أتذكر هذا الحوار الذي دار بين أبي رحمه الله و أحد أقاربنا الذي جاء ليطمئن علي، فأنا وقتها كنت مريضة بفيروس الكبد الذي انتشر وقتها في مصر فجأة و هذا كان قبل امتحانات نهاية الثالث الثانوي بشهر واحد . و قد حاولت لفت نظرهم أني استيقظت و لكنهم انهمكوا في هذه المناقشة:
قريبنا لوالدي: كيف حالها الآن؟
والدي: نائمة من يومين، منذ أن نزلت لحضور درس الرياضة، يبدو أنه كان مجهود أكبر مما تستطيع هذه المرة
قريبنا: ما كل هذه الكتب التي حولها؟!
(بالطبع كنت أذاكر بالسرير)
ثم استطرد قائلا: ماذا تعتقد أنها ستكون؟؟؟سفيرة مصر في الأمم المتحدة؟؟
والدي: و لم لا، ان شاء الله تكون هكذا و أفضل أيضا، هي مجتهدة و ذكية و تتقي الله ما شاء الله فان شاء الله ربنا يوفقها
قريبنا: ما هذا ؟؟ هذه ليست كتب المدرسة؟؟
والدي: نعم، هذه كتب الألماني، عندها امتحان في معهد جوته بعد يومين ان شاء الله
قريبنا في لهجة ساخرة: ألماني ؟؟ أهذا وقته؟؟ دعنا ننظر لما تحت أقدامنا و تركز في الامتحانات الأول، ألا يكفي أنها دخلت علمي؟؟
والدي: حتي لو أننا ننظر تحت أقدامنا، فهذا هو الأفضل، عدو المراهقة الأول هو وقت الفراغ، فلا يجب أن يكون لديها أي وقت فراغ و أن تشغل أبناءك طوال الوقت بأشياء مفيدة، و إلا لو لم تملأ وقتها في هذا السن ستلتفت للكلام الفاضي الذي لا معني له و ربما تنشغل بتسبيل هذا و نحنة ذاك و تقضي طول الوقت بالنادي، أما هكذا فهي مشغول عقلها ووقتها بأشياء ستفيدها الآن و بعد ذلك و يفتح عقلها لموضوعات مختلفة و شخصيات جديدة و بالتأكيد خبرات جيدة للحياة.
قريبنا: يا ربي، والله، انت تضيع أموالك علي دورات الألماني و الكومبيوتر، فلو كنت ادخرتهم لكنت تملك عمارات الآن!!
والدي: كان علي إختيار من إثنين: إما أن أبنيهم أو أبني لهم، و أنا اخترت أن أبنيهم، و هم ان شاء الله من يسبنون ان شاء الله، ما فائدة الأموال و العقارات و أمخاخهم صفيح، سيضيعوا الأموال و يضيعوا أنفسهم، و العصر القادم و الوظائف المرموقة ستكون لمن يعرف لغات و كمبيوتر و شهادة جامعية
قرييبنا: و لم كل هذا التعب؟؟ كل البنات أخر حياتهم مهما بلغ تعليمهم البيت و الأولاد، علمها الطبخ أفضل لها، أما لاخوتها الأولاد فمن الممكن أن يكون هذا حقا مفيد لهم أما هي فهي بنت، ستكون مسئولة من رجل في النهاية
والدي: أنا علمتها كيف تتعلم و ليس فقط التعلم بل التميز فيما تتعلم أيا ًيكون، فحتي الطبخ أنا لست قلقا ان شاء الله ستكون من أفضل سيدات المنزل لو تطلب منها ذلك و لم يوفر لها زوجها من يقوم بالأعمال المنزلية، لا تقلق عليها..
أما منطق الولد و البنت فأنا لا أعترف به بالمرة، لا يوجد عندي فرق بينهما، الذي يمييز أحدهم عندي عن الآخر هو تفوقه في العلم و الدين، و اجعلني علي منطقك، افرض أي شيء لقدر الله حدث لزوجها، أتتشرد هي و أبنائها، اذن بالأحري أن أهتم بتعليمها هي عن اخوتهاـ اذا اضطرت للعمل تجد ما يؤهلها للعمل دون بهدلة و اذلال و يكفيها شر السؤال.
