها عند الذبح، (كالميتة، وما ذُبِحَ للأصنام والأولياء والجن، وغير ذلك)، ﴿ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾: يعني وإنّ الأكل من تلك الذبائح لَخُروج عن طاعة الله تعالى، ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ ﴾: يعني وإنّ شياطين الجن لَيُلْقون بالشبهات حول تحريم أكل الميتة ﴿ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ ﴾ من شياطين الإنس ﴿لِيُجَادِلُوكُمْ ﴾ بهذه الشبهات، ﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ ﴾ في تحليل الميتة فـ ﴿ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾: أي فأنتم وَهُم في الشرك سواء، لأنهم أحَلُّوا لكم ما حَرَّمَ اللهُ عليكم فاعتقدتم حِلَّه، فكنتم بذلك عابدِيهم، لأن التحريم والتحليل مِن حق الرب وحده، لا مِن حق غيره، (وفي الآية دليل على أنّ مَن استحلَّ شيئاً مما حَرَّمَ الله تعالى: صارَ به مشركاً).
الآية 122: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا ﴾ في الضلالةِ هالكاً حائراً ﴿ فَأَحْيَيْنَاهُ ﴾: أي فأحيينا قلبه بالإيمان، ووفقناه لاتباع الرسل، ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ﴾: يعني فأصبح يعيش بين الناس في أنوار الهداية، فهل هذا ﴿ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ ﴾: أي هل يتساوى هذا مع مَن يعيش في الجهالات والأهواء والضلالات، وهو ﴿ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾: أي وهو لا يهتدي إلى مَخرج من هذه الظلمات، ولا مُخلِّصَ له مما هو فيه؟ لا يستويان أبداً، ﴿ كَذَلِكَ ﴾: يعني وكما خُذِلَ هذا الكافر الذي يجادلكم، فزُيِّنَ له سُوءُ عمله فرآه حَسنًا: ﴿ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾: أي زُيِّنَ للجاحدين أعمالهم السيئة، لِيستوجبوا بذلك العذاب.
الآية 123: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: يعني ومِثلُ هذا الذي حصل مِن زعماء الكفار- في “مكة”- مِن الصدِّ عن دين الله تعالى: ﴿جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾: أي جعلنا في كل قرية مجرمين، يتزعمهم أكابرهم، واعلم أن الأكابر جمع (أكبر)، وهم الرؤساء والعظماء، وقد خُصُّوا بالذكر لأنهم أقدر على الفساد والإفساد من عامة الناس، ﴿ لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾: أي ليمكروا في هذه القرية بفِعل المنكرات والدعوة إلى ارتكابها، وبإفساد عقائد الناس وأخلاقهم وصَرْفِهِم عن الهدى بتزيين الباطل لهم، ﴿ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾، لأن عاقبة المكر تعودُ على الماكر بالعقوبة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾
الاية 124: ﴿ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ ﴾: يعني وإذا جاءت حجة ظاهرة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لهؤلاء المشركين من أهل مكة: ﴿ قَالُوا ﴾: أي قال بعض كبرائهم: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ﴾: يعني لن نصدِّق بنبوته حتى يعطينا الله من النبوة والمعجزات مثل ما أعطى رسله السابقين، كعصا موسى وغيرها، قال الوليد بن المغيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كانت النُبُوَّة حقاً، لَكُنتُ أوْلَى بها منك، لأني أكبرُ سناً وأكثر منك مالاً)، وقال أبو جهل: (والله لا نرضى به أبداً، ولا نتبعه إلاَّ أن يأتينا وحيٌ كما يأتيه).
فردَّ الله تعالى عليهم هذا العُلُوّ والتكبر بقوله: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾: يعني الله أعلم بالذين يستحقون حَمْلَ رسالته وتبليغها إلى الناس، فإنه سبحانه يجعلها في القلوب المشرقة والنفوس الزكية، لا في القلوب المظلمة والنفوس الخبيثة، و﴿ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ﴾: يعني وإن هؤلاء المجرمين -الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي، وأجرموا على غيرهم حيث أفسدوا قلوبهم وعقولهم- سوف يصيبهم ﴿ صَغَارٌ ﴾ أي ذل ومَهانة ﴿ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ يوم يلقونه، ﴿ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ﴾: يعني ولهم عذابٌ قاسٍ لا يُطاقُ في نار جهنم بسبب كَيدهم للإسلام وأهله، وبسبب تضليلهم للناس.
واعلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أحياناً توقَدُ له النار، فيُقرِّب منها يديه، ثم يُبعِدهما إذا (لَسَعَتْهُ) ويقول: (ألَكَ على هذا صبرٌ يا بنَ الخطاب؟)، وذلك بمثابة التطبيق العملي لقوله تعالى- وهو يتحدث عن النار-: ﴿ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً ﴾- (أي تُذَكِّرُ المؤمن بنار الآخرة، التي تعادل سبعين ضعفاً من نار الدنيا)- ﴿ وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ﴾ (أي ويتمتع بها المسافرون بالدفء والنور وطهي الطعام).
ومِن لطيف ما يُذكَر أن أحد الأخوة كان يتعمد أن يستغفر وهو يُمسِك بكوب (الشاي) الساخن، حتى يَحْمَرّ وجهه من سخونة الكوب، فيتركه، ثم يُمسكه مرة أخرى ويستغفر، وعندما سُئِلَ عن ذلك قال: (إنني عندما أشعر بِحَرّ النار: يَخرج الاستغفار من قلبي- بندمٍ شديد- على كل ذنبٍ فعلتُهُ في حق الله تعالى، لأنني لا أتحمل عذابه).
لمسات بيانيه
آية (120):
*ورتل القرآن ترتيلاً :
(إِِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ (120)) قال(يَكْسِبُونَ الإِثْمَ) ولم يكتف بـ (يكسبون) لأن الكسب يعم الخير والشر بخلاف قوله يقترفون وفي آية أخرى قال (وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (113) الأنعام) فلم يحدد المفعول به بأن قال (وليقترفوا الآثام) لأن الاقتراف من قَرَف إذا كسب سيئة وهذا الفعل يؤذِن بأمر ذميم. وانظر إلى اختيار هذا اللفظ (يَقْتَرِفُونَ) دون غيره مثل يجترحون أو يكسبون مثلاً ففي إيقاع على الأذن وصوت يُشعِر بأمر كريه إلى النفس بخلاف غيره.
لمسات بيانيه
اية (119):
*قال تعالى (وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)) ختام الآية من حيث الظاهر أنه هو يكون أعلم بالضالين فلِمَ سماهم بالمعتدين فقال (هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ)؟ ولم يقل هو أعلم بالضالين؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
(لَّيُضِلُّونَ) قرأها نافع وابن كثير وابو عمرو وابن عامر ويعقوب (لَيَضِّلون) على أنهم ضالون بأنفسهم وقرأها عاصم وحمزة والكسائي وخلف بضم الياء (لَّيُضِلُّونَ) على معنى أنهم يُضلون الناس ولو تأملت المعنيي لرأيت أن دلالتهما واضحة فالضال من شأنه أن يُضل غيره والمضل لا يكون في الغالب إلا ضالاً والمقصود التحذير منهم وذلك حاصل في القراءتين. وقد سمى الله فعلهم ضلالاً فقال(لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم) فكان ختام الآية من حيث الظاهر أنه هو يكون أعلم بالضالين فلِمَ سماهم بالمعتدين فقال (هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ)؟ ولم يقل هو أعلم بالضالين؟ سماهم الله معتدين لأن الاعتداء هو الظلم وهم عندما تقلدوا الضلال دون حجة ولا نظر كانوا معتدين على أنفسهم ومعتدين على كل من دعوه إلى موافقتهم وفي هذا إشارة لكل من تكلم في الدين بما لا يعلمه أو دعا الناس إلى شيء لا يعلم أنه حق أو باطل فهو معتدٍ ظالمٌ لنفسه وللناس.
لمسات بيانيه
ايه(124):
*(وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (124) الأنعام) ما دلالة تتابع لفظ الجلالة في هذه الآية فقط في القرآن؟ (د.فاضل السامرائى)
واحدة كلامهم (قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّه)ثم رد الله سبحانه وتعالى عليهم (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).
———————————————————————
من ايه (125 ↔131)
ص144
تفسير مبسط للوجه 17 من الانعام ص 144
الآية 125: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ ﴾: يعني فمَن يَشأ الله أن يوفقه لقَبول الحق: ﴿ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ ﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾: أي يجعل صدره في حالة شديدة من الانقباض عن قَبول الهدى، كحال مَن يصعد في طبقات الجو العليا، فيُصاب بضيق شديد في التنفس، ﴿ كَذَلِكَ ﴾: يعني وكما يجعل الله صدور الكافرين شديدة الضيق والانقباض: ﴿يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ ﴾ أي العذاب ﴿ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ بآياته.
الآية 126، الآية 127: ﴿ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا ﴾: يعني وهذا الذي بيَّنَّاه لك أيها الرسول هو الطريق الموصل إلى رضا ربك وجنته، ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾: أي قد بينَّا البراهين لمن يتذكر من أهل العقول الراجحة، وهؤلاء ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾: أي لهم يوم القيامة عند ربهم دار السلامة والأمان من كل مكروه وهي الجنة، ﴿ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾: أي وهو سبحانه متوليهم بالنصر والتأييد في الدنيا، وبالإنعام والتكريم في الآخرة، جزاءً لهم بسبب أعمالهم الصالحة.
