لمسات و متشابهات و أسباب النزول لسورة النمل

لست أنا من أعد هذا المحتوي، أنا أنشره فقط، جزي الله كل خير لمن أعتده

المصادر:

التفسير السعدي

أسباب النزول للنيسابوري

لمسات بيانية لفاضل السمارائي

متشابهات للكسائي

كتاب نظم الدررلتناسب الايات و السور

الصفحة الأولي

الصفحة الثانية

الصفحة الثالثة

الصفحة الرابعة

الصفحة الخامسة

الصفحة السادسة

الصفحة السابعة

الصفحة الأخيرة

سورة النمل

?التعريف بالسورة :
1) مكية .
2) من المثاني
3) عدد آياتها .93
4) ترتيبها السابعة والعشرون
5) نزلت بعد سورة ” الشعراء ” 6) بدأت بأحد حروف الهجاء ” طس ” ،السورة بها سجدة في الآية 24 ، ذكرت السورة قصة سيدنا سليمان وبلقيس ملكة سبأ ، ذكرت فيها البسملة مرتين في السورة .

محور مواضيع السورة

?سورة النمل من السور المكية التي تهتم بالحديث عن أصول العقيدة التوحيد والرسالة والبعث وهي إحدى سور ثلاث نزلت متتالية وضعت في المصحف متتالية وهي الشعراء والنمل والقصص ويكاد يكون منهاجها واحدا في سلوك مسلك العظة والعبرة عن طريق قصص الغابرين
?مقصد السورة:- ليس التدين عبادات وشعائر فقط؛ بل أيضًا السيطرة على عناصر التفوق الحضاري وامتلاك العلم والإدارة والقوة المادية وتوظيفها لنصرة الإسلام.

سبب نزول السورة وتسميتها:-
?عن سفيان الثوري في قوله ” وَسلاَمٌ عَلى عِبَادِهِ الذين اصْطَفَى ” قال : نزلت في أصحاب محمد خاصة

?سميت  بهذا الأسم
لورود قصة النمل مع سيدنا سليمان عليه السلام

تناسب خواتيم الشعراء مع فواتح النمل

في آخر الشعراء ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)) استثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً ثم هدد الذين ظلموا (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ). وقال في أول النمل ذكر المؤمنين {تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)} ذكر هناك الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وذكر القرآن الذي هو رأس الذكر إذن وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة يوقنون هذا العمل الصالح فهناك أجمل العمل الصالح وهنا فصّل يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وذكر الاعتقاد. هو هدد غير المؤمنين في النمل والشعراء، قال في الشعراء (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) وقال في النمل (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)) كأنما الآيتان متتاليتان فهي مرتبطة من أوجه مختلفة.

معاني كلمات الوجه اﻷول من سورة النمل

*هدًى:- هادٍ من الضّلالة

*فهم يعمهون:- عمون عن الرّشد أو يتحيّرون

*آنستُ نارًا:- أبصرتها إبصارا بيـّــنا

*بشهاب قبس:- بشُعلة نار ساطعة مقبوسة من أصلها

*تصطلون:- تستدفئون بها من البرد

*بُورك:- قدّس وطُهّرَ وزيد خيرا

من في النار ومن حولها:- الذين في ذلك الوادي الذي بدا فيه النور وهم موسى والملائكة

*تهتزّ:- تتحرّك بشدة واضطراب

*كأنّها جانّ:- حيّة خفيفة في سرعة حركتها

*لم يُعقّب:- لم يرجع على عقِبه أو لم يلتفت

*في جيبك:- فتحة القميص حيث يُدخل الرّأس

*بيضاء:- نيّرة يغلب نورها نور الشمس

*غير سوء:- غير داء برص ونحوه

*مبصرة:- واضحة بيّـنة هادية

تفسير الايات

” طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين ”
ينبه تعالى عباده على عظمة القرآن ويشير إليه إشارة دالة على التعظيم فقال: ” تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ ” أي هي أعلى الآيات, وأقوى البينات, وأوضح الدلالات وأبينها على أجل المطالب وأفضل المقاصد وخير الأعمال وأزكى الأخلاق.
آيات تدل على الأخبار الصادقة والأوامر الحسنة والنهي عن كل عمل وخيم وخلق ذميم.
آيات بلغت في وضوحها وبيانها للبصائر النيرة مبلغ الشمس للأبصار. آيات دلت على الإيمان ودعت للوصول إلى الإيمان وأخبرت عن الغيوب الماضية والمستقبلة طبق ما كان ويكون.
آيات دعت إلى معرفة الرب العظيم, بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الكاملة.
آيات عرفتنا برسله وأوليائه ووصفتهم حتى كأننا ننظر إليهم بأبصارنا. ولكن مع هذا لم ينتفع بها كثير من العالمين, ولم يهتد بها جميع المعاندين صونا لها, عن من لا خير فيه ولا صلاح ولا زكاء في قلبه. وإنما اهتدى بها من خصهم الله بالإيمان واستنارت بذلك قلوبهم وصفت سرائرهم.

فلهذا قال: ” هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ” أي: تهديهم إلى سلوك الصراط المستقيم وتبين لهم, ما ينبغي أن يسلكوه أو يتركوه. وتبشرهم بثواب الله المرتب على الهداية لهذا الطريق. ربما قيل: لعله يكثر مدعو الإيمان فهل يقبل من كل أحد ادعى أنه مؤمن ذلك؟ أم لا بد لذلك من دليل؟ وهو الحق, فلذلك بين تعالى صفة المؤمنين فقال:

” الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ” فرضها, ونفلها, فيأتون بأفعالها الظاهرة, من أركانها, وشروطها وواجباتها ومستحباتها. وأفعالها الباطنة, وهو: الخشوع الذي روحها ولبها, باستحضار قرب الله, وتدبر ما يقوله المصلي ويفعله. ” وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ” المفروضة لمستحقيها.
” وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ” أي: قد بلغ معهم الإيمان إلى أن وصل إلى درجة اليقين, وهو: العلم التام, والواصل إلى القلب, الداعي إلى العمل. ويقينهم بالآخرة, يقتضي كمال سعيهم لها, وحذرهم من أسباب العذاب وموجبات العقاب, وهذا أصل كل خير.

” إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ” ويكذبون بها, ويكذبون من جاء بإثباتها. ” زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ” حائرين مترددين, مؤثرين سخط الله على رضاه. قد انقلبت عليهم الحقائق, فرأوا الباطل حقا, والحق باطلا.

” أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ ” أي: أشده, وأسوأه, وأعظمه. ” وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ” حصر الخسار فيهم, بكونهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة, وخسروا الإيمان الذي دعتهم إليه الرسل.

” وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ” أي: وإن هذا القرآن الذي ينزل عليك, وتتلقه, ينزل من عند ” حَكِيمٌ ” يضع الأشياء مواضعها, وينزلها منازلها. ” عَلِيمٌ ” بأسرار الأحوال, وبواطنها كظواهرها.
وإذا كان من عند ” حَكِيمٌ عَلِيمٌ ” علم كله حكمة ومصالح للعباد, من الذي هو أعلم بمصالحهم منهم؟

” إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ” إلى آخر قصته.
يعني: اذكر هذه الحالة الفاضلة الشريفة من أحوال موسى بن عمران, وابتداء الوحي إليه واصطفاءه برسالته, وتكليم الله إياه. وذلك أنه لما مكث في مدين عدة سنين, وسار بأهله من مدين, متوجها إلى مصر.
فلما كان في أثناء الطريق, ضل, وكان في ليلة مظلمة باردة, فقال لهم: ” إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ” أي: أبصرت نارا من بعيد ” سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ ” عن الطريق. ” أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ” أي: تستدفئون.
وهذا دليل على أنه تائه, ومشتد برده, هو أهله.

” فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ” أي: ناداه الله تعالى وأخبره, أن هذا محل مقدس مبارك. ومن بركته, أن جعله الله موضعا لتكليم الله لموسى وإرساله.
” وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” على أن يظن به نقص أو سوء بل هو الكامل في وصفه وفعله.

” يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” أي: أخبره الله أنه الله المستحق للعبادة, وحده لا شريك له, كما في الآية الأخرى ” إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ” ” الْعَزِيزُ ” الذي قهر جميع الأشياء, وأذعنت له كل المخلوقات. ” الْحَكِيمُ ” في أمره وخلقه. ومن حكمته, أن أرسل عبده, موسى بن عمران, الذي علم الله منه, أنه أهل لرسالته ووحيه وتكليمه ومن عزته, أن تعتمد عليه, ولا تستوحش من انفرادك, وكثرة أعدائك, وجبروتهم. فإن نواصيهم, بيد الله, وحركاتهم وسكونهم, بتدبيره.

” وَأَلْقِ عَصَاكَ ” فألقاها ” فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ” وهو ذكر الحيات, سريع الحركة.
” وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ” ذعرا من الحية, التي رأى على مقتضى الطبائع البشرية.
فقال الله له: ” يَا مُوسَى لَا تَخَفْ ” وقال في الآية الأخرى ” أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ” . ” إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ” لأن جميع المخاوف مندرجة في قضائه وقدره, وتصريفه, وأمره.
فالذين اختصهم الله برسالته, واصطفاهم, لوحيه, لا ينبغي لهم أن يخافوا غير الله, خصوصا عند زيادة القرب منه, والحظوة بتكليمه.

” إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ” أي: فهذا الذي هو محل الخوف والوحشة بسبب ما أسدى من الظلم, وما تقدم له من الجرم. وأما المرسلون, فما لهم وللوحشة, والخوف؟ ومع هذا, من ظلم نفسه بمعاصي الله, وتاب وأناب, فبدل سيئاته حسنات, ومعاصيه طاعات, فإن الله غفور رحيم. فلا ييأس أحد من رحمته ومغفرته فإنه يغفر الذنوب جميعا وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.

” وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ” لا برص ولا نقص, بل بياض يبهر الناظرين شعاعه. ” فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ” أي: هاتان الآيتان, انقلاب العصا حية تسعى, وإخراج اليد من الجيب, فتخرج بيضاء في جملة تسع آيات, تذهب بها, وتدعو فرعون وقومه ” إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ” . فسقوا بشركهم, وعتوهم, وعلوهم على عباد الله, واستكبارهم في الأرض بغير الحق. فذهب موسى عليه السلام إلى فرعون وملأه, ودعاهم إلى الله تعالى وأراهم الآيات.

” فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً ” مضيئة تدل على الحق ويبصر بها كما تبصر الأبصار بالشمس.
” قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ” لم يكفهم مجرد القول بأنه سحر, بل قالوا: ” مبين ” ظاهر لكل أحد. وهذا من أعجب العجائب الآيات المبصرات والأنوار الساطعات تجعل من بين الخزعبلات وأظهر السحر.
هل هذا إلا من أعظم المكابرة

لمسات بيانية

طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)) إن التقديم والتأخير في القرآن يقف وراءه سِرٌ عظيم لا يدركه إلا المتبصرون. ففي هذه الآية قدّم ربنا إسم القرآن على إسم الكتاب بينما الأمر نراه مختلفاً في سورة الحجر حيث قال ربنا (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ (1)) فلِمَ قدّم البيان الإلهي كلمة القرآن هنا على كلمة (كِتَابٍ مُّبِينٍ) خلافاً للحجر؟ قدّم ربنا في هذه الآية القرآن وعطف عليه (وَكِتَابٍ مُّبِينٍ) على عكس ما في طالعة سورة الحجر لأن المقام في سورة النمل مقام التنويه بالقرآن ومتّبعيه. ولذلك وُصِف بأنه (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي بأنهم على هدىً في الحال ومبشَّرون بحسن الاستقبال فكان الأهم هنا للوحي المشتمل على الآيات هو استحضاره بإسم العلم المنقول من مصدر القرآءة. لأن القرآءة تناسب حال المؤمنين به والمتقبلين لآياته فهم يدرسونها. وأما ما في أول سورة الحجر فهو مقام التحسير للكافرين من جراء إعراضهم عن الإسلام. فناسب الابتداء بإسم الكتاب المشتق من الكتابة دون القرآن لأنهم بمعزلٍ عن قرآءته ولكنه مكتوب وهو حُجّة باقية عليهم على مرّ الزمان فهو كتاب متداول بين الأيدي.

لمسات بيانية

(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)) انظر إلى هذا القصر في الخسارة على المشركين في قوله (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ). أليس من المكن حذف الضمير (هم) من حيث الظاهر “وهم في الآخرة الأخسرون”؟ فلِمَ إذن أُتي بالضمير (هم) مكرراً (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ)؟ في هذا التكرار للضمير (هم) إشارة إلى قصر الخسارة على من أشرك بالله دون غيرهم. ولتأكيد هذا الخسران عليهم وحدهم جاء التعبير عن خسرانهم بإسم التفضيل (هُمُ الْأَخْسَرُونَ)دون “هم الخاسرون” للدلالة على أنهم مفردون في خسرتم لا يشبهه خسران غيرهم لأن الخسران في الآخرة متفاوت المقدار والمدة وأعظمه فيهما خسران المشركين.

