التغيير يا دكتور

دخلت سيدة في منتصف الثلاثينات من عمرها إلي الطبيب النفساني و ليس علي لسانهاغير هذه الكلمة
“التغيير يا دكتور، هل أنا حقاً تغيرت”،
فهدأها الطبيب و أجلسها علي الشزلونج و قال لها :”إحكي لي حتي أستطيع أن أقول لك إن كنت تغيرت أم لا”
فقالت :”و أنا أشتري بعض الملابس للأولاد، رأيت سيدة صارخة ترتدي فستان أحمر عاري و حزاء بكعب عالي حداُ أحمر أيضاُ و كل ما بها أحمر في أحمر”
فنظرت لها في قرف و قلت لنفسي بسخرية:”ليتها تتمني أن تكون ذات الرداء الاحمر”، فإذا بهذه السيدة تتجه نحوي بسرعة و فاهها مفتوح علي مصرعيه و صرخت في وجهي:”لا أنا لا أصدق، معقولة أبعد كل هذه السنين”،
و كل الناس ينظرون إلي فأجبتها كأني أبعد عن نفسي تهمة:”لا أكيد حضرتك مخطئة،مطلقاُ، أنا لا أعرفك”، فأجابت:” ماذا ؟! أنا داليدا، لقد كنا معا في المدرسة”
فذهلت و قلت:”لا أنت تغيرت تماما أنا لم أعرفك”
فنظرت إلي و هي تمط شفتيها:”و أنت أيضاُ لقد تغيرتي كثيراُ، مالك؟ لماذا شكلك عجز هكذا، إنما أنا! أنظري كيف أصبحت” و دارت حول نفسها في زهو و الناس ما زالت تنظر إلينا و تتفرج علي عروسة المولد تلك.
و فجأة رن جهاز تضعه في وسطها وظهرت عليه رسالة تقول” تعالي فوراُ”، فقالت:”ياه، كدت أنسي هذا الإجتماع، لابد أن أطير الآن أحسن زوجي الجديد لا يرحم في الشغل ، و هو يعتمد علي في أغلب الأشياء و اليوم هناك إتفاق مع عميل مهم جداُ و يجب أن أذهب”،
و أعطتني كارت العمل الخاص بها و قالت:”كلميني” و سألتني:”أين تعملين الآن؟”
فأجبت في بلاهة:”أنا لا أعمل، أنا سيدة منزل”
فصعقت و بعد أن كانت همت بالسير وقفت و بحلقت في و قالت:”ألم أقل لك لقد تغيرت تماماُ”
و أكملت سيرهاو فوجدت نفسي أقول:”كلا لم يتغير أحد منا” و ظللت أسير و أنا أفكر في داليدا و أقول:”ما زالت تافهة و سطحية و تحكم علي كل شيء بمظهره و لذلك دائماُ أحكامها سريعة و خاطئة و دائماُ كان ذلك يوقعها في مصائب”، و تذكرت كلمتها:”زوجي الجديد”، “أكيد هذا هو السبب في فشل زواجها الأول، أكيد إختارت واحد منظر فقط عذبها ثم تركها”، و نظرت دون قصد لكارتها فإذا به مكتوب أنها رئيسة مجلس إدارة مجموعة شركات كبري، “ياه مستحيل، هذه تدير مجموعة”، أنا أتذكر الآن صاحب المجموعة، قد رأيته في برنامج حواري مرة، أكيد طبعاُ هو الذي يدير كل شيء و هي قالت لي ذلك منظرة، و لكن لا صحيح هي تافهة و سطحية و لكنها كانت طالما صادقة، و أنا أعرف أن الإنسان ممكن أن يتغير طبعاُ، ممكن بعدما كان شيخ مسجد يصبح شيخ منصر و العكس، و لكن لا أحد يتغير من غبي لذكي، مستحيل، هذه كانت بليدة أيام المدرسة و بالتحديد في الرياضيات و العلوم، إذن كيف تصبح هكذا، آه أكيد هذا الرجل يستغلها في عقوده و إتفاقاته و يضحك عليها بكلمتين”
و أكملت طريقي و أوقفني فستان جميل وراءه مرآة ديكور بالحجم الطبيعي، فقلت”ياه هؤلاء أصحاب هذا المحل حقاُ أذكياء بوضع هذه المرآة فهي تجعلني أري نفسي و أنا مرتدية هذا الفستان، أوه إنه حقاُ جميل علي و لكن لا أنا لا أستطيع إرتداء هذا الآن لقد كنت أرتدي مثل ذلك قديماُ، و كنت سأستمر بالسير إلا أن هذه الكلمات جعلتني أتوقف، إذن أنا تغيرت مثلما قالت صديقتي، أنا تغيرت، كلا أنا لم أتغير، كلا أنا تغيرت، هو أنا إتغيرت يا دكتور؟”
