النذل

“نعم، فرقت بينهما و كسرت قلبيهما و دمرت أحلامهما، منحوني ثقتهم و إستغليت ذلك لمخططي و نجحت …”
ثم يسكت و في عينيه حسرة م يستطرد و في عينيه رجاء:”أرجوكوا لا تحكموا علي حكما ً نهائيا ً الآن، إسمعوني و ضعوا أنفسكم مكاني، و إنظروا من عيني، نعم أعترف بالجرم، لقد فرقت بين صديقي و حبيبتي، أحبه و أحبها و الصراع أدماني، لقد تعذبت أكثر منهما، كل ليلة منذ أن كان ماكان و أنا لا أستطيع النوم، ضميري يقهرني و نفسي تنصب لي المحاكمة و تحكم علي بعدم النوم، أنا أتعذب إلي الآن في حين أنظروا إليهما، كلا ً منهما تزوج و يعيشا منعمين قريري العين، ألم أقل لكم أني تعذبت أكثر منهما”

ثم تحمر عيناه و تتسع و تبرق و يخرج منهما شرر و يقول:”لما تحاكموني أنا لم أفعل شيئا ً، أنا فقط كنت أداة القدر، نعم هذا كان قدرهما، لم يكونا لبعض، لم يكن مقدرا ً لهما ذلك و إلا ما كنت نجحت، بل ربما كنت ما فعلته له أثرا ً عكسيا ً و عمقت علاقتهما أكثربدلا ً من أن تنهيها، بالتأكيد حبهما لم يكن حقيقيا ً، كانا يخدعان نفسيهما و أنا كان لي الفضل عليهما أني أنرت بصيرتهما و أوضحت لهما الحقيقة، هما من أعطياني الفرصة، هما بتوسيطي بينهما كان حجة منهما كأن كل منهما أراد أن ينهي حبهما و خجل ففوضوني لأقوم بذلك بالنيابة عنهما، و قد فعلت، و ما كان مني ألا أن دعوتهما ليتركا بعضهما فاستجابا لي فلا تلوموني و لوموهما، نعم أنا لست مذنبا ً، لست مخطئا ً، بل رسول، لا بل ملاك أرسل لهما لينفذ القدر”

و سكت و سرح بعينيه بعيدا ً ثم هز كتفيه و هو ينظر إلي الأرض و يقول:”و بعدين لماذا أنتم متضايقين، أليس كل شيء بالعاقبة، فلننظر للنهاية إذن، ها هما قد تزوج كل منهما من آخر و أصبح عندهما أبناء، و يعيشا سعيدين، أو هكذا يبدو علي الأقل، إذن أنا فعلت بهما جميل يجب أن يشكراني عليه ،أليس كذلك؟”

“لا تنظروا لي هكذا، نعم أنا أعلم أنهما تألما كثيرا ً، و دمعت عيني كل منهما، و أنهما ربما مازالا

يفكران ببعضهما البعض و يتحسرا، هي ….هي بالتأكيد، أنا أعرفها أكثر من نفسها، أعلم أنها كانت تظل تبكي كل ليلة إلي أن تنام علي دموعها.

أكثر ما آلمني هو ذبولها و وهنها و مرضها في تلك الأيام، لن أنسي نظرة الصدمة التي كانت علي وجهها حين قلت لها أنه تركها و خطبت له أمه غيرها، و لكني قلت ذلك في وسط حكايات كثيرة لأخفف عنها، و حين تسمرت أمامي كأن روحها صعدت للسماء و تجمد جسمها، قلت لها أنه حزين و مجبر و ليس أمامه خيار و أنه لا يزال يحبها و يتمانها و يفكر فيها، نعم صدقوني قلت لها كل هذا لأخفف من آلامها وأربت علي قلبها الكسيرـ فأنا كنت أحبها حبا ً جنونيا ً و لم أحتمل رؤيتها هكذا، و لكن هيهات أن يغير أي شيء، كم تمنيت لحظتها أن أجثو أمام قدميها و أعترف لها بكل شيء فعلت وقلت و إعتديته عليها و أعترف بإثمي و أطلب منها أن تسامحني و لكني خفت و لم تواتني الشجاعة لفعل هذا، نعم أنا جبان، ولكني أعرفها كانت ستصفعني علي وجهي بقوة و تتحول من كل هذا الإنكسار إلي وحش كاسر و ستكسر أم رأسي بأقرب شيء تطوله يديها الصغيرتين!!