الآية 128: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ﴾: يعني واذكر أيها الرسول يوم يحشر الله الكفار مع أوليائهم من شياطين الجن فيقول: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ ﴾: أي قد أضللتم كثيرًا من الإنس، ﴿ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ ﴾ كفار ﴿ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ﴾: أي قد انتفع بعضنا من بعض، ﴿ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ﴾: أي وبَلَغْنا الأجل الذي أجَّلْتَه لنا بانقضاء حياتنا في الدنيا، ﴿ قَالَ ﴾الله تعالى لهم: ﴿ النَّارُ مَثْوَاكُمْ ﴾: أي مكان إقامتكم ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾: يعني إلا مَن شاء اللهُ عدم خلوده فيها من عُصاة الموحدين، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾.
الآية 129، الآية 130: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: يعني وكما سَلَّطْنا شياطين الجن على كفار الإنس، فكانوا أولياء لهم: ﴿ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا ﴾: أي نُسلِّط الظالمين – من الإنس – بعضهم على بعض في الدنيا، جزاءً ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ من المعاصي.
- ثم يخاطب اللهُ مُشرِكي الجن والإنس قائلاً: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ﴾ واعلم أن النصوص الواردة في القرآن والسُنَّة تدلُّ على أنَّ الرسل كانت من الإنس فقط، وأما الجن فكان منهم دُعاةٌ لقومهم، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ﴾، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني داعِيَ الجن فأتيتُهم فقرأتُ عليهم…) (انظر صحيح الترمذي: ج5 /382).
- وهؤلاء الرسل كانوا ﴿ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ﴾: يعني كانوا يُخبرونكم بآياتي الواضحة المشتملة على الأمر والنهي وبيان الخير والشر، ويحذرونكم لقاءَ عذابي يوم القيامة؟ ﴿ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا ﴾ بأنّ رُسلك قد بلَّغونا آياتك، وأنذرونا لقاء يومِنا هذا، فكذبناهم، ﴿ وَغَرَّتْهُمُ ﴾: أي وخدعَتْهم ﴿ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ بزينتها ﴿ وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ﴾.
الآية 131: ﴿ ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ ﴾: أي ذلك الإنذار إلى الجن والإنس بإرسال الرسل وإنزال الكتب، كان لأجل أنه تعالى لم يكن مِن شأنه ولا مِن حِكمته أن يكون ﴿ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ ﴾ منه سبحانه، ولا بظلمٍ منهم (وهو الشرك والمعاصي)، ﴿ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ﴾ لم يُؤمَروا ولم يُنهَوا، ولم يَعلموا بعاقبة الظلم وما يَحِلّ بأهله من عذاب، ولكنه سبحانه أنذر الأمم من أجل إقامة الحُجَّة عليهم، وما عَذَّبَ أحدًا إلا بعد إرسال الرسل إليهم.
واعلم أن كلمة: ﴿ أَنْ ﴾ المذكورة في قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ ﴾ تسمى: (أنْ المُخَفَّفة من الثقيلة)، يعني كأنها كانت: ﴿ أَنّ ﴾ التي عليها شَدَّة، ولكنها خُفِّفَتْ فصارت: ﴿ أَنْ ﴾ التي عليها سكون، وعلى هذا يكون المعنى: ﴿ ذلك لأنَّه لم يكن رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْم ﴾، وهذا مِثل قوله تعالى: ﴿ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا ﴾، والمعنى: (وَنُودُوا أَنَّ هذه الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا).
لمسات بيانيه
آية (128):
*(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128) الأنعام) في سورة هود وفي يوسف (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)) فما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)
إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدم العلم وإلا يقدم الحكمة، إذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدم الحكمة وإذا كان في العلم يقدم العلم. حتى تتوضح المسألة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) البقرة) السياق في العلم فقدّم العلم، (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) النساء) هذا تبيين معناه هذا علم، (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) يوسف) فيها علم فقدم عليم. قال في المنافقين (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) الأنفال) هذه أمور قلبية، (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) التوبة) من الذي يطلع على القلوب؟ الله، فقدم العليم. نأتي للجزاء، الجزاء حكمة وحكم يعني من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم، تقدير الجزاء حكمة (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128) الأنعام) هذا جزاء، هذا حاكم يحكم تقدير الجزاء والحكم قدم الحكمة، وليس بالضرورة أن يكون العالم حاكماً ليس كل عالم حاكم. (وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ (139) الأنعام) هذا تشريع والتشريه حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) الزخرف) لما يكون السياق في العلم يقدّم العلم ولما لا يكون السياق في العلم يقدّم الحكمة.
لمسات بيانيه
آية (130):
*ما الفرق بين يتلون عليكم آيات ربكم ويقصون عليكم في الآيات (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ (71) الزمر) (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا (130) الأنعام)؟(د.فاضل السامرائى)
آية الأنعام (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا (130)) في الزمر (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا (71)) تشابه كبير. القصة الخبر، يقصّ يُخبر، قصّ عليه الخبر أورده. تلا يعني قرأ، تلوت القرآن، التلاوة تكون لنص يُقرأ سواء عن حفظ أو عن كتاب يجب أن يكون هناك نص لتكون هناك تلاوة أما القصة فقد تكون مكتوبة نصاً أو يكون من غير نص مشافهة سواء من كتب أو من غير. أما التلاوة فلا بد أن يكون هنالك نص حتى تكون تلاوة في اللغة سواء النص عن حفظ أو من كتاب، أما القصة فقد تورد له الخبر (فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ (25) القصص) القصة قد تكون من صحف أو عامة. أيّ الأعمّ قصّ أو تلا؟ قصّ أعمّ من تلا، تلا مقيّد من كتاب أما قصّ فقد يكون من كتاب أو من غير كتاب إذن قصّ أعمّ. (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي) سواء الرسل كان عندهم كتب أو ليس عندهم كتب كلهم أصحاب رسالة لكن ليس عندهم كلهم كتب وإنما بلغوا مشافهة إذن كلمة (يقصون) تشمل الرسل الذي أرسل عليهم كتب والذين لم ينزل عليهم كتب، قال تعالى صحف إبراهيم وموسى والتوراة والزبور والقرآن والإنجيل. إذن يقصون شملت من أنزل عليه كتاب ومن لم ينزل عليه كتاب أما تلا فشملت من أنزل عليهم الكتاب فقط. إذن قصّ أعم تشمل جميع الرسل أما تلا فتخص من أنزل عليهم الكتاب فقط، لماذا وضع كل واحدة في مكانها؟ (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا (130)) الخطاب موجه من الله تعالى لكل الجن والإنس قبلها قال (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)) لم يستثني أحداً إذن شمل الكل سواء مبلّغ له كتاب أو ليس له كتاب. أما في الزمر (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)) هذه زمرة، هؤلاء قسم قليل من أولئك، أما آية الأنعام فشملت كل الإنس والجن. فلما كانت زمرة قال (يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ) هم زمرة أقل، أما آية الأنعام فللجميع، فلما خصص المجموعة خصص بالتلاوة ولما عمم الإنس والجن عمم الرسالة فقال (يقصون).
—————————————————
الوجه (18) من الانعام
من ايه (132 ↔137)
ص145
تفسير مبسط للوجه(18)
من الأنعام ص145
الآية 132: ﴿ وَلِكُلٍّ ﴾: يعني ولِكُلّ عامل في طاعة الله تعالى أو معصيته: ﴿ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾: أي مراتب يُبَلِّغه الله إياها – بسبب عمله -، ويُجازيه عليها، ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾.
الآية 133: ﴿ وَرَبُّكَ ﴾ هو ﴿ الْغَنِيُّ ﴾ عن خَلقه، وكل خَلقه محتاجون إليه، وهو سبحانه
﴿ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ الواسعة، ومع ذلك فـ ﴿ إِنْ يَشَأْ ﴾ سبحانه إهلاككم بسبب عصيانكم وتمَرُّدِكم: ﴿ يُذْهِبْكُمْ ﴾ ﴿ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ ﴾: يعني ويُوجِدُ قومًا غيركم يَخلفونكم من بعد فنائكم، ويعملون بطاعته تعالى ﴿ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ ﴾: يعني وذلك كما أوجدكم أنتم مِن نَسل قومٍ آخرينكانوا قبلكم.
الآية 134: ﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ ﴾: يعني إنَّ الذي يَعدكم به ربكم أيها المشركون – من مَجِيء السَّاعة، ومن العذاب الذي ينتظركم – لَواقعٌ بكم لا محالة، ﴿ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾: يعني ولن تُعجِزواربكم إذا ظننتم أنكم ستهربون عند مجيء ذلك الوعد، فهو قادرٌ سبحانه على إعادتكم وإن صرتم ترابًا وعظامًا.
فالوعدُ آتٍ وأنتم لا تستطيعون الهرب منه، ولا يَقدر أحدٌ أن يمنعَ اللهَ تعالى مِن تحقيق ما وعد، فاللهُ غالبٌ على أمره، يفعل ما يريد، لأنه لا إله إلا هو، فإذا وعد، فلابد أن يتحقق وعده، وأما الذي يُخلِفُ الوعدَ من الخَلق، فهذا أمرٌ مُتوَقَّع منه، لأنه ربما يكون قد وَعَدَ بشيء – كانَ يَظن أنه في إمكانه فعله – وبعد ذلك خرج هذا الشيء عن حدود إمكانياته، فهو ليس له سيطرة على الأشياء، أما إذا كانَ مَن وَعَدَ قادرًا، ولا يوجد إلهٌ آخر يُناقضه فيما وَعَدَ به، فلابد أن يتحقق وعده ووعيده.
