دادي و النجاح
يختلف مفهوم النجاح من شخص لآخر و من مجتمع لآخر، فمثلاً في مصر المفهوم الأكثر انتشاراً هو الغني، “اللي معاه قرش يساوي قرش”، في أمريكا في الأغلب هو الشهرة. و يظهر ذلك في أكثر الأحلام انتشاراً بين المراهقين، فذلك في الأغلب يعكس المجتمع و ليس الفرد فقط، ففي هذه السن يريد الإنسان أن يرضي عنه مجتمعه.
و من فرد لآخر و علي حسب معتقد و بيئة و أهداف كل شخص يفرق مفهوم و دليل النجاح، فمثلاً هناك من إذا حقق درجات علمية محددة يعتبر نفسه ناجحاً و لكن لو قيمه آخر و رأي ان هذه الدرجات لم ترفع من مستوي الشخص مادياً فلا قيمة لها، لا يعتبر مثلاً أستاذ الجامعة ناجحاً ما دام لا زال يركب سيارة ماركة اللي يحب النبي يزق !!
مفهوم النجاح:
عن والدي رحمة الله عليه، مفهوم النجاح و استراتيجياته و أسلوبه و أهدافه كانت محددة علي مدار العمر كله، والدي يحترم أي عمل ما دام شريفاً.
تعريف النجاح لديه: “أن تكون من أفضل من بهذا المجال و يا حبذا لو كنت الأفضل علي الإطلاق”
حين التحقت المرحلة الثانوية و بدأت أحتار، قال لي أن لي حرية الإختيار و لكن المهم أن أكون الأولي علي الدفعة !!
استراتيجية النجاح:
لتحقيق النجاح المطلق في المدرسة كان هناك قاعدتان أساسيتان: “التركيز و الصلاة”
فقط هما عاملا النجاح…
أبي لم يكن يؤمن بمقولة أنه يتعين علي الإنسان أن يعمل بما يحب لينجح، بل كان يؤمن ب “من جد وجد” الحب ليس شرطاً للنجاح بالمرة، ربما يكون عامل مساعد أو محفز و لكنه ليس ضروري بالمرة…
النجاح ليس به حب أو كره، التفوق و التميز بهما تركيز و جد و سهر و عرق و إخلاص في المذاكرة، لا يقتنع بالعوامل الفردية و لا العبقرية و لا الطفرات و لا أي شئ.
فقط التركيز و الصلاة يكفيا لتنجح.
و التركيز كان لتقليل الوقت و المجهود و أيضاً لرفع الكفاءة لأعلي درجة و دليل علي الذكاء.
كان رحمة الله عليه يضرب بمنفسه المثل حين كان طالباً، كان يقول أنه في بكالريوس عزم أن يكون تقديره إمتياز رغم بعض الظروف العائلية الصعبة التي مر بها خلال تلك السنة.
فكان يقول: ” كنت أذاكر منذ أن أعود من الكلية حتي معاد النوم الذي لا يتزحزح و لا لدقيقة واحدة، المخ يحتاج النوم لترتيب الأفكار، فالنوم لعدد ساعات كافية هو مفتاح عقل مصحصح و يفكر بسرعة و بطريقة صحيحة و مرتبة”
فكالعادة كنت أتلامض و أسأله: “ألم تكن تزهق أبداً أو تتعب أو تمل من المذاكرة، فهي ليست بالأمر المسلي علي النحو الذي تحكيه”
فيجيب :”بالتأكيد كنت أمل و أشرد و أحياناً أفكر بأحداث اليوم و ما قال هذا و ما فعلت تلك، و لكن عندما يحدث هذا أفزع للصلاة، لا شئ سوي المذاكرة و الصلاة و النوم، فما دمت لا أذاكر و لا أستطيع التركيز و المذاكرة ..أقوم أتوضأ و أصلي ركعتين أدعو فيهما الله أن يوفقني. فالمذاكرة دون توفيق من الله مستحيلة!!والصلاة تبعد الشيطان، فالسرحان و الشرود و التفكير في التوافه بالتأكيد من الشيطان، فلذلك أصلي لأبعده. مثلاً انتي ستجدي نفسك أثناء المذاكرة تفكرين بأشياء عجيبة، لو حدثت و انتي بالأجازة ما كنتي لتفكري فيها مطلقاً و لكن الشيطان يجعلك تفكري فيها لتحيدي عن تحقيق هدفك الذي سيسعدك عند تحقيقه و هو لا يريد ذلك بالطبع، فهدفه هو تعاستك فقط في الدنيا و الآخرة. فحين تصلي تكوني قد لجأتي إلي الله الأقوي و الذي يعصمك منه و من أذيته”
فكنت أستمر في اللماضة لتعطيل المذاكرة بعض الوقت و التسلية بالرغي ؟!
