حكايتنا مع أولاد العم في بلاد العم سام-الحكاية الثانية

أول مرة أذهب لأري نيويورك سيتي، طالما رأيتها في الأفلام و علمت منها أن الحياة هنا هي حلم من أحلام الشباب الأمريكي لمن يريد الشهرة مثل هوليود في  غرب أمريكا، نيويورك سيتي شهيرة بمسارحها التي تصنع النجوم. مدينة مزدحمة بالمارة و السيارات و لكنها مليئة أيضاً بالحدائق و الملاعب العامة المفتوحة بالمجان لاي شخص يريد راحة للعقل و العين من زحام المدينة، و كذلك هناك ممرات خاصة للجري و الدرجات.
كان اليوم مشمسا ً و رائعاً لمن يكون قادماً من بلد حار مثلي و لكنه يعتبر يوماً حاراً لمن يعيش في الجليد لشهور كثيرة. في الأغلب السائحين يسيرون ليشاهدوا معالم المدينة، فالتنقل بالسيارة و ايجاد أماكن لركن السيارات شبه مستحيل، فالمشي أسهل و أمتع. وقفنا في اشارة مرور المارة، فإذ بي أري سيدة مثلي بملامح شرقية ترتدي ملابس بأكمام طويلة و مغلقة تاماً و جيبة واسعة جداً و طويلة جداً.  فظننت أنها عربية مسلمة تود إرتداء الحجاب و لكن تخاف العنصرية!!
فشددت يد زوجي و قلت له عنها و قلت ليتها تتشجع و ترتديه و ليكن ما يكون، فجذبني زوجي بعيدا ً عنا و قال لا تتكلمي الآن، سأشرح لك لاحقاً، و فتحت الاشارة و مشينا جميعاً.

فصعقت حين وجدتها تنضم لشاب علي رأسه يكمة كان ينتظرها بالرصيف الثاني و حين دققت بالفتاة وجدتها ترتدي قلادة بها نجمة داود فقلت لزوجي إنها ليست مسلمة، ما دامت يهودية لما ترتدي مثلنا في مثل هذا الجو الحار؟ فالنساء كن عاريات عاريات لسن كاسيات عاريات
فشدني زوجي و نبهني انهم في الأغلب يعرفون العربية فلا أنكر أني لحظتها شعرت بالغيظ لأنهم يفهمون لغتي و أنا لا أفهم لغتهم، هم أيضاً كانوا يبادلوني النظرات و بالتأكيد كانوا يتحدثون عننا أيضاً و لكني لم أفهم.
كل ما كان برأسي عن اليهوديات في الأغلب ترسب صور من الأفلام المصرية مثل الحب في طابا و الطريق الي إيلات و ما إلي ذلك و الذي يعرض اليهوديات مبتذلات عاريات أيضاً و أنا كنت حينها كأغلب المصريين أجهل تماماً عاداتهم و لا أعلم شيئاً عن ملابسهم أو أعيادهم، و التي بالطبع فرض علي معرفتها بعد الحياة في أمريكا لعدة سنوات

تذكرت كلام والدي حين طلبت منه تعلم العبرية و كنت في الأول الثانوي، فرفض حذراً من أن أغلب من يدرسون العبرية بمصر يوضعون تحت المراقبة و تحت إمرة الحكومة لإستخدامهم في أي وقت فسألته أليس علينا معرفة أعدائنا و من أبسط هذه المعرفة هي معرفة لغتهم، فقال أن هذا النظام ساري منذ حكم عبد الناصر، خوفاً من أن يجندوا الكثير من المصريين بالإغراءات المعروفة، و انه ليس علينا تعلم لغتهم لأن عددهم قليل مقارنة بعدد المسلمين، فهم من عليهم تعم لغتنا و ليس العكس و كنا وقتها نحسب أننا الأقوي، إذن هم الأضعف و هم من عليهم التعب و ليس نحن.
و كان هذا أول تغيير لي في معرفة اليهوديات، و لا أنكر أني كنت في السابق أتضايق مجرد سماع أي كلمة تذكرني بهم

ولكن “عسي أن  تكرهوا شيئاً و هو خير لكم”، فبعد السفر استفدت كثيراً من وجودهم، فهم عددهم في أمريكا يفوق عددهم بإسرائيل نفسها. معني وجودهم أننا سنجد أكل و مطاعم كوشر أي أ كل علي الشريعة اليهودية و هذا معناه أنه مذبوح و ليس مكهرب و لا مضروب برصاصة التخدير المشكوك في أمرها، و هذا يسعدني أننا سنجد أكل نأكله غير الأسماك.
و استفدت أيضاً من وجودهم لأن بطبيعة اللبس هذه، إستطاع زوجي شراء فستان الزفاف من علي الإنترنت و لم يحتج مني أي تعديل لأنه كان بأكمام و مغلق الصدر و كامل التطريز و أرخص من مصر كثيراً.
و الأمر كان متبادلاً، حيث ذهبت مع زوجي حفلة بمدرسة إبنتي و كان علينا عمل چيلي بالموز للفصل ، و حين وضعت المدرسة بعضاً منه لزملاء إبنتي من الأطفال اليهود وجدت والد أحدهم يجري فزعاً ليمنع المدرسة، حيث يحتوي الچيلي العادي علي مادة الچيلاتين المصنوعة من دهن الخنزيرو لكن المدرسة طمأنته أننا من عملناه فسمح لإبنه بأكله

و علمت أن السيدة اليهودية يجب أن تغطي رأسها طوال الوقت إذا كانت متزوجة و ان كانت غير ذلك فعليها مثل الرجال تغطية رؤوسهم  فقط عند الصلاة و العمل و الأكل و التعليم و العبادة و علمت ان بعضهم يرتدي الحجاب الذي يرتديه بعض السيدات العربيات أيضا و هو ما يسمي السبانيش  و ما يسموه هم بهلاشة حيث لا تغطي الرقبة أو الأذنين فهذا هو زي اليهوديات في الاصل

بالطبع هناك منهن من ليست ملتزمة بزييهم الشرعي تماماً مثل حال نساءنا العربيات بحجة الاندماج مع المجتمع الجديد !!