ليتني فعلي ليتني كنت شجاعا ً لاستطعت أن أنام الآن، و لكن ما كان قد كان و اعترافي لها لم يكن ليغير أي شيء مما حدث و لم يكن ليداوي جرحها، فقررت الإنتظار و لا يوجد لأي جرح أفضل من الوقت ليداويه، و ها قد صدق حدسي و مع الوقت استطاعت تخطي الأزمة!!”

ثم يسكت و يفكرو فجأة يعلو صوته بالغضب و يقطب حاجبيه قائلا ً:”الحقيقة أنها هي سبب كل ذلك، نعم هي السبب، أنا أحببتها جدا ً ، رغما ً عني، نعم رغما ً عني كنت أفكر بها و أتذكروجهها و رائحتها وأسمع صوتها في أذني يطرب له قلبي و حين شعرت هي بذلك و بدلا ً من أن تشفق علي و ترفق بعذابي و أنا أراهما معا ًو أسمع منه و منها كيف كلاً منهما يحب الآخر، وما يقولانه لبعضهما البعض، عاملتني بقسوة بل أحياناً بسخرية كأنها كانت تريدأن تنهرني و تُكرهني فيها و لكني كنت أعلم أنها تمثل وأنها ليست بهذه القسوة.

إلي ذلك اليوم الذي إعترفت لها بإعجابي لها و لكنها أجابت بإستعلاء أنها شعرت ذلك من ملاحقتي الدائمة لها في كل مكان و أني فهمت تواضعها معي خطأ و أن الفارق الإجتماعي بيننا لا يمكن تجاهله………..

أنا لم أطلب منها أن تحبني،كنت فقط أتمني أن تعطيني فرصة لأعبر لها عن حبي فربما أحبتني و شعرت بالنارين اللتان يضمران بقلبي، نار حبها و نار الغيرة من صديقي. ثم هو ليس أفضل مني في شيء، إننا متساويان في كل شيء، كل ما هنالك أنها أعطته الفرصة و أنا لم أكن أريد أكثر من حقي في فرصة مماثلة، فلوكانت أعطتها لي لكنت أثبت لها أني أجدر منه علي إسعادها، و حتي في النهاية إنه أنا من كان يزرف الدمع لحزنها، في الوقت الذي كان هو يتفسح و يتمتع مع أخري و تجاهلها و تناسي أنه سبب تعاستها. هذا ما كنت فقط أحاول إثباته لها و لكنها لم تعطني الفرصة. كانت دائما ً لا تنظر إلي و إن نظرت لا تراني، لا تشعر حتي بوجودي. فقررت أن أتصرف فلاحقته إلي أن أصبحت صديقه الوحيد و مركز كل ثقته، في البداية تضايقت من صداقتي له لأنها كانت تشعر أني ضئيل و لا أرقي أن أكون من أصدقائه و لكنني ظللت مصرا ً إلي أن فرضني عليها و أصبحت كيانا ً مهما ً بينهما و مع الوقت تقبلت أننا ثلاثة. في البداية كانت تضغط علي نفسها إرضائا ً له و لكن مع الوقت أصبحت مرسال الغرام، و قدخدمتني الظروف أكثر حين عزل من حيينا، آه لقد نسيت أن أقول لكم أننا جميعا ً كنا جيران، و بعد أن رحل صديقي و سكن بعيدا ً أصبحت أنا مرسال الغرام بينهما، أرأيتم ألم أقل لكم أنني فقط كنت أداة القدر، فلماذا عزل صديقي في هذا الوقت فقط بعد كل هذه السنين؟!!

المهم،كنت أحمل هدايا كلا ً منهما للآخرمع الرسالة الشفهية، و في البداية كنت صادقا ً أنقل حرف بحرف و لكن مع الوقت و إكتسابي ثقتهم العمياء في، كانت رغما ً عني تتبدل الكلمات علي لساني أو أنقلها مع تعديل طريقة الكلام لأعطي إيحاءا ً عكس ما تعنيه الكلمات، وهما كانا يصدقاني!!