فسألته: “يعني ممكن أذاكر و برضه أسقط في النهاية؟؟!!”
فيقول: “نعم و بكل تأكيد و لكن حينها لا يحزن الإنسان فهو قد عمل ما عليه و لم يوفقه الله بالتأكيد لسبب و سر إلاهي في الغيب لا يعلمه إلا هو، و سيعلمه الإنسان لاحقاً في حياته، لكن حتي لو حدث ذلك لا يجب أن يكون عذر أو سبب في تكاسل الواحد لاحقاً، فالله عدل و حق، و لا يظلم أحد، ربما هو إمتحان من الله ليري مدي جلد الإنسان، و علي قدر العزائم تكون الشدائد. فمثلاً شخص متفوق طوال حياته و ذاكر طول السنة و لكن فجأة ليلة امتحانه يتوفي أحد أفراد أسرته أو يصاب شخصياً في حادثة أو أيٍ من هذه المصائب و ربما لا يستطيع دخول الإمتحان حتي؟!، حينها عليه ألا يحزن. الإنسان لا يجب أن يحزن إلا من تقصير نفسه و إهماله”
و سأضرب لكم مثلاً في النهاية علي ذلك حدث معي أنا و والدي كدليل علي التوفيق من الله.
تكتيكات النجاح :
الآن العملية التعليمية واضحة برأس أبي، الهدف هو النجاح أي نكون الأفضل، و الإستراتيجية هي التركيز في المذاكرة و الصلاة، و يبقي التكتيكات و tricks أي الحيل لتحقيق كل ذلك.
شعار التكتيك كان دائماً: “علي راس العصفورة و نشني”
يتبعه:”رصاصة واحدة و تخلصي الgame”
أي لا تلفي و تدوري و تضيعي وقتك و مجهودك و ترهقي من يقيمك !!
في المواد النظرية و اللغات، المدرس أو المصحح يبحث في الأغلب علي كلمة أو كلمتين محددتين، لو وجدهم أعطي الدرجة النهائية و هو سعيد، إذن اكتبي ما تشائي و لكن هاتين الكلمتين ميزهما إما بلون مختلف -لو ذلك مسموحاً- أو بتكبير الخط أو وضع خط تحتهما.
أما عن المواد العلمية عادة المصحح يبحث عن رقم معين فضعيه في مربع ليظهر أو رسمة محددة أو جراف معين.
الإجابة التي يبحث عنها المصحح يجب أن تكون ظاهرة و واضحة كما كان والدي يقوا: “حاجة واضحة تغزق عين المصحح” :))
“أما أن تضعي الإجابة في وسط لت و عجن و تتوقعي أن يقرأ رغيك فلا تلومي إلا نفسك، سيمل و لو وجدهم لن يعطيكي الدرجة النهائية عقاباً علي إرهاقه، إرحميه يرحمك ::))
وضحي أنك فهمتي التريكة التي في السؤال، اظهري ذكائك ليحترمك”
في النهاية هذه الخطة للنجاح: حدد مفهومك أو هدفك ثم ارسم الاستراتيجية و بعدها نفذ التكتيكات و الله الموفق 🙂
أما عن مثال التوفيق من الله، فقد حدث لي و أنا في الصف الثاني الثانوي-كنت أول دفعة تحسين ة الثانوية العامة تحسب علي سنتين و ليس سنة واحدة- في ذلك العام لم أنتوي تأجيل أي مادة سوي علم النفس لأنها كانت صعبة عليّ، و كنت قسم العلمي الشامل أي آخذ مواد علمي رياضة و علوم معاً ليكون لي فرصة إختيار أي كلية علمية لاحقاً.