ولذلك حينما يَحكم اللهُ حُكمًا ما، فالمؤمن يأخذ هذا الحكم قضية مُسَلَّمة؛ لأنه لا إلهَ مع الله سيُغَيِّر هذا الحكم، ومثالُ ذلك أنه تعالى قال عن أَبِي لَهَبٍ: ﴿ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾، وهذا وَعيدٌ من الله تعالى في أمرٍ – لهم فيه اختيار -، ومع ذلك لم يُسلموا، لأنه لا يوجد إلهٌ سواه لِيُغير ما أخبرَ به.
الآية 135: ﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾: أي اعملوا على طريقتكم – التي أنتم عليها من مخالفتي وعداوتي – بكل ما أوتيتم من قوة، فـ ﴿ إِنِّي عَامِلٌ ﴾ على طريقتي التي شرعها لي ربي جَلّ وعَلا، ولن أتركها مهما فعلتم، ثم هَدَّدَهُم تعالى بقوله: ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ – عند حلول العذاب بكم – ﴿ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ﴾ : أي مَنِ الذي ستكون له العاقبة الحسنة؟ ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾: يعني: إنه لا يفوز برضوان الله وجَنَّتِه مَن تجاوزَ حَدَّهُ وظَلم، فأشركَ مع اللهِ غيره.
الآية 136: ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا ﴾: يعني وجعل المشركون لله تعالى جُزءًا مما خلق من الزروع والثمار والأنعام يقدمونه للضيوف والمساكين ﴿ فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ ﴾، ﴿ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا ﴾: أي وجعلوا جُزءًا آخر من هذه الأشياء لشركائهم من الأصنام، ﴿ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ﴾: يعني فما كان مُخَصَّصًا لشركائهم فإنه يَصِل إليها وحدها، ولا يُعطون منها للضيوف والمساكين، ﴿ وَمَا كَانَ لِلَّهِ ﴾: يعني وما كان مُخَصَّصًا لله تعالى ﴿ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ ﴾: أي فإنهم يذبحون منه للأصنام، ﴿ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾: أي بئس حُكم القوم وقِسمتهم، وذلك لعدم وجود عَدلٍ عندهم – في عقيدتهم الفاسدة – بينَ الله تعالى وبين شركائهم.
الآية 137: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: يعني وكما زيَّنَ الشيطانُ للمشركين أن يجعلوا لله تعالى من الحرث والأنعام نصيبًا، ولشركائهم نصيبًا: ﴿ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ﴾: أي زيَّن لهم شركاؤهم – من شياطين الإنس والجن – أن يقتلوا أولادهم خشية الفقر ﴿ لِيُرْدُوهُمْ ﴾: أي لِيوقعوا هؤلاء الآباء في الهلاك بقتل النفس التي حَرَّمَ اللهُ قتلها إلا بالحق، ﴿ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ﴾: يعني ولِيَفتنوهم عن دينهم الحق الذي جاءهم به إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، فيَخلِطونه لهم بالشِرك فيَضِلوا ويَهلكوا، ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ ﴾ ألاَّ يفعلوا ذلك: ﴿ مَا فَعَلُوهُ ﴾ ولكنه شاءَ ذلك لِعِلمِهِ بسوء حالهم ومقاصدهم، ﴿ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾: أي فاتركهم وشأنهم فيما يفترونه مِن كذب، فسيحكم الله بينك وبينهم.
لمسات بيانيه
آية (132):
*(وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)) لِمَ عبّر الله تعالى عن أجر المؤمنين بالدرجات ولم يقل ولكلٍ أجر عظيم؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
أنظر إلى هذا التصوير لتفاوت المؤمنين في منازل الآخرة. فقد عبّر عنه بلفظ درجات لأن المنزل كلما علا إزدادت درجاته والمؤمن كلما ازداد عمله من الصالحات صعد مرتبة أعلى.
لمسات بيانيه
آية (133):
*فى قوله تعالى (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء (133)) من أسمائه سبحانه وتعالى الغني والرحيم فلمَ لم يضع الإسمين وربك الغني الرحيم وعبر عن رحمته بـ (ذُو الرَّحْمَةِ) مع أنه ليس من أسمائه سبحانه؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
عدل ربنا عن وصف نفسه بالرحيم إلى وصفه بـ (ذُو الرَّحْمَةِ) في الآية لأن الغني وصف ذاتي لله لا تنتفع الخلائق إلا بلوازم ذلك الوصف وهي كرم الله وجوده علينا بخلاف صفة الرحمة فإن تعلقها ينفع الخلائق وسُبقت هذه الصفة بـ (ذو) لما فيها من الاستعارة بقوة ما تضاف إليه فأنت لا تقول ذو مال لمن عنده مال قليل
وفي موقع هذه العبارة (ذُو الرَّحْمَةِ) في الآية تمهيد لمعنى الإمهال في قوله (إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) وكأن الله يخاطبنا: لا يقولنّ أحد لماذا لم يُذهب بهؤلاء المكذبين؟ فالجواب أتانا: أمهلتهم إعذاراً لهم لأنني الله ذو الرحمة.
لمسات بيانيه
آية (135):
*انظر آية (11).↑↑↑
*ما وجه الإختلاف من الناحية البيانية بين قوله (فسوف تعلمون) في سورة الآنعام و(سوف تعلمون) في سورة هود؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الأنعام (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {135}) وسورة الزمر (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌفَسَوْفَ تَعْلَمُونَ {39}) وقال في سورة هود (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ {93}
وعلينا أن نلاحظ القائل في كلا الآيتين ففي آية سورة الأنعام
الله تعالى هو الذي أمر رسوله بالتبليغ أمره أن يبلغ الناس كلام ربه وهذا تهديد لهم فأصل التأديب من الله تعالى
أما في آية سورة هود فهي جاءت في شعيب وليس فيها أمر تبليغ من الله تعالى فالتهديد إذن أقل في آية سورة هود ولهذا
فقد جاء بالفاء في (فسوف تعلمون) في الآية التي فيها التهديد من الله للتوكيد
ولما كان التهديد من شعيب حذف الفاء (سوف تعلمون) لأن التهديد أقل.
لمسات بيانيه
آية (134):
* ما دلالة فصل (إنما) في آية سورة الأنعام (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)) بينما جاءت موصولة في آية سورة الذاريات والمرسلات ؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الأنعام (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)) وقال في سورة الذاريات (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5)) وفي سورة المرسلات (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7)).
هذا السؤال عائد إلى خط المصحف (الخط العثماني) وليس عائداً لأمر نحوي، وحسب القاعدة : خطّان لا يُقاس عليهما خط المصحف وخط العَروض. وفي كتابتنا الحالية نفصل (إن) عن (ما) وحقُّها أن تُفصل.
ابتداء يعود الأمر إلى خط المصحف سواء وصل أم فصل↩ لكن المُلاحظ الغريب في هذه الآيات كأنما نحس أن للفصل والوصل غرض بياني.
لو لاحظنا في آية سورة الأنعام (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ) فصل وفي الذاريات وصل (إِنَّمَا تُوعَدُونَ) وفي المرسلات وصل (إِنَّمَا تُوعَدُونَ) فلو لاحظنا الآيات نجد أنه تعالى لم يذكر في سورة الأنعام شيء يتعلّق بالآخرة أو متصلاً بها وإنما تكلم بعد الآية موضع السؤال عن الدنيا (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)) ففصل ما يوعدون عن واقع الآخرة.
بينما في سورة الذاريات وصل الأمر بأحداث الآخرة (وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)) والكلام في السورة جاء عن أحداث الآخرة فوصل (ما توعدون) بأحداث الآخرة فكأنما الفصل لفصل بين ما يوعدون وأحداث الآخرة وكذلك في سورة المرسلات دخل في أحداث الآخرة. فلمّا فصل الأحداث الآخرة عن ما يوعدون فصل (إن ما)ولمّا وصل الأحداث مع ما يوعدون وصل (إنما)
وكذلك ما جاء في قوله تعالى في قصة موسى وفرعون (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) طه) السحرة صنعوا وانتهى الأمر، وكذلك قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) (الأنفال) هم غنموا وانتهى الأمر فوصل وتكلم عن شيء فعلوه. فكأنها ظاهرة غريبة وكأن الكاتب الذي كتب المصحف لحظ هذا وما في الفصل والوصل هذا والله أعلم.
وقد سبق أن تكلمنا عن الفصل والوصل في (لكيلا) و (لكي لا) في إجابتنا عن سؤال سابق.
(ما) الموصولة هنا تختلف عن (إنما المؤمنون إخوة) التي هي ما الكافة والمكفوفة التي توصل مع (إن).
————————————————————-
الوجه (19) من الانعام
من ايه (138 ↔142)
ص146
تفسير مبسط للوجه 18 من الانعام ص 146
الآية 138: ﴿ وَقَالُوا ﴾: أي وقال المشركون: ﴿ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ ﴾: أي إنّ بعضَ هذه الإبل والزرع حرام، فـ ﴿ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ ﴾: يعني لا يأكلها إلا مَن يأذنون له، وذلك حسب ادِّعائهم الكاذب، ﴿ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا ﴾: أي وزعموا أنّ بعض الإبل لا يَحِلّ ركوبها والحملُ عليها بحالٍ من الأحوال، ﴿ وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا ﴾: أي وزعموا أن بعض الإبل لا يَذكرون اسمَ الله عليها في أي شأن من شئونها، وقد فعلوا ذلك ﴿ افْتِرَاءً عَلَيْهِ ﴾: أي كذبًا منهم عليه سبحانه، لأنه سبحانه ما حَرَّمَ ذلك عليهم، وإنما حَرَّموه هُم بأنفسهم، ثم قالوا: (حَرَّمَه الله علينا)، ولِذا تَوَعَّدهم الله تعالى على هذا الكذب بقوله: ﴿ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾.
