أما عن تعريف الوطن فهل هو مكان الميلاد أو مكان الأهل و الأصحاب (حتي و لو نسوك و لم يعودوا يذكروك سوي عند مراجعة ألبوم صور ) أم مكان الطفولة أم مكان النجاح حتي و لو بالمرارة في الحلق أم مكان سعد به الشخص و لا يحمل سوي الذكريات الجميلة
أذكر في كتب القراءة بالمدرسة عرفوا الوطن بمكان الميلاد و بالطبع هذا ليس صحيحا لأن كثيرا ولدوا خارج بلادهم و لم يذهبوا قط لهذه البلاد و لا يعرفوها وربما لا يريدوا حتي أن يعرفوها
أما عن أنه مكان الأهل و الأصحاب أعتقد أنه هنا يجب أن أتحدث عن تعريف الغربة، فالغربة ببساطة هي البعد عن الوطن و حقا أنا أتعجب الآن فحين أعود وطني لا أجد أحد ينتظرني أو يعبأ بوجودي أو غيابي فالجميع يجري كالسكاري عقولهم تحسب المصروف و عيونهم تحاول أن تبحث عن الطريق وسط الأدخنة و الغبار بصعوبة يذكر إن كان نام أم لا و إن كان أكل أم لا و لا يذكر ماذا أكل و الوطن حاله من سيء إلي ما بعد منتهي السوء لم يعد أحد مثلما كان ولا حتي أنا ،فأنا تغيرت و أصبح الإختيار أصعب ففرصة حياة أفضل للأبناء في الخارج أفضل كثيرا و كل من يقابلنا في الوطن حتي في الشارع يستطيع أن يتعرف بسهولة أننا نعيش بالخارج من إتباع أبسط القواعد و العلامات و الحفاظ علي النظافة و ببساطة يسأل لماذا عدتم أو يقول حاولوا الرجوع للخارج سريعا قبل فوات الأوان والندم وقت لا ينفع فيه الندم، لكن الغربة موحشة و مؤلمة و الوحدة حارقة
أما عن مكان النجاح هذه النقطة حقا مؤلمة لنفسي بعمق، نعم ربما قدمت أثناء الحياة بالخارج ما يفيد العلم و الناس و ربما ذكرني الناس هنا مما أقدمه و بالتأكيد بالتبعية أهلي و وطني فمثلا زويل أو الباز لو كانوا ظلوا بمصر ما كانوا قدموا أي شيئ و ربما كانوا إنتهوا في مصحة للأمراض العقلية
و كثيرا ما أسأل و أقلق علي إبنتي و أتساءل عن ماذا ستكون جنسيتها و وطنها فهي تحمل جنسية أخري و ولدت بمكان آخر و قضت طفولتها ببلد آخر فماذا ستختار بالمنطق أقول أكيد ستختار أمريكا و لكن الغريب حقا أنها لا تسعد إلا بمصر و لا تتجاوب مع الناس إلا بمصر و لا تشعر بأمان سوي هناك، فهي هناك تنام و تاكل و تضحك و تتعلم و تستجيب و تتكلم و حين نسافر مرة أخري لأمريكا تكتأب و تظل تنادي علي جدتاتها وهذا يعصرني ألما و حزنا
حقا غربة النفس داخل جسدها و منزلها و ووطنها و وسط أهلها هي أصعب أنواع الغربة التي يدمي لها القلب و تشتت العقل
فالنسان بمصر مقهورا علي مواهبه و مستقبل أبناءه و خارج مصر قلقا في كل لحظة فمهما كان هو غريبا مغتربا
أحمد الله علي الأقدار فلنسير حيث يوجهنا القدر و نعهد أن نقدم أفضل ما لدينا في أي مكان و نحسن و نطور فكلها أرض الله و هو خلقنا لنعمرها ستنغلق كل الأبواب إلا ممرا واحدا علينا أن نسير به ( مثلما حدث سالفا وسرنا للغربة ) لسبب لا يعلمه إلا الله و لكنه بالتأكيد به الخير لنا و إلا ما كتبه الله لنا و نحمد الله علي الإيمان فلا نعبأ بمستقبل الأبناء أو الغيب فالله قدر لهم حياتهم و قدر لنا رزقنا و نحمد الله أنه لا يكلفنا ما لا تسع به نفوسنا و نحمد الله أنه كتب علي نفسه الرحمة و أنه هو الله
إنجي فوده