فيرد الدكتور:”لتستمري فقط إحكي لي ماذا فعلت بعد ذلك”
فقالت:هرعت إلي المنزل جرياُ، فلقد أحسست فجأة كأني عارية تماماُ و أن كل الناس تتفرج علي و البعض يضحك و الآخر يحملق و آخرون يمطون شفاههم في قرف و آخرون ينظرون لي بشفقة ” و حملقت عيناها كأنها تذكرت شيئاُ و إستطردت قائلة:”تماماُ مثل هذا الحلم، هذا الحلم الذي تجد نفسك فيه عارياُ تماماُ أمام الناس و لا تجد حوائط تسترك من زحام الناس و تحميك من عيونهم، فوجدت نفسي أجري، أجري لأنجو من عيون الناس، شعرت ساعتها أن كل الناس تستطيع قراءة أفكاري و أنها كانت تراقبني و أنا أنظر لنفسي في المرآة و تراني و أنا مرتدية الفستان و تعرف ماضي و تعرف حاضري و تعرف تلك الأحلام و تستطيع أن تراها، و تعرف صديقتي و تعرف عائلتي و تعرف كل شيء”، و توقفت و قطبت حاجبيها و سألت:”ما معني هذه الأحلام، ما معني السقوط من أعلي كأنك تنتحر و تري كل من بحياتك ينظر إليك و أنت تهبط و لا أحد يحاول إنقاذك و تستيقظ قبل الإرتطام بالأرض في اللحظة الأخيرة”
فيجيب الدكتور:”سأقول لك معاني كل ذلك إستدلالا بأشياء من حياتك إذن يجب أن أعرفك و أعرف حياتك حتي تكون إجابتي صحيحة ذات معني، إذن فلتكملي أنت الآن و دعيني أنا أجيبك في النهاية”
و صمتا فقال:”هه ماذا فعلت بعد ذلك؟ إلي أين ذهبت؟”
فأجابت:”ذهبت إلي المنزل و أغلقت الأبواب و دخلت حجرة نومي و أغلقت الباب ورائي و أحكمت إغلاقه بالمفتاح حتي لا يدخل أحد، فأنا كنت في حاجة إلي خلوة و عزلة ووجدتني كنت أمسك و أطبق بيدي علي ملابسي و حجابي و ذلك كان رد فعل طبيعي لشعوري بالعري أمام الناس، و نظرت مرة أخري بعد أن إرتاحت يداي، إلي مرآتي ووقعت عيناي علي صورة زفافي التي فوق مرآة التسريحة، إنها هناك تقبع في ذلك المكان منذ زواجي و تقع عيني عليها كل يوم بمجرد أن أفتح عيناي و لكني في هذه اللحظة كنت أراها كأني أراها لأول مرة و ظلت عيناي تقارن بين هذه الفتاة التي في الصورة و بين إنعكاسي الذي في المرآة شعرت أني لا أعرفني، من أنا، من أكون، أين و متي ضعت من نفسي، أجل لقد تغيرت و لكني لم أدرك ذلك قبلاُ فأنا لست أنا التي أردتها لنفسي أو تخيلتها حين كنت في مثل هذه السن الصغيرة، و هرعت إلي دولابي لأفتح صندوق ذكرياتي و أسراري و الذي خبأته من أبي و أخذته خفاءاُ حين تزوجت”
فإستوقفها الدكتور:”لا تؤاخذيني عندي سؤال، ماذا كنت تفعلين حين تستيقظي من تلك الأحلام؟”
فأجابت:”كنت أقوم أجوب المنزل و أتقفد العائلة كلها لأتأكد أني في المنزل و أني ما زلت علي قيد الحياة و أني وحدي لا يوجد ناس هناك يحيطون بي و يتفرجون علي و كان والدي يستسقظ فهو تقريباُ لا ينام و بالرغم من سخريتي الدائمة لذلك ،إلا أني في تلك الليالي كنت أشعر بالسعادة أنه مستيقظ، فكانت من المرات القليلة التي يحنو علي بها و يأخذني في حضنه و يربت علي شعري و يسألني:”أهي تلك الأحلام يا بنيتي، ألم أقل لك مئات المرات أن تقرأي: الفاتحة، الإخلاص، التين، الليل، أوائل سورة الحشر، آية الكرسي، و تسبحي حتي تنامي، آه كدت أنسي و أواخرالكهف لتستيقظي ساعة إجابة الدعاء لتصلي ركعتي القيام فحينها أنت تستيقظي لملاقاة الله فتكوني قد نمت في حماية الله من الشياطين و إستيقظتي لمناجاته فتنعمي دائماُ بنوم قرير العين و هاديء النفس”
