أنظرمن العين السحرية للباب لأجد حوالي عشرة رجال بالخارج كل رؤوسهم مغطاة بما نسميه نحن اليكمات -إسمها الحقيقي كبة أو اليرمولك- و الضفائر و القبعات السوداء، و الجميع
يرتدي هذا الزي الموحد القميص الأبيض و البدل السوداء ما عدا إثنين في الخلف لم أستطع رؤية وجوههم لأنهما أطول من الباب و لكنهما يرتديان زي العمال و عليه علامة المجمع السكني الذي نسكن به.
كنت أعلم أن أخدهم قادم ليتفقد ما قام به العمال في الأسبوع السابق و لكني تخيلت أن شخصا أو اثنان فقط علي الأكثر وليس كل هذا العدد. علي أن أفتح، ففي عقد الشقة من حق الإدارة الدخول علي الفور دون إستئذان في حالات الطوارئ أو بعد عدم سماع أي إستجابة من الداخل علامة علي عدم وجود أحد بالمنزل و يكتفي بترك ورقة كإخطار بدخولهم الشقة مع تحديد الساعة و اليوم و السبب. إذن سيدخلون لا محالة!!
فأجبت سريعا بالإنتظار لدقائق و هرعت للتليفون المحمول و كلمت زوجي و قلت له ما يحدث فأجاب بترك المحمول مفتوحا حتي يتسني له سماع ما يجري، و في نفس الوقت جهزت رقم الشرطة علي التليفون الأرضي بمجرد ضغطة أطلبهم حتي يكون هناك إثبات لو أي شئ حدث.
الحقيقة كنت أفعل ذلك و أنا بخاطري مشاهد من التغذيب في خلفية عقلي و جريت و أغلقت الباب علي إبنتي التي نامت لحسن حظي و هي عمرها ما كانت لتنام بهذا الوقت وقلت:”أستودعك الله الذي لاتضيع ودائعه” و توكلت علي الله الحافظ و دعوت أن يحفظها من كل شر و سوء
و سبب رعبي معرفتي أنهم يأخذون طفلا أجنبيا أي ليس يهوديا و يذبحونه و يصفو دمه و يخلطوا هذا الدم بعجين كحك عيد الفصح
و تعجبت لحظتها من شعور النساء في فلسطين و كم هن من الشجاعة و الصبر علي مثل هذه الحياة!!
و لبست إسدال الصلاة ثم راودني خاطر تمنيت لو حدث و هو ربما قتلوني و مت شهيدة فسعدت لهذا الخاطر و قلت الشهادتين و دعوت ب” اللهم إنا نجعلك في نحورهم و نعوذ بك من شرورهم” و رسمت إبتسامة صفراء جميلة من الأذن اليمني لليسري و فتحت الباب، فوجدت هذه النظرة المصدومة في أعينهم من خلف نظاراتهم الدائرية و التي تلتها سريعا إبتسامة مماثلة صفراء جدا أيضا و دخل الفوج المنزل
نحن كان عندنا فعلا مشكلة حيث نسي العمال تركيب ماسورة صرف غسالة الأطباق فأصبحت تصرف علي الأرض، فقمت أنا و زوجي بقياس الحجم الذي تحت حوض المطبخ و اشترينا صندوق بلاستيكي بنفس الحجم تقريباً و كنا محظوظين أنه فعلا كان يكفي كل مياه صرف الغسالة و بالصدفة انتهي برنامج الغسالة مع دخولهم فلم أجد وقت للتخلص من المياه المنصرفة
و ترددت في ان أقول المشكلة ليخرجوا من المنزل بأسرع وقت و لكني عقدت العزم و توكلت علي الله و شرحت المشكلة
فإذا بنظراتهم تختلف تماماً و اصبحوا في منتهي الجدية و التركيز رغم أني كنت أراها مشكلة بسيطة الحل و وجدت اثنان منهم فتحوا أوراقاً و بدأوا في تسجيل ملاحظات مماأقول فتعجبت و تمنيت معرفة ما يكتبون
فسألوني إن كانت هذه كل مياه صرف الغسالة أم أني أضطر لتفضيتها في نصف البرنامج فأجبت بأنها هذه هي كلها
فسألني الآخر: ما حجم هذا الحوض البلاستيكي فأجبته فتعجبا و نظرا لبعضهما و طلب أحدهم من هرقل و شمشمون اللذان معهم بحمل الحوض و تفضيته بالخارج و رفع مقاساته و بدءا بالحديث مع بعضهما ـ بالطبع كان بالانجليزية حتي لا أتهمهم بالعنصرية فهذا مرفوض في أمريكا و غير لائق أن تتحدث بلغة لا يفهمها أحد الحاضرين ما دمت تعرف لغة يفهمها الجميع ـ : “هذه كمية كبيرة من المياه”
و أخذا موديل الغسالة فسألني آخر: “أي برنامج أستخدم”
فأجبته، فقالا يجب علينا معرفة أية برنامج يستهلك أقل مياه”
فكدت أنفجر ضاحكة حين تخيلت عودة كلاً منهم لمنزله و دخوله جرياً إلي المطبخ و خلعه لماسورة الصرف و وضع الحوض البلاستيكي لمعرفة كمية المياه المستخدمة ثم منعه لزوجته من إستخدامها توفيراً للمياه!!