الآية 139: ﴿ وَقَالُوا ﴾: أي وقال المشركون: إنّ ﴿ مَا فِي بُطُونِ ﴾ بعض ﴿ هَذِهِ الْأَنْعَامِ ﴾ من الأجِنَّة ﴿ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا ﴾: أي مُباحةٌ لرجالنا، ومُحَرَّمة على نسائنا (هذا إذا وُلِدَ الجنين حَيًّا)، ﴿ وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً ﴾: يعني وإذا وُلِدَ الجنين مَيِّتًا: ﴿ فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ﴾: أي فإنه يكونُ مُباحاً لرجالهم ولنسائهم معاً، (وقد كانوا يَستحلون أكْل المَيْتة)، ثم تَوَعَّدهم الله تعالى بقوله: ﴿ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ﴾: أي سيعاقبهم الله على هذا الكذب بما يستحقون من العذاب، لأنهم شرَّعوا لأنفسهم من التحليل والتحريم ما لم يأذن به الله، ﴿ إِنَّهُ حَكِيمٌ ﴾ في قضائه وشرعه ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بما نسبوه إليه كذباً.
وقد سَمَّى الله تعالى الكذب بـ (الوصف) في قوله: ﴿ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ﴾، لأنهم وصفوا بعض الأجِنَّة بأنها حرام، ووصفوا بعضها بأنها حلال، وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ﴾.
الآية 140: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ ﴾: أي قد هَلَكَ الذين قتلوا أولادهم، لأنهم أطاعوا شياطينهم فيما زيَّنَتْ لهم، وذلك ﴿ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾: أي لِضِعف عقولهم وجَهلهم، ﴿ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ﴾: أي وقد خسروا أيضاً لأنهم حَرَّموا ما أحَلَّهُ الله لهم، كذباً عليه سبحانه، ﴿ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾: أي قد بَعُدوا عن الحق، وما كانوا من أهل الهدى والرشاد، (إذِ التحليل والتحريم من خصائص الله تعالى وحده، فالحلال ما أحَلَّهُ الله، والحرام ما حَرَّمه الله).
الآية 141: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ ﴾: يعني واللهُ سبحانه وتعالى هو الذي أوجَدَ لكم بساتين، منها ما هو مرفوع عن الأرض كالأعناب، ﴿ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ ﴾: يعني ومنها ما هو غير مرفوع، ولكنه قائمٌ على ساقِهِ كالنخل والزرع، ﴿ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ ﴾: أي متنوعًا في طعمه، ﴿ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا ﴾ في ورقه وشجره، ﴿ وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ﴾ في لونه وطعمه، ﴿ كُلُوا ﴾ أيها الناس ﴿ مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ﴾﴿ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾: يعني وأعطوا زكاته – المفروضة عليكم – يوم حصاده، ﴿ وَلَا تُسْرِفُوا ﴾: أي ولا تتجاوزوا حدود الاعتدال في إخراج المال وأكل الطعام وغير ذلك ﴿ إِنَّهُ ﴾ تعالى ﴿ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ المتجاوزين حدوده، بإنفاق المال في غير موضعه.
الآية 142: ﴿ وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً ﴾: يعني واللهُ سبحانه هو الذي أوجَدَ لكم من الأنعام ما هو مُهيَّأ للحمل عليه، لارتفاعه عن الأرض كالإبل، ﴿ وَفَرْشًا ﴾: يعني ومنها ما هو غير مُهيَّأ للحمل عليه، لِصِغَره وقُرْبِه من الأرض كالبقر والغنم، ﴿ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ﴾: أي كلوا مما أباحه الله لكم وأعطاكُمُوه من هذه الأنعام، ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ في تحريم ما أحَلَّه الله من هذه الأنعام كما فعل المشركون، ﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾: أي إن الشيطان لكم عدوٌ ظاهر العداوة.
: لمسات بيانيه
آية (138):
*ورتل القرآن ترتيلا ً:
(سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (138)) إذا قلت لعاملك إذا قصرت في العمل فسوف أخصم من مرتبك مائة درهم، علم العقوبة وسوف تولد عنده رادعاً ولكن إن قلت لمن ارتكب خطأ في عمله إن عدت لهذا التصرف مرة أخرى فسوف ترى فأنت لم تحدد نوع العقوبة فهذا النوع أشد هولاً على القلب وكذلك قوله تعالى هنا (سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) فقد أبهم الله الجزاء تهويلاً وتعظيماً لتذهب النفوس كل مذهب ممكن في أنواع الجزاء على الإثم.
*ورتل القرآن ترتيلا ً:
(وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ (141)) جاءت هذه الآية في سياق كلام الله للامتنان على الناس بما أنشأ لهم في الأرض مما ينفعهم ولذلك ختمها بقوله (كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ) بينما ختمت الآية المشابهة لها وهي قوله (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ (99) الأنعام) بقوله (إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لأنها سيقت للدلالة على صنع الله وأنه المتفرد بالخلق.
———————————————————-
الوجه (20) من الانعام
من ايه (143 ↔146)
ص147
تفسير مبسط للوجه 20
ص (147)
الآية 143:
﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾: يعني وهذه الأنعام التي رزقكم الله بهاهي ثمانية أصناف، فأما الأربعة أصناف الأولى فهي: ﴿ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ﴾: أي صِنفين من الضأن (وهم الذكور والإناث)،
﴿ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ﴾: أي وصنفين من المعز (وهم الذكور والإناثً)، ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لأولئك المشركين: ﴿ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾؟: يعني هل حَرَّم الله أكْل الذَكَرَين من الغنم (ذَكَر الضأن وذكر الماعز)؟ فإن قالوا: نعم، فقد كذبوا في ذلك، لأنهم لا يُحرمون كُلَّ ذكر من الضأن والماعز، وقل لهم: هل حَرَّم الله أكل الأنثَيَيْن من الغنم (أنثى الضأن وأنثى الماعز)؟ فإن قالوا: نعم، فقد كذبوا أيضًا، لأنهم لا يُحرمون كُلَّ أنثى مِن الضأن والماعز،
﴿ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾؟: يعني وقل لهم: هل حَرَّم الله ما بداخل أرحام الأنثَيَيْن (من الضأن والماعز) مِن الحَمْل؟ فإن قالوا: نعم، فقد كذبوا أيضًا، لأنهم لا يُحرمون كُلَّ حَمْل مِن ذلك،﴿ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ ﴾: يعني أخبروني بعلم يدل على صحة ما ذهبتم إليه ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ فيما تنسبونه إلى ربكم.
الآيه 144:
وأما الأربعة أصناف الأخرى فهي: ﴿ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ ﴾: أي صنفين من الإبل (وهم الذكور والإناثً)، ﴿ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ﴾:
أي وصنفين من البقر(وهم الذكور والإناثً)
﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾؟: يعني هل حَرَّم الله الذكرين من الإبل والبقر أم الأنثَيَيْن منهما؟ أم حَرَّم ما بداخل أرحام الأنثَيَيْن من الحَمْل؟ ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا ﴾؟: يعني أم كنتم أيها المشركون حاضرين حين وَصَّاكم الله بهذا التحريم للأنعام؟ ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾: أي فلا أحد أشد ظلمًا ممن اختلق على الله الكذب ﴿ لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾: أي لِيَصرف الناس بجهله عن طريق الهدى ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾: يعني إن الله لا يوفق للرشد مَن تجاوز حدَّه، فكذب على ربه وأضلَّ الناس.
الآية 145:
﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول: ﴿ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ﴾: يعني إني لا أجد فيما أوْحَى اللهُ إليَّ شيئًا مُحرَّمًا على مَن يأكل من هذه الأنعام التي حَرّمتموها ﴿ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ﴾: يعني إلا أن يكون قد مات بغير ذبح شرعي، (باستثناء مَيْتة السمك ومَيْتة الجَرَاد، فإنه يَحِلّ أكْلُهما، كما ثبت ذلك في السُنَّة)، وقد ثبت في السُنَّة أيضاً – بعد نزول هذه الآية – تحريم الكلاب والحِمار الأهلي (وهو الحمار المُستأنَس الذي يعيش بين الناس ويَحمل أثقالهم)، وكل ما له أنياب من السِباع (كالأسد والذئب)، وكل ذي مخْلَب من الطير (كالصقر والنسر).
﴿ أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ﴾: يعني أو أن يكون دمًا سائلاً مُراقًا فإنه يَحْرُمُ شُرْبه، (أما الدم غير المُراق، كالذي يختلط باللحم، أو الذي يكون في المخ والعروق وما شابَه: فإنه لا شيء فيه)، ﴿ أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾: يعني أو أن يكون لحم خنزير فإنه نجس، يَحْرُمُ أكله، ﴿ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾: يعني أو الذي ذُبِحَ – خروجًا عن طاعة الله تعالى – كالمذبوح الذي قد ذُكِرَ عليه – عند ذبْحه – اسمُ غير الله تعالى، فإنه يَحْرُمُ أكله أيضاً، ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ ﴾: أي فمَن ألجأتْه الضرورة إلى الأكل من هذه المُحرمات بسبب الجوع الشديد، بشرط أن يكون غيرَ طالبٍ للمُحَرّم لِلتلذذ به، ولا مُتجاوز – في أكلِهِ – ما يَسُدّ حاجته ويرفع اضطراره: ﴿ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ ﴾
له، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ به، حيث رَخَّصَ له في أكل تلك المُحرمات عند الضرورة حتى لا يموت.