فتعجب الطبيب:”و مما كنت تسخرين؟”
فقالت:”إنه كان يخاف اللصوص و يظل طوال الليل مستيقظاُ ينتظرهم و يترقب دخولهم المنزل، فكنت أسخر من ذلك لأنه لو حدث ذلك فعلاُ لكان إختبيء و غط في نوم عميق من الخوف فالأولي أن يريح نفسه و ينام لكان ذلك أكثر فائدة”
فغمغم الطبيب و طلب منها أن تستطرد بسؤال عن صندوق ذكرياتها، و لماذا تخبئه، فقالت:”أنت تعلم يا دكتور أن لكل إمرأة أسرارها التي تحتفظ بها لنفسها بعيدة عن العالم فبعض النساء تكون أسرارها بعض الصور أو وريقات صغيرة بها خواطر أو جوابات من حبيب قديم أو صندوق مجوهرات أو ملابس أو حتي علب ماكياج أو حتي أحذية، فهي أشياء فقط رموز تحمل في طياتها كنز من الذكريات، هذه الأشياء تذكر المرأة بما تحب أن تتذكر، و عادة تلجأ لهذا الكنز حين تكون سعيدة جداُ أو حزينة جداُ أو ضعيفة جداُ يعني حين تكون غير متزنة و تبحث عن شيء يدعمها غير البشر و غير الكلام و الفضفضة، فهو يعبر عنها و عن نفسها و عما تحب، تلجأ له حين تجد مشاعرها صعب السيطرة عليها فتلجأ له لتستعيد نفسها، و أحياناُ تكون بعض النساء الأذكياء لهن شخصيات عدة لتعيش و تتكيف مع الظروف الصعبة و لكنها تحتفظ بنفسها الحقيقية حبيسة هذا الصندوق”
فسألها الدكتور:”وماذا يوجد في كنز أسرارك؟”
فأجابت:”ألبوم صور و بعض وريقات بها بعض الخواطر و الأحلام و أحاديث للنفس فأنا كنت أحياناُ أخجل من بعض المشاعر و الأحاسيس و لا أستطيع مصارحة أحد بها و كانت تلك المشاعر أحياناُ قوية جداُ تصعب علي نفسي تحملها و لا تطيق كتمانها فكنت أكتبها لأرتاح و أنفس عن نفسي، ففتحت ألبوم الصور، به صور كثيرة لي منذ أن ولدت و بكل مرحلة دراسية و هذه لي و لأعز صديقاتي بالمدرسة الإبتدائية و هذه لي و لأخوتي علي الشاطيء و هكذا إلي أن وصلت لصورتي مع بعض أصدقاء الجامعة”، و هنا توقفت و سرحت عند هذا الإنسان، “ياه لقد كنت أحبه، أحبه جداُ جداُ و هو أيضاُ كان يحبني” و سكتت و سرحت،
فأفاقها الدكتور:” و لمَ لم تتزوجا؟”
فأجابت بإبتسامة ساخرة واهنة:”التغيير يا دكتور، لقد تغير، لقد تعرفت عليه و أنا بالسنة الثانية بصيدلة القاهرة، و هو كان يسبقني بعام، تعرف علي حين وجدني أشتري كل الورود دفاعاُ عن ولد صغير كان يضربه رجل كبير لأنه لم يبيع و لا وردة و يتهمه بالكسل، فوضعت يدي في شنطتي و أعطيت الرجل كل المال الذي كان بها ثم أخذت منه عدة ورقات و أعطيتها للولد و أمرته أن يجري و يشتري بهم ما يشاء، و أنا أنظر للورد بعدما ذهب الرجل و هو يرمقني بنظرة فيها إستخفاف و إستهتار إذ بي أري أقدام تظهر تحت الورود و حين رفعت عيناي كان هو فتي أحلام الجامعة كلها، سمعت عنه من أول يوم إلتحقت به بالجامعة حتي أن واحدة كانت معي بالسكشن قالت:”نفسي يحبني و لو ليوم واحد و بعدها أموت” و هي تتنهد و أنا حينها قلت “عبط بنات صحيح”، و ظللت أحملق به هكذا دون أن أنبس بكلمة فقال لي:”ماذا فعل هذا الرجل بك؟هل سرقك؟ أو لمسك؟”