سأبدأ أن أحكي لكم قصة طريفة حدثت بعد دخولي الحضانة بأيام: “طلب مني أبي رحمه الله أن أصلي بصوت عالي ليتأكد أني أصلي صلاة صحيحة، و كان ذلك بين الحين و الحين حتي أتممنا السادسة من العمر فهو كان يعتقد أن الذاكرة قد تسقط أشياء قبل هذا العمر
وجدني عندالانتهاء من الصلاة أسلم علي يميني قائلة: “باي باي” ثم إلتفت إلي يساري قائلة: “باي باي” بدلا من السلام عليكم و رحمة الله
فإنفجر ضاحكا و ضحك كل من بالبيت و حين سألني والدي عن سبب هذا، قلت أنه في المدرسة حين جاء ليأحذني في نهاية اليوم من المدرسة قلت مودعة أصحابي: “السلام عليكم” فنظرت لي إحدي المدرسات بإشمئزاز و قالت بالانجليزية: “هذه مدرسة لغات قولي باي” ثم قالت بصوت منحفض لكن مسموع بالعربي: “بلدي” و العجيب أن كلمة “بلدي” آنذاك تعني شئ سئ؟؟!!
كان طبيعي جدا أنه يتم في عقلي الصغيرإستبدال كلمة “السلام عليكم” ب “باي” فقلتها للملائكة، و حينها قال أبي أني يجب أن ألتزم باللغة العربية في الصلاة فسألته: “لماذا ألا يتحدث الملائكة باللغةالانجليزية؟” فضحك والدي أكثر و أجاب: “لا هكذا كان يصلي سيدنا محمد و نحن علينا تقليده”
و قد ظلت هذه الطرفة تلازمني طوال حياتي. و قد أثر ذلك في نفسي من حينها و أصبحت أعجب بشدة بكل من يتحدث لغات. (للعلم فقط مدرستي لم تكن تفرض التحدث بالانجليزية و لم يكن حتي مدرسينها علي مستوي عالي في اللغة الانجليزية، أعتقد أن المدرسة فعلت ذلك من باب التنطيط علي طفلة لم تتعدي الأربع سنوات و عجبي!!)
المهم أنه نما بداخلي حب اللغات و الاهتمام بها و التفوق بها و حين إلتحقت بالمركز الثقافي الألماني فوجئت برفض أي شخص ألماني بالتحدث غير بالألمانية حتي لو عرفوا أنهم يتحدثون لشخص بمستوي مبتدئ!! و كان هدف المدرسين ليس تعليم اللغة فقط بل التفكير بهذه اللغة، كان هذا لكل المدرسين الألمان علي الأقل و الكثيرمن المدرسين المصريين أيضا: “توقفوا عن التفكيربالعربية و فكروا و حدثوا حتي أنفسكم بالألمانية”
و حين قلت ذلك لوالدي، قال أن الألمان يعتزون بجنون بلغتهم حتي أنه حين زارألمانيا قديما و حاول السؤال عن شئ مع أي شخص بالشارع، الجميع أجابوه بالألمانية بالرغم من معرفتهم باللغة الانجليزية لفهم السؤال في المقام الأول.
و لا أعرف لماذا هناك دائما إحترام و إنبهار رهيب من العامة بكل مصري يتحدث لغات أخري حتي لو لم يكن يتقن العربية.
كنت أعتقد أنها عقدة الخواجة التي كانت لدي الشعب المصري و لكني أشعر أن هناك إتجاه ما لإزدراء اللغة العربية، فمن معه لغات في مصر يعمل بمرتبات عالية و مراكزمرموقة أما مدرسين اللغة العربية و الأزهر و غالبية الأدباء و الشعراء الذين يعملون باللغة عادة مرتباتهم ضئيلة و أغلبهم مغمور و علي الهامش.
و إني حقا لأخجل من نفسي الآن حين أتذكر رفضي لمشروع تعريب الجامعات و لكني الآن أقول أنه يجب علينا أولا أن نترجم كل المراجع و الكتب العلمية الدراسية حتي يتسني لنا تعريب الجامعات المصرية.
بل إن هناك من كان يدعو لفصل اللغة عن الدين، و كانوا يدعون إلي ترجمة كتب الدين الإسلامي بالمدارس اللغات متحججين أن أي شحص من الممكن أن يكون مسلما حتي لو لم يكن يعرف العربية و كل إنسان حر في اللغة التي يدعو بها الله.
ولكني الآن كلما رأيت مسلما أو مسلمة أمريكية و المشقة التي يصارعونها في قراءة القرآن، أحمد الله علي أنه علمني العربية و جعلني ممن ينطقون بها و أدعوه خوفا و ندما من تقصيري تجاه ديني و لغتي ووطني.
يجب الإعتزاز بلغتنا فهي جزء من هويتنا و روحنا و نفسنا و بعد إنقشاع الغمة و عودة الأمة، أدعو الله أن يخذل كل من حاول طمس هويتنا ليجعلنا مسخ و يسامحني الله علي إدراك ذلك بعد تأخير طويل.
أن كنت لا تعرف أن كنت تحب شيئا أو شخصا أم لا، فاتركه وارحل بعيدا، إن إفتقده و إستقت إليه فعد إليه فإنك تحبه و إن لم يخطر لك علي بال فبالتأكيد أنت لم تحبه.
أقول هذا لأني لم أعرف أني أحب بلدي و لغتي علي هذا النحو إلا عندما أصبحت أعيش بالخارج!!
إنجي فوده
24 فبراير 2011
جميل جداً مقالك ،
كتبت في مدونتي منذ فترة عن الولع الشديد باللغة الانجليزية و تطعيمها في كل كلامنا
أنا مش عارف الصراحة ليه كده ،
بس الحق يقال أننا مش هنقدر نرتقي باللغة أل ا لما نرتقي بالمحتوي ، موضوع تعريب العلوم صعب شوية لاننا في عالم مش بينتج باللغة العربية ايه معني اني اترجم رمز الاكسجين الي أ2 و رمز المياه إلي
يد2أ ؟
و لما أحب أدور علي حاجة جديدة هلاقيها باللغة الانجليزية اما اللغ العربية مش هلاقي؟؟
الموضوع ده كبير شوية
اشكرك علي المقال مرة أخري
لقد قرأت مقالك و أضحكني كثيرا:
http://sacandary.blogspot.com/2010/10/blog-post_30.html
فعلا ناس كثيرة أصبحت تتحدث هكذا
أشكرك علي التعليق
نعم عندك حق التعريب موضوع يأخذ قرون و لكننا يجب أن نبدأ
للأسف المدارس الدولية هنا في السعودية هنا تترجم التربية الدينية إلى مادة تسمى إسلاميات Islamics وتدرس بالانجليزية …
فوجئت ببنات في السادسة عشر لا يعرفون تشكيل الحروف ولا يعرفون كيف يقرؤون القرآن .. تأسفت عليهم جدا وأعلم أن السبب أهلهم الذين فرحوا طوال الوقت بابنائهم مريدي الانترناشونال