الآية 146:
﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ﴾: يعني وقد حَرَّمنا على اليهود: كل ما لم يكن مشقوق الأصابع من البهائم والطير (كالإبل والنَّعام)، ﴿ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا ﴾: يعني وكذلك حَرَّمنا عليهم شحوم البقر والغنم ﴿ إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا ﴾: يعني إلا الشحم الذي عَلِق بظهورها فإنه حلالٌ لهم، ﴿ أَوِ الْحَوَايَا ﴾: يعني وكذلك الشحم الذي عَلِق بأمعائها، ﴿ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ﴾: يعني وكذلك الشحم الذي اختلط بعظم الجنب ونحو ذلك، ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ ﴾: يعني ذلك التحريم – المذكور على اليهود – كان عقوبة مِنَّا لهم بسبب أعمالهم السيئة، ﴿ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ فيما أخبرنا به عنهم.
لمسات بيانيه
آية (145):
*(قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا (145)) تأمل هذا الأسلوب في نفي مزاعم القوم فقد ابتدأ الله الآية بكلام على لسان رسوله (ص) ليبين فيه ما حرم الله عليه فلم لم يبتدئ بنفي تحريم ما ادعى المشركون تحريمه بلفظ صريح؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هذا الرد جاء على طريقة الإيماء ليبين لهم أن الذي يدّعونه ليس فيما نهي عنه ومن ثم فليس تحريمه من أوامر الله وهذه طريقة استدلالية لأن فيها نفي الشيء بنفي ملزومه.
*لِمَ قيّد الدم بوصفه (مَّسْفُوحًا) مع أن الدم سائل؟؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن تقييد الدم بالمسفوح للتنبيه على العفو عن الدم الذي ينزّ من عروق اللحم عند طبخه فإنه لا يمكن الاحتراز منه.
لمسات بيانيه
آية (146):
*(وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ (146)) الجار والمجرور (عَلَى الَّذِينَ) متعلق بالفعل (حَرَّمْنَا) فلم تقدم عليه وحقه التأخير؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إذ الأصل حرمنا كل ذي ظفر على الذين هادوا؟ تقدم الجار والمجرور على الفعل (حَرَّمْنَا) للدلالة على التخصيص أي حرمنا عليهم وحدهم لا على غيرهم من الأمم.
التوجيهات
1- لا أحد أظلمُ ممن يكذب على الله تعالى، فيشرع لعباده ما لم يشرعه الله، ﴿ ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾
2- على المفتي الذي يفتي الناس بالحل والحرمة أن يفتي عن علم، وإلا كان داخلاً تحت الوعيد، ﴿ ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾
3- إمهال الله تعالى المجرمين لا يدل على عدم عقوبتهم؛ فإن بأس الله لا يعلم متى يأتي،
﴿ ۚ ذَٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ ۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ ﴾
———————————————-
الوجه (21) من الانعام
من ايه (147 ↔151)
ص148
تفسير مبسط للوجه 21
للأنعام ص148:
الآية 147:
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ ﴾: يعني فإن كَذَّبك أيها الرسول مُخالِفوك من المشركين واليهود وغيرهم: ﴿ فَقُلْ ﴾ لهم: ﴿ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ﴾ بعباده المتقين التائبين، ﴿ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾:
يعني ولا يُدْفع عقابه عن القوم الذين أجْرَموا بالشرك والمعاصي ولم يتوبوا من ذلك، (وفي هذا تهديدٌ لهم لمخالفتهم للرسول صلى الله عليه وسلم).
الآية 148:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ – جهلاً منهم بحكمة ربهم وبسُنَّتِهِ في كَوْنِه، مِن هدايةمَن اتَّبع أسبابالهدى، وإضلال مَن اتَّبع أسباب الضلال -: ﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ ﴾ ألاَّ نُشرك به، وألاَّ نُحرم شيئاً من عند أنفسنا: ﴿ مَا أَشْرَكْنَا ﴾ نحن ﴿ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ ﴾، فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا ﴾: أي بمِثل هذه الشُبهة، قد أثارها الكفار مِن قبلهم، وكذَّبوا بها دعوة رسلهم، واستمَرُّوا على ذلك، حتى نزل بهم عذاب الله، ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ﴾؟: يعني هل عندكم – فيما حَرَّمتم من الأنعام والحرث، وفيما زعمتم مِن أنّ الله قد شاء لكم الكفر، ورَضِيَهُ منكم وأحَبَّهُ لكم – مِن عِلمٍ صحيح فتُظهِروهُ لنا؟ ﴿ إِنْ تَتَّبِعُونَ ﴾ في أمور هذا الدين
﴿ إِلَّا ﴾ مُجَرَّد ﴿ الظَّنَّ ﴾ وما عندكم مِن علمٍ أو دليل على قولكم، ﴿ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾: أي وإن أنتم إلا تَكذبون.
- وعلى هذا نقول لِكُلّ مَن يُصِرّ على معصية الله تعالى – ويَحتجّ بأن الله هو الذي قدَّرَ عليه ذلك -: (أخي الحبيب، أنت لا تعلم ما الذي كتبه الله لك، فأنت مأمورٌ فقط باتباع طريق الصالحين، واجتناب طريق المفسدين، كما قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾، فاللهُ تعالى قد أعطى كُلَّ مخلوقٍ قدرة وإرادة، يتمكن بها مِن فِعل ما كُلِّفَ به، فاتقِ اللهَ – أخي الحبيب – قدرَ استطاعتك، وإن وقعتَ في معصيةٍ ما، فأسرِع بالتوبة الصادقة الجازمة، ولا تحتجّ بالقدر.
الآية 149:
﴿ قُلْ ﴾ لهم يا محمد – بعد أن أبطلتَ شُبهتهم -: إن لم تكن لكم حُجَّة إلا مجرد إتباع الظن والهوى، ولا عِلم لكم ولا دليل:
﴿ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ﴾: أي فلِلَّهِ تعالى الحُجَّة التامة على خلقه، بإرسال الرسل وتأييدهم بالمعجزات، وتبيينِهِ للتوحيد بالنظر في المخلوقات، وإنزال الكتب السماوية، التي خَتَمَها بالقرآن الكريم (المعجزة الخالدة إلى قيام الساعة).
- واعلموا أنّ الهداية للإيمان وقَبول الحق هي بيد الله وحده ﴿ فَلَوْ شَاءَ ﴾ سبحانه هدايتكم: ﴿ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ إلى طريق الاستقامة، وهو على ذلك قدير، وإنما سُنَّتَه في خلقه أن يُكلفهم – اختباراً لهم -، وأن يوضح الطريقَ لهم، وأن يقيم الحجة عليهم، فمَن اهتدى فلنفسه، ومَن ضل فعليها.
الآية 150:
﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا ﴾: أي هاتوا شهداءكم الذين يشهدون أن الله تعالى هو الذي حرَّم ما حرَّمتم من الزرع والأنعام، ﴿ فَإِنْ شَهِدُوا ﴾ – كذبًا وزورًا -: ﴿ فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ﴾:
يعني فلا تصدقهم أيها الرسول، ولا تُقِرّهُم على باطلهم، بل بَيِّنْ لهم بُطلانه، فإنهم شهداء زُور لا غير، ولا يَتَّبِعون في دَعاويهم إلا الأهواء، ولهذا قال تعالى له: ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا ﴾: أي ولا توافق الذين حَكَّموا أهواءهم، فكذَّبوا بآيات الله، وذلك بتحريم ما أحَلَّهُ الله، وتحليل ما حَرَّمَهُ الله، ﴿ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾:
أي ولا تتبع الذين لا يُصدقون بالحياة الآخرة ولا يعملون لها، والذين هم بربهم يشركون، ويُساوونه بغيره في العبادة والتعظيم والمحبة والخوف
الآية 151:
﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾ وهو
﴿ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ مِن مخلوقاته في عبادته، بل اصرفوا جميع أنواع العبادة له وحده، كالخوف والرجاء والدعاء، وغير ذلك،
﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾:
يعني: وعليكم بتأدية حقوق الوالدين (وذلك بالقول الكريم اللَيِّن، وبطاعة أمْرهما – في غير معصية الله – وبالإنفاق عليهما، وإكرام صديقهما ومَن له تعلُّق بهما، وصِلة رَحِمِهما، والدعاء لهما، وطلب رِضاهما)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 3507)، فاعلم أنه لن يَرضى عنك الله سبحانه وتعالى حتى يَرضى عنك والداك ولو كنتَ أعبَد أهل الأرض،
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ﴾: أي مِن أجل فقرٍ نزل بكم،فـ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾: أي ولا تقربوا كبائر الآثام، ولا تَجهَروا بفِعلها أمام الناس، ولا تفعلوها سِرَّاً،
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ قتْلَها ﴿ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾
وهو قتل القاتل، أو رَجْم الزاني المتزوج حتى يموت، أو قتل المُرْتَدّ عن الإسلام، (ويكون تنفيذ ذلك القتل عن طريق وَلِيِّ الأمر، وهو حاكِمُ البلد)،
﴿ ذَلِكُمْ ﴾ المذكور من الأوامر والنواهي هو ما ﴿ وَصَّاكُمْ بِهِ ﴾ ربكم ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾:
أي لتكونوا من العقلاء الراشدين، لأنَّ مَن يُشرِك بربه صَنَماً، أو يُسيء إلى أبويه، أو يَقتل أولاده، أو يَفجُر بنساء الناس، أو يقتلهم: لا يُعتبر عاقلاً أبداً، إذ لو كان له عقل: ما أقدَمَ على هذه العظائم من الذنوب والآثام.