و اضافة لذلك أنا أعلمها لتكون حرة، فدائما من يدفع يتحكم، فأنا لا أريدها أن تذل و لا حتي لزوجها. أما الولد سيجد عمل أيا يكون لا يهم حتي لو كان به بهدلة المهم أن يكون شريفا و أمواله حلال
فأجاب قريبنا: المهم صحتها لا الشهادة و لا الثقافة، المهم أن يزيد وزنها لتجذب العرسان
فضحك والدي من منطق قريبنا و أجاب: هاهاها أظنني أني أعلف بقرة، من هم بأجسام العجول و عقول العصافيركثيرون جدا، يستهلكون أكثر مما ينتجون، أنا يهمني صحة عقلها و مخها حتي لو لا تستطيع الحركة فلا زالت ستكون مفيدة و منتجة أما لو صحتها تهد الجبال و لا تفهم فستجلب المصائب
قريبنا: يا سمير، الشغل مهانة للبنت و نزول كل يوم و مواصلات و مدير سخيف و زميل يعاكس ، البنت تعيش علي قدر ما يوفر لها الزوج و تعيش بمنزلها لتربي الأطفال
والدي: أولا هذا يكون بناء علي اختيارها هي، فلم أحرمها الاختيار اذن؟؟ و ان اختارت هي ألا تعمل فبالتأكيد من تربي أطفال و هي أمية ليست كمن تربي و هي أستاذة جامعية، فكلاهما سيربي أولادها ليكونوا أفضل منها و بهذا سنكون نحسن العقول و نطورها ، فهل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون، بالطبع لا يستوون
قريبنا يحاول محاولة أخيرة مستميتة ليشكك والدي في صحة و عائد ما يفعل ليثبت له أنه يضيع عمره و أمواله في العلم معنا هباءا فيسأل:
مم… ألا تخاف عليها مما يعلموه في هذه المراكز الثقافية، من الممكن أن يكون عن أي شيء نرفضه بل ربما يكلمونها عن الإلحاد و أي يعرضوا أفلام خادشة للحياء أو أي شيء، أنت سافرت و عشت بالخارج و تعرف قدر الانحلال الأخلاقي الذي يعانون منه، فما بالخارج أسوأ من الداخل و مما قد تتعرض له من أصدقائها أو وقت فراغها
فيجيب والدي ضاحكا: أنا أتابعها و أقلب في كتب المعهد باستمرار لأنه راودني هذا الشك بالتأكيد، و هي تحكي لي و تناقشني في أغلب الموضوعات التي تدرو هناك، فأنت تعرف مبدأي مع أولادي و هوأهم شييء في تربيتي وهو أني صديق لهم فلا يخجلون أو يخافون من مناقشتي في أي شيء
بالتأكيد أنا لن أعطيها لهم هكذا فأنا أعرف أن الكثير من المراكز الثقافية هنا تحول طمس الهوية و غرس أفكار الفردية و الاستقلال و التفكك ليصبح من السهل استقطاب العقول القوية و أخذهم عندهم للاستفادة منهم حتي لو اضطروا اعطائهم الجنسية
فقال قريبنا ضاحكا: لا فائدة من المناقشة معك، فأنت رجل العلم، ءأنسي حين عدت مرة من السفر تحمل 11 شنطة سفر كبري كلهم كانوا ملئي بالكتب!!
لا يهم الأكل ما دام يوجد كتب
فردوالدي ضاحكا: بالضبط، أهم شيء أن يأكلوا الكتب أكل
فرد قريبنا يائسا: المهم ربنا يطمنا عليها و تقوم بالسلامة، تكون دكتورة أم لا المهم أن تعيش
والدي: بمناسبة دكتورة هذه، لقد قلت لها من عامين أني أتمني أن تعين و تعمل بالجامعة الألمانية التي وضع حجر أساها في مصر من عامان و شاهدتها معها بنشرة الأخبار
ثم أخيرا بعد محاولات مضنية مني أخذوا بالهم أني قد استيقظت و أني جائعة فساعدوني علي النهوض و أحضرت أمي الطعام و بعد أن أفقت اعتذرت لقريبنا أني لن أستطيع الكلام معه أكثر من ذلك لأني أستيقظ لمدة ساعة واحدة علي الأكثر أثناء اليوم فعلي استغلالها في المذاكرة
فضرب قريبنا يد علي يد و قال: هذا الشبل من ذاك الأسد و ضحكنا جميعا
و نهاية لقد تحققت أمنية والدي و عملت بالتدريس بكلية هندسة الجامعة الألمانية لمدة ثلاث سنوات
الجدير بالذكر أن والدي توفي بعد هذا الحوار بأسبوعين و بالطبع فقدت أنا السيطرة تماما و اشتكت أمي لقرييبنا هذا أني لم أعد حتي أستيقظ الساعة التي كنت أستيقظها و أني في حالة من التوهان و فقدان السيطرة و لم أعد أقاوم المرض مثلما كنت أفعل بل أن الطبيب أخر مرة لم يستطع ايجاد نبض سوي من الرقبة بسبب الضعف الشديد فجائني هذا القريب نحديدا و قال لي:” أنت تعرفين رأيي و تعرفين رأي أباك، فأرجوكي أثبتي أن عمر أبيكي لم يضيع هدرا و لا تخيبي أمله بك، و خيبي ظني و ظن كل من هم مثلي بالعائلة، ان كنت تحبي أباك فعليك اثبات ذلك بفعل ما تمناه منك و يتوقعه منك، فلو رسبتي فجميعنا سيقدر و يتعاطف و لكن أنتي تعلمين أن من سيتألم لذلك هو أباك، لقد مات الجسد و لكن دعيه يفخر بك في قبره و حققي وصيته بدخول هندسة التي قالها قبل وداعه الدنيا بدقائق فهو لم يفكر بغيرك في لحظاته الأخيرة”
نعمتان مغبون فيهما كثيرا من الناس نمة الصحة و نعمة الفراغ
نعم نعمتان لا يعرف قيمتهما و لا يقدرهما الا المحروم منهما
العلم أفضل من المال ، فالعلم ينمو مع الأيام و المال يقل مع الوقت
بارك الله في والدك ، و ده دين عليكي تعمليه مع ولادك
بالضبط و غفر الله لنا تقصيرنا
و أدخل والدي فسيح جناته
ربنا يرحم والدك ويغفر له ..
بجد والد مثالي ، وهنيئا له علي طريقته المثالية في تربيتك انتي وأخواتك
ومثلما كافئه الله في الدنيا ، بأن جعلكم مثل ما تمني
إن شاء الله يكافئه بالجنة في الدار الآخر
آمين
جزاك الله خيرا
و أعاننا جميعا علي تربية أولادنا
أبنيهم أو أبني لهم، و أنا اخرت أن أبنيهم
🙂
::))
و أنا كذلك اخترت أبنيهم
ربنا معانا و يتولنا برحمته
🙂
الله يرحم والدك ويجعله في ميزان حسناته ونعم الاب