منذ أن بدأت مراهقتها و هي متمردة صعبة المراس لا يوجد علي لسانها سوي :”أريد أن أكون سعيدة، أريد أن أكون حرة”. و شعرت أنها ستحصل علي سعادتها حين تحصل علي كل حريتها. و ذهبت و بحثت فوجدت أن معني الحرية المتفق عليه في كتب الفلسفة:”أن تفعل ما تريد وقتما تشاء طالما لا تؤذي أحدا و لا تؤذي نفسك”
فخرجت مع أصحابها فغضبا الأب و الأم فحنقت و ضجرت و حين جلست مع الضيوف بالبيت و تحدثت بحريتها فغضب الأب و الأم فغضبت و ضجرت و اختنقت، هي لا تريد أحدا أن ينتقدها و لا أن يملي عليها ما يجب أن تفعله و لا ما يجب أن تقوله، هي حرة تفعل ما تريد و تقول ما تشاء و لا تريد أحد أن يحاسبها يكفي حسابها لنفسها. فقرأت عن غاندي، جيفارا، مارتن لوثر كينج، مالكوم اكس، سعد زغلول، أحمد عرابي، مصطفي كامل و أبطال الثورة الفرنسية و كل من تمرد في أي زمان و مكان.
هي تريد الحرية وبدأت تطرق لها فكرة الحب و الزواج فربما لو تزوجت ممن يحبها و يؤمن معها بأفكارها لأعطاها ما تحلم به. ووجدت من وعدها بالحرية التي تطمح لها و أن تكون علي راحتها تماما و ألا يحدثها إلا فيما تحب و فيما تهوي، فظنت أنها وجدت ضالتها أخيرا و بهذا ستبتعد عن استبداد الأب و الأم فأحبته و تزوجته و لكن حين بدأت تتصرف بحريتها غضب الزوج فهو يحبها و يغار عليها و بدأ يفرض عليها ألا تتحدث مع هذا و ألا تصاحب تلك و حتي أهلها بدأ يبعدها عنهم فهو يحبها حبا جنونيا و يغار عليها من أصحابها و من أصحابه و من أهلها و من أهله، يغار عليها من نفسها و يغار عليها حتي من نفسه و يري أن هذا حقه بحكم أنه زوجها، من حقه أن يحبها و يغار عليها و يخاف عليها و يحميها، من حقه أن يطالبها ألا تنشغل بأي شيء غيره و أن تترك كل ما تحب من أجل حبها له و أن يكون هو أول أولوياتها بل الأولي ان يكون هو الاهتمام الوحيد بحياتها. خاف أن يفقدها ففقدها، خاف أن تحب أحدا أو تنشغل بشيء أكثر منه فهربت منه.
و ظنت أن الحرية في الطلاق و البعد عن الزوج، و اعتقدت ان الطلاق من الانطلاق فانطلقت مع أصحابها تخرج وقتما تحب و تعود عندما تشاء و تفعل كل ما يخطر لها علي بال فإذا بالاصحاب الذين يحبونها ينتقدونها و يحاسبوها علي تصرفاتها فغضبت، هي لا تفعل الحرام و لا تغضب الله و تحاسب نفسها علي ذلك و هذا يكفيها، ليس عليها ارضاء المجتمع و الناس و الحصول علي استرضاء و ختم من الجميع بالموافقة علي أفعالها و أفكارها.
فقررت العزلة، و ظنت أن الحرية ليست في الانطلاق انما في البعد عن المجتمع بعاداته و تقاليده البالية الخانقة و بعدت عن الأصحاب الذين أغلبهم متطفلين يسألون و يدققون و ينتقدون و ينمون و يمطون شفاههم، مستحيل ارضاء الجميع و هي لا يهمها أحد، هي تبحث عن نفسها و كيف ترضيها، تؤمن بالحرية و تبحث عنها ما لم تفعل الحرام فهو حق مكفول لها.
فعزلت و حبست نفسها بارادتها في منزلها و فعلت ما كان يطلبه الزوج اساسا و تركته بسببه، فإذا بدقات الساعة تخنقها و الأيام تفترسها و الوحدة تنهشها فكسرت الساعات لا تريد أن تعرف ساعات يومها و أغلقت الشبابيك لا تريد أن تعرف نهارها من ليلها و لكن كيف هذا؟؟!! هي لا تترك فرضا و لا تريد فعل ما لا يرضي الله عليها، هي تبغي الحرية فقط فكيف تحدث هذه الحرية دون ان تعرف مواعيد الصلاة و لا معرفة الليل والنهار فتأكدت أن ما تفعله خطأ.
فبكت و صلت و استغفرت و ظلت تبكي عمرها الذي راح تبحث فيه عن الحرية المطلقة و هي تعلم جيدا أنها أمة و أن الحرية التي تبتغيها كانت امامها طول الوقت، أحست بكل السعادة و بكل الحرية و بكل الأمل و بمنتهي الحب و الحنان و الرحمة، عنئذ فقط علمت أن:
الحرية ليست في التحرر و إنما في الإخلاص في العبودية
و ليست بالغرور بالنفس إنما في منتهي إذلال النفس لله
و ليست في فعل ما تحب أنما في عدم فعل ما تحب ما دام لا يحبه الله
و ليس في الأكل إنما في الصوم
و ليس في الكلام و الرقص و الغناء إنما في الصمت والتفكر
و ليست في تلبية كل ما تشتهي نفسها إنما في نهي النفس عن هواها
و ليس في التمرد انما في في الطاعة
و ليس في حب الناس إنما في حب الله
و ليس في الامتلاك إنما في العطاء
و ليس في الشراء إنما في الصدقة
و ليس في متع الدنيا إنما في زهد الدنيا
و ليس في القوة و السلطة و النفوذ و الاموال إنما في الضعف و الإنكسار و الإستكانة و الفقر لله وحده
و ليس مع الناس إنما مع الله
عندئذ فقط أحست بالأمان و الحرية و السعادة ففتحت الشبابيك و علقت الساعات فكل سعادتها هي رضا ربها عليها فهو وليها و صديقها و حبيبها و حنانه يغمرها فهو أحن من الأم علي وليدها، و عادت لأبيها و أمها و زوجها و أصحابها و مجتمعها فهي تعرف طريق سعادتها و حريتها و بدلا من هؤلاء الذين كانت تقرأ عنهم بدأت تقرأ عن سيدنا محمد و الرموز الحقة للقوة والحرية و ضبط النفس من الخلفاء الراشدين و الصحابة.
الحرية في الإختيار و الإختيار صعب و تنفيذه أصعب.
26 مايو 2010
إنجي فوده