أطفال الغربة

ما معني الإنتماء؟ ما معني الولاء؟ ما معني الوطن؟ ما معني الجنسية؟ ما معني الهوية؟

تري فتاة من بعيد تحتار أهي تركية أم شامية، لها ملامح عربية، إلي أن تسمعها تتحدث الإنجليزية، لا هي بالتأكيد أمريكية، و تفاجأ بها تترجم للعربية، لا هي عربية إذن؟! تقترب منها أكثر لتسألها عن شئ، فتجدها تبتسم لك و تظنك مكسيكي فتحدثك بالأسبانية. فترد أنت بالإنجليزية أنك لا تفهم و أنك تفضل العربية. فحين تتحدث العربية تفقد الصواب تماماً، فعربيتها عجيبة بعض الكلمات تنطقها فصحي و أخري تنطقها بلكنة أمريكية و أخري تنطق بلكنة شامية علي مغربية و لكن المعظم بالمصرية العامية.

فتسألها: من أين أنت؟

الفتاة: أنا مصرية الوالدين، دخلت مدرسة أمريكية عادية و لكني نشأت ببيئة المسجد العربية، فتجد لغتي العربية مختلطة بلكنات عدة دول عربية

أنت: كم لغة تتحدثين؟

الفتاة: أتحدث العربية بالطبع و الإنجليزية و الأسبانية و الصينية.

أنت: و لم تعلمت كل هذه اللغات؟

الفتاة: لأني مصرية، فعلمني والدي العامية لأحدث أهلي و الفصحي لأقرأ المصحف، و لأنك بأمريكا يجب أن تتحدث الإنجليزية و الأسبانية حتي يتسني لك الحياة في أية ظروف و مع أية بشر هنا في أمريكاو تعلمت الصينية من التلفزيون و أنا صغيرة ومن صديقاتي الصينيات، اللاتي يعمل آبائهم هنا في المصانع و الجامعات.

أنت: كم أنت محظوظة، كم أتمني لو كنت تعلمت كل هذا!!

الفتاة مع إبتسامة: أتعجب من منا المحظوظ حقاً، فأنت بنشأتك في مصر لم تضطرك الظروف للحاجة لتعلم كل هذا حتي تستطيع أن تعيش، فامي جعلتني أحفظ كلمة “المياة و الطعام” بلغات كثيرة حتي لا أجوع أو أعطش لجهلي بإسمها لتواجدي بمكان مع أناس لا أعلم لغتهم.

أنت: أنت محظوظة، فأنت تحتفلين بأعياد البلدين و تحضرين هذه المهرجنات التي تتم بالشوارع

الفتاة مع ضحكة: الحقيقة في أمريكا حتي الآن لم تتفق المساجد علي  مواعيد الأعياد، فتجد كل مسجد يحتفل بالعيد في ميعاد مختلف!!مع الأسف عادة أعيادنا كمسلمين تكون أيام دراسة وعمل فلا نحتفل بهم، أما المهرجنات التي تتحدث عنها فيكفي أن تحضرها مرة في العمر ثم ستملها و لا تغادر منزلك لحضورها مع سوء الأحوال الجوية بأي حال، فالجو هنا إما ثلج أو يغلي!!

أنت: أنت محظوظة فالتعليم بالتأكيد بطرق أكثر تشويق و يميل للتطبيق أكثر فيجعل حياتك أسهل و أكثر تسلية

الفتاة: نعم،  معك حق ربما هذه هي الحسنة الأساسية في الحياة هناك، و لكن في المقابل أنا دفعت ثمن حضن جداتي و متعة اللعب مع أبناء أعمامي و أخوالي، فهم دائماً ينظرون لي علي أني غريبة و لست منهم رغم أني لا أشعر ذلك و أنا شكلهم، و الأغرب أني في أمريكا أشعر أني غريبة مع انهم لا يشعرون بذلك، فهناك الكل غريب، هي بلد من لا بلد له، و لكني لي بلد.

أنت:أنت بالتأكيد و أنت طفلة كان عندك لعبا لم نرها نحن حتي و هذا يجعل لك طفولة سعيدة

الفتاة و هي تضحك: نعم، و لكن صدقني لا يهم اللعب، فلن تجد أي متعة للعب إن لم تجد من يلعب معك و يجعل للعبة معني و قيمة، غير ذلك ستكون قطعة بلاستك تكسرها في النهاية و لا تتذكرها، و لكنك بالتأكيد دائماً ستتذكر الأيام التي لعبت فيها مع أقاربك و أصدقائك و لم تنساها أو تنساهم ما حييت. الطفولة السعيدة تعني مشاعر سعيدة. و المشاعر يجب أن تنمو بين أشخاص و أشخاص  و ليس الأشخاص و الأشياء. فعادة المشاعر التي تنمو بين الأشخاص و الأشياء تكون إما مشاعرتملك أو حرمان فقط لا أكثر. أما بين الأشخاص  و الأشخاص فينمو كل أنواع المشاعر!!

أنت: كلامك به حزن و ألم و ربما حرمان، كأنك تبحثين عن شئ؟

الفتاة: أبحث عن وطن..وطن لن أجده أبداً سوي برأسي!! فرغماً عني لحياتي فترة طويلة ببلدين مختلفين، أصبحت المقارنة شديدة بينهما، فأجدني أتمني بلد ثالث مختلف عنهما، به ما أحبه في كليهما و لا أجد ما أكرهه فيهما. سأظل أشعر بالغربة دائماً، رغماً عني أشتاق لهذه البلد و تلك.. ثم تضحك ساخرة. أنا أعلم أن هذا الحلم خطأ، فأمي دائما كانت تقول لي: لا تحلمي حلما يعتمد علي الآخرين إذ لا تستطعين تحمل المخاطرة فهو إما أن يفوق أحلامك أو يدمر حلمك تماماً، فمابالك بمن يحلم بوطن؟!

 

 

 

روابط ذات صلة:

http://www.ahmedabdelhamid.com/arblog/?p=1232

 

1 thought on “أطفال الغربة

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.