و قدعجبت لهذا الأمر لما نحن نتعرض له من اضطهاد للبس الحجاب في بعض البلاد في حين هم رجالهم و نسائهم لهم زي ديني محدد و كأن اليهود يمسكون ذلة للغرب و كانت الإجابة في نهاية هذا اليوم حيث أخذني زوجي الساعة الخامسة  لشارع وال ستريت فهو شارع المال و البورصة في نيويورك سيتي فشعرت أني ذهبت لإسرائيل ما كل هذه اليكمات و القبعات ؟؟ألا يعمل أحد غيرهم في البورصة و الإقتصاد؟؟؟ فمتي سنستطيع المنافسة و التواجد في سوق الإقتصاد و الإستثمار في العالم حتي نؤمر نطاع
و المؤلم أيضاً أنه حين تتابع من يملك أغلب المحلات المنتشرة و المعروفة و سلاسل المحلات التي تملك القارة الأمريكية شرقاً و غرباً تجدهم يهود و من يملك العديد من شركات التي تتحكم بالتكنولوجيا في العالم تجدهم اليهود، “و جعلناكم أكثر نفيرا”
أحلم الآن أن نملك تأثير أعلي من حيث الإنجازات و التقدم بعد الثورات العربية التي تحدث الآن

نهاية لاحظنا أن اليهود لم يفرضوا أنفسهم علي الإقتصاد و الإعلام فقط بل في الأعياد أيضاً فوجدت مثلاً أنهم جعلوا عيد التدشين أو الهانوكه أو بما يسميه الأمريكين هنا عيد النور و رمزه الشمعدان الشهير لليهود المسمي المنورة بالتسع شمعات و هو يتزامن مع أعياد الكريسماس فتجد  برامج الأطفال يحتفلون بكلاهما معاً  -حتي يتعود الغرب منذ نعومة أظافرهم علي حبهم و ليس فقط تقبلهم- و مثلاً عيد الفصح يتزامن مع أعياد الربيع و هكذا، شعرنا عندها كأن اليهود يحاولون جعل الأمريكين يشعرون بوجودهم معهم دائماً حتي في الأعياد هم شركاء  مناصفة
فأتعجب من الحوارات المستفزة التي تدور في مصر حول فصل الدين عن السياسة و الخ و أنظر لليهود الذين جعلوا من دينهم و شعائره سياسة تفرض علي الجميع لإثبات وجودهم

مصدر الصورة:

http://www.patheos.com/Resources/Additional-Resources/Modesty-Not-Just-for-Women.html

المراجع

موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري

http://en.wikipedia.org/wiki/Jewish_population

http://www.ehow.com/about_5031528_jewish-women-dress.html

http://ar.wikipedia.org/wiki/أعياد_يهودية

12 thoughts on “حكايتنا مع أولاد العم في بلاد العم سام-الحكاية الثانية

  1. تحية كبيرة لهذه السلسلة.

    أعيش الأن في أستراليا و أمر بتجارب شبيهة لما يحكينه هنا، و أعرف أنني شخصيا عندما كنت في مصر و كا معارفي الذين مازالوا في مصر تقريبا لا يخرط ببالهم شكل التجربة و الأمور التي نمر بها في مثل تلك البلاد من سلبيات و إيجابيات.
    مجرد صورة باهتة تقليدية لا أكثر.

    مع أنني لم ألمس ملمح يجعلني أميز اليهود في سيدني في ملبس أو سواه. أشك أن بعض زملائي في العمل يهود من أسمائهم لكن كما لكي أن تتخيلي يستحيل تقريبا التاكد من هذا أو السؤال عنه.

    لم أكن أعرف أن لطعام اليهود اسم معين. أرجو أن تكتبيه بالانجليزية حتى أستخدمه في البحث عن طعام أنا أيضا. أحيانا لا يفهم الناس أصلا معنى كلمة حلال و قد يكون المكان الذي يعملون به يقدم طعام حلال فعلا. لكنك ذكرتيني أنه يمكن في هذه الحالة أن أسأل عما إذا كان يناسب اليهود.

    كلامك عن الجيلاتين ذكرني بالمواجع عند شراء أي طعام خاصة الحلويات و التدقيق في الموكنات و أحيانا لا يكتب هل جيلاتين حيواني أم نباتي، والنظر ضايع..

    أشكرك بشدة على هاتين الحلقتين، و بانتظار المزيد.

    • شكرا جزيلا علي هذا الرد الجميل المشجع
      ان شاء الله سأحاول كتابة المزيد
      كوشر Kosher
      و عادة الزبادي أو الحلويات أو الأطعمة الكوشر تحمل علامة دائرة بها حرفي:
      K or U
      يمكنك البحث في جوجل بالصور و ستجد كل العلامات المشيرة لذلك

      و أرجعنا الله جميعا لبلادنا سالمين آمنين غانمين ان شاء الله

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.