لمسات بيانية

(إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)) إن الحرف المشبه (إنّ) يدخل على الجملة الإسمية لتأكيد مضمونها وإزالة الشك الذي يخامر نفوس المخاطبين. فلِمَ أتى موسى عليه السلام بالحرف (إنّ) عندما أخبر زوجه برؤيته للنار(إِنِّي آنَسْتُ نَارًا) ولم يكتفِ بالقول “آنست ناراً”؟ أتى موسى عليه السلام بالحرف المشبه بالفعل (إنّ) لأن النار التي حدّث عنها أهله لم تظهر إلا له دون غيره من أهله لأنه لم تكن ناراً معتادة بل كانت أنواراً من عالم الملكوت جلاّها الله تعالى لموسى فلم يرها غيره. ولذلك أكّد هذا الخبر بالحرف (إنّ) للإشارة إلى أن زوجه ترددت في ظهور نار لأنها لم ترها.

انفرادات سورة النمل
( موضع وحيد )

?{فَلَمَّا جاءَها (8)}?
وسائر القرآن:
*{فَلَمَّا أَتاها} وردت مرتين: طه/ 11، القصص/ 30.

?{إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ (12)}
وسائر القرآن:
*{وَمَلَائِه} وردت ست مرات: الأعراف/ 103، يونس/ 75، هود/ 97، المؤمنون/ 46، القصص/ 32، الزخرف/ 46.

 ⭕متشابهات⭕

{تِلْكَ ءَايَاتُ الْقُرْءَانِ وَكِتَابٍ مُبِين} (النمل 1)

◀{تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْءَانٍ مُبِين} ( الحجر 1 )

◀{تِلْكَ ءِايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين} (القصص 2 , الشعراء 2 , يوسف 1)

◀{تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيم} (يونس 1 , لقمان 2)

◀{تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَاب} (الرعد 1)

}الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُون} (لقمان 4 , النمل 3)

{إنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ } (النمل 4 , النجم 27)

{إذْ قَالَ لأهْلِهِ إنِّى ءَانَسْتُ نَارًا سَئَاتِيكُم مِنْهَا بِخَبَرٍ أوْ ءَاتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُون} (النمل 7)

◀{قَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إنِّى ءَانَسْتُ نَارًا لَعَلِّى ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُون} (القصص 29)

◀{فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إنِّى ءَانَسْتُ نَارًا لَعَلِّى ءَاتِيكُم مِنْهَا بِقَبَسٍ أوْ أجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} ( طه 10)

{فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِىَ} (النمل8)
◀ { فَلَمَّا أتَاهَا نُودِىَ}
(القصص 30 , طه 11)

{وَألْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأنَّهَا جَآنٌّ وَلَى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى لا تَخَفْ إنِّى لا يَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُون} (النمل10)

◀{وَأنْ ألْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأنَّهَا جَآنٌّ وَلَى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أقْبِلْ وَلا تَخَفْ إنَّكَ مِنَ الآمِنِين} (القصص31)

{وَأدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} (النمل12)

◀{اسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} (القصص32)

◀{وَاضْمُمْ يَدَكَ إلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} (طه 22)

{إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِين} (النمل 12, الذاريات 46)

وقفات تدبرية

 1-{تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)}
?كتاب الله واضح للنفوس الواضحة التي ليس بها عوج  فصفاء آياته تستقبلها صفاء نفوسهم وتتشربها بصدق

2-{هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}
?من أراد الهداية الحق فلا يذهب ذات اليمين ولا ذات الشمال فبين يديه كتاب ان اقبل عليها قبلت عليه الهداية

3-{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)}
?الصلاة ليس معناها سجود و ركوع بل لها معنى أكبر من ذلك ..الصلاة معناها انك خاضع لأمر الله و لا أحد سواه

4-{إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ -زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)}
?النفس التي تنغمس بالنقائص لن تكون لها رؤيا او ميزان يحدد أنها تجاوزت حدها فكل الأمور بنظرها سواء!

5-{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)}
?تكرر ذكر القرآن في سورة النمل لكونه أعظم نعمة على النبي ﷺ {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم} {إن هذا القرآن…} {وأن أتلوا القرآن}
وكفى بالقرآن منهجا للحياة وهاديا لكل خير وسعادة أنه من لدن حكيم عليم فهل بعد هذا نرغب عنه ؟

6-{إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)}
?الاهل هم الأب و الأم  والأخوة والأخوات فالقرآن لم يجعل المرأة كائن مهمش بل له ثقله في حفظ توازن الرجل النفسي
?لعلكم (تصطلون)” أدرك موسى معاناة أهله من البرد فانطلق يلتمس لهم الدفء فخلد القرآن نيته ساهم بتدفئة شعب يعضه الشتاء
?( لعلكم تصطلون ) ولم يقل نصطلي….مشوار في الظلام لأجل أهله …أعطاه الله فيض التكليم…أبرك الخطوات خطواتنا من أجل الآخرين

7-{..وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)}
?في انفسنا وفي هذ الكون مما يجعلك تقف متعجبا من قدرة الخالق فيجعل لسانك يلهج ﻻ شعوريا ” بسبحان الله “

8-﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا﴾
?يخفق منها فؤادك وتسمو روحك ويخشع جنانك وترتعش لها أطرافك وتسح عينك الدمع السخين فيلهج لسانك لبيك يا الله”

9-﴿يَا مُوسَى لَا تَخَفْ﴾
?هو شعور ﻻ يعادله شعور ، يبث في نفسك الامان ؛أن هنالك قوة ﻻ تقهر تحمي ، تدافع عنك ، تسند ظهرك ، فمن سينال منك
——————————————–

معاني كلمات الوجه الثاني

*عُلوّا:- ترفّعا واستكبارا عن الإيمان بها

*منطِق الطّير:- فهم أغراضه كلّها من أصواته

*فهم يوزعون:- يوقف أوائلهم لتحقهم أواخرهم

*لا يحطمنّكم:- لا يكسرنّكم ويُهلِكنّكم

*أوزعني:- ألهمني وحرّضني واجعلني

*بسلطانٍ مبين:- بحجّة تبيّن عُذره في غيبته

تفسير اﻷيات

” وَجَحَدُوا بِهَا ” أي كفروا بآيات الله جاحدين لها. “وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ” أي: ليس جحدهم, مستندا إلى الشك والريب. وإنما جحدهم مع علمهم وتيقنهم بصحتها ” ظُلْمًا ” منهم لحق ربهم ولأنفسهم. “وَعُلُوًّا ” على الحق وعلى العباد, وعلى الانقياد للرسل.” فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ” أسوأ عاقبة دمرهم الله وأغرقهم في البحر, وأخزاهم, وأورث مساكنهم المستضعفين من عباده.

يذكر في هذا القرآن, وينوه بمنته على داود وسليمان ابنه, بالعلم الواسع الكثير, بدليل التنكير, كما قال تعالى: ” وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ” الآية. ” وَقَالَا ” شاكرين لربهما منته, الكبرى بتعليمهما: ” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ “. فحمدا الله على جعلهما من المؤمنين, أهل السعادة, وأنهما كانا من خواصهم. ولا شك أن المؤمنين أربع درجات: الصالحون, ثم فوقهم: الشهداء, ثم فوقهم: الصديقون, ثم فوقهم: الأنبياء.
وداود وسليمان, من خواص الرسل, وإن كانا دون درجة أولي العزم الخمسة. لكنهما من جملة الرسل الفضلاء الكرام, الذين نوه الله بذكرهم, ومدحهم في كتابه مدحا عظيما فحمدا الله على بلوغ هذه المنزلة. وهذا عنوان سعادة العبد أن يكون شاكرا لله على نعمه الدينية والدنيوية وأن يرى جميع النعم من ربه. فلا يفخر بها ولا يعجب بها بل يرى أنها تستحق عليه شكرا كثيرا. فلما مدحهما مشتركين خص سليمان بما خصه به لكون الله أعطاه ملكا عظيما وصار له من المجريات ما لم يكن لأبيه, صلى الله عليهما وسلم, فقال:

“وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ” أي: ورث علمه ونبوته فانضم علم أبيه إلى علمه فلعله تعلم من أبيه ما عنده, من العلم, مع ما كان عليه من العلم وقت أبيه, كما تقدم من قوله ففهمناها سليمان. وقال شكرا لله, وتبجحا بإحسانه وتحدثا بنعمته: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ” .
فكان عليه الصلاة والسلام, يفقه ما تقول, وتتكلم به, كما راجع الهدهد, وراجعه, وكما فهم قول الله للنمل, كما يأتي, وهذا, لم يكن لأحد غير سليمان عليه السلام. ” وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ” أي: أعطانا الله من النعم, ومن أسباب الملك, ومن السلطنة والقهر, ما لم يؤت أحدا من الآدميين. ولهذا دعا ربه فقال: ” رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ” فسخر الله له الشياطين, يعملون له كل ما شاء من الأعمال, التي يعجز عنها غيرهم وسخر له الريح, غدوها شهر ورواحها شهر.
” إِنَّ هَذَا ” الذي أعطانا الله, وفضلنا, واختصنا به ” لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ” الواضح الجلي, فاعترف أكمل اعتراف بنعمة الله تعالى.

“وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ” أي: جمع له جنوده الكثيرة, الهائلة, المتنوعة, من بني آدم, ومن الجن, والشياطين, ومن الطيور فهم يوزعون, يدبرون, ويرد أولهم على آخرهم, وينظمون غاية التنظيم, في سيرهم ونزولهم, وحلهم, وترحالهم قد استعد لذلك, وأعد له عدته. وكل هذه الجنود مؤتمرة بأمره لا تقدر على عصيانه ولا تتمرد عليه كما قال تعالى: ” هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ ” أي: أعط بغير حساب.
فسار بهذه الجنود الضخمة في بعض أسفاره.

“حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ ” منبهة لرفقتها, وبني جنسها: ” يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ “. فنصحت هذه النملة, وأسمعت النمل إما بنفسها ويكون الله قد أعطى النمل أسماعا خارقة للعادة لأن التنبيه للنمل الذي قد ملأ الوادي بصوت نملة واحدة من أعجب العجائب. وإما بأنها أخبرت من حولها من النمل ثم سرى الخبر من بعضهن لبعض, حتى بلغ الجميع وأمرتهن بالحذر والطريق في ذلك وهو دخول مساكنهن.
وعرفت حالة سليمان وجنوده وعظمة سلطانه واعتذرت عنهم أنهم إن حطموكم فليس عن قصد منهم ولا شعور . فسمع سليمان عليه الصلاة والسلام قولها وفهمه.

” فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا ” إعجابا منه بنصح أمتها ونصحها وحسن تعبيرها. وهذا حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, الأدب الكامل والتعجب في موضعه وأن لا يبلغ بهم الضحك, إلا إلى التبسم. كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم, جل ضحكه التبسم . فإن القهقهة تدل على خفة العقل وسوء الأدب. وعدم التبسم والعجب مما يتعجب منه, يدل على شراسة الخلق والجبروت. والرسل منزهون عن ذلك. وقال شاكرا لله, الذي أوصله إلى هذه الحال: ” رَبِّ أَوْزِعْنِي ” أي: ألهمني ووفقني ” أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ “. فإن النعمة عل الوالدين, نعمة على الولد.
فسأل ربه, التوفيق للقيام بشكر نعمته, الدينية, والدنيوية, عليه وعلى والديه. ” وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ” أي: ووفقني أن أعمل صالحا ترضاه, لكونه موافقا لأمرك مخلصا فيه, سالما من المفسدات والمنقصات. ” وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ ” التي منها الجنة ” فِي ” جملة ” عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ” . فإن الرحمة مجعولة للصالحين, على اختلاف درجاتهم ومنازلهم . فهذا نموذج ذكره الله من حالة سليمان, عند سماعه خطاب النملة ونداءها.