أول امتحان كان لغة عربية، جائني مدرس اللغة العربية للمراجعة ليلتها و لغي لي عدة دروس، و قال أن أركز علي دروس معينة، ففعلت و والدي كان حاضراً هذا الكلام و سمعه.
دخلت الإمتحان في اليوم التالي لأجد كل الدروس التي لغاها المدرس هي التي عليها الأسئلة، و حتي سؤال التعبير، كنت بارعة في كتابة المقال، ففوجئت بالسؤال يطلب قصة و تقرير!!!!
شعرت حينها أن كل شئ راح، الماضي و الحاضر و المستقبل، كل هذه السنين من المذاكرة و حرق الأعصاب ….كله راح، كل أحلام الكليات و المجموع ..انتهت، انتهي كل شئ و نزلت كلمة النهاية علي حياتي!!
لمح والدي- الذي كان ينتظرني خارج اللجنة هو و أمي-الامتحان في يد أحد الطلبة قبل خروجي، فعلم ما سيكون.
و بمجرد خروجي من اللجنة صراحة كنت أود أن أجري و أهرب من أبي من شعوري بالخزي، كيفسأقول له أني سأرسب، هاجيب صفر!! أفضل أن أكون من الشوارع عن هذه اللحظة، فأنا لا أستحق اللقمة و لا حتي النفس!!
وجدت أبي ملتصقاً بباب المدرسة… لا مجال للهرب، أخذني في حضنه و جري بي و هو يخبئ رأسي في حضنه حتي السيارة و لم يسألني ماذا فعلت بل ظلت عينيه ترقبني في المرايا و هو مبتسم و ساق مسرعاً إلي أن وقف في مكان معين نحبه علي النيل بالقرب من منزلنا ظليل و دائماً نسمته عليلة، و سأل : “ماذا فعلت؟” فانفجرت باكية أحكي ما حدث و أريه ورقة الإمتحان، فقال علمت ذلك و لهذا أخذتك سريعا بعيداً حتي لا تنهاري أمام زملائك و ذويهم، و لكن هل حللت أي شئ أم تركت الورقة بيضاء؟”
فقلت:أجبت علي قدر ما ساعدتني الذاكرة و ما لم أعرفه اخترعته و فتيت”
قال:”إذن لن ترسبي و لن تأخذي صفر، الآن لنلحق ما يمكن أن نلحقه في المواد الأخري، لا تحزني”
و عدت البيت باكية و كالعادة نمت، ظللت نائمة و استيقظت فقط علي والدي يزعق-و هذا لم يحدث أبداً فأبي حليييييييييييييييييم و باله طوييييييييييييل و صبوووووووووور- و جدت أنه كان ذلك المدرس الملعون أتي بكل تبجح ليراجع لأخي الأكبر حيث أن أخي كان في الثانوية العامة هو الآخر لكن علي النظام القديم، نظام السنة الواحدة. فطرده أبي قبل أن يقتله.
حينها شعرت أن أبي يعذرني و يعلم انه ليس تقصير مني.
و ظللت نائمة حوالي ١٦ ساعة متواصلة، نوم عمييييق مليئ بالأحلام تارة و الكوابيس تارة أخري.
إلي أن أيقظني أبي قائلاً أني لابد أن آكل، و خرج لوالدتي يعلمها اني استيقظت، فتسحب أخي الأصغر الذي كان بشهادة الإعدادية وقتها ليطمئن عليّ و سألته عن حالة دادي و ان كان غاضباً مني -فهو كان بارعاً في إخفاء غضبه- فطمأنني أخي و قال أن أبي حزين عليّ و علي عمري الذي راح و كان قلقاً جداًعليّ و لا داعي لأن أخاف.