مثلا ً أذكرالبداية حين ذهبت لحبيبتي لأخذ منها أول هدية أرادت أن ترسلها له، وكانت قد أرفقت معها خطابا ً فأخذت الهدية وأظهرت الإمتعاض و الضيق و القلق من أخذ الخطاب، فسألتني عن السبب، فقلت لها و أنا أظهر التردد:”نعم، هوإنسان دمث الأخلاق ولكن من يضمن ما يمكن أن يحدث فقد تتغير النفوس و المشاعر و ربما قررت يوما ً أن تتركيه و تتزوجي من غيره فلا داعي أن تضعي في يده أثبات أو أشياء مادية يمسكها عليكي ويهددك بها، و إجعليها رسائل شفهية أفضل و أنا سأنقلها له”

فأطاعتني!!!!!!!! أليس هذا معناه أنها لم تكن تثق به ثقة عمياء، أرجوكوا لا تقولوا أني زرعت بذرة الشك في قلبها تجاهه بل بالتأكيد هي كانت موجودة و أنا فقط استثرتها، ومن ناحية أخري أكون علي علم بكل كلمة تدور بينهما و أيضا ً ستقل كلمات الحب و الإعجاب لخجلهما أن يقولاها لي، فيقل توهج المشاعر و يبرد قلبيهما و ربما زاد الجفاء و يتحقق مقولة “البعيدعن العين بعيد عن القلب”.

و بعد أن أصبحت محل ثقة صديقي و عينيه التي يري بهما حبيبته و أذنيه التي يسمعها بهما، عملت علي أن أكون عقله الذي يفكربه فيها.

أذكر يوم عيد ميلادها، جلست أزن و أطن أنها أغني منه بكثير ومهما إشتري لها فإمكانياته لن تتسع لطلباتها و لن يستطيع أبدا ً حتي لوعمل ليل نهار أن يوفر لها المستوي المادي و المظهر الإجتماعي التي تعيش فيه و تربت فيه، ولوهي تحملت سنة فلن تتحمل أخري، فصدمني صديقي بهديته وأنها أغلي هدية بالدنيا، فقد أهداها مصحفا ً فضاعت حيلتي، و لكني قد نجحت أن أزرع بذرة قلة الحيلة و النظرة الدونية و الإستعلاء التي قد تصدرمنها يوما فأكون قد خسرت جولة و ليس المعركةً. و كنت أتحين أي فرصة لأقول ماذا إشتري أهلها جديدا ً و بكم و أضخم و أفخم و أحقر فيه وأتعجب كم سيطلب أهلها في المهرو الشبكة و أظهرالإشفاق عليه من هذه الأهوال المادية التي علي عاتقه. ءأكون بهذا خائنا ً للثقة أم صديقا ً أميناً يري ما لا يراه صديق؟!

وحدثت مرة حادثة محورية حيث أعطاني صديقي كتابا ً لحبيبتي وقد أعطيتهإياها ولكنها كانت مشغولة بإمتحاناتها فلم تستطع قرائته، فظللت أتابع معه و كلما رأيته أقول إنها لم تقرأه كأنما تستتفهك و لم تعد تهتم بأمرك، أري أنها قد تغيرت،نعم عندها إمتحانات و لكن عمر الإمتحانات ما كانت حائلا ً أن تطيعك من قبل، يبدو أنك لن تكون لك الكلمة العليا في بيتك و مع الوقت لو سمحت لها ستتحكم بك و بالبيت، فغضب منها حينها غضب شديد!!

و مرة أخري خدمتني الظروف بتقدم عريس لها، فزاد من كآبتها وحزنها و ضغط أهلها عليها، و حين ذهبت لأراها جزعت من أن توافق عليه و تضيع مني، و لكني إطمأننت حين رأيتها تقابل العريس بوجه عابس بائس صامته ملولة و لوتحدثت معه كانت تكون عصبية ناقدة أو ساخرة، و حين رأتني كأنها رأت طوق النجاة فسعدت كثيرا ً بإبتسامتها لي في ذلك اليوم،وشعرت أني ملكت الدنيا و ما فيها، و إذ بها تنظر لي ثم تضع عينيها في الأرض وتطلب مني بإنكسار أن أقول لصديقي عن خبرالعريس.

ففعلت و ذهبت له و قلت له أنها تغيرت كثيرا ً وحين سألني إن كانت متماسكة أمام العريس و أهلها و كيف تبدو، أجبت أنها كانت متماسكة متماسكة جدا ً حتي أنها طلبت مني بقوة أن أخبرك عن العريس كأنها لا تقدر ظروفك و أنك لن تستطيع التقدم لها الآن لأحوالك المادية الغير مستقرة

فسألني إن كنت جلست معها، فأجبت بالإجاب و لم أخبره شيئا ً عن ما كان عليه من لونها، حزنها و ألمها، فزاد ذلك من غضبه و شعر كأنه صدم بها وأنها قد تستجيب لمن هو أقدر و أغني، فلم أعلق و هززت كتفي وسكت…!!!