ثم ذكر نموذجا آخر من مخاطبته للطير فقال: ” وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ” دل هذا, على كمال عزمه وحزمه, وحسن تنظيمه لجنوده, وتدبيره بنفسه, للأمور الصغار والكبار . حتى إنه لم يهمل هذا الأمر, وهو: تفقد الطيور, والنظر, هل هي موجودة كلها, أم مفقود منها شيء؟ وهذا هو المعنى للآية.
ولم يصنع شيئا من قال: إنه تفقد الطير, لينظر أين الهدهد منه, ليدله على بعد الماء وقربه. كما زعموا عن الهدهد, أنه يبصر الماء تحت الأرض الكثيفة. فإن هذا القول لا يدل عليه دليل بل الدليل العقلي واللفظي دال على بطلانه.
أما العقلي فإنه قد عرف بالعادة والتجارب والمشاهدات أن هذه الحيوانات كلها, ليس منها شيء يبصر هذا البصر الخارق للعادة, وينظر الماء تحت الأرض الكثيفة. ولو كان كذلك لذكره الله, لأنه من أكبر الآيات.
وأما الدليل اللفظي فلو أريد هذا المعنى, لقال ” وطلب الهدهد لينظر له الماء, فلما فقده قال ما قال ” أو ” فتش عن الهدهد, أو بحث عنه ” ونحو ذلك من العبارات. وإنما تفقد الطير لينظر الحاضر منها والغائب ولزومها للمراكز والمواضع التي عينها لها. وأيضا فإن سليمان عليه السلام لا يحتاج ولا يضطر إلى الماء بحيث يحتاج لهندسة الهدهد. فإن عنده من الشياطين, والعفاريت ما يحفرون له الماء, ولو بلغ في العمق ما بلغ.
وسخر الله له الريح, غدوها شهر ورواحها شهر. فكيف – مع ذلك – يحتاج إلى الهدهد ؟! والشاهد أن تفقد سليمان عليه السلام للطير, وفقده الهدهد, يدل على كمال حزمه وتدبيره للملك بنفسه, وكمال فطنته, حتى تفقد هذا الطائر الصغير ” فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ” أي: هل عدم رؤيتي إياه, لقلة فطنتي به, لكونه خفيا بين هذه الأمم الكثيرة؟.
أم على بابها, بأن كان غائبا من غير إذني, ولا أمري؟.

فحينئذ تغيظ عليه, وتوعده فقال ” لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ” دون القتل. ” أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ” أي: حجة واضحة على تخلفه. وهذا من كمال ورعه وإنصافه, أنه لم يقسم على مجرد عقوبته, بالعذاب أو القتل, لأن ذلك لا يكون إلا من ذنب. وغيبته وقد تحتمل أنها لعذر واضح, فلذلك استثناه, لورعه وفطنته.

” فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ” ثم جاء, وهذا يدل على هيبة جنودة منه, وشدة ائتمارهم لأمره. حتى إن هذا الهدهد الذي خلفه العذر الواضح لم يقدر على التخلف زمنا كثيرا. ” فَقَالَ ” لسليمان: ” أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ” عندي العلم, علم ما ما أحطت به, على علمك الواسع, وعلى درجتك فيه. ” وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ ” القبيلة, المعروفة في اليمن ” بِنَبَإٍ يَقِينٍ ” أي: خبر متيقن.

لمسات بيانية

أية 16
(وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ (16)) لِمَ اقتصر سيدنا سليمان على ذكر منطق الطير دون غيره من الحيوانات؟

اقتصر سيدنا سليمان على عرض معرفته للغة الطير لأنه إذا علِم منطق الطير وهي أبعد الحيوانات عن الركون إلى الإنسان وأسرعها نفوراً منه فإنه سيعلم منطق ما هو أكثر اختلاطاً بالإنسان بالأحرى. فكان هذا الاقتصار مؤذناً بأنه علم منطق كل صنف من أصناف الحيوانات.

لمسات بيانية

أية 22
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ (22)) تأمل في هذا الأسلوب الذي خاطب به الهدهد الملك سليمان (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ). فقد ابتدأ بهذا القول لينبهه على أن في مخلوقاته الله ممالك وملوكاً تداني ملكه أو تفوقه في بعض أحوال الملك لئلا يغتر بانتهاء الأمر إلى ما بلغه هو. وحتى لا يظن أم مبلغه من العلم والمعرفة هو الغاية والمنتهى ففوق كل ذي علم عليم. ولهذا التعبير (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ)أهمية عظمى. ففيه إستدعاء لاهتمام سليمان وإقباله على المتكلِّم لما يحويه هذا المطّلِع من أهمية. فهو لم يخبره بما رأى مباشرة بل أومأ إليه بأنه يعلم شيئاً فاته. لأنه يعلم أن معرفة أحوال الممالك والأمم من أهم ما يُعنى به ملوك الصلاح لينتفعوا من أحوالهم.

 انفرادات سورة النمل
[موضع وحيد]

?{إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)}

?{يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ (10)}

?{فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)}

⭕متشابهات⭕

” فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ” ( النمل 14 , 51 )

 ” فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِين ” (النمل 14 , الأعراف 103)

◀” فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِين ” (الأعراف 84 )

◀” وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِين ” (الأعراف 86)

” وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُد ” ( سبأ 10 , النمل 15 )

” فَهُمْ يُوزَعُون ” ( النمل 17 , 83 )

” وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَه ” ( النمل 19)
◀” قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَه ” (الأحقاف 15 )

وقفات تدبرية

1- {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}
?هنالك نفوس ترى أن الحق حقا..لكن عنادها وكبريائها يمنعها من الانقياد له

2- آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)

?من أعظم ما يؤتيك الله ويفضلك به : العلم فاحمد الله كثيرا
?اوسع عطاء هو العلم  فالمال قوت الدنيا فقط . لكن العلم هو قوت الدنيا والآخرة
? لما ذكر أعظم فضل عليهم بين أعظم شكر منهم وهو قولهم: الحمد لله
?” ولقد آتينا داود وسليمان (علما) وقالا (الحمد لله)” إذا ازددت علما ، فازدد لله شكرًا وثناء .. فلا تتضاعف النعم ويبارك الله فيها إلا بالشكر.

3- {..ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18)}
?لا يحطمنكم (سليمان) .. فتبسَّم} ذكرتْ اسمه فقط فتبسَّم ولم يغضب ! الكبار لا تهمهم الألقاب والأوصاف
?(لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) اعتذرت لهم النملة قبل أن يقع الخطأ ، ما أجمل أن تجد من يعذرك

4- {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا}
?سطوة ..ونفوذ ..وجيش عرمرم ..وملك ونعيم ..ومع هذا يبتسم لنملة !لم ﻻ نتعلم التواضع
?{وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} ليس كل عمل تراه صالحا، مرضي عند الله! راقب الإخلاص والمتابعة في أعمالك حتى يرضاها الله

5- {وتفقد الطير}
?القائد الناجح من يباشر أمور الرعية بنفسه
?سليمان عليه السلام يتفقد الطير..وبعضنا لا يتفقد أبناءه .. ولا يعرف همومهم .. ولا يحلّ مشكلاتهم ! تفقّد طيرك

6- {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}
? ليكن ظنك بربك أعظم من قدراتك وظروفك حجب الله خبر سبأ عن سليمان وجنوده من الجن والإنس ومنحه لهدهد
———————————————–

معانى كلمات الوجه الثالث

*يُخرج الخبء:- يُظهر المخبوء المستور أيّا كان

*تولّى عنهم:- تنحّ عنهم قليلا

*لا تعلو عليّ:- لا تتكبّروا عليّ

*مُسلمين:- مؤمنين . أو مُنقادين مستسلمين

*تشهدونِ:- تحضرون . أو تشيروا عليّ

*أولوا بأس:- أصحاب نجدة وبلاءٍ في الحرب

تفسير اﻷيات

قال الهدهد ” إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ” أي: تملك قبيلة سبأ, وهي امرأة ” وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ” يؤتاه الملوك, من الأموال, والسلاح, والجنود, والحصون, والقلاع ونحو ذلك.
” وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ” أي: كرسي ملكها, الذي تجلس عليه, عرش هائل. وعظم العروش, تدل على عظمة المملكة وقوة السلطان وكثرة رجال الشورى.

” وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ” أي: هم مشركون يعبدون الشمس.
” وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ” فرأوا ما عليه هو الحق.
” فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ” لأن الذي يرى أن الذي عليه حق, لا مطمع في هدايته حتى تتغير عقيدته.

ثم قال: ” أَلَا ” أي هلا ” يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ” أي: يعلم الخفي الخبيء, في أقطار السماوات, وأنحاء الأرض, من صغار المخلوقات وبذور النباتات وخفايا الصدور. ويخرج خبء الأرض والسماء بإنزال المطر وإنبات النباتات. ويخرج خبء الأرض عند النفخ في الصور وإخراج الأموات من الأرض, ليجازيهم بأعمالهم ” وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ” .

” اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ” أي: لا تنبغي العبادة, والإنابة, والذل, والحب, إلا له, لأنه المألوه, لما له من الصفات الكاملة, والنعم الموجبة لذلك. ” رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ” الذي هو سقف المخلوقات ووسع الأرض والسماوات. فهذا الملك عظيم السلطان كبير الشأن هو الذي يذل له ويخضع, ويسجد له, ويركع. فسلم الهدهد, حين ألقى إليه هذا النبأ العظيم, وتعجب سليمان كيف خفى عليه.

وقال مثبتا لكمال عقله ورزانته: ” سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا ” وسيأتي نصه ” فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ” أي: استأخر غير بعيد ” فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ” إليك وما يتراجعون به.

فذهب به فألقاه عليها, فقالت لقومها: ” إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ” .
أي: جليل المقدار, من أكبرملوك الأرض.

ثم بينت مضمونه فقالت: ” إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ” أي: لا تكونوا فوقي بل اخضعوا تحت سلطاني وانقادوا لأوامري وأقبلوا إلي مسلمين. وهذا في غاية الوجاز, مع البيان التام فإنه تضمن نهيهم عن العلو عليه والبقاء على حالهم, التي هم عليها والانقياد لأمره والدخول تحت طاعته, ومجيئهم إليه, ودعوتهم إلى الإسلام. وفيه استحباب ابتداء الكتب بالبسملة كاملة, وتقديم الاسم في أول عنوان الكتاب.
فمن حزمها وعقلها, أن جمعت كبار دولتها, ورجال مملكتها وقالت:

” يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ” أي: أخبروني, ماذا نجيبه به؟ وهل ندخل تحت طاعته, وننقاد؟ أم ماذا نفعل؟ ” مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ” أي: ما كنت مستبدة بأمر, دون رأيكم ومشورتكم.

” قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ” أي: إن رددت عليه قوله, ولم تدخلي في طاعتة, فإنا أقوياء على القتال.
فكأنهم مالوا إلى هذا الرأي, الذي لو تم, لكان فيه دمارهم.
ولكنهم أيضا, لم يستقروا عليه, بل قالوا: الأمر ” إِلَيْكَ ” أي: الرأي ما رأيت, لعلمهم بعقلها, وحزمها, ونصحها لهم ” فَانْظُرِي “نظر فكر وتدبر ” مَاذَا تَأْمُرِينَ”

فقالت لهم – مقنعة لهم بالعدول عن رأيهم, ومبينة سوء مغبة القتال – ” إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ” قتلا, وأسرا, ونهبا لأموالها وتخريبا لديارها. ” وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ” أي: جعل الرؤساء السادة أشراف الناس من الأرذلين. أي: فهذا رأي غير سديد. وأيضا فلست بمطيعة له قبل الاحتيال وإرسال من يكشف عن أحواله ويتدبرها.
وحينئذ نكون على بصيرة من أمرنا.

فقالت: ” وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ” منه. هل يستمر على رأيه وقوله؟ أم تخدعه الهدية, وتتبدل فكرته وكيف أحواله وجنوده؟

لمسات بيانية

أية 25
ألَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)) تبصّر في هذه الصورة الدقيقة التي تصور قدرة الله الخبير (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فلم يقل ربنا “الذي يُخرج المخبوء” بل قال (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) للمبالغة في تصوير إخراج الله تعالى للشيء المخفي فهو يُخرج الخفاء نفسه فكيف بالشيء المخفي؟

لمسات بيانية

{قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)) }

تأمل كيف وصفت الملكة كتاب سليمان بالكَرِيمٌ، فلِمَ آثرت هذا الوصف دون العزيز؟ وصفت الكتاب بالكريم للإشارة إلى نفاسته في جنسه فهو نفيس في تخطيطه ويُبهِج بشكله مستوفياً كل أشكال التأنّق كالخَتْم. وتوّج ذلك كله بكرمٍ خالص نفيس(وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

لمسات بيانية

أية32

(قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي (32)) لِمَ نسبت الملكة الأمر إلى نفسها عندما سألت أهل الحلّ والمشورة من مجلسها بقولها (أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) ولم تقل أفتوني في هذا الأمر مع أن هذا الأمر عامٌ لينال المملكة قاطبة؟

أضافت الملكة الأمر إلى نفسها قائلة (أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) ولم تقل أفتوني في هذا الأمر لأنها هي المخاطَبة بكتاب سليمان ولأنها المضطلعة بما يجب إجراؤه من شؤون المملكة. وعليها تبِعة الخطأ في المنهج الذي تسلكه من السياسة ولذلك يقال للخليفة وللملك والأمير وليّ الأمر.