،قلت لنفسي حينها:”يا خبر أبيض، إنت جئت لتنقذني، فهو وسيم وسامة نجوم السينما و كان فارساُ بحق و ليس مجازاُ فهو كان في منتخب مصر للفروسية، أنيق، غاية في الأدب لا ينطق سوي بكلمات مهذبة، و كنت أراه يذهب للصلاة بالمسجد جماعة و أنا متجهة لهناك للصلاة أيضاُ فأعجبت بذلك حقاُ، و كنت قد سمعت قصة عنه قد أبهرتني، حين قالت صديقة لي أنه كان سيسبب لنفسه مشكلة في جوازات إحدي الدول التي سافر بها ليمثل مصر في مسابقتها و حاولت موظفة الجوازات تفتيش المصحف فرفض أن تلمسه و قلب صفحاته لها و قال لها أنها لا يجب أن تمسه، و قد أبهرتني شجاعته، و أدبه ووسامته و ذكاؤه، فهو كان معروف أنه من المتفوقين بالكلية بالرغم من تفوقه بالرياضة، و كان أهم من كل ذلك متدين حقاُ لم يكن به غلطة و هذا الفارس المغوار قادماُ الآن شاهراُ سيفه ليدافع عني، و أصر أن يعلم ما حدث فحكيت له.
و كان في كل يوم يصر علي أن يعزمني علي الغذاء و لكني كنت أصر علي دفع حسابي فأنا حكيت لوالدي و كلمتين يفوتوا و منذ ذلك الحين أصبحنا صديقين و كل من حولي يحسدني”
و صمتت و أوغرقت عيناها بالدموع فسألها الطبيب عما حدث، فقالت و قد عادت تلك الإبتسامة الساخرة مرة أخري لوجهها:”لقد تغير، حين عدنا في العام التالي وجدته أصبح إنساناُ آخر تماماُ، يلبس سلسلة حول عنقه، لا يذهب للمسجد، فاتح أزرار قميصه، و يسير دائماُ بمرافقة فتاة بعيون ملونة لا تفارقه و أصبح يتلفظ بألفاظ نابية جداُ يقشعر منها جسمي، و بين كل كلمة و كلمة سبة و شتمة، دائم السخرية و الضحك علي كل الناس، تبدل تماماُ أحياناُ كان يتعمد تجاهلي فيسلم علي كل الواقفين و لا حتي ينظر إلي، فأنسحب بهدوء و أظل أبكي بحرقة طوال الليل و مع الوقت مات حبه بداخلي، فلم يعد وجود لهذا الفارس الذي أحببته، لقد وصل به الأمر أنه سخر مني مرة و جعل الجميع يضحكون علي ثم إعتذر في إستهتار متحججاُ:”أن القافية تتحكم”، ثم نظرت إلي صورتي مع عائلتي، هذا هو والدي و والدتي الطيبة و هذا أخي المرح محطم قلوب الفتيات، فهو وسيم رشيق قوي البنيان، خفيف الظل جداُ، و حديثه شيق و جذاب فكانت تقع كل من تراه في حبه، و هذه هي أختي العايئة كما كانت تسميها أمي، فهي قمة قي الأناقة و الرشاقة، كانت تصلح أن تكون موديل، و هذا هو أخي العبقري، كان يحلم أن يكمل دراسته و هذه أنا و أنا لماضة العائلة كما كان يسمني أبي، فكنت بارعة في الحديث و كنت أحلم أن أكون مراسلة صحفية، أجوب العالم و أكون بقلب الأحداث و أنقل أحداث العالم و أدافع عن المظلوم بقلمي و غطت في نوم عميق و أنا أسرح في هذه الذكريات و الأحلام و نمت و حلمت بأن كل ذلك قد تحقق و أني تزوجت ذلك الفارس و أننا قد إجتمعنا في قاعة مع والدي للإحتفال بأخي لتسلمه جائزة الدولة التقديرية للإختراعاته و أبحاثه و جميعاُ سعداء حققنا ما كنا نحلم.
و إذ بي أفيق علي خبط علي الباب بشدة فأبنائي يحاولون إيقاظي لأن إخوتي كلهم مجتمعون عندي للغذاء و ينتظروني بالخارج مع زوجي فوضعت أوراقي و ألبومي بمكانه و خرجت و أنا نصف نائمة لا أستطيع التفريق بين الحلم و الواقع و حين نظرت إليهم لم أتمالك نفسي فصرخت في وجههم و جريت إلي الشارع فأنا كنت ما زلت بملابسي و إختبأت حتي لا يجدوني ثم وجدت نفسي كأني سأنفجر فوجدت إسمك علي العيادة فهرعت إليك لعلي أجد عندك الدواء و الراحة و إجابات تلك الأسئلة”.