أبهذا أكون كاذبا ً كلا أنا لم أقل سوي الحقيقة، نعم جلست مع العريس و نعم طلبت مني بقوة إبلاغه بأمرالعريس، هو من فهم القوة علي أنها تضغط عليه و تتمنظر عليه بتنافس الخطاب وتهافتهم عليها، بالتأكيد هذا رجع بشعوره بالدونية وأنها حقا ً أفضل منه كان موجودا ً بداخله وأنا قد أثرته فقط،فأنا لست مذنبا ً إني كنت أحاول أن أضيء لهما الطريق و أن أطلعهما علي نقاط الضعف في علاقتهما فالحب أعمي و يجعلهم لا يروا الكثيرمن الحقيقة، و إن تفرقا الآن بالتأكيد أفضل من طلاقهما بعد ذلك لو كانا أطاعا قلبيهما ورفضا رأي العقل،أليس كذلك؟؟

ومن ناحية ثالثة بدأت أضغط علي أم صديقي و أحدثها عن أم حبيبتي، فكانت معروفة أنها ابنة عز و لذلك كانت لها سطوتها في حيينا و الكل يعمل لها ألف حساب، و بدأت أحكي لها و أصورها أنها تمادت كثيرا ً و أصبحت تتحكم و تستبد و بالتأكيد ابنتها ستصبح مثلها يوما ً ما، أليس المثل يقول هذا ، وبدأت أقنعها أن تبحث لصديقي عن عروس أخري تشبه حبيبتي في بعض الصفات و السجايا و قد سهل لنا الطريق وجود جارة لهما كبيرة الشبه في الصفات والشخصية و الآراء بحبيبتي ، و بدأ الكل يطن في أذن صديقي، أنا و أمه و أخته وحتي أبيه، و بدأت صورة حبيبتي تبعدعن ذهنه حثيثا ً حثيثا ًبعد أن أصبحت أنا همزة الوصل الوحيدة بينهما، فبعد حكاية العريس نصحت صديقي بألا يزورها أبدا ً حتي لا يسمع أي تلميح أو تجريح من أهلها و يجد نفسه إما في وضع التدبيس أو الإحراج، وأنه لا داعي أن يعرض نفسه لذلك ما دمت أنا موجود، ربنا يخليني ليهم، و بالفعل مع بعض دعوات الأم وتخيره بينها و بين حبيبته و أنه لوأصر و تزوجها فهولا ابنها و لا تعرفه ولاتريد أن تراه ثم السقوط و الرقود في السرير عدة أيام مريضة، رضخ صديقي وخطب الفتاة الأخري و انتهت الحكاية!!

صدقوني لقد فعلت هذا لأني أحبهما، نعم أحبهما و كنت أعاني صراع فقدهما معا ً و أنا لا أستطيع أن أعيش دون واحد منهما علي الأقل في حياتي فلو تزوجا لن أتحمل رؤيتهما معا ً فكان الحل الأمثل أن أفرق بينهما و أتزوجها أنا وأحتفظ به كصديق لي بعيداً عنها،فصديقي طيب القلب وسيغفر لي أن تزوجتها بل سيفرح لنا حين يعلم كم أحبها وما سأبذله لإسعادها، و هكذا أحتفظ بهما كلاهما في حياتي. ألم أقل لكما أني أحبهما، و هذا هو ما سولت لي نفسي و لكن كما كان مقدرا ً أن يتيها من بعضهما البعض، تاهوا هم أيضا ً مني، لم يكن مقدرا ً أن يظل لي أيا ً منهما، كأنه كتب علي أن أتعذب وحدي، فصديقي ضاقت نفسه و هاجر ليبحث عن حياة أفضل في بلد آخر و هي حين حاولت التقرب منها لعلي أصل لغايتي، وجدتها تقول لي أنها لا تريد أن تراني أو تسمع عني أي شيء، فهي حين تراني تشعر أنها تراه و أذكرها بكل الذي كان، و هي تريد أن تطوي هذه الصفحة طيا ً نهائيا ً و لا تريد أن تتذكر أي شيء لتنسي و تعيش حياة جديدة، و هكذا فقدتهما هما الإثنان للأبد، ذهبا ليعيشا و تركاني وحيداً ً أتألم و أتعذب و أشتاق إليهما،أرأيتم كم هما أنانيان؟ و لم يهتم أيا ً منهما بأمري و إهتما بحياتهما فقط؟ أرأيتم كم أنا مسكين و أحتاج لحبكم و حبهما؟ و كيف يجب أن يكون حكمكم علي كله رثاء و شفقة علي؟

إنجي فوده

8 أغسطس 2010

 

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.