لمسات بيانيه
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ (151))
انظر إلى هذا المطلع(قُلْ تَعَالَوْاْ) فهو يصور رفعة تعاليم الله وسمو أتباعه ولذلك استهل هذه الآية بـ (تَعَالَوْاْ) دون هلموا مثلاً اهتماماً بالغرض المنتقل إليه وبأنه أجدى عليهم من تلك السفاسف التي اهتموا بها وليعلموا الفرق بين ما يدعون الناس إليه وبين ما يدعوهم إليه الإسلام من جلائل الأعمال. فالفعل (تعال) يؤمر به من يراد صعوده إلى مكان مرتفع فوق مكانه إذ الأصل في هذا الفعل أنهم كلهم إذا نادوا إلى أمر مهم إرتقى المنادي على ربوة ليسنع صوته. وأنت أيها المؤمن عندما تستجيب لهذا النداء إنما ترتفع بإنسانيتك إلى شرف الإسلام ورفعة شأنه.
لمسات بيانيه
آية (151):
*(قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (151) الأنعام) ذكر سياق المحرمات في البداية ثم قال ألا تشركوا به شيئاً كأن عدم الشرك هو المحرّم فهل يمكن توضيح الآية؟.(د.فاضل السامرائى)
الآية (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ (152)) لو نهى وقال لا تسيئوا إليهما كيف ينهي؟ هذا لا يفي بحق الوالدين لأن الإساءة لا تنبغي وإنما ينبغي الإحسان، عدم الإساءة لا يقتضي الإحسان. منصوص الآية من حيث الدلالة وأحسنوا بالوالدين إحساناً لأن الوالدين لا يكفي في حقهما النهي عن الإساءة، عدم الإساءة إليهما هذا أمر مفروغ هذا لا يكفي وإنما عدم الإساءة والإحسان إليهما واجب. الأمر بعدم الإساءة أمر مفروغ منه لكنه لا يكفي عند الله. (وبالوالدين إحساناً) إحساناً مفعول مطلق وأحسنوا بالوالدين إحساناً مفعول مطلق لفعل محذوف، ولذلك كل القرآن لم ينهى وإنما يقول (لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83) البقرة) (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (36) النساء) (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) (أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (151) الأنعام) (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا (15) الأحقاف) لا يكفي أنه لا تسيء إليهما هذا لا يكفي، لو نهى كان يكون هذا في حقهما كافياً أن لا تسيء إليهما، لا هذا ليس كافياً في حقهما وإنما ينبغي أن تُحسن إليهما. ولهذا لم تأت بهذا الشكل مطلقاً في القرآن الكريم في موضع آخر في القرآن لعظمة الوالدين وكبير أمرهما عند الله.
سؤال:
لكن الله تعالى استخدم النهي مع الشرك بالله
(لا تشرك) هذا مطلوب إذن منزلة الوالدين عند الله تبارك وتعالى ما بعده منزلة. (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ (23) الإسراء) يعني دون شيء أقل شيء ينبغي أن لا يقال حتى لا تظهر الضجر ليس فقط تحسن إليهما ولكن لا تظهر إليهم الضجر. حتى ربنا لما ذكر (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) المعارج) لم يذكر الأب والأم بينما في سورة عبس ذكر في الفرار الأم والأب. في الفداء قال (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس) يفتدي من العذاب، يفدي نفسه من العذاب فلا بد أن يقدم شيئاً ما فيقدّم بنيه بدلاً منه وصاحبته أي زوجته وأخيه وفصيلته التي تؤويه أي عشيرته ومن في الأرض جميعاً ولم يذكر الأم والأب لأنه لا يستطيع أن يقدمهما لأن ذلك سيغضب ربه. يقول أنا أمرتك بالإحسان إليهما فكيف يفتدي بهما؟ هذا لعظيم منزلة الأبوين عند الله المجرم لا يجرؤ أن يفتدي بالأم والأب والله تعالى أمر بالإحسان إليهما وكأن هذا الإحسان دنيا وآخرة. أنت عندما تفتدي عند صاحب الأمر والنهي تفتدي بما يحب لا بما يكره، فربنا يكره أن تفتدي بالأب والأم لا يحب ذلك وإنما ينبغي الإحسان إليهما. فهذا يدل على عظيم مكانة الأبوين عند الله.
سؤال: إذا كان الله تعالى يحب الأبوين هكذا فلم لا نقدمهما فداء
يقدمهم فداء حتى يدخلوا النار مكانه؟! هل هذا جزاء الإحسان إليهما؟ وهل يدخلهما النار مكانه؟!
لمسات بيانيه
هذه الآية اشتملت على المنهيات وقد وردت بصيغة النهي (لا تشركوا، لا تقتلوا، لا تقربوا) إلا الإساءة للوالدين أتت بصيغة الأمر بالإحسان إليهما فلِمَ عدل ربنا عن النهي بالإساءة إلى الأمر بالإحسان في قوله (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن في هذه الآية أمراً بالإحسان إليهما أي وأحسنوا بالوالدين إحساناً وهذا حتماً يفيد النهي عن ضده وهو الإساءة للوالدين ولذلك كان من جملة المنهيات وإنما عدل ربنا عن النهي عن الإساءة إلى الأمر بالإحسان اعتناء بالوالدين وإكراماً لهما لأن الله تعالى أراد برّهما والبِرُّ إحسان
لمسات بيانيه
ما الفرق بين الآيتين (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (151) الانعام) (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ (31) الاسراء) من الناحية البيانية؟(د.فاضل السامرائى)
هاتان الآيتان تكلّم فيهما القدامى كثيراً في أكثر المراجع وحتى المحدثين ذكروها.
الآية الأولى فى سورة الأنعام (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)) (من إملاق): أي من الفقر الواقع بهم يقتلونهم بسبب الفقر الواقع عليهم فلما كانوا مفتقرين فهم محتاجون للرزق لعيلوا أنفسهم ثم أولادهم لذا بدأ تعالى برزقهم هم أولاً لأنهم محتاجون ثم رزق أولادهم.
أما الآية الثانية فى سورة الإسراء (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)) (خشية إملاق): هم ليسوا محتاجين الآن لكنهم يخشون الفقر ويخشون أن تكون تكاليف الأولاد ستؤثر عليهم وتودي بهم إلى الفقر لكنهم ليسوا مفتقرين الآن فقال تعالى نحن نرزقهم لماذا تخافون إذن؟ فبدأ برزق الأولاد أولاً حتى يبين لهم أن الأولاد لن يشاركونهم في رزقهم وإنما رزقهم معهم.
التوجيهات
1- إذا رأيت الظالم يتمادى في غيه فلا تحزن؛ فإن الله تعالى ينزل بأسه بالقوم المجرمين، فإذا نزل بهم فلا يستطيع أحد رده، ﴿ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُۥ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾
2- علــى الداعيــــة أن لا يستبعد احتمال تكذيبه من قِبَل بعـــض المدعــــــــوين؛ فلا يكــن ذلك عائقـاً أمامــه، ﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَٰسِعَةٍ ﴾
3- الهداية بيد الله سبحانه وتعالى، فاطلبها منه، ﴿ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَىٰكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
————————————————————–
الوجه (22) من الانعام
من ايه (152↔157)
ص149
تفسير مبسط للوجه 149 من الانعام
- الآية 152: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾: يعني إلا بما يُصلِح أمواله لِيَنتفِع بها، وذلك باستثمارها له ﴿ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾: أي حتى يصل إلى سن البلوغ ويكون راشدًا، فإذا بلغ ذلك فسَلِّموا إليه ماله، ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ﴾: أي بالعدل الذي يكونُ به تمامَ الوفاء، وإذا بذلتم جهدكم في ذلك، فلا حرجَ عليكم فيما قد يكونُ مِن نَقص، فإننا ﴿ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ﴾:أي وإذا تكلمتم فتَحرَّوا العدلَ في قولكم، سواء كان الأمر يتعلق بخبر أو شهادة أو حُكم أو شفاعة، ﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾: يعني ولو كان الذي تعلَّقَ به القول ذا قرابةٍ منكم، فلا تميلوا معه بغير الحق، ولا يَحمِلَنَّكم الهوى والتعُّصب للغير على ترْك العدل، ﴿ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ﴾: يعني وأوفوا بما عَهِدَ الله به إليكم من الالتزام بشريعته، ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ المتلوُّ عليكم من الأحكام هو ما ﴿ وَصَّاكُمْ بِهِ ﴾ ربكم ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾: أي لعلكم تتذكرون، وتجتنبون ما حُرِّمَ عليكم.
- الآية 153: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا ﴾: يعني ومما وَصّاكم اللهُ به أن هذا الإسلام هو طريق الله تعالى المستقيم ﴿ فَاتَّبِعُوهُ ﴾ ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾: أي ولا تسلكوا سُبُلَ الضلال فتُفَرِّقكم، وتُبعِدكم عن سبيل الله المستقيم، ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ أي التوَجُّه نحو الطريق المستقيم، وعدم اتباع سُبُلَ الضلال، هو ما ﴿ وَصَّاكُمْ بِهِ ﴾ ربكم ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ عذابه بفِعل أوامره، واجتناب نواهيه.
- الآية 154: ﴿ ثُمَّ ﴾ أخبِرْهم أيها الرسول أننا ﴿ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ وهو التوراة ﴿ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ﴾: أي تمامًا لِنِعمتنا على المحسنين من بني إسرائيل، ﴿ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ من أمور دينهم، ﴿ وَهُدًى ﴾ لهم من الضلالة، وبيان للطريق المستقيم، ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ لهم ﴿ لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾: أي رجاء أن يُصدِّقوا بالبعث بعد الموت، وبالحساب والجزاء، ويعملوا لذلك.