و جائني بعدها دادي و مامي و جلسا يطعماني و أنا في السرير، و كانا يتصنعان الإبتسام و قال دادي انه حزين بكل تأكيد لما حدث و لكنه ليس ذنبي بل هو عدم توفيق و قال أن بالتأكيد ذلك هو الخير الذي لا نعلمه و لم نكن أبداً لنختاره لقصر نظرنا و عدم علمنا، و أن الله جاعل لي خير كثير في كلية ربما لم نكن أبداً لنختارها فيجبرنا الله عليها الآن و نحن حزاني و لا نعلم ما هو نصيبك، ربما في هذه الكلية التي نراها نحن الآن متواضعة يكون تفوقك و تميزك و نصيبك أيضاً، لو اطلعتم علي الغيب لاخترتم الواقع، و علينا أن نرضي بقضاء الله و قدره. و لكن ليس معني ذلك أن تظلي نائمة لآخر الإمتحنات، فهذا الوزير مجنون و قد يشرع فجأة أنه لا يوجد تحسين أو يغير القوانين أو يحدث تزوير في هذه المادة و يعيدها و عندئذ يجب أن يكون مجموعك ببقية المواد علي المستوي المتوقع منك و المناسب لك، لا أحد يدري ما سيكون بغدا و لكن علينا الثقة بالله و أنه لن يضيعنا، ثم عليكي الجلد و التماسك حتي لا تهزي ثقة أخويكي، و أنتم جميعاً شهادات!!!
و أنا قد أخذت لك حقك من ذلك المدرس الملعون و طردته من البيت”
ذهب أخي الأكبر و الحمد لله أدي بصورة جيدة الإمتحان و عندما عاد وجدني لا زلت في السرير نائمة، فأيقظني و كنا في العادة لا نذاكر في يوم العودة من الإمتحان فقال لي أخي انزلي معي المكتب و هاتي كتب علم النفس، ففعلت و قال:”الآن بعد أن قررت أن تدخلي امتحان علم النفس بدلاً من تأجيله، أعلم انك لم تذاكريه و لكن يتعين الآن أن نلحق ما يمكن إلحاقه، أمامنا فقط ٢٤ ساعة علي الإمتحان، و أمامنا هذا الكتاب، لا يوجد معطيات أخري لهذه المشكلة، أنا لم آخذه لأقول لك أين تجئ الأسئلة أو عما يبحث المصحح، ليس أمامنا سوي قراءة هذا الكتاب مرتين، لا يوجد وقت لمذاكرته حتي، فقط قرائته هو الممكنه،هل يمكننا فعل ذلك؟”
فقلت نعم هذا سهل، ان كان علي القراءة فبسيطة
قال تمام و لكن عليكي التركيز فلا يوجد وقت لقراءة أي صفحة أكثر من مرتين، اللي نقوله يدخل علي المخ علي طول
و قد كان و استطعنا قرائته مرتين و النوم أيضاً خلال هذه ال٢٤ ساعة و دخلت الإمتحان و كلي سخرية و لا مبالاة و هدوء أعصاب فأنا راسبة لا محالة و أهلي يعلمون ذلك، إذن لا يوجد أي سبب للقلق، و كل ذلك فقط تأدية واجب و وقت لا أكثر. و جائت الأسئلة و فوجئت أني أعرفهم جميعاً و حللت علي قدر ما ساعدتني ذاكرتي و الحمد لله علي ما أذكر لم أحتاج تحسين هذه المادة فكانت الدرجة تقريباً ٤٨ من ٥٠ و …..وفقني الله…!!!
و ربما لولا ما حدث في امتحان اللغة العربية ما كنت ذاكرت أو ركزت علي هذا النحو في علم النفس؟! سبحان الله.
ختاماً كان دائماً يوصيني أن أقرأ الإخلاص ٣ مرات و المعوذتين و آية الكرسي و أدعو هذا الدعاء قبل الإمتحان و عند أي سؤال لا أعلمه أو أنسي إجابته و أتلخبط:
“اللهم افتح عليّ فتوح العارفين بحكمتك و انشر عليّ رحمتك و ذكرني ما أنساه ياذا الجلال و الإكرام” امين 🙂
رحمة الله عليك يا والدي :))
رائعه هي كتاباتك .. جزاكِ الله عنا كل الخير وأمدك بالعلم النافع .. امين