⭕متشابهات⭕

” وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيل ” (النمل 24، العنكبوت 38)

◀ ” فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُم ” (النحل 63)

” قَالَتْ يَاأيُّهَا الْمَلؤُا ” (النمل 29 , 32)

◀” قَالَ يَاأيُّهَا الْمَلؤُا ”
(النمل 38)

وقفات تدبرية

1- {..وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}
?عرش بلقيس ذكّر الهدهد الموحد بعرش الله .. وهكذا المؤمن كل شيء يذكّره بربّه

2- {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}ْ
?غار الهدهد على التوحيد وقال لسليمان : (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله) فالمبتعث لاتغرّه حضارات القوم ، بل يُحزنه شركهم بالله أولا !!
? كيف تضعف غيرة المرء على دين الله ونصرته له وقد سبقه هدهد بغيرته فأنكر ما فعلته ملكة سبأ وقومها

3-{ألاّ يسجدوا لله الذي يُخرج الخَبءَ}
?عجيب أنت يا هدهد !!  غير مكلف وتغار أن يعصى الله و أن يشرك به وتكون سببا لإسلام أمة كاملة

4- {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (27)}
?إذا أبلغك أحد عن أحد بأنه رآه على منكر فتثبت
? من أهم ركائز الدعوة (التثبت) فقد يحمل الحماس أحيانا على (المبالغة)
? تمهّل قبل أن تُصدر أحكامك .. تأمل الحادثة جيدا .. تأكد من تفاصيلها
?كم قطعت العجلة من حبائل الوداد وكم فرق عدم التأني من أحباب آلام الندم كلها من عجلة القرار

5- {أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)}
?عندما تركنا العزة في الدين ، ضاعت هيبتنا .. ! المداهنة بحياتها لن تكسب احترام الآخر لك

6- {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)}
?أخوف شيء على الداعي إلى الحق أن يُمتحن بحطام الدنيا ؛ إذ بمثل هذا يتمخض صدقه في دعوته من عدمه
—————————————————–

معانى كلمات الوجه الرابع

*لا قِبَل لهم بها:- لا طاقة لهم بمقاومتها

*هم صاغرون:- ذليلون بالأسر والإستعباد

*الذي عنده علم:- آصَـفُ أو جبريل أو ملك آخر

*طرْفك:- نظرك . أو جفن عينك بعد فتحه

*ليبلُوَني:- لِيخْـتبرني ويمتحنني

*نكّروا:- غيّروا

*ادخلي الصّرح:- القصر . أو ساحته أو بركته

*حسبته لُجّة:- ظنّـتـه ماءً غزيرا

*صرح ممرّد:- مُمَـلّس مُسوّى

*من قوارير:- زجاج شفّاف

تفسير اﻷيات

فأرسلت إليه بهدية, مع رسل من عقلاء قومها, وذوي الرأي منهم. ” فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ ” أي: جاءه الرسل بالهدية ” قَالَ ” منكرا عليهم ومتغيظا على عدم إجابتهم: ” أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ ” فليست تقع عندي موقعا, ولا أفرح بها, قد أغناني الله عنها, وأكثر علي النعم. ” بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ” لحبكم للدنيا, وقلة ما بأيديكم, بالنسبة لما أعطاني الله.

ثم أوصى الرسول من غير كتاب, لما رأى من عقله, وأنه سينقل كلامه على وجهه فقال: ” ارْجِعْ إِلَيْهِمْ ” أي: بهديتك ” فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ ” .
أي: لا طاقة لهم ” بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ” . فرجع إليهم, وأبلغهم ما قال سليمان وتجهزوا للمسير إلى سليمان. وعلم سليمان أنهم لا بد أن يسيروا إليه, فقال لمن حضره من الجن والإنس:

” أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ” أي: لأجل أن نتصرف فيه, قبل أن يسلموا, فتكون أموالهم محترمة ” قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ ” والعفريت هو: القوي النشيط جدا:

” أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ “. والظاهر أن سليمان إذ ذاك, في الشام, فيكون بينه وبين سبأ, نحو مسيرة أربعة أشهر, شهران ذهابا, وشهران إيابا.
ومع ذلك, يقول هذا العفريت: أنا التزم بالمجيء به, على كبره وثقله. وبعده, قبل أن تقوم من مجلسك الذي أنت فيه. والمعتاد من المجالس الطويلة, أن تكون معظم الضحى, نحو ثلث يوم, هذا نهاية المعتاد. وقد يكون دون ذلك, أو أكثر وهذا الملك العظيم, الذي عند آحاد رعيته, هذه القوة, والقدرة, وأبلغ من ذلك أن ” قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ” قال المفسرون: هو رجل عالم, صالح, عند سليمان يقال له ” آصف بن برخيا ” كان يعرف اسم الله الأعظم, الذي إذا دعا الله به أجاب, وإذا سأل به أعطى.

” أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ” بأن يدعو الله بذلك الاسم, فيحضر حالا, وأنه دعا الله فحضر. فالله أعلم, هل هذا هو المراد أم أن عنده علما من الكتاب يقتدر به على جلب البعيد وتحصيل الشديد؟. ” فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ ” حمد الله تعالى على إقداره وملكه, وتسير الأمور له, و ” قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ” أي: ليختبرني بذلك. فلم يغتر عليه السلام, بملكه, وسلطانه, وقدرته, كما هو دأب الملوك الجاهلين. بل علم أن ذلك اختبار من ربه, فخاف أن لا يقوم بشكر هذه النعمة. ثم بين أن هذا الشكر, لا ينتفع الله به, وإنما يرجع نفعه إلى صاحبه, فقال: ” وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ” غني عن أعماله, كريم, كثير الخير, يعم به الشاكر والكافر.
إلا أن شكر نعمه, داع للمزيد منها, وكفرها, داع لزوالها.
ثم قال لمن عنده ” نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا ” أي: غيروه بزيادة ونقص. ونحن في ذلك ” نَنْظُرْ ” مختبرين لعقلها ” أَتَهْتَدِي ” للصواب, ويكون عندها ذكاء وفطنة تليق بملكها ” أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ” .

” فَلَمَّا جَاءَتْ ” قادمة على سليمان, عرض عليها عرشها, وكان عهدها به, قد خلفته في بلدها. و ” قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ” أي: أنه استقر عدنا, أن لك عرشا عظيما, فهل هو كهذا العرش, الذي أحضرناه لك؟ ” قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ” وهذا من ذكائها وفطنتها, لم تقل ” هو ” لوجود التغيير فيه والتنكير, ولم تنف أنه هو, لأنها عرفته. فأتت بلفظ محتمل للأمرين, صادق على الحالين. فقال سليم ن متعجبا من هدايتها وعقلها, وشاكرا لله, أن أعطاه أعظم منها. ” وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا ” أي: الهداية, والعقل, والحزم, من قبل هذه الملكة. ” وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ” وهي الهداية النافعة الأصلية.
ويحتمل أن هذا من قول ملكة سبأ ” وأوتينا العلم عن ملك سليمان وسلطانه فزيادة اقتداره, من قبل هذه الحالة التي رأينا فيها قدرته على إحضار العرش, من المسافة البعيدة, فأذعنا له, وجئنا مسلمين له خاضعين لسلطانه “

قال الله تعالى: ” وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ” أي عن الإسلام وإلا فلها من الذكاء والفطنة, ما به تعرف الحق من الباطل, ولكن العقائد الباطلة, تذهب بصيرة القلب ” إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ ” فاستمرت على دينهم. وانفراد الواحد عن أهل الدين, والعادة المستمرة بأمر, يراه بعقله من ضلالهم وخطأهم, من أندر ما يكون, فلهذا لا يستغرب بقاؤها على الكفر. ثم إن سليمان أراد, أن ترى من سلطانه, ما يبهر العقول, فأمرها أن تدخل الصرح, وهو المجلس المرتفع المتسع, وكان مجلسا من قوارير, تجري تحته الأنهار.

” قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ” ماء, لأن القوارير شفافة, يرى الماء الذي تحتها, كأنه بذاته, يجري, ليس دونه شيء. ” وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ” لتخوضه, وهذا أيضا من عقلها, وأدبها. فإنها لم تمتنع من الدخول للمحل, الذي أمرت بدخوله, لعلمها أنها لم تستدع إلا للإكرام وأن ملك سليمان وتنظيمه قد بناه على الحكمة, ولم يكن في قلبها أدنى شك, من حالة السوء بعد ما رأت ما رأت. فلما استعدت للخوض قيل لها ” إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ ” أي: مجلس ” مِنْ قَوَارِيرَ ” فلا حاجة منك لكشف الساقين. فحينئذ لما وصلت إلى سليمان وشاهدت ما شاهدت وعلمت نبوته ورسالته ثابت ورجعت عن كفرها, و ” قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” . فهذا ما قصه الله علينا, من قصة ملكة سبأ, وما جرى لها مع سليمان.

لمسات بيانية

 }فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)}

بيانٌ بديع وحرفٌ دقيق يوحي بما يجول في نفس الملكة. فسيدنا سليمان عليه السلام خاطب رسل الملكة بقوله(أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم)  فاستعمل الفاء (فَمَا آتَانِيَ) ولم يستعمل الواو “وما آتاني” فكان استعمال الفاء إيماءٌ إلى أن سليمان يعلم أن الملكة لا تعلم أن لديه الأموال والخير العميم والفضل الواسع ما هو خير مما لديها. لأنه لو كان يظن أنها تعلم ذلك لما احتاج إلى التفريع على قوله (أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ) ولقال “أتمدونني بمال وما آاتني الله خير مما آتاكم” لأن الواو عندها تكون حالية وكأنه يقول أتمدونني بمال وأنتم على علم بأن ما لدي خير مما تعطونني.

لمسات بيانية

 (قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ (39)) لِمَ قال ربنا (قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ) ولم يقل “قال جانّ”؟

آثر ربنا سبحانه وتعالى وصف الجنّ الذي أراد إحضار العرش بالعفريت لأن هذا اللفظ (عفريت) إسم يُطلق على الشديد الذي لا يُصاب ولا يُنال والذي يُتّقى لشرّه. وأصل هذا اللفظ (عفريت) يستعمل لفتاة الجن. ولا شك أن العمل الجسيم الذي اضطلع بالقيام به وهو إحضار العرش يقتضي هذا الوصف.

لمسات بيانية

 (وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43))

 تدبر في سياق هذا التعبير فقد تكرر الفعل (كانت) مرتين. وفي ذكره فعل التكوين مرتين في (مَا كَانَت تَّعْبُدُ) (كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ) دلالة على تمكنها من عبادة الشمس وكان ذلك التمكن بسبب الإنحدار من سلاسة المشركين. فالشِرك منطبع في نفسها بالوراثة. والكفر قد أحاط بها بتغلغله في نفسها وبنشأتها عليه وبكونها بين قوم كافرين. فمن أين يخلُص لها الهدى والإيمان؟ ولذلك ناسب أن يتكرر الفعل (كانت) ليومئ بشدة تمكن الكفر من نفسها.

⭕متشابهات⭕

1-” وَمَن شَكَرَ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ رَبِّى غَنِىٌ كَرِيم ” ( النمل 40 )

◀” وَمَن يُشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللهَ غَنِىٌ حَمِيد ” (لقمان 12 )

وقفات تدبرية

1- {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِي اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)}
?لا يشهد بالحق ويثبت عليه قلب عشق ماﻻ أو منصبا
?ترد الهدية إذا كانت لقصد غير مشروع
?إياك أن تقبل الهدية التي توحي بإغرائك من أجل تنازلك عن مبادئك

2- {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ}
?من رسخ علمه في كتاب الله أورثه الله فهما وتأويلا لحقائق لا يعلمها غيره (وعلمه التأويل)

3- {..قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ..}
?قد تكون العطايا من الله بلاء وامتحان للعبد هل يشكر هذه النعمة أم لا
?نحن بالعادة ننظر من جانب واحدإن تم التضييق بالرزق ، اعتقدنا البلاء ونسينا أن التوسعة بلاء بعينه !
?النعم تزيد المؤمن تواضعا  بخلاف أهل التكبر والعلو في الأرض فإن النعم تزيدهم أشرا وبطرا.

4- {..قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ..}
? أحيانا كثيرة ، من الحكمة أن ﻻ تعطي إجابة حاسمة واضحة ، ﻷن الوقوف في منتصف الطريق بين وبين أفضل

5 {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً}
?عرض التقدم والحضارة المسلمة على الكافر ، دعوة له، إذ أن زخارف الدنيا تبهره!