 

فسألها الدكتور:”لماذا صرخت حين رأيتهم؟”

قالت:”قد ظننت أني في كابوس فأنا كنت لا أزال نائمة و لم أفيق بعد، ووجدتني أفيق علي واقع أليم، فزوجي ليس ذلك الفارس، و لا أخي عبقريا بل موظف أرشيف و ليست أختي تلك الرشيقة الأنيقة بل أصبحت كالفيل، و ليس أخي مرحا قويا بل كئيب حزين هزيل مريض لا يخالف رأيا لزوجته القبيحة المستبدة، و أنا سيدة منزل أسافر فقط من الصالون للسفرة نادرة الحديث، لا أكتب، و لا أتكلم”، ثم تسكت ثم تقول بصوت عا ل:”فهل أكون بذلك قد تغيرت، كل ما هنالك أني حافظت علي أولوياتي و لم أدعها تتغير و بسبب ذلك تغير كل شيء من حولي، فأولوياتي: أولادي وعائلتي ثم عملي ثم نفسي فحين كنت أحلم لم أكن أقدر إمكانياتي و لم أكن حقا أعلم حجم مسئولياتي”.

ثم جلست و وضعت يديها علي رأسها و قالت:”نعم لقد تغيرت، و كل الناس تغيروا، لماذا التغيير لماذا لا يبقي الأبيض أبيض و الأسود أسود، فنعرف الطيب من الشرير،والآن أنا لا أدري هل تغيرت للأفضل أم للأسوأ و متي يجب أن يقف الإنسان ليحاسب نفسه و كيف فالله يحاسبنا علي الوقت و الشباب و الصحة فإذا قابلته يوم العرض أكون قد أخفقت الإختيار، لقد علمني الله الكثير من العلوم الدنيوية و حاولت أن أعلمها أبنائي و لكنهم لم يكونوا مهتمين فما ذنبي، و إن كان الإنسان عليه أن يختار شيء ؟واحد فقط بحياته فما يكون.

أعلم أن كل إنسان خلق ليحدث تغيير و ربما كان هو وسيلة فقط لإحداث هذا التغيير، فهل أنا الوسيلة أم الهدف و بإختياري لإرجائه لأبنائي فيه جبن و كسل”.

