حين يحب شخص شخصاٌ آخر فإنه يبذل قصاري جهده ليرضي حبيبه و يبحث عما يحب و يفعله و يتغير من أجل إرضاء ذلك الحبيب و يثبت أنه حقا تغير و يستحق الثقة و الحب الذي يرجوه
و حين فكرت بطريقة مماثلة و طبعاٌٍ إنه رفيع فوق خلقه والمتعالي عن الاشياء والانداد، وجدت أن الله تعالي يقول لنا في كتابه العزيز عمن يحبهم فبدأت بحثي عن كل الآيات التي تبدأ ب”إن الله يحب” و “إن الله لا يحب” و “إن الله يكره” و قد حقا تعجبت حين لم أجد أي آية تبدأ ب :”إن الله يكره” و حينها تذكرت حديث الرسول صلي الله عليه و سلم القدسي الذي يقول
“ما من يوم إلا ويستأذن البحر ربه يا رب ائذن لي أن أغرق ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول السماوات يا رب ائذن لي أن أطبق على بن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول الأرض يا رب ائذن لي أن ابتلع بن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك فيقول الله دعوهم لو خلقتموهم لرحمتموهم.”
و قد بحثت في معاجم القرآن الكريم و لكني لم أجد هذا الموضوع و هذا بالطبع علي قدر بحثي المتواضع فقررت أن أتطرق لعرض هذه الآيات ربما إستنارت بها عقلي وهدأت قليلا من روعي و قد إستخدمت هذا الموقع للبحث النصي عن الآيات:
http://quran.al-islam.com/arb/QSearch/Search.asp?Adv=0&l=arb&
الآيات التي تبدأ ب” إن الله يحب” و عددهم 10:
إذن الذين ذكرهم الله و خصهم بحبه في كتابه العزيز هم:
1.المحسنين (تكررت مرتان)
2. التوابين
3. المتطهرين
4. المتقين (تكررت مرتان)
5. المتوكلين
6. المقسطين (تكررت 3 مرات)
7.الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص
جعلنا الله ممن يحبهم و يجعلنا من خاصته و يستخدمنا لخدمة الدين و رفعة الإسلام إن شاء الله. آمين.
و أذا بحثنا عن “إن الله مع” وجدنا ما يلي:
إذن إن الله مع:
1. الصابرين
2.المتقين
3.المحسنين
فلو ذهبنا إلي تفسير الشيخ الشعراوي لنري تفسير هذه الآيات و معني هذه الصفات لنفهمها و نحاول التحلي بكل منها و الرابط لتفسير الشعراوي هو:
http://www.nourallah.com/tafseer.asp
أنا كل ما سأفعله هو إقتباس بعض الأجزاء من تفسير الشيخ الشعراوي -رحمه الله- لهذه الآيات
1.من هم المحسنين و ما معني الإحسان؟
1. سورة البقرة آية 195:وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين
و جاءت هذه الأية بعد آيات القتال و معناها:أعدوا أنفسكم للقتال في سبيل الله
و قوله الحق: “و لا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة” تقتضي منا أن نعرف أن كلمة “تهلكة” علي وزن تفعلة و لا نظير لها في اللغة العربية إلا هذا اللفظ، و التهلكة هي الهلاك ، و الهلاك هو خروج الشيء عن حال إصلاحه بحيث لا يدري أين يذهب ، و مثال ذلك هلاك الإنسان يكون بخروج روحه، و الحق يقول:
“ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة”
فالهلاك ضد الحياة، و علي الإنسان أن يعرف أن الحياة ليست هي الحس و الحركة التي نراها، إنما حياة كل شيء بحساب معين فحياة الحيوان لها قانونها و حياة النبات لها قانونها و حياة الجماد لها قانونها، بدليل أن الحق سبحانه و تعالي جعل “يهلك” أمام “يحيي” و هو سبحانه القائل:
“كل شيء هالك إلا وجهه”
فلسنا نحن فقط الذين يهلكون، و لا الحيوانات و لا النباتات و إنما كل شيء بما فيه الجماد، كأن الجماد يهلك مثلنا و ما دام يهلك فله حياة و لكن ليست مثل حياتنا، و إنما حياة بقانونه هو، فكل شيء مخلوق لمهمة يؤديها، فهذه هي حياته.