- الآية 155، والآية 156، والآية 157: ﴿ وَهَذَا ﴾ القرآن هو ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ ﴾ على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ مُبَارَكٌ ﴾: يعني كثير الخير والنفع ﴿ فَاتَّبِعُوهُ ﴾ فيما يأمر به ويَنهى عنه، ﴿ وَاتَّقُوا ﴾ الله، فلا تخالفوا له أمرًا ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾: أي رجاء أن يرحمكم، فتنجوا من عذابه، وتفوزوا بجنته.
- وقد أنزلنا إليكم هذا القرآن ﴿ أَنْ تَقُولُوا ﴾: يعني لِئَلاَّ تقولوا – يا كفار العرب -: ﴿ إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ ﴾ من السماء ﴿ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ وهم اليهود والنصارى، ﴿ وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ﴾: يعني وقد كنا عن قراءة كتبهم في شُغل، وليس لنا بها علم ولا معرفة.
﴿ أَوْ تَقُولُوا ﴾: يعني ولِئَلاَّ تقولوا – أيها المشركون -: ﴿ لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ ﴾: يعني لو أنَّا أُنزِلَ علينا كتابٌ من السماء كما أُنزل على اليهود والنصارى: ﴿ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ ﴾: أي لكنَّا أشدَّ استقامةً على طريق الحق منهم، فإنه لا عُذرَ لكم الآن ﴿ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾: يعني فقد جاءكم كتابٌ بلسانٍ عربيٍ مبين، وتلك حُجَّةٌ عليكم مِن ربكم، لأنه نزل بلسانكم، ﴿ وَهُدًى ﴾: أي وإرشاد إلى طريق الحق، ﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾لهذه الأمة.
﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ﴾: يعني فلا أحد أشد ظلمًا ممن كذَّب بحجج الله تعالى الواضحة، ﴿ وَصَدَفَ عَنْهَا ﴾: أي وأعرض عنها، ﴿ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ﴾: يعني سنعاقب هؤلاء المعرضين عقابًا شديدًا في نار جهنم بسبب إعراضهم عن آياتنا، وصَدِّهم عن سبيلنا.
لمسات بيانيه
ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (152)) انظر إلى هذا السياج المنيع الذي ضربه الله حول اليتيم فهو ضعيف بفقد النصير من الوالدين ولكنه محاط بحفرة من نار والاقتراب منها مؤذن بالهلاك. هذه هي الصورة التي رسمها الله لليتم ولذلك عبر عن صون ماله بقوله (وَلاَ تَقْرَبُواْ) ولم يقل لا تأكلوا مال اليتيم أو لا تأخذوا لأن النهي عن القرب منه أبلغ في التحذير من النهي عن الوقوع فيه وفي هذا اللفظ (وَلاَ تَقْرَبُواْ) ضمان لماله وصونٌ له أبلغ من النهي عن الأخذ فمن لم يقترب لم ير ولم يطمع ومن ثم الوقوع في المنهي أبعد.
لمسات بيانيه
آية (153):
* ما الفرق بين السبيل والصراط؟(د.فاضل السامرائى)
السبيل هو الطريق السهل الذي فيه سهولة والصراط هو أوسع الطرق الطريق المستقيم وهو أوسع الطرق ولذلك لا يُجمع في القرآن (في اللغة يمكن أن يجمع مثل كتاب كتب). إذن الصراط هو الطريق المستقيم وهو أوسع الطرق ولم يرد في القرآن إلا مفرداً لأنه يُراد به الإسلام (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ (153) الأنعام) السبيل يجمع على سبل، يأتي مفرداً ويأتي جمعاً لأنها سهلة ميسرة للسير فيها. طرق الخير تجمع وطرق الشر تجمع (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ (16) المائدة) طرق الخير، (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) هذه طرق الشر وتستخدم سبل للخير والشر أما الصراط هو أوسع الطرق أياً كان (مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) الصافات) هو أوسع الطرق. ويأتي الصراط دائماً موصوفاً ومضافاً يدل على أن هذا طريق الخير وذاك طريق الشر. إذن الصراط الطريق الواسع والسبيل الطريق المنبثقة عنها، الطرق المتفرعة عن الصراط لذلك تجمعه سبل الخير، سبل الشر. السبيل عام وفيه معني السعة وكما قال الزمخشري سمي الصراط لأنه يسرط السالكين ويبلعهم، كم يسلكون الصراط يبلعهم. أصلها سراط بالسين من سرط ولكن أيضاً تقال صراط بالصاد لكن أصل الكلمة بالسين (سراط) وقد تكتب بحسب اللفظ. أصلها من سرط أي ابتلع لأنه يبتلع السالكين صراط يربطونها بستريت (straight) مستقيم وستريت (street)بالإنجليزية. اللغة العربية هي أقدم اللغات الموجودة المستعملة وليس هناك لغة أقدم منها وهناك بعض اللغات التي اندثرت.
توجيهات الايات
(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)[اﻷنعام : 152]▪▫ووجه تخصيص حق اليتيم في ماله بالحفظ:
▫أن ذلك الحق مظنة الاعتداء عليه من الولي،،،
▪وهو مظنة انعدام المدافع عنه.
التحرير والتنوير—————
(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [سورة اﻷنعام : 152]
⤴ فمن حرص على الإيفاء في الكيل والوزن،،،
↩ ثم حصل منه تقصير لم يُفَرِّط فيه ولم يعلمه؛ فإن الله عفو غفور.تفسير السعدي
(ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ 154)أي تماماً لإحسان المحسنين من بنِي إسرائيل فكانت التّوراة مكمّلة لصلاحهم ، ومزيلة لما اعتراهم من الفساد.
ابن عاشور—————
-علاقة المقطع بسابقه:
ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا …
ابتدأت بحرف العطف ثم والمعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ، ثم أتل ما آتينا موسى تماما .القرطبي
(أَن تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَىٰ طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ)(156)
أنزلنا إليكم هذا الكتاب المبارك قطعا لحجتكم، وخشية أن تقولوا لَمْ تنزل علينا كتابا، والكتب التي أنزلتها على الطائفتين ليس لنا بها علم ولا معرفة، فأنزلنا كتابا لم ينزل من السماء كتاب أجمع ولا أوضح ولا أبين منه.
السعدي
————————————–
الوجه (23) من الانعام
الوجه الاخير
من ايه (158↔165)
ص150
تفسير مبسط للوجه الاخير
• الآية 158: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ ﴾: يعني هل ينتظر هؤلاء المُعرضون ﴿ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ – وهم مَلَكُ الموت وأعوانه لقبض أرواحهم -، ﴿ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ﴾ عَزّ وَجَلّ يومَ القيامةِ لِيَفصِلَ بينهم بالقضاءِ العادل – إتيَاناً حقيقيٌّاً بذاتِهِ، على الوجهِ اللائق به سُبحانه -، وليس كما يقول البعضُ بأنه يأتي أمرُهُ فقط، ففي صحيح مُسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال – وهو يتحدث عن يوم القيامة -: (حتى إِذا لم يَبقَ إِلا مَن كان يَعبُدُ اللهَ تعالى مِن بَرٍّ وفاجر: أَتاهُمْ رَبُّ العالمين سبحانهُ وتعالى في أدنَى صورةٍ مِن التي رأوهُ فيها،…)، ﴿ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ ﴾: يعني أو هل ينتظرون أن تأتي بعض أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على مجيئها، وهي طلوع الشمس من مغربها؟ ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ ﴾: يعني فحين تطلع الشمس من مغربها: ﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ﴾: أي لا يَنفعُ نفساً أن تؤمن بعد ظهور هذه العلامة، طالما أنها لم تكن آمنتْ قبل ذلك، ﴿ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ﴾: يعني وإن كانت مؤمنة: فلا يُقبل منها كَسْب عمل صالح في تلك اللحظة، طالما أنها لم تكن عاملة به قبل ظهور هذه العلامة، لأن باب التوبة يكونُ مفتوحاً إلى هذا اليوم (وهو يوم طلوع الشمس من مغربها)، ثم بعد ذلك يُغلَق، قال النبي صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح البخاري -: (لا تقومُ الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس: آمَنَ مَن عليها، فذلك حين لا ينفعُ نفساً إيمانُها لم تكن آمنتْ من قبل).
- وذلك لأنه إذا وُجِدَت تلك العلامات: صار الأمرُ يَقينيَّاً، ولم يَبق للإيمان فائدة، لأنه أصبح إيماناً اضطرارياً لا اختيارياً، كإيمان الغريق والحريق ونحوهما، مِمَّن إذا رأى الموت، أقلَعَ عما هو فيه.
﴿ قُلِ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ انْتَظِرُوا ﴾ مجيء ذلك اليوم، لتعلموا مَن مِنَّا على الحق ومَن على الباطل، فـ ﴿ إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾ ذلك اليوم، وعلى يقينٍ بمجيئه.
- الآية 159: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ﴾: أي جعلوا دينهم مَذاهب تُعادي بعضها بعضاً، وذلك بعد أن كانوا مجتمعين على توحيد الله والعمل بشرعه، ﴿ وَكَانُوا شِيَعًا ﴾: أي فأصبحوا فرقاً وأحزاباً، إنك أيها الرسول ﴿ لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾، بل أنت بريءٌ منهم، و ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾، ثم يُجازي كُلاًّ بما عمل.
- الآية 161: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾: أي إنني أرشدني ربي إلى الطريق القويم المُوصِل إلى جنته، وهو دين الإسلام، فهداني ﴿ دِينًا قِيَمًا ﴾: أي ديناً معتدلاً لا عِوَجَ فيه، قائماً بأمر الدنيا والآخرة، ثم زادَهُ مَدحًا بقوله: ﴿ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ مُذَكِّرًا لهم – لِتقليدهم الآباء- بأنه دين أبيهم الأعظم إبراهيم الذي كان ﴿ حَنِيفًا ﴾: أي مائلاً عن الباطل إلى الحق، ﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ مع الله غيره.