6- {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا}
?الباس الطويل الساتر هو الأصل من قديم الزمان

7- {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي}
?هنالك لحظات صدق مع النفس تهب فترات تنجلي بها كل غشاوة وتصبح الرؤيا غاية بالوضوح يعقبها ندم صادق

َ
8- {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
?من عظيم النعم أن تجمعك الأقدر بأشخاص يشع منهم الخير وجبلوا عليه ﻻ محالة سيؤثرون عليك
?لا تواجه الكبار بل توافق معهم بما يحقق نجاحكما في مرضاة الله تأمل حال بلقيس مع سليمان
———————————————————–

معانى كلمات الوجه الخامس

*اطّيّرنا:- تشاءمنا حيث أصبنا بالشّداد

*طائركم عند الله:- شؤمكم عملكم المكتوب عليكم عنده تعالى

*قوم تُفتنون:- يفتنكم الشّيطان بوسوسته

*تسعة رهط:- أشخاص من الرّؤساء مع كلّ رهط

*تقاسموا بالله:- تحالفوا بالله . أو احلِفوا به

*لنُبيّـتـنّه وأهلَه:- لنقتلنّهم ليلا بغتة

*مهْلِك أهله:- هلاكهم

*دمّرناهم:- أهلكناهم

*خاوية:- خالية خربَة أو ساقطة متهدّمة

*أنتم تُبصرون:- لا تبالون إظهارها مَجَانَة

تفسير اﻵيات

يخبر تعالى أنه أرسل إلى ثمود, القبيلة المعروفة, أخاهم في النسب صالحا وأنه أمرهم, أن يعبدوا الله وحده, ويتركوا الأنداد والأوثان. ” فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ” منهم المؤمن ومنهم الكافر وهم معظمهم.

” قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ” أي: لم تبادرون فعل السيئات وتحرصون عليها قبل فعل الحسنات التي بها تحسن أحوالكم وتصلح أموركم الدينية والدنيوية؟ والحال أنه لا موجب لكم, إلى الذهاب لفعل السيئات؟.
” لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ ” بأن تتوبوا من شرككم وعصيانكم, وتدعوا أن يغفر لكم.
” لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ” فإن رحمة الله قريب من المحسنين والتائب من الذنوب هو من المحسنين.

” قَالُوا ” لنبيهم صالح, مكذبين ومعارضين: ” اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ” . زعموا – قبحهم الله – أنهم لم يروا على وجه صالح خيرا وأنه هو ومن معه من المؤمنين صاروا سببا لمنع مطالبهم الدنيوية. فقال لهم صالح: ” طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ” أي: ما أصابكم الله, بذنوبكم. ” بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ” بالسراء والضراء والخير والشر لينظر هل تقلعون وتتوبون أم لا؟ فهذا دأبهم في تكذيب نبيهم, وما قابلوه به.

” وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ ” التي فيها صالح, الجامعة لمعظم قومه ” تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ” أي: وصفهم الإفساد في الأرض ولا لهم قصد ولا فعل بالإصلاح, قد استعدوا لمعاداة صالح والطعن في دينه ودعوة قومهم إلى ذلك كما قال تعالى: ” فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ “

فلم يزالوا بهذه الحال الشنيعة حتى إنهم من عداوتهم ” تَقَاسَمُوا ” فيما بينهم, كل واحد أقسم للآخر “لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ”  أي: لنأتينهم ليلا هو وأهله فلنفتننهم. ” ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ” إذا قام علينا وادعى علينا أنا قتلناهم, ننكر ذلك وننفيه ونحلف. “مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ” فتواطئوا على ذلك.

“وَمَكَرُوا مَكْرًا ” دبروا أمرهم على قتل صالح وأهله على وجه الخفية حتى من قومهم خوفا من أوليائه. “وَمَكَرْنَا مَكْرًا ” بنصر نبينا صالح عليه السلام وتيسير أمره وإهلاك قومه المكذبين ” وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ “

” فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ” هل حصل مقصودهم؟ وأدركوا بذلك المكر مطلوبهم, أم انتقض عليهم الأمر. ولهذا قال: ” أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ” أهلكناهم واستأصلنا شأفتهم.
فجاءتهم صيحة عذاب فأهلكوا عن آخرهم.

” فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً ” قد تهدمت جدرانها على سقوفها وأوحشت من ساكنيها وعطلت من نازليها. “بِمَا ظَلَمُوا ” أي: هذا عاقبة ظلمهم وشركهم بالله, وبغيهم في الأرض. ” إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ” الحقائق ويتدبرون وقائع الله في أوليائه وأعدائه فيعتبرون بذلك ويعلمون أن عاقبة الظلم الدمار والهلاك وأن عاقبة الإيمان والعدل النجاة والفوز.

ولهذا قال: ” وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ” أي: أنجينا المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وكانوا يتقون الشرك بالله والمعاصي ويعملون بطاعته وطاعة رسله.

أي: واذكر عبدنا ورسولنا لوطا, ونبأه الفاضل حين قال لقومه – داعيا إلى الله وناصحا-: ” أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ” أي: الفعلة الشنعاء التي تستفحشها العقول والفطر وتستقبحها الشرائع ” وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ” ذلك, وتعلمون قبحه, فعاندتم وارتكبتم ذلك ظلما منكم وجرأة على الله.

ثم فسر تلك الفاحشة فقال: ” أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ” . أي: كيف توصلتم إلى هذه الحال فصارت شهوتكم للرجال وأدبارهم محل الغائط والنجو, والخبث: وتركتم ما خلق الله لكم من النساء من المحال الطيبة التي جبلت النفوس على الميل إليها. وأنتم انقلب عليكم الأمر, فاستحسنتم القبيح, واستقبحتم الحسن. ” بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ” متجاوزون لحدود الله متجرئون على محارمه.

لمسات بيانية

 (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45))

? تدبر هذا الحرف (فإذا) إنه حرف يدل على المفاجأة كأن تقول “خرجت لأزور صديقي فإذا هو على باب بيتي”، فيفيد عنصر المفاجأة. فلِمَ أدخل ربنا تعالى (إذا) على ما بدر من تصرف قوم ثمود(فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ)؟ آثر ربنا سبحانه وتعالى أن يأتي بحرف المفاجأة (إذا) في تبيان انقسام القوم إزاء دعوة صالح للإشارة إلى أن انقسامهم غير مرضي فكأنه غير مترَّقب. إذ ليس من شأن العاقل أن يُدبر عن دعوة الصلاح والخير.

لمسات بيانية

 (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)) إن الإفساد وعدم الإصلاح أمر واحد، فما فائدة عطف الأمر على نفسه في قوله تعالى (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)؟ أولم يكن قوله تعالى (يُفْسِدُونَ) مُغنياً عن قوله (وَلَا يُصْلِحُونَ)؟

آثر ربنا تعالى أن يعطف الفعل (وَلَا يُصْلِحُونَ) على (يُفْسِدُونَ) للدلالة على أنهم تمحّضوا للإفساد ولم يكونوا ممن خلطوا إفساداً بإصلاح بل هم الفساد نفسه. فلم يكن ليصدر عنهم بصيص نور من إصلاح وخير. فكان قوله (وَلَا يُصْلِحُون َ) تأكيداً على عدم امتلاكهم لأدنى مقومات الإصلاح والخير. ألا ترى أن الإنسان إن كان مفسداً إلا أنه لا يخلو من صلاح وخير. أما أولئك فقد خلوا حتى من هذا الخير الضئيل.

لمسات بيانية

 (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49))  إن الفعل (تَقَاسَمُوا) هو فعلُ أمرٍ أُريد به تغليظ إيمانهم على الكيد لصالح عليه السلام. فهل صدر هذا الأمر من الرهط جميعاً حتى قال ربنا (قَالُوا تَقَاسَمُوا) أم صدر هذا الأمر من واحد ثم تمالأ القوم معه؟

إن هذا الأمر بلا ريب قاله بعضهم فابتدأ به قائلاً لهم (تَقَاسَمُوا) وهو يريد شمول نفسه إذ لا يأمرهم بذلك إلا وهو يريد المشاركة معهم في المقسم عليه كما دلّ عليه قوله (لَنُبَيِّتَنَّهُ) فلما قال ذلك توافقوا عليه وأعادوه فصار جميعهم قائلاً لذلك. فلذلك أسند الفعل إلى التسعة وإن لم يكن القول صادراً منهم جميعاً إلا أنهم في حُكم القائل.

انفردات سورة النمل
(موضع وحيد)

 {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُون (52)}َ ليس مثله.

 {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا (53)} ليس مثله.

⭕متشابهات⭕

” بَلْ أنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُون ” ( النمل 47)
{” تَجْهَلُون ” (النمل:55)

” وَمَكَرُوا مَكْرًا ” ( النمل 50 , نوح 22 )

” وأَنَجَيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون ” (النمل 53)
↩” وَنَجَّيْنَا ” (فصلت 18)

” وَلُوطًا إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ” ( العنكبوت 28 , الأعراف 80 , النمل 54 )

” أئِنَّكُمْ لَتَأتُونَ الرِّجَال ” (العنكبوت 29 , النمل 55)

↩” إنَّكُمْ لَتَأتُونَ الرِّجَالَ ”  (الأعراف 81 )

” أئِنَّكُمْ لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون ” ( النمل 55 )

↩” إنَّكُمْ لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أنتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُون ” الأعراف 81 )

“فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ” ( النمل 56، العنكبوت 24 , 29 )
↩”وَمَا كَانَ ” (الأعراف 82 )

وقفات تدبرية

1- {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)}
?أقرب الناس إلى رحمة الله أكثرهم استغفاراً و عودة إليه
?استنزلوا رحمات الله بـ الاستغفار
?صالح عليه السلام يقول لقومه الكافرين : ﴿لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون﴾ . إذا كانت رحمة الله تُرتجى للكافر لو استغفر ، فكيف بالمؤمن !
?ان ضاقت بنا الدنيا هرعنا نشكو همنا للخلق مع أن في أيدينا كنوز ان تمسكنا بها فتحت ابواب الرحمة

2- {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ}
?سمي -أي قضاء الله – طائرا لسرعة نزوله بالإنسان . فإنه لاشيئ أسرع من قضاء محتوم

3- {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48)}
?الإفساد يكون خلفه قلة قليلة تنسج خيوطه للناس ليفسدوا، فقوم صالح هلكوا كلهم بسبب تسعة

4- {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50)}
?{نسوا الله فنسيهم} {إنهم يكيدون كيدا • وأكيد كيدا} { ومكروا مكرا ومكرنا مكرا } يعاملك الله بمثل ما تعامله به
?تجري المقادير وكأنها خطوط لا تتبين دلالاتها حتى تكتمل فتصبح لوحة عظيمة ناطقة بالحكمة والقدرة

4- {وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)}
?كأن الدنيا بحر متلاطم الأمواج ..وكأن الانسان على وشك الغرق بها وكأن التقوى طوق النجاة !
————————————————

معاني كلمات الوجه السادس

*يتطهّرون:- يزعمون التـّـنـزّه عمّا نفعل

*قدّرناها:- حكمنا عليها

*من الغابرين:- بجعلها من الباقين في العذاب

*مطرا:- حجارة من السّماء مُهلِكَة

*حدائق ذات بهجة:- بساتين ذات حُسن ورونق

*قوم يعدِلون:- ينحرفون عن الحقّ إلى الباطل

*الأرض قرارا:- مستقرّا بالدّحو والتـّسوية

*رواسي:- جبالا ثوابت لئلاّ تميد

*حاجزا:- فاصلا يمنع اختلاطهما

*رحمته:- المطر الذي به تـَحـْيَى الأرض

تفسير اﻷيات

” فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ” قبول ولا انزجار, ولا تذكر وادكار. إنما كان جوابهم المعارضة والمناقضة والتوعد لنبيهم الناصح ورسولهم الأمين بالإجلاء عن وطنه والتشريد عن بلده. فما كان جواب قومه ” إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ” . فكأنه قيل: ما نقمتم منهم, وما ذنبهم الذي أوجب لهم الإخراج. فقالوا: ” إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ” أي: يتنزهون عن اللواط وأدبار الذكور. فقبحهم الله جعلوا أفضل الحسنات بمنزلة أقبح السيئات.ولم يكتفوا بمعصيتهم نبيهم وفيما وعظهم به حتى وصلوا إلى إخراجه والبلاء موكل بالمنطق فهم قالوا: ” أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ” . ومفهوم هذا الكلام ” وأنتم متلوثون بالخبث والقذارة المقتضي لنزول العقوبة بقريتكم ونجاة من خرج منها “

ولهذا قال تعالى: ” فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ” وذلك لما جاءته الملائكة في صورة أضياف وسمع بهم قومه, فجاءوا إليه يريدونهم بالشر, وأغلق الباب دونهم, واشتد الأمر عليه. ثم أخبرته الملائكة عن جلية الحال, وأنهم جاءوا لاستنقاذه من بين أظهرهم وأنهم يريدون إهلاكهم, وأن موعدهم الصبح. وأمروه أن يسري بأهله ليلا إلا امرأته فإنه سيصيبها ما أصابهم فخرج بأهله ليلا, فنجوا وصبحهم العذاب.
فقلب الله عليهم ديارهم, وجعل أعلاها أسفلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك.

ولهذا قال هنا: ” وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ” . أي: بئس المطر مطرهم وبئس العذاب عذابهم لأنهم أنذروا وخوفوا فلم ينزجروا, ولم يرتدعوا فأحل الله بهم عقابه الشديد.

أي: قل ” الحمد لله الذي يستحق كمال الحد والمدح والثناء لكمال أوصافه وجميل معروفه وهباته وعدله, وحكمته في عقوبته المكذبين وتعذيب الظالمين. وسلم أيضا على عباده الذين تخيرهم واصطفاهم على العالمين, من الأنبياء والمرسلين وصفوة الله رب العالمين.
وذلك لرفع ذكرهم وتنويها بقدرهم وسلامتهم من الشر والأدناس وسلامة ما قالوه في ربهم من النقائص والعيوب.
” آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ ” وهذا استفهام قد تقرر وعرف.
أي: الله الرب العظيم, كامل الأوصاف عظيم الألطاف خير أم الأصنام والأوثان التي عبدوها معه وهي ناقصة من وجه كل لا تنفع ولا تضر ولا تملك, لأنفسها, ولا لعابديها مثقال ذرة من الخير فالله خير مما يشركون.

ثم ذكر تفاصيل ما به يعرف ويتبين أنه الإله المعبود وأن عبادته هي الحق وعبادة ما سواه هي الباطل فقال: ” أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ ” إلى ” يَعْدِلُونَ ” . أي: أمن خلق السماوات, وما فيها من الشمس والقمر, والنجوم والملائكة, والأرض, وما فيها من جبال وبحار وأنهار وأشجار, وغير ذلك. ” وَأَنْزَلَ لَكُمْ ” أي: لأجلكم ” مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ” أي: بساتين ” ذَاتَ بَهْجَةٍ ” أي: حسن منظر من كثرة أشجارها وتنوعها وحسن ثمارها. “مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ” لولا منة الله عليكم, بإنزال المطر. ” أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ” فعل هذا الأفعال, حتى يعبد معه ويشرك به؟. ” بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ” به غيره ويسوون به سواه مع علمهم أنه وحده خالق العالم العلوي والسفلي ومنزل الرزق.

هل الأصنام والأوثان الناقصة من كل وجه, التي لا فعل منها ولا رزق ولا نفع, خير؟ أم الله الذي “جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا” يستقر عليها العباد ويتمكنون من السكنى والحرث والبناء والذهاب والإياب.
“وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا ” أي: جعل في خلال الأرض أنهارا ينتفع بها العباد, في زروعهم وأشجارهم, وشربهم, وشرب مواشيهم.
“وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ” أي: جبالا ترسيها وتثبتها, لئلا تميد وتكون أوتادا لها, لئلا تضطرب. “وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ” البحر المالح والبحر العذب ” حَاجِزًا ” يمنع من اختلاطهما, فتفوت المنفعة المقصودة من كل منهما بل جعل بينهما حاجزا من الأرض.
جعل مجرى الأنهار في الأرض, مبعدة عن البحار, فتحصل منها مقاصدها ومصالحها. ” أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ” فعل ذلك, حتى يعدل به الله ويشرك به معه. ” بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ” فيشركون بالله تقليدا لرؤسائهم وإلا, فلو علموا حق العلم, لم يشركوا به شيئا.

هل يجيب المضطرب, الذي أقلقته الكروب, وتعسر عليه المطلوب, واضطر للخلاص, مما هو فيه, إلا الله وحده؟ ومن يكشف السوء, أي: البلاء, والشر, والنقمة, إلا الله وحده؟.
ومن يجعلكم خلفاء الأرض, يمكنكم منها ويمد لكم بالرزق ويوصل إليكم نعمه وتكونون خلفاء من قبلكم كما أنه سيميتكم, ويأتي بقوم بعدكم, أإله مع الله, يفعل هذه الأفعال؟. لا أحد يفعل مع الله شيئا من ذلك, حتى بإقراركم أيها المشركون. ولهذا كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله مخلصين له الدين لعلمهم أنه وحده, المقتدر على دفعه وإزالته.
” قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ” أي: قليل تذكركم وتدبركم للأمور, التي إذا تذكرتموها, أدركتم, ورجعتم إلى الهدى. ولكن الغفلة والإعراض, شامل لكم, فلذلك ما أرعويتم, ولا اهتديتم.

من هو الذي يهديكم, حين تكونون في ظلمات البر والبحر, حيث لا دليل, ولا معلم يرى, ولا وسيلة إلى النجاة إلا هدايته لكم, وتيسيره الطريق, وجعل ما جعل لكم من الأسباب, التي تهتدون بها. ” وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ” أي: بن يدي المطر. فيرسلها, فتثير السحاب, ثم تؤلفه, ثم تجمعه, ثم تلقحه, ثم تدره, فيستبشر بذلك العباد, قبل نزول المطر.
” أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ” فعل ذلك؟ أم هو وحده, الذي انفرد به؟ فلم أشركتم معه غيره, وعبدتم سواه؟. ” تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ” تعاظم, وتنزه وتقدس عن شركهم, وتسويتهم به غيره.

⭕متشابهات⭕

” فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلاَّ أن قَالُوا أخْرِجُوا ءَالَ لُوطٍ مِن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أنَاسٌ يَتَطَهَّرُون ” (النمل 56)
↩” وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلاَّ أن قَالُوا أخْرِجُوهُم مِن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أنَاسٌ يَتَطَهَّرُون ” (الأعراف 82)

” فَأنجَيْنَاهُ وَأهْلَهُ إلاَّ امْرَأتَهُ قَدَّرْنَهَا مِنَ الْغَابِرِين ” (النمل 57 )
↩” فَأنجَيْنَاهُ وَأهْلَهُ إلاَّ امْرَأتَه كَانتْ مِنَ الْغَابِرِين ” (الأعراف 83 )

” إلاَّ امْرَأتَهُ قَدَّرْنَهَا مِنَ الْغَابِرِين ” ( النمل 57 )
↩..إلاَّ امْرَأتَه كَانتْ مِنَ الْغَابِرِين ” (العنكبوت 32)
↩” إلاَّ امْرَأتَكَ كَانتْ مِن الْغابِرِين ” (العنكبوت 33)
↩”إلاَّ امْرَأتَهُ قَدَّرْنَا إنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِين ” ( الحجر 60 )

” وَأمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِين ” (النمل 58 , الشعراء 173)
↩”وَأمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِين” (الأعراف 84 )

” قُلِ الْحَمْدُ للهِ ” (النمل 59)
↩” وَقُل الْحَمْدُ لله ” (النمل 93)

” أءِلَهٌ مَعَ اللهِ ” ( النمل 60 , 61 , 62 , 63 , 64)

وقفات تدبرية

1- {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }(56)
?إذا حاد الناس عن الدين جعلوا المنكر معروفا والمعروف منكرا وأقنعوا أنفسهم أن لا مقام للمصلح فنبذوه
?لا يجتمع في قلب امرئ حب الله ورسوله ﷺ، وحب الإفساد ونصرته ولن يرضى دعاة الفسق والفساد بأي مصلح نزيه
?المجتمع الفاسد إذا لم يجد للمصلحين تهمة عّيرهم بأجمل ما فيهم ، ألم يقل قوم لوط

2- {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنْ الْغَابِرِين}َ (57)
?ليس كل من تقارب بالمكان او الصلةيكونوا متقاربين ايضا بالهدف ذاته !هو توفيق قد يصلك ويتخطى

3-{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (58) قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى أَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}
?النعم متنوعة اﻷشكال واﻷلوان لا تعد ولا تحصى ، ولا تكلف أحدنا إلا كلمتين جامعتين مانعتين هما “الحمدلله”

4- { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاه }
?”دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه” {رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني} فكيف بدعوة مظلوم صالح تقي
?لن يخذل الله عبداً اضطر فبكى ، ثم رفع يديه فاشتكى !!
?”وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين” صحيح كل أسلحة العالم وتحالفاتهم تتلاشى أمام الدعاء
?إذا اجتمع في الإنسان تمام الضعف مع تمام التوكل على الله كانت دعوته أصوب والله منه أقرب
?هل تشعر بالحزن و الاختناق ؟ هل تحس بالضيق والتعب والانقطاع ؟ ها هي لحظتك السانحة والاضطرار. قل يارب
?إذا اجتمع في الإنسان تمام الضعف مع تمام التوكل على الله، كانت دعوته أصوب والله منه أقرب

لمسات بيانية

 (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ (60))

تعالى بيان الله المعجِز. فالله تعالى في هذه الآية يعرض مِنّة من مِننه العظيمة التي لا تُعد ولا تُحصى وهي منّة إنزال المطر على عباده. وقد حدد هذا الإنزال بقوله (لكم) ليكون الخطاب موجهاً إلى المشركين وفي هذا تعريض شديد بأولئك الذين يأخذون النعم ويرونها عياناً ثم يُعرِضون عن شكر المُنعِم الحقيقي. ومن غيره سبحانه يستحق الحمد والشكر والعبادة؟!.

لمسات بيانية

 أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ (60))

 انظر إلى هذا الالتفات من الغيبة إلى المتكلم بين فعلي (أنزل وأنبتنا). فقد أسند الله تعالى الإنزال إلى الغائب فقال(وَأَنزَلَ لَكُم) ولكن عندما عطف الإنبات أسنده إلى ضمير الجمع فقال(فَأَنبَتْنَا) ولم يأت بالعطف بصيغة الغائب “فأنبت به حدائق”. وفي هذا التنويع والإلتفات نكتة لطيفة وهي التنصيص وتخصيص إسناد الإنبات إليه سبحانه وتعالى لئلا يوهم ضمير الغائب “فأنبت به” بأن الإنبات راجع ‘لى الماء “أنزل لكم من السماء ماء فأنبت به” بل الإنبات عائد إلى خالق الماء ومسبب الأسباب سبحانه وتعالى ولذلك قال (فَأَنبَتْنَا بِهِ).

—————————————-

إمعاني كلمات الوجه السابع

*دّارك علمهم في الآخرة:- تكامل واستحكم علمهم بأحوالها وهو تهكّم بهم لفرْط جهلهم بها

*عمون:- عُمي البصائر عن دلائلها البيّـنة

*أساطير الأوّلين:- أكاذيبهم المُسطّر في كتبهم

*ضيق:- حرج وضيق صدر

*ردِف لكم:- لحقكم ووصل إليكم

*ما تكنّ صدورهم:- ما تُخفي وتستر من الأسرار

*غائبة:- شيء يغيب ويخفى عن الخلق
تفسير اﻷيات

هو الذي يبدأ الخلق, وينشئ المخلوقات, ويبتدي خلقها, ثم يعيد الخلق يوم البعث والنشور؟ ومن يرزقكم من السماء والأرض بالمطر والنبات؟. ” أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ” يفعل ذلك, ويقدر عليه؟. ” قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ” أي: حجتكم ودليلكم على ما قلتم ” إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ” وإلا, فبتقدير أنكم تقولون: إن الأصنام لها مشاركة له, في شيء من ذلك فذلك مجرد دعوى, صدقتموها بلا برهان.
وإلا, فاعرفوا أنكم مبطلون, لا حجة لكم. فارجعوا إلى الأدلة اليقينية والبراهين القطعية الدالة على أن الله, هو المتفرد بجميع التصرفات وأنه المستحق أن يصرف له جميع أنواع العبادات.

يخبر تعالى أنه المنفرد بعلم غيب السماوات والأرض, كقوله تعالى: ” وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ” وكقوله ” إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ” إلى آخر السورة.
فهذه الغيوب ونحوها, اختص الله بعلمها, فلم يعلمها ملك مقرب, ولا نبي مرسل. وإذا كان هو المنفرد بعلم ذلك, المحيط علمه بالسرائر, والبواطن, والخفايا, فهو الذي لا تنبغي العبادة إلا له. ثم أخبر تعالى عن ضعف علم المكذبين بالآخرة منتقلا من شيء إلى ما هو أبلغ منه فقال: ” وَمَا يَشْعُرُونَ ” أي وما يدرون ” أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ” أي: متى البعث والنشور, والقيام من القبور, أي: فلذلك لم يستعدوا.

” بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ” أي: بل ضعف ولم يكن يقينا, ولا علما واصلا إلى القلب وهذا أقل وأدنى درجة للعلم, ضعفه ووهاؤه, بل ليس عندهم علم قوي, ولا ضعيف, وإنما ” هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا ” . أي: من الآخرة. والشك زال به العلم, لأن العلم بجميع مراتبه, لا يجامع الشك. ” بَلْ هُمْ مِنْهَا ” أي من الآخرة “عَمُونَ ” قد عميت عنها بصائرهم. ولم يكن في قلوبهم علم من وقوعها ولا احتمال, بل أنكروها واستبعدوها.

ولهذا قال: ” وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ” أي: هذا بعيد, غير ممكن, قاسوا قدرة كامل القدرة, بقدرهم الضعيفة.

” لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا ” أي: البعث ” نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ ” أي: فلم يجئنا, ولا رأينا منه شيئا. ” إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ” أي: قصصهم وأخبارهم, التي تقطع بها الأوقات, وليس لها أصل, ولا صدق فيها.
فانتقل في الإخبار عن أحوال المكذبين بالإخبار أنهم لا يدرون متى وقت الآخرة ثم الإخبار بضعف علمهم فيها, ثم الإخبار بأنه شك, ثم الإخبار بأنهم عمي, ثم الإخبار بإنكارهم لذلك, واستبعادهم وقوعه. أي: وبسبب هذه الأحوال ترحل خوف الآخرة من قلوبهم, فأقدموا على معاصي الله, وسهل عليهم تكذيب الحق, والتصديق بالباطل, واستحلوا الشهوات على القيام بالعبادات, فخسروا دنياهم وأخرهم.

نبههم على صدق ما أخبرت به الرسل فقال: ” قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ” فلا تجدون مجرما قد استمر على إجرامه.
إلا وعاقبته شر عاقبة, وقد أحل الله به من الشر والعقوبة, ما يليق بحاله.

لا تحزن يا محمد, على هؤلاء المكذبين, وعدم إيمانهم.
فإنك لو علمت ما فيهم من الشر, وأنهم لا يصلحون الخير, لم تأس ولم تحزن. ولا يضق صدرك, ولا تقلق نفسك بمكرهم, فإن مكرهم ستعود عاقبته عليهم.
” وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ” . ويقول المكذبون بالمعاد, وبالحق الذي جاء به الرسول, مستعجلين للعذاب:

” مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ” وهذا من سفاهة رأيهم وجهلهم, فإن وقوعه ووقته, قد أجله الله بأجله, وقدره بقدره. فلا يدل عدم استعجاله, على بعض مطلوبهم.

ولكن – مع هذا – قال تعالى, محذرا لهم وقوع ما يستعجلون: ” قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ ” أي: قرب منكم, وأوشك أن يقع بكم ” بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ” من العذاب.

ينبه عباده, على سعة جوده, وكثرة أفضاله ويحثهم على شكرها. ومع هذا فأكثر الناس قد أعرضوا عن الشكر, واشتغلوا بالنعم عن المنعم.

” وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ ” أي: تنطوي عليه ” صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ” . فليحذروا من عالم السرائر والظواهر وليراقبوه.

” وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ” أي: خفية وسر من أسرار العالم العلوي والسفلي.
” إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ” قد أحاط ذلك الكتاب بجميع ما كان ويكون إلى أن تقوم الساعة.
فكل حادث جلي أو خفي إلا وهو مطابق لما كتب في اللوح المحفوظ.

وهذا خبر عن هيمنة القرآن على الكتب السابقة وتفصيله وتوضيحه: لما كان فيها قد وقع فيه اشتباه واختلاف عند بني إسرائيل, قصه هذا القرآن قصا, زال به الإشكال واستبان به الصواب من المسائل المختلف فيها. وإذا كان بهذه المثابة من الجلالة والوضوح وإزالة كل خلاف وفصل كل مشكل كان أعظم نعم الله على العباد ولكن ما كل أحد يقابل النعمة بالشكر.

لمسات بيانية

 (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ (66))

 إن التعبير القرآني واللفظ الإلهي لا يدانيه تعبير. فانظر في هذه الآية كيف يصور حالة الشك والإعراض التي ساورت نفوس المعرضين المعاندين. فهم لم يقفوا عند حالة الشك فحسب بل بالغوا في شكهم ياليوم الآخر إلى أن أحاط بهم الشك وغاصوا في بواطنه وأعماقه حتى بلغوا ذروته وغايته. ولذلك عبّر الله تعالى عن شكهم بالجملة الإسمية فقال (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا) ولم يقل “بل شكوا بها” لأن الجملة الإسمية تدل على الاستمرار. وحرف الجر (في شك) يدل على العمق في الشك.

لمسات بيانية

 (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (70))

 كانت الرحمة عالية على النبي صلى الله عليه وسلم. فلما أنذر المكذبون بوعيد الله الذي لا يُخلف تحركت الشفقة في نفسه صلى الله عليه وسلم فقال له الله سبحانه وتعالى (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) وقد أكّد عليه ربنا عدم المبالاة بإعراض المشركين وما يلاقيه من عنت لقاء عنادهم بقوله (وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ). انظر إلى دقة تصوير الغمّ الذي يُخامر قلب المصطفى الشفوق عليه الصلاة وأفضل السلام. فالضيق في حقيقته عدم كفاية المكان أو الوعاء لما يريد أن يوضع فيه. وهذا هو حال قلبه صلى الله عليه وسلم فهو في حالة حرجة حلّت بقلبه كراهية أن يمسّ قومه شيء من العذاب. فأحاط به هذا الخوف والغمّ فضغط على أعصابه وعلى مجاري نفسه فكان في ضيق يشتد عليه. وهذا الحال لا يصوره إلا هذا التعبير (وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) أي لا تكن محوطاً بشيء من الضيق بسبب مكرهم.

لمسات بيانية

 (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73))

تأمل في موقع هذا الاستدراك بقوله عز من قائل (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ) ألا ترى كم يحمل في طياته من التعريض بحال أكثر الناس. فقد وقع الاستدراك بـ (لكن) بعد أن عرض ربنا بقوله (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) عموم فضله على الناس وتكرره. الفضل الذي يستحق بأن يقابلوه بالشكر والثناء والحمد. ولكن بعض الناس لم يقع منهم إلا الجحود. ولذلك استدرك بقوله (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ). فهل طوّعنا لساننا ليكون بريد شكرٍ وحمدٍ على فضل الله نعمه علينا؟

انفرادات سورة النمل
[موضع موحيد]
{لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا (68)} ليس في القرءان مثله

 ⭕متشابهات⭕

“أمَّن يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ” (النمل 64)
↩”اللهُ يَبْدَؤُا ” (الروم 11)
↩”وَهُوَ الَّذِى يَبْدَؤُا” (الروم 27)

“لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ إنْ هَذَا إلاَّ أسَاطِيرُ الأوَّلِين ” ( النمل 68 )
↩”لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءَابَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إنْ هَذَا إلاَّ أسَاطِيرُ الأوَّلِين ” ( المؤمنون 83 )

“قُلْ سِيرُوا فِى الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِين” ( النمل 69 )
↩”قُلْ سِيرُوا فِى الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْل” (الروم 42)
↩”قُلْ سِيرُوا فِى الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْق” ( العنكبوت 20)
↩”قُلْ سِيرُوا فِى الأرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين ” (الأنعام 11)
↩”فَسِيرُوا فِى الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين” (آل عمران 137 , النحل 36 )

“وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُن فِى ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُون ” ( النمل 70)
↩”وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِى ضَيْقٍ ” (النحل 127)

“وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إن كُنتُمْ صَادِقِين ” (يس 48 , الملك 25 , سبأ 29 , الأنبياء 38 , النمل 71 , يونس 48)
↩ “وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ ُ إن كُنتُمْ صَادِقِين” (السجدة 28)

“وَإنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُون ” ( النمل 73 )
↩” إنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُون ” (غافر 61 , البقرة 243)
” إنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَشْكُرُون ” (يونس 60)

” وَإنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُون ”
( النمل 74)
↩”وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُون” (القصص 69 )

” إنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ ” (النمل 76 , الإسراء 9)

وقفات تدبرية

1- { ُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}
?لو تفكر الإنسان بانتظام رزقه لكفاه إيماناً بربه، ولكنه اعتاد عليه فذهبت هيبته من قلبه
2- { هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (64)}
?إياك أن تقول كلاماً فيه إتهام لمسلم لا تستطيع أن تثبته إذا قيل لك يوم القيامة: (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) ولن ينفعك أن تقول: سمعت وسمعت

3- {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ }
?عدم الحزن ذكر في أكثر من موضع بالقرآن ونبينا استعاذ منه ، إذا ﻻ خير بالحزن فلماذا نستجره لأنفسنا ونستعذب به

4- {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)}
?ليس أجمل من نفس تدقن الرجاء وتجعل حبله موصولا بالسماء ﻻ تقطعه مهما طال بها البلاء فالخير سيأتي

5-{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (73)}
?نحمد الله ونشكره على نعمه قليلها قبل كثيرها فكم له من لطف خفي قصر عنه شكرنا

5-{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74)}
?بمقدورنا تزيين أنفسنا أمام العالم كله لكن ..كم نحن مكشوفين تماما أمام الله ! أفلا نخجل منه؟

7-{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)}
?من الرحمة بأمة الغرب إيصالهم القرآن ليحكم في اختلافاتهم في قضاياهم الكبرى

—————————————-

معاني كلمات الوجه الثامن وإلى أخر السورة

*وقع القول:- دنت الساعة وأهوالها الموعودة

*دابّة:- هي من أشراط السّاعة الكبرى

*فوجا:- جماعة وزمرة

*فهو يوزعون:- يُوقف أوائلُهم لتلحقهم أواخرهم ثمّ يُساقون جميعا

*ففزع:- خاف خوفا يستتبع الموت

*داخرين:- صاغرين أذلاّء بعد البعث

*فكُـبـّـت وجوههم:- ألقوا منكوسين

تفسير الأيات

” وَإِنَّهُ لَهُدًى ” من الضلالة والغي والشبه ” وَرَحْمَةٌ ” تثلج له صدورهم وتستقيم به أمورهم الدينية والدنيوية ” لِلْمُؤْمِنِينَ ” به المصدقين له المتلقين له بالقبول المقبلين على تدبره المتفكرين في معانيه.
فهؤلاء تحصل لهم به الهداية إلى الصراط المستقيم والرحمة المتضمنة للسعادة والفوز والفلاح.

أي إن الله تعالى سيفصل بين المختصين وسيحكم بين المختلفين بحكمه العدل وقضائه القسط. فالأمور وإن حصل فيها اشتباه في الدنيا بين المختلفين لخفاء الدليل ولبعض المقاصد فإنه سيبين فيها الحق المطابق للواقع حين يحكم الله فيها.
” وَهُوَ الْعَزِيزُ ” الذي قهر الخلائق فأذعنوا له. ” الْعَلِيمُ ” بجميع الأشياء ” الْعَلِيمُ ” بأقوال المختلفين وعما ذا صددت وعن غاياتها ومقاصدها وسيجازي كلا بما علمه فيه.

اعتمد على ربك, في جلب المصالح, ودفع المضار, وفي تبليغ الرسالة وإقامة الدين وجهاد الأعداء. ” إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ” الواضح والذي على الحق, يدعو إليه ويقوم بنصرته, أحق من غيره بالتوكل, فإنه يسعى إلى أمر مجزوم به, معلوم صدقه لا شك فيه, ولا مرية. وأيضا فهو حق, في غاية البيان, لا خفاء به, ولا اشتباء.
وإذا قمت بما حملت, وتوكلت على الله في ذلك, فلا يضرك ضلال من ضل, وليس عليك هداهم, فلهذا قال:

” إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ” أي حين تدعوهم وتناديهم, وخصوصا ” إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ” فإنه يكون أبلغ في عدم إسماعهم.

“وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ ” كما قال تعالى: ” إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ” . ” إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ” أي: هؤلاء الذين ينقادون لك, هم الذين يؤمنون بآيات الله وينقادون لها بأعمالهم واستسلامهم كما قال تعالى: ” إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ “

و ذا وقع على الناس, القول الذي حتمه الله, وفرض وقته. ” أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً ” خارجة ” مِنَ الْأَرْضِ ” أو دابة من دواب الأرض, ليست من السماء. وهذه الدابة ” تُكَلِّمُهُمْ ” أي: تكلم العباد ” أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ” أي: لأجل أن الناس ضعف علمهم ويقينهم بآيات الله. فإظهار الله هذه الدابة, من آيات الله العجيبة ليبين للناس ما كانوا فيه يمترون. وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان وتكون من أشراط الساعة كما تكاثرت بذلك الأحاديث لم يذكر الله ورسوله, كيفية هذه الدابة. وإنما ذكر أثرها والمقصود منها وأنها من آيات الله تكلم الناس كلاما خارقا للعادة حين يقع القول على الناس وحين يمترون بآيات الله.
فتكون حجة وبرهانا للمؤمنين, وحجة على المعاندين.

يخبر تعالى عن حالة المكذبين في موقف القيامة, وأن الله يجمعهم ويحشر من كل أمة من الأمم فوجا وطائفة ” مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ” . يجمع أولهم على آخرهم, وآخرهم على أولهم, ليعمهم السؤال والتوبيخ واللوم.
“حَتَّى إِذَا جَاءُوا ” وحضروا, قال لهم, موبخا ومقرعا: ” أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا ” العلم, أي: الواجب عليكم التوقف, حتى ينكشف لكم الحق وأن لا تتكلموا إلا بعلم. فكيف كذبتم بأمر لم تحيطوا به علما؟ ” أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ” أي: يسألهم عن علمهم, وعن عملهم, فيجد عليهم, تكذيبا بالحق, وعملهم لغير الله, أو على غير سنة رسولهم.

” وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا ” أي: حقت عليهم كلمة العذاب بسبب ظلمهم, الذي استمروا عليه, وتوجهت عليهم الحجة. ” فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ ” لأنه لا حجة لهم.

ألم يشاهدوا الآية العظيمة, والنعمة الجسيمة وهو تسخير الله لهم الليل والنهار. هذا بظلمته ليسكنوا فيه ويستريحوا من التعب ويستعدوا للعمل.
وهذا بضيائه لينتشروا فيه في معاشهم وتصرفاتهم. ” إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ” بكمال وحدانية الله وسبوغ نعمته.

يخوف الله عباده, ما أمامهم من يوم القيامة وما فيه من المحن والكروب ومزعجات القلوب فقال: ” وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ ” بسبب النفخ فيه ” مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ” أي: انزعجوا وارتاعوا, وماج بعضهم ببعض, خوفا مما هو مقدمة له. ” إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ” ممن أكرمه الله وثبته وحفظه من الفزع. ” وَكُلٌّ ” من الخلق عند النفخ في الصور ” أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ” صاغرين ذليلين.
كما قال تعالى ” إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ” . ففي ذلك اليوم, يتساوى الرؤساء والمرءوسون, في الذل والخضوع لمالك الملك.

ومن هوله أنك ترى ” الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ” لا تفقد شيئا منها وتظنها باقية على الحال المعهودة وهي قد بلغت منها الشدائد والأهوال كل مبلغ وقد تفتت ثم تضمحل ويكون هباء منبثا. ولهذا قال: ” وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ” من خفتها وشدة ذلك الخوف وذلك ” صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ” فيجازيكم بأعمالكم.

ثم بين كيفية جزائه فقال: ” مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ ” يعم جنس الحسنات قولية أو فعلية أو قلبية ” فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ” هذا أقل التفضيل. ” وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ” أي: من الأمر الذي فزع الخلق لأجله آمنون, وإن كانوا يفزعون معهم.

” وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ ” اسم جنس, يشمل كل سيئة ” فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ” أي: ألقوا في النار على وجوههم, ويقال لهم ” هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ” .

قل لهم يا محمد ” إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ ” أي: مكة المكرمة ” الَّذِي حَرَّمَهَا ” وأنعم على أهلها فيجب أن يقابلوا ذلك بالشكر والقبول.
” وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ” من العلويات والسفليات أتي به لئلا يتوهم اختصاص ربوبيته بالبيت وحده.
” وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” أي: أبادر إلى الإسلام. وقد فعل صلى الله عليه وسلم فإنه أول هذه الأمة إسلاما وأعظمها استسلاما.

وأمرت أيضا أن ” أَتْلُوَ ” عليكم ” الْقُرْآنُ ” لتهتدوا به وتقتدوا وتعلموا ألفاظه ومعانيه فهذا الذي علي, وقد أديته.
” فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ” نفعه يعود عليه وثمرته عائدة إليه ” وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ” وليس بيدي من الهداية شيء.

” وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ” الذي له الحمد في الأولى والآخرة, ومن جميع الخلق. خصوصا أهل الاختصاص والصفوة من عباده.
فإن الذي وقع والذي ينبغي أن يقع منهم من الحمد والثناء على ربهم أعظم مما يقع من غيرهم لرفعة درجاتهم وكمال قربهم منه وكثرة خيراته عليهم . “سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ” معرفة تدلكم على الحق والباطل. فلا بد أن يريكم من آياته ما تستنيرون به في الظلمات. ” لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ” .
” وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ” بل قد علم ما أنتم عليه من الأعمال والأحوال وعلم مقدار جزاء تلك الأعمال وسيحكم بينكم حكما تحمدونه عليه ولا يكون لكم حجه بوجه من الوجوه عليه

لمسات بيانية

 (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80))

تأمل في هذا التصوير لأولئك الذين لا يقبلون الحق ويكابرون على حججه وبراهينه. فهم أموات لا يسمعون ومن ثمّ لا يفهمون معاني القرآن ولا تبلغ بلاغة ألفاظه أبعد من شحمة آذانهم. ولكن لِمَ قيّد صممهم بقوله(مُدْبِرِينَ)؟ قيّد ربنا سبحانه وتعالى صمم المشركين بزمان توليهم مدبرين لأن تلك الحالة أوغل في انتفاء أسماعهم. فالأصمّ إذا كان مواجهاً للمتكلم قد يسمع بعض الكلام بالصراخ وقد يفهم بعضهم الكلمات من حركة الشفتين. أما إذا ولّى مدبراً فقد ابتعد عن الصوت ولم ير حركة الشفتين وهذا أبعد له عن السمع.

لمسات بيانية

 (وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ (81))

ما زالت هذه الآيات تقرع مسامع المشركين وتهز ضمائرهم التي أخلدت إلى فُرُشها ولم تنهض لتبصر النور الجديد، نور الإيمان. فهي قلوب مغلقة ومن ثمّ فقد سلب القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم التأثير بالمعاندين والمصرّين فقال(وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِْ). ولعل سائلاً يقول لِمَ نفى هداية الأعمى خاصة ولم ينفِ هداية الأصمّ أو هداية المعانِد؟ إذا عدنا إلى كلمة الهدى وجدنا أنها وُضعت لمن يدل السائر على الطريق بأن يصفه له فيقول مثلاً: إذا بلغت الوادي فخُذ الطريق الأيمن. وقد سُمي من يسلك بالقوافل مسالك الطريق هادياً. والتوصل إلى الطريق الصحيح يسمى اهتداء. فالهادي يحتاج إلى مبصر ليرشده إلى طريقه حتى يعي ما يصفه له. وأما الأعمى قلا قِبَل له بمعرفة مساره سواء أوُصِفَ له أم لم يوصَف. ولذلك قيّد القرآن نفي الهداية عن الأعمى أي أعمى القلب لأنه غير قابل للهداية ولا يستطيع التمييز بين طريق الحق وطريق الضلال. كما أن الأعمى لا يقدر معرفة الطريق بالوصف.

 (إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (81))

أُنظر إلى التلوين في تبيان إيمان من هداه الله. فالإسماع من النبي صلى الله عليه وسلم يصل إلى المؤمن وحسب. فعبّر عن ذلك بالفعل المضارع (إِلَّا مَن يُؤْمِنُ) ليدل على تجدد إيمانهم عند كل آية من الآيات. ثم ختم بالإسم دون الفعل فقال (فَهُم مُّسْلِمُونَ) ولم يقل “فهم يُسلمون” لأن الإسم (مسلمون) يفيد الدوام والثبات. فالمؤمن إذا خالط الإيمان بشاشة قلبه أصبح الإسلام راسخاً فيه ومتمكناً منه. وهذا يناسبه الإسم عقب الفعل فقال (إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ).

لمسات بيانية

 (وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90))

تأمل مشهد الإذلال والإهانة الذي ضرب على الذين اجترحوا السيئات حتى أثقلت كواهلهم فأدخلتهم ناراً إشتد لظاها. ولكن تعبير أدخلوا النار فيه لطف ولذلك نرى أن القرآن عبّر عن دخولهم بلفظ فيه الإهانة والإذلال فقال تعالى (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) هكذا كبّت بالعنف والتشديد. وجرس كلمة (فَكُبَّتْ) يصوّر حركة الزجّ ويوحي بالفزع (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

 (وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ (90))

 الكبّ جهل ظاهر الشيء في الأرض. وقد خصّ الله تعالى الكبّ في وجوه المسيئين، فهل سيكون كبّهم على وجوههم خاصة؟ وكيف يكبون على وجوههم دون أجسادهم؟ جعل الله الكبّ متعلقاً بوجوه المسيئين دون بقية الجيد وإن كان الكبّ لجميع الجسد لأن الوجه أشرف جزء في جسم الإنسان. فكبّ المرء على وجهه فيه مزيد إهامة وإذلال وقهر. وإذا نظرت في اختيار لفظ الكبّ رأيت دقة متناهية. فالكبّ يوحي برمي شيء مهين ولذلك نقول مكبّ القمامة.

لمسات بيانية

(إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)) لِمَ عدل والسياق عن قوله “وأمرت أن أكون مسلماً” إلى قوله (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)؟

جعل السياق النبي صلى الله عليه وسلم فرداً من أفراد الأمة وامرءاً من آحاد المسلمين. وفي هذا الجعل تنويه بهذه الأمة التي كان الرسول فرداً من أفرادها.

⭕متشابهات⭕

” إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ ” (الجاثية 17 , النمل 78 , يونس 93)

” إنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إذَا وَلَّوْا مُدْبِرِين ” ( النمل 80)
↩” فَإنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ..” (الروم 52)

” وَمَا أنتَ بِهَادِى الْعُمْىِ عَن ضََلالَتِهِمْ إن تُسْمِعُ إلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُسْلِمُون ” ( الروم 53 , النمل 81 )

“وَإذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ” (النمل 82)
↩” وَوَقَعَ ” (النمل 85 )

“إنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤمِنُون ” (العنكبوت 24 , الروم 37 , النمل 86 , الزمر 52)

“ألَمْ يَرَوْا أنَّا جَعَلْنَا الَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون ” ( النمل 86 )
↩” هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُون ” ( يونس 67 )

” وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ”
(النمل 87)
↩ ” يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّور ”
(النبأ 18, طه 102 , الأنعام 73)
↩” وَنُفِخَ فِى الصُّورِ ”
(الزمر 68 , يس 51 , ق 20)
↩” فَإذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ ”
(المؤمنون 101 , الحاقة 13 )

” فَفَزِعَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الأرْضِ إلاَّ مَن شَآءَ الله”
(النمل 87)
↩” فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الأرْضِ إلاَّ مَن شَآءَ الله”
(الزمر 68 )

“مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا” (القصص 84 , النمل 89)
↩”مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثَالِهَا ” ( الأنعام 160 )

” وَمن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون ” (النمل 90)
↩” وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ” (القصص 84)
↩” وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُون ” ( الأنعام 160 )

” فَمَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إنَّمَا أنتَ مِنَ المُنذِرِين “( النمل 92 )
↩” فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيل ” (الزمر 41 )
↩” مَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ” (الإسراء 15)
↩” فَمَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أنَا عَلَيْكُم بِوَكِيل ” ( يونس 108 )

“وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون ” ( نهاية سورتى النمل , هود )

وقفات تدبرية

1-﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِه﴾
?محاكم الناس وإن تظاهرت بالعدالة ﻻبد أن تحابي وتحيف إﻻ محكمة الله ﻻ ظلم فيها هي العدل المطلق

2- (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ )
?كره الحاقدون فَهم الناس للحق،فأكرهوهم على لبس نظارات سوداء كالعميان ،وما علموا أن فهم الحق بالبصيرة لا بالبصر

3- (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)
?يكتشف الإنسان إتقان نظام الكون ودقته فيعميه غروره لأنه المكتشف عن الإيمان بالله لأنه الصانع

4- (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا)
?المعاملة مع الله: قدم معروف واحد يأتيك عشر امثاله
المعاملة مع البشر: معروفك ان لم ينسى يجحد !

5- (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ)َ
?تلاوة القرآن على الناس يسمعون بها كلام الله طرياً من أبلغ وسائل الدعوة
?اتل كتاب الله كأنك تتلوه بين يدي الله  تجد له لذة وسرورا

6- (وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ)
?مرارة الأيام وقسوة الظروف ﻻ ينفع معها التسخط
لأنك بذلك تعترض على حكم الله فليكن لسانك حامدا لله ليأتيك فرج الله