و فوجئت بآخر يسألني سؤالاً جعلني فعلاً أضحك ضحكة مكتومة علانية سألني:”من أين إشتريت الحوض البلاستيكي و كم كلفني”
فأكد الخاطر الذي راودني !! فأجبته
فصعقني آخر بتعليق آخر:”أن المياه كانت نظيفة”
فنظروا جميعهم إليه تقديراً لهذا التعليق المذهل!!
و حدقوا فيّ جميعا و ظللت أنا صامتة حتي لا أضحك فكرر آخر التعليق في صيغة سؤال:”كيف هذه المياه بهذه النظافة و ليس بها أية شوائب أو بقايا طعام صلبة
فأجبت أني أستخدم فرشاة مبللة بصابون سائل عادي أنزل به الطعام الملتصق قبل وضع الأطباق و معدات الطبخ بالغسالة
فوجدت أحدهم بالكاد يلمس زجاجة الصابون السائل التي علي الحوض حتي تنبه و إستأذنني إن كان يستطيع أن يلمسها فأجبت بالإيجاب، فوجدت الإثنان اللذان يكتبون الملاحظات يكتبون إسم السائل و سألوني من أين أشتريه فأجبت بالمكان و قلت أني في الحقيقة لا أعلم ثمنه تحديداً و لكن رخيص
و علمت أنهم بالتأكيد حين يعود كل منهم سيقوم بشراء السائل و لفرشاة و يطلب من زوجته غسيل الأطباق التي توضع بالغسالة علي اليد و يضع المياه المنصرفة في هذه العملية في الحوض البلاستيكي للمقارنة
فرفع أحدهم النظارة و رفع كتفيه و تنهد و سألني :”لماذا أفعل ذلك و أ غسل علي يدي قبل وضعها بالغسالة، فأجبت أن هذا مكتوب في دليل المستخدم لأي غسالة أطباق، و هذا بالتأكيد للحفاظ علي عمر الغسالة لأنه ببساطة
هذا النوع من الغسالات قديم و لا يحتوي علي مصفاة لبقايا الأكل مثل الأنواع الحديثة، من ثم مع تراكم هذه البقايا قد يحدث إنسداد في ماسورة الصرف و تعطل الغسالة، فهذه عملية لا تأخذ وقتاًو في نفس الوقت تزيد كثيراً من عمر الغسالة”
فبهت الجميع أني قرأت أصلا ً دليل المستخدم و طلبه مني أحدهم، فأجبت أني ليس عندي لهذه الغسالة و لكني قد قرأته عند إستلام غسالتي بمصر و توقعت أن تكون نفس التعليمات سائرة لكل الغسالات.
فكلف أحدهم بالبحث عنه و إيجاده، و إبتسم الجميع لي
في النهاية فهم الجميع عدم ترحابي بالحديث خاصة أن الإصلاح المطلوب قد تم فإبتسم لي الجميع و لكن هذه المرة كانت فعلا إبتسامة ودودة علي عكس توقعي تماما ً، و شكرني الجميع علي المعلومات التي قدمتها و انصرفوا، فحمدت الله أني لم أنتهي كليلي علوي في فيلم المغتصون أو انتهي المشهد بدخول زوجي المنزل ليجدني مذبوحة و ابنتي تصرخ من الداخل
و علمت لماذا هم أغنياء و نحن فقراء حتي لو كنا علي نفس مستو العلم و نفس القدر من المعلومات و لكنهم يوجهون و يستخدمون كل ما يعرفوه من معلومات في الإقتصاد و زيادة أموالهم
لقد قرأت يوما لأحد المليونيرات الذين بدأوا من الصفر مقولة:”يتعجب البعض أني أسافر علي الدرجة السياحية و ليست درجة رجال الأعمال رغم كوني مليونيرا، فببساطة لو كنت “أصرف علي المظاهر الغير مجدية و الغير مفيدة و الغير ضرورية فبالتأكيد مما كنت لأكون مليونيرا اليوم
فلنقارن هذا بالواقع العربي و كم الأموال الطائلة التي تصرف علي المظاهر المبالغ فيها و الزائدة عن الحاجة و أحيانا لا حاجة لها من الاصل
مصدر الصورة:
Great post thanks.
أشكرك فوريكس علي المتابعة و التشجيع
Brilliant !!!