ثم نظرت إلي دبلتها و أصبحت تلفها بأصابع يديها اليمني بعصبية و قالت:”لقد بعت كل شيء من أجل الإحتفاظ بها، فهل هي حقا تستحق كل ما عانيت و تركت لأجلها؟”

ثم أمسكت برأسها و قالت:”أشعر أن رأسي سينفجر من كل تلك الأسئلة و من تأنيب الضمير!!!”

 

فقال الدكتور:”نكتفي بذلك اليوم و دعيني أجيبك علي بعض أسئلتك و سأبدأ أولا بسرد لك بعض النظريات ثم سنتحدث علي نفسك تحديدا، فسؤالك الأساسي: هل تغيرت أم لا؟ فمن وجهة نظر العلم النفسي السلوكي، لا لم تتغيري، فهناك فرق بين Attitude و Behavior، Attitude يعرفونه علي الأحكام التي يقوم بها الإنسان و هي تبني علي المعتقدات و الأفكار الداخلية ووجهة نظر الإنسان تجاه الناس المحيطة أو الأماكن أو الأحداث أو الأشياء أما السلوك فهو يعبر عن السلوك الخارجي الذي يقوم به المرء و السلوك يختلف علي حسب المعتقدات و المباديء و الحالة المزاجية للمرء و يتأثر بعوامل كثيرة مختلفة و أنت كما قلت فأولوياتك لم تتغير و قد حافظت عليها علي مر السنين و لو عاد بك الزمن لكنت قمت بنفس الإختيارات و القرارات و لم تندمي عليها رغم علمك بنهاية هذه القرارت.

أما عن الأحلام، فتلك أحلام مشهورة يحلم بها أغلب الناس عامة و لكن الأشخاص و الرموز التي بالحلم هي التي تعكس خصوصية الحلم و إنعكاس واقع كل منا علي حدة و هذه هي التفسيرات العامة لتلك الأحلام المشهورة:

السقوط: يدل علي عدم الإتزان العاطفي و التحكم الذاتي و يدل علي الخوف من السقوط و الرسوب في الحياة الحقيقية و يمثل عدم الأمان و إنعدام الثقة بالنفس و هو نفس تفسير حلم الغرق و أنت تحلمين بذلك لعدم الشعور بدعم الذين يحيطون بك و ربما في حالتك يعكس شعورك بالسقوط عند تنازلك عن أحلامك و الرضوخ للظروف.

العري: و هو يدل مشاعر الذنب أو الدونية لأنه يعبر عن إحتقار الذات إذا ما إنكشفت النفس الحقيقية و ربما دل كذلك علي أنك أظهرت من نفسك أكثر مما يجب كأفشيت سرا لك مثلا و ربما تشعرين بالدونية عند مواجهة نفسك أو الآخرين بإستسلامك لأسباب هذا التغير مهما كانت و ضياع مقاومتك للدنيا و إعلانك الإنهزام أمامها و تخليكي عن روحك، و طموحاتك، فطموحات الإنسان هي الشعلة التي يسير علي هديها و النور الذي يضيء حياته و عند تحقيق هذه الطموحات تشعرين بالسعادة و الرضا كجائزة لك علي عندك و مقاومتك و مجهودك. و لكن يجب أن تعلمي أن الطموحات ليست في الحياة العملية فحسب بل الأهم أن تكون الأسرية، و هنا هناك خطأ يقوم به أغلب الآباء و هو أن يحددوا للأبناء ماذا سيصبحون و لكن الأهم أن يحددوا للأبناء ماذا سيكونون و يتركوا للأولاد إختيار ما يشاؤا.

أما عن حلم الموت: فهو يدل علي عدم الرضا عن الذات تمني ميلاد شخصا جديدا لذاتك، فحينها يجب أن تبحث عما يشعرك بالقيود و تتحري من نفسك القديمة.

أما عن حلم الإختبار:كأنه فاتك أو لم تكوني معدة له فكل ذلك يدل علي أنك تشعرين أن هناك من يقيمك و يختبرك في الحياة العملية و أنت تشعرين أنك لست معدة لذلك أو أنك تلعبين دورا خاطئا في الحياة.