- الآية 162، والآية 163: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ﴾: أي وما أذبحه تقرُّباً إلى ربي، ﴿ وَمَحْيَايَ ﴾: أي وما أفعله في حياتي من طاعات، ﴿ وَمَمَاتِي ﴾: أي وما أُوصِي به لِيُفعَل بعد وفاتي، كل ذلك أجعله خالصاً ﴿ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ الذي ﴿ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴾ في ألُوهِيَّتِه ولا في رُبُوبيَّته ولا في صفاته وأسمائه، ﴿ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ ﴾: أي وبذلك التوحيد الخالص أمرني ربي جَلّ وعَلا، ﴿ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾: يعني وأنا أول مَن أسلَمَ وخضع وانقادَ لأوامر اللهِ تعالى مِن هذه الأمة.
- واعلم أن الله تعالى قد اختص الصلاة والذبح بالذِكر دونَ سائر العبادات، لِشَرَف هاتين العبادتين وفَضلِهما، ودَلالتهما على محبة الله تعالى، وإخلاص الدين له، والتقرب إليه بالقلب واللسان والجوارح، وبالذبح الذي هو بَذْل ما تحبه النفس من المال، لِمَا هو أحَبّ إليها وهو الله تعالى.
- الآية 164: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾: يعني أغيرَ الله أطلب رباً إلهاً معبوداً أعبده، وهو خالقُ كل شيء ومالِكُه ومُدَبِّرُه؟، ﴿ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ﴾: يعني واعلموا أنه لا تكسب نفسٌ مِن خيرٍ إلا وهو لها، ولا تكسب مِن شَرّ إلا وهو عليها، ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾: أي ولا تحمل نفسٌ إثمَ نفسٍ أخرى، إلا إذا كانت سبباً في إضلالها (ولم تَتُب عن ذلك الإضلال)، ﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ من أمر الدين.
- الآية 165: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ﴾: يعني والله سبحانه هو الذي جعلكم تَخْلُفون مَن سَبقكم في الأرض بعد أن أهلكهم، وذلك لتعمروها بطاعة ربكم، ﴿ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ ﴾ في الرزق والقوة ﴿ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾ ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ ﴾: أي لِيَبْلُوَكُمْ فيما أعطاكم مِن نِعَمِه، فيَظهر للناس الشاكرُ مِن غيره، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ ﴾ لِمَن كَفر به وعصاه ولم يَتُب، ﴿ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ ﴾ لِمَن شَكَره، وعمل صالحا وتاب من المعاصى(رحيم)به
لمسات بيانيه
آية (158):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا (158)) بدأت الآية باستفهام إنكاري من تريث المشركين بالإيمان ثمَ عرضت لهم ما ينتظرون ولكن التهديد اقتصر على تحقيق إثبات آيات الله وحدها(يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ) ولم تتعرض الآية لمجيء الملائكة مثلاً فهل من سبب في تخصيص مجيء الآيات دون غيرها مما ذكر في الآية؟ نعم لقد اقتصرت على ما يأتي من آيات الله في اليوم المؤجِل له ولم تتعرض لما يكون يوم تأتي الملائكة أو يأتي ربك لأن إتيان الملائكة والرب غير محتمل الوقوع ولم يعهد لهم ذلك حتى يهابوه أما نزول آيات العذاب فقد سمعوا عنها الكثير مما سبق ومنهم من رأى ذلك عياناً فهذا التهديد له من الموعظة والتحذير في نفوسهم الشيء الكثير.
لمسات بيانيه
آية (159):
*(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ (159) الأنعام) هل الشيع من نفس الملة أو من ملل ثانية؟(د.فاضل السامرائى)
يقولون هذه نزلت في اليهود والنصارى الذين بدلوا دينهم وجعلوه أقساماً هذا الأصل. لست منهم في شيء تنطبق حتى لو كان بين المسلمين يكون نفس الحكم. (لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي أنت بريء منهم لا تبحث عنهم ولا يعنيك أمرهم لست منهم في شيء مفارقة تامة. معنى شيعاً يعني أقسام يجعلون الدين أقساماً أقساماً يتمسكون ببعض ويتركون بعضاً
لمسات بيانيه
ما دلالة استخدام كلمتى الرب ولفظ الجلالة الله؟(د.فاضل السامرائى)
الفرق بين الله والرب معروف: الله لفظ الجلالة إسم العلم مشتق من الإله كما يقال والرب هو المربي والموجه والمرشد لكن سبب الإختيار في الآية (لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً) لو شاء ربنا دعوة الخلق وهدايتهم لأنزل ملائكة لأن الرسل دعوهم إلى عبادة الله (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ) قالوا (لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً) لو شاء هداية الخلق ودعوتهم كان أنزل ملائكة والرب هو الهادي والموجه والمرشد لذلك أنسب أن يقول ربنا ولذلك كثيراً ما يقترن الرب بالهداية (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (161) الأنعام) (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) الشعراء) كثيراً ما يقترن بالهداية، الله سبحانه وتعالى كل شيء بيده (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء (56) القصص) لو شاء ربنا دعوة الخلق وهدايتهم فالمناسب مع الهداية الرب لأنه الهادي والمرشد والمربي، العبادة أقرب شيء لله (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ) والرب تستعمل لغير الله وهي غير خاصة بالله فنقول مثلاً رب البيت، حتى في سورة يوسف (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ (23) يوسف) (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ (42) يوسف) لأن الرب هو القيم والمرشد والموجه فأنسب مع إنزال الملائكة وجعونة الخلق وهدايتهم كلمة الرب.
لمسات بيانيه
(مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا (160)) لِمَ عدل الأسلوب الإخباري إلى أسلوب النفي؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
انظر إلى بيان ما أكرم الله تعالى به هذه الأمة وانظر كم خفف عنا من الإصر والمشاق فقد قال تعالى (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) وهذا السياق يناسبه (ومن جاء بالسيئة فيجزى مثلها) فلِمَ عدل الأسلوب الإخباري إلى أسلوب النفي (وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا)؟ هذا من باب إظهار العدل الإلهي فينا فالحسنة تضاعف كرماً وجوداً والسيئة لا تجزى إلا مثلها.
لمسات بيانيه
آية (164):
* آية تتكرر كثيراً (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) الأنعام) مرة تأتي بإضافة يحكم بينكم ومرة يعملون (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7) الزمر)؟ وما الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى)
لم يقل مرة يحكم فيما كانوا يعملون فقط ذكر الاختلاف قال (فيما هم يختلفون) فقط لم يذكر شيئاً آخر لم يقل يعملون ولا يصدفون وإنما قال يختلفون إذن الشق الأول من السؤال غير صحيح.
نأتي للفرق بين الحكم والفصل، الحكم القضاء والفصل أشد لأنه يكون بَوْن أحدهما، أن يكون بينهما فاصل حاجز إذن الفصل أشد فإذن لما يقول في القرآن يفصل بينهم تكون المسافة أبعد كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار أما الحكم فلا وقد يكون في ملة واحدة، نضرب أمثلة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هؤلاء يذهبون معاً إلى جهة واحدة اليهود والنصارى كلاهما ليس أحدهما إلى الجنة والآخر إلى النار فليس فيه فصل. (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) اختلاف في ملة واحدة وهم اليهود، وكلهم يذهبون معاً إلى جهة واحدة مع بعض. (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) كلهم يذهبون إلى جهة واحدة. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج) هؤلاء لا يذهبون إلى جهة واحدة فهم فئات مختلفة إذن يفصل. الفصل يتضمن الحكم حكم وفصل فيكون أشد. ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) قالوا الفصل بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والمشركين. فإذن الفصل حكم لكن فيه بَوْن كل جهة تذهب إلى مكان لذا قال في سورة ص (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ (22)) هذا حكم قضاء.
****تناسب فاتحة الأنعام مع خاتمتها****
سورة الأنعام بدأت بقوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1))وقال في الخاتمة (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)) هل أعدِل بغير الله؟ (بربهم يعدلون) يعدلون أي يميلون إلى غيره فيعبدون غيره، عدل عن الطريق أي مال عنه، يعدلون يجعلون له عِدْل فيتركونه ويتولون إلى غيره، يقال عَدَل عن هذا. في البداية قال (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) وفي الختام (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا) هل أعدل به؟ هؤلاء عدلوا به فهل أعدل به وهو رب كل شيء؟ الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور هو رب كل شيء. إذن في بدياتها قال (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أما هو فلا يعدل بربه أحداً وهو رب كل شيء فالمذكور في بداية السورة مناسب لخواتيمها، ذكر الذين كفروا بربهم يعدلون أما هو فلا يبغي رباً غيره فهو رب كل شيء كأنه رد على الكفار وحتى لو جاءت هذه الآية بعد الأولى تكون متناسبة ويكون فيها تناسب.
-توجيهات الآيات من الآية(158) إلى الآية(165) من سورة الأنعام:
من رحمة الله مضاعفة الحسنات، وعدم مضاعفة السيئات،(مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).لا تُسَوِّف التوبة والأعمال الصالحة؛ فقد يأتي عليك وقتٌ لا ينفعك هذا التسويف،
( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا).اجعل ذبحك لله وحده -سبحانه وتعالى- مخالفاً للمشركين في ذلك،(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).على الداعية أن يُنَوِّع أساليبه في الدعوة، فمرةً يرهب الناس من عذاب الله وعقابه، ومرةً يرغبهم فيما عنده من النعيم والرضوان المقيم، ومرة يجمع بينهما،
(إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ).