لست أنا من أعد هذا المحتوي، أنا أنشره فقط، جزي الله كل خير لمن أعتده
المصادر:
التفسير السعدي
أسباب النزول للنيسابوري
لمسات بيانية لفاضل السمارائي
متشابهات للكسائي
كتاب نظم الدررلتناسب الايات و السور
?التعريف بالسورة
مما تعلمنا من القرآن
( سورة الأنفال )
☆لما جاء في نهاية سورة الأعراف قوله تعالى
( إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين )
☆تلتها سورة الأنفال والتي نتعلم من خلالها
معنى الولاء وما هي صفات المؤمنين حقاً
الذين يتولى بعضهم بعضا والذين يتولاهم الله وكيف ننال ولاية الله
من خلال قصة غزوة بدر أعظم غزوة انتصر فيها المسلمون
فنتعلم كيف نكون صالحين مؤمنين حتى يتولانا الله فينصرنا
ويوفقنا لهدايته
ويثبتنا
لتكن تلك المعركة وصفات المؤمنين فيها نموذجا لك
لتتعلم كيف تكون مؤمنا ًحقاً فتنال ولاية الله
فتتعلم من خلال الآيات أساسيات وأصول إيمانية
منها:
✅من مؤمنا وتعاهد إيمانك لزيادته
✅عليك بتقوى الله
✅إصلاح ذات البين
✅طاعة الله ورسوله
✅توكل على الله
✅استجب لله ورسوله
✅اثبت على الحق
✅إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
✅أشكر نعم الله
✅أذكر الله ذكرا كثيراً
✅الخوف من الله
✅الصبر
✅الدعاء
✅السعي لنيل ولاية الله
✅الهجرة والجهاد بالمال والنفس في سبيل الله
وغير ذلك من الأصول الإيمانية التي نحتاج لتحقيقها ..
❎احذر من الفتن فقد اجتمع في السورة
( فتنة التعلق بالأسباب
فتنة الأموال والأولاد
فتنة الدين
فتنة الدنيا
فتنة اتخاذ الكافرين أولياء من دون الله )
كما تخلل السورة
❎الحذر من البطر والفخر والعجب بما أوتيت من قوة ونعم
❎الحذر من الرياء
❎الحذر من الصد عن سبيل الله
(ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله)
❎الحذر من عدم الاستجابة
( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون )
❎الحذر من تزيين الشيطان أعمالك إياك أن تمكن الشيطان منك
❎الحذر من التولي يوم الزحف
فهل تُرانا نحرص على تأصيل تلك الأساسيات وهل اخذنا حذرنا من كل ما يحذرنا الله منه
وقد جاء في ختام السورة أن الكافرين بعضهم أولياء بعض
وعرضت أصناف المؤمنين الذين هم بعضهم أولياء بعض
وهم المهاجرين
والأنصار
ومن لم يهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنهم هاجروا بعد ذلك
وأن لا ولاية لمن آمن ولم يهاجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم
ثم التأكيد على ولاية ذوي القربى ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ان الله بكل شيء عليم )
فتعلمنا من السورة أهمية وأسباب الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين
تولانا الله برحمته وجعلنا وإياكم من المؤمنين حقاً
هدف السورة:
قوانين النصر ربانيّة ومادية
سورة الأنفال سورة مدنية نزلت عقب غزوة بدر التي كانت فاتحة الغزوات في تاريخ الإسلام المجيد وبداية النصر لجند الرحمن حتى سمّاها بعض الصحابة بسورة بدر وسمّاها الله تعالى في القرآن الكريم بـ(الفرقان). لأنها تناولت أحداث هذه الموقعة باسهاب ورسمت الخطة التفصيلية للقتال وبيّنت ما ينبغي أن يكون عليه المسلم من البطولة والوقوف في وجه الباطل بكل جرأة وشجاعة وصمود.
وقد كان عدد المسلمين 313 مقابل 1000 من المشركين لكن المسلمين على قلة عددهم انتصروا بعون الله تعالى وباستعدادهم للحرب على المشركين مع كثرتهم وكانت اول المعارك بين الحق والباطل في التاريخ الإسلامي.
وقد سبق في السور الطوال التي سبقت الأنفال أن عرض الله تعالى لنا المنهج وكيف نثبت عليه بالتوحيد الخالص لله وبالعدل وحسم المواقف ثم جاءت سورة الأنفال ليبّين لنا أنه حتى ينتصر المنهج يجب أن يكون له قوانين للنصر فالنصر لا يأتي صدفة ولا فجأة وإنما يحتاج إلى قوانين،
فسورة الأنفال تتحدث عن قانوني النصر في غزوة بدر والتي يمكن أن تكون عامة لكل الغزوات والمعارك بين الحق والباطل.
1. قوانين ربّانية (النصر من عند الله)
2. قوانين مادية (الإستعداد للقتال بالعدة والتهيئة النفسية والعسكرية)
والسورة تنقسم الى قسمين بارزين كل منهما يتناول أحد هذه القوانين. والسورة تحتوي على توازن بين القانونين، النصر من عند الله فبعد التوحيد الخالص لله في سورة الأنعام وأن كل شيء لله تعالى كان النصر من عند الله امراً طبيعياً، ولكن لا بد من التخطيط والإستعداد (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، آية 53 بمعنى نبذل كل الجهد ونتوكل على الله حتى ينصرنا.
وسميّت السورة بالأنفال لورود كلمة الأنفال فيها وهي لغة تعني الغنائم وكان المسلمون بعد انتصارهم قد اختلفوا كيف توزع الغنائم عليهم والله تعالى اراد ان ينبههم إلى أن الغنائم هي من الدنيا والاختلاف عليها خلاف على الدنيا والله تعالى يريد أن يرسّخ في قلوب المسلمين قوانين النصر بعيداً عن الدنيا ورموزها، والأنفال قضية فرعية أمام القضية الهامة التي هي تقوى الله
—————————————–
الوجه (١) من الأنفال
من ايه (١ ↔ ٨ )
ص١٧٧
?بين يدي السورة : أسماء السورة :سورة الأنفال، سورة بدر ،سورة الجهاد
?سورة الأنفال : مدنية
?سبب النزول : احداث غزوة بدر الكبرى ،وسؤال الصحابة عن انفال بدر
?محور السورة : الحديث عن الجهاد في سبيل الله تعالى ،وما يتبع ذلك من أمور و أحكام وقواعد
صفات المؤمنين
الصادقين : ١: ٤
اسباب النزول : أخرج بن جرير عن مجاهد أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربع أخماس فنزلت (يسألونك عن الأنفال )
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ۖ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
[سورة اﻷنفال 1]
الأنفال هي الغنائم التي ينفلها اللّه لهذه الأمة من أموال الكفار، وكانت هذه الآيات في هذه السورة قد نـزلت في قصة بدر أول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين، .فحصل بين بعض المسلمين فيها نـزاع، فسألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عنها، فأنـزل اللّه يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَال كيف تقسم وعلى من تقسم؟
قُلْ لهم: الأنفال لله ورسوله يضعانها حيث شاءا، فلا اعتراض لكم على حكم اللّه ورسوله،. بل عليكم إذا حكم اللّه ورسوله أن ترضوا بحكمهما، وتسلموا الأمر لهما،. وذلك داخل في قوله فَاتَّقُوا اللَّهَ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
. وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ أي: أصلحوا ما بينكم من التشاحن والتقاطع والتدابر، بالتوادد والتحاب والتواصل..فبذلك تجتمع كلمتكم، ويزول ما يحصل – بسبب التقاطع -من التخاصم، والتشاجر والتنازع. ويدخل في إصلاح ذات البين تحسين الخلق لهم، والعفو عن المسيئين منهم فإنه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر،.
والأمر الجامع لذلك كله قوله: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإن الإيمان يدعو إلى طاعة اللّه ورسوله،.كما أن من لم يطع اللّه ورسوله فليس بمؤمن.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
[سورة اﻷنفال 2]
ومن نقصت طاعته للّه ورسوله، فذلك لنقص إيمانه،ولما كان الإيمان قسمين: إيمانا كاملا يترتب عليه المدح والثناء، والفوز التام، وإيمانا دون ذلك ذكر الإيمان الكامل
فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أي: خافت ورهبت، فأوجبت لهم خشية اللّه تعالى الانكفاف عن المحارم، فإن خوف اللّه تعالى أكبر علاماته أن يحجز صاحبه عن الذنوب.
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ووجه ذلك أنهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم لتدبره فعند ذلك يزيد إيمانهم،.لأن التدبر من أعمال القلوب، ولأنه لا بد أن يبين لهم معنى كانوا يجهلونه، أو يتذكرون ما كانوا نسوه،أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير، واشتياقا إلى كرامة ربهم،أو وجلا من العقوبات، وازدجارا عن المعاصي، وكل هذا مما يزداد به الإيمان
. وَعَلَى رَبِّهِمْ وحده لا شريك له يَتَوَكَّلُونَ أي: يعتمدون في قلوبهم على ربهم في جلب مصالحهم ودفع مضارهم الدينية والدنيوية، ويثقون بأن اللّه تعالى سيفعل ذلك. والتوكل هو الحامل للأعمال كلها، فلا توجد ولا تكمل إلا به.
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)
[سورة اﻷنفال 3]
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ من فرائض ونوافل، بأعمالها الظاهرة والباطنة، كحضور القلب فيها، الذي هو روح الصلاة ولبها،. وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ النفقات الواجبة، كالزكوات، والكفارات، والنفقة على الزوجات والأقارب، وما ملكت أيمانهم،.والمستحبة كالصدقة في جميع طرق الخير.
(أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)
[سورة اﻷنفال 4]
أُولَئِكَ الذين اتصفوا بتلك الصفات هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنهم جمعوا بين الإسلام والإيمان، بين الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، بين العلم والعمل، بين أداء حقوق اللّه وحقوق عباده.
.ثم ذكر ثواب المؤمنين حقا فقال: لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي: عالية بحسب علو أعمالهم. وَمَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وهو ما أعد اللّه لهم في دار كرامته، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ودل هذا على أن من يصل إلى درجتهم في الإيمان – وإن دخل الجنة – فلن ينال ما نالوا من كرامة اللّه التامة.
تفسير الآيات من ٥ :٨
(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ)
[سورة اﻷنفال 5]
(يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)
[سورة اﻷنفال 6]
(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)
[سورة اﻷنفال 7]
(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)
[سورة اﻷنفال 8]
تفسير الآيات من 5 حتى 8 :
قدم تعالى – أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة – الصفات التي على المؤمنين أن يقوموا بها، لأن من قام بها استقامت أحواله وصلحت أعماله، التي من أكبرها الجهاد في سبيله. فكما أن إيمانهم هو الإيمان الحقيقي، وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم اللّه به،.
كذلك أخرج اللّه رسوله صلى الله عليه وسلم من بيته إلى لقاء المشركين في بدر بالحق الذي يحبه اللّه تعالى، وقد قدره وقضاه. وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج أنه يكون بينهم وبين عدوهم قتال. فحين تبين لهم أن ذلك واقع، جعل فريق من المؤمنين يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ويكرهون لقاء عدوهم، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون.
والحال أن هذا لا ينبغي منهم، خصوصا بعد ما تبين لهم أن خروجهم بالحق، ومما أمر اللّه به ورضيه،. فبهذه الحال ليس للجدال محل [فيها] لأن الجدال محله وفائدته عند اشتباه الحق والتباس الأمر،.
فأما إذا وضح وبان، فليس إلا الانقياد والإذعان. هذا وكثير من المؤمنين لم يجر منهم من هذه المجادلة شيء، ولا كرهوا لقاء عدوهم،.
وكذلك الذين عاتبهم اللّه، انقادوا للجهاد أشد الانقياد، وثبتهم اللّه، وقيض لهم من الأسباب ما تطمئن به قلوبهم كما سيأتي ذكر بعضها.
وكان أصل خروجهم يتعرضون لعير خرجت مع أبي سفيان بن حرب لقريش إلى الشام، قافلة كبيرة،.فلما سمعوا برجوعها من الشام، ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس،.فخرج معه ثلاثمائة، وبضعة عشر رجلا معهم سبعون بعيرا، يعتقبون عليها، ويحملون عليها متاعهم،.فسمعت بخبرهم قريش، فخرجوا لمنع عيرهم، في عَدَدٍ كثير وعُدَّةٍ وافرة من السلاح والخيل والرجال، يبلغ عددهم قريبا من الألف. فوعد اللّه المؤمنين إحدى الطائفتين، إما أن يظفروا بالعير، أو بالنفير،.فأحبوا العير لقلة ذات يد المسلمين، ولأنها غير ذات شوكة،.ولكن اللّه تعالى أحب لهم وأراد أمرا أعلى مما أحبوا.
أراد أن يظفروا بالنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم،. وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ فينصر أهله وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ أي: يستأصل أهل الباطل، ويُرِيَ عباده من نصره للحق أمرا لم يكن يخطر ببالهم. لِيُحِقَّ الْحَقَّ بما يظهر من الشواهد والبراهين على صحته وصدقه،. وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ بما يقيم من الأدلة والشواهد على بطلانه وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ فلا يبالي اللّه بهم.
لمسات بيانيه
ما دلالة عدم تكرار كلمة أطيعوا فى الآية وتكرارها فى مواطن أخرى ؟) د.فاضل السامرائى (
?لماذا يرد في القرآن أحياناً أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحياناً أخرى يرد وأطيعوا الله والرسول؟
في القرآن قاعدة عامة وهي أنه إذا لم يتكرر لفظ الطاعة فالسياق يكون لله وحده في آيات السورة ولم يجري ذكر الرسول r في السياق أو أي إشارة إليه كما جاء في سورة آل عمران (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {132}).
والأمر الآخر أنه إذا تكرر لفظ الطاعة فيكون قطعياً قد ذُكر فيه الرسول في السياق كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} النساء)
و(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ {92} المائدة) و(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {1}
و (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ {20} الأنفال)
و (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} النور)
و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {33} محمد) و(أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {13} المجادلة) و(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
لمسات بيانية
وردت في القرآن ( يسألونك) و (ويسألونك) فما دلالة إضافة الواو وحذفها؟(د.حسام النعيمى)
الواو تكون عاطفة لكن لما يبدأ موضوعاً جديداً لا يبدأ بالواو وإنما يبدأ بـ (يسألونك) لأنه لا يريد أن يستكمل كلاماً سابقاً مثل قوله تعالى: (يسألونك عن الأنفال (1) الأنفال) أى غير معطوفة على ما قبلها.
التوجيهات
⭐1- من صفات المؤمنين التوكل على الله، وعدم التوكل على غيره، ﴿ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
⭐2- يولي القرآن الكريم إصلاح ذات البين عناية قصوى؛ فقد ورد الأمر به مسبوقاً بأمر عام بتقوى الله، وأعقبه بأمر عام بطاعة الله ورسوله، مع جعله من شروط الإيمان: ﴿ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُوا۟ ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
⭐3- تأمل كيف سمى الله تعالى قتال أعدائه ومناجزتهم حقاً، خلافاً لمن يسميه بأسماء مشوهة ،﴿ يُجَٰدِلُونَكَ فِى ٱلْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ
العمل بالآيات
1- اسع في صلح بين شخصين من المسلمين اختلفا، ﴿ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُوا۟ ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
2- اقرأ من كتب التفسير أو السيرة عن سبب نزول هذه الآيات: ﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْأَنفَالِ ۖ قُلِ ٱلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُوا۟ ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
3- حاسب نفسك على صلاتك، وانظر في أي جانب قصرت فيها، سواءً كان في أركانها أو واجباتها أو مستحباتها، ثم سد هذا النقص والخلل، ﴿ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ
————————————————————-
الوجه (٢) من الأنفال
من ايه (٩ ↔ ١٦ )
ص١٧٨
تفسير مبسط للوجه (٢)
لسورة الأنفال ص (١٧٨)
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)
[سورة اﻷنفال 9]
أي: اذكروا نعمة اللّه عليكم، لما قارب التقاؤكم بعدوكم، استغثتم بربكم، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم فَاسْتَجَابَ لَكُمْ وأغاثكم بعدة أمور:. منها: أن اللّه أمدكم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ أي: يردف بعضهم بعضا.
(وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
[سورة اﻷنفال 10]
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ أي: إنـزال الملائكة إِلا بُشْرَى أي: لتستبشر بذلك نفوسكم، وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وإلا فالنصر بيد اللّه، ليس بكثرة عَدَدٍ ولا عُدَدٍ.. إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يغالبه مغالب، بل هو القهار، الذي يخذل من بلغوا من الكثرة وقوة العدد والآلات ما بلغوا. حَكِيمٌ حيث قدر الأمور بأسبابها، ووضع الأشياء مواضعها.
(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)
[سورة اﻷنفال 11]
ومن نصره واستجابته لدعائكم أن أنـزل عليكم نعاسا يُغَشِّيكُمُ [أي] فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل، ويكون أَمَنَةً لكم وعلامة على النصر والطمأنينة.
ومن ذلك: أنه أنـزل عليكم من السماء مطرا ليطهركم به من الحدث والخبث، وليطهركم به من وساوس الشيطان ورجزه. وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ أي: يثبتها فإن ثبات القلب، أصل ثبات البدن، وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ فإن الأرض كانت سهلة دهسة فلما نـزل عليها المطر تلبدت، وثبتت به الأقدام.
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)
[سورة اﻷنفال 12]
ومن ذلك أن اللّه أوحى إلى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ بالعون والنصر والتأييد، فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا أي: ألقوا في قلوبهم، وألهموهم الجراءة على عدوهم، ورغبوهم في الجهاد وفضله.
سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ الذي هو أعظم جند لكم عليهم،فإن اللّه إذا ثبت المؤمنين وألقى الرعب في قلوب الكافرين، لم يقدر الكافرون على الثبات لهم ومنحهم اللّه أكتافهم.
فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ أي: على الرقاب وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ أي: مفصل. وهذا خطاب،
إما للملائكة الذين أوحى الله إليهم أن يثبتوا الذين آمنوا فيكون في ذلك دليل أنهم باشروا القتال يوم بدر،أو للمؤمنين يشجعهم اللّه، ويعلمهم كيف يقتلون المشركين، وأنهم لا يرحمونهم،وذلك لأنهم شاقوا الله ورسوله أي: حاربوهما وبارزوهما بالعداوة.
(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
[سورة اﻷنفال 13]
شاقوا الله ورسوله أي: حاربوهما وبارزوهما بالعداوة. {وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ومن عقابه تسليط أوليائه على أعدائه وتقتيلهم.
(ذَٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ)
[سورة اﻷنفال 14]
ذَلِكُمْ} العذاب المذكور {فَذُوقُوهُ} أيها المشاققون للّه ورسوله عذابا معجلا. {وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ}
. وفي هذه القصة من آيات اللّه العظيمة ما يدل على أن ما جاء به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسول اللّه حقًا. منها:
أن اللّه وعدهم وعدا، فأنجزهموه.
ومنها: ما قال اللّه تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} الآية.
ومنها: إجابة دعوة اللّه للمؤمنين لما استغاثوه بما ذكره من الأسباب
، وفيها الاعتناء العظيم بحال عباده المؤمنين، وتقييض الأسباب التي بها ثبت إيمانهم، وثبتت أقدامهم، وزال عنهم المكروه والوساوس الشيطانية.
ومنها: أن من لطف اللّه بعبده أن يسهل عليه طاعته، وييسرها بأسباب داخلية وخارجية.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ)
[سورة اﻷنفال 15]
يأمر اللّه تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية، والقوة في أمره، والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان، ونهاهم عن الفرار إذا التقى الزحفان، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا} أي: في صف القتال، وتزاحف الرجال، واقتراب بعضهم من بعض، {فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ} بل اثبتوا لقتالهم، واصبروا على جلادهم، فإن في ذلك نصرة لدين اللّه، وقوة لقلوب المؤمنين، وإرهابا للكافرين.
(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)
[سورة اﻷنفال 16]
{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ} أي: رجع {بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ} أي: مقره {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
وهذا يدل على أن الفرار من الزحف من غير عذر من أكبر الكبائر، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة وكما نص هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد. ومفهوم الآية: أن المتحرف للقتال، وهو الذي ينحرف من جهة إلى أخرى، ليكون أمكن له في القتال، وأنكى لعدوه، فإنه لا بأس بذلك، لأنه لم يول دبره فارا، وإنما ولى دبره ليستعلي على عدوه، أو يأتيه من محل يصيب فيه غرته، أو ليخدعه بذلك، أو غير ذلك من مقاصد المحاربين، وأن المتحيز إلى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار، فإن ذلك جائز،فإن كانت الفئة في العسكر، فالأمر في هذا واضح، وإن كانت الفئة في غير محل المعركة كانهزام المسلمين بين يدي الكافرين والتجائهم إلى بلد من بلدان المسلمين أو إلى عسكر آخر من عسكر المسلمين، فقد ورد من آثار الصحابة ما يدل على أن هذا جائز،ولعل هذا يقيد بما إذا ظن المسلمون أن الانهزام أحمد عاقبة، وأبقى عليهم. أما إذا ظنوا غلبتهم للكفار في ثباتهم لقتالهم، فيبعد ـ في هذه الحال ـ أن تكون من الأحوال المرخص فيها، لأنه ـ على هذا ـ لا يتصور الفرار المنهي عنه، وهذه الآية مطلقة، وسيأتي في آخر السورة تقييدها بالعدد.
الدروس المستفادة
خيرة الله للعبد خير من خيرته لنفسه ، فلقاء العدو في بدر أظهر الله به الدين وأعلى به كلمة المسلمين بخلاف أمر القافله وما فيها من أموال.
حين تستغيث الأمه بصدق تأتي الاستجابه من الله سريعه ، ويحق الله الحق حين يكون أهله مقبلين عليه سبحانه وتعالى .
النصر بيد الله سبحانه وتعالى ، حتى مع وجود التأييد بالملائكه ، فلا يعلق المرء قلبه إلا بالله سبحانه وتعالى .
نعم الله على الإنسان عظيمه ، وآلاؤه كبيره ، منها ما نعرف ومنا مالا نعرف ، وعلى المرء أن يكون شاكرا منيبا ذاكرا .
مايفعله الله تعالى بالمشركين إنما هو بسبب مشاقتهم لله ولرسوله ، والأمر مطرد لكل من يكون حاله كحالهم .
ما يصيب الكفره من أذى على أيدي الفئه المؤمنه هو جزء من عذاب الله ، ولهم في الآخره عذاب النار .
لمسات بيانيه
?*ما الفرق بين استعمال يشاقّ ويشاقق؟(د.فاضل السامرائى)
حيث ورد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم يُفكّ الإدغام (يشاقق ) كما في قوله تعالى ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {13} الأنفال) وقوله تعالى ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً {115} النساء)
وحيث أُفرِد الله تعالى تستخدم (يشاقّ) كما في قوله تعالى ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {4} الحشر).
لمسات بيانيه
آية (9-10):
?*قال تعالى في سورة آل عمران (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125))
?وفي الأنفال قال (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)) فما هو العدد النهائي للملائكة في معركة بدر؟(د.فاضل السامرائى)
نقرأ الآيات حتى يتضح الأمر قال (فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)) مردفين يعني متبعين يعني ألف يتبعهم ألفاً، ألف يتبعهم ألف يعني صاروا ألفين، ألف من الملائكة مردفين يعني ألف يتبعهم ألف، مردفين من ردف يعني تبعه وليس معناها الركوب وإنما جاء بعده، خلفه، إذن صاروا ألفين. (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124)) ألفان وثلاثة آلآف صاروا خمسة آلآف فقال (بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) آل عمران) ألف مردفين يعني ألفين وثلاثة آلآف صاروا خمسة آلآف.
لمسات بيانيه
?*ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ)الأنفال و (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ )آل عمران؟وذكر (لكم) وحذفها؟
د.فاضل السامرائى :
هاتان الآيتان إحداهما في آل عمران والأخرى في الأنفال. آية آل عمران (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)) وفي الأنفال (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) الأنفال).
◀نلاحظ الكلام في آل عمران (إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ) زاد كلمة( لكم )في آل عمران وقال( قلوبكم به) في آل عمران. (به) الحديث عن الإمداد السماوي ما أخبرهم به من النصر والإمداد الذي ذكره. الكلام في آل عمران في هذه الآية في معركة بدر تمهيداً لذكر واقعة أُحُد. بدأ ببدر ثم ذكر أُحد وما أصابهم فيها من قرح وقبل هذه الآية كان هناك إشارة على أُحُد (إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)) ثم ذكر بدر ثم ذكر بعدها وقعة أُحد، هكذا هو السياق، قال (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140))
آيات فيها مواساة وتصبير لما أصابهم من قرح. آيات تصبير لأنهم الآن في حاجة إلى مواساة وتصبير فقال (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ) وقدم القلوب لأنهم محتاجون إلى طمأنة القلوب وإلى البشرى لأن حالتهم النفسية الآن ليست كما كانوا بعد النصر في بدر لأنهم هزموا في أُحد فاحتاجوا إلى المواساة والتصبير (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) فقال وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ) وقدّم القلوب. لما قال قلوبكم به أو به قلوبكم
هذا الضمير في (به) يعود على الجند الإلهي ما أمدهم به في المعركة من ملائكة وجند (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) الأنفال). في آل عمران أيضاً ذكر (أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124)) هذا المدد الإلهي.
في الأنفال يعني في معركة بدر ذكر في هذا الإمداد الإلهي أكثر مما ذكره في آل عمران، وفصّل فيه أكثر فقال(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)) لم يقل هذا في آل عمران إذن هنا صار اهتمام في ذكر هذا الجانب وهذا لم يأت في آل عمران. إذن هنا ذكر وفصّل في الإمداد الإلهي وأهميته ما لم يذكر في آل عمران فقدم (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ)، فلما فصّل قدّم ولما أراد أن يصبِّرهم قدّم القلوب (قلوبكم به).
ثم نلاحظ في الأنفال تقدم ما يدل على البشرى (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)) هذه بشرى وحصل الإمداد لما قال(فاستجاب لكم) فقال (بشرى) بدون (لكم) لأنه ذكر (لكم) سابقاً وكأنما قال البشرى بشكل آخر ولم يخصص البشرى وجعلها عامة (وما جعله الله إلا بشرى). وكذلك في قوله تعالى (ومما رزقناهم ينفقون)(3) و (وأنفقوا مما رزقكم الله)..
هنالك خلاف في السياق العام في الأنفال تحدث كثيراً عن طبيعة الإمداد وفي آل عمران يتحدث عن قلوب الناس والتصبير. التقديم والتأخير في اللغة يحدث هذا التغيير لأنه من الموضوعات التي في غاية الأهمية. لو قلنا مثلاً: أتيت بقلمي، بقلمي أتيت: أتيت بقلمي هذه عامة ولا تعني قصر الإتيان على القلم وإنما قد يكون معه أشياء أخرى أما بقلمي أتيت يعني يفيد التخصيص يعني لم آت بشيء آخر، بقلمي أتيت تخصيصاً. العرب فهموا أكثر مما نفهمه نحن في القرآن لأنها لغتهم ومع ذلك لم يؤمنوا به هذا لأنه ران على قلوبهم وفعلوه استكباراً (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) وهم يوقنون أن هذا الكلام من عند الله وليس من عند البشر.
لمسات بيانيه
آية (15-16):
* ما الفرق بين إدبار وأدبار؟(د.فاضل السامرائى)
?قال تعالى في سورة ق (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)) وقال في سورة الطور(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)).
الأدبار جمع دُبّر بمعنى خلف كما يكون التسبيح دُبُر كل صلاة أي بعد انقضائها وجاء في قوله تعالى في سورة الأنفال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍدُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)).
أما الإدبار فهو مصدر فعل أدبر مثل أقبل إقبال والنجوم ليس لها أدبار ولكنها تُدبر أي تغرُب عكس إقبال.
لمسات بيانيه
آيه 16:
* ما دلالة كلمة باء فى الآية؟(د.حسام النعيمى)
التبوء هو الإتخاذ، باء بمعنى رجع إلى مكانه وكأنما الإنسان لما يخرج من بيته يرجع إليه دائماً يعني يبوء إلى داره، وأحياناً تكون رجع عامة(وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) رجع من عمله بغضب من الله سبحانه وتعالى، (إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) المائدة) ترجع من هذا العمل حاملاً إثمي
التوجيهات
⭐1- قوة القلب أهم من قوة الجسد؛ فاعمل على تقوية قلبك بالإيمان بالله، وعدم الخوف من الناس، ﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ ﴾
⭐2- من جند الله تعالى الخفية: «الرعب» يلقيه في قلوب الكفار رغم قوة عددهم وعتادهم، ﴿ ۚ سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُوا۟ فَوْقَ ٱلْأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُوا۟ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾
⭐3- إذا ابتدأ المؤمن بعمل صالح ينصر به دين الله تعالى فلا يتراجع ويتخاذل عنه، ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلْأَدْبَارَ ﴾
العمل بالآيات
1- ألح على الله تعالى بطلب حاجة من حاجاتك؛ فإن الله يحب الاستغاثة به، والتضرع إليه، ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾
2- ابحث عن الأخبار السارة عن الدعوة والإغاثة والجهاد وانشرها؛ ففيها بشارة للمؤمنين وتطمين لقلوبهم، ﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمْ ﴾
3- زُر من يؤدي أعمالاً خيرية لتثبيته وتشجيعه، أو أرسل له رسالة بذلك، ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلْأَدْبَارَ ﴾
——————————————
الوجه (٣) من الأنفال
من ايه (١٧ ↔ ٢٥ )
ص١٧٩
أسباب النزول:
أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَمْيِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْقَبْضَةَ مِنْ حَصْبَاءِ الْوَادِي يَوْمَ (بَدْرٍ) حِينَ قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ وَرَمَاهُمْ بِتِلْكَ القبضة، فلم يبق عَيْنُ مُشْرِكٍ إِلَّا دَخَلَهَا مِنْهُ شَيْءٌ.
– قَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ (بَدْرٍ) سَمِعْنَا صَوْتًا وَقَعَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ كَأَنَّهُ صَوْتُ حَصَاةٍ وَقَعَتْ فِي طَسْتٍ، وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ الْحَصَاةَ فَانْهَزَمْنَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}
أسباب النزول:
– قولُهُ تَعَالَى:{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [19]:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ التَّاجِرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ قَالَ: كَانَ الْمُسْتَفْتِحُ أَبَا جَهْلٍ، وَإِنَّهُ قَالَ حِينَ الْتَقَى بِالْقَوْمِ: اللَّهُمَّ أَيُّنَا كَانَ أَقْطَعَ لِلرَّحِمِ وَأَتَانَا بِمَا لَمْ نَعْرِفْ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ، وَكَانَ ذَلِكَ اسْتِفْتَاحَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ:{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}
رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْقَطِيعِيِّ، عَنِ ابْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَعْقُوبَ.
تفسير مبسط للوجه(3)
من الأنفال ص197
الآية 17:
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ﴾: أي فلم تقتلوا المشركين يوم بدر ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ﴾ لأنه هو الذي أمركم بقتالهم وأعانكم على ذلك،
﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ﴾: يعني ولستَ أنتَ الذي أصبتَ في رَمْيتِكَ – أيها النبي – حين رميتَ حِفنة التراب على المشركين أثناء المعركة ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾: أي ولكنَّ اللهَ هو الذي أصاب، حيثُ أوصل تلك الرَمْيَة إلى أغلب عيون المشركين، فعَوَّقتْهم عن القتال وتسَبَّبتْ في هزيمتهم، ولو أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم تُرِكَ لِقوَّتِه، لَمَا وصلتْ الرَمْيَة
إلى أعْيُن الصف الأول من المشركين المقاتلين.
?• وقد فعل اللهُ ذلك القتل بالمشركين، وأوصل تلك الرَمْيَة إلى أعينهم، لِيُذِلَّهم ويَكسر شَوكتهم ﴿ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ﴾
: يعني ولِيَختبر صِدْق المؤمنين بالقتال، ويُنعِمَ عليهم بنصْرهم رغم قلة عددهم، ويُوصلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات،
﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ لدعائكم عندما استغثتم به أثناء المعركة ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بضَعْفِكم يومَها وحاجتكم إليه، فأعانكم ونَصَرَكم.
• الآية 18:
﴿ ذَلِكُمْ ﴾ – أي هزيمة المشركين ونصْر المؤمنين يومَ بدر – كانَ بقدرة اللهِ تعالى، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ أي إنه سبحانهُ سيُضعِفُ مَكْرَ الكافرين – في كل وقت – حتى يَذِلُّوا وينقادوا للحق، أو يَهلكوا على شِركهم.
• الآية 19:
﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ﴾: يعني إنْ تطلبوا – أيها المشركون – مِن اللهِ أن يُوقِعَ عذابه على أهل الباطل – كما طلبتم ذلك يوم بدر: ﴿ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ﴾: أي فقد أجابَ اللهُ طلبكم، حينَ أوقعَ بكم مِن عقابه ما كانَ عبرةً للمتقين، ﴿ وَإِنْ تَنْتَهُوا﴾
عن الكُفر بالله ورسوله، وعن قِتال النبي وأصحابه، وتُسلِموا للهِ تعالى: ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ في دُنياكم وأُخراكم،﴿وَإِنْ تَعُودُوا﴾
إلى قتال المؤمنين، وإلى طلب النَصر لِمَن على الحق في الفريقين: ﴿ نَعُدْ ﴾ في نَصْر المؤمنين عليكم، ﴿ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ﴾
: أي ولن يَدفع عنكم أعوانكم وأنصاركم شيئًا من العقاب، كما لم يَدفعوهُ عنكم يوم بدر، رغم كثرة عددكم وسلاحكم، ورغم قلة عدد المؤمنين وسلاحهم.
• هذا ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ بنصره وتأييده، فلن يتخلى عنهم ما داموا مستقيمين على طاعة الله ورسوله،
الآيه20:
ولهذا قال بعدها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ ﴿ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ ﴾
: أي ولا تُعرضوا عن هذا الأمر – وهو طاعة اللّه ورسوله – ﴿ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ ما يُتلَى عليكم مِن الحُجَج والبراهين في القرآن.
?• إذ نَصْرُكُم – أيها المؤمنون في بدر – كانَ ثمرةً لإيمانكم وطاعتكم، فإنْ أعرضتم وعصيتم: لَأصبحتم كغيركم من أهل الإعراض والعِصيان، (ولذلك كانت هزيمة المسلمين في “أُحُد” – بعد أن كان الانتصار لهم في بداية المعركة – عقوبةً مِن اللهِ تعالى لهم بسبب معصيتهم لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم).
الآيه 21:
﴿ وَلَا تَكُونُوا ﴾ في مخالفة أوامر الله ورسوله ﴿ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ وهم المشركون والمنافون الذين إذا سمعوا كتاب الله يُتلَى عليهم قالوا: سمعنا بآذاننا، وهم في الحقيقة لا يتدبرون ما سَمِعوا، ولا يَتفكَّرون فيه لِيعتبروا، لِذا فهُم في سَماعهم كمن لم يَسمع، إذ العِبرةُ من السَماع: التفكُّر والانتفاع.
الآية 22:
﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ﴾: يعني: إنَّ شر ما دَبَّ على الأرض ﴿ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ – مَنزِلةً – هم ﴿ الصُّمُّ ﴾
الذين امتنعتْ آذانُهم عن سَماع الحق، ﴿ الْبُكْمُ ﴾ الذين خَرُسَتْ ألسنتهم عن النُطق به، وهؤلاء هم الذين ﴿ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾
عن اللهِ حُجَجه وبراهينه،
الآيه 23:
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ مواعظ القرآن سَماعَ تدبُّرٍ وقبول، ولكنه سبحانه عَلِمَ أنه لا خيرَ فيهم، لأنهم توَغَّلوا في الظلم والفساد والكِبر والعِناد، فحُرِموا بذلك هداية اللهِ تعالى،﴿ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ﴾ سبحانهُ – على سبيل الفرْض – ﴿ لَتَوَلَّوْا ﴾: أي لأعرضوا عن الإيمانِ بالقرآن – كِبراً وعِنادًا – مِن بعد فَهْمِهِم
لآياته،﴿ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ دائماً عن الحق، فلا يَلتفتون إلاَّ لِما يُناسِبُ أهوائهم.
الآية 24:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾بالطاعة والانقياد
﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾: أي إذا دعاكم للحق الذي فيه إصلاح حياتكم في الدنيا
والآخرة ﴿ كالجهاد وغيره ﴾، ثم حَذَّرَ سبحانه مِن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ والمراد أنَّ اللهَ تعالى يَملِكُ قلبَ العبد،
فإيّاكم أن ترُدُّوا أمْرَ اللّهِ أوَّلَ ما يأتيكم، حتى لا يُضِلَّ قلوبكم (فيجعلكم تكرهون الطاعة وتحبون المعصية، وترونَ الحقَّ باطلاً والباطلَ حقاً).
?فلهذا يجب أن يُكثِرَ العبدُ مِن قوْل: (يا مُقَلِّبَ القلوب ثبِّت قلبي على دينك)، و (يا مُصَرِّفَ القلوب صَرِّف قلبي إلى طاعتك)، لأنّ القلوب بين يَدَي اللهِ تعالى، يُقَلِّبُها ويُصَرِّفها حيث يشاء، ﴿ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ يومَ القيامة، لِيُجازِي كُلاًّ بما يَستحق (فالذي يَعلمُ أنه سيَرجِعُ إلى ربه، لابد أن يُسرعَ في تلبيةِ أمْرِه، حتى لا يُبتَلَى بفتنةٍ تُهلِكُهُ في دنياهُ وآخِرَتِه).
الآية 25:
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً ﴾: يعني واحذروا – أيها المؤمنون – عذاباً ومِحنةً ﴿ لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾: أي لا يُخَصُّ بها أهل المعاصي فقط، بل تُصيبُ الصالحين معهم إذا قدروا على إنكار الظلم ولم يُنكِروه، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾، فعقابُهُ تعالى لا يُطاق ولا يُحتمَل.
لمسات بيانية
آية (24):
*قال تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال) وجاءت في القرآن آيات كثيرة عن الربط على القلوب فهل هناك تناقض بين الربط والحول؟(د.حسام النعيمى)
قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)) هذا الدين هو حياة لكم فإستجيبوا بدعاء الرسول R لكم. معناه أن الله سبحانه وتعالى أعطاكم هذه السمة وهذه الميزة أن يتوجه إليكم الرسول R بالدعوة وأن تستجيبوا لكن الله عز وجل قادر على أن يرغمكم إرغاماً على الإستجابة. (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) قلبك يتجه إلى ماذا؟ الله سبحانه وتعالى يحول بينك وبين قلبك يأخذ هذا القلب ويتصرف فيه كما يشاء وأنت لا تستطيع أن تتصرف فيه فعند ذلك يمكن أن يرغمك إرغاماً على ما يريد. القلب في لغة العرب هو موطن العقل والفكر والعاطفة وكل شيء فالقرآن يستعمله على فهمهم. وأن هذا القلب الذي هو يوجهك هو يجعلك تختار فاعلموا أن الله تعالى قادر على أن يحول بينكم وبينه فيأخذه ويكون حائلاً بينك وبين قلبك وهو يتصرف فيه فإذا تصرف فيه لا يكون لك قيمة في أن تستجيب أولا.لكن الله عز وجل أكرمك بأن طلب منك الإستجابة لأن فيها ما يحييك (إذا دعاكم لما يحييكم) أي نداء وأي دعوة هو لحياتكم (وأنه إليه تحشرون) أي ستعودون إليه وعند ذلك يكون الحساب. فلو شاء عز وجل لحملكم حملاً على الإستجابة فهو نوع من تكريم هذا الإنسان بأنه دُعي إلى الإستجابة إلى ما يدعوه إليه الرسول R.
☆أما الربط فأصله الشدّ والتقوية عندما تشد شيئاً تقويه كما فى قصة أصحاب الكهف أى قوّينا قلوبهم بالصبر فصبّرناهم على هذا الإيمان.
لمسات بيانية
(وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال) ما اللمسة البيانية في هذه الآية؟(د.فاضل السامرائى)
الآية الكريمة (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال) يحول يعني يحجز مجاز عن قرب الله من الإنسان يعني يفصل بين الإنسان وبين قلبه. يتمكن من قلوب العباد فيصرّفها كيف يشاء، يفسخ الإرادة أو يعطيه إراده يغير مقاصده (القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) فهو أملك لقلوب العباد منهم يجول بين المرء وقلبه أي يحجز هو أقرب إليه، هو قريب جداً بحيث يحجز بين المرء وقلبه ويغير ما يشاء.
العمل بالآيات
1- انظر طاعة للرسول ﷺ قصرت فيها، أو جهلتها، وبادر بالقيام بها، ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَوَلَّوْا۟ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُو ﴾
2- أكثر في السجود من قول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»؛ كما كان عليه الصلاة والسلام يفعله؛ فإن الله يحول بين المرء وقلبه،
﴿ ۖ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ }
3- أنكر منكراً قدر استطاعتك، وإياك والسكوت فيصيبك العذاب مع العاصين، ﴿ وَٱتَّقُوا۟ فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ مِنكُمْ خَآصَّةً ۖ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾
التوجيهات
1- إذا أصابتك مصيبةٌ بسبب ذنبٍ من ذنوبك فاعلم أن عودك للذنب يعني رجوع المصائب إليك مرة أخرى، ﴿ ۖ وَإِن تَنتَهُوا۟ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا۟ نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـًٔا وَلَوْ كَثُرَتْ ﴾
2- احذر من الإعراض عن الأوامر والنواهي؛ فقد يؤدي ذلك إلى شرور كثيرة أولها الختم على القلب، ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱسْتَجِيبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ ﴾
3- تأجيل التوبة قد يؤدي إلى الحرمان منها والعياذ بالله، ﴿ ۖ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ ﴾
وقفات تدبريه
1-﴿ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾
والسمع الذي نفاه الله عنهم سمع المعنى المؤثر في القلب، وأما سمع الحجة فقد قامت حجة الله تعالى عليهم بما سمعوه من آياته، وإنما لم يسمعهم السمع النافع. السعدي:
2- ﴿وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴾
ودلت الآية على أنه ليس كل من سمع وفقه يكون فيه خير؛ بل قد يفقه ولا يعمل بعلمه، فلا ينتفع به، فلا يكون فيه خير، ودلت أيضا على أن إسماع التفهيم إنما يطلب لمن فيه خير؛ فإنه هو الذي ينتفع به. ابن تيمية:
3-﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱسْتَجِيبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ ﴾
حياة القلب والروح بعبودية الله تعالى، ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام.
4-﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ ﴾
يحول بين الإنسان وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه؛ عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك). قال: فقلنا: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: (نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها). ابن كثير:2/285.
السؤال: إذا علمت أن قلبك بيد الله لا بيدك؛ فماذا يجب عليك؟
———————————————–
الوجه (٤) من الأنفال
من ايه (٢٦ ↔ ٣٣ )
ص١٨٠
تفسير مبسط للوجه (٤ )
من الأنفال ص ١٨٠
(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
[سورة اﻷنفال 26]
يقول تعالى ممتنا على عباده في نصرهم بعد الذلة، وتكثيرهم بعد القلة، وإغنائهم بعد العيلة. {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ} أي: مقهورون تحت حكم غيركم
{تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} أي: يأخذونكم. {فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} فجعل لكم بلدا تأوون إليه، وانتصر من أعدائكم على أيديكم، وغنمتم من أموالهم ما كنتم به أغنياء.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} اللّه على منته العظيمة وإحسانه التام، بأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
[سورة اﻷنفال 27]
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يؤدوا ما ائتمنهم اللّه عليه من أوامره ونواهيه، فإن الأمانة قد عرضها اللّه على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولافمن أدى الأمانة استحق من اللّه الثواب الجزيل، ومن لم يؤدها بل خانها استحق العقاب الوبيل، وصار خائنا للّه وللرسول ولأمانته، منقصا لنفسه بكونه اتصفت نفسه بأخس الصفات، وأقبح الشيات، وهي الخيانة مفوتا لها أكمل الصفات وأتمها، وهي الأمانة.
(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
[سورة اﻷنفال 28]
ولما كان العبد ممتحنا بأمواله وأولاده، فربما حمله محبة ذلك على تقديم هوى نفسه على أداء أمانته، أخبر اللّه تعالى أن الأموال والأولاد فتنة يبتلي اللّه بهما عباده، وأنها عارية ستؤدى لمن أعطاها، وترد لمن استودعها
{وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} فإن كان لكم عقل ورَأْيٌ، فآثروا فضله العظيم على لذة صغيرة فانية مضمحلة، فالعاقل يوازن بين الأشياء، ويؤثر أولاها بالإيثار، وأحقها بالتقديم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
[سورة اﻷنفال 29]
امتثال العبد لتقوى ربه عنوان السعادة، وعلامة الفلاح، وقد رتب اللّه على التقوى من خير الدنيا والآخرة شيئا كثيرا،فذكر هنا أن من اتقى اللّه حصل له أربعة أشياء، كل واحد منها خير من الدنيا وما فيها:
الأول: الفرقان: وهو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والحلال والحرام، وأهل السعادة من أهل الشقاوة.
الثاني والثالث: تكفير السيئات، ومغفرة الذنوب، وكل واحد منهما داخل في الآخر عند الإطلاق وعند الاجتماع يفسر تكفير السيئات بالذنوب الصغائر، ومغفرة الذنوب بتكفير الكبائر.
الرابع: الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن اتقاه وآثر رضاه على هوى نفسه. {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ العظيم}
(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)
[سورة اﻷنفال 30]
أي: [و] أذكر أيها الرسول، ما منَّ اللّه به عليك. {إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} حين تشاور المشركون في دار الندوة فيما يصنعون بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، إما أن يثبتوه عندهم بالحبس ويوثقوه. وإما أن يقتلوه فيستريحوا ـ بزعمهم ـ من شره. وإما أن يخرجوه ويجلوه من ديارهم. فكلُّ أبدى من هذه الآراء رأيا رآه، فاتفق رأيهم على رأي: رآه شريرهم أبو جهل لعنه اللّه،وهو أن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش فتى ويعطوه سيفا صارما، ويقتله الجميع قتلة رجل واحد، ليتفرق دمه في القبائل. فيرضى بنو هاشم [ثَمَّ] بديته، فلا يقدرون على مقاومة سائر قريش، فترصدوا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الليل ليوقعوا به إذا قام من فراشه. فجاءه الوحي من السماء، وخرج عليهم، فذرَّ على رءوسهم التراب وخرج، وأعمى اللّه أبصارهم عنه، حتى إذا استبطؤوه جاءهم آت وقال: خيبكم اللّه، قد خرج محمد وذَرَّ على رءوسكم التراب. فنفض كل منهم التراب عن رأسه، ومنع اللّه رسوله منهم، وأذن له في الهجرة إلى المدينة،فهاجر إليها، وأيده اللّه بأصحابه المهاجرين والأنصار،ولم يزل أمره يعلو حتى دخل مكة عنوة، وقهر أهلها،فأذعنوا له وصاروا تحت حكمه، بعد أن خرج مستخفيا منهم، خائفا على نفسه. فسبحان اللطيف بعبده الذي لا يغالبه مغالب .
(وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)
[سورة اﻷنفال 31]
يقول تعالى في بيان عناد المكذبين للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} الدالة على صدق ما جاء به الرسول}. {قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} وهذا من عنادهم وظلمهم، وإلا فقد تحداهم اللّه أن يأتوا بسورة من مثله، ويدعوا من استطاعوا من دون اللّه، فلم يقدروا على ذلك، وتبين عجزهم. فهذا القول الصادر من هذا القائل مجرد دعوى، كذبه الواقع، وقد علم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب، ولا رحل ليدرس من أخبار الأولين، فأتى بهذا الكتاب الجليل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
(وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
[سورة اﻷنفال 32]
{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا} الذي يدعو إليه محمد {هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} قالوه على وجه الجزم منهم بباطلهم، والجهل بما ينبغي من الخطاب. فلو أنهم إذ أقاموا على باطلهم من الشبه والتمويهات ما أوجب لهم أن يكونوا على بصيرة ويقين منه، قالوا لمن ناظرهم وادعى أن الحق معه: إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له، لكان أولى لهم وأستر لظلمهم.
(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)
[سورة اﻷنفال 33]
فمنذ قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} الآية، علم بمجرد قولهم أنهم السفهاء الأغبياء، الجهلة الظالمون، فلو عاجلهم اللّه بالعقاب لما أبقى منهم باقية، ولكنه تعالى دفع عنهم العذاب بسبب وجود الرسول بين أظهرهم، فقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} فوجوده ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أظهرهم أمنة لهم من العذاب. وكانوا مع قولهم هذه المقالة التي يظهرونها على رءوس الأشهاد، يدرون بقبحها، فكانوا يخافون من وقوعها فيهم، فيستغفرون اللّه [تعالى فلهذا] قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
أسباب النزول:
– قَوْلُهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} الْآيَةَ [27]:
نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاصَرَ يَهُودَ قُرَيْظَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصُّلْحَ عَلَى مَا صَالَحَ عَلَيْهِ إِخْوَانَهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ عَلَى أَنْ يَسِيرُوا إِلَى إِخْوَانِهِمْ بِأَذْرِعَاتٍ وَأَرِيحَا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَأَبَى أَنْ يعطيهم ذلك إلى أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَبَوْا وَقَالُوا: أَرْسِلْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ، وَكَانَ مُنَاصِحًا لَهُمْ، لأن عياله وماله وَوَلَدَهُ كَانَتْ عِنْدَهُمْ، فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُمْ فَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ مَا تَرَى؟ أَنَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ؟ فَأَشَارَ أَبُو لُبَابَةَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ: إِنَّهُ الذَّبْحُ فَلَا تَفْعَلُوا، قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: وَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ حتى علمت أني قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ شَدَّ نَفْسَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَذُوقُ فِيهَا طَعَامًا حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ قَدْ تِيبَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ نَفْسِي حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الَّذِي يَحُلُّنِي، فَجَاءَهُ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: إِنَّ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«يَجْزِيكَ الثُّلُثُ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهِ».
أسباب النزول :
– قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} الْآيَةَ [32]:
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ.
– أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَنَزَلَ:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الْآيَةَ [33]. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذ.
لمسات بيانية
آية (29):
*ما دلالة استعمال وصف العظيم مع الفضل فى الآية؟(د.حسام النعيمى)
قال تعالى في سورة الانفال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)) تعدد الفضل وذكر منه: يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم إذن فهذا فضل متعدد وأُسند مباشرة الى الله تعالى فاستعمل كلمة العظيم.
*لماذا ذكر التكفير مع السيئات ولم يذكر شيئاً مع المغفرة في آية سورة الأنفال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29))؟(د.حسام النعيمى)
الذنب كبير والسيئة هي الشيء الذي يسيئك ويسيء اليك وقد يكون طارئاً أما الذنب ففيه معنى الالتصاق ومنه أُخِذ ذَنَب الحيوان لالتصاقه به فالسيئة سريعة المحو أما الذنب فيلتصق ولذلك الغفران فيه معنى القطع. وإذا رجعنا الى حيث ما وردت كلمة الغفران بكل صيغها (يغفر،نغفر،وغيرها)
والتكفير (يكفّر عنكم) وجدنا
أن التكفير خاص بالسئيات والغفران خاص بالذنوب في كل القرآن. كلمة كفر وغفر تختلفان فقط في أن الغين أقوى من الكاف فالغفران أقوى من التكفير والذنب أشد من السيئة فالسيئات هي التي تُكفّر إذا اجتنبت الكبائر وفي الكلمتين (كفر وغفر) معنى التغطية والقطع. ولننظر في استعمال كفّر وغفر نجد أنه قد شُدّدت كلمة (كفّر) ولم تشدد كلمة غفر مع أنه جائز لغة وتشديد كلمة (كفّر) لأن السيئات أو صغائر الأمور هي كثيرة عند الناس وكثيراً ما يقع الانسان في الصغائر لكن عليه الانتباه وأن لا يستهين بالسيئات لأن الانسان لا يدري ما الذي يُدخله النار، لكن الوقوع في الكبائر نادر عند المؤمن أما اللمم فكثيرة لذا استعمل صيغة التكفير مع السيئات (نكفر عنكم سيئاتكم) .
لمسات بيانية
قال تعالى في سورة الأنفال (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {32}
وهو فى سياق استهزاء المشركين من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم
كلمة (رب) فيها العبودية والإنسان يلجأ إلى مربّيه ومتولّيه ورازقه وفي القرآن كله لم يحصل دعاء بكلمة (اللهم)
إلا في مكان واحد قوله تعالى وفي دعاء عيسى (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {114} المائدة)
قد جاء لفظ ربنا بعد اللهم.
لمسات بيانية
قال تعالى في سورة الأنفال (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)) كيف نطبق القاعدة؟(د.فاضل السامرائى)
وجود الرسول r بينهم مانع للعذاب لكن هذا المنع موقوت ببقاء الرسول r فيما بينهم أما الاستغفار فقد جعله الله تعالى مانعاً ثابتاً والاستغفار يدفع العذاب (وما كان الله معذبهم) بقاء الرسول r بينهم متغير ولو تركهم حق عليهم العذاب. ونلاحظ من كرم الله تعالى ما قال (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) ربنا يدفع العذاب ولو لم يكن الاستغفار صفة ثابتة فيهم لأن رحمته واسعة تسع كل شيء . وفي آية أخرى قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) القصص) إذا كان الظلم صفة ثابتة يفضي بهم إلى الهلاك لكن في الاستغفار حتى لو لم يكن ثابتاً يغفر الله تعالى من رحمته.
*ما دلالة اللام في قوله تعالى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم))؟(د.فاضل السامرائى)
الآية في سورة الأنفال (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم). قد تكون اللام للتعليل أو لام الجحود وما للنفى . تماماً كما في قوله تعالى فى سورة ابراهيم (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْلِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ {46}) واللام في (لتزول) هي لام الجحود وإن نافية بمعنى (وما كان مكرهم لتزول منه الجبال) .
آية (32-33):
لمسات بيانية
*ما دلالة الدعاء فى آية 32 من سورة الأنفال؟(د.حسام النعيمى)
العذاب سيقع سواء هم سأله أو لم يسألوه واقع على الكافرين لا محالة. هذا الروح روح سؤال العذاب تتكرر عند العرب في أكثر من موضع. انظر في سورة الأنفال آية 32 و33 (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)) يعني الإنسان ماذا يتوقع؟ العرب كانت تعرف الله عز وجل ويقولون يا الله واللهم (وإني إذا حدثٌ المّ أقول ياللهم ياللهم) يعني حينما يقول إذا أصابنا شيء ندعو، إذا حدثٌ المّ يقول ياللهم يجمع بين يا والميم. فماذا نتوقع من قوم يقولون: يا رب إذا كان ما يقول محمد r هو الحق من عندك فما الجواب؟ المنطق: إذا كان هذا هو الحق فاشرح صدورنا له، إذا كان هذا هو الحق فاجعلنا نتّبعه لكن لاحظ هذه القسوة في قلوبهم وأن تأخذهم العزة بالإثم، هذه الشدة فقالوا (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) يا مساكين أنتم تقولون إن كان هذا هو الحق فأمطر علينا حجارة؟ يعني كيف؟ هذا يدل على انفعالهم الوقتي. يعني هم منفعلون لأن القرآن الكريم بعد ذلك وضّح لنا حالتهم النفسية كيف قال لاحظ وهذه صورة عجيبة في البيان القرآني ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وجودك يا محمد r في هؤلاء مانع من العذاب. مانع أوّل و(وما كان الله معذبهم وأنت فيهم) (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) معناه أنهم بعد هذا القول بلحظات صاروا يستغفرون: اللهم اغفر لنا، يخشون أن ينزل عليهم العذاب.
المتشابهات
(وأن الله عنده أجر عظيم) / ( والله عنده أجر عظيم(
الأنفال 28 ، التغابن 15
الألف فى إن مثل أسم السورة
والزيادة فى السورة الأطول (وأعلموا أنما أمواكم وأولادكم فتنه)
(لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ..).(30)
لترتيب الكلمات البدء بالثاء فى ليثبتوك والبفية تأتى بالسياق
(وإذ تتلى عليهم أياتنا قالو)
الأنفال 31
الوحيدة التى لم تأت (بينات) بعد عليهم أياتنا
أما عليه أياتنا لا تأت بعدها بينات وهى فى مواضع
لقمان 7 ، القلم 15 ، المطففين 13
التوجيهات
?1- الفرقان نور في القلب يفرق به المؤمن بين الأمور المتشابهات، ووسيلة الحصول عليه تقوى الله تعالى ومخالفة هوى النفس، ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا ﴾
?2- قلة أهل الحق لا يلزم منها هزيمتهم، ﴿وَٱذْكُرُوٓا۟ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى ٱلْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
?3- كثرة الاستغفار وانتشاره بين الناس سبب لدفع العذاب، ﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
العمل بالآيات
1- كرر الأمر لأولادك وأهلك بالصلاة في وقتها؛ رجاء ألا تكون ممن فتنتهم أموالهم وأولادهم، ﴿وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾
2- ألق كلمة، أو أرسل رسالة عن فوائد التقوى الدنيوية والأخروية بعد قراءة تفسير هذه الآية، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ﴾
3- أكثر من الاستغفار، واجعل لنفسك في ذلك ورداً معيناً، متذكراً أن الاستغفار سبب لتفريج الكرب ورفع العذاب، ﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
وقفات تدبريه:
?1- ﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
(وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) أي: لو آمنوا واستغفروا؛ فإن الاستغفار أمان من العذاب، قال بعض السلف: كان لنا أمانان من العذاب: وهما وجود النبي ﷺ والاستغفار، فلما مات النبي ﷺ ذهب الأمان الواحد، وبقي الآخر.
?2-﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾
فإن كان لكم عقلٌ ورأْيٌ فآثِرُوا فضله العظيم على لذة صغيرة فانية مضمحلة؛ فالعاقل يوازن بين الأشياء، ويؤثر أولاها بالإيثار، وأحقها بالتقديم.
?3-﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾
أي: اختبار وامتحان منه لكم؛ إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها، وتطيعونه فيها، أو تشتغلون بها عنه، وتعتاضون بها منه. ابن كثير:2/288.
السؤال: متى تكون الأموال والأولاد نعمة، ومتى تكون نقمة؟
————————————————————–
الوجه (٥) من الأنفال
من ايه (٣٤ ↔ ٤٠ )
ص١٨١
تفسير مبسط للوجه (٥ )
من سورة الأنفال ص ١٨١:
الآية 34:
﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ ﴾:
يعني وكيف لا يَستحقُّون عذابَ اللهِ ﴿ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾: أي وهم يمنعون المؤمنين عن الطواف بالكعبة والصلاة في المسجد الحرام؟، ﴿ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ﴾
: يعني وما كان المشركون أولياءَ للهِ تعالى كما زعموا،
﴿ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُون﴾:
يعني إنما أولياءُ اللهِ حقاً هم الذين يتقونه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه،
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ أي أكثر الكفار ﴿ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ذلك،
فلهذا زعموا لأنفسهم أمرًا غيرهم أوْلَى به.
الآية 35:
﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ ﴾: يعني وما كان صلاة المشركين عند المسجد الحرام
﴿ إِلَّا مُكَاءً ﴾: أي صَفيرًا بالفم
﴿ وَتَصْدِيَةً ﴾: أي تصفيقًا باليد
﴿ فَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ أي عذاب القتل والأسر يوم بدر، جزاءً
﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ وبما كنتم تستهزئون بشعائر اللهِ تعالى.
الآية 36:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ﴾ فيُعطونها لأمثالهم من المشركين وأهل الضلال
﴿ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي لِيمنعوا الناس عن الدخول في الإسلام، ﴿ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ ﴾)عاقبة إنفاقهم لهذه الأموال ﴿ (عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ﴾ لأن أموالهم تذهب هباءً، ولا يفوزون بما يريدون، ﴿ ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾: أي ثم يَهزمهم المؤمنون في آخر الأمر،
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ وماتوا على كُفرهم ﴿ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾.
الآيه 37:
وقد أُدخِلَ هؤلاء الكفار جهنم ﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ ﴾
وهم أهل الشرك والمعاصي
﴿ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ وهم أهل التوحيد والصلاح، فيَجعل سبحانه الطيبين يتميزون عن الخبيثين بدخولهم دار النعيم ﴿ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ ﴾ متراكمًا متراكبًا،
﴿ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا ﴾ كَوْماً واحداً
﴿ فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ﴾ ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ في الدنيا والآخرة.
الآية 38:
﴿ قُلْ ﴾ – أيها الرسول – ﴿ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ مِن قومك:
﴿ إِنْ يَنْتَهُوا ﴾ عن الكُفر وعن قتالك وقتال المؤمنين، ويرجعوا إلى التوحيد الذي فطرهم اللهُ عليه: ﴿ يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ أي يَغفر اللهُ لهم ما سبق من الشرك والذنوب بسبب إسلامهم، ﴿ وَإِنْ يَعُودُوا ﴾
للجحود بوحدانية الله ورسالتك، وإلى قتالك وقتال المؤمنين: ﴿ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ﴾:أي فقد سبقتْ طريقة اللهِ في الأولين، وهي إهلاك الظالمين إذا استمروا على تكذيبهم وعِنادهم، كما حدث مع عادٍ وثمود، وكما حدث مع كفار مكة يوم بدر (وفي هذا تهديدٌ عظيمٌ لهم).
الآية 39:
﴿ وَقَاتِلُوهُمْ ﴾: أي وقاتِلوا
– أيها المؤمنون – المشركين المحاربين ﴿ حَتَّى لَا تَكُونَ ﴾
هناك ﴿ فِتْنَةٌ ﴾ أي صَدٌ للمسلمين عن دينهم (بالتعذيب والاضطهاد)، وحتى لا يكونَ هناك شركٌ باللهِ تعالى،
﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾: أي ويَبقى الدينُ للهِ وحده – خالصًا – لا يُعْبَدُمعه غيرُه، فيرتفع البلاء عن أهل الأرض جميعاً، ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا ﴾ عن تعذيب المؤمنين وعن الشرك باللهِ تعالى، وصاروا إلى الدين الحق معكم: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ لا يَخفَى عليه ما يعملون.
الآيه 40:
﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: يعني وإن أعرضوا عن الإسلام، وأصَرُّوا على قتالكم: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ﴾: أي فأيقِنوا أنَّ الله ناصركم عليهم، إذ هو سبحانه
﴿ نِعْمَ الْمَوْلَى ﴾ أي نِعْمَ المُعين والحافظ ﴿ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ لكم على أعدائكم.
لمسات بيانية
آية (39):
*(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الأنفال) ما دلالة خاتمة الآية؟ وفي البقرة (فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192))؟
د.فاضل السامرائى :
?السياقان مختلفان?
نقرأ الآيتين حتى تتضح:
●في البقرة قال تعالى (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193))
●في الأنفال قال (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)).
الأولى في قريش واضحة لأنه قال (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)،
الأخرى عامة ليست خاصة بقريش الكلام عموم ولذلك قال (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)
بينما في قريش قال (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) لم يقل (كله)، (كله) للتوكيد يفيد العموم والشمول إذن فيها آكد وإلا ما كان يأتي بالتوكيد، إذن جاء بما يدل على الشمول لما كان الكلام على الشمول والعموم عموم الكافرين، إذن هذه مسألة السياق.
- وقال في البقرة (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)) بالماضي
•وفي الأنفال قال (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) هذه أقرب وقتالهم كان أسبق، ما قال في البقرة (وَإِنْ تَوَلَّوْا) لم يضع احتمال التولي لأنهم سيصبحوا مسلمين، لم يضع احتمال (وَإِنْ تَوَلَّوْا) في البقرة وإنما وضعها في الاحتمال الثاني (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) الأنفال)، لم يقل (وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) في البقرة، هذا أوضحه في الإحتمال الآخر، إذن سياق البقرة في قريش لم يضع احتمال إن يتولوا أو إن يعودوا، هذا الاحتمال وضعه في الأماكن الأخرى، ولذلك قال في البقرة (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)) لأنهم سيدخلون في الإسلام، لكن في الآخرين قال (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)) هو تحسُّب لما سيفعلون في المستقبل لم يضع التحسب في قريش، فكل واحدة في سياقها، التحسب له احتمالات في هؤلاء غير الاحتمالات في غيرهم كل واحدة لها احتمالاتها فخالف الاحتمالات وزاد كل واحدة بحسب احتمالاتها كل واحدة في مكانها.
☆إذن لا كلمة زائدة في القرآن الكريم؟
لا طبعاً.
العمل بالآيات
1- تبرع لإحدى الجمعيات الخيرية تقرباً إلى الله تعالى ومخالفة لصنيع المشركين، ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ لِيَصُدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ ﴾
2- بادر اليوم بتوبة صادقة إلى ربك تعالى؛ فقد وعد الكفار وهم أشد منك ذنباً بالتوبة والصفح إن انتهوا عن كفرهم، ﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِن يَنتَهُوا۟ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ﴾
3- أرسل رسالة تبشر فيها المسرفين بالذنوب والكبائر أن الله وعد الكفار وهم أشد منهم ذنباً بالعفو والصفح إن انتهوا عن كفرهم، ﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِن يَنتَهُوا۟ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾
التوجيهات
1- لا يغرنَّك كثرة المشاريع و الأموال المرصودة للصد عن سبيل الله؛ فستكون حسرة ووبالاً عليهم في الدنيا والآخرة، وستفشل خططهم، ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ لِيَصُدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ ﴾
2- أعظم فتنة هي وقوع الشرك واستقراره في البلد؛ ولذا أمر الله تعالى بدفع هذه الفتنة، ولو بالقتال،﴿ وَقَٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ ۚ ﴾
3- إذا عرفت أن الله مولاك فلم تخاف وتخشى؟! ﴿ وَإِن تَوَلَّوْا۟ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَىٰكُمْ ۚ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ ﴾
—————————————————–
الوجه (٦) من الأنفال
من ايه (٤١ ↔ ٤٥)
ص١٨٢
تفسير مبسط للوجه(٦ )
لسورة الأنفال ص (١٨٢)
الآية 41:
﴿ وَاعْلَمُوا ﴾ أيها المؤمنون
﴿ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾: أي إنكم إذا فزتم بشيءٍ من الغنائم وأنتم تجاهدون في سبيل اللهِ: ﴿ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾:
يعني فإنّ خُمس هذه الغنيمة يُقسَّم كالآتي: (الجزء الأول لله وللرسول، فيُجعَل في مصالح المسلمين العامة ويُنفَق منه أيضاً على الكعبة وسائر المساجد، والجزء الثاني لأقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم بنو هاشم وبنو عبد المُطَّلِب (فقد جُعِل لهم ذلك الجزء من الغنيمة مكان الصدقة لأن الصدقة لا تَحِلُّ لهم)، والجزء الثالث لليتامى، والرابع للمساكين، والخامس للمسافر المحتاج للنفقة).
- وأما الأربعة أخماس الباقين من الغنيمة: فإنها توَزَّع على المقاتلين الذين حضروا المعركة، بحيثُ يُعطَى الفارس (وهو الذي كان يقاتل راكباً على فرسه) ضعف ما يأخذ الراجل (وهو الذي كان يقاتل واقفاً على رجليه)، وذلك لِمَا للفارس مِن تأثير في الحرب، ولأنّ فرسه يحتاج إلى نفقة علف.
- فارْضوا بهذه القسمة التي شرعها اللهُ لكم ﴿ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ﴾: يعني إن كنتم مقرِّين بتوحيد الله، مُطيعينَ له، مؤمنين بما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والمَدَد والنصر ﴿ يَوْمَ الْفُرْقَانِ ﴾ أي يوم بدر (الذي فَرَق اللهُ فيه بين الحق والباطل) ﴿ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ﴾ أي جَمْعُ المؤمنين وجَمْعُ المشركين، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ فكما قدَرَ سبحانه على نَصْركم رغمَ قِلَّتِكُم، وعلى هزيمة عدوكم رغمَ كثرتهم، فكذلك هو قادرٌ على كل شيءٍ يريده.
- الآية 42:
﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا ﴾
(هذا تذكيرٌ للمؤمنين بساحة المعركة، التي ظهر فيها لُطف اللهِ تعالى بهم، حيثُ كان المشركون – في بادئ الأمر – يتميزون عنهم بحُسن الموقع، ثم قلَبَ اللهُ تعالى الكِفَّة لتكون في صالح المؤمنين، فقال لهم: اذكروا نعمة اللهِ عليكم حينما كنتم على حافة الوادي الأقرب إلى “المدينة” (وقد كانت أرضاً رملية تغوص فيها الأقدام)،
﴿ وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى ﴾:
يعني وكان عدوكم نازلاً بالحافة الأبعد عن “المدينة”
(وكانت أرضاً صلبة)، فلمَّا سبقهم جيش المشركين إليها، اغتمَّ المسلمون، فلمَّا أرسل اللهُ المطر: أصبحت الأرض الرملية – التي نزل بها المسلمون – قويَّة متماسكة (فلم تَعُقْ المسلمين عن المَسير)، وأصبحت الأرض الصلبة – التي نزلتْ بها قريش – زَلقة
(فعَطَّلتْهم عن المَسير) فلم يبلغوا بئر بدر إلا بعد أن وصل المسلمون إليه، فعندئذٍ اختار المسلمون أحسن موقع، واتخذوا حوضاً يكفيهم من الماء، فكان المسلمون يشربون، ولا يَجد المشركون ماءً.
﴿ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ﴾: أي واذكروا حينما كانت قافلة قريش التجارية – التي خرجتم مِن أجلها – في مكانٍ أسفلَ منكم (ناحية شاطئ “البحر الأحمر”) بقيادة أبي سفيان، وبالتالي فقد كنتم مُحاصَرين بجماعتين من المشركين (جيش أبي جهل مِن ناحية، وأبي سفيان ومَن معه مِن ناحيةٍ أخرى)، فلو فَطِنَ العدو لهذا الوضع، لَطَوَّقَ جيش المسلمين من الناحيتين، ولكنَّ اللهَ صرفهم عن التَفَطُّن لذلك، وكذلك صَرَفَ المسلمين عن محاولة الهجوم على القافلة، حتى لا يقعوا بين جماعتين من العدو، فللهِ الحمدُ والمِنّة.
﴿ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ﴾: يعني ولو حاولتم أيها المسلمون أن تضعوا موعدًا لهذا اللقاء بهذه الصورة لَتأخرتم – بل ولَتخلفتم – عن الميعاد، لأسبابٍ تقتضي ذلك (منها أنكم قِلَّة وهم كَثرة)،
﴿ وَلَكِنْ ﴾ اللهُ جَمَعَكم في وادٍ واحد على غير ميعادٍ ﴿ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾ – أي لابد مِن وقوعه – وهو نَصْر أوليائه وخِذْلان أعدائه، وذلك ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ ﴾ من المشركين ﴿ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾: أي عن حُجَّةٍ ظهرتْ له وقطعتْ عُذره أمامَ الله، إذ اتضَّحَ له – بعدما رأى الآيات يوم بدر – أنّ المشركين على باطلٍ وضلال، ثم رَضِيَ بذلك الباطل واستمر عليه، ﴿ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾: يعني ولِيحيا مَن نجا مِن المشركين عن حُجَّةٍ ظهرتْ له، فعَلِمَ ساعتَهَا أن الإسلامَ حق، وأن الرسولَ حق، وذلك بما أرَى اللّهُ الطائفتين من الأدلة والبراهين، ما يَتعظُ به المشركون، ويَزدادُ به الذين آمنوا إيماناً،﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ﴾
لأقوال الفريقين،
﴿ عَلِيمٌ ﴾بأفعالهم.
- الآية 43:
﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ﴾: أي اذكر – أيها النبي – حينما أراكَ اللهُ قِلَّة عدد عدوك في منامك، فأخبرتَ المؤمنين
بذلك، فقَوِيَتْ قلوبُهم، واجترؤوا على حَرْبهم، ﴿ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ ﴾ أي لَتردد أصحابك في مُلاقاتهم، ولَخافوا مِن لقائهم ﴿ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾: أي ولاَختلفتم في أمر القتال، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ﴾
من الفشل، ونجَّاكم مِن عاقبةِ ذلك، ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ: أي إنه سبحانه عليمٌ بخفايا القلوب وطبائع النفوس.
- الآية 44:
﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا ﴾: يعني واذكروا أيضًا حينما ظهر أعداؤكم في أرض المعركة، فرأيتموهم قليلين فاجترأتم عليهم، ﴿ وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ ﴾:يعني وقلَّلكم ربكم – أيها المؤمنون – في أعين المشركين، ليتركوا الاستعداد لِحَربكم (هذا قبل الالتحام، أما بعد الالتحام فقد رأى المشركونَ المؤمنين مِثلَيْهِم – أي يَزيدون عليهم في العدد زيادة كبيرة تبلغالضِعف -، وذلك حتى تتم هزيمتهم).
- وقد كان ذلك التدبير الإلهي ﴿ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾: أي ليتحقق وَعْدُ اللهِ لكم بالنصر، فإنه سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون، ﴿ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾: يعني وإلى اللهِ وحده تصير الأمور كلها، فما شاءَ منها كان، وما لم يَشأهُ لم يكن، فليس لأحدٍ فيها تأثير إلا بإذنهِ سبحانه.
- الآية 45:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً ﴾ أي إذا لقيتم جماعةً مِن أهل الكفر قد استعدوا لقتالكم
﴿ فَاثْبُتُوا ﴾ ولا تفِرُّوا منهم، وكونوا في صمودكم كالجبال الشامخة ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ مُكَبِّرين داعين مُتضَرِّعين لإنزال النصر عليكم؛ ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾: أي لكي تفوزوا بالنصر في الدنيا وبالجنة في الآخرة.
لمسات بيانية
آية (41):
* ما دلالة وصل (أنما) في آية سورة الأنفال (واعلموا أنما غنمتم من شىء )؟(د.فاضل السامرائى)
?هذا السؤال عائد إلى خط المصحف (الخط العثماني) وليس عائداً لأمر نحوي، وحسب القاعدة : خطّان لا يُقاس عليهما خط المصحف وخط العَروض. وفي كتابتنا الحالية نفصل (إن) عن (ما) وحقُّها أن تُفصل.
ابتداء يعود الأمر إلى خط المصحف سواء وصل أم فصل لكن المُلاحظ الغريب في هذه الآيات كأنما نحس أن للفصل والوصل غرض بياني. لو لاحظنا في آية سورة الأنعام (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ) فصل وفي الذاريات و المرسلات وصل(اِنَّمَا تُوعَدُونَ) فلولاحظنا الآيات نجد أنه تعالى لم يذكر في سورة الأنعام شيء يتعلّق بالآخرة أو متصلاً بها وإنما تكلم بعد الآية عن الدنيا (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)) ففصل ما يوعدون عن واقع الآخرة. بينما في سورة الذاريات وصل الأمر بأحداث الآخرة (وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)) والكلام في السورة جاء عن أحداث الآخرة فوصل (ما توعدون) بأحداث الآخرة فكأنما الفصل لفصل بين ما يوعدون وأحداث الآخرة وكذلك في سورة المرسلات دخل في أحداث الآخرة. فلمّا فصل الأحداث الآخرة عن ما يوعدون فصل (إن ما) ولمّا وصل الأحداث مع ما يوعدون وصل (إنما) وكذلك ما جاء في قوله تعالى في قصة موسى وفرعون (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) طه) السحرة صنعوا وانتهى الأمر،
? وكذلك قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) (الأنفال) هم غنموا وانتهى الأمر فوصل وتكلم عن شيء فعلوه. فكأنها ظاهرة غريبة وكأن الكاتب الذي كتب المصحف لحظ هذا وما في الفصل والوصل هذا والله أعلم.
وقد سبق أن تكلمنا عن الفصل والوصل في (لكيلا) و (لكي لا) في إجابتنا عن سؤال سابق.
?(ما) الموصولة هنا تختلف عن (إنما المؤمنون إخوة) التي هي ما الكافة والمكفوفة التي توصل مع (إن).
التوجيهات:
1- إذا رأيت رؤيا فلا تفسرها إلا عند من يجيد تعبير الرؤى، وغلِّب جانب التفاؤل دائما، ﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَىٰكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ﴾
2- إذا أراد الله أمراً هيأ له أسبابه، ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِىٓ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِىٓ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِىَ ٱللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ﴾
3- ذكر الله يقوي المجاهدين حال مقارعتهم لأعدائهم بالسيوف، أفلا يقويك على تيسير حاجاتك وحل مشكلاتك؟! فلا تغفل عنه، ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُوا۟ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًا ﴾
تدبرات من الايات :
– (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد) لم يتواعدوا فغنموا، (غنيمة الله تأتي بلا ميعاد) /عقيل الشمري
إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)
– (ولكن الله سلم) ﻻ تأسف : فالهﻻك (يأتيك) لكن الله (ينجيك) / عقيل الشمري
——————————————————–
الوجه (٧) من الأنفال
من ايه (٤٦ ↔ ٥٢)
ص١٨٣
تفسير مبسط للوجه (٧)
لسورة الأنفال ص١٧٣
الآية 46:
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾
والتزموا هذه الطاعة في جميع أحوالكم، ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾: أي ولا تختلفوا – وأنتم في مواجهة العدو – فتتفرق كلمتكم
وتختلف قلوبكم، وتذهب قوتكم، ﴿ وَاصْبِرُوا ﴾ عند لقاء العدو ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
بِالعَوْن والنصر والتأييد.
الآية 47:
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا ﴾:
أي ولا تكونوا مِثل المشركين الذين خرجوا ﴿ مِنْ دِيَارِهِمْ ﴾أي مِن بلدهم، وقد خرجوا
﴿ بَطَرًا ﴾: أي كِبرًا، مِن أجل العُلُوّ في الأرض، ﴿ وَرِئَاءَ النَّاسِ ﴾: يعني ولِيَراهم الناس ويَفتَخِروا بقوّتهم.
?• ثم ذكر تعالى مقصودهم الأعظم من هذا الخروج فقال: ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي إنهم خرجوا لإظهار قوتهم أمام الناس لِيُخَوّفوهم من الدخول في دين الله، ولِيُرغِموهم على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويُعذبوا مَن أجابَ دَعْوَته،
﴿ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ لا يَغيبُ عنه شيءٌ مِن أفعالهم وأقوالهم، وسيُعاقبهم على ذلك أشد العقوبة.
الآية 48:
﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾: يعني واذكروا حين حَسَّن الشيطانُ للمشركين أمْرَ إنقاذ القافلة وقتال المسلمين،
﴿ وَقَالَ ﴾ لهم: ﴿ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ﴾: يعني لن يَغلبكم اليوم أَحَد، فإني ناصركم عليهم، (وكان الشيطان في هذه الساعة في صورة رجل من أشراف القوم)، ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ ﴾: أي فلما تقابل الفريقان – المشركون ومعهم الشيطان، والمسلمون ومعهم الملائكة -: ﴿نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾: أي رجع الشيطان إلى الوراءِ هارباً من المعركة،
﴿ وَقَالَ ﴾ للمشركين: ﴿ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ ﴾ من الملائكة الذين جاؤوا مَددًا للمسلمين ﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ﴾: أي أخافُ أن يُعاجلني بالعقوبة في الدنيا ﴿ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾،
فكانَ خِذلانُ الشيطان للمشركين: تقديراً من اللهِ تعالى لِيُتِمّ النصرَ للمسلمين.
الآية 49:
﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ – وهم ضِعاف الإيمان – عندما رأوا خروجَ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى بدر: ﴿ غَرَّ هَؤُلَاء ﴾ المسلمين ﴿ دِينُهُمْ ﴾ فعَرَّضهم للمَهالك، وجَرَّأهم على الخروج لقتال قريش وهي تفوقهم عدداً وسلاحاً.
?• ولم يُدرك هؤلاء المنافقون أنه ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ ويَثِقْ بنصْره، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ ﴾ لن يَخذله، إنه سبحانه
﴿ عَزِيزٌ ﴾ لا يَغلبه أحد، ولا يمنعه أحد عن فِعل ما يريد ﴿ حَكِيمٌ ﴾ يَضع النصر لِمَن يَستحقه.
الآية 50والآية 51:
﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ ﴾: يعني ولو أنك – أيها الرسول – أبْصَرتَ هؤلاء الكفار يوم بدر – وقتَ انتزاع الملائكةِ لأرواحهم – لَرأيتَ أمرًا فظيعاً، إذ ﴿ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ أي يَضربونهم مِن أمامهم ومِن خلفِهم، ﴿ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾: أي ويقولون لهم: ذوقوا العذاب الشديد المُحرِق.
?• وقد اختلف المفسرون
في المُراد مِن قوْل الملائكة لهم – وهم في السَكَرات -: (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) فمنهم مَن قال: (كان مع الملائكة يوم بدر مقامع من حديد، كلما ضربوا المشركين بها، التهبتْ النار في جراحاتهم فتحرق أجسادهم)، ومنهم مَن قال بأنّ المُراد هو إخبارُهُم بأنهم سيذوقون عذاب الحريق عندما يدخلون جهنم في الآخرة، وهذا كقوله تعالى: ﴿ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴾، فهو بِشارةٌ لهم من الملائكة بعذابٍ أدهَى وأمَرّ مما هم فيهِ لِيَزدادوا حسرةً، واللهُ أعلم (واعلم أن هذا السِياق، وإن كان قد حدث في غزوة “بدر”، إلاَّ إنه عامٌّ في حق كلِّ كافر وقت السَكَرات).
?• ثم تقول الملائكة لهم: ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي ذلك التعذيب هو ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾: أي بسبب كُفركم وأعمالكم السيئة في حياتكم الدنيا، وليس بظلمٍ مِن اللهِ لكم، لأنّ اللهَ تعالى هو الحَكَمُ العدل، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ فلا يَظلم سبحانه أحدًا مِن خَلْقه مثقال ذرة، قال تعالى في الحديث القدسي – كما في صحيح مسلم -: “يا عبادي إني حرّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُهُ بينكم مُحَرَّماً فلا تَظَالَموا”.
الآية 52:
﴿ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ ﴾: يعني:إنّ شأنَ كفار قريش في تكذيبهم وما نزل بهم من العذاب، هي سُنَّة الله في عقاب الطغاة من الأمم السابقة، كما حدث لآل فرعون ﴿ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
فقد ﴿ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ ﴾
الواضحة ﴿ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾: أي فعاجَلهم اللهُ بالعقوبة بسبب تكذيبهم وعِنادهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.
لمسات بيانية
آية (50):
* ما اللمسة البيانية في عدم ذكرجواب الشرط فى قوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ ..(50)؟(د.فاضل السامرائى)
قد يُحذف للتعظيم وهذا ورد كثيراً في القرآن كما حذف جواب القسم في أوائل سورة ق (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1)). جواب الشرط يُحذف في القرآن كثيراُ كما في قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) سبأ) وقوله تعالى (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) الانشقاق) (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) الأنفال)وذلك حتى يذهب الذهن كل مذهب وهذا أمر عظيم فهناك من يستدعي العقوبات.
لمسات بيانية
آية (51):
* ما الفرق بين بما قدمت أيديكم وبما كسبت أيديكم ؟(د.فاضل السامرائى)
التقديم أن تعطي وتقدم مما عندك أما الكسب فأن تجمع وتأخذ بنفسك. ننظر كيف يستعمل القرآن قدمت وكسبت:
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم) قبلها ذكر كسباً غير مشروع (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) الروم) هذا كسب فقال بما كسبت أيديكم كسب وليس تقديم.
آية الشورى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (30)) قبلها ذكر كسب وسوء تصرف (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)) هذا كسب فقال كسبت.
آيات التقديم ليست في سياق الكسب مثال (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) الروم) قبلها قال (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)) ليس فيها كسب.
(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ (48) الشورى) ليس فيها كسب،
(لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) آل عمران) كأن هذا الكلام مقدم من قِبَلهم،
(وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) الأنفال)
التقديم لما فعلتم وقدمتم لآخراكم لكن الكسب يكون في نطاق الكسب والاستحواذ.
لمسات بيانية
آية (52)-(54):
* ما الفرق بين الآيات (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران)
و (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الأنفال)
و (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ (54) الأنفال)؟
ما الفرق بين كذبوا بآياتنا وكفروا بآياتنا؟
د.فاضل السامرائى :
لا شك أن الكفر أعمّ من التكذيب لأن التكذيب حالة من حالات الكفر.
ننظر كيف يكون التعبير مع كذبوا وميف يكون التعبير مع كفروا ولما اختار هنا كذبوا وهنا كفروا؟ في آل عمران قال تعالى (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران)
وفي الأنفال قال (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الأنفال)
أكّد بـ (إنّ) وأضاف كلمة (قوي) لأنه لما كان الكفر أعمّ وأشدّ شدد وأكّد (إن الله قوي شديد العقاب) وهناك قال (والله شديد العقاب) فإن أولاً لما قال كفروا وكفروا أعمّ من كذبوا فعمم (إن الله قوي شديد العقاب) أكّد قوته وشدد عقابه ولو قال شديد العقاب في الآية الثانية لا تدل على أنه قوي فقد يكون شديد العقاب ولكن غير قوي.
في سورة الأنقال نفسها آية أخرى (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ (54) الأنفال) عرفنا كيف ختم الآية (والله شديد العقاب) (إن الله قوي شديد العقاب) لم اختار هنالك كذبوا وهنا كفروا وهنا في الأنفال كذبوا؟ نلاحظ قلنا أن الكفر أعمّ من التكذيب، ننظر في الآيات: ذكر في آل عمران حالة جزئية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا (10) آل عمران) ذكر أمرين: الأموال والأولاد ولكن هل عدم الإغناء هذا فقط؟ هناك الأتباع، الآلهة، السلطان والله تعالى ذكر كثيراً من حالات الاستغناء (وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ (21) إبراهيم) هذا غير الأولاد، (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) الحاقة) السلطان، (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ (101) هود) الآلهة، (لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا (26) النجم) الشفعاء. إذن ذكر حالة جزئية فلما ذكر حالة جزئية ذكر حالة جئية من الكفر وهي التكذيب.
(وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الأنفال) حالة عامة ليس فيها ذكر حالة جزئية. لما ذكر حالة جزئية وصفهم بحالة جزئية وهو التكذيب ولما ذكر حالة عامة ذكر بأمر عام وختم كل آية بما يناسبها. التكذيب جزء من الكفر بآيات الله. رب العالمين قال (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) إذن الجحود غير التكذيب، هناك جحود وتكذيب وكفر. لا يكذب لكن يرى أن لله ولداً! هناك فرق. (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (14) النمل) حالة جزئية لأن حالات الكفر ليست محددة بهذه الجزئية. التكذيب من الكفر وهو حالة جزئية من الكفر.
هل يستقيم المعنى اللغوي السليم أن يأتي بجالة عامة ثم يأتي بالتكذيب؟ هذا ليس من اللغة وإنما من البلاغة. الأحمق العربي يتكلم كلاماً صحيحاً لكن ليست بليغاً. أي جملة على السياق النحوي صحيحة لكن هل هي بليغة؟ فرق أن يأتي بالكلام صحيحاً وبين هل هو بلاغة؟ هل هذا ما يقتضيه السياق والمقام؟ وجمال القرآن يكمن في هذه الأشياء وليس في النحو.
التوجيهات:
1- احرص على جمع القلوب على شريعة الإسلام؛ وخاصةً في أوقات الشدائد والملمات، ﴿ ۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ ﴾
2- اعرض أفكارك دائما على الكتاب والسنة، ولاتتردد في رد ما خالفهما حتى لا يزينه الشيطان لك، ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ ﴾
3- كل شيطان من الإنس والجن سيتخلى عن من أغواه ويتبرأ منه إذا وقع في العذاب، فإياك والاستسلام لهم، ﴿ ۖ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِىٓءٌ مِّنكُمْ إِنِّىٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ ﴾
العمل بالآيات
1- حذر من حولك بكلمة أو رسالة توجيهية من النزاع؛ فإن النزاع بداية الفشل، ﴿ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾
2- أصلح بين اثنين من المتخاصمين حولك، ﴿وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾
——————————————–
الوجه (٨) من الأنفال
من ايه (٥٣ ↔ ٦١)
ص١٨٤
تفسير مبسط للوجه (8)
لسورة الأنفال ص184
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)
[سورة اﻷنفال 55]
(الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ)
[سورة اﻷنفال 56]
(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)
[سورة اﻷنفال 57]
تفسير الآيات من 55 الى 57 : هؤلاء الذين جمعوا هذه الخصال الثلاث: الكفر، وعدم الإيمان، والخيانة، بحيث لا يثبتون على عهد عاهدوه ولا قول قالوه، هم شر الدواب عند الله فهم شر من الحمير والكلاب وغيرها، لأن الخير معدوم منهم، والشر متوقع فيهم ، فإذهاب هؤلاء ومحقهم هو المتعين، لئلا يسري داؤهم لغيرهم،
ولهذا قال: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ} أي: تجدنهم في حال المحاربة، بحيث لا يكون لهم عهد وميثاق. {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} أي: نكل بهم غيرهم، وأوقع بهم من العقوبة ما يصيرون [به] عبرة لمن بعدهم {لَعَلَّهُمْ} أي من خلفهم {يَذْكُرُونَ} صنيعهم، لئلا يصيبهم ما أصابهم،
??وهذه من فوائد العقوبات والحدود المرتبة على المعاصي، أنها سبب لازدجار من لم يعمل المعاصي، بل وزجرا لمن عملها أن لا يعاودها. ودل تقييد هذه العقوبة في الحرب أن الكافر ـ ولو كان كثير الخيانة سريع الغدر ـ أنه إذا أُعْطِيَ عهدا لا يجوز خيانته وعقوبته
(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)
[سورة اﻷنفال 58]
أي: وإذا كان بينك وبين قوم عهد وميثاق على ترك القتال فخفت منهم خيانة،بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة.
{فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ} عهدهم، أي: ارمه عليهم، وأخبرهم أنه لا عهد بينك وبينهم.
{عَلَى سَوَاءٍ} أي: حتى يستوي علمك وعلمهم بذلك، ولا يحل لك أن تغدرهم، أو تسعى في شيء مما منعه موجب العهد، حتى تخبرهم بذلك.
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} بل يبغضهم أشد البغض، فلا بد من أمر بيِّنٍ يبرئكم من الخيانة.
?ودلت الآية على أنه إذا وجدت الخيانة المحققة منهم لم يحتج أن ينبذ إليهم عهدهم، لأنه لم يخف منهم، بل علم ذلك، ولعدم الفائدة ولقوله: {عَلَى سَوَاءٍ} وهنا قد كان معلوما عند الجميع غدرهم.
? ودل مفهومها أيضًا أنه إذا لم يُخَفْ منهم خيانة، بأن لم يوجد منهم ما يدل على ذلك، أنه لا يجوز نبذ العهد إليهم، بل يجب الوفاء إلى أن تتم مدته.
(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ۚ إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ)
[سورة اﻷنفال 59]
أي: لا يحسب الكافرون بربهم المكذبون بآياته، أنهم سبقوا اللّه وفاتوه، فإنهم لا يعجزونه، واللّه لهم بالمرصاد. وله تعالى الحكمة البالغة في إمهالهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة، التي من جملتها ابتلاء عباده المؤمنين وامتحانهم، وتزودهم من طاعته ومراضيه، ما يصلون به المنازل العالية، واتصافهم بأخلاق وصفات لم يكونوا بغيره بالغيها،
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)
[سورة اﻷنفال 60]
أي {وَأَعِدُّوا} لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم. {مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي: والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير.
?ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ألا إن القوة الرَّمْيُ) ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال،
?ولهذا قال تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته. فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها،حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة، وجب ذلك، لأن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب
? وقوله: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْْ} ممن تعلمون أنهم أعداؤكم. ْ{وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ} ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت الذي يخاطبهم الله به ْ{اللَّهُ يَعْلَمُهُم}ْ فلذلك أمرهم بالاستعداد لهم،ومن أعظم ما يعين على قتالهم بذلك النفقات المالية في جهاد الكفار.
?ولهذا قال تعالى مرغبًا في ذلك: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّه}ِ قليلا كان أو كثيرًا {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} أجره يوم القيامة مضاعفًا أضعافًا كثيرة، حتى إن النفقة في سبيل اللّه، تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.{وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} أي: لا تنقصون من أجرها وثوابها شيئًا.
(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
[سورة اﻷنفال 61]
يقول تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا} أي: الكفار المحاربون، أي: مالوا {لِلسَّلْمِ} أي: الصلح وترك القتال. {فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أي: أجبهم إلى ما طلبوا متوكلًا على ربك، فإن في ذلك فوائد كثيرة. منها:
?أن طلب العافية مطلوب كل وقت، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك، كان أولى لإجابتهم.
?ومنها: أن في ذلك إجمامًا لقواكم، واستعدادا منكم لقتالهم في وقت آخر، إن احتيج لذلك.
? ومنها: أنكم إذا أصلحتم وأمن بعضكم بعضًا، وتمكن كل من معرفة ما عليه الآخر، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه،.فكل من له عقل وبصيرة إذا كان معه إنصاف فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان، لحسنه في أوامره ونواهيه، وحسنه في معاملته للخلق والعدل فيهم، وأنه لا جور فيه ولا ظلم بوجه، فحينئذ يكثر الراغبون فيه والمتبعون له. فصار هذا السلم عونا للمسلمين على الكافرين. ولا يخاف من السلم إلا خصلة واحدة، وهي أن يكون الكفار قصدهم بذلك خداع المسلمين، وانتهاز الفرصة.
الدروس المستفادة
الكفار أحط منزلة من البهائم بإعراضهم عن الله
اذا خاف المسلم من عدوه خيانة فعليه أن ينبذ إليه العهد إن الله لا يحب الخائنين
الكفرة مهما أوتوا من قوة فلن يعجزوا الله
الأمر بالإعداد للجهاد بكل ما أوتي المسلم من وسائل مادية ومعنوية
اذا مال العدو للمسالمة مع ظهور المسلمين عليهم وقوتهم في وجه الكافرين فلا حرج أن يجنح المسلمين لها
لمسات بيانية
ماالفرق بين اعتدنا وأعددنا فى القرآن الكريم ؟ (د.فاضل السامرائى)
أعتد فيها حضور وقرب والعتيد هو الحاضر (هذا ما لدي عتيد) أي حاضر وقوله (وأعتدت لهن متكئاً بمعنى حضّرت أما الإعداد فهو التهيئة وليس بالضرورة الحضور كما في قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم) بمعنى هيّأوا وليس حضروا وقوله (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدّة) أما في سورة النساء فقال تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً {18}) لأنهم ماتوا فأصبح الحال حاضراً وليس مهيأ فقط، وكذلك ما ورد في سورة الفرقان (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً {37}) قوم نوح أُغرقوا وماتوا أصلاً فجاءت أعتدنا. أما في سورة النساء (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً {93}) هؤلاء لا يزالون أحياء وليسوا أمواتاً فجاءت أعد بمعنى هيّأ. ومما سبق نقول أنه في آية سورة الإنسان بما أن جزاء أهل الجنة بالحضور بصيغة الوقوع لا بصيغة المستقبل كذلك يقتضي أن يكون عقاب الكافرين حاضراً كما أن جزاء المؤمنين حاضر فقال تعالى في أهل الجنة (يشربون من كأس، ولقّاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا) وجاء عقاب الكافرين حاضراً بصيغة الوقوع فقال تعالى (إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا).
لمسات بيانية
آية (52)-(54):
* ما الفرق بين الآيات (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران) و (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الأنفال) و (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ (54) الأنفال)؟ ما الفرق بين كذبوا بآياتنا وكفروا بآياتنا؟
د.فاضل السامرائى :
لا شك أن الكفر أعمّ من التكذيب لأن التكذيب حالة من حالات الكفر. ننظر كيف يكون التعبير مع كذبوا وميف يكون التعبير مع كفروا ولما اختار هنا كذبوا وهنا كفروا؟ في آل عمران قال تعالى (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران) وفي الأنفال قال (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الأنفال) أكّد بـ (إنّ) وأضاف كلمة (قوي) لأنه لما كان الكفر أعمّ وأشدّ شدد وأكّد (إن الله قوي شديد العقاب) وهناك قال (والله شديد العقاب) فإن أولاً لما قال كفروا وكفروا أعمّ من كذبوا فعمم (إن الله قوي شديد العقاب) أكّد قوته وشدد عقابه ولو قال شديد العقاب في الآية الثانية لا تدل على أنه قوي فقد يكون شديد العقاب ولكن غير قوي.
في سورة الأنقال نفسها آية أخرى (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْكَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ (54) الأنفال) عرفنا كيف ختم الآية (والله شديد العقاب) (إن الله قوي شديد العقاب) لم اختار هنالك كذبوا وهنا كفروا وهنا في الأنفال كذبوا؟ نلاحظ قلنا أن الكفر أعمّ من التكذيب، ننظر في الآيات: ذكر في آل عمران حالة جزئية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا (10) آل عمران) ذكر أمرين: الأموال والأولاد ولكن هل عدم الإغناء هذا فقط؟ هناك الأتباع، الآلهة، السلطان والله تعالى ذكر كثيراً من حالات الاستغناء (وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ (21) إبراهيم) هذا غير الأولاد، (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) الحاقة) السلطان، (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ (101) هود) الآلهة، (لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا (26) النجم) الشفعاء. إذن ذكر حالة جزئية فلما ذكر حالة جزئية ذكر حالة جئية من الكفر وهي التكذيب.
(وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الأنفال) حالة عامة ليس فيها ذكر حالة جزئية. لما ذكر حالة جزئية وصفهم بحالة جزئية وهو التكذيب ولما ذكر حالة عامة ذكر بأمر عام وختم كل آية بما يناسبها. التكذيب جزء من الكفر بآيات الله. رب العالمين قال (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) إذن الجحود غير التكذيب، هناك جحود وتكذيب وكفر. لا يكذب لكن يرى أن لله ولداً! هناك فرق. (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (14) النمل) حالة جزئية لأن حالات الكفر ليست محددة بهذه الجزئية. التكذيب من الكفر وهو حالة جزئية من الكفر.
هل يستقيم المعنى اللغوي السليم أن يأتي بجالة عامة ثم يأتي بالتكذيب؟ هذا ليس من اللغة وإنما من البلاغة. الأحمق العربي يتكلم كلاماً صحيحاً لكن ليست بليغاً. أي جملة على السياق النحوي صحيحة لكن هل هي بليغة؟ فرق أن يأتي بالكلام صحيحاً وبين هل هو بلاغة؟ هل هذا ما يقتضيه السياق والمقام؟ وجمال القرآن يكمن في هذه الأشياء وليس في النحو.
لمسات بيانية
آية (57):
* ما الفرق بين يذّكرون ويتذكرون؟(د.فاضل السامرائى)
يذّكرون أصلها يتذكرون في اللغة صار فيها إبدال. وأصل الفعل الثلاثي ذَكَر يذكر (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) مريم) الفعل الثلاثي المجرد هو (ذكر). تذكّر هذا مزيد بالتاء والتضعيف. إذّكّر حصل فيه إبدال التاء صارت ذالاً وهذا إبدال جائز، التاء صار فيها إبدال يصير إدغام (ذال وذال) الأول ساكن والعرب لا تبدأ بالساكن فجاءوا بالهمزة فقالوا إذّكّر مثل إطّهر، إفّعل، إدّبر هذا كله من الإبدال الجائز. إذن يتذكرون ويذّكّرون هما في الأصل فعل واحد لكن أحدهما فيه إبدال والآخر ليس فيه إبدال: يتطهرون ويطّهرون، يدّبر ويتدبر أصلهما فعل واحد لكن أحدهما حصل فيه إبدال والآخر ليس فيه إبدال، هذا من الناحية اللغوية الصرفية. لكن كيف يستعمل القرآن يتذكرون ويذّكّرون؟ يتذكرون ويذّكرون من حيث اللغة واحد حصل إبدال كما في اصتبر واصطبر (التاء صارت طاء)، إزتحم وازدحم هذا إبدال واجب، وهناك إبدال جائز (يتذكرون ويذّكرون).
إستخدام القرآن الكريم في هذا ونظائره: يتذكر ويذّكّر أيها الأطول في المقاطع؟ (يتذكر: ي/ت/ذ/ك/ر/) خمسة مقاطع، (يذّكّر: ي/ذ/ك/ر/) أربعة مقاطع. يتذكر أطول ومقاطعه أكثر هذا أمر. والأمر الآخر يتذكّر فيها تضعيف واحد ويذّكّر فيها تضعيفان. إذن عندنا أمران: أحدهما مقاطعه أكثر (يتذكر) والآخر فيه تضعيف أكثر (يذّكّر) والتضعيف يدل على المبالغة والتكثير. القرآن الكريم يستعمل يتذكر الذي هو أطول لما يحتاج إلى طول وقت ويستعمل يذّكّر لما فيه مبالغة في الفعل وهزة للقلب وإيقاظه. مثال (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (35) النازعات) يتذكر أعماله وحياته كلها فيها طول، (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) الفجر) يتذكر حياته الطويلة. (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ (37) فاطر) العمر فيه طول. (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) الأنفال) هؤلاء يحتاجون إلى هزة، ما عندهم قلب ويحتاجون إلى تشديد لتذكر الموقف، هنا موقف واحد وهناك عمر كامل. يحتاجون إلى من يوقظهم ويحتاجون إلى مبالغة في التذكر تخيفهم وترهبهم وليس تذكراً عقلياً فقط وإنما هذا تذكر فيه شدة وتكثير للتذكر ومبالغة فيه بحيث تجعله يستيقظ، هذا يسمى مبالغة في التذكر. (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) التوبة) هؤلاء في قلوبهم رجس يحتاجون إلى هزة توقظ قلوبهم ليس مسألة تعداد. (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (41) الإسراء) ليعتبر. إذن يتذكر ويذّكّر الصيغتان في القرآن عموماً. يتذكر لما هو أطول وهو تذكر عقلي ويذّكّر فيه مبالغة وفيه إيقاظ للقلب، تهز القلب. يذّكّر فيه إيقاظ للقلب وهزة ومبالغة مع أن الجَذر واحد.
لمسات بيانية
آية (60):
*ما نوع العداوة بين ابليس والبشر؟عندما تذكر العداوة بالنسبة للكفار فتنسب عداوة لله والمؤمنين (عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) الأنفال) بينما لما يذكر عداوة الشيطان تكون فقط للمؤمنين (أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) يس)؟(د.فاضل السامرائى)
هي عامة لا تنحصر بشيء من التحريش بين المؤمنين وإثارة الإحن فيما بينهم (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) يوسف) (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53) الإسراء) (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ (42) يوسف) عداوة عامة حتى (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) الشيطان أنساه وهذا من عداوة الشيطان، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة) (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ص) إذا عداوة الشيطان عامة حتى يورده مورد الهلكة وحتى يدخله النار في الآخرة. في اللغة كلمة عدو عام. الفعل عادى عداءً العداء ليس بالضرورة مصدر عادى (فاعل فِعال). إذن هذه عداوة على مختلف الأصعدة حتى يورده مورد الهلكة في النار (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4) الحج) فالعداوة عامة لا تنحصر في شيء.
العمل بالآيات
☄1- ابحث عن معصية في نفسك قد تكون غافلا عنها، وتب إلى الله منها، لعل الله أن يغير حالك إلى الأفضل، ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ ﴾
☄2- تـأمل قصـة فـرعـون، وما آل إليه، ثم استـخـرج ثـلاثا من فـوائدهـا، ﴿ كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ ۙ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَٰهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ ۚ وَكُلٌّ كَانُوا۟ ظَٰلِمِينَ ﴾
☄3- ابحث في نفسك عن موهبة أنعم الله بها عليك، ثم استخدمها في طاعة الله وخدمة دينه، ﴿ وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
————————————————-
الوجه (٩) من الأنفال
من ايه (٦٢ ↔ ٦٩)
ص١٨٥
أسباب النزول:
– قولُهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [64]:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ والحارث قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ الْمُغَلِّسِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ :
أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ أَسْلَمَ فَصَارُوا أَرْبَعِينَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
أسباب النزول:
.- قَوْلُهُ تَعَالَى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} الْآيَةَ [67- 69]:
?قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرَى الرَّأْيَ فَيُوَافِقُ رَأْيَهُ مَا يَجِيءُ مِنَ السَّمَاءِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَشَارَ فِي أُسَارَى (بَدْرٍ)، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: بَنُو عَمِّكَ افْدِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْتُلْهُمْ، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى}
?وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْأُسَارَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: قَوْمُكَ وَعَشِيرَتُكَ خَلِّ سَبِيلَهُمْ، وَاسْتَشَارَ عُمَرَ فَقَالَ: اقْتُلْهُمْ، فَفَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} قَالَ: فَلَقِيَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَرَ فَقَالَ: كَادَ أَنْ يُصِيبَنَا فِي خِلَافِكَ بَلَاءٌ.
تفسير مبسط للوجه (٩ )
من سورة الأنفال ص ١٨٥
الآيه 62الآيه 63:
﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ ﴾
بإظهار المَيْل إلى السلم – وهم في نِيَّتهم الغدر بك – فامضِ في صُلحِك ولا تَخَف منهم
﴿ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ﴾: يعني فإنّ اللهَ سيَكفيك خِداعهم ومَكرهم؛
إنه ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي أنزل عليك نصْره، وقوَّاك بالمؤمنين من المهاجرين والأنصار ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾: أي وجَمَعَ بين قلوب الأنصار بعدما كانت متنافرة يُعادي بعضهم بعضاً، وتقوم بينهم الحروب لأتفه الأسباب، ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾: يعني لو أنفقتَ – أيها النبي- مالَ الدنيا لِتجمع قلوبهم، ما استطعتَ إلى ذلك سبيلاً، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ بأنْ جَمَعهم على الإيمان فأصبحوا إخوةً مُتحابين، ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ عَزِيزٌ ﴾ أي غالبٌ على أمره، إذا أراد شيئاً، قال له: (كن فيكون)، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في فِعله وتدبير أمور خلقه.
الآية 64:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾:
يعني إن الله كافيك – وكافي الذين معك من المؤمنين – شرَّ أعدائكم.
الآية 65، والآية 66:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ ﴾ أي حُثَّ ﴿ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ﴾، وأخبِرْهم بأنه: ﴿ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ ﴾ عند لقاء العدو (لا يَضعُفون ولا يَجبُنون، بل يَثبُتون ويُقاتلون)، فإنهم
﴿ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ منهم، ﴿ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ ﴾ مجاهدة صابرة: ﴿ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾، ذلك ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾: أي لأن الكافرين قومٌ لا عِلْمَ لهم – ولا فَهْم – لِمَا أعدَّهُ اللهُ في الجنةِ للمجاهدين في سبيله، فهم يقاتلون فقط من أجل العُلُوّ في الأرض والفساد فيها، فلذلك هم لا يَصبرون على القتال، لأنهم إذا خافوا على حياتهم: تركوا القتال طلباً للحياة، أما أنتم فتفهمون المقصود من القتال، وهو إعلاء كلمة اللّهِ تعالى وإظهار دينه، وحصول الفوز الأكبر عند اللّه، فلذلك يجب أن تصبروا.
?• ولَمَّا شَقَّ على المؤمنين ثبات العشرة أمام المائة،
والعشرين أمام المائتين، والمائة أمام الألف، خفّف اللهُ عنهم ذلك الحُكم بقوله: ﴿ الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ﴾ أيها المؤمنون ﴿ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾: أي وذلك التخفيف بسبب ما يَعلمه سبحانه فيكم مِن الضَعف، ﴿ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ من الكافرين، ﴿ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ ﴾ منهم ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ أي بمعونته، إذ لا نَصْرَ إلاَّ بعَوْنٍ من الله تعالى، ﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ بتأييده ونصره.
? واعلم أن هذه الآية تحمل وعداً من الله تعالى للمؤمنين بأنهم إذا بلغوا هذا العدد المُحَدَّد في الآية، فإنهم سيَغلبون ذلك العدد المُحَدَّد من الكفار (وهو أن الواحد من المؤمنين يَغلب اثنين من الكفار)، بشرط أن يَصبروا ويَثبُتوا أمام الأعداء، وفي هذا تقويةٌ لقلوب المؤمنين، وبشارةٌ لهم بالنصر، إذا حققوا الشروط الإيمانية والمادية.
الآيه 67:
?• ثم عاتبَ اللهُ نبيَّه
والمسلمين عندما أخذوا الفِداءمن أسْرَى بدر مقابل إطلاق سَراحهم، فقال لهم: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ﴾ مِن أعدائه الكفار
﴿ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾: أي حتى يَقتل جميع الأسْرَى، ولا يُبقِي مُشرِكاً في ساحة المعركة، لِيُدخل بذلك الرعب في قلوب المشركين في أنحاء الأرض، لِيَكُفوا عن شَرِّهم وتَضعُف قوَّتهم.
?• فما دامَ للمشركين شَرٌّ وقوَّة، فالأوْلَى ألاَّ يُؤسَروا، فإذا بَطُلَ شرُّهم وضَعُفتْ قوَّتهم: جازَ للمسلمين الإبقاء على الأسرى أحياءً، لِيَمُنُّوا عليهم بلا مقابل أو لِيُفادوهم بالمال، ﴿ تُرِيدُونَ ﴾ يا معشر المسلمين – بأخْذكم الفداء من أسرى “بدر” – ﴿ عَرَضَ الدُّنْيَا ﴾ أي المال (لأنه عارِض ويزول فلا يَبقى)، ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ﴾: يعني واللهُ يريد لكم النعيم الباقي في الآخرة إذا أظهرتم دينه، ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ﴾
يَنصر مَن توكل عليه،
﴿ حَكِيمٌ ﴾ في شرعه وتدبيره، فاطلبوا أيها المؤمنون رضاهُ بتَرْكَ ما تريده أنفسكم لِمَا يريد هو سبحانه.
?• واعلم أن هذا العتاب لم يَنَل عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ رضي الله عنهما، لأنهما كانا يريدان قتل الأسرَى وعدم أخْذ الفداء منهم.
الآية 68 والآية 69:
﴿ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ ﴾:
يعني لولا ما كَتبه اللهُ وقدَّره بإباحة الغنائم وفِداء الأسرى لهذه الأُمَّة: ﴿ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾: أي لَأصابكم عذابٌ عظيم بسبب أخْذِكم الفداء قبل أن ينزل بشأنِهِ تشريع.
?• ثم أذِنَ اللهُ تعالى لأهل بدر أن يأكلوا من الغنائم وفداء الأسرى، فقال لهم: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ بالمحافظة على أحكام دينه وتشريعاته ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ حيثُ غفر لكم ما وقع منكم، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بكم، حيثُ أباحَ لكم الغنائم وجعلها حلالاً طيباً، وفي الحديث الصحيح: (لعلَّ اللهَ قد اطَّلعَ على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غُفِرَ لكم).
لمسات بيانيه
ما الفرق بين يا أيها النبي ويا أيها الرسول؟(د.فاضل السامرائى)
الرسول من الرسالة التبليغ حتى لو لم يكن نبياً (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) مريم) الرسول معه رسالة تبيلغ والنبي أعم قد يكون رسولاً وقد يكون لنفسه ليس مكلفاً بتبليغ دعوة إلى الآخرين. كلمة النبي أعم وكل رسول نبي وليس كل نبي رسول. قد يكون ليس مكلفاً بالتبليغ مثل يعقوب عليه السلام غير مكلف بالتبليغ هو نبي وإسحق نبي، المكلف بالرسالة والتبليغ هو رسول وغير المكلف هو نبي والنبي قد يكون رسولاً وقد يكون غير رسول. لما في القرآن يقول يا أيها الرسول ينظر فيها إلى جانب التبليغ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ (67) المائدة) فالنبي أعم وقد يكون رسولاً فقد يستعمل في جانب الرسالة والدعوة والتبليغ وقد يستعمل في جانب آخر في الجانب الشخصي في غير التبليغ مثال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ (67) المائدة) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ (41) المائدة) النبي عامة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ (65) الأنفال) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى (70) الأنبياء) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ (73) التوبة) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ (28) الأحزاب) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ (1) التحريم) هذا شيء شخصي بينه وبين أزواجه. إذن النبي عامة. القرآن يستخدم يا أيها الرسول إذا كان يتكلم في أمر الرسالة والتبليغ والنبي عامة.
المتشابهات:
(وإن يريدوا )
☆{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} (62)
☆{وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }(71)
المتشابهات
(ياأيها النبي):
☆{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} (64)
☆{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُون}َ (65)
☆{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
التوجيهات:
1- الأخوة إذا كانت إيمانية حقيقة فإنها تذهب ما في القلوب من الضغينة والشحناء، ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾
2- معية الله بالعلم والتأييد والنصر هي للصابرين المؤمنين دون أهل الجزع والمشككين، ﴿ ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا۟ مِا۟ئَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوٓا۟ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾
3- مهما كان العبد فإنه يحتاج إلى رحمة الله تعالى؛ لأنه ضعيف لا يملك من أمره شيئاً، ﴿ ٱلْـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾
4-﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ﴾
قال ابن عباس: …إن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء، ثم قرأ هذه الآية. ا
العمل بالآيات:
1- ادع الله تعالى بإلحاح أن يؤلّف بين قلوب إخوانك من المسلمين، ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
2- أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقول: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ ﴾
—————————————————–
الوجه (١٠) من الأنفال
من ايه (٧٠ ↔ ٧٥)
ص١٨٦
تفسير مبسط للوجه(١٠ )
من سورة الأنفال ص (١٨٦)
الآية 70:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى ﴾ الذين دفعوا المال فِداءً لهم من الأسر: لا تحزنوا على الفداء الذي أُخِذَ منكم، لأنه ﴿ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا ﴾ أي إيماناً صادقاً وإسلاماً حقيقياً: ﴿ يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ ﴾ من المال، بأن يُيَسِّر لكم من فضله خيرًا كثيرًا ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ ذنوبكم،
﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾ لذنوب عباده التائبين، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم حيثُ قَبِلَ توبتهم وأعانهم عليها.
سبب النزول:
- واعلم أنّ هذه الآية قد نزلتْ في العباس – عم رسول الله صلى الله عليه وسلم -، وذلك لأنه بعد أن وقع في الأسْر، أسلَمَ وأظهَر إسلامه، ثم طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يَرُدَّ عليه ما أُخِذَ منه مِن فدية، فرفض الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فأنزل اللهُ هذه الآية وأوْفَى بوعده للعباس رضي الله عنه، ففي صحيح مسلم أنه لَمَّا قَدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم مالٌ من البحرين، قال له العباس: (إني فادَيْتُ نفسي – أي مِن الأسر – وفادَيْتُ عُقَيْلاً)، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (خُذ)، فبَسَطَ العباس ثوبه وأخذ ما استطاع أن يَحمله، وقال: (هذا خيرٌ مما أُخِذَ مِنِّي، وأنا أرجو أن يَغفر اللهُ لي).
- الآية 71:
﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ ﴾: يعني وإن يُرِدْ هؤلاء – الذين أَطْلَقْتَ سَراحهم – أن يَخونوك، بأن يُظهروا إسلامهم لك، ثم إذا عادوا إلى ديارهم، عادوا إلى كُفرهم، فلا تهتم بهم ولا تخَف مِن كَيدهم ﴿ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي مِن قبل وقوعهم في الأسر، وذلك بكُفرهم في مكة ومحاربتك ﴿ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ﴾
المؤمنين، وجعلهم في قبضتهم، فقتلوهم وأسَرُوهم،
﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بنِيَّات هؤلاء الأسرى، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ فيما يَحكمُ به عليهم، ألاَ فلْيَتقوه سبحانه، ولْيَصدقوا في إسلامهم، فإنّ ذلك خيرٌ لهم.
- الآية 72:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا ﴾
من دار الكُفر إلى دار الإسلام – أو إلى بلدٍ يتمكنون فيه من عبادة ربهم – ﴿ وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أي مِن أجل أن يُعبَدَ اللهُ وحده ولا يُعبَد معه غيره،
﴿ وَالَّذِينَ آَوَوْا ﴾: يعني وكذلك الأنصار الذين أنزلوا الرسول والمهاجرين في ديارهم، وأعطوهم مِن أموالهم،
﴿ وَنَصَرُوا ﴾ دين الله تعالى ﴿ أُولَئِكَ ﴾ – أي المهاجرون والأنصار – ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾: أي بعضهم نُصَراءُ بعض.
?• فهذا هو الصِنف الأول من المؤمنين – وهم المهاجرون والأنصار – أكْمَلُ المؤمنينَ وأعلاهم درجة، وأما الصِنف الثاني من المؤمنين فهو المذكور في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ أي باللهِ ورسوله والدار الآخرة، ولكنهم رَضُوا بالبقاء بين الكافرين ﴿ وَلَمْ يُهَاجِرُوا ﴾ من دار الكُفر ويَلتحقوا بالمسلمين في “المدينة”، فهؤلاء ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾: يعني لستم مُكَلَّفين بحمايتهم
ونُصرَتهم ﴿ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾،
﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ ﴾: يعني وإن قوتِلوا وظُلِموا مِن أجل دينهم فطلبوا نُصْرَتكم: ﴿ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾: أي فعليكم نَصْرَهم والقتال معهم (وأما إن قوتِلوا بسبب أمْرٍ من الأمور الدُنيوية، فليس عليكم نَصْرهم طالما أنهم لم يهاجروا).
?• ثم اشترط تعالى شرطاً لِنُصْرتهم، وهو: ﴿ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ﴾: يعني وإن كان المؤمنون – الذين لم يهاجرو – يقاتلون قوماً بينكم وبينهم مُعاهدة سِلم، ولم يَنقضوا عهدهم معكم، فعليكم أن توفوا بعهدكم ولا تقاتلوهم، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ هذا تحذيرٌ للمسلمين لِئَلاّ يَحملهم العطف على المسلمين على أن يقاتلوا قوماً بينهم وبينهم ميثاق.
- الآية 73:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ أي بعضهم نُصَراءُ بعض، ﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾: يعني وإن لم تكونوا – أيها المؤمنون – نُصراءَ بعض: ﴿ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي صدٌ للمسلمين عن دينهم، ﴿ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ بانتشار الشرك والفساد في الأرض، وتقوية ركائز الكفر.
- الآية 74:
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾ هذا هو الصِنف الأول من المؤمنين، أعادَ اللهُ ذِكْرَهُ لِيَذكُر له جزاءه، فقال:
﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم بسِترها وعدم المؤاخذة عليها، ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ وهو نعيم الجنة، في جوار ربهم سبحانه وتعالى.
الآية75:
- ثم ذكَرَ تعالى الصِنف الثالث من أصناف المؤمنين
بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ ﴾ أي مِن بعد الهجرة،
﴿ وَهَاجَرُوا ﴾ إلى المدينة بعد صُلْح الحُدَيْبِيَة، ﴿ وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ ﴾ في سبيل الله،
﴿ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ ﴾ أيها المؤمنون، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم.
?• فهذه النُصرة الإيمانية
كانَ لها شأنٌ عظيم، حتى إنّ النبي صلى الله عليه وسلم آخَى بين المهاجرين والأنصار أُخُوَّةً خاصة – غير الأُخُوّة الإيمانية العامَّة – حتى كانوا يتوارثون بها، فنسَخَ اللّهُ ذلك بقوله: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ ﴾
أي وأصحابُ القرابة ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ﴾ في التوارث مِن عامَّة المسلمين، وذلك ﴿ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ أي في حُكمِ اللهِ تعالى وشَرْعِه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ إذ يَعلمُ سبحانه ما يُصلِحُ عبادهُ مِن توريث بعضهم مِن بعض في القرابة والنسب، دونَ التوارث بالحِلف والنُصرة، وغير ذلك مما كان في أول الإسلام.
لمسات بيانية
آية (71):
*(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ) و (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )ما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)
إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدم العلم وإلا يقدم الحكمة،
إذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدم الحكمة
وإذا كان في العلم يقدم العلم. حتى تتوضح المسألة
☆(قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) البقرة)
السياق في العلم فقدّم العلم،
☆(يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) النساء) هذا تبيين معناه هذا علم .
☆قال في المنافقين (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) الأنفال) هذه أمور قلبية،
☆ (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) التوبة) من الذي يطلع على القلوب؟ الله، فقدم العليم.
نأتي للجزاء، الجزاء حكمة وحكم يعني من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم، تقدير الجزاء حكمة
☆ (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128) الأنعام)
هذا جزاء، هذا حاكم يحكم تقدير الجزاء والحكم قدم الحكمة، وليس بالضرورة أن يكون العالم حاكماً ليس كل عالم حاكم.
☆(وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ (139) الأنعام) هذا تشريع والتشريع حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع .
[ لما يكون السياق في العلم يقدّم العلم ولما لا يكون السياق في العلم يقدم الحكمة.]
لمسات بيانية
آية (72):
*ما دلالة تقديم وتأخير (في سبيل الله) في آية سورة التوبة وسورة الأنفال؟(د.فاضل السامرائى)
- قال تعالى في سورة التوبة (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ {20})
● وقال تعالى في سورة الأنفال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {72})
الخط العام: إذا كان المقام في جمع وحفظ الأموال يبدأ بالتضحية به
وإذا كان السياق في القتال وليس في الأموال يقدّم (في سبيل الله)على الأموال .
سورة التوبة كلها في الجهاد وليست في الأموال فسياق الآيات كلها عن الجهاد والقتال وليس المال لذا اقتضى تقديم (في سبيل الله) على الأموال والأنفس.
أما في سورة الأنفال قدّم الأموال على (في سبيل الله) لأنه تقدّم ذكر المال والفداء في الأسرى وعاتبهم الله تعالى على أخذ المال إذن السياق كله في المعاتبة على أخذ المال من الأسرى.
تناسب مفتتح السورة
مع خواتيمها
الأنفال تبدأ بقوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ (1)) ما يتعلق بالحروب والأموال والغنائم ويأتي بعدها ما يتعلق بمعركة بدر (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)) وتستمر وتنتهي بمعركة بدر (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (70)) إذن بدأت بالأموال التي تؤخذ في الحروب وتنتهي بالأسرى وهم المحاربون والحروب فيها أموال وأسرى.
في أول السورة (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)) والأسرى هي إحدى الطائفتين (أموال أو أسرى). فذكر الأموال التي تؤخذ في الحروب وتنتهي بالأسرى الذين أيضاً يؤخذون في الحروب وفي الحروب أسرى وأموال وهذا كله يدخل تحت منظومة الجهاد وقال في خواتيم السورة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72))الجهاد، إذن كلها تتنتظم تحت الجهاد كنسق عام للسورة.
التوجيهات:
1- الله جل جلاله لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب، ﴿ وَإِن يُرِيدُوا۟ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا۟ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
2- حق على كل مسلم مناصرة إخوانه المسلمين؛ إن استنصروه في الدين، ﴿ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍۭ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾
3- احذر من ولاية الكفار؛ فإنها فتنة وفساد كبير، ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾
العمل بالآيات:
1- تبرع بشيء من مالك للجهات الخيرية رجاء أن تلحق بالمجاهدين بأموالهم، ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَٰهَدُوا۟ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَوا۟ وَّنَصَرُوٓا۟ أُو۟لَٰٓئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ ﴾
2- واسِ أحد المغتربين ممن هم في بلدك، وآوه، وآنسه من وحشته؛ فإن الله تعالى أثنى على الأنصار بإيوائهم لإخوانهم المهاجرين، ﴿ هِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَوا۟ وَّنَصَرُوٓا۟ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾
3- اعمل عملاً تصل به رحمك من: تعليمهم العلم، أو إطعامهم، أو قضاء حاجتهم؛ فهم أولى بك من غيرهم، ﴿ ۚ وَأُو۟لُوا۟ ٱلْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ ۗ ﴾
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ،انتهينا بفضل الله من تدبر سورة الأنفال ،ونلتقي إن شاء الله في سورة التوبة