و لكني لا أريدك أن تقلقي، فأنا لي ملحوظة عامة ربما كنت مخطئا بها، فأنا أري أنك لم تذكري قط وجود أي أصدقاء مقربين لك تبثي لهم بحزنك و قلقك و تحكي لهم عن مشاكلك و همومك و أعتقد أن هذا يعتبر مصدرا كبيرا لهذا القلق الذي تعيشينه، فأنت بمجرد أن حدثتك صديقة قديمة ووضعتك عين التقييم إنهرت تماما، أنت تعزلين نفسك عن الناس كأنك قمت بجريمة لتركك أحلامك و التنازل عن حياتك العملية لحياتك الأسرية، إذا كنت غير راضية عن واقعك فلتغيريه مهما كلفك الأمر، نحن من نصنع السعادة لأنفسنا لا أحد غيرنا فإن كنت تعيسة بزواجك فلتتحري منه و طلقي و لكن يجب أن تفكري جيدا بعواقب الأمور و كيف ستدار، يجب أن تحددي ماذا يسعدك و يشعرك بالرضا بل بالفخر بذاتك و بمن حولك و أنا لا أعتقد بالمرة أنك ستسعدين بالتنازل عن كل ما فعلت و عن حياتك الأسرية التي ضحيت بكل أحلامك الشخصية من أجلها و أن تعيشي مطلقة فبذلك تكوني قد خسرت كل شيء الماضي و الحاضر، بل من الأفضل أن تحاولي أن تحددي ماذا يزعجك بزوجك و أولادك و حاولي أن تعالجيه و تغيريه فالتغير هنا للأفضل.

و إعلمي أن لكل إنسان دور في الحياة يهيأه الله له و يعلمه طوال حياته ليكون قادر علي القيام بهذا الدور و كل إنسان يجب أن يبذل قصاري جهده في التعلم و أفضل ما عنده في دوره الذي يقوم به و يتقنه فهذا مما يحاسبنا الله عليه أيضا.

وإعلمي أيضا أن دوام الحال من المحال و ذلك من رحمة الله بنا، و نحن فقط من يقرر إن كان التغيير للأفضل أم للأسوأ و الله سيحاسب كل إنسان علي جسده فيما أبلاه و شبابه فيما أفناه و عما إكتسبه فيما أكله و فيما أنفقه، إذن فلابد من الوقوف و التغيير مهما كان ثمنه.”

فسألت:”وما عاد هناك مكان أو وقت للتغيير أو التفكير في مستقبل، المستقبل قد فات و لن يؤيدني أحد علي أي تغيير فالكل أصبح متكيف و متعايش و يشعرون بالرضا و لا أحد غيري يشعر بضيق، فأنا الوحيدة التي يقع عليها الضرر من التنازلات و لو هممت بتغيير أي شيء في حياتي فربما سيتهمني البقية بالأنانية و عامة فما جدوي ذلك الآن و أنا قد قارب عمري علي الأربعين؟”

فرد الدكتور:”ستتحسرين علي ما لم تفعلي الآن حين تصبحي في الخمسين و ستندمين علي هذا التخاذل أكثر حين تكوني في السبعين، لقد قال الرسول صلي الله عليه و سلم:”إعمل لدنياك كأنك تعيش دهرا و إعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”

ووجدها الطبيب قد أنهكت تماما فقال:”يكفي الكلام الآن أنت في حاجة لراحة فلتذهبي للمنزل الآن و لنا لقاء آخر لتحكي لي عن سر التغيير الذي سبب فقدان الروح و الأحلام، و الأسباب التي جعلتك أنت و إخوتك لما إنتهيتم له الآن و حتي هذا الحبيب القديم كيف تغير من النقيد للنقيد، فكل شيء له سبب و حين نعرف الأسباب نستوعب العواقب”.

 

 

 

1. http://www.divinecaroline.com/22201/53010-seven-common-dreams-mean

2. http://listverse.com/2008/10/07/top-10-common-dreams-and-their-meanings/

3.http://www.dreamsleep.net/commondreams/index.html

4.http://en.wikipedia.org/wiki/Attitude_(psychology)

 

 

بقلم : إنجي فوده
19 أبريل 2010

 

 

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.