و قوله تعالي :” و لا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة” يكشف لنا بعض من روائع الأداء البياني في القرآن، ففي الجملة الواحدة تعطيك الشيء و مقابل الشيء و هذا أمر لا نجده في أساليب البشر، فالحق في هذه الآية يقول لنا:”و أنفقوا في سبيل الله” أي أنفقوا في الجهاد، كما يقول بعدها: “و لا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة” لماذا؟ لأن الإنفاق هو إخراج المال إلي الغير الذي يؤدي لك مهمة تفيد في الإعداد لسبيل الله، كصناعة الأسلحة أو الإمدادات التموينية، أو تجهيز مبان و حصون، هذه أوجه إنفاق المال.
و الحق يقول: “و لا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة” و كلمة “ألقي” تفيد أن هناك شيئا عالياَ و شيئا أسفل منه، فكأن الله يقول : لا تلقوا بأنفسكم إلي التهلكة، و هل سيلقي الواحد منا نفسه إلي التهلكة، أو أن يلقي نفسه في التهلكة بين عدوه؟ لا، إن اليد المغلولة عن الإنفاق في سبيل الله هي التي تلقي بصاحبها إلى التهلكة؛ لأنه إن امتنع عن ذلك اجترأ العدو عليه، ومادام العدو قد اجترأ على المؤمنين فسوف يفتنهم في دينهم، وإذا فتنهم في دينهم فقد هلكوا. إذن فالاستعداد للحرب أنفى للحرب، وعندما يراك العدو قوياً فهو يهابك ويتراجع عن قتالك
الإحسان كما علمنا رسول الله:”أن تعبد الله-أي تطيع أوامره- كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”
إن الله يأمرنا أن نري الله فلا نؤدي العمل أداء شكلياٌ يرفع عنك التعب، بل علينا أن نؤدي العمل بقصد الإحسان في العمل.
و الإحسان في كل شيء هو إتقانه إتقاناٌ بحيث يصنع الإنسان لغيره ما يحب أن يصنعه غيره له، و لو تعامل الناس علي هذا الأساس لإمتازت كل الصناعات، لكن إذا ساد الغش فأنت تغش غيرك و غيرك يغشك، و بعد ذلك كلنا نجأر بالشكوي، و علينا إذن أن نحسن في كل شيء: مثلاٌ نحسن في الإنفاق إلا إذا أحسنا في الكدح الذي يأتي بثمرة ما ننفق، لأن الكدح ثمرته مال، و لا إنفاق إلا بمال، فتخرج من علئد كدحك لتصرفه في المناسب من الأمور.
و دائرة الإحسان لا تقتصر علي القتال فقط، فالأمر هنا عام، و لا تعتقد أنه أمر في زاوية من زوايا الدين جاءت لتخدم كل جزيئات الحياة، فالإحسان إذا كان بالمال فهذا يقتضي أن يحسن الإنسان الحركة في الأرض، و يعمل عملاٌ يكفيه و يكفي من يعول ثم يفيض لديه ما يحسن به.
و إذا لم يتوافر المال، فعليك أن تحسن بجاهك و تشفع لغيرك، و الجاه قد قومه الإسلام أي جعل له قيمة، فعلي صاحب الجاه أن يشفع بجاهه ليساعد أصحاب الحقوق في الحصول علي حقوقهم، و علي الوجيه أيضاٌ أن يأخذ الضعيف في جواره و يحميه من عسف و ظلم القوي، و عليه بجاهه أن يقيم العدل في البيئة التي يعيش فيها.
و الوجاهة أيضاٌ تعني أن يكون للإنسان إحترام أو وزن أو تقدير، و هذه الأشياء لها مسبقات في إحسان الشخص، لا يأخذها بلا سبب، إنما سبقها عمل جعل له وجاهة عند الناس. فالناس في العادة لا يحترمون إلا من يكون له لون من الفضل عليهم، فكأنه إحترام مدفوع الثمن، و ليس إحترماٌ مجانياٌ. و قد يكون الإحسان بالعلم أو بفضل القوة بإعانة الضعيف أو بإكساب الخبرة للآخرين أو بتفريج كربة عن مسلم.
إذن وجوه الإحسان في الأشياء كثيرة، و كلها تخدم قضية الإيمان. و عندما يري الكافر المؤمنين و كل واحد منهم يحسن عمله فإن ذلك يغريه بالإيمان. وإذا سألنا: ما الذي زهد دنيانا المعاصرة في ديننا؟ فسوف نجد أن العالم ينظر إلى دين الله من خلال حركة المسلمين، وهي حركة غير إسلامية في غالبيتها.
صحيح أن بعضاً من عقلاء الغرب وفلاسفته لا يأخذون الدين من حركة المسلمين، وهذا منتهى العدالة منهم لأنه ربما كان بعض المسلمين غير ملتزمين بدينه، فلا يأخذ أحد الإسلام منه لمجرد أنه مسلم. وأتباع الديانات الأخرى يعرفون أن هناك أفعالاً جرمها دينهم. ومادام هناك أفعال جرمها الدين وسن لها عقوبة فذلك دليل على أنها قد تقع، فأنت عندما ترى شخصاً ينتسب إلى الإسلام ويسرق، هل تقول: إن المسلمين لصوص. لا، إن عليك أن تنظر إلى تشريعات الإسلام هل جرمت السارق أو لم تجرمه؟ فلا يقولن أحد: انظر إلى حال المسلمين، ولكن لننظر إلى قوانين الإسلام، لأن الله قدر على البشر أن يقوموا بالأفعال حسنها وسيئها، ولذلك أثاب على العمل الصالح وعاقب على العمل السيئ.
والعقلاء والمفكرون يأخذون الدين من مبادئ الدين نفسه، ولا يأخذونه من سلوك الناس، فقد يجوز أن تقع عين المراقب على مخالف في مسألة يحرمها الدين، فلا تأخذ الفعل الخاطئ على أنه الإسلام، وإنما خذه على أنه خارج على الإسلام. وساعة يرانا العالم محسنين في كل شيء فنحن نعطيهم الأسوة التي كان عليها أجدادنا، وجعلت الإسلام يمتد ذلك المد الخرافي الأسطوري حتى وصل في نصف قرن إلى آخر الدنيا في الشرق، وإلي آخرها في الغرب، وبعد ذلك ينحصر سياسياً عن الأرض، ولكن يظل كدين، وبقى من الإسلام هذا النظام الذي يجذب له الناس. إن الإسلام له مناعة في خميرته الذاتية إنه يحمل مقومات بقائه وصلاحيته، وهو الذي يجذب غير المسلمين له فيؤمنون به، وليس المسلمون هم الذين يجذبون الناس للإسلام.
ولذلك أقول: لو أن التمثيل السياسي للأمم الإسلامية في البلاد غير الإسلامية المتحضرة قد أخذ بمبادئ الإسلام لكان أسوة حسنة. وانظر إلى عاصمة واحدة من عواصم الدول الغربية تجد فيها أكثر من ثلاث وستين سفارة إسلامية، وكل سفارة يعمل فيها جهاز يزيد على العشرين، هب أن هؤلاء كانوا أسوة إسلامية في السلوك والمعاملات في عاصمة غير إسلامية، حينئذ يجد أهل ذلك البلد جالية إسلامية ملتزمة ولم تفتنها زخارف المدينة: لا يشربون الخمر، ولا يرقصون، ولا يترددون على الأماكن السيئة السمعة، ولا تتبرج نساؤهم، بالله ألا يلفت النظر سلوك هؤلاء؟
لكن ما يحدث ـ للأسف ـ هو أن أهل الغرب ـ على باطلهم ـ غلبوا بني الإسلام ـ على حقهم ـ وأخذوهم إلى تحللهم، وهذا الاتباع الأعمى يجعل الغربيين يقولون: لو كان في الإسلام مناعة لحفظ أبناءه من الوقوع فيما وقعنا فيه. إذن الإحسان من المسلمين اكبر دعاية ودعوة إلى دين الإسلام. إن الحق يقول: “إن الله يحب المحسنين” والحب كما نعرفه هو ميل قلب المحب إلى المحبوب، وذلك الأمر يكون بالنسبة للبشر، لكن بالنسبة للحق هو تودد الخالق بالرحمة والكرامة على المخلوق، والحق سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يكونوا على خلقه، فكما أن الله احسن كل شيء خلقه “الذي احسن كل شيء خلقه” يريد من عباده وقد تفضل عليهم بالعقل المفكر فيخطط، وبالطاقات فتبرز التفكير إلى عمل يريد الحق منا أن يكون رائدنا في كل عمل ان نحسنه، حتى نكون متخلقين بأخلاق الله، فتشيع كلمة “الله” هذا اللفظ الكريم الذي يستقبل به الإنسان كل جميل في أي صنعة فيقول: “الله“.
اذن تشيع كلمة “الله” نغمة في الوجود تعليقا على كل شيء حسن، حتى الذي لا يؤمن بذلك الإله يقول أيضا: “الله”، كأن الفطرة التي فطر الله الناس عليها تنطق بأن كل حسن يجب أن ينسب إلى الله سواء كان الله هو الذي فعل مباشرة كالأسباب والكونيات والنواميس، أو خلق الذي فعل الحسن، فكل الأمور تؤول إلى الله. ولو علم الذين لا يحسنون أعمالهم بماذا يحرمون الوجود لتحسروا على أنفسهم، وليتهم يحرمون الوجود من كلمة “الله”، ولكنهم يجعلون مكان “الله” كلمة خبيثة فيشيعون القبح في الوجود، وحين يشيع القبح في الوجود يكون الإنسان في عمومه هو الخاسر. فقول الله: “إن الله يحب المحسنين” تشجيع لكل من يلي عملاً أن يحسنه ليكون على أخلاق الله.
2. المائدة آية 13:” فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”
ماذا سيكون موقف الرسول صلي الله عليه و سلم بعد أن يخبره الحق: بأنك ستتعرض مستقبلاٌ لخيانة اليهود ؟ ألا يحرك ذلك نفسية رسول الله صلي الله عليه سلم و المؤمنين عليهم، فإذا فعل اليهود خائنة فلابد أن ينتقموا منهم، و تطبيقاٌ للقاعدة الأساسية في رد العدوان بأن من يعتدي عليك فاعتد عليه.
لم يشأ الله-سبحانه- أن يترك لعواطف البشر مع البشر بل قال: “فاعف عنهم و إصفح إن الله يحب المحسنين” و االعفو كما نقول: فلان عفي علي آثاري، أي أن آثارك تكون واضحة علي الأرض و تأتي الريح لتمسحها فتعفي علي الأثر. و الأمر بالعفو أي امسح الأثر لذنب فعلوه. و الخطيئة التي ارتكبوها عليك أن تعتبرها كأنها لم تحدث، و لكن أيظل أثرها باقيا عند رسول الله؟ لا، فالأمر بالصفح يأتي و هناك فرق بين أن تمحو الخطيئة و تبقي أثرها في نفسك و تظل في حالة من الغيظ و الحقد.
و الحق هنا يأمر بالعفو أي إزالة أثرها و يأمر بالعفو أي إزالة أثرها و يأمر بالصفح أي أن نخرج أثر الخطيئة من بالك، لأن الإنسان منا له مراحل، المرحلة الأولي بعد أن يرتكب أحدهم ذنبا في حقه، فلا يقابل العدوان بمثله، و هذا هو العفو، و المرحلة الثانية: ألا يترك أثر هذا الذنب يعمل في قلبه بل يأتي الصفح حتي لا ينشغل قلب المؤمن بشيء قد عفا عنه، و المرحلة الثالثة: فرصة مفتوحة لمن يريد أن يتمادي في مرتبة الإحسان و ترقي اليقين و الإيمان بأن يحسن الإنسان إلي من أساء إليه. و هذه المراحل الثلاث يوضحها قوله الحق: “و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين”.
و عملية الإحسان مع المسيء أو المعتدي: أهي عملية منطقية مع النفس الإنسانية؟ قد تكون غير منطقية مع النفس الإنسانية، و لكنك أيها الإنسان لا تشرع لنفسك، إنما الذي يشرع لا هو الأعلي من النفس الإنسانية. و الخالق يقول لك: لو علمت ما قدمه لك من أساء إليك لأحسنت إليه. لأنك إن أسأت إلي خلق م خلق الله فالذي يثأر و يإخذ الحق لمن أسيء إليه هو رب هذا المخلوق. و يأتي الله في صف الذي تحمل الإساءة.
إذن فإساءة العدو لك جعلت الله في صفك و في جانبك، ألا يستحق ذلك المسيء أن نشكره؟ ألا تقول لنفسك القول المأثور: ألا تحسن إلي من جعل الله في جانبك. إذن هذا هو التشريع: “إن الله يحب المحسنين” و الإحسان هنا خرج بالترقي الإيماني عن مرحلة: ” فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم”.
و الإحسان أن تفعل شيئا فوق ما افترضه الله، و لكن من جنس ما افترضه الله، و المحسن الذي يدخل في مقام الإحسان هو من يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فهو سبحانه و تعالي يري كل خلقه. و نعرف قول الحق سبحانه و تعالي: ” إن المتقين في جنات و عيون، ءاخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين”
ما الذي جاء بالإحسان هنا؟ و تكون الإجابة: “كانوا قليلاٌ من الليل ما يهجعون”
و هل يكلف الله خلقه ألا يهجعوا إلا قليلا من الليل؟ لا. فقد كلف الله المسلم بالصلاة، و أعلمه بأنه حر بعد صلاة العشاء، و له الحق أن ينام إلي الفجر، فإن سمع أذان الفجر فليقم إلي صلاة الفجر. لكن المحسن يريد الإرتقاء بإيمانه فيزيد من صلواته في الليل. و يضيف الحق مذكرا لنا بصفات المحسنين: “و بالأسحار هم يستغفرون”.
لأن العداوة لا تشتد إلا إذا وجد مؤجج لها من عداوة في المقابل. فعندما تعامل عدوك بالحسني و لا ترد علي عدائه بالعدوان فكم من الزمن يصير عدواٌ لك؟ إنه اعتدي مرة و سكت أنت عليه، و اعتدي ثانية و سكت أنت عليه. لابد أنه يهديء من نفسه.
و الحق سبحانه و تعالي أمر رسول الله صلي الله عليه و سلم أن يصفح عن الخيانات التي تحدث منهم، لعل الوعي الإيماني يستيقظ فيهم، و يقولون: لم يعاملنا بمثل ما عاملناه به، و يعترفون به نبياٌ رحيماٌ رءوفاٌ كريماٌ، و لا يقفون في وجه دعوته. لكن لا يظل العفو و الصفح هما كل التعليمات، فقد مر الأمر الإلهي بمرحليات متعددة، فالرسول يستقطب النفس الإنسانية بأن يستعبدها بالإحسان، فإن لم يستبعدها الإحسان فلابد أن يشمر النبي عن الساعد و يفعل ما يأمره به الله، و لنقرأ قوله الحق: “ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد أيمانكم كفاراٌ حسداٌ من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا و اصفحوا حتي يأتي الله بأمره”
و سبحانه قد أمر بأن يتركهم الرسول مع العفو و الصفح لمرحلة قادمة يأتي فيها الأمر بتأديبهم.
2.و 3.من هم التوابين و المتطهرين؟
البقرة آية 222 وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ
حين تقرأ “هو أذى” فقد أخذت الحكم ممن يؤمن على الأحكام، ولا تناقش المسألة، مهما قال الطب من تفسيرات وتعليلات وأسباب نقل له: لا، الذي خلق قال: “هو أذى”. والمحيض يطلق على الدم، ويراد به ـ أيضاً ـ مكان الحيض، ويراد به زمان الحيض. وقوله تعالى عن المحيض إنه أذى يهيئ الذهن لأن يتلقى حكما في هذا الأذى، وبذلك يستعد الذهن للخطر الذي سيأتي به الحكم. وقد جاء الحكم بالحظر والمنع بعد أن سبقت حيثيته.
إن الحق سبحانه وتعالى وهو الخالق أراد أن تكون عملية الحيض في المرأة عملية كيماوية ضرورية لحياتها وحياة الإنجاب. وأمر الرجال أن يعتزلوا النساء وهن حوائض؛ لأن المحيض أذى لهم. لكن هل دم الحيض أذى للرجال أو للنساء؟ إنه أذى للرجال والنساء معا؛ لأن الآية أطلقت الأذى، ولم تحدد من المقصود به. والذي يدل على ذلك أن الحيض يعطي قذارة للرجل في مكان حساس هو موضوع الإنزال عنده، فإذا وصلت إليه الميكروبات تصيبه بأمراض خطيرة.
والذي يحدث أن الحق قد خلق رحم المرأة وفي مبيضيها عدد محدد معروف له وحده سبحانه وتعالى من البويضات، وعندما يفرز أحد المبيضين البويضة فقد لا يتم تلقيح البويضة، فإن بطانة الرحم المكون من أنسجة دموية تقل فيها نسبة الهرمونات التي كانت تثبت بطانة الرحم، وعندما تقل نسبة الهرمونات يحدث الحيض. والحيض هو دم يحتوي على أنسجة غير حية، وتصبح منطقة المهبل والرحم في حالة تهيج، لأن منطقة المهبل والرحم حساسة جدا لنمو الميكروبات المسببة للالتهابات سواء للمرأة، أو للرجل إن جامع زوجته في فترة الحيض. والحيض يصيب المرأة بأذى في قوتها وجسدها؛ بدليل أن الله رخص لها ألا تصوم وألا تصلي إذن فالمسألة منهكة ومتعبة لها، فلا يجوز أن يرهقها الرجل بأكثر مما هي عليه.
إذن فقوله تعالى: “هو أذى” تعميم بأن الأذى يصيب الرجل والمرأة. وبعد ذلك بين الحق أن كلمة “أذى” حيثية تتطلب حكما يرد، إما بالإباحة وإما بالحظر، ومادام هو أذى فلابد أن يكون حظراً. يقول عز وجل: “فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن” والذي يقول: إن المحيض هو مكان الحيض يبني قوله بأن المحرم هو المباشرة الجنسية، لكن ما فوق السرة وما فوق الملابس فهو مباح، فقوله الحق: “ولا تقربوهن” أي لا تأتوهن في المكان الذي يأتي منه الأذى وهو دم الحيض. “حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله”. و”يطهرن” من الطهور مصدر طهر يطهر، وعندما نتأمل قوله: “فإذا تطهرن” نجد أنه لم يقل: “فإذا طهرن”، فما الفرق بين “طهر” و”تطهر”؟
إن “يطهرن” معناها امتنع عنهن الحيض، و”تطهرن” يعني اغتسلن من الحيض؛ ولذلك نشأ خلاف بين العلماء، هل بمجرد انتهاء مدة الحيض وانقطاع الدم يمكن أن يباشر الرجل زوجته، أم لابد من الانتظار حتى تتطهر المرأة بالاغتسال؟. وخروجا من الخلاف نقول: إن قوله الحق: “تطهرن” يعني اغتسلن فلا مباشرة قبل الاغتسال. ومن عجائب ألفاظ القرآن أن الكلمات تؤثر في استنباط الحكم، ومثال ذلك قوله تعالى:
{إنه لقرآن كريم “77” في كتاب مكنون “78” لا يمسه إلا المطهرون “79”}
(سورة الواقعة)
ما المقصود إذن؟ هل المقصود أن القرآن لا يمسكه إلا الملائكة الذين طهرهم الله من الخبث، أو أن للبشر أيضا حق الإمساك بالمصحف لأنهم يتطهرون؟ بعض العلماء قال: إن المسألة لابد أن ندخلها في عموم الطهارة، فيكون معنى “إلا المطهرون” أي الذين طهرهم من شرع لهم التطهر؛ ولذلك فالمسلم حين يغتسل أو يتوضأ يكون قد حدث له أمران: التطهر والطهر. فالتطهر بالفعل هو الوضوء أو الاغتسال، والطهر بتشريع الله، فكما أن الله طهر الملائكة أصلا فقد طهرنا معشر الإنس تشريعا، وبذلك نفهم الآية على إطلاقها ونرفع الخلاف. وقول الحق في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: “حتى يطهرن” أي حتى يأذن الله لهن بالطهر، ثم يغتسلن استجابة لتشريع الله لهن بالتطهر. “فأتوهن من حيث أمركم الله” يعني في الأماكن الحلال.
“إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين” وأراد الحق تبارك وتعالى أن يدخل عليك أنسا، فكما أنه طلب منك أن تتطهر ماديا فهو سبحانه قبل أيضاً منك أن تتطهر معنويا بالتوبة، لذلك جاء بالأمر حسيا ومعنويا. وبعد ذلك جاء الحق سبحانه وتعالى بحكم جديد، هذا الحكم ينهي إشكالا أثاره اليهود. وقد كان اليهود يثيرون أن الرجل إذا أتى امرأته من خلف ولو في قبلها ـ بضم القاف ـ جاء الولد أحول. “القبل” هو مكان الإتيان، وليس معناه الإتيان في الدبر والعياذ بالله كما كان يفعل قوم لوط. ولما كان هذا الإشكال الذي أثاره اليهود لا أساس له من الصحة فقد أراد الحق أن يرد على هذه المسألة فقال: “نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين” (البقرة آية 223)
إن الحق سبحانه وتعالى يفسح المجال للتمتع للرجل والمرأة على أي وجه من الأوجه شريطة أن يتم الإتيان في محل الإنبات. وقد جاء الحق بكلمة “حرث” هنا ليوضح أن الحرث يكون في كان الإنبات. “فأتوا حرثكم” وما هو الحرث؟ الحرث مكان استنبات النبات، وقد قال تعالى:
{ويهلك الحرث والنسل}
(من الآية 205 سورة البقرة)
فأتوا المرأة في مكان الزرع، زرع الولد، أما المكان الذي لا ينبت منه الولد فلا تقربوه. وبعض الناس فهموا خطأ أن قوله: “فأتوا حرثكم أنى شئتم” معناه إتيان المرأة في أي مكان، وذلك خطأ؛ لأن قوله: “نساءكم حرث لكم” يعني محل استنبات الزرع، والزرع بالنسبة للمرأة والرجل هو المولد، فأتها في المكان الذي ينجب الولد على أي جهة شئت. ويتابع الحق: “وقدموا لأنفسكم” أي إياك أن تأخذ المسألة على أنها استمتاع جنسي فحسب، إنما يريد الحق سبحانه وتعالى بهذه اللذة الجنسية أن يحمي متاعب ما ينشأ من هذه اللذة؛ لأن الذرية التي ستأتي من أثر اللقاء الجنسي سيكون لها متاعب وتكاليف، فلو لم يربطها الله سبحانه وتعالى بهذه اللذة لزهد الناس في الجماع.
ومن هنا يربط الحق سبحانه وتعالى بين كدح الآباء وشقائهم في تربية أولادهم بلذة الشهوة الجنسية حتى يضمن بقاء النوع الإنساني. ومع هذا يحذرنا الحق أن نعتبر هذه اللذة الجنسية هي الأصل في إتيان النساء فقال: “وقدموا لأنفسكم”، يعني انظروا جيدا إلى هذه المسألة على ألا تكون هي الغاية، بل هي وسيلة، فلا تقلبوا الوسيلة إلى الغاية، “وقدموا لأنفسكم” أي ادخروا لأنفسكم شيئا ينفعكم في الأيام المقبلة.
إذن فالأصل في العملية الجنسية الإنجاب. “وقدموا لأنفسكم” أي لا تأخذوا المتاع اللحظي العاجل على أنه هو الغاية بل خذوه لما هو آت. وكيف نقدم لأنفسنا أو ماذا نفعل؟ حتى لا نشقى بمن يأتي، وعليك أن تتبين هذه العملية فقد لنفسك شيئا يريحك، وافعل ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ساعة تأتي هذه النعمة وتقترب من زوجتك لابد أن تسمي الله ويقول: “اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني”، وعندما يأتي المسلم أهله وينشأ وليده فلن يكون للشيطان عليه دخل. وقال بعض العلماء: لا يمكن أن يؤثر فيه سحر، لماذا كل ذلك؟.
لأنك ساعة استنبته أي زرعته، ذكرت المنبت وهو الله عز وجل. ومادمت ذكرت المنبت الخالق فقد جعلت لابنك حصانة أبدية. وعلى عكس ذلك ينشأ الطفل الذي ينسى والده الله عندما يباشر أهله فيقع أولاده فريسة للشياطين. “وقدموا لأنفسكم” أي قدموا لها ما يريحكم وما يطيل أمد حياتكم وأعمالكم في الحياة؛ لأنك عندما تقبل على المسألة بنية إنجاب الولد، وتذكر الله وتستعيذ من الشيطان فينعم عليك الخالق بالولد الصالح، هذا الولد يدعو لك، ويعلم أولاده أن يدعوا لك، وأولاده يدعون لك، وتظل المسألة مسلسلة فلا ينقطع عملك إلى أن تقوم الساعة، وهنا تكون قدمت لنفسك أفضل ما يكون التقديم.
وهب أنك رزقت المولود ثم مات ففجعت به واسترجعت واحتسبته عند ربك، إنك تكون قد قدمته، ليغلق عليك بابا من أبواب النيران. إذن فكل أمر لابد أن تذكر فيه “وقدموا لأنفسكم”. ويقول الحق: “واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين” معنى “اتقوا الله” أي إياكم أن تغضبوا ربكم في أي عمل من هذه الأعمال، وكن أيها المسلم في هذه التقوى على يقين من أنك ملاقي الله، ولا تشك في هذا اللقاء أبداً. ومادمت ستتقي الله وتكون على يقين أنك تلاقيه لم يبقى لك إلا أن تبشر بالجنة
4.من هم المتقون؟
و المتقين هم الذين يجعلون بينهم و بين أي شيء يغضب الله وقاية. و إن تعجب بعض الناس من قول الحق سبحانه و تعالي: “واتقوا الله” و قوله:”و اتقوا النار” فإننا نقول: إن معني “اتقوا الله” أي اجعلوا بينكم و بين صفات الجبروت لله وقاية، اتقوا صفات الجبروت في الله حتي لا يصيبكم عذابه، فلله صفات جلال منها المنتقم و الجبار و القهار، و له صفات جمال مثل الرحيم و الوهاب و الرزاق الفتاح إذن اجعلوا بينكم و بين صفات الجلال في الله وقاية لكم و حماية من أن تتعرضوا لغضب الله تعالي، و الإنسان يتقي صفات الجلال في الله بأن يتبع منهجه و يطيعه في كل ما أمر به لينال من فيض صفات الجمال. و قوله الحق سبحانه و تعالي: “واتقوا النار” أي اجعلوا بينكم و بين النار وقاية حتي لا تميكم النار.
و المتقي هو الطائع لله فيما أمر و فيما نهي و يجعل بينه و بين صفات الجلال من الله وقاية، إذن فأساس التقوي هو ألا ينقض المؤمن عهداٌ سواء مع مؤمن أم مع كافر، إنما الذي يبدأ بالنقض هو الكافر، و علي المؤمن أن يحترم العهد و الوعد.
5.من هم المتوكلين؟
من هم المقسطين؟
لقد نزلت هذه الآية في اليهود الذين أتوا يطلبون من الرسول صلي الله عليه و سلم حكم مخفف في الزنا حيث كان الرجل ذو مكانة و المرأة ذات حسب، فهم أرادوا أن يستروا حكم الزنا في التوراة
يقول الله تبارك وتعالى: (عبدي أخرجتك من العدم إلى الوجود وأنشأت لك السمع والبصر والقلب والفؤاد، عبدى أسترك ولا تخشاني عبدي أذكرك وأنت تنساني، استحي منك ولا تستحي مني، فمن أعظم منى جوداً، ومن ذا الذى يقرع بابي فلم أفتح له، ومن ذا الذى سألنى فلم أعطه، أبخيل أنا فيبخل عني عبدي).
واسمع هذا الحديث: (يا ابن آدم خلقتك بيدي وربيتك بنعمى وأنت تخالفني وتعصاني فإن رجعت إلىَّ قبلتك فمن أين تجد لك رباً مثلي وأنا الغفور الرحيم). لا تنجسوا النفخة بالمعاصى فأنتم مخلوق نظيف.
و الآيات التي تبدأ ب “إن الله لا يحب” هي”
الإسراء 45
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا
ï»؟شكرا جزيلا لكم
ماشاء الله عليك
جزاكم الله خيرا